الفتوى و السياسة
الشريعة والحياة

الفتوى والسياسة

يناقش البرنامج مشكلة من المشاكل المزمنة التي يواجهها الخطاب الفقهي على وجه الخصوص ذلك التداخل بين ما هو شرعي وما هو سياسي في العديد من الوقائع الجارية والأحداث التي يُلجأ فيها عادة إلى الفقهاء والمفتيين.

– الخطاب الإسلامي والتداخل بين الشرع والسياسة
– حدود اجتهاد المفتي وتعاطيه مع السياسة الشرعية
– ضوابط عدم توظيف الفتوى لصالح السياسة
– الفتوى القطرية وجدوى حصر الدولة للفتوى


undefinedعبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وأهلا بكم في برنامج الشريعة والحياة، من المشاكل المزمنة التي يواجهها الخطاب الفقهي على وجه الخصوص ذلك التداخل بين ما هو شرعي وما هو سياسي في العديد من الوقائع الجارية والأحداث التي يُلجأ فيها عادة إلى الفقهاء والمفتيين أو يتصدى هؤلاء لبيان حكم الشرع فيها ابتداءً وأحيانا يختلط الموقف السياسي للمفتى بالحكم الشرعي وربما فُهمت بعض الفتاوى على أنها موظفة لصالح الموقف السياسي للدولة، فما العلاقة بين السياسي والشرعي؟ وما هي السبل الواصلة والفاصلة بين الفتوى والسياسة؟ وكيف ننظر إلى التداخل بينهما في عمل فقيه اليوم؟ وهل يجوز للدولة أن تحصر الفتوى بجهة معينة وتمنعها عن من سواها؟ وكيف يتجنب الفقيه توظيف الدولة لفتواه؟ الفتوى والسياسة موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع المستشار فيصل مولوي الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان ونائب رئيس مجلس الإفتاء الأوروبي، شيخ فيصل مرحبا بك.

فيصل مولوي – الأمين العام للجماعة الإسلامية – لبنان: مرحبا بكم.

الخطاب الإسلامي والتداخل بين الشرع والسياسة

عبد الصمد ناصر: طبعا كما قلنا في المقدمة إن من القضية التي أصبحت تواجه الخطاب الإسلامي في الوقت الراهن قضية التداخل بين ما هو شرعي وما هو سياسي في الفتوى، دعنا نحدد بداية كيف يعي الفقهاء مفهوم السياسة ومفهوم الفتوى والعلاقة بينهما؟

فيصل مولوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه..

عبد الصمد ناصر: صلى الله عليه وسلم..

فيصل مولوي: أغتنم هذه الفرصة أولا وعلى عادة شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي الذي يبدأ في كل مناسبة بتوجيه النظر إليها، أهنئ أخواني المسلمين بذكرى الإسراء والمعراج، المعجزة الربانية الخالدة التي أكد فيها رب العالمين وحدة هذه الأمة على أرضها من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما أكد وحدة هذه الأمة على قيادة نبيها الذي صلى خلفه الأنبياء جميعا وأخيرا وحدة هذه الأمة عن طريق توجهها بالعبادة إلى الله تبارك وتعالى، نحن أحوج ما نكون في هذه المناسبة إلى استلهام هذه المعاني لنعود أمة موحدة كما أراد الله عز وجل، بالنسبة للفتوى والسياسة ألخص الكلام فأقول الفتوى هي تبيين الحكم الشرعي لمن سأل عنه والحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين، كل المسلمين مكلفون وكل أعمالهم يجب أن تكون وفق شرع الله عز وجل من الحرام إلى الواجب إلى المكروه إلى المندوب إلى المباح، كل أعمال المسلم لا يصح أن تخرج عن هذه الأحكام الشرعية الخمسة، إذاً بين الفتوى والحكم الشرعي تواصل دائم لأن الفتوى هي تعبير عن حكم شرعي، لكن الفرق أن الفتوى هي سؤال يُوَجه إلى المفتى فيجيب عليه أما الحكم الشرعي فهو جميع أحكام الله عز وجل المبثوثة في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي اجتهادات العلماء جميعا هي منظومة متكاملة تشمل حياة المسلم كلها، أما السياسة فهي في الأصل في القديم كانت محصورة بالحاكم وما يتعلق به وبممارسته لسلطته على الرعية، هذا كان الواقع في بلاد المسلمين وعند غيرهم، أما السياسة اليوم فقد أخذت معنى أوسع لأنها لم تعد متعلقة بالحكام فقط وإنما هي متعلقة بالمجتمع كله بأفراده ومؤسساته ونقاباته وأحزابه، لذلك يعرفها العلماء بأنها البحث عن الصالح والمفيد للمجتمع، أما نحن فنعرفها بأنها تدبير شؤون الجماعة وفق الأحكام الشرعية، هذه هي السياسة الشرعية في نظرنا..

