صورة عامة- الشريعة والحياة
الشريعة والحياة

فقه الخلاف

تتناول الحلقة موضوع فقه الخلاف، قال تعالى (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) متى يكون الخلاف رحمة ومتى يكون نقمة؟

– الفرق بين الخلاف والاختلاف والحدود بينهما
– أسباب الاختلاف ومظاهر تجلياته ونتائجه

– أنواع الاختلاف والجوانب الإيجابية والسلبية فيه

– أبعاد الاختلاف الفقهي والقيم التي تحكم الخلاف

 عثمان عثمان
 عثمان عثمان
يوسف القرضاوي
يوسف القرضاوي


عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم وأهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة. يقول الله في كتابه العزيز {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[يونس:19] ويقول عز من قائل {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ..}[آل عمران:103] فهل الخلاف قدر؟ وإذا كان قدرا فهل علينا أن نستسلم له أم أن نغالبه بقدر مثله؟ الخلاف، طبيعته وحقيقة الموقف منه، رحمة أم نقمة؟ ومتى يكون كذلك؟ وما أنواعه ومجالاته وسبل العلاج والقيم الحاكمة للخلاف؟ كل هذا نعالجه في موضوع الليلة من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. مرحبا بكم سيدي.


يوسف القرضاوي: مرحبا بكم يا أخ عثمان.

 

الفرق بين الخلاف والاختلاف والحدود بينهما


عثمان عثمان: بداية فضيلة الدكتور هل هناك خلاف أو فرق ما بين الخلاف والاختلاف؟


يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد فالخلاف قد يكون خلافا لما أمر الله عز وجل أو لرسوله أو لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في القرآن {..فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63] وكما قال سيدنا شعيب {..وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ..}[هود:88] وقد يكون الخلاف يعني بين الناس بعضهم ببعض كأن يخالف الإنسان إنسانا آخر في اعتقاده أو في رأيه الفقهي أو في موقفه السياسي أو في غير ذلك من أنواع الخلافات وهذا الخلاف يعني قد يترتب عليه الاختلاف وإن كان بعض العلماء قال "نخالف ولا نختلف" يعني يخالفون بعضهم ولا يؤدي هذا إلى الاختلاف أو ما يسمى في القرآن التفرق المذموم، يعني قد يختلف الناس في آرائهم ولا يتفرقون، ولكن الخطر في أن يؤدي الخلاف إلى اختلاف وإلى تفرق وعداوة بين بعضهم وبعض وهذا ما حذر القرآن منه حينما قال {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ..}، {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران:105] فهذا هو الخطر أن يؤدي الخلاف في الرأي أو في الاعتقاد أو في المواقف إلى تفرق وإلى عداوة وصراع بين الناس بعضهم وبعض.


عثمان عثمان: ولكم فضيلة الدكتور أيضا كتاب بعنوان "الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم". هل الخلاف فضيلة الدكتور هو قدر نستسلم له أم أنه قدر نغالبه بقدر مثله؟


يوسف القرضاوي: الخلاف قدر وكل شيء في هذه الدنيا بقدر ولكن المطلوب منا نحن المسلمين أن ندفع الأقدار بالأقدار كما ورد عن الشيخ عبد القادر الجيلاني الرجل الرباني المعروف صاحب الطريقة المعروفة القادرية، قال "ليس الرجل من يستسلم للقدر إنما الرجل من ينازع القدر بقدر" وهذا أخذه شيخ الإسلام ابن تيمية وسعوا فيه أنه مهمة المؤمن أن يدفع الأقدار بعضها ببعض، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "قالوا يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها وتقاة نتقيها ورقى نسترقي هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال هي من قدر الله" فأنت ترد قدر المرض بقدر الدواء وقدر الجوع بقدر الغذاء وقدر الأعداء بقدر إعداد القوة، فهي أقدار بعضها مع بعض، فسنة الله أن ندفع الأقدار بالأقدار.


عثمان عثمان: يعني هل للخلاف حدود لا ينبغي تجاوزها؟ أين يقع المطلب الوارد في قول الله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ..}؟


