الشريعة والحياة - صورة عامة
الشريعة والحياة

التسامح الديني

تناقش الحلقة التسامح الديني وتثير التساؤلات التالية: ما الذي يثير التوترات الدينية ويغذيها؟ وهل تعكس تلك الفتن تصاعد التعصب الديني أم إن لها أسبابًا أخرى؟

– مظاهر التوتر الديني ومعطيات التعايش بين الأديان
– أسباب التوتر الديني وعوامل التفرقة والخلاف

– ماهية مفهوم التسامح وسبل حل الصراعات

عثمان عثمان
عثمان عثمان
يوسف القرضاوي
يوسف القرضاوي

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة. يقول الله تعالى في كتابه العزيز {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ..}[آل عمران:64] ما الذي يثير التوترات الدينية ويغذيها في دول اليوم؟ وهل تعكس تلك الفتن تصاعد التعصب الديني أم أن لها أسبابا أخرى؟ وهل العلمانية الجزئية هي الحل؟ وما مآل الحديث عن التسامح والتعايش؟ التسامح الديني موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. مرحبا بكم سيدي.


يوسف القرضاوي: مرحبا بك يا أخ عثمان.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يبدو أن لديكم كلاما قبل البدء في محاور هذه الحلقة.


يوسف القرضاوي: نعم. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد فقد جرت عادتنا أن نتحدث في هذا البرنامج عمن تفقده الأمة من أعلامها وعلمائها ورجالاتها وبالأمس ودعت أمتنا رجلا من خيرة رجال الأمة ورجال الدعوة ورجال الفكر ورجال التربية ودعت علما من الأعلام ورائدا من الرواد ونجما من الأنجم الهادية وحاديا من حداة الركب وحكيما من حكماء الأمة، ذلك الرجل هو الأخ الحبيب والصديق الأثير الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم العالم الأديب اللغوي الداعية المفكر المربي الكبير الذي ترك وراءه بصمات في أكثر من بلد في مصر وفي قطر وفي السعودية ثم في الإمارات التي استقر بها أخيرا وكان مستشارا لمؤسس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، كان مستشارا ثقافيا له وكلفه بأشياء كثيرة يعني أنشأ المجمع الثقافي وكان مديرا لجامعة الإمارات لعدة سنوات ورشحته الإمارات مديرا لصندوق التضامن الإسلامي التابع للمنظمة الإسلامية، منظمة المؤتمر الإسلامي، وناب عن الأمة الإسلامية في حوار المسيحيين وفي مقابلة البابا، وشاركت معه في حوارات كثيرة مع الجانب المسيحي في روما وفي برشلونة وفي غيرها من البلاد كما تشاركنا هنا في قطر حينما كان مساعدا لمدير المعارف في قطر الدكتور كمال ناجد رحمه الله وهو أخوه وصديقه وكان له يعني آثار تذكر وتشكر هنا في قطر، من أوائل الذين جاؤوا إلى قطر في منتصف الخمسينيات ثم ذهب إلى لندن وأخذ منها الدكتوراه في اللغة العربية وعاد إلى قطر ثانية ثم ذهب منها إلى السعودية ومن السعودية إلى الإمارات التي استقر فيها ووافاه الأجل حينما أصيب بذلك المرض الخبيث سرطان الكبد ونقل إلى أميركا للعلاج ولكن إذا كان الداء من السماء بطل الدواء وعجز الأطباء وكان قدر الله قدرا مقدورا، عاد إلى أبو ظبي وفي الطريق لم يتحمل السفر فنزلوا به في لندن وجاءه الأجل في لندن بالأمس في صباح الأمس، عز الدين إبراهيم شخصية من الشخصيات النادرة كل من عرفه ترك فيه أثرا وترك معه قصة، شخصية عقلية مرتبة فكر منظم إداري من أعظم الإداريين وحكيم من أعظم الحكماء ومؤلف لعدد من الكتب يعني فيها أصالة وفيها ابتكار وفيها تنوع، وترجم إلى الإنجليزية بعض الكتب الأربعين النووية والأربعين القدسية و"مختصر الكلم الطيب" لابن تيمية وكتاب "رياض الصالحين" وكانت فلسفته في الترجمة أنه هو يترجم وواحد إنجليزي يراجع اسمه جونسون الذي أسلم متأثرا بالإسلام أثناء الترجمة وأصبح سمى نفسه عبد الودود. لا أستطيع أن أفي الدكتور عز الدين حقه في كلمات قليلة ولعلي أكتب فيه إن شاء الله غدا أو بعد غد كتابة أوفى تعطيه بعض حقه، لا نملك إلا أن نسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر له ويرحمه ويسكنه الفردوس الأعلى ويعوض أسرته ومحبيه والأمة الإسلامية فيه خيرا عما قدم من علم وعمل ودعوة وثقافة وإنجاز استفادت به الأمة. هناك أيضا شخصية أخرى تستحق مني أيضا بعض الكلمات وهو أن أحد إخواننا من العلماء السوريين الشيخ عبد الحميد محمود طهماز وهو من أقرب التلامذة أو لعله أقرب التلامذة إلى العلامة الشيخ محمد الحامد عالم سوريا وشيخ حماة العلامة المجاهد كان الشيخ طهماز من أخص تلامذته وله أيضا عدد من الكتب في التفسير الموضوعي سبع مجلدات وله أيضا "الفقه الحنفي في ثوبه الجديد" في خمس مجلدات وله كتب عدة وقد هاجر من سوريا يوم حدثت الفتن بها إلى السعودية وهو أيضا جاءه الأجل بالأمس ودفن في الرياض وودعه أحباؤه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر له ويرحمه ويتقبله في الصالحين ويعوض الأمة عنه وعن أمثاله خيرا.