عبد الصمد ناصر: طيب هل هناك فرق بين ما يسمى بالسياسة الشرعية كما عرفتها فضيلة الشيخ وما يسمى اليوم بالسياسة؟ هل هناك فرق بين المفهومين؟

"
السياسة عندما تسعى إلى تدبير شؤون الناس بناء على العقل المجرد أو الظروف المحيطة دون أن تكون لها مرجعية معينة فهي سياسة مدنية خاضعة لآراء الناس
"

فيصل مولوي: نعم هناك فرق كبير لأن السياسة عندما تسعى إلى تدبير شؤون الناس بناء على العقل المجرد أو على الظروف المحيطة دون أن يكون لها مرجعية معينة فهي سياسة مدنية خاضعة لآراء الناس، أما السياسة الشرعية فهي مرجعيتها أحكام الشرع ولذلك المسلم لا يمكن أن يكون له رأي سياسي أو موقف سياسي أو عمل سياسي إلا بعد أن يسأل ما هو حكم هذا العمل أو الموقف في نظر الشريعة، فإن كان جائز أقدم عليه..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: نعم، طيب فضيلة الشيخ قلت قبل قليل.. عفوا للمقاطعة، قبل قليل قلت بأن الفتوى هي تعبير عن حكم شرعي، يعني نتساءل هنا أن الفتوى.. ليس كل الفتاوى مبنية على نصوص واضحة وشرعية بل إن هناك اجتهادات هي من محض التفكير البشري للمفتي وبالتالي ليس بالضرورة أن كل ما يصدر عن الفقيه لربما هو حكم شرعي، أليس كذلك؟

فيصل مولوي: الحكم الشرعي ليس معناه النص في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما الحكم الشرعي يستنبط من النص، من الآية أو من الحديث وإذا لم نجد في الآية أو الحديث ما يعالج الموضوع فإن الحكم الشرعي يستنبط من المبادئ الشرعية العامة، من المقاصد الشرعية العامة، من مصالح الناس وعندما يستنبط وفق هذه الأسس يكون أيضا حكم شرعي.

عبد الصمد ناصر: نعم طيب لو جئنا إلى بنية الفتوى وحللناها سنجد أن هذه الفتوى تجمع بين مكونات عدة هي في الغالب تعبير عن تفاعل الفقيه مع نص الوحي، التساؤل هنا كيف يمكن أن نقول بأن كل فتوى هي حكم الله سبحانه وتعالى؟

فيصل مولوي: نحن نقول إن الفتوى إذا كانت مستخرجة وفق الأصول الشرعية فهي حكم الله تعالى حسب اجتهاد المفتي وليس بالضرورة أن يكون هذا الاجتهاد صواب فقد يجتهد المفتي ويخطأ وقد يجتهد ويصيب لكنه يقدم للناس رأيه إذا كان مبني على دليل شرعي على أنه إشارة إلى حكم الله عز وجل في هذه القضية.

عبد الصمد ناصر: نعم ولكن أحيانا نجد بعض المفتيين يخلطون بين الموقف السياسي والفتوى؟

فيصل مولوي: نعم هو الموقف السياسي عند المسلم لابد أن يكون مبني على حكم شرعي بالتالي على فتوى، يعني الناس يخلطون بين الفتوى والحكم الشرعي لأن الفتوى عادة تكون فتوى جزئية وفي قضية محددة أما الحكم الشرعي فهو عادة حكم مطلق والمطروح في القضايا السياسية هو الأحكام الشرعية المطلقة وليس الفتاوى الجزئية لأن كل القضايا السياسية هي معالجة لشؤون الأمة وهذه المعالجة معالجة عامة، لذلك نحن نقول إنه لا يمكن أن تكون هناك سياسة بالنسبة للإنسان المسلم مقطوعة عن الشرع وعن أدلته، عن مبادئه وعن مقاصده وإذا..

حدود اجتهاد المفتي وتعاطيه مع السياسة الشرعية

عبد الصمد ناصر: نعم هذا هدف حلقتنا هذه أن نرفع هذا اللبس عند البعض وعند الكثيرين ربما الذين يخلطون بين الفتوى والحكم الشرعي، فنسمع.. بخصوص موضوع واحد فتاوى عدة كل ينظر إلى الموضوع من منظار معين فتقع حالة من الارتباك والتشويش لدى الناس، في هذه الحالة فضيلة الشيخ كيف نميز ونفرق بين رأي الفقيه والفتوى أو حكم الله؟

فيصل مولوي: هو إذا كان الموضوع اجتهاديا كما هي موضوعات السياسة كلها فمن الطبيعي ألا يتفق الناس على رأي واحد وليس هناك نص قاطع في أي مسألة سياسية لا يختلف الناس في تفسيره أو فهمه أو كيفية تطبيقه على واقع حياة الناس، لذلك من المرونة أن تكون هناك عدة آراء بعدد المفتيين أو العلماء أو المراجع وكلهم يعتبر أنه يقدم حكم شرعي هو حكم الله في هذه المسألة والأمة تتقبل هذا الحكم أو ذاك وتمضي به وأي حكم تقبلته الأمة طالما أنه صادر عن دليل شرعي معتمد فهو إن شاء الله حكم مقبول عند الله عز وجل.

عبد الصمد ناصر: نعم يعني مبعث سؤالي أن الفتوى كما تقول فضيلة الشيخ تستنبط من النصوص أو الآيات أو الأحاديث الشرعية وهي مبنية على أدلة ونصوص كما تقول، لكن المشكلة أن الفتاوى في مسائل سياسية لا يمكن القول فيها بقول فصل فنسمع فتاوى عدة في مواضيع محددة مثلا حينما كانت هناك.. كان التحضير يجري للانتخابات في العراق صدرت عدة فتاوى منها ما حرم الانتخاب ومنها من قال بفرضية الانتخاب؟

فيصل مولوي: كلها آراء ومبنية على أدلة شرعية وقد يكون لي ترجيح لأحدها على الآخر ولغيري ترجيحه لأحدها على الآخر والمسلمون في ساعة يأخذون بهذه الفتوى أو بتلك بحسب ما يرون من مصالح لهم وبحسب ما يرون أنها أقرب إلى الدليل الشرعي.

