الشريعة والحياة - صورة عامة
الشريعة والحياة

الشباب والتدين

تتناول الحلقة معاملة الشباب بين التشدد والتسيب، ما الذي يحمل شابا على الانزلاق إلى العنف والتهور؟ وفي المقابل ما الذي يدفع بعض شباب اليوم إلى العزوف عن الدين؟

– النظرة إلى الدين وحاجة الشباب إلى التدين
– أشكال التدين ودوافع سلوك الشباب

– أمثلة الاعتدال ودور علماء الدين

– مخاطر المغريات المعاصرة وسبل مواجهتها

عثمان عثمان
عثمان عثمان
يوسف القرضاوي
يوسف القرضاوي

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {..وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ..}[البقرة:195] ما الذي يحمل شابا على الانزلاق إلى العنف والتهور؟ وفي المقابل ما الذي يدفع بعض شباب اليوم إلى العزوف عن الدين وماذا يمثل الدين بالنسبة للشباب؟ الشباب والتدين موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، مرحبا بكم سيدي.


يوسف القرضاوي: مرحبا بك أخ عثمان.

النظرة إلى الدين وحاجة الشباب إلى التدين


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني حديثنا اليوم عن الشباب والتدين، بعض الشباب يرون أن الدين موضة قديمة، ما حاجة الإنسان والشباب بشكل خاص إلى الدين والتدين؟


يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأزكى صلوات الله وتسليماته على من أرسله الله رحمة للعالمين سيدنا وإمامنا وأسوتنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته إلى يوم الدين أما بعد، فالدين هو روح الوجود لا معنى لحياة الإنسان بغير الدين أيا كان هذا الإنسان شابا أو شيخا رجلا أو امرأة يعني الدين جوهر الحياة بدون الدين لا يستطيع الإنسان أن يجد للحياة معنى، لماذا؟ هناك أسئلة لا يجد لها إجابة من أين وإلى أين ولما؟ الأسئلة الخالدة التي فكر الإنسان فيها من قديم من أين جئت وجاء هذا العالم من حولي وإلى أين أذهب بعد رحلة الحياة، بعد الموت هل هناك شيء آخر ولا انتهت، هي أرحام تدفع وأرض تبلع ولا شيء وراء ذلك، ولم؟ لماذا خلقت؟ لماذا خلق؟ هل هناك هدف؟ هل هناك رسالة؟ الإنسان لا يجد إجابة عن هذه الأسئلة إلا في الدين بحيث يعلم أنه لم ينبت شيطانيا في البرية كأي نبات شيطاني كما يسميه الناس وإنما هناك خالق خلقه وأوجده وهيأ له السبل وأرسل إليه الرسل وأنزل عليه الكتب ولذلك لا يستطيع الإنسان أن يستغني عن الدين.


عثمان عثمان: ولكن فضيلة الدكتور بعض الشباب يرون أن هذا الدين هو سجن هو عبارة عن قيد، لا يستطيع أن يعيش حياته كما يريد بالطول والعرض، يعني..


يوسف القرضاوي: (مقاطعا): هو عبارة عن إيه؟


عثمان عثمان: عن قيد وسجن يعني هذا الشاب يريد أن يعيش حياته بالطول والعرض ويرى أن الدين يأتي في مرحلة متقدمة من السن، من أين جاء هذا الفهم برأيكم؟


يوسف القرضاوي: أولا يعني أنا أريد أن أقول هذا كان قبل عصر الصحوة، يعني النظرة إلى الدين هذه النظرة وأن الدين موضة قديمة وأن الدين قيود وسجن للإنسان هذا كان قبل الصحوة الإسلامية، لم يكن الشباب يعرف الدين ولا الفتيات تعرف الدين، نحن إذا تكلمنا تحدثنا عن الشباب فنحن نقصد الجنسين الرجل والمرأة معا، قبل عصر الصحوة لم يكن هناك امرأة محجبة وقبل عصر الصحوة لم يكن الناس يعرفون المساجد إلا الشيوخ الكبار الذين أحيلوا على المعاش وعلى التقاعد هم الذين يحضرون إلى المساجد أما الشباب فكان نادرا في طفولتنا نحن وفي صبانا كان قليلا من الشباب الذي يحرص على المسجد، ثلاثة أربعة في المسجد وكله شيوخ كبار، الآن هذا انتهى يعني ما تقوله لا يقال في هذا العصر عصر الصحوة، الآن وأنا أخطب الجمعة تجد 95% ممن يصلون معي شباب وأذهب إلى مواسم الحج والعمرة أجد أيضا 95% شباب، كان زمان الذين يحجون الشيوخ الكبار من الرجال ومن النساء، حتى الإمام الغزالي في كتابه الإحياء يقول "الحج هو تمام الأمر وختام العمر" يعني عصر الصحوة قلب هذه الموازين، صحيح موجود هذا الصنف الذي تقوله..


عثمان عثمان: موجود عند البعض.