عثمان عثمان: عظم الله أجركم مولانا.


يوسف القرضاوي: نسأل الله أن يعظم أجرنا ويخلفنا خيرا في هؤلاء العلماء وهؤلاء الأصدقاء والأحبة.

مظاهر التوتر الديني ومعطيات التعايش بين الأديان


عثمان عثمان: بداية فضيلة الدكتور، في بداية الحلقة نتابع التقرير التالي الذي يرصد مظاهر التوتر الديني في دولنا اليوم.

[تقرير مسجل]

نبيل الريحاني: من هنا مرت الفتنة الطائفية، مدينة جوس النيجيرية تغرق في تقاتل بين المسيحيين والمسلمين وتخرج منه بقرابة خمسمائة قتيل وألف جريح وما يزيد عن خمسين ألف مشرد، مشهد ليس جديدا على الدولة الإفريقية الغنية بالنفط المتخمة بالفقر والجهل متعددة الأديان والمذاهب، مصر هي الأخرى أصابها شيء من فيروس الاحتقان الطائفي في مسلسل كان آخر حلقاته هجوم ليلة الميلاد استهدف مصلين لدى خروجهم من كنيسة في نجع حمادي أودى بحياة ستة مسيحيين وشرطي مسلم. تشير الوقائع إلى أن السنة 2009 كانت من بين الأسوأ على هذا الصعيد، هكذا قالت تقارير منظمات حقوقية وجمعيات أهلية من بينها منظمة "مصريون ضد التمييز" التي أجرت استبيانا حول جذور الفتنة الطائفية حمل الخطاب الديني والنظام التعليمي والوضع السياسي مسؤولية استشراء هذه الظاهرة. وإذا كانت مصر واليمن الذي يشهد حربا بين الحكومة والحوثيين سرعان ما ارتدت ثياب الطائفية قد استأثرت بكثير من الدعوات لمزيد من العدالة والانفتاح في سياساتها الرسمية تجاه حقوق الأقليات فقد بدت الأخبار الواردة من ماليزيا مستغربة ذلك أن البلاد رسخت صورتها كوطن للتعايش والازدهار الذي تتقاسم ثماره فئات المجتمع بمختلف أعراقها وأديانها ومذاهبها إلا أن خلافا حول استعمال صحيفة كاثوليكية للفظة الله أشعل اضطرابات بين المسيحيين والمسلمين توقفت عند الاعتداء على الكنائس ولم يحسمها قرار للمحكمة يجيز للمسيحيين استعمال تلك المفردة في مجاميعهم. توتر طائفي لا يستبعد بعض المحللين اليد الخارجية في تفسيره مستشهدين بالعراق الذي عرف مع قدوم الاحتلال الأميركي مواجهات طائفية غير مسبوقة طالت حتى أرواح المسيحيين وكنائسهم، في حين يعتقد آخرون أن عوامل الفتنة الطائفية كامنة في وعي المجتمعات البشرية خاصة تلك التي يرتع فيها الجهل والفقر والتخلف لا تنتظر سوى من يلعب على أحابيلها كي تطل برأسها وتفعل فعلها على نحو قد لا ينفع معه كثيرا الاكتفاء بلعن من أيقظها.

[نهاية التقرير المسجل]

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور هناك العديد من التوترات التي تشهدها دولنا اليوم تأخذ عناوين صراعات دينية أو فتن دينية، هل يعني ذلك أن التعايش بين الأديان في الحالة السياسية الراهنة بات مستحيلا أو غير ممكن؟


يوسف القرضاوي: لا يوجد شيء مستحيل، الأديان موجودة من قديم الزمان واختلاف الأديان واقع بمشيئة الله تبارك وتعالى {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[هود:118]،  {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}[يونس:99] الله هو الذي أراد للناس أن يكونوا مختلفين ولذلك أول شيء يجب أن يقر في الحياة هو التعددية، هناك حقيقتان أساسيتان، الحقيقة الأولى وحدانية الخالق والحقيقة الثانية تعدد الخلق، التعددية العرقية والتعددية اللونية والتعددية الدينية والتعددية السياسية وهذا التعدد طبيعي لا بد للناس أن يسعى بعضهم بعضا، هناك تأتي عوامل أخرى هي التي تؤجج النار ويستغل ذلك بعض الناس لدوافع مختلفة بعضها ديني وبعضها غير ديني، بعضها سياسي وبعضها دنيوي وبعضها سلطوي إلى آخره فيعني لا بد للناس أن يسعى بعضهم بعضا، لو أراد الله أن يكون الناس كلهم مؤمنين كان خلق الناس على فطرة واحدة كفطرة الملائكة بحيث لا يكون هناك مؤمن وكافر ومسلم وغير مسلم، إنما هذه إرادة الله، هل هناك أحد يقاوم إرادة الله؟ لا يمكن، فالله خلق الناس هكذا {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[التغابن:2] ولا يمكن أن نحاسب الناس على إيمانهم وكفرهم في الحياة الدنيا إنما الحساب في الآخرة وليس إلينا ولكن إلى الله، كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[الحج:17] الفصل يوم القيامة، لما.. عايز يفصل بين الناس ويحاسب الناس في هذه الدنيا.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني يبدو أن الدين في أصله الواحد هو دين توحيدي ولكن نرى بعض التطبيقات في بعض الدول تأخذ بعدا تفكيكيا، أين أضحت القدرة التوحيدية للدين؟