عبد الصمد ناصر: لا ولكن فضيلة الشيخ أنت قلت قبل قليل بأن هذه الأحكام أو بهذه الفتاوى ليست بالضرورة أن يكون اجتهاد المفتي فيها صواب، يعني هنا حينما نسمع فتاوى عدة في موضوع محدد ألا يذهب هذا الأمر.. هذا الاختلاف بهيبة الفتوى ويصبح الأمر مجرد تقديرات سياسية حسب منظور كل مفتي؟

فيصل مولوي: أبدا لأن الفتوى في المسائل السياسية هي كأي خلاف سياسي لا يستند على فتوى، الأمور السياسية مطروحة في كل بلاد العالم والناس يختلفون فيها وإذا اختلفوا من وجهة النظر الشرعية لكن ضمن حدود الأدلة الشرعية فهذا الخلاف كذاك ولا أحد يستطيع أن يقول إن رأيي الشرعي في هذه المسألة السياسية هو الوحيد الحق والذي يجب أن يكون ملزم، لنأخذ مثلا على ذلك سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه اختير خليفة بشورى المسلمين، ثم اختير سيدنا عمر بطريقة أخرى فيها شورى لكن فيها أيضا ترشيح أو وصية ممن سبقهم ثم اختير سيدنا عثمان بطريقة ثالثة وهي الستة الذين اختارهم عمر وجعل الخلافة بينهم ثم اختير سيدنا علي بطريقة رابعة ثم وقع الاختيار بعد ذلك عن طريق الوراثة، إذاً يعني هذه كلها اختيارات بعضها أقرب إلى الأحكام الشرعية.. إلى المبادئ والمقاصد من البعض الآخر، نحن نعتقد أن المبدأ الثابت في هذا المجال هو أن يتم الاختيار بالشورى، أما الكيفية فمن الطبيعي أن يقع عليها الخلاف بين عصر وآخر، بين بلد وآخر، بين شعب وآخر ولا ضرر في ذلك..

عبد الصمد ناصر: فضيلة الشيخ يعني أعود مرة أخرى إلى موضوع الفتوى التي صدرت بفرضية أو بوجوب مشاركة العراقيين في الانتخابات إبان الانتخابات وقال رأي أحد الآراء التي ساهمت في الموضوع بأن ذلك فرض شرعي وحينما نقول فرض شرعي والآخر لا يقول إنه فرض شرعي الذي سيتبع القول القائل بالفرض الشرعي سيكون عليه العمل بهذا الفرض وبالتالي حينما يكون فرض شرعي من يتركه فهو آثم، ماذا بشأن الذي لم يعمل بهذه الفتوى؟

فيصل مولوي: هو في نظري المفتي آثم، لكن في نظر المفتي الآخر الذي أفتى بعدم المشاركة هو ليس آثم وليس هناك حرج في هذه المسألة على الإطلاق، الذين قالوا إن المشاركة فرض نظروا إلى أن مصالح المسلمين في العراق تتضرر إذا لم يشتركوا في الانتخابات وقد يكون الضرر كبيرا جدا على دينهم وعلى أمورهم الحياتية، لذلك توجهوا هذا التوجه، الذين اعتبروا المشاركة ليست واجب أو حرام نظروا من وجهة نظر أخرى أن هذه الانتخابات تجري في ظل الاحتلال وأنها تخفي اعتراف بالاحتلال والمسلم لا يجوز له أن يعترف بالمحتل، هذه وجهة نظر أخرى وإن كنت أعتقد أنها وجهة نظرية جدا لأن الاحتلال لا يحتاج إلى اعتراف، هو موجود رغما عنا وعلينا أن نقاومه وليس ألا نعترف به.

عبد الصمد ناصر: طيب فضيلة الشيخ من العناصر المتصلة بهذا الموضوع حتى نسترسل في نفس الفكرة.. من العناصر التي يقتضي أن نقف عندها مسألة كون العمل السياسي يقوم على جملة من المصالح والموازنات وبالتالي لا يوجد أبيض ولا أسود، فهل ينسجم هذا مع الأحكام الفقهية التي تتطلب البحث عن حكم الله والتي يقوم فيها المفتي بالتوقيع عن رب العالمين على حد تعبير ابن القيم؟

فيصل مولوي: نعم المفتي يوقع عن رب العالمين.. يعني يقدم فتواه للناس على أنها حكم الله، لكن ذكرت أنه قد يكون مخطأ في هذا وقد يكون مصيب، لنترك السياسة، هل اتفقت آراء العلماء جميعا على حكم الله في مسألة من مسائل الفقه الفرعية؟ لم يحصل هذا على الإطلاق، كما أنه لم يحصل في مسائل العبادات الفرعية والمعاملات والأحوال الشخصية، من الطبيعي ألا يحصل في المسائل السياسية ولا يضر ولا يجعل هذا إنه ليس هناك حكم شرعي، لا هناك حكم شرعي وعلينا أن نبحث ونجتهد في معرفته وقد نخطأ مرة ومرات لكن بالنهاية لابد أن نصل إليه إن شاء الله..