يوسف القرضاوي: وهذا ناشئ من تقصيرنا في الدعوة إلى الدين في تقصير في الأسرة وتقصير في المؤسسة الدينية وتقصير من الدولة والإعلام يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الأمر لأن الإعلام لا يعكس واقع الأمة، لا يعكس الصحوة الإسلامية، في بعض التلفزيونات لا ترى فيها امرأة محجبة لا تجد مذيعة محجبة والمحجبات ملء البلد ولكن ممنوع هذه تظهر حتفسد الناس حتخلي الناس يتدينوا، فالإعلام هو يتحمل مسؤولية كبيرة في وجود هذا النوع من الشباب. ونحن نريد أن نقول لهؤلاء الشباب إن الدين ليس ضد العيش الكريم وليس ضد الاستمتاع بالحياة، بالعكس الدين الحقيقي التدين بالصحيح لا يمنع أن تحيا حياة طيبة، بل الحياة الطيبة هي ثمرة وجزاء للتدين الصحيح، الله سبحانه وتعالى يقول

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً..}[النحل:97]، {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً}[الجن:16]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ..}[الأعراف:96] وربنا لما أنزل آدم وحواء قال {..فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً..}[طه:123، 124] فالدين ليس ضد الحياة الطيبة ليس ضد أن تنعم بالحياة ليس الدين كله أنك تقعد تعبد ربنا في المسجد طول الوقت، لا، مطلوب منك خمس صلوات في اليوم تؤديها وبعدين تنطلق {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ..}[الجمعة:10] حتى يوم الجمعة ممكن تشتغل في يوم الجمعة في الإسلام {..إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ..}[الجمعة:9] يعني كان قبل الجمعة بيبيع ويشتري ويشتغل، وبعدين بعد الجمعة إذا قضيت الصلاة{..فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ..}فهذا هو الدين، لو أننا فهمنا الدين صح لعملنا بأمر ربنا وانتهينا عما نهانا وسعدنا في حياتنا، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لبعض أصحابه وقد ظنوا أن الدين لا بد أنه طول الوقت خشوع ودموع وبكاء، قال لهم لا، لا "لو داومتم على هذه الحال لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" فهذا هو التدين الحقيقي.

أشكال التدين ودوافع سلوك الشباب


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور هناك من يتحدث عن أشكال للتدين، يتحدث عن تدين متشدد، تدين وسطي، تدين خمس نجوم، هل يمكن الحديث عن أنماط للتدين؟


يوسف القرضاوي: نعم هو كل الأشياء فيها طرفان وواسطة.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور في موضوع التدين المتشدد البعض يسميه تدين تكفيري وهو يوجد عند.. يعني يقود إلى العنف وموجود لدى الكثير من الحركات والتيارات التي تتبنى العنف معظم قيادات وكوادر هذه الجماعات، ما الذي يدفع الشباب إلى سلوك هذا المنهج والاقتناع بهذه الفكرة؟


يوسف القرضاوي: هو يدفعه سوء الفهم، أنه لم يجد من يلقنه الدين الصحيح لم يجد من يفهمه الإسلام الحق، والشباب بطبيعته الشباب سن القوة الحيوية الدافقة، ربنا سمى الشباب قوة بين ضعفين، القرآن يقول {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً..}[الروم:54] فهو قوة بين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، الطفولة من قبل والشيخوخة، فهذه سن القوة ممكن يعني يغرى فيه الإنسان بأنه يندفع لأن سن الاندفاع والعواطف والخيالات فلذلك ممكن يندفع إلى الخير وممكن يندفع إلى الشر، الصحابة اندفعوا إلى الخير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعملوا قوتهم في الجهاد ضد الطغيان الشرك المتجبر المسلح الذي آذى المسلمين يعني استعملوا قواتهم في هذا، بينما الخوارج استعملوا قواتهم في ذبح المسلمين ولذلك جاء في وصفهم أنهم قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلال، حدثاء الأسنان يعني سنهم صغير فيستغلهم بعض زعمائهم في دفعهم إلى التهلكة كما ذكرت الآية وكان أبو حمزة الشاري من زعماء الخوارج له خطبة شهيرة معروفة يقولون "يعيبون أصحابي بأنهم شباب وهل كان أصحاب رسول الله إلا شبابا" إلى آخره، فيستغل أحيانا حيوية الشباب وقوة الشباب واندفاع الشباب في هذه الطرق المهلكة في اتخاذ العنف سبيلا، لأن الشاب ما عندوش وقت يقعد ينظر ويفرق بين ما يجوز وما لا يجوز وما يباح وما لا يباح، بالعكس يستهويه العمل الذي يرى فيه نوعا من البطولة يعني وكأنه يجد فيه ذاته ويحقق أحلامه فلذلك كان من الخطر أن يترك توجيه الشباب إلى هذه العناصر التي تفتنه عن دينه وتوجهه إلى غير المنهج المستقيم.