يوسف القرضاوي: الخلاف والاختلاف له طبعا حدود، أحيانا إذا وضع الخلاف في موضعه لم يضر الناس بل كان رحمة ولهذا يعني ألف بعض الأئمة "رحمة الأمة باختلاف الأئمة" وهذا الناس حتى من الكلمات الشعبية بيقول لك "يعني اختلافهم رحمة" وهذا قاله الإمام ابن قدامة في مقدمة كتابه "المغني" الكتاب الكبير ومقدمة "لمعة الاعتقاد" قال "اختلافهم رحمة واسعة واتفاقهم حجة قاطعة" العلماء، فاختلافهم رحمة فعلا لأنه قد يضيق مذهب ببعض الناس ويتسع لهم مذهب آخر، قد يصلح هذا لمذهب في بيئة أو في بلد ولا يصلح في بيئات أخرى، قد يصلح لزمان ولا يصلح، فعندنا متسع يعني بالنسبة مثلا الفروع الفقهية عندنا ميراث ضخم وتركة هائلة من جميع المذاهب ومن خارج المذاهب يعني حتى مش كل الفقه الإسلامي فقه مذاهب خصوصا المذاهب المتبوعة، في ناس ليس لهم مذهب وليس لهم أتباع، هم فقهاء كبار من الصحابة ومن التابعين ومن أتباع التابعين، فهؤلاء نستطيع أن نأخذ من آرائهم ونحل بها مشكلاتنا من داخل الشريعة ومن صيدلية الشريعة ولا نتجاوزها وفي هذا رحمة وتوسعة للناس ولذلك أنا قلت في كتابي الذي أشرت إليه "الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم" إن الاختلاف خصوصا في الفقه والآراء رحمة وضرورة وسعة وضرورة دينية وضرورة لغوية وضرورة بشرية وضرورية كونية وهو أيضا رحمة من الله -اختلاف هذه الأمة- رحمة وتوسعة على هذه الأمة، فليس الاختلاف شرا دائما إذا وضع في إطاره ورعيت آدابه وحفظت حدوده.


عثمان عثمان: الأخت مي ملكاوي على صفحة البرنامج على الـ facebook تقول "يقولون الخلاف رحمة فلو كنا جميعا متشابهين لكانت الحياة رتيبة ومملة، لكن السؤال هل الاختلاف مع الآخرين في القيم والأخلاق الدينية مدعاة للتفرق؟"


يوسف القرضاوي: هو بعض الخلاف رحمة وبعضه نقمة فعلا، إذا لم ترع الحدود والقيم والآداب في اختلاف الناس بعضهم مع بعض وأصبح هناك نوع من العصبية للرأي ونوع من التجريح للآخرين ودخلت الأهواء بين المختلفين بعضهم وبعض، هنا يصبح الخلاف شرا في هذه الحالة ويصبح الناس يتعادون، في بعض العصور كان الخلاف بين الحنفية والشافعية وهذه على أشده وأشياء يعني يمكن الناس يكادون يقاتلون بعضهم بعضها من أجل هذا الخلاف فواحد يعني يعرف في خلاف بين الحنفية وغيرهم في مسألة النبيذ، إذا نبيذ تمر أو فاكهة أو كذا يعني وضع في الماء ولم يسكر، فالأحناف لا يرون فيه بأسا والآخرون يعني يقولون لك كله يعني خمر. فسئل واحد عن قطرات من النبيذ وقعت في ماء أو في طعام أو كذا إيش الحكم؟ قال لك يرميه لكلب أو لحنفي، يعني فاعتبر الحنفي مثل الكلب، وبعض الناس من أجل تحريك الإصبع في التشهد يعني الأحناف طبعا لا يرون هذا مثلما يراه الشافعية، فأحيانا يحصل صراع حتى واحد كسر أصبع واحد لأنه يحركه في الصلاة، فهذا نوع من التعصب، فالتعصب هو الذي يفسد الاختلاف ويخرجه عن حقيقته التي فيها نوع من التيسيير على الناس ونوع من السماحة في الفكر إلى نوع من التشدد والتضييق.

أسباب الاختلاف ومظاهر تجلياته ونتائجه


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور البعض ربما يظن أن الخلاف أو الاختلاف يأتي من الجهل ولكن القرآن الكريم في مواضع عدة وفي آيات عدة يعني أشار إلى أن سبب الاختلاف في الأمم السابقة لم يأت إلا من العالمين في الدين، يعني يقول الله تعالى {..وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ..}[البقرة:213] كيف يمكن تفسير ذلك؟


يوسف القرضاوي: هو بعض الخلاف فعلا ليس سببه الجهل ولكن -كما أشار القرآن- البغي، البغي يعني أن يحسد بعضهم بعضا ويحقد بعضهم على بعض فأحيانا هذا الخلاف الديني أو الفقهي أو المذهبي هو في الحقيقة تجد سببه شخصي، إنه واحد بيحقد على واحد أو ينقم عليه أو ينافسه أو يعني بينه وبينه شيء ويديه صيغة دينية أو علمية وليس له بالدين ولا بالعلم، فهذا هو الذي قال فيه القرآن {..مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ..}[الشورى:14] أو {..مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ..} فالبغي هو الأساس وهذا هو الشر الذي يجعل الخلاف نقمة وليس رحمة.