عبد الصمد ناصر: نعم كما يجب أيضا على المفتي أن يبحث جيدا ويدرس الموضوع جيدا قبل أن يفتي فيه لأن كما هو معلوم علم السياسة الشرعية نشأ متأخرا عن الفقه العام وفي العصر الحديث نشأ علم متخصص للسياسة، هل للفقيه.. هل له أن يتعاطى ويحكم على مسائل تتصل بهذا العلم الناشئ دون الإلمام به؟

"
للفتوى ثلاثة أركان وللفتوى السياسية الأركان نفسها، لابد أن يعرف الفقيه النص الشرعي المتعلق بالمسألة السياسية، ثم يعرف الواقع السياسي والظروف السياسية المحيطة في البلد، وإذا لم يكن يعرفها فلا يمكن أن يصل إلى حكم شرعي صائب
"

فيصل مولوي: هذا ليس فقط في مسألة السياسة إنما في كل الفتاوى وفي كل الأحكام الشرعية المستنبطة، الأصل أن الفقيه يعرف النص الشرعي المتعلق بالمسألة ويجب أن يعرف الواقعة التي تطبق فيها هذه المسألة ويجب أن يعرف كيفية إنزال هذا النص على هذه الواقعة، فالحكم الشرعي له ثلاثة أركان، الفتوى لها ثلاثة أركان وفي الموضوع السياسي الأركان نفسها مطلوبة، لابد أن يعرف الفقيه النص الشرعي المتعلق بالمسألة السياسية، ثم لابد أن يعرف الواقع السياسي وهذا يشمل العلوم السياسية المعاصرة كلها كما يشمل الظروف السياسية المحيطة في بلد معين في قضية معينة، إذا لم يكن يعرفها تماما فلا يمكن أن يصل إلى حكم شرعي صائب، ثم بعقله ينزل هذا النص على هذه الواقعة ويستنبط الحكم الشرعي المناسب.

عبد الصمد ناصر: نعم، لكن قد يقول قائل وهذا رأي يطرح كثيرا إن بعض العلماء ربما ورطوا أو انساقوا دون أن شعروا بذلك وراء إصدار فتاوى وهم يعلمون علم اليقين بأن الفصل في الوقائع السياسية لا يمكن تحققه في وقائع تتداخل فيها السياسة القائمة على مصالح بما هو شرعي وربما قد يورطهم في ذلك رغبات السائلين وقد تكون رغبات السائلين سياسية رغبات السائلين سواء كانوا إعلاميين أو سياسيين، أريد أن أسمع رأيك في هذا الموضوع فضيلة الشيخ فيصل مولوي المستشار والأمين العام للجامعة الإسلامية في لبنان بعد أن نأخذ هذا الفاصل، مشاهدينا الكرام نعود إليكم بعد هذا الفاصل فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

ضوابط عدم توظيف الفتوى لصالح السياسة

عبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وأهلا بكم من جديد في برنامج الشريعة الحياة، موضوع الليلة هو الفتوى والسياسية وضيفنا هو المستشار فيصل مولوي الأمين العام للجامعة الإسلامية في لبنان ونائب ورئيس مجلس الإفتاء الأوروبي، فضيلة الشيخ سألتك قبل قليل قبل الفاصل عن مسألة بعض العلماء الذين أو الفقهاء الذين يتورطون دون أن يشعروا بذلك في فتاوى هم يعلمون مسبقا أنه لا يمكن الفصل فيها ولكن نزولا عن رغبات بعض الذين يلحون عليهم في الإدلاء برأيهم فيها.

فيصل مولوي: يعني للأسف هذا يقع أحيانا مع بعض الأخوة العلماء وربما يكونون منساقين مع إلحاح السائلين أو أحيانا ربما مع إلحاح المسؤولين أو أحيانا يستدرجون إلى هذا انسياقا مع وضعهم الخاص، لكن بلا شك يجب على العالم والمفتي أن يتحرى كثيرا قبل أن يصدر الفتوى وألا يتكلم فيما لا يعرف وليس عيبا خاصة إذا كانت المسألة مبنية على غير العلوم الشرعية، لا يمكن الإنسان أن يفتي في مسألة طبية حلال وحرام قبل أن يأخذ رأي الأطباء ويمحصه ويجمع آراء كثيرة حوله ليبني رأيه على علم وقس على ذلك في المسائل السياسية وفي غيرها.

عبد الصمد ناصر: نعم كمثال تطبيقي لهذه الفتاوى.. حينما اختلطت الأمور واختلفت الفتاوى في مسألة عمليات الاختطاف التي كانت تتم في العراق لرهائن ورعايا أجانب، هناك كانت هناك آراء، هناك من حرم هذه العمليات باعتبار أنها مضرة ببيضة صورة الإسلام أمام العالم، بالمقابل قال آخرون إنه يجب أن نوازن بين هم المحافظة على صورة الإسلام وبين إعلام.. ضرورة إعلام العالم بحجم المعاناة التي تعاني منها أجزاء مسلمة من العالم كفلسطين والعراق، هنا نجد أن الاعتبارات فضيلة الشيخ اختلفت والمصالح مختلفة، كيف تنظرون إلى هذا؟