يوسف القرضاوي: أيضا التوحيد غلط، يعني محاولة الناس أن يوحدوا الناس جميعا، لا، الناس ما هماش موحدين، الناس مختلفون لا بد أن نقر بهذه الحقيقة، التعدد والاختلاف أمر لا بد منه، إذا حاولت أن توحد الناس على وجهة واحدة هذا هو الغلط، فلا بد أن نقر بهذه الحقيقة أنه إحنا ليس من الضروري أن نتفق في كل شيء، نحن متفقون نحن الأسرة البشرية أسرة واحدة من ضمن ثقافة التسامح التي يقيمها الإسلام على أسس من هذه الأسس وحدانية الله وتعدد الخلق ووحدة البشرية، البشرية أسرة واحدة تنتمي إلى آدم أبا وإلى الله تعالى ربا، كما قال النبي صلى الله عليهم وسلم في حجته "أيها الناس إن أباكم واحد وإن ربكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب" فلا بد من هذه الأمور، فلا داعي إلى العمل على أننا نريد أن نوحد الناس وهذا مستحيل أن يتوحد الناس فلازم نؤمن باختلافنا ويسع بعضنا بعضا.


عثمان عثمان: يعني لا يمكن أن نوحد الناس ولكن هناك بعض الصراعات بعض التناحرات التي تجري في بعض الدول تأخذ لبوسا دينيا وطائفيا.


يوسف القرضاوي: وده غلط، ما إحنا قلنا إذا وسع بعضنا بعضا فلا مانع من هذا، أنا مسلم وهذا نصراني وهذا يهودي وهذا هندوسي وهذا بوذي فيعني المسلمون حكموا بلاد النصرانية وأبقوا النصارى وحكموا بلادا هندوسية وأبقوا الهندوس، كان هم لهم القوة وهم القوة الكبرى في العالم لم يستغلوا قوتهم ليبيدوا هذه.. لم يحدث في بلد من البلدان أن المسلمين أبادوا جنسا أو عنصرا أو طائفة لدينها أو لمذهبها أو لعرقها لم يحدث هذا إطلاقا، بالعكس المسلمون هم اللي حدث لهم هذا، لما ذهبت دولتهم أبيد المسلمون عن آخرهم، فإحنا التسامح يعني بضاعة إسلامية يعني في الحقيقة هو القرآن هو الذي أسس أصول التسامح الإسلامي، السنة النبوية سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، الصحابة والخلفاء الراشدون هم الذين أسسوا هذا التسامح فيوجد بعض المسلمين ليس عندهم ثقافة إسلامية فيدعو الواحد مثلا يروح يقتل في نجع حمادي هذا ليس عن تعصب ديني، هو تعصب قبلي، لأن الصعيد عندهم الثأر هذا، فواحد مسيحي اغتصب طفلة مسلمة يقوم يروح ينتقم في مجموعة مسيحية، وهذا الذي انتقم ليس متدينا، ده رجل مجرم محكوم عليه ومسجل خطر فهو مش من أهل الدين يعني حتى يتهم بالتعصب، في ماليزيا ذكر في التقرير في ماليزيا، الله! المسلمون في ماليزيا زعلوا أن النصارى بيقولوا الله! بدل ما يقولوا God ولا يقولوا كذا، طيب وماله يا أخي لما يقولوا الله؟ بالعكس نحن نقول إن الله ده مش للمسلمين، الله ده إله العالم، بنقول {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] أول آية في القرآن {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وآخر سورة في القرآن {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ}[الناس:1- 3] مش إله المسلمين ولا إله العرب ولا إله.. هو للجميع، فلماذا يزعل المسلمون؟ هذا نتيجة خلل في الفهم، نتيجة جهل أدى إلى أن المسلمين يغضبوا ويروحوا يحرقوا الكنيسة ولا يعملوا..