عثمان عثمان: فاطمة الزهراء الزعيم تقول "الخلاف نعمة ولكن الشعوب الإسلامية بما أنها رضعت من ثدي الاستبداد السياسي فإن الاختلاف بالنسبة لها مصدر قلق وخوف مما يجعلها تسارع إلى إقصاء المختلف حتى تضمن استمرارها" هل الخوف من الآخر المختلف يؤدي إلى الاستبداد؟


يوسف القرضاوي: نعم، وخصوصا إذا كانت هناك عوامل تزيد من هذا الخوف وتغذيه فترى كل واحد يسيء الظن بالآخر ويتوقع الشر منه وتعمل الفتن والأكاذيب ونقل أقوال محرفة أو مختلفة وهذا الجو يعني جو ينذر بالسوء ويهيئ النفوس للاحتراب والتعادي، والإسلام يحارب العداوة والبغضاء بين.. وفي الحديث "دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعب ولكن تحلق الدين" حتى إن القرآن لما علل يعني تحريم الخمر والميسر وهذه الأشياء يعني ماشي أنها بتضيع العقل أو بتاع وده يعني شر مستطير، لما قال {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ..}[المائدة:91] فهذه القيم الاجتماعية هذه قيم المحبة والوحدة والتقارب بين الناس بعضهم وبعضه هذه القرآن يحذر من هدم هذه القيم أو اغتيالها بطريقة من الطرق ويجب الحفاظ على أن يظل الناس يحب بعضهم بعضا ويعاون بعضهم بعضا يتعاونون على البر والتقوى ويتواصون بالحق والصبر، هكذا يريد الإسلام لأبناء مجتمعه.


عثمان عثمان: إذاً الخلاف فضيلة الدكتور قد يكون رحمة وقد يكون نقمة، نفهم الخلاف قد يكون في المجال الفكري ولكن لماذا ينتقل من الميدان الفكري إلى ميدان الاقتتال والاحتراب والفرقة يعني كما يحصل بين بعض التيارات والمذاهب الإسلامية؟


يوسف القرضاوي: نقول لك هنا لأنه بتتدخل عوامل أخرى، تتدخل الأهواء والشهوات من بعض النفوس، الأحقاد، العصبية، الجاهلية، أو دسائس أجنبية، يعني كما قال القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100] وسياق الآيات وأسباب النزول تدل على أن المعنى يردوكم بعد وحدتكم متفرقين وبعد أخوتكم متعادين، لأن يهوديا وجد الأوس والخزرج متحابين في ظل الإسلام فدخل بينهم وذكرهم بأيام الجاهلية حتى أثار بعضهم بعضا وبدؤوا يتنادون بالسلام يا للأوس ويا للخزرج، فالقرآن يذكرهم بهذا وفي هذا جاء قوله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً..}[آل عمران:103] فهذه هي الأشياء التي تعكر الأجواء وتثير النفوس بعضها على بعض وتجعل من الإخوة أصحاب الدين الواحد والعقيدة الواحدة أعداء متفرقين متعادين.


عثمان عثمان: البعض يتحدث عن أنواع للاختلاف، يقول اختلاف تنوع واختلاف تضاد، ما رأيكم بهذا التقسيم؟ ما حقيقته؟