فيصل مولوي: أنا أعتقد أن الموازنة بين هذين الهمّين تؤدي إلى نتيجة واضحة، أنا أوزان بين عرض الإسلام بصورته الحقيقية وبين عرض الإسلام بصورة مشوهة غير صورته الحقيقية لمجرد لفت أنظار العالم إلى ما يجري عندنا من مجازر، هذا التوازن مختل ولا يمكن إلا أن نفضل عرض الإسلام بصورته الحقيقية، أنا أقول إن مسألة خطف الرهائن تخضع لأحكام شرعية محددة لابد من الالتزام بها بغض النظر عن الغرب وماذا ينظر إلينا وكيف ينظر وعن أننا نريد أن نلفت النظر إلى المجازر، هذه كلها أمور ثانوية، المسألة الشرعية يجب أن توضح على حقيقتها، أنا أقول كل حوادث الخطف هذه تعتبر عمليات حربية، أولا لا يصح أن تكون إلا في حالة وجود حرب معلنة بين المسلمين وأعدائهم، الأمر الثاني لا يصح أن توجه لمن لا توجه إليهم الحرب أصلا، يعني النصوص متفقة..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: طيب فضيلة الشيخ لا نريد أن نستهلك الوقت..

فيصل مولوي [متابعاً]: على أن النساء..

عبد الصمد ناصر: نعم الأمر عفوا للمقاطعة اعذرني، الأمر لا يتعلق هنا بإصدار فتوى حول موضوع ولكن كنا نسوق فقط مثالا حول الموضوع، طيب ما دام الأمر يدور مع المصالح في مسائل السياسة الشرعية ما الذي يقرر تلك المصالح؟ هل السياسي الذي يفترض أنه أدرى بوقائع الأمور وأكثر التصاقا بها واحتكاكا بصانع القرار أم هو الفقيه الذي يحدد هذه الأمور؟

فيصل مولوي: لابد أن يجتمعا معا، من الصعب أن يقرر الفقهاء وحدهم إذا كانوا بعيدين عن العمل السياسي أن يقرروا المصالح كما أنه من الصعب جدا أن يقرر السياسيون لوحدهم مصالح هذه الأمة خاصة إذا كانوا بعيدين عن مبدئها الشرعية وعن الالتزام بأحكامها الشرعية، لذلك لابد أن يكون بينهم حوار وتواصل والأمة بعد ذلك تحكم، الأمة قادرة أن تحدد مصالحها في ضوء شريعتها أيضا وليس فقط في ضوء مصالحها الدنيوية، عندنا مصالح الإسلام وعندنا مصالح المسلمين ومصالح المسلمين منها مصالح دينية ومنها مصالح دنيوية، كل هذه المصالح يجب أن تؤخذ بالاعتبار.

عبد الصمد ناصر: طيب لو تحدثنا فضيلة الشيخ عن ضوابط عدم توظيف الفتوى لصالح السياسة، ذكر العلماء أن من أهم شروط الفتوى ضرورة معرفة مدى أثر الفتوى سلبا أو إيجابا قبل إصدارها لأن معرفة المآل قد تغير لربما الحكم الشرعي إلى حكم آخر، ما معنى ذلك؟

"
المفتي عندما يطلق فتوى بناء على حكم شرعي يجب عليه أن يرى ما هي نتيجة هذه الفتوى فقد تكون نتيجتها في هذا الظرف مخالفة لما قصده الشرع "

فيصل مولوي: معنى ذلك أن الإنسان المفتي عندما يطلق فتوى بناء على حكم شرعي يجب عليه أن يرى ما هي نتيجة هذه الفتوى، فقد تكون نتيجتها في هذا الظرف بالذات مخالفة لما قصده الشرع منها وعند ذلك لا يفتي بها وهذه المسائل تقع كثيرا لذلك الشاطبي كان أول من لفت النظر إلى مسألة المآلات بقوة وبتوسع وعجب من بعض الفقهاء الذين يصدرون الفتاوى، يجيبون على السؤال دون أن ينتبهوا إلى مآل هذه الفتوى.

عبد الصمد ناصر: نعم أريد فقط اسمح لي أن أشرك مداخلة للدكتور سيف الدين عبد الفتاح وهو أستاذ النظرية السياسية في جامعة القاهرة، دكتور يعني أنت درست موضوع فتاوى الأمة خاصة بعد حرب الخليج الأولى والثانية، هل نحن أمام تسييس للفتوى أو ظاهرة إفتائية في الظاهر لكنها مسيَّسة في العمق؟

سيف الدين عبد الفتاح – أستاذ النظرية السياسية- جامعة القاهرة: السلام عليكم ورحمة الله.

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

فيصل مولوي: وعليكم السلام ورحمة الله.

سيف الدين عبد الفتاح: أهلا الشيخ الفاضل الأستاذ فيصل مولوي.

فيصل مولوي: أهلا بكم.