عثمان عثمان: سؤال شخصي فضيلة الدكتور، يعني هل كان لكم آراء معينة في سن الشباب كنتم تتبنونها وتقولون بها والآن غيرتم عنها؟


يوسف القرضاوي: أنا، شوف، أنا طول عمري منهجي وسطي يعني حتى في شبابي، يمكن الواحد طبعا يبقى متحمسا أكثر أو كذا ولكن أنا منذ الشباب وأنا أتبنى المنهج الوسط، أول كتاب ألفته أو دخلت به ميدان التأليف الحقيقي كتاب "الحلال والحرام" وفي مقدمته أبين منهجي أنه بين طريقين، طريقة المتغربين الذين يأخذون كل ما عند الغرب وطريقة التقليديين الذي يحرمون كل شيء، فأنا منهجي هو المنهج الوسط وهو المنهج الإسلامي الحقيقي ولا يمكن أن تصلح الأمة إلا بالمنهج الوسطي {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً..}[البقرة:143] لا أقول إنني يعني أنا في الشباب كالشيوخ، لا، في الشيء نسبية قطعا إنما عمري ما كنت متطرفا.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني من التدين الوسطي إلى تدين التشدد والعنف، آخر فصول هذا التدين محاولة شاب نيجيري تفجير طائرة أميركية، يعني من أين جاء بهذا السلوك؟ ماذا تقولون به؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا السلوك؟


يوسف القرضاوي: شوف مسؤولية هذا أولا تقع على أميركا، أميركا هي التي استثارت المسلمين في العالم بمواقفها التي لا تمثل أي قرب من العدل، أميركا دائما مع الظلم ومع الطغيان مع الكيان الصهيوني في حقه وفي باطله وقليلا ما يكون له حق ودائما هو على باطل وهي معه في الحق والباطل وتدافع عنه، شوف لولا المال الأميركي ولولا السلاح الأميركي ولولا الفيتو الأميركي ما استطاعت إسرائيل أن تعربد وتصول وتجول في هذه البلاد وتفعل ما تشاء، حتى توقعنا خيرا عندما جاء أوباما وخاطب المسلمين وخاطب كذا لكن لم نجد على يديه شيئا، فمواقف أميركا هي المسؤول الأول، طبعا هنا مواقف المسلمين ثانيا يعني مسؤولية المسلمين مسؤولية علماء المسلمين مسؤولية حكام المسلمين ومواقف أيضا حكام المسلمين الغير مشرفة التي في كل يوم نشهد منها وآخرها الجدار الفولاذي جدار الموت الذي يراد يعني إقامته بين الإخوة في رفح المصرية ورفح الفلسطينية. أنا أقول لك حكاية، أول مرة أزور قطاع غزة سنة 1957 بعد خروجي من السجن الحربي وبعدين هم قالوا لي هذه الحدود بين رفح المصرية والحدود.. ما هي هذه الحدود؟ كانت مزلقان، عارف المزلقان؟ الخشبة اللي بيعمولها كده، يطلعوها فوق تدخلك وتنزل، فوقفت أنا بين الرفحين رجل هنا ورجل هنا قلت له يعني أنا نصفي الآن في مصر ونصفي الآن في فلسطين! قالوا لي نعم. ما في حدود هذه الحدود مصطنعة يعني صنعها سايكس بيكو والاستعمار، دي كلها كانت بلادا واحدة والفقهاء يسمونها دار الإسلام مش ديار الإسلام، فهذه المواقف هي التي تثير هؤلاء الشباب يعني نحن ننكر طبعا هذا العمل وننكر كل عمل فيه خطف طائرة أو تفجير طائرة، أنا من عشرين سنة أو أكثر أصدرت فتوى بتحريم خطف الطائرات بصفة عامة لأنه ما ذنب الناس اللي في الطائرة علشان تدمر الطائرة أو تقتل أحدا منها؟ لا ذنب لهم ولا تزر وازرة وزر أخرى ولكن لا بد أن نبحث عن الأسباب العميقة وراء هذه التصرفات لأن هذه التصرفات العشوائية أو العبثية هذه أو التصرفات العنفية هذه لم تأت من فراغ، لها أسبابها وإذا أردنا أن نعالج شيئا فلا بد أن نعالج أسبابه.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور هناك من يحمل المسؤولية أيضا إلى الخطاب الإسلامي الموجه إلى الشباب، هناك تحريض دائم هناك سرد لمآسي ومصائب المسلمين، إبراز للمشكلات الكبيرة وفي نفس الوقت لا يتم طرح الحلول لهذه المشكلات.


يوسف القرضاوي: هناك طبعا قدر من هذا موجود ولكن هذا وحده لا يكفي لدفع هذا الشباب إلى الاندفاع لو لم تكن هناك أسباب مختلفة تتجمع هذه الأسباب من هنا ومن هناك بعضها أسباب فكرية وبعضها أسباب نفسية وبعضها أسباب اقتصادية وبعضها أسباب سياسية وبعضها داخلي وبعضها خارجي، تتجمع هذه فتؤدي إلى هذه الظاهرة، ظاهرة تبني العنف.