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور بعض المشتغلين في الحوار بين الأديان يبحثون عن المشترك بين هذه الأديان لتكون مدخلا للحوار والتعايش، كيف ترون الأمر؟


يوسف القرضاوي: لا مانع، لا مانع أن يبحث الناس عن المشترك بينهم وسيجدون أشياء مشتركة، ضروري، يعني إحنا ممكن نجد بيننا وبين أهل الكتاب، النصارى واليهود، نجد بيننا أشياء مشتركة ومن أجل هذه الأشياء المشتركة أمرنا أن نؤمن بكتبهم بكل كتاب أنزل وبكل كتاب أرسل وأبيح لنا أن نأكل طعامهم {..وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ..}[المائدة:5] وأن نتزوج نساءهم {..وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ..}[المائدة:5] يعني هذا قمة في التسامح أن يسمح للمسلم أن يتزوج بغير مسلمة تكون ربة بيته وشريكة حياته وأم أولاده ويكون أصهار أولاده أجدادهم وجداتهم وأخوالهم وخالاتهم وأولاد خالتهم وأولاد أخوالهم من غير المسلمين هذا يعني قمة في التسامح في الإسلام، حتى غير الكتابين أيضا سنجد كما قلنا أن الأصل أن الأسرة الإنسانية أسرة واحدة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ..}[النساء:1] يعني أفهم الأرحام في هذا السياق أرحام البشرية العامة التي تصل الناس بعضهم ببعض وتجعل بينهم وشيجة مشتركة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..}[الحجرات:13] فالأصل التعارف وليس التناكر والتفاهم وليس التصادم.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور ندخل بعد الفاصل إلى أسباب التوتر الديني. مشاهدينا الكرام فاصل قصير ثم نعود وإياكم إلى متابعة هذه الحلقة فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

أسباب التوتر الديني وعوامل التفرقة والخلاف


عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان التسامح الديني مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. فضيلة الدكتور ندخل إذاً إلى المحور الثاني والذي يعالج أسباب التوتر الديني في دولنا اليوم، الدكتور المفكر المصري الدكتور رفيق حبيب، المصري القبطي بالطبع، كان له تشخيص لهذه الحالة نتابعها معا.

[شريط مسجل]


رفيق حبيب/ مفكر مصري قبطي: الأزمة الأصلية أزمة مجتمعية أزمة في أساس المجتمع بهويته وإحساسه بذاته وقدرة المجتمع على تحقيق مستقبله الذي يتمناه، وأنا أسميها أزمة مجتمعية لأنها أزمة في كل الجوانب، تبدأ بالجانب الاجتماعي وفي أزمة في القيم وأيضا أزمة في الهوية وبجانب الأزمات الاقتصادية المتعددة، هذه الأزمات بتجعل المجتمع أكثر ضعفا وهذا حدث على مستوى العالم العربي كله المجتمعات أصبحت أكثر ضعفا، عندما تصبح أكثر ضعفا يحدث قدر من التفكك داخل هذه المجتمعات وتبدأ هذه المجتمعات في الدخول في صراعات داخلية قد تكون بين مسلم ومسيحي قد تكون بين سني وشيعي قد تكون بين عربي وكردي، يعني قد يكون الدين هو أساس هذا الصراع لكنه قد يكون لطائفة وقد يكون أيضا لعرق، وهذا يحدث لأن المجتمع أصبح ضعيفا. وأيضا وهذه مسألة مهمة أن الهوية المشتركة الجامعة لم تعد قوية بما يكفي لم تعد تجمع المجتمع لم تعد تجمع كل عناصره معا، وهذا بيظهر أن الدول نفسها والأنظمة السياسية لم تعد تعبر عن تلك الهوية المشتركة لم تعد تؤكدها لم تعد تجمع الناس داخل هوية مشتركة جامعة، وعندما يضعف الانتماء العام وعندما تضعف الهوية المشتركة يبدأ أي مجتمع في التحول إلى مجموعات أصغر أو جماعات أصغر ويحدث فيه قدر من التفكك، وغالبا أي مجتمع بيمر بأزمة مجتمعية وكل مجتمعات العالم أيضا في ذلك بيحدث مشكلة مع الفئات الأقل عددا، يعني دائما الفئة الأقل عددا بتبقى أكثر توترا أكثر قلقا على مستقبلها أكثر خوفا مما يمكن أن يحدث وبالتالي بيحدث توتر ما بين الفئات الأكثر عددا والفئات الأقل عددا وهذا يحدث داخل المنطقة العربية وخارجها أيضا. أظن أن كل هذه العوامل معا جعلت قضية الخلاف أو الصراع أو المواجهة بين المسلمين والمسيحيين تظهر إلى السطح خاصة أنها تعمقت في المجتمع المصري وتكررت في المجتمع المصري بصورة كثيرة عبر ثلاثة عقود مما جعلها تنذر بالخطر لأن أي مشكلة تحدث ويتم حلها وعبورها بتنتهي ونغلق صفحتها من التاريخ لكن المشكلة التي تتكرر عبر فترة زمنية طويلة بتحدث جرحا. نستطيع القول إنه بسبب الأزمة المجتمعية الشاملة وأزمة الهوية بالأساس وضعف خطاب الهوية العربية الإسلامية الجامعة في خطابات الأنظمة السياسية وفي خطاب الدولة كل هذا أدى إلى توترات تحدث ما بين المسلمين والمسيحيين ليس لأن هناك توتر أصيل في علاقاتهم بل العكس كانت علاقاتهم تقوم على العيش المشترك ولكن لأن هذه الأزمة المجتمعية تم تصريفها وإخراجها في شكل توترات بين المجموعات المختلفة ومنهم المسلمين والمسيحيين.