سيف الدين عبد الفتاح: أنا أود أن أقرر في البداية معنى غاية الأهمية وهو الذي.. ما الذي نعنيه بفتاوى الأمة؟ لأن هذه الفتاوى ليست كفتاوى الأعيان والأفراد أو الفتاوى التي تختص باب كالطهارة والوضوء والنكاح وغير ذلك من أبواب، فتاوى الأمة يجب أن تتعلق على هذه القضايا التي تتعلق بهذه الأمة ومقتضيات ومتطلبات ومكونات هذا المفهوم، ماذا تعني الأمة بالنسبة للمفتي وبالنسبة للفقيه في هذا الإطار من حيث مصالحها، قضاياها، الأدوار المنوطة بها، وجود هذه الأمة وكيانها وتمكنها، هذا كله يتعلق بهذه الأمة بمعنى جامعية لهذه الأمة يجب أن تكون فتاوى الأمة على مستوى هذه الأمة لأن هذه الأمة بما تتسع ويتسع جمهور خطابها لابد وأن تكون هذه الفتاوى تستوعب هذا الجمهور الخطاب من علماء ومن مثقفين ومن عامة ومن كل ألوان الطيف في هذه الأمة وفي هذا السياق من الأهمية بمكان أن نشير إلى عملية تسييس الفتوى، تسييس الفتوى بتأخذ ثلاثة أشكال، الأول هو تهميش فتاوى الأمة حينما نحاول نخوض في أبواب الفتاوى موضوعات شديدة التكرار وربما شديدة التفاهة أيضا فإن هذه المسألة تعد من صناعة الفتوى التي تقصي قضايا الأمة الحقيقة وأيضا هناك مسألة أخرى أو شكل آخر هو إسناد المواقف السياسية بالفتوى وهذه مسألة غاية الخطورة، هناك مواقف سياسية تتخذ من الدول أو من المسؤولين أو من الأنظمة السياسية ثم يأتي المفتي ليسند هذا الرأي الذي يتعلق بالنظام السياسي الرسمي وهذه مسألة شديدة الخطورة، أما الأمر الثالث فهو حالة تفاتي والحروب بالفتوى التي يمكن أن تكون بين الفقهاء وبين المفتيين وهذه مسألة أستأذن فيها الشيخ الفاضل أن نوضح المعنى الذي يتعلق باختلاف التنوع في الفتوى واختلاف التضاد الذي يؤدي إلى اتخاذ مواقف سياسية وليس مواقف إفتائية تتوافق مع هذه الحالة للإفتائيين.

الفتوى القطرية وجدوى حصر الدولة للفتوى

عبد الصمد ناصر: شكرا لك الدكتور سيف الدين عبد الفتاح أستاذ النظرية السياسية في جامعة القاهرة، إلى الدكتور رحيل غرايبة وهو أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الزرقاء، دكتور يعني في الآونة الأخيرة مع الجدل الذي أثير حول الفتاوى التي صدرت سواء إبان حرب الخليج حول موضوع الاستعانة بالقوات الأجنبية أو حول موضوع دعم المقاومة في الآونة الأخيرة وقبله، المشاركة في الانتخابات وغير ذلك من الموضوعات كان هناك نوع من الجدل الذي أثير حول هذه الفتاوى حتى أصبح الحديث الآن عن فوضى في الفتاوى ويعني ظهرت أصوات تطالب بتنظيم الفتوى والآن في مجلس النواب الأردني هناك مشروع معروض من قبل الحكومة الأردنية لتنظيم الفتوى وحظر الإفتاء إلا على الجهات التي ستخولها الدولة ذلك، هل يجوز أن تحصر الدولة الفتوى في جهة واحدة فقط دكتور رحيل؟

رحيل غرايبة – أستاذ الشريعة الإسلامية – جامعة الزرقاء: بسم الله الرحمن الرحيم، في الحقيقة أبدأ أولا من التعريفات حتى يكون الكلام واضح، الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية، الحكم الشرعي هو خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين وجوبا أو ندبا أو كراهة أو تحريما أو تخييرا، الفتوى هي الإخبار بحكم الشارع لكن ليس على سبيل الإلزام وإنما على سبيل التخيير ولذلك بعض الأحكام لا خلاف فيها لأن الدليل فيها يستند إلى دليل قطعي وبعض الأحكام هي محل الاختلاف وكل ما كان محل للاختلاف فهو محل للاجتهاد والفقهاء وظيفتهم في كل عصر هي ترجيح كل رأي على رأي من خلال طرق الترجيح والأدلة والوسائل المعتبرة في الترجيح، من أهم شروط المجتهد العلم والعلم يجب أن يكون شامل لكل المجالات التي يفتي فيها والإسلام لا يفرق بين مجالات الحياة المختلفة الاقتصادية والأحوال الشخصية والسياسية أيضا ولذلك كل من يريد أن يفتي فتوى أو يخبر عن حكم الشرع في أي مجال من هذه المجالات يجب أن يكون عالما ومتخصصا فيها ومن أجل ذلك ما فيه حقيقة مصطلح مقبول تسييس الفتوى لأنه الفتوى هي إخبار بالحكم الشرعي والحكم الشرعي يتعلق بكل الأفعال التي تصدر عن المكلفين في أي مجال من مجالات الحياة ومن هنا الحقيقة أن تعمد الحكومة إلى حصر الفتوى في جهة محددة لا يجوز لأحد أن يفتي ولا أن يخبر بحكم الشارع ولا يجوز لأي جهة أن تصدر فتوى إلا هذه الجهة المحددة فهذه حقيقة مخالفة لأحكام الشرعية ومخالفة للفهم الصحيح للفتوى لأن الفتوى ليست على سبيل الإلزام وإنما هي على سبيل التخيير، القضاء هو الذي يلزم لأنه القضاء هو إخبار بحكم الشرع على سبيل الإلزام فهو ملزم لأطراف الدعوة ولذلك المستفتي يلجأ بالسؤال إلى من يطمئن إلى دينه وتقواه وورعه والحكومة وظيفتها..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: شكرا لك دكتور رحيل غرايبة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الزرقاء، شكرا لك وأعتذر للمقاطعة لضيق الوقت طبعا كالعادة، رائد الهريشي من فلسطين تفضل رائد وأمامك دقيقة واحدة من فضلك.