عثمان عثمان: آخذ السؤال من السيد زياد وجدي يقول "سؤالي عن المثال المعتدل المعاصر للشاب المسلم بعيدا عن الراديكالية والتطرف في ظل الإحباط البالغ من ممارسات وفساد السلطات الدينية التي أصبحت أداة في أيدي النظم السياسية، أين الاعتدال والمثال على ذلك؟" أسمع الإجابة إن شاء الله بعد وقفة قصيرة فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود وإياكم إلى متابعة هذه الحلقة بإذن الله.

[فاصل إعلاني]

أمثلة الاعتدال ودور علماء الدين


عثمان عثمان: مرحبا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان الشباب والتدين مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، سيدي، الأخ زياد وجدي يقول "في ظل الإحباط البالغ من ممارسات وفساد السلطات الدينية التي أصبحت أداة في أيدي النظم السياسية، أين الاعتدال والمثال على ذلك؟" وربما يقصد الفتوى التي أصدرها مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر والتي يعتبر فيها أن بناء الجدار الفولاذي هو حلال وليس حراما كما ذكرتم أنتم.


يوسف القرضاوي: الأسوة والمثل العليا نجدها في النماذج التي ذكرها القرآن عن الشباب، ذكر لنا القرآن مثلا يمكن أن تتخذ أسوة حينما ذكر الشاب الذي يطيع الله سبحانه وتعالى ولو في قطع رقبته، اسماعيل عليه السلام حينما بلغ السعي مع أبيه وبلغ مرحلة الشباب وقال أبوه سيدنا إبراهيم {..قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى..} ماذا قال هذا الشاب؟ {..قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:102] نفذ الأوامر، حتى لم يقل افعل بي ما تؤمر، يعني فني عن ذاته تماما، افعل ما تؤمر، نفذ الأوامر التي عندك ستجدني إن شاء الله من الصابرين، هذا شاب. شاب آخر ذكره القرآن يعني الفتنة تسعى عليه والمعصية تعرض عليه فيرفض، يوسف عليه السلام {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ..} وهو شاب والشباب شعلة من الجنود وعزب مالوش لا امرأة وغريب لا حد يعرفه والمرأة هي التي عرضت عليه ولا يخاف أحدا ولا.. كان ممكن يقع في المعصية ولكنه أبى {..قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}[يوسف:23] حتى بعدما هدد بالسجن {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ}[يوسف:33] فلم يجد معه سلاح الإغراء ولا سلاح التهديد. الشباب الذين ذكرهم القرآن سورة سميت باسمهم، أهل الكهف {..إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}[الكهف:13]. الشاب الذي حطم الأصنام وهو فتى، سيدنا إبراهم حينما حطم الأصنام وجعلها جذاذا إلا كبيرا لهم {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}[الأنبياء:60] أصحاب الأنبياء كانوا فتيانا وشبابا، القرآن يقول عن أتباع موسى {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ..}[يونس:83] نابتة، ليسوا شيوخا ولا، والذين اتبعوا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكونوا شيخ القوم، الشباب، الصحابة فعلا أكبر واحد فيهم كان سيدنا أبو بكر ولما أسلم كان عمره 37 سنة أو شوية، فهذا كان أكبر الصحابة، فالتاريخ الإسلامي عندنا نماذج ومثل، النبي عليه الصلاة والسلام يعني يولي أسامة بن زيد قيادة الجيش وهو ابن 18 سنة، الذي فتح الهند محمد بن القاسم بن محمد وعمره 17 عاما، وهكذا حتى الآن في عصرنا انظر شباب الصحوة الإسلامية الشباب الذين يجاهدون في فلسطين، شباب غزة الذين قاوموا الدبابات وقاوموا الحصار وقاوموا التجويع وأبوا أن يركعوا لما تريده إسرائيل، هؤلاء الشباب، الشباب الذين نراهم بحمد الله يعملون في جانب الخير وفي جانب الإغاثة وفي جانب خدمة المجتمع متطوعين في كل بلد آلاف من الشباب فلماذا دائما نريد أن نغض الطرف عن هؤلاء ولا نجيب إلا الشباب المتسكع والشباب..