يوسف القرضاوي: هناك فعلا اختلاف التنوع واختلاف التضاد، ربنا سبحانه وتعالى خلق في الكون كثيرا من الأشياء يعبر عنها القرآن باختلاف الألوان {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ..}[النحل:13]،  {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ..}[فاطر:27، 28] فاختلاف الألوان اللي هي ظاهرة التنوع في الكون، فالكون متعدد والله سبحانه وتعالى هو الواحد، في واحد وفي كون متعدد كما قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ..}[الروم:22] ففي هناك الاختلاف العرقي، اللوني، الألوان، والاختلاف اللغوي{..وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ..} والاختلاف الديني {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ..}[التغابن:2]،  {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ..}[هود:118، 119] قال كثير من المفسرين {لذلك} أي للاختلاف خلقهم لأنه خلق لكل واحد منهم عقلا يفكر به وإرادة يرجح بها فاختلاف العقول واختلاف الإرادات جعلت الناس يختلفون في هذه ولو شاء ربك لجعل الناس كلهم زي الملائكة كلهم على عقيدة واحدة وعلى طاعة الله وعلى عبادة الله يسبحون الليل والنهار لا يفترون إنما ربنا لم يرد هذا، أراد أن يخلق صنفا ويترك له عقل يفكر والإرادة يختار بها ما يختار ويتحمل المسؤولية ولذلك القرآن يقول {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}[يونس:99] ربنا خلقهم كده، أنت حتناقض مشيئة الله في أن الناس أحرارا يختارون ما يريدون! ولذلك لا يجوز الإنسان أن يقف ضد المشيئة الإلهية ويجبر الناس على دين واحد، هو ربنا أراد هذا، فهذا يعني ينبغي أن يعرف أنه في اختلاف تنوع واختلاف تضاد وتناقض، مثل الجماعات الإسلامية يعني ممكن الخلاف اللي بينها يكون تنوعا معنى هذا إذا جماعة تشتغل بإصلاح العقيدة ومحاربة الشركيات والخرافات وجماعة تشتغل بإصلاح العبادة وإحسان الصلاة وبناء المساجد، جماعة تشتغل بإصلاح الأسرة وهكذا، جماعة تشتغل ببناء المدارس والتعليم الديني وجماعة تخوض المعترك السياسي وتقف ضد العلمانيين وجماعة تشتغل بالمعترك الجهادي وتقف ضد الصهاينة وضد.. الميدان يتسع للجميع فهنا يبقى الاختلاف اختلاف تنوع كل واحد مشغول بقضية من القضايا لا تناقض الآخرين بس في نوع من التخصص، جماعة متخصصين في السياسية يشتغلوا جماعة متخصصين في التربية يشتغلوا في التربية وبناء المدارس والجامعات، وجماعة متخصصين في الاقتصاد يعملون بنوكا إسلامية وشركات إسلامية، هذا هو اختلاف التنوع.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور هناك من يدعو إلى أن يكون جميع العاملين للإسلام تحت مظلة واحدة في جماعة واحدة في حركة إسلامية واحدة، ألا ترون أن هذا من السذاجة بمكان؟ أسمع منكم الإجابة إن شاء الله بعد وقفة قصيرة، فابقوا معنا مشاهدينا نعود إليكم بعد الفاصل بإذن الله.

[فاصل إعلاني]

أنواع الاختلاف والجوانب الإيجابية والسلبية فيه


عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي والتي هي بعنوان "الخلاف وآثاره". سيدي هناك من يدعو إلى أن يكون العاملون للإسلام كلهم في حركة واحدة أو تحت مظلة واحدة في تنظيم واحد، هل ذلك ممكن برأيك؟


يوسف القرضاوي: هذا حلم يعني عند بعض العاملين للإسلام والدعاة ولكن هو في الواقع يعني غير ممكن لأن طبيعة الناس أن يختلفوا، لكي يكون الناس جميعا في حركة واحدة يجب أن يكونوا متفقين على الأهداف وعلى ترتيب الأهداف لأنه ممكن يكونوا متفقين على إقامة دولة إسلامية ولكن واحد يريدها تكون رقم واحد، واحد يقول لك لا، خليها رقم اثنين أو ثلاثة، الأول نشر الدعوة في القاعدة والثاني تربية طليعة إسلامية وبعدين الكذا، فلازم يكونوا متفقين على الأهداف، ثم متفقين على الوسائل، كيف تقيم دولة إسلامية؟ متفقين على دولة إسلامية، إنما واحد يقول لك دولة إسلامية لا يمكن أن تأتي إلا عن طريق الانقلاب العسكري من غير كده مش ممكن حتمكن، طيب وجماعة ثانين يقولون لك ، لا، عن طريق البرلمانات والانتخابات، وجماعة يقولون لك، لا، ثورة شعبية عارمة زي ثورة الخميني يعني يتجمع الشعب كله. وبعدين لا بد أيضا أن تتفق على القيادة، ممكن تتفق على الأهداف، تتفق على الوسائل، تتفق على برامج تنفيذ وتتفق على الخطوات حتى ولكن لا تتفق على القيادة، تقول أنا لا أرضى أن يكون فلان الفلاني ده يكون هو على رأس الجماعة، أنا لا أؤمن بهؤلاء، ليس عندي ثقة بعلمه أو ليس عندي ثقة بدينه أو.. فمن أين يعني تأتي بجماعة تكون كلها متفقة على الأهداف وعلى الوسائل وعلى البرامج وعلى المراحل وعلى الخطوات وعلى القيادة نفسها؟ ولذلك لا يد أن يختلف الناس يعني في هذا ولا حرج في ذلك، يعني ممكن يتفقوا في القضايا الكبرى يكون لهم موقف واحد ويكون بينهم تفاهم وتنسيق في المواقف الإيجابية يعني بحيث لا يحارب بعضهم بعضا ولا يقف بعضهم ضد بعض، إحنا مختلفون إنما متفقون في قضايا كبرى، فموقفنا من الصهيونية ومن الدولة العبرية دولة إسرائيل موقف واحد، موقفنا من الشيوعية ودعوة الشيوعية موقف واحد، موقفنا من الاستعمار غربيا كان أو شرقيا موقف واحد، موقفنا من العدالة الاجتماعية ومن إنصاف الفقراء والطبقات الضعيفة، موقفنا من التحلل وانتشار الدعوة الإباحية بين الناس موقف.. يعني نتفق في هذه القضايا الكبرى فهذا الأمر المهم.


عثمان عثمان: في الخلاف الفقهي الأخ المهداوي صلاح الدين يقول "أتمنى أن يوضح فضيلته أي فتوى نختار حينما تتعدد الفتاوى في حالة ما، وهل مثلا إذا اتبعنا إحداها تكون الأخرى حجة عليّ خاصة إذا كانت كلتاهما بدليلهما وتفسيرهما؟".


يوسف القرضاوي: إذا كان يعني الشخص عنده قدر من العلم بحيث يستطيع أن يرجح أي الدليلين أقوى أيهما أرجح يبقى الذي يطمئن له قلبه أنه أرجح وأقوى يأخذ به، إذا لم يكن عنده هذا يعمل ما يفعله الناس عندما يعرض أمر من أمور الدنيا، يعني لو واحد مثلا عنده زوجته مريضة أو ابنه مريض وعرض على الأطباء اختلف الأطباء في تشخيص المرض أو في علاج المرض بيعمل إيه الإنسان في هذه الحالة؟ لا بد حيرجح، إما أن يرجح بأن الطبيب ده مشهور عند الناس أكثر من غيره وهو مختص في هذه القضية أو أنه بيرجح بالأكثرية أن كذا طبيب قالوا كذا وطبيب واحد هو قال لا، فيقول دول أكثر يعني فعنده مرجحات، كذلك العلماء إذا اختلفوا، في عالم اشتهر بين الناس وأن هذا أعلمهم وأعرفهم بالأدلة وكذا ويطمئن إليه قلبه يأخذ به أو يرى أن أكثر العلماء خالفوا هذا العالم واطمأن إلى أن هذه الكثرة معها الصواب يأخذ بما يطمئن إليه قلبه ولا يكلف أكثر من هذا، حتى وإن كان هذا الذي اختاره خطأ يعني لا يطلب منه أكثر من هذا.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور نأخذ بعض المشاركات من السادة المشاهدين، الأخ أزهري عباس من السودان. السلام عليكم.


أزهري عباس/ السودان: السلام عليكم. في البدء أرحب بالضيف الشيخ العلامة يوسف القرضاوي، فجزاه الله عنا كل خير وعن الأمة الإسلامية والعربية جمعاء، فالحقيقة يعني إعجابنا بهذا الرجل فاق كل حد وأتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يكون هنالك أمثال كثر ليوسف القرضاوي. وسؤالي هو كيف يكون الخلاف نقمة وكيف يكون نعمة؟ وأتمنى من الله لك مزيدا من الصحة والتقدم والازدهار وأن ينفع الله بك هذه الأمة وأن يرد الأمة إلى صوابها من جديد وأن نستعيد عهد أبا بكر وعمر وعثمان وعلي..


عثمان عثمان (مقاطعا): شكرا جزيلا أخ أزهري عباس من السودان. محمد أبو أسيد من العراق.


محمد أبو أسيد/ العراق: بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أشكر أستاذنا الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي على ما يدلو به دائما من خير على هذه الأمة، شيخنا الفاضل بما أنه كلامكم عن الاختلاف هل هو اختلاف يعني تنوع أو تضاد، نعق اليوم في بغداد أحد نواب البرلمان تهجم وتخرص على أبو بكر الصديق رضي الله عنه، يقول في معنى كلامه الشيعة مضطهدون من أبي بكر إلى أحمد حسن البكر، أساء إلى هذا الخليفة الأول وهو يعلم أنه ما كان موجودا في بغداد لولا الفتوحات التي قام بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه. فرأيكم في مثل هذه الإشاعات والخلافات التي تثار هنا وهناك، تهجم مرة على رسول الله ومرة على الخلفاء الراشدين فأرجو التنويه إلى هذا أولا وحث الخطباء في الجمعة القادمة على أن يتناولوا هذا الموضوع والدفاع عن صديق هذه الأمة وهو الرجل الثاني بعد النبي..


عثمان عثمان (مقاطعا): شكرا الأخ محمد أبو أسيد من العراق. عبد اللطيف أمزيل من المغرب.


عبد اللطيف أمزيل/ المغرب: السلام عليكم. أنا أشكركم على إثارة هذا الموضوع الذي يهدف إلى نبذ الاختلاف. وسؤالي هو كالتالي أو مداخلتي إذا كان الاختلاف مذموما في قوله تعالى {..وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ..} حيث أن البغي والكراهية كما أشار فضيلة الشيخ والبغض هم المحرك لهذا الاختلاف وحيث أن القرآن لم أجده قد خاطب أصحاب المذاهب الحنابلة ولا الشافعية ولا المالكية في قول، هو دائما يخاطب المؤمنين دون تفريق بينهم، سؤالي هو ألا تجسد هذه المذاهب نوعا من الاختلاف المذموم الذي يفرق الأمة إلى شيع وفرق كل فريق بما لديهم فرحون؟ وشكرا.