[نهاية الشريط المسجل]

عثمان عثمان: مولانا بعض المؤلفين يرى أن أنظمة الحكم تؤثر بقوة في مسار التسامح الديني، إلى أي مدى ترون أن أنظمتنا العربية والإسلامية لها دور كبير في هذه التوترات الدينية التي تحصل؟


يوسف القرضاوي: قطعا، إذا كان الحكم عادلا ومستقرا وموصولا بالشعب ومحبوبا من الناس سيكون هذا المناخ مناخ تقارب بين أهل الأديان وأهل العروق -كما أشار الدكتور- هو مش بس الدين، وأحيانا يقول لك عرب وأكراد وعرب وبربر وعرب وكذا، يعني حينما يراد تفريق الأمة حيبحث عن سبب إذا كان في سبب ديني نجيب السبب الديني، ما فيش سبب ديني، سبب عرقي، ما فيش سبب عرقي سبب مذهبي، ما فيش، سبب طبقي، يعني لا بد أن نفرق، فرق تسد، إنما المجتمع الذي يسوده حكم عادل وحكم يسعى إلى إشاعة العدل وإشاعة الرحمة وإشاعة الأمن بين الناس هذا قطعا سيكون الناس فيه أقرب إلى التسامح إنما أحيانا الناس من سوء ما يلقون ينعكس هذا على علاقاتهم بعضهم ببعض حتى نجد الأسرة، الحكم حينما يسوء نجد آثاره في الأسرة الواحدة نجد آثاره في العلاقات الزوجية في العلاقات الوالدية في العلاقات الأخوية في علاقات القرابة بعضهم ببعض والجيران بعضهم ببعض، هذا كله من سوء الحكم، إنما الحكم العادل يؤثر إيجابا في الناس وحينما يعني يسود جو إيجابي ومناخ إيجابي تسود فيه هذه القاعدة الذهبية التي تقول يعني نتعاون فيما نتفق عليه ويعذر بعضنا بعضا أو يسامح بعضنا بعضا فيما نختلف فيه، لا بد أن نتفق في أشياء ونختلف، في أشياء كثيرة نتفق عليها فلنتعاون عليها وفي أشياء نختلف فيها يسامح بعضنا بعضا وكان بعض إخواننا يقول نتحاور فيها لا مانع، الأشياء التي نتخالف فيها نتحاور فيها لعلنا نصل إلى التقارب في بعضها وما يبقى معلقا يعني نتسامح فيه ويعذر بعضنا بعضا فيه.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور هناك من يتحدث عن تمييز ضد المسيحيين العرب سواء في الوظائف في المناصب حتى في الممارسات الاجتماعية وما شابه ذلك، يعني أين أضحت هنا مقولة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"؟


يوسف القرضاوي: هذه هي القاعدة الأساسية وأي خروج عليها يكون خروجا على الدين وهي ما اتفق عليه المسلمون وما استمر عليه الحال طوال التاريخ لو دخول عوامل معينة عوامل داخلية وعوامل خارجية وكثيرا ما تأتي العوامل الخارجية كما وجدنا أيام التتار وأيام الصليبيين يعني أغروا غير المسلمين بأنهم يظهروا سرورا بهزيمة المسلمين فرشوا المساجد بالخمر وعملوا كذا وأظهروا أشياء يعني لا تليق، كما فعل نابليون حينما دخل مصر أغرى بعض الأقباط، المعلم يعقوب حنا بأن يعمل جيشا علشان يحارب مع.. إنما لا نستطيع أن نتهم كل الأقباط بهذا، فتأتي هذه العوامل الخارجية فتثير أبناء الأمة بعضهم على بعض، فيجب التنبه لهذه الأشياء ودائما نمسك بالأساس الراسخ المكين، نحن جميعا أبناء وطن واحد، أننا جميعا شعب واحد، أن هناك أخوة وطنية، حتى أنا مرة قلت الأخوة الوطنية فبعض المسلمين المتشددين قالوا لا ما فيش حاجة أخوة.. نحن في أخوة دينية فقط  {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..}[الحجرات:10] المسلم أخو المسلم، قلت لهم في أخوة دينية وفي أخوة وطنية وأخوة قومية وذكرت لهم ما ذكر القرآن إن القرآن قال {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ..}[الشعراء:105، 106]  {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ..}[الشعراء:123، 124] {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ..}[الشعراء:141، 142] وجاء عند شعيب قال {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ..}[الشعراء:176، 177] ما قالش أخوهم، ليه؟ لأنه لم يكن منهم، دول ابن القبيلة، يقول لك فدي أخوة قومية وأخوة وطنية إنما قال {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً..}[الأعراف:85] فشعيب أخو مدين ما هواش أخو أصحاب الأيكة، فدي الأخوة التي ذكرها القرآن هنا بين النبي وبين القوم الذين كفروا به وكذبوه، اعتبرهم أخا لهم، أخاهم، هذه أخوة قومية وأخوة وطنية وأنا ذكرت هذا في إحدى المحاضرات وكان فيها جمهور كبير وسألني الدكتور جورج إسحاق عن موقع المسيحيين في المشروع الحضاري الإسلامي وقلت إنهم يعني جزء من مجتمعنا والمسيحيون في الحضارة الإسلامية كان لهم دور في بناء الحضارة وكان لهم دور في الطب وفي الفلك وفي الكيمياء وفي غيرها ومعروف أسماء نصرانية وأسماء يعني ديانات مختلفة ساهمت في بناء الحضارة، فقال لي الدكتور جورج إسحاق حفظه الله قال يعني ليتك يا دكتور قرضاوي تأتي إلى الكنائس وتقول هذا الكلام، قال لأن هناك تخوفات كثيرة عند الأقباط من الإسلام ومن حكم الإسلام ومن تشريع الإسلام، قلت له والله أنا مستعد لهذا، يعني لو دعيت أنا أحضر في الكنائس وأتكلم معهم. ففي فعلا التخوف وسوء الظن وتغليب هذه الأشياء على أشياء أخرى وبعض الناس له هوى في أن يغلب هذه المشاعر على مشاعر أخرى وهذه الأفكار على أفكار أخرى، هذه هي التي تؤثر على العلاقات الإسلامية المسيحية.