عثمان عثمان: إذاً هناك فضيلة الدكتور نماذج وأمثلة في القرآن الكريم وفي التاريخ وهناك نماذج كما تقولون الآن في واقعنا المعاصر ولكن بالعودة إلى السؤال عن السلطات الدينية التي أصبحت أداة في النظم السياسية تفتي لها بما تريد ألا يدفع هذا الشباب إلى التهور وإلى العنف؟


يوسف القرضاوي: هو طبعا من ضمن الأسباب ولكن يعني يجب أن نقول للشباب لماذا تنظر إلى هؤلاء يعني انظر إلى مجموعة 25 واحدا في الأزهر وافقوا على كذا، في أضعفهم من علماء الأزهر ردوا عليه، في علماء، جمعية علماء الجزائر ردوا عليهم، في جمعية علماء فلسطين، في اتحاد علماء السودان، في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يعني لماذا نأخذ الجانب المظلم ونترك الجانب المضيء؟ هذا طبعا وجود هذه السلطات الدينية إنما يعرف هؤلاء الشباب موقف هؤلاء وأنهم موظفون وأنهم هناك ظروف معاناة تدفعهم إلى ما تدفعهم، لا ينبغي أن يتخذهم هم أنهم هم اللي بيمثلوا الإسلام وبيمثلوا الدين، لا، هذا ليس صحيحا.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور في موضوع القدوة أحد السادة المشاهدين على صفحة الـ facebook يعني يحمل المسؤولية للعلماء أنهم أصبحوا فقط على الشاشات بالإنترنت من خلال الكتب ولا ينزلون إلى الشارع يعانون ويراقبون مشكلات الناس ويقدمون الحلول.


يوسف القرضاوي: شوف، التعميم ليس صحيحا يعني في طبعا علماء لا ينزلون إلى الشارع ولا يتعاملون مع الناس، وفي كثير من العلماء ينزلون إلى الشارع ويتعاملون مع الناس ويدرسون في المساجد ويخطبون في المساجد ولهم برامجهم في التلفزيون وفي الإذاعة ولهم تلاميذهم ولهم.. يعني هذا موجود وهذا موجود فالذي يريد أن يتخذ من الجانب السيء قدوة يعني يفعل والذي يريد أن يتخذ من الجانب المشرق يجد بحمد الله، والأولى بالمسلم أن يسلك الطريق {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد:10] عندك طريق الخير وطريق الشر، {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}[الإنسان:3] فعندك سبيل الشكر وسبيل الكفر، ونجد الهدى ونجد الضلال فلماذا تتبع نجد الضلال ولا تتبع نجد الهدى؟ هناك علماء السوء وهذا من زمان من أيام الإمام الغزالي تلكم عن هؤلاء العلماء وسماهم علماء الدنيا، يعني علماء الدنيا ليسوا علماء الدين وظاهرهم أنهم علماء الدين أو زيهم أو المدرسة اللي تخرجوا منها لتقل ولكن هم مشغولون بالدنيا وبشهوات الدنيا، ولكن في علماء الدين ومن فضل الله سبحانه وتعالى أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة والنبي عليه الصلاة والسلام قال "يحمل هذا العلم من كل خلفه عدوله" كل جيل فيه عدول ثقات ينفون عنه -يعني عن الدين وعن علم النبوة- تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فسيظل في طائفة العلماء بيسموها الطائفة المنصورة استفاضت بها الأحاديث عن عدد كبير من الصحابة أنه لا تقوم الساعة حتى تظهر هذه الطائفة القائمة على الحق لا يضرها من خالفها حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، هذه الطائفة المنصورة أو الفرقة الناجية سمها ما تسمها هذه لا بد أن تقف لتحمل عبء الرسالة، القرآن يقول {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف:181] وكما قال سيدنا علي "لا تخلو الأرض من قائم لله بالحجة" وكما قال شوقي،

إن الذي خلق الحقيقة علقما

لم يخل من أهل الحقيقة جيلا

لا بد من جيل يحمل الحقيقة والقرآن يشير إلى هذا بقوله تعالى {..فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ}[الأنعام:89] هؤلاء وكلاء الله في الأرض، الذين يحرسون الدين ويحرسون الفضيلة ويقفون مع الخير ضد الشر ومع الصلاح ضد الفساد ومع الهدى ضد الضلال ومع حزب الرحمن ضد حزب الشيطان.

مخاطر المغريات المعاصرة وسبل مواجهتها


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني بعض الشباب الذين يحيدون عن الدين ولا يلتزمون بهذا الإسلام العظيم يردون السبب إلى المغريات الكثيرة التي تظهر أمامهم سواء في الشارع أو على شاشة التلفاز، يقولون بأن هذه المغيرات وهذه الضغوطات كثيرة جدا لم تكن في عهد الصحابة كما أن الصحابة كان لديهم زوجات وكان لديهم ملك يمين اليوم لا يستطيعون أن يتزوجوا حتى لضيق ذات اليد، ما رأيكم في هذا الرأي؟