رائد الهريشي – فلسطين: السلام عليكم.

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

رائد الهريشي: فيه عندي أول شيء يعني بأحب أداخل..

عبد الصمد ناصر: باختصار.

رائد الهريشي: إلى لوم وعتاب إلى قناة الجزيرة عبرك يا أخ بعد الصمد..

عبد الصمد ناصر: تفضل سيدي باختصار.

رائد الهريشي: الله يبارك فيك، يعني قناة عالمية مثل قناتكم ولها حضورها وخاصة هذا البرنامج الممتاز هذا والبرنامج اللي العنوان اللي تطرحوه اللي هو في الموضوع السياسي، فأرى أنه يعني مثل هذا البرنامج حبذا يا أخي عبد الصمد أن يكون تخصصوا حلقة من حلقات هذا البرنامج تتحدثوا فيه عن برنامج مهم جدا أو قضية مهمة جدا من قضايا الأمة الإسلامية المصيرية اللي بيتعلق فيه في موضوع الفتوى والسياسة وما جرى في لبنان وما يجري للمسلمين في كل زمان ومكان وهذا الحدث وهذه القضية يعني حدثها هذا الأسبوع، ذكراها في مثل هذا الأسبوع وهذا أمر لا أتصور على قناة الجزيرة أنه يغيب عنها تتحدث فيه أو تسلط الضوء عليه حيث إنها تطلع على كثير من الأمور ألا وهو موضوع ذكرى هدم الخلافة الإسلامية الذي يصادف الثامن والعشرين..

عبد الصمد ناصر: هذا ليس.. عفوا للمقاطعة أخي رائد، هذا ليس موضوعنا، موضوع الليلة هو فتاوى.. الفتوى والسياسية، عمر سفرجي من السعودية أمامك دقيقة واحدة أخي عمر، تفضل سيدي.

عمر سفرجي – السعودية: السلام عليكم.

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

عمر سفرجي: أهنئ أولا المسلمين بهذه الليلة المباركة ذكرى الإسراء والمعراج، ثم أني أقول إنه السياسة من الدين.. فرع من الدين مثل ما الطب فرع من الدين، الدين شامل، ما يوجد مسألة من المسائل إلا عليها نص من كتاب أو السنة ثم أني أنا مع الرأي الذي يطالب بتقنين الفتوى وأن تكون فتوى لأهلها لأنه أصبح الآن الناس يفتون بغير علم، أخر فتوى أصدروها الناس أنه يجوز عقد القران بالهاتف، هل هذه فتوى؟ شكرا جزيلا.

عبد الصمد ناصر: شكرا لك يا أخ عمر، لو عدت لفضيلة الشيخ فيصل مولوي إذا كان لديه أي تعليق؟

فيصل مولوي: نعم يعني الواقع الأخوة داخلوا في مسائل متعددة والإنسان لا يعرف على أي مسألة يجيب أو يعلق، إنما أريد أن أعود إلى السؤال الذي طرحته على الأخ غرايبة لأقول..

عبد الصمد ناصر: موضوع حصر الدولة..

فيصل مولوي: نعم، لأقول أنه أن تحصر الدولة الإفتاء لجهة معينة هذا لا يجوز أصلا من الناحية الشرعية وهو أيضا نوع من أنواع الاستبداد الديني يضاف إلى الاستبداد السياسي، نحن للأسف في بلادنا نسمع بالديمقراطية لكن لا نرى إلا مصادرة الرأي الآخر بشكل أو بآخر، الآن يريدون أن يصادروا الفتوى يعني أن يصادروا البيان الشرعي والفتوى كما قال أخي ليست على سبيل الإلزام، لماذا تمنعون الناس أن يسمعوا رأي آخر؟ لماذا؟

عبد الصمد ناصر: طيب في هذه الحالة فضية الشيخ هل يعني.. هل يدخل في معرفة المآل أن يحرص المفتي على أن لا يتم استغلال فتواه لتبرير أو دعم موقف حكومة بلاده السياسية من قضية من القضايا بمعنى بحيث يحافظ المفتي على مسافة فاصلة بينه وبين الحكومة؟ كيف يمكن له ذلك؟

فيصل مولوي: يعني هي إذا كانت الفتوى في الأصل خطأ فينبغي ألا يقدم عليها المفتي لهذا الخطأ وإذا كانت صوابا فينبغي أن يقدم عليها لأنها صواب بغض النظر عن أن الحكومة تستغلها أو تعارضها، ليس معارضة الحكومة أو موافقتها سبب لتحويل الحكم الشرعي من حرام إلى حلال أو العكس، لكن بطبيعة الحال إذا كان الحاكم منحرفا فالفتوى التي تزين له انحرافه هي ذاتيا فتوى خاطئة ويجب أن ترفض، لا لأن مآلها أن يستغلها الحاكم، هذا المآل يضاف إلى أنها خطأ في ذاتها وأن الحاكم يستغلها لتكريس ظلمه أو انحرافه وبالتالي لا يجوز إعطائها.