عثمان عثمان: سيدي تتحدثون عن وحدة وطنية عن وحدة قومية والبعض يقول بأن الخطاب الديني سواء كان يهوديا أو مسيحيا أو إسلاميا هو الذي يثير الانشقاقات والانقسامات بين أبناء المجتمع الواحد، يتساءل البعض كيف أن بعض الخطباء على منابر الجمعة يدعون على عموم اليهود والنصارى؟ يتساءل البعض كيف يمكن لبعض الناس أن يسأل عن حكم معايدة النصارى في أعيادهم أو أكل طعامهم؟ ويتحدثون عن مفاصمة بين أبناء المجتمع الواحد.


يوسف القرضاوي: أنا ذكرت في كتابي "خطابنا الإسلامي في عصر العولمة" ذكرت يعني بعض هذه الأنواع من الخطابات الدينية التي لا تلتزم بالحقيقة الإسلامية وبالتوجيه القرآني والنبوي، مثل الدعاء على اليهود والنصارى، اللهم أهلك اليهود والنصارى، هؤلاء إخوانك وجيرانك كيف تدعو عليهم؟! نحن ندعو على يعني الصليبيين الكائدين للمسلمين الذين يعادون المسلمين، لا ندعو حتى على اليهود بصفتهم يهودا إنما ندعو على الصهاينة والغاصبين، وبعضهم، اللهم يتم أطفالهم، اللهم خرب.. هذا لم يرد، ما رأيت يعني في دعاء مأثور اللهم يتم أطفالهم ورمل نساءهم واعمل.. ما فيش هذا، هذا اعتداء في الدعاء، الله يقول {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[الأعراف:55] الاعتداء في الدعاء تجاوز الحد، زي اللي مثلا يقولون عن اليهود أبناء القردة والخنازير، هذا أيضا غير صحيح لأن القردة والخنازير الذين يعني مسخوا قردة وخنازير ليس من نسلهم أحد حتى يكونوا أبناءهم، فهذه الأدعية مرفوضة إسلاميا عند العلماء الراسخين إنما غير الراسخين يقولون أي شيء.


عثمان عثمان: هل يؤمّن المصلون على دعاء الإمام هنا؟


يوسف القرضاوي: لا، لا يجوز أن يؤمنوا على مثل هذا الدعاء.


عثمان عثمان: نعم بالمقابل فضيلة الدكتور ربما البعض يتحدث عن تاريخ الكنيسة في إسبانيا بشكل خاص وما مارسته بحق المسلمين.


يوسف القرضاوي: هذا حقيقي، هذا يعني واقع يعني لا نملك أن ننفيه وهو مما يجب أن يعتذر المسيحيون للمسلمين، يعني ما وقع في الحروب الصليبة الحملات التسع التي جاءت من أوروبا لغزو المسلمين في عقر دارهم ولم يكونوا أساؤوا إليهم وما فعلوا شيئا وكلفوا المسلمين ما كلفوا لم يعتذر البابا كما اعتذر لليهود وكما أصدر الفاتيكان وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح مع أن جريمتهم ثابتة في الإيقاع بالمسيح عليه السلام، لم يعتذر للمسلمين لم تعتذر الكنيسة الكاثوليكية عما حدث في الحروب الصليبية وعما حدث في إسبانيا من إبادة العنصر الإسلامي تماما بعد أن أقام المسملون في الأندلس ثمانية قرون شيدوا فيها حضارة عظيمة حضارة شامخة استفادت منها أوروبا في نهضتها، المدرسة الرشدية ومدرسة ابن طفيل وهذه المدارس اقتبست منها أوروبا في عصر النهضة كما اقتبسوا من قنوات متعددة، هذا يعني لا نملك إنكاره حقيقة وأنا أقول لا، المسلمون لم يحدث منهم هذا، حكموا بلادا إسلامية كثيرة ولم ينتقموا من المسيحيين حتى بعد أن حدث ما حدث من الأوروبيين ما جاء المسيحيون في بلاد الشرق ولا هؤلاء أبادوا إخواننا في الأندلس فلنبد هؤلاء في بلاد الشرق، لم يحدث هذا، الإسلام هو العاصم الأول من هذه الأشياء.

ماهية مفهوم التسامح وسبل حل الصراعات


عثمان عثمان: في ظل هذه التوترات والصراعات والتمزقات في النسيج المجتمعي البعض يقترح العلمانية الجزئية كحل، هل ترون الأمر كذلك؟


يوسف القرضاوي: العلمانية ليست حلا لأنها ترضي الطوائف الأخرى ولا ترضي المسلمين..


عثمان عثمان: الجزئية.


يوسف القرضاوي: (متابعا): أنت معناها أرضيت الأقلية وأغضبت الأكثرية، إذا كنت تريد أن ترضي غير المسلمين بأن المسلمين يجب ألا يحكموا بشريعتهم معناها أنك يعني أرضيت الأقل وأغضبت الأكثر، ولكن نحن نقول إن الإسلام ليس ضد الأقليات الدينية المختلفة حتى إننا نعزل الإسلام عن الحياة بالعكس نحن نرى أن الإسلام هو العاصم يعني عندما يكون المسلمون فاهمون لحقيقة الإسلام ولجوهر الإسلام ويكون هناك تمسك بهذه العروة الوثقى هذا أعظم عاصم من أن المسلم يظلم غير المسلم لأن ربنا يقول {..وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ..}[المائدة:8]، {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:34] المسلم هو اللي بيخفف هذه الأشياء وهو الذي يقول إنه ما فيش عداوة دائمة ولا عواطف دائمة {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[الممتحنة:7] فهذا ما نقوله.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور البعض يثير إشكالا حول مفهوم التسامح ويرى أنه ليس حلا للصراعات القائمة، الدكتور مشير عون أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية ناقش هذه القضية، فلنتابع معا.

[شريط مسجل]


مشير عون/ أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية: التسامح مقولة دينية ولو أن بعض مفكري فلسفة الأنوار في القرن 18 قالوا في التسامح ومن كبار فلاسفة السياسة في ذلك العصر، ولكن التسامح لا يغير في بنية الاجتماع العربي، التسامح هو نوع من التنازل للإقرار بشيء من الحقوق للآخر والآخر في العالم العربي هو إما المسيحي وإما العلماني الذي لا إيمان له، المسيحي والعلماني والمسلم الذي يريد أن يفتح آفاق دينه على مكتسبات جديدة هؤلاء هم الآخر في نظر الأنظومة الدينية التي يستنجد بها أهل النظام السياسي لكي يشرعنوا ويبرروا تأبدهم في السلطة وهذا يعني ملف ينبغي التصدي له. التسامح لا يمكن أن يفضي إلى حل للتوتر الديني في مجتمعات العالم العربي والإسلامي لأن التسامح مبني على تصور يقول بأنني أملك الحقيقة وأتنازل للآخر بشيء من الحقوق، وهذا أمر لا يجدي، الأفضل أن نبني الاجتماع العربي على مبدأ الندية المطلقة في تعاطي الإدارة التقنية للمدنية الإنسانية، لأن هناك تمييزا بين الأجهزة الإدارية التقنية لتدبير شؤون الاجتماع البشري والتصورات الدينية والفكرية والأخلاقية التي ينتمي إليها أفراد هذا الاجتماع البشري وفيها يعطون يهبون معنى لوجودهم، وهذا أمر شرعي فإذا تنوعت هذه المعاني في مجتمعات اليوم فكيف يمكن للدولة أن تنتمي أو تنتصر لمعنى من هذه المعاني أو لرؤية من هذه الرؤى وتغفل عن رؤى أخرى؟ واليوم الدولة العربية أو الإسلامية تنتمي أو تنتصر لرؤية دينية واحدة والرؤية الإسلامية بحسب بعض هذا المذهب أو ذاك، ولذلك أنا أدعو إلى معالجة التوتر بتعزيز الدولة المدنية في العالم العربي والإسلامي لا عن طريق نشر مقولة التسامح في المنتديات وفي المساجد ولكن عن طريق تعزيز بنية الدولة المدنية.

[نهاية الشريط المسجل]

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور البعض يرى أن التسامح فيه إيحاء سلبي يوحي بالتمنن والتنازل، البعض الآخر يقول إنه ليس مصطلحا إسلاميا ولا قرآنيا، ما حقيقة الموقف؟


يوسف القرضاوي: ما معنى أنه ليس مصطلحا قرآنيا؟ يعني كلمة التسامح بعض الناس إذا لم يوجد اللفظ في القرآن يعني يظن أنه شيء ليس في القرآن، المسألة ليست اللفظ، المهم المضمون، ممكن الواحد يقول القرآن ليس فيه عقيدة لأن كلمة العقيدة مش موجودة أو ليس في القرآن اهتمام بالفضيلة لأن كلمة الفضيلة غير موجودة؟ إنما القرآن كله اهتمام بالعقيدة لأن العقيدة معناها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، القرآن مليان بهذا، القرآن كله فضائل وأخلاق وقيم وإن لم تكن هناك كلمة الفضيلة، كلمة التسامح مش موجودة إنما موجود ما يبنى عنها مثلا البر والقسط كما قال الله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة:8] هذا البر والقسط هو التسامح، {..وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..}[النحل:125] هذا هو التسامح، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..}[العنكبوت:46]، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} كل ده هو تسامح، فالقرآن مملوء بالتسامح وإن لم توجد فيه كلمة تسامح. الشيء اللي قلته لي بالآخر؟


عثمان عثمان: أنه فيه إيحاء سلبي بمعنى التنازل والتمنن.