يوسف القرضاوي: هذا يعني صحيح يعني موجود يعني هذا وهذا يعني هناك مسؤولية للدول والحكام الذين يدعون هذه المغريات أمام الشباب وينبغي للدولة ألا تفتن الشباب بظهور الفساد وظهور المنكرات وظهور هذه الأشياء، نحن بلاد مسلمة ومجتمعات قرآنية ومحمدية فلا بد أن يظهر أثر الإسلام والقرآن ونور النبوة في هذا المجتمع ولا تترك هذه الأشياء وينبغي أن أهل العلم وأهل الدعوة وأهل التربية وكل صاحب رأي وصاحب حكمة أن يقوم بدوره في محاولة شغل الشباب بالحق وبالخير لا بالباطل ولا بالشر، فإذا شغل يعني هو من أشد الأشياء خطرا الفراغ، أبو العتاهية الشاعر المعروف يعني له أرجوزة مشهورة، من هذه الأرجوزة يقول

إن الشباب والفراغ والجده

مفسدة للمرء أي مفسدة

الشباب والفراغ وهي نعم عظيمة ولكن ما أديناش شكرها كما جاء في صحيح البخاري "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ"، فالصحة الناس المفروض الإنسان يستغلها في الطاعة وفي عمل الخير وفي خدمة القلب إنما ما يستعملهاش في اتباع الشهوات وإضافة الصوات وإشاعة الفساد بين الناس، الفراغ كذلك، يجب أن يستغل الفراغ بتعلم شيء ينفعه يتعلم الكمبيوتر يتعلم حرفة مهمة يروح يعني يأخذ تمرينات رياضية ينضم إلى جمعية خيرية أو جمعية ثقافية يعني بدل ما يترك هذا الفراغ يستغله الشيطان وبيقول لك من لا شيخ له شيخه الشيطان، إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك نفسك بالباطل لأنه ما فيش حاجة تترك يعني الفراغ لا بد أن يملأ، إذا لم تملؤه بالخير سيأتي الشر ويملؤه، وهذا فهو مطلوب من المجتمع كله أن يساهم في حل مشكلة الشباب في شغل فراغ الشباب، في عمل أنشطة وهناك أمثلة طيبة وجمعيات تقوم بهذا الأمر ووعى كثير من الشباب يجدون ما يشغلهم عن التفكير في المحرمات والتفكير في الشهوات وهذه الأشياء بالعمل لخدمة المجتمع.


عثمان عثمان: نأخذ فضيلة الدكتور بعض الاتصالات من السادة المشاهدين، صبري معروف مصر.


صبري معروف/ مصر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لفضيلة العلامة الشيخ الدكتور القرضاوي حفظه الله وبارك لنا في عمره وعلمه. الحقيقة يعني هي مداخلتي عن الواجب على الشباب تجاه القضايا العامة ولا سيما عند ظهور الفتن، فنحن نرى بعض الساسة الآن يخونون ويخنعون وينبطحون أمام الأعداء بينما يسجنون ويعذبون ويبعدون المواطنين الحقيقيين الذين يريدون خيرا لأمتهم، وللأسف الشديد حتى نرى بعض العلماء يعني ممن يسيسون علمهم ويسيسون فتواهم ويفتون حسب السلاطين ويحلون الحرام، من.. يعني لو جبت واحد، اليهود خرجوا في مظاهرة في تل الربيع اللي هي عاصمة الكيان المغتصب خرجوا ينددون بحصار اليهود لغزة وبعض العلماء يحلون إقامة الجدران حول غزة! هل هذا يعقل يا سيدي؟ هل يعقل أن البعض النهارده يشارك في تجويع وذبح ومنع الدواء والغذاء والكساء عن أطفال فلسطين الذين يموتون جوعا؟ أليسوا هؤلاء يعتبرون شركاء في الجريمة ويعتبرون شركاء في الدم الفلسطيني وفي قتل أطفال فلسطين؟ أين هم من قول النبي صلى الله عليهم وسلم "أيما أهل محلة باتوا وفيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله"، يا فضيلة الشيخ وجه كلمة إلى هؤلاء وإلى الشباب كيف..


عثمان عثمان (مقاطعا): شكرا الأخ صبري معروف من مصر. نأخذ الأخ مؤمن أحمد من الكويت.


مؤمن أحمد/ الكويت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييك وأحيي الشيخ القرضاوي، والله أنا عندي بس مداخلة بسيطة كده إن شاء الله، يا شيخ يوسف النهارده محكمة في مصر منعت دخول الطالبات المنقبات إلى الجامعات في الامتحانات، دور الشباب المسلم يعني المتمسك بدينه والغيور على دينه، لما الحكومة المصرية تمنع حاجة زي كده وبتحاصر شعب فلسطين، واللي بيحصل في العراق واللي بيحصل في فلسطين وفي الصومال واللي داخلين على اليمن، الشباب دلوقت عنده زي ما قلت إنه هو عنده قوة وعنده عزيمة وفي متدينين كثير والحمد لله منهم من الشباب وفي صحوة إلا أنه في وافدين برضه كثير، لما يكون الشباب دول بيشوفوا أن المسؤولين الإسلاميين اللي موجودين في الغرب اللي هم في الجاليات العايشين في الغرب لما بيحصل أي حاجة من أي شاب بينأوا بأنفسهم وبالدين الإسلامي وبيقولوا إن ده متطرف وإن ده بعيد عن الدين، الشباب دول بيتصرفوا إزاي في ظل حكومات تابعة للأوروبيين والغرب..


عثمان عثمان (مقاطعا): شكرا الأخ مؤمن أحمد من الكويت. سؤال الأخ مؤمن آخر سؤال له ماذا يفعل الشباب أمام هذا الضغط؟


يوسف القرضاوي: هو والله يعني أنا أقدر الحقيقة ما يقوله الإخوة سواء الأخ الكويتي أو الأخ المصري اللي قبل هذا والأشياء التي يقولونها هي حقيقة ولا نستطيع أن ننكرها وهذه المواقف التي تصيب الشباب بالإحباط واليأس وتجعل بعضهم إما يندفع إلى طريق العنف، بيقول لك إن هؤلاء لا يصلح فيهم الوعظ ولا الإرشاد ولا موقف الحكمة، لا ما فيش إلا العنف هو السبيل الوحيد، والبعض الآخر يقول لك الدين مش نافع خالص لهذه الحياة، فلا نستطيع أن ننكر هذه الأشياء ولكن مع هذا نحن نريد أن نقف موقفا متوازنا ونريد أن يعرف الشباب أن ليس كل الناس هم هؤلاء الأشرار وليس كل العلماء هم هؤلاء الذين يفتون هذه الفتاوى، أنا وقفت ضد هذا وهم يعني للأسف فتواهم كانت ردا على فتواي اللي أنا ذكرتها وأنا ذكرت الفتوى وأصدرنا في الاتحاد العالمي بيانا باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وخطبت الجمعة والأمر أصبح واضحا تمام الوضوح، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول "دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" هرة! فما بالك اللي بيحبس مليون ونصف من الناس لا يفتح لهم أي ثغرة؟! قطعت عنهم الرئة التي بيتنفسوا منها، أغلقت المعبر ومن واجبك أن تفتحه، طيب سيبهم يعني يعملوا حاجات وكلها حاجات لا تسمن ولا تغني من جوع، غزة بحاجة إلى آلاف الشاحنات يوميا حتى يعني يبنى ما تهدم ويعمر ما تخرب، فإيش الأنفاق وإيش اللـ..


عثمان عثمان (مقاطعا): فضيلة الدكتور ولكن البعض يرى أن هذا من حق مصر يعني هناك من قال بأنه لا تدخلوا دار قوم حتى يأذنوا لكم، وطالما أنها لم تأذن..


يوسف القرضاوي: هي دار.. من قال إنها مش دارهم؟! من قال إنهم غرباء؟! هذه الحدود ما أنزل الله بها من سلطان وما قام عليها من الشرع برهان، كل بلاد المسلمين لا يجوز أن يقاطع المسلم أخاه أو يسد باب الرحمة عليه أو يخذله، الأحاديث النبوية "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، يعني "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"، يعني لا يتركه لا يتخلى عنه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ..}[التوبة:71]، {..وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ..}[الأنفال:72]، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..}[الحجرات:10]، "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد". من قال المسلمين أوعى تدخل بيتي لأقتلك، من قال.. هو بيت واحد، دار الإسلام، اسمها دار الإسلام وخصوصا في الشدائد، المفروض شرعا على مصر أنها تقاتل حتى تحرر غزة، كل المسلمين وخصوصا الجيران، الحكم الفقهي يقول إيه؟ أنه إذا احتل قطعة أرض من بلد ما كبرت هذه القطعة أو.. على أهلها أن يدافعوا عنها ويطردوا العدو منها، فإذا لم يمكنهم يبقى على جيرانهم الأقربين ثم جيرانهم ثم جيرانهم حتى يشمل المسلمين جميعا، فأقرب جار إلى غزة هو مصر، مصر يجب أن تقاتل من أجل غزة، إذا لم تقاتل اسمح لهم يأكلوا ويشربوا سيبهم يطلعوا يجيبوا أكلهم يشتروه، اسمح للناس اللي عايزة تبعث لهم المعونات تدخل، إنما تقطع عليهم كل سبيل لكأنك تتعمد قتلهم والعياذ بالله!


عثمان عثمان: نعم فضيلة الدكتور يغلب على خطاب الدعاة اليوم الموجه إلى الشباب دعوتهم إلى التعبد إلى القيام بالشعائر التعبدية ويغفلون جوانب أخرى في بناء شخصية هذا الشاب المسلم، كيف يمكن أن نستثمر طاقات الشباب المسلم، اكتشاف الهوايات، اكتشاف الإبداعات ورعاية هؤلاء المبدعين؟