عثمان عثمان: شكرا جزيلا. أخ محمد المحمدي جنوب إفريقيا، أخ محمد المحمدي تسمعني؟.. شكرا جزيلا، فضيلة الدكتور نعود يعني أنتم شرحتم معنى متى يكون الخلاف نعمة ومتى يكون نقمة في بداية الحلقة، ولكن عندما يكون هذا الخلاف يعني يصل إلى حد تجاوز الأخلاق الدينية والقيم الدينية ما حكمه هنا؟


يوسف القرضاوي: هنا يكون شرا ويجب على الأمة أن تقاوم هذا النوع من الخلاف ويجب أن تعرف أسبابه لماذا يؤدي إلى ذلك؟ ماذا وراء ذلك، من ينقذ هذه الفتن، من يدفع هذه الأمة أن يقاتل بعضها بعضا مع تحذير كتابها وسنة نبيها كتاب ربها وسنة نبيها من هذا الأمر، "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" فلا بد للأمة تقف وقفة تعرف فيها أسباب هذا التفرق، هذا مش مجرد اختلاف، هذا تفرق الأمة تفرقت وأصبح بعضها يكيد لبعض فلا بد من أن تقف الأمة وقفة يعني تعيد ثقافة الوحدة وثقافة التقارب والتضامن والتسامح، هناك ثقافات تشيع في الأمة عندما يشيع الجهل وتشيع أسباب الفرقة ويشيع البغي والتحاسد بين الناس بعضها وبعض، تسود ثقافة تمزق الأمة بعضها من بعض، لا بد من إعادة تثقيف الأمة من جديد وإعادة إيمان الأمة بالثوابت، القرآن لا شك فيه، السنة سنة محمد صلى الله عليه وسلم هي المتبعة وهو الأسوة {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ..}[الأحزاب:21] أصحاب رسول الله هم خط الدفاع الأول هم الجيل الذي نقل لنا القرآن وروى لنا السنن وفتح الفتوح وأدخل الأمم في الإسلام، يعني هذه أشياء لا بد من إعادتها إلى رؤوس الأمة حتى يعني تقف ضد المفرقات للأمة.

أبعاد الاختلاف الفقهي والقيم التي تحكم الخلاف


عثمان عثمان: الأخ عبد اللطيف أمزيل من المغرب سأل عن الاختلاف الفقهي وهل هو مذموم أم لا؟ ولكن فضيلة الدكتور أريد أن أكون أكثر عمقا في هذا الموضوع لماذا يقع الاختلاف الفقهي بين الأمة والعلماء؟


يوسف القرضاوي: الاختلاف لا بد منه، الاختلاف ما فيه شيء، الاختلاف أنه أنا لي فهم في هذه الآية وأنت لك فهم فيها، ولي فهم في هذا الحديث وأنت لك فهم، ربما لم يثبت عندي الحديث وثبت عندك، قد يثبت عندنا نحن.. وأنت ترى فيه رأيا وأنا أرى فيه رأيا، وهكذا كان الصحابة، اختلف الصحابة في هذه الأمور ولم يؤثر ذلك عليهم ووسع بعضهم بعضهم وصلى بعضهم وراء بعض، وهكذا الأئمة، الإمام الشافعي راح بغداد وصلى في مسجد الإمام أبو حنيفة وقالوا في هذه الحالة أوتر معهم في.. قنت في صلاة الوتر مع الأحناف رعاية للإمام أبي حنيفة ولأتباعه، أن هذا أمر يجوز فيه.. الإمام ابن تيمية وابن القيم قالوا الأمور المختلف فيها اللي جاءت في الآذان وفي الإقامة هل هو اثنين أو أربعة وهذه الأشياء والوتر هل هو في الصبح ولا بعد العشاء وركعة ولا ثلاثة، يقول لك يسعى المسلم أن يأخذ بما يشاء في هذه.. في شيء أفضل شيء اللي كثر فعل النبي له اللي بيعتبر هديه، اللي داوم عليه يعني هذا هو الأفضل، إنما لو ترك الأفضل وعمل غيره لا ينبغي أن ننكر عليه، من القضايا المهمة التي قررها العلماء أنه "لا إنكار في المسائل الاجتهادية" المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها الأئمة بعضهم لا يجوز واحد أن ينكر على واحد آخر يقول أنت لا، لأن كلها مذاهب معتبرة وكما قال الشاعر

