صورة عامة - الشريعة والحياة
الشريعة والحياة

عالَم الغيب

تتناول الحلقة ولع الناس قديما وحديثا باقتحام عالم الغيب بوسائل وطرق شتى منها الكهانة والعرافة والتنجيم، كما تتناول تفنيد القرآن الكريم لتلك الادعاءات وتوضيح أن الله تعالى هو المختص بعلم الغيب.

مفهوم الغيب والتوازن بين عالم الغيب وعالم الشهادة
ضوابط مفهوم الغيب ومعنى الفراسة

حكم التنجيم والعرافة

معنى الرؤيا والروح وأهمية توعية الشباب

عثمان عثمان
عثمان عثمان
يوسف القرضاوي
يوسف القرضاوي

عثمان عثمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام إلى حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة تأتيكم مباشرة من الدوحة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ..}[النمل:65]. أولع الناس قديما وحديثا باقتحام عالم الغيب بوسائل وطرق شتى منها الكهانة والعرافة والتنجيم وغير ذلك، لكن جاء القرآن الكريم ليفند تلك الادعاءات ويوضح اختصاص الله تعالى بعلم الغيب، فما مغزى الإيمان بفكرة الغيب؟ وكيف يتحقق التوازن بين عالمي الغيب والشهادة؟ وما الموقف من الذين يزعمون معرفة الغيب؟ عالم الغيب موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. أهلا وسهلا بكم سيدي.


يوسف القرضاوي: مرحبا بك أخ عثمان.


عثمان عثمان: يعني هناك خبر اليوم وفاة الدكتور حسن حتحوت رحمه الله تعالى، هل لكم من تعليق بهذه المناسبة؟


يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد، فقد جرت عادتنا في هذا البرنامج أن نودع أعلام الأمة الإسلامية الذين كان لهم دور في حياتها وفي تنويرها وفي القيام بحقها، وفي هذين الأسبوعين فقدت الأمة الإسلامية والدعوة الإسلامية علمين بارزين من أعلام الأمة الفارعة ونجمين من نجوم الدعوة الساطعة، أحدهما الأستاذ الدكتور توفيق الشاوي الذي لقي ربه منذ حوالي أسبوعين وكنت في القاهرة في ذلك الوقت، وتوفيق الشاوي أحد المناضلين من أجل الوطن ومن أجل الأمة ومن أجل العروبة ومن أجل الإسلام وله تاريخ حافل في خدمة الأمة في قضاياها المختلفة، القضايا الوطنية حتى في قضية الجزائر في قضية البنوك الإسلامية وكان أحد الذين يملكون فكرا مستقبليا وفكرا إستراتيجيا فله دور في إنشاء البنك الإسلامي وله دور مع الأمير محمد الفيصل في إنشاء بنوك فيصل الإسلامية وفي إنشاء اتحاد المدارس العربية وله مكانته في القانون، هو شيخ القانونيين المسلمين، وله موسوعته في الفقه الجنائي وله كتاب في فقه الشورى والاستشارة وله غير ذلك ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل عمله في الصالحين. أما اليوم فقد فقدنا علما آخر هو الأستاذ الدكتور حسان حتحوت، حسان حتحوت شخصية قل أن يجود القدر بمثلها، كان حسان حتحوت طبيبا نابغة وكان عالما متمكنا وكان أديبا وكاتبا مبدعا وكان شاعرا مفلقا وكان خطيبا مفوها وكان داعية مؤثرا وفي الحقيقة وكان إنسان رائعا مع هذا كله هو داعية بلسانه، هو داعية بقلبه، هو داعية بمظهره، هو داعية بمخبره، هو داعية بقوله، هو داعية بفعله، داعية في مهنته وداعية في بيته وداعية في عمله وداعية في كل شيء في الحقيقة، وقد عرفته قبل أن أراه وأنا طالب في الثانوي وكان هو في الجامعة وكان له نشاطه في ذلك الوقت وكان من شعره الذي حفظته قبل أن أراه، شعر عن القرآن الكريم، يقول

هذا الكتاب وإن فيه سياسة

أتراه أمرا في الكتاب عجيبا

إن كانت تزعجكم سياسته

دعوه ونقبوا عن غيره تنقيبا

أو فاعرضوه على الرقيب فربما

أفتى فغادر نصفه مشطوبا

يا قوم سحقا للرقيب وأمره

فكفى برب العالمين رقيبا

ثم لقيته في معتقل هاكستب حينما اعتقلنا وأنا طالب في السنة الخامسة الثانوية وهو خريج كلية الطب وقد عاد لتوه من فلسطين، عاد من الميدان إلى الاعتقال، تطوع لخدمة المشاهدين في فلسطين وