صورة عامة / يحكى أن / مأساة تتار القرم- الغضب – ج1 - ص4
يحكى أن

مأساة شعب تتار القرم ج2

تستكمل الحلقة مأساة شعب تتار القرم ليحدثنا من بقي منهم عن الذكريات والوقائع المتكررة عند الترحيل حاملين مصاحفهم العتيقة ناسين وثائقهم التي تثبت ملكيتهم لأراضيهم وبيوتهم.

– مأساة السجن والنفي إلى أوزباكستان
– المقاومة والاحتفاظ بالهوية
– انتصار الشعب وبداية العودة

undefined

في 18 مايو/ أيار عام 1945 قرر ستالين ترحيل تتار القرم بحجة تعاونهم مع الألمان خلال الحرب العالمية الثانية فشحن ما يزيد عن ربع مليون نسمة في قطارات شحن البضائع والماشية في رحلة دامت حوالي أربعة أسابيع ليصل من بقي منهم حيا إلى المنفى.


مأساة السجن والنفي إلى أوزباكستان

منورة: أدخلونا في عربات فارغة من الحديد فقط وحينما يموت أحد منا كانوا يفتحون الأبواب يرمون الجثث على الطريق وعندما نكون فوق ممرات مائية يلقونها في الماء من دون دفنها ومن دون توقف.

أسعد طه: من المفيد أحيانا أن تنظر إلى الصورة من بعد لعلك تكتشف شيء لم تدركه وأنت في قلبها، ترى هل بت أسير هذه الحكايات الإنسانية فانحزت لأصحابها؟ لما لا ألتمس لستالين العذر؟ لعله محق في أنهم خانوا الوطن وتعاونوا مع الألمان ولكن ماذا بشأن أربعين ألف مقاتل تتاري حاربوا في صفوف جيشه ضد الألمان ثم عاد من ظل حي منهم ليجد أهله وقد تم نفيهم؟ أعود فأقول وربما ستالين كان يثأر لبغداد لكن هؤلاء التتار غير أولئك الذين هاجموها ودمروها في زمن الخلافة العباسية وحتى إن فعلوا كما زعمت بعض الروايات التاريخية فإن العقاب الجماعي لشعب كامل أمر مرفوض، ثم إن التتار أو المغول عادوا مرة أخرى إلى بغداد ولا أحد يطلب سوى العدل ومن أبسط مبادئ العدل ألا تتكرر الجريمة وحتى لا تتكرر يجب أن تبقى دوما في الذاكرة.

الجزء الثاني

من مأساة تتار القرم

منورة: وصلنا إلى أوزباكستان منطقة بيقاوات، كانوا يحفرون قناة هناك، أخرجونا من القطار وكنا جميعا متسخين، كان شعري طويلا ساعتها يصل إلى الأرض، لم أكن أريد فقدانه لكنهم حلقوا شعري، أصبحنا جميعا من حليقي الرؤوس ثم أرسلونا إلى حمامات الاغتسال.

مشاركة أولى: أقدامي متشققة فقد كنت عارية القدمين، القذارة تغطينا وليس هناك من صابون للاستحمام، كنا نحاول أن نجد شيئا لنشعله كي نتدفأ لكننا لم نجد شيئا فلا ماء ولا شيء وإن وجدناه فلم يكن هناك من عود ثقاب واحد، كنا نطلب من السكان المحليين أن يعطونا شعلة وفي بعض الأحيان كانوا يلقون لنا قطعة واحدة فقط من الصوف المشتعل على الأرض، لقد كان الأوزباك أشرارا في البدء وبعد ذلك عندما علموا بأننا أناس جيدون تغيرت المعاملة وأصبحنا كالأخوة.

مشارك أول: وصلنا إلى أوزباكستان وهناك بدؤوا في تعدادنا ثم وضعنا كل عربة على حدة داخل شاحنة وكل عربة أخذت وجهة مختلفة.. هذا في سمرقند، هذا حدث في محطة القطارات وقد نقلنا من هناك إلى محطة اسمها جمعة ومن قريتنا كان هناك ثلاثة أو أربعة عائلات أما الباقون من قريتنا فقد تم ترحيلهم إلى جهة أخرى من أوزباكستان تسمى منطقة أورغور، وصلنا ووزعنا داخل حظائر، حظيرة للخيول لكل عائلة قسم من حظيرة.

مشاركة ثانية: عندما وصلنا مرض أخي وأخذوه إلى المستشفى وفي عام 1944 في الثامن عشر من ديسمبر/ كانون أول توفي أخي وكيف مات؟ قبل وفاته كنت أزوره فقال لي هات لي ثيابي يا أختاه فاليوم أغادر، عندما زرته في اليوم التالي لم أجده كانوا قد أخذوه، كان هناك شيخ مسن في الغرفة قال لي أجلسي يا ابنتي، سوف أخبرك بما حدث، قال لي عند الساعة الواحدة صباحا دخلوا إلينا وأعطوني حبة دواء وحقنوا أخاك وبعد بضع ساعات أتوا وأخذوه، بدأت أبكي وأسأل إلى أين أخذتم أخي؟ عندها قال لي ذلك المسن بأن أخي مات، لقد قتلوه، حقنوه بإبرة أما نحن فقد أعطونا حبة دواء فبقينا أحياء، أخذوه بعد وفاته، اذهبي إلى براد الموتى لعله هناك، خرجت من المستشفى والثلج كان في كل مكان وأنا حافية القدمين.

مشاركة ثالثة: بهذه الحالة وصلت أختي وقالت إن أخي توفي ووالدنا مريض، هكذا عشنا إلى أن ساعدنا بعض الناس الطيبين.

مشاركة رابعة: إلى شهر فبراير أو مارس حتى بدأ الطقس يتحسن وأخذنا نشعر بالدفء ونقلنا إلى المستشفى.


مشاركة خامسة: نقلنا نحن الثلاثة إلى المستشفى.

مشاركة رابعة: وهناك كانوا يطعمونا الجزر المسلوق وبقدرة الله فقط بقينا على قيد الحياة.

مشارك ثاني: ثم أتى فصل الشتاء وليس لدينا تدفئة والأطفال كثر، والدي ترك المنزل من أجل العمل، ذهب بحثا عن الحطب والطريق مغطى بالثلج وعلى هذا الطريق إلى شرخناه توفي ولم نكن نعرف بالتحديد أين هو، ثم وصلتنا رسالة بأن والدي مريض في شرخناه ومعلومة أخرى بأنه توفي ودفن في مكان ما على الطريق وحملت أنا الخبر إلى المنزل وأخذ الجميع بالبكاء، أصبحت حالتنا صعبة ثم أرسلتني أمي لأعمل بتصليح الأحذية وكنت آتي لهم بالخبز أحيانا.

مشارك أول: نقلوا أمي إلى المستشفى في نهاية شهر يوليو / تموز.. هذا في فصل الصيف وفي اليوم التالي وضعونا في شاحنة ونقلونا إلى إحدى المستشفيات التي تبعد حوالي 12 كيلو مترا وقال لي شاب يبلغ من العمر 25 عاما عندما كنا سويا، قال لي: إن أمي قد ماتت وكيف ماتت؟ وكما تعرفون فهم لم يقوموا بدفنها بمفردها بل قاموا بدفن الموتى جماعيا وربما هم دفنوها على هذا الشكل وحتى الآن لا أعرف مكان دفنها.

مشاركة سادسة: أما والدي فقد وجدنا بمساعدة شخص ما وجاء إلينا.. لقد هرب من هناك وجاء إلينا وبدأ يعمل كذلك أمي وبعد شهرين في المستشفى هربت من هناك وركبت قطارات الشحن ووصلت إلينا، هكذا عدنا نعيش معا ووجدت أمي لنفسها وظيفة في دار حضانة، عملت في خدمة الأطفال أما أبي فعمل حدادا هنا، يعيش والدي يعقوب وهو من مواليد عام 1910 والآن هو مريض وحالته الصحية سيئة، ضغط دمه يرتفع.

مشارك ثالث: أنا بنفسي وجدت أهلي فقط في العام 1951.. في حينها كنت نقيبا، لمدة يومين سرت داخل بازار أسأل الأوزباك المسلمين أين يعيش تتار القرم من سمفيروبل ووجدت أهلي في اليوم الثالث وكانوا من دون أي شيء حتى الأغطية والشراشف لم تكن موجودة، صدمت بسبب ما رأيت.

شازيا مصطفى: نحن كنا ثلاثة أمي وأختي وأخي وأنا، أمي توفيت بعد ثلاثة أشهر العام 1944 وبقينا نحن أنا وأخي الأصغر ولم يكن هناك من أحد ليعتني بنا فأخذنا بعض الخرق وقمنا بغسلها ثم حفرنا حفرة صغيرة دفنا أمي فيها وغطيناها بالتراب، بعد ثلاثة أشهر من وصولنا بقينا نحن وحدنا، ثم هربت من هناك وعدت إلى القرم فألقي القبض علي وأدخلت السجن، أمضيت أياما طويلة في السجن، أتت أمي وعبر النافذة قالت لي شازيا لعلك تريدين الأكل.. كانت قد وضعت لي بعض الخبز المجفف وحينما نظرت إلى الخبز ترآى لي أنه أرنبا وهرب وقطع الخبز المحمصة أصبحت أرنبا ثم اختفى كل شيء وعدت إلى النوم وفي اليوم التالي عادت أمي ووضعت عن يميني ويساري بعض ثمار البندوره وقالت ابنتي تلك الكمية طرية وتلك أقسى فابدئي بأكل الطرية وفعلت ما طلبته مني في منامي وفي الصباح أخبرت الروس بما رأيته في حلمي فقالوا لي لن يتم سجنك.. سوف يعيدونك إلى المكان الذي هربت منه، على كل حال أعادوني وأعطيت اسما وعائلة جديدة، كنت شازيا مصطفى، أصبحت باللغة الروسية كان اسمي.. ماذا؟ أنا غوسيفا ألكسندرا نيكولا يفنا، ذلك عندما أعادوني عندها قالوا لي بأن تلك التي كانت شازيا مصطفى أصبحت غوسيفا ألكسندرا نيكولا يفنا وقد ولدت في مكان ما داخل روسيا.

المقاومة والاحتفاظ بالهوية

مشاركة سادسة: هذه هي أمي.. زوجة أبي عائشة عبد الرحمانوفا، مواليد عام 1920، بالأمس شعرت بالمرض.. ارتفعت حرارتها وقمت بإعطائها بعض الأدوية، بعد ذلك شعرت بتحسن، أمي أيضا في كل الأوقات تقوم بقراءة الآيات الكريمة وتصلي، يقال حقا إنها لا تجيد القراءة باللغة العربية لكن كل شيء مكتوب بأحرف روسية وهي تتلوها فجميع سور القرآن موجودة لديها هنا وهي دائما ما تتلوها.

مشارك رابع: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقام محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد.

أسعد طه: عجائز تزيد أعمارهم عن الثمانين عاما يسترجعون من الذاكرة أحداث جرت قبل أكثر من ستين عاما ويذكرون تفاصيل صغيرة وقعت لهم، كان ذلك يدهشني، كان يدهشني أكثر تلك الواقعة المتكررة عند الترحيل وأمام صرخات العسكر وصياتهم ينسى الناس أن يحملوا معهم وثائق تثبت ملكيتهم لأراضيهم وبيوتهم، لكنهم لا ينسون أبدا مصاحفهم العتيقة.

مشارك أول: ثم أتى فصل الشتاء وكان الأسوأ، لم يكن لدينا ما نرتديه، كنا إذا وجدنا قطعة حطب نشعلها، تلك السنة كان البرد شديدا والثلج كثيفا ثم جمعتنا عجوز من قريتنا وقالت سوف نعيش معا في السراء والضراء وعشنا سويا وعانينا البرد والجوع وبحثنا عن الطعام في القمامة، كنا نجمع فضلات الطعام، نعود إلى المسكن ونضع تلك الفضلات على الموقدة الحامية ثم نأكلها كي لا نموت جوعا ويقول البعض بأنه لن نأكل ذلك أبدا وأجيب بأن من لم يذق آلام الجوع فليصمت.

مشارك خامس: وإلى العام 1950 بقى في عائلتي المؤلفة من سبعة أشخاص أربعة أشخاص فقط، ثلاثة توفوا ثم بدأ والدي بالعمل وأصبح لدينا ممتلكات وفي العام 1950 وبتهمة العداء للشعب السوفييتي حكم على والدي بخمسة وعشرين عاما سجنا وأخذوا جميع ممتلكاتنا المنزلية وأرسلوا والدي إلى الشمال إلى جزيرة دودينكا حيث الظلمة ليل نهار لمدة ثلاثة أشهر في العام، ثم عاد أبي بعد أن قضى هناك سبع سنوات وعاش قليلا ثم دفناه في أوزباكستان.

مشارك سادس: وأخذ الناس يموتون من الجوع والمرض ففي يوم واحد كنا ندفن خمسة أو ستة أشخاص ولاحقا توفي جميع كبار السن ولم يعد أحد في الأحياء يجيد قراءة الفاتحة على أرواح الموتى حتى أن النساء دفنت أطفالها.

مشاركة سابعة: أما أمي فتم إبعادها إلى أوزباكستان وإلى أن عرفت أين نحن عاجلها الموت وتوفيت قهرا في أوزباكستان، أما نحن ففي الأورال، في تلك المنطقة بعد سنتين أتي أبي فور عثوره علينا، أخذنا من الملجأ وعاد بنا إلى أوزباكستان، عاد بنا، تعذبنا كثيرا هناك بسبب المجاعة.

[موجز الأنباء]

أسعد طه: من حين لآخر يحتاج المرء لأن يلتقط أنفاسه فالحكايات تتدفق على لسان الناس هنا حاملة معها عشرات التفاصيل المؤلمة التي تذهب بك كل اتجاه، ترى كيف يمن توثيق هذه الواقعة؟ كيف يمكن اختصار مأساة ستين عاما في بضع روايات؟ لا بأس أن نفعل مثلما فعل بعضهم.

أيدير: اسمي أيدير ولدت في العام 1928 هنا في حي الصاغة والدي، جدي وأعمامي جميعهم كانوا في الصاغة قبل الحرب عملوا في تعاونية صغيرة قبل الرحيل في العام 1944 كنت حينها في السادسة عشرة ورحلنا عن القرم جميع تتار القرم، الأرمن اليونانيين والقرميين لم يتركوا أحدا أبعدوا الجميع.

آمينوف كوستن غادينوفيتش: اسمي آمينوف كوستن غادينوفيتش ولدت في أوزباكستان في أيام الإبعاد في عائلة رسام وبحسب التقاليد أصبحت فنانا وهذا معرضي الذي تشاهدونه الآن وهو نتاج 15 عاما لعملي الفني.

أيدير: عائلتي كانت تتكون من أربعة أشخاص، أبي، أمي، أنا وشقيقي الأصغر مني أبي حاول العمل بمهنته لأنه لم يكن يجيد غيرها في ذلك الوقت لم يكن هناك مجالا لتسويق هذه الأعمال ثم عمل أيضا في معمل وبعد ذلك مرض لفترة طويلة.

منورة: كان أبي يقول بأنه سوف يعود وشعبه إلى الأرض التي أبعدوا عنها، كان يصلي ليل نهار من أجل العودة لكن وفي عام 1987 وفي شهر رمضان توفي أبي، بعد أبي بقيت أمي حية سنتين.

"
كانت جدتي تعلمنا القرآن و الصلاة في غرف مغلقة كي لا يسمعنا أحد
"
مشاركة

مشاركة ثانية: وعندما كانت جدتي تعلمنا القرآن كان ذلك يحدث في غرف مغلقة كي لا يسمعنا أحد، الصلاة أيضا كانت تتم بنفس الطريقة وعندما كانوا يذهبون إلى العمل كانوا يعطوهم الماء للشرب فقط كي لا يتوضؤوا، فعلوا الكثير كي لا يتوضؤوا حتى أنهم أعطوا والدتي خبزا بالثوم بدل الماء كي لا تتوضأ.

مشارك أول: عندما كنا في القرم تعلمنا اللغة التتارية، لكن عندما أصبحنا في أوزباكستان لم يعد هناك أي لغة تتارية، فقط في المنزل كنا نتكلمها، الفتيات كن ينشدن بعض الأغاني التتارية واللغة الروسية كانت هي الأساس.. العناوين كانت من أجل الوطن ومن أجل ستالين.

انتصار الشعب وبداية العودة

أسعد طه: تمر السنوات بطيئة متشابهة، قالوا لي إن اعتراف خرتشوف عام 1956 بجرائم النفي والتهجير التي ارتكبها سلفه ستالين كان مفاجئة لهم، أضافوا أنه قد أطلق سراحهم من المناطق المغلقة التي كانوا معزولين فيها غير أنه لم يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، لاحقا شهد عام 1968 إعلانا رسميا بتبرئتهم من تهمة خيانة الوطن، حكوا لي كثيرا عن كفاح سياسي طويل خاضوه مظاهرات واحتجاجات لم تكن معهودة في ذاك الحين إلى أن حلت اللحظة المناسبة مع بوادر انهيار الاتحاد السوفييتي حينها أعلن غورباتشوف أن إبعاد التتار غير قانوني وأقر بحقهم في العودة إلى ديارهم.

مشارك سادس: فقد كنا من دون أي حقوق إلى وصول غورباتشوف إلى السلطة وبدأ البرسترويكا، لقد زار العديد من الجمهوريات ورأى كيف يعيش الناس ثم خفض في صرامة القوانين وبذلك بدأت حركة شعبنا في العودة، لكن ومع وصولهم كانوا يعطونهم 24 ساعة للعودة من حيث أتوا، يقولون لهم لقد خرقتم القوانين السوفيتية، أحد التتار الذين عادوا سجن ثلاث مرات وفي المرة الأخيرة عندما أتوا للقبض عليه أحرق نفسه، لكن مع العودة الجماعية لم يستطيعوا إيقافنا، حاولوا كثيرا لكنهم لم يستطيعوا أن يوقفوا الشعب، لكن مع ذلك كانوا يضعون العراقيل فإذا اشتريت منزلا يقولون لك لا يحق لك العمل، لكن كيف العيش؟ فيجيبون جد عملا ثم اشتر بيتا.

أيدير: بدأ الناشطون بالمطالبة بحق العودة السلمية إلى أرض الوطن حيث ولدنا وعشنا لقرون نحن تتار القرم حيث كانت سيادتنا وأرضنا، لكن في تلك الأوقات كان هذا الناشط خطر وقد أدخل الكثيرون إلى السجون بسبب ذلك ومع ذلك استمر الشعب بالمطالبة والمشاركة في تلك الحركات المطلبية وفي النهاية تستطيع القول بأن الشعب انتصر ومن دون أي عون.

منورة: وفي عام 1988 وجب علي الرحيل، لماذا؟ لأن أبي قال لي إنه إذا لم نستطع أنا ووالدتك العودة حينها يجب علي القيام بذلك وعليك أن تقبلي أرضنا باسمي وأن تواصلي الدعاء من أجل أن نعود جميعا، لكن أبي توفي وأنا نفذت وصيته، في عام 1988 في شهر مايو.. الشهر الذي رحلنا فيه عدت مع ابني إلى هنا، لدي ثلاثة أبناء علي وحبيب الله وعبد الله، لقد ربيتهم وحيدة لأن زوجي توفي وأنا لم أتزوج من جديد بل تابعت تربية أبنائي على القيم الإسلامية.