يوسف القرضاوي: هو لا بد أن يعلم الشباب أن الإسلام هو عقيدة وعبادة وأخلاق وخدمة للمجتمع وجهاد في سبيل الله ودعوة إلى الخير وإنه يعني المسلم الحق يجد سبل الخير أمامه مفتحة لا حصر لها في خدمة أهله وخدمة جيرانه وخدمة قريته وخدمة مجتمعه، كل شيء، حتى الرسول يقول الكلمة الطيبة صدقة، تبسمك في وجه أخيك صدقة، إماطة الأذى عن الطريق صدقة، مشيك مع الرجل -يعني لتهديه إلى الطريق إذا كان ما بيعرفش يمشي تمشي معه علشان تعرفه- صدقة، تحمله على دابته صدقة، كل شيء صدقة، فالنشاط الذي يفتحه الإسلام أمام المسلم لا حدود له وخصوصا في عصرنا أصبحت في هناك أنشطة جديدة متنوعة ممكن الناس تستخدمها عن طريق الإنترنت وعن طريق الكمبيوتر وعن طريق الوسائل الحديثة في خدمة الناس وفي إشاعة الخير وفي الدعوة إلى الإسلام، المفروض إحنا أن نشغل أنفسنا بالدعوة إلى الإسلام، الإسلام يفرض علينا أن نكون كلنا دعاة، كل مسلم داعية لأن كل مسلم مأمور بقوله تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ..}[النحل:125] وكل مسلم يدخل في قوله تعالى لرسوله {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي..}[يوسف:108] فإذا كنت ممن اتبع رسول الله فيجب أن تكون داعيا إلى الله وداعيا على بصيرة، عصرنا فتح لنا آفاقا لا حدود لها في تقديم الخير للناس والنفع للناس والدعوة إلى الناس.


عثمان عثمان: يعني عندما نتحدث عن الشباب نتحدث عن الشباب والشابات أيضا، هناك بعض الفتيات غير المتحجبات عندما يكون الحديث عن الحجاب يقلن بأننا سنتحجب عندما نتزوج، هناك بعض الأمهات المتحجبات الملتزمات والبنات أيضا غير متحجبات وهذا منتشر في بلادنا العربية والإسلامية يعني كيف يمكن أن نعالج هذا الفهم المغلوط للتدين؟


يوسف القرضاوي: الخير لا يجوز أن يؤجل، يعني في واحدة تقول لما أتزوج أتحجب وواحدة تقول لما أتوظف أتحجب وواحدة تقول لما أحج أتحجب، ومن يضمن العمر؟ وهل أحد يضمن أن يعيش إلى الغد؟ كما يقول الشاعر

تزود من التقوى فإنك لا تدري

إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر

فكم من سليم مات من غير علة

وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

من يضمن عمره؟ الخير، يجب أن يبادر الإنسان إلى الصلاح وإلى التوبة وإلى الاستقامة فلا يعرف أحد متى يأتيه الأجل وكل يوم يكسبه في التسابق إلى الخيرات، القرآن يقول {..فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ..}[المائدة:48]، {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ..}[آل عمران:133]، {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ..}[الحديد:21]، في مسارعة وفي مسابقة فالسعيد من سبق إلى الخير، والسلف يقولون أكثر أهل الناس المسوفون، ما معنى المسوفون يقول لك سوف أتوب سوف أستغفر سوف أرجع إلى الله، ومن أين تعرف أن سوف دي حتأتي؟ ما أعطاك الله صكا بأنه حيبقيك خمسين سنة ولا ستين سنة، ما تعرف كم من شاب مات في ريعان عمره، والناس بتموت الآن بالسكتة القلبية بالذبحة الصدرية بحوادث المرور ومن حيث لا يحتسب.


عثمان عثمان: سيدي في أقل من دقيقة يعني هناك سؤال ملح، ما حكم أن نلزم الفتيات الصغيرات على ارتداء الحجاب وربما النقاب؟ البعض يرى أن هذا يولد نوعا من القهر ويعطي مفعولا عكسيا لدى هؤلاء الفتيات الصغيرات.


يوسف القرضاوي: لا يجوز إرغام الفتاة على حجاب ولا نقاب بل يجب أن نقنعها بأن هذا شيء واجب ديني وأن هذا يرضي الله وأن هذا يجعلك مسلمة حقيقة وأن الله تعالى يقول في القرآن {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}[النور:31] وأن هذا مميز بين المسلمة وغير المسلمة وأن المسلمات طوال 13 قرنا قبل دخول الاستعمار بلاد المسلمين لم يكن فيهن امرأة متكشفة تكشف رأسها وصدرها هذا عمل الاستعمار، قبل ذلك لا توجد مسلمة واحدة في ديار الإسلام تفعل ذلك، فبهذا الإقناع نقول للفتاة ولا ينبغي أن نبدأ مع الفتاة إلا حينما تبلغ سنا تشتهى فيه، يعني وهي لسه ست سنين ولا سبع سنين تحجبها! سيبها لما تكبر وتشتهى وتصبح صبية زي ما يقولوا نبدأ نحجبهم..


عثمان عثمان (مقاطعا): أشكركم فضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وأعتذر للمقاطعة لانتهاء الوقت، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب، دمتم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.