عبد الصمد ناصر: نعم شيخ الأزهر أكد أكثر من مرة أن فتوى الأزهر مقصورة على حدود مصر وأنه لا يفتي في شؤون دولا أخرى، هل معنى هذا أننا أمام فتوى قطرية فضيلة الشيخ والمفتي هو هنا استحال إلى موظف حكومي يلتزم بحدود دولته وسياساتها؟

فيصل مولوي: يعني بطبيعة الحال إذا كان في القضية المطروحة قضية خاصة بهذا القطر يفتي بها وإذا كانت قضية خاصة بقطر آخر فإن استطاع أن يحيط بظروفها يملك أن يفتي بها أيضا وإلا نحن الآن كل المسلمين يفتون في قضية فلسطين وفي قضية العراق وفي قضية الشيشان لأننا أمة واحدة وعندما تكون هناك قضية في بلد من بلاد المسلمين يجب أن نعرف جميعا الحكم الشرعي فيها والأزهر طول عمره يعتبر مرجعا للمسلمين في كل بلاد العالم، أنا أستغرب تقزيم دور الأزهر ليكون محصورا في مصر بينما العالم كله يتطلع إليه، هذا غير معقول.

عبد الصمد ناصر: كيف يمكن أن نصل إلى تشكيل مرجعية موحدة تفصل في أمور الأمة، تصدر فتاوى بخصوص الأمة وتكون فتواها ملزمة للجميع؟ هل يمكن تحقق ذلك؟

فيصل مولوي: يعني هذا من الصعب أن يتحقق في ظل تفرق المسلمين إلى دول وإطارات سياسية كثيرة واضطرار أو إجبار العلماء في كل بلد على أن يبقوا في إطار بلدهم وحكومتهم، لابد أولا أن يقع اجتماعا سياسيا واحد للمسلمين في دولة واحدة ثم يترتب على ذلك جمع العلماء جميعا في إطار واحد لتخرج عنهم في بعض الأحيان فتاوى واحدة وإلا ليس بالضروري أن يتفقوا على كل الفتاوى.

عبد الصمد ناصر: طيب ما هو الحكم الشرعي بكل صراحة بخصوص أولئك الذين تنصبهم الحكومات كمفتين.. يعني دورهم ربما هو البصم بالعشرة كما يقال على القرارات التي تراها؟

فيصل مولوي: أنا أعتقد أن العالِم إذا كُلف بمهمة وشعر أنه ملزم بأن ينفذ رأي الحاكم ولو خالف شرع الله فيجب عليه ألا يقبل ومن قبل هذه المهمة فهو آثم وسيحاسب أمام الله عز وجل يوم القيامة، أما إذا قبل المهمة وحافظ على حرية رأيه وضميره وموقفه ولو أدى ذلك إلى إبعاده عن الوظيفة فهذا نوع من الجهاد مطلوبا إن شاء الله والرسول عليه الصلاة والسلام يقول "سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" من باب أولى أن يكون هذا الرجل عالما يقوم بواجبه في نصح هذا الإمام إذا أخطأ.

عبد الصمد ناصر: نعم أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، أليس كذلك فضيلة الشيخ؟

فيصل مولوي: تماما عند سلطان جائر.

عبد الصمد ناصر: نعم، نقطة أخيرة فضيلة الشيخ، بعض العلماء قرر أن على المفتي أن يفتي حسب مذهب أهل بلد المستفتي وأن على المستفتي أن يسأل علماء بلده أولا، ألا يبرر هذا الحديث عن فتوى قطرية؟ وباختصار فضيلة الشيخ لأنه لم يبقى سوى ثواني معدودات.

فيصل مولوي: أنا لا أعتقد أن هذا الأمر صحيح أصلا، لم يقل به أحد من العلماء، المستفتي يستفتي أي عالم من العلماء يجده أمامه سواء كان من مذهبه أو من مذهب آخر، من قطره أو من قطر آخر، نعم إذا كانت..

عبد الصمد ناصر: نعم، هذا كلام الإمام القرفي على فكرة.

فيصل مولوي: نعم وأكثر العلماء.. أنا قرأته لكثيرين لكن الآن لا أستجمع أسماء هؤلاء، لذلك أعتقد أنه من الواجب أن يستفتي المسلم أي عالم شاء والعالم إذا كان شعر بأن القضية المطروحة لا يعرفها، لا يحيط بها لأنها في قطر آخر يمكنه أن يعتذر الإفتاء..

عبد الصمد ناصر: فضيلة الشيخ وصلنا إلى نهاية الحلقة، انتهى الوقت للأسف، وقت البرنامج دائما لا يسعفنا لكي نزيد، فضيلة الشيخ فيصل مولوي الأمين العام للجامعة الإسلامية في لبنان ونائب رئيس مجلس الإفتاء الأوروبي تحدث إلينا عبر الأقمار الصناعية من بيروت، بارك الله فيك فضيلة الشيخ وشكرا لك، في الختام لك تحيات منصور الطلافيح في الإخراج ومعتز الخطيب في الإعداد ومني عبد الصمد ناصر، فإلى اللقاء في حلقتنا القادمة بحول الله.