يوسف القرضاوي: لا ده مش تنازل، أنت مأمور بأن تعامل الآخر بالبر والقسط، ما فيش تنازل ولا أي شيء، هذا أمر من الله سبحانه وتعالى أنت مكلف بهذا يعني قضية التهنئة وهذه الأشياء، أنا أصدرت فتوى صريحة أنه من البر والقسط اللي أمر {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ.. أَن تَبَرُّوهُمْ..} من البر أن تهنئ جارك المسيحي وزميلك المسيحي وصاحب المسيحي بعيده، إذا الواحد أمه مسيحية، مش الإسلام هو ممكن تكون أمه ما يقول لها كل سنة وأنت طيبة؟ أو جده أو جدته أو خاله أو أولاد خاله، يعني حق ذوي القربى {..وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ..}[الأحزاب:6].


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور ذكرتم كثيرا من النصوص القرآنية، هناك نصوص دينية تحض على البر والتسامح وغيرها ولكن في المجتمع نجد عملا مخالفا لهذه النصوص، نجد انفصاما بين النص الديني وبين الممارسة بين المتدينين، ما سبب ذلك؟


يوسف القرضاوي: ليس هذا ذنب الدين، الدين بيعطيك نصوص وقواعد وتوجيهات وتشريعات إذا الناس لم يعملوا بها فما ذنب الدين؟ إذا كان الطبيب بيقول لك خذ الدواء الفلاني وكل الشيء الفلاني وابتعد عن الشيء الفلاني وأنت لم تعمل، ذنبك أنت، ذنب الناس. علينا أن نعلم الناس الدين الحقيقي ونربي الناس على الدين الحقيقي ونراقب الناس في هذا ونشيع جوا إيجابيا يساعد الناس على أن يحيوا متسامحين ومتحابين ومتعاونين على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.


عثمان عثمان: إذاً لعل الجهل هو سبب رئيسي في أسباب التوترات؟


يوسف القرضاوي: ما هو قلنا من قبل إن الجهل هو من الأسباب المهمة، الجهل والظلم {..إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[الأحزاب:72] إما الجهل وإما.. قد يكون جاهلا وقد يكون عارفا ومع هذا يعني يتجاوز الحق إلى الباطل.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور في دقيقة واحدة، كيف نبني ثقافة التسامح؟..


يوسف القرضاوي: (مقاطعا): هناك سؤال مهم جدا يا أخي.


عثمان عثمان: نعم فضيلة الدكتور ربما الوقت ضاق ولكن في هذا السؤال في موضوع التسامح..


يوسف القرضاوي: (مقاطعا): في السؤال الأخير لماذا تتركه؟ هذا بتاع مفتي سوريا.


عثمان عثمان: نعم، سنتحدث فيه فضيلة الدكتور ولكن الوقت ضاق، تفضل في هذا الموضوع طالما أن لديكم علما بهذا الأمر.


يوسف القرضاوي: مش موجود عندنا؟


عثمان عثمان: نعم، نعم، تفضل فضيلة الدكتور.


يوسف القرضاوي: هذا الكلام اللي قاله أخونا..


عثمان عثمان: نعم هو من باب التسامح ربما قال إنه..


يوسف القرضاوي: (مقاطعا): المغالاة في التسامح، أنه يقول لو الرسول قال لي اكفر باليهودية أو المسيحية لكفرت بالرسول، هذا كلام لا يقوله عالم ولا يقوله مسلم عادي، إذا كنت آمنت بأن محمدا رسول الله فلا بد أن تطيعه لأنه لا يأمر إلا بالخير ولا يأمر إلا بمعروف، فحتى لو قال لك اقتل لازم.. قصة سيدنا موسى لما يعني قتل الغلام {..قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ..}[الكهف:74] وبعدين قال له لماذا قتل ولماذا خرق السفينة ولماذا.. فهذا في الحقيقة لا يجوز أن نتطاول على الحقائق ونتركها من أجل إرضاء الناس، نرضي الناس بالحق لا بالباطل.


عثمان عثمان: إذاً الحديث هنا عن المفتي السوري الذي قال لو أن محمدا طلب مني أن أكفر بالمسيحية أو اليهودية لكفرت به.


يوسف القرضاوي: بالعكس نحن لا نؤمن بالمسيحية الحالية ولا باليهودية الحالية وهم لا يؤمنون بنا، هم يكفرون بنا ونحن.. نحن نؤمن بالمسيحية التي جاء بها المسيح، بالإنجيل الذي أنزله الله وبالتوراة التي أنزلها الله لا بالتوراة المحرفة ولا بالإنجيل، التسامح لا يأتي بالنفاق أنك تنافقني وأنافقك، لا، لازم تبنى الأمور على الحقائق، فهذا ما ينبغي أن يعرف إنما أنا لا أؤمن بالمسيحية الحاضرة وهم لا يؤمنون أيضا بي ولا أؤمن باليهودية الحاضرة لأن فيها تحريفا وفيها تجاوزا، فينبغي أن تقر الحقائق وتحترم ولا يتجاوزها الناس إرضاء للأهواء، كما قال الله تعالى {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}[الجاثية:18، 19].


عثمان عثمان: أشكركم في الختام فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على هذه الإفاضة الطيبة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب، دمتم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.