مشارك سابع: هذا ابني أنهى صفه السادس وفي هذه السنة سوف يبدأ دراسته في الصف السابع، مواليد عام 1992، مازال يافعا وأنا مسن لا أدري كم بقي لي في هذه الحياة حينما سأرحل سيصبح يتيما.

مشاركة ثامنة: هنا وطني القرم حد وطني، هنا في سمفيروربل درست في المدرسة رقم 12 لمدة سنتين، هنا درست وعشت لمدة سنتين، هكذا عدت إلى بيتي وهناك سئلت إلى أين؟ فأجبتهم بأن الطيور تعود إلى ديارها وأنا أريد العودة إلى دياري وأقول ما الذي أفعله في أوزباكستان؟ وطني وهو القرم، في البدء عاد ابني ثم عدت أنا وفي الثاني عشر من أكتوبر أكون قد أتممت العشر سنوات على عودتي ومع زوجي في 12 أكتوبر، أعيش هنا منذ 10 سنوات، في البدء عشت مع ابني لكنه تزوج وطردني من البيت والآن أنا أعيش في شقة.

مشارك ثامن: كيف يمكن جمع شعب بأكمله وطرده من بيته ونقله إلى سهول غير قابلة للحياة؟ أي إصدار حكم بالموت على شعب، لكن لماذا ؟ هذا هو السؤال وكل تلك المأساة بشكل ما، فكما ترون في أعمالي الناس جميعها تبكي.. دموعها تنهمر وأنا كمؤلف أو رسام تلك اللوحات فرح جدا بتلك الدموع علما بأنه عندما يبكي الناس لا يجب أن يجلب ذلك الفرح للآخرين، لكن دموع المتفرجين هي إثبات على أن لوحاتي تعمل وتؤثر.

"
خمسون عاما عشناها في أوزباكستان ولم يكن لدينا أية حقوق، لم يكن لدينا أرض ولا شيء، كانوا دائما ينتقدونا ويقولون لنا بأن نرحل إلى وطننا
"
مشاركة

مشاركة أولى: خمسون عاما عشناها في أوزباكستان ولم يكن لدينا أية حقوق، لم يكن لدينا أرض ولا شيء، كانوا دائما ينتقدونا ويقولون لنا بأن نرحل إلى وطننا، لدي الجميع وطن ونحن أردنا أن نعيده وفي العام 1988 قرر أولادي العودة إلى أرض الوطن لإعادتها وقد كان لدي هنا بيت جميل عاشت فيه عائلة روسية، ذهبت إليهم وسألتهم فأجابوني ما الذي نستطيع فعله؟ إلى أين نذهب؟ أين سنعيش؟ حينما قلت له إنني لا أريد البيت فهو الذي حافظ عليه وأنا الآن لدي خمس عائلات وهم جميعا من ميسوري الحال ولدي سقف فوق رأسي يحميني وقلت إنني لا أريد هذا المنزل فليبقه وليحافظ عليه، حينها أجابني هذا البيت هو ملكك وحين تأتي إلى هذه الأرض أرجو أن تدخلي لتأكلي وتشربي معنا، أرجوك زورينا، هذا ما قاله.

مشارك تاسع: وأنا الآن أعيش في هذه التخشيبة، الماء يرشح في كل مكان، أنا متقدم في السن.. عمري 75 عاما وزوجتي لديها إعاقة من الدرجة الثانية، لدي ولدان وبسبب هؤلاء الشيوعيين دخلت المعتقلات لخمسة عشر عاما، في أركوتا، أرخنجلسك، في تركمانيا وأسيا الوسطى، خمسة عشر عاما أنا أعيش تحت تهديد الرشاشات، هذا هو السؤال، أعيش هنا في هذا البيت الذي هو شبه ميت والروس هناك يعيشون منذ ثلاث سنوات، هدموا بيتي القديم، كنت أذهب لمشاهدته أما الآن فلا شيء.