وكلهم من رسول الله ملتمس

غرفة من البحر أو رشفا من الديم

فلا يجوز لمذهب أن ينكر على مذهب آخر خصوصا المذاهب المتبوعة، وكل هؤلاء الأئمة لهم قدرهم وشيخ الإسلام ابن تيمية له كتاب مركز وموجز وقيم اسمه "رفع الملام عن الإئمة الأعلام" كل الأئمة الأعلام ليس عليهم ملام فيما خالفوا فيه حتى وإن كان واحد لم يعمل بالحديث وهذا له عذره فلا يجوز أن نجرح الأئمة ويجوز لنا أن نأخذ مما لم يظهر لنا ضعفه من أقوال الأئمة، لكن لو واحد جاء قال لك إن مذهبك ده إيه؟ قلت له أن أنا مذهبي حنفي، وقال لي مذهبك في القضية الفلانية دي أن القهقهة تبطل الوضوء وتبطل الصلاة وتعمل كذا وإنه ما فيش حديث في هذا والحديث ضعيف جدا، إذا كنت أنا من أهل العلم لماذا أتعصب لمذهبي؟ وهنا قاعدة مهمة في قضية الخلاف والاتفاق اللي هي القاعدة الذهبية اللي وضعها الإمام المجدد السيد رشيد رضا وهي  قاعدة "نتعاون فيما اتفقنا عليه ونتسامح فيما اختلفنا فيه"، لا يمكن أن نتفق في كل شيء، سيظل هناك قدر نتفق عليه وده نتعاون فيه، الأشياء المتفق عليها كثيرة جدا، نتفق في إنكار المذهب المادي والفلسفة المادية، ننكر على التحلل والإباحية، نقف ضد المظالم الاجتماعية نقف ضد احتلال أي أرض إسلامية، نتعاون في الأشياء دي وهي كثيرة وتستغرق منا جهودا وأوقاتا، وفي الأشياء المختلف فيها يسع بعضنا بعضا يتسامح بعضنا بعضا، وبعض إخواننا أضاف قاعدة قال "ويجاور بعضنا بعضنا" أخونا عبد الحليم أبو شقة رحمه الله أضاف هذه قال غير أنه نحن نتسامح ويعذر بعضنا بعضنا، نتحاور فيه، يمكن أن نصل إلى حل إلى نقطة اتفاق نلتقي في منتصف الطريق أنت تتنازل عن شيء من عندك وأنا أتنازل عن شيء من عندي ونقترب بحيث يعني يسع بعضنا بعضا ونقف على نقطة وعلى كلمة سواء.


عثمان عثمان: الأخ أبو تراب يقول "ظهرت دعوات جديدة تدعو إلى التجديد في الفقه بدعوى الحاجة إلى تنزيل قيم الدين في واقع الحياة والمواءمة مع متطلبات العصر كما هو الحال في الفقه الذي ينادي به بعضهم، فهل يعد ذلك من المساحة التي يسوغ فيها الخلاف بحيث نأخذ منه ونرد عليه يعني نأخذ من هذا ونرد على البعض الآخر أم أنها هي دعوات خارج إطار الدائرة دائرة الخلاف المتاح؟