أيدير: ومن الجيد أنه بقى شيء في ذاكرتي، لقد أروني في متحف قصر الخان بعض الأعمال القديمة التي حفظت والآن أقوم بإحياء تلك الصور القومية، إن عمل الصياغة التتارية فريدة من نوعها ولعله لديكم ذلك أيضا، تصميم موجود في تركيا ومصر والجزائر، هذا موجود في كل مكان، لكن تصاميمنا تنفرد عن التصاميم الأخرى وأنا أريد الحفاظ على ذلك من أجل ألا تنسى ومن أجل إعادة إحيائها كي لا تغيب تقاليدنا.

مشارك أول: كما أنني الآن حفظت آيات أخرى بشكل جيد.

مشارك سابع: كل ذلك شيدته بنفسي لكن لم تعد لدي القوة الآن للقيام بذلك، لم أعد قادرا على الاعتناء بها ويجب بيعها، الصحة لا تسمح، هناك الفاكهة، لقد زرعت تلك الأشجار والآن أكل مما زرعت.

أسعد طه: شكرا.

مشارك سابع: حينما تنضج مازالت بحاجة لبعض الوقت لكي تنضج، نوعية رائعة.

مشارك ثالث: ولم يسمح لنا بدراسة القانون ولا التاريخ، فقط في الستينات أعطينا الحق في التعلم في العمارة فقط ولا لدراسة القانون الاقتصاد والطب.

مشاركة أولى: عشنا في ذلك المنوال خمسين عاما والآن عدنا إلى هنا وهنا أيضا نبدأ من لا شيء والشكر لصهري لأنه بنى لنا هذا البيت والآن نعيش هنا والحمد لله وذلك أرجوه للجميع، أطلب كذلك رجاء من الشباب أن يحافظوا على قوميتهم ولغتهم وإيمانهم.

مشاركة سابعة: كالأيتام كبرنا وتعذبنا، مرضت أختي ومرضت جدتي ثم فارقن الحياة، ماتت أختي بين يدي.. كنت حينها في العاشرة من عمري، هكذا تعذبنا كثيرا، عانينا المجاعة، ما الذي أضيفه لقد نسيت كل شيء.

آمينوف كوستن غادينوفيتش: هذه السلسلة من اللوحات سيميتها كي لا ننسى، لكن لماذا؟ لآن ذلك لا يمكن نسيانه وعليهم أن يتذكروا ذلك وأن ينقلوا تلك الذكرى إلى أولادهم لأنه حفظت تلك الذكرى هناك أمل بأن لا تتكرر الجريمة.

مشارك ثامن: لا تقولوا جبال ولا تقولوا حجارة، لا يوجد حصن منيع، لنا قلوبنا منهكة مملوءة بالدماء، أنظر إلى السماء ولكن لا أراها من تصاعد الدخان الأصفر من انفجار القنابل، أنظر إلى الأرض فلا ألاحظها لأنها مغطاة بأجساد الشباب، أه مدينتي أكيار، لا تقف أمامي ليس من السهل مفارقة الحياة في سن الثامنة عشر والتاسعة عشر، وددت لو أني هربت من أكيار، لو لم يكن هناك البحر الأسود وددت لو أني قتلت نفسي رميا بالرصاص، لو لم يكن هناك أب أو أم.. هذه نقوش سوداء على سفن مدينة أكيار محفور قبري هذه نقوش سوداء على سفن أكيار محفور قبري.

أسعد طه: اليوم الأخير لي في القرم كان يوما جميلا، غير أنني سرحت بعيدا عن القرم وأهله، رحت أفكر في آخرين أحبهم، وددت لو رحت إليهم في مخيماتهم وقلت لهم واحدا سوف تعودون والله كما عاد هؤلاء ستعودون، لا تضيعوا المفاتيح ولا الصكوك، صحيح قد يطول زمن الطغاة لكنهم دوما يسقطون، اسالوا أهل القرم.. هم يعرفون أنكم مثلهم، لن تنتهي حكايتكم إلا عندما تعودون، إلى الملتقى.