يوسف القرضاوي: لا، هذه دعوة إيجابية ودعوة مقبولة ونحن جاء عندنا في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره وصححه عدد من الأئمة "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل سنة من يجدد لها دينها" وأولى الأشياء بالتجديد التجديد الفقهي وكما قال العلماء إن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال إلى آخره، فأفسحوا لنا المجال أو فسحوا لنا المجال لنجدد في الدين وهذا أمر ممكن والاجتهاد مطلوب في كل عصر، الاجتهاد لم يغلق بابه ولا أحد يستطيع أن يغلق بابا فتحه الله ورسوله، ولذلك ظل الاجتهاد في كل العصور، لم يخل عصر من مجتهدين قط، في القرن التاسع والقرن العاشر قام الإمام السيوطي وادعى الاجتهاد وأنكر عليه بعض الناس فكتب رسالته القيمة "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض" وفي رسالته القيمة هذه ذكر في كل العصور أن هناك مجتهدين وهناك أناسا وصلوا إلى مرتبة الاجتهاد المطلق ولم يدعوه إنما هم كانوا مجتهدين فعلا، فالاجتهاد مطلوب وأكثر ما يكون طلبا في عصرنا لأنه إذا كان الأئمة غيروا اجتهاداتهم في حياتهم زي الإمام الشافعي غير مذهبه كان عنده مذهب قديم ومذهب جديد،وأصحاب الأئمة خالفوهم في كثير من الأشياء خصوصا مذهب أبي حنيفة وكذلك أصحاب مالك والإمام أحمد روي عنه في المسألة الواحدة أكثر من عشر روايات مع أن الوقت كان قريبا يعني ما بين أبو حنيفة وتلاميذه يعني ثلاثين سنة ولا أربعين سنة أقصى شيء ومع هذا خالفوه في أكثر من ثلث المذهب، وقال العلماء الحنفية في ذلك الوقت هذا اختلاف عصر وأوان وليس اختلاف حجة وبرهان، فإذا كان في عصر الإمام وتلاميذه حصل هذا الخلاف فما بالك في عصرنا، عصرنا تغيرت فيه الحياة تغيرا كليا وتغيرا جذريا ولا يوجد شيء بقي على ما كان عليه مساحة وحجما وخصوصا بعد العصور الحديثة عصر البخار وعصر الكهرباء وعصر الثورات العلمية المتعددة والمتنوعة جعلت الحياة غير ما كانت عليه تماما، فهذه تحتاج إلى اجتهاد فلا بد أن نقر للاجتهاد وكل دعوة إلى تجديد الفقه هي دعوة إيجابية بشرط أن يكون ذلك من أهله في محله، من أهله أن يملك المؤهلات للاجتهاد وشروطه، مش واحد لو إديته صفحة من كتب الفقه ما يعرفش يقرأها يعني ما عنده قدرة على القراءة الصحيحة ويجي يدعي.. لا يحفظ قرآن ولا يعرف أحاديث ولا يعرف أصول فقه ولا عنده أي ملكة للاجتهاد ويجي يدعي الاجتهاد ويدعي التجديد وهو ليس بمجدد ولكنه مبدد، فإنما الذي يملك هذا من حقه، ولذلك نقول إذا صدر الاجتهاد من أهله في محله، ما معنى في محله؟ أي في القضايا الظنية، إنما القضايا القطعية، ما ثبت بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة وقطعية الثبوت هو القرآن الكريم لأنه كله ثابت قطعا، والأحاديث المتواترة فهذا هو القطع الثبوت، والقطع الدلالة ما يحتمل إلا وجها واحدا وده قليل، قليل جدا ما لا يحتمل إلا.. لأن معظم النصوص تحتمل وجوها وهذا من رحمة الله ليتسع الدين لأفراد كثيرين ولجماعات ولطوائف شتى، يستطيع الإنسان أن يكون له رأي يخالف الآخرين ويبقى في ساحة الدين وفي دائرة الدين، فلذلك هذا القول اللي بيقوله الأخ هذا اللي بيدعو إلى تجديد الفقه هذا قول مقبول يعني بشرط أن يكون الشخص قادرا على التجديد ملتزما بالأصول المرعية والضوابط الشرعية وهذا يجب أن يرحب به ونفتح له الأبواب ونفسح له المجال ونقول له مرحبا بك مجددا صالحا.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني ما القيم التي يجب أن تحكم الخلاف عامة على مستوى القول والعمل؟


يوسف القرضاوي: أنا لي كتابان في هذا الأمر، الكتاب اللي أنت أشرت إليه "الاختلاف المشروع والتفرق الممنوع" والكتاب الآخر "كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف" وذكرت فيه مبادئ فكرية لا بد أن تراعى ومبادئ أخلاقية وهي كثيرة يعني من ضمن المبادئ الفكرية ألا نقطع في المسائل الظنية، نقول كما قال الإمام الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" أن أقول إن تعدد الصواب في بعض المواقف ممكن، ممكن يكون أكثر من رأي صالح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في اثنين من الصحابة قرآ القرآن، واحد سمع من الرسول كذا والثاني سمع، والرسول عليه الصلاة والسلام قال "كلاكما محسن" لأن ده داخل في الأحرف السبعة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، هناك عدة أشياء أرجو من الإخوة المشاهدين أن يرجعوا إليها في كتابي هذا، كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف هي بعضها فكري وبعضها أخلاقي ولا بد من الأخلاق، التجرد والإخلاص لله سبحانه وتعالى وإحسان الظن بالآخرين وعدم الطعن فيهم وقبول رأي الآخر إذا ظهر له.. يعني في عدة مبادئ أخلاقية وإيمانية غير المبادئ الفكرية ومنها القاعدة يعني "نتعاون فيما اتفقنا عليه ونتسامح في المختلف فيه أو نتحاور في المختلف فيه".


عثمان عثمان: جزاكم الله فضيلة الدكتور على هذه الإفاضة الطيبة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، أعتذر من الذين راسلونا عبر بريد البرنامج أو عبر صفحة البرنامج على الـ facebook لعدم القدرة على الإجابة على كل أسئلتهم. لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب وسائر فريق العمل وهذا عثمان عثمان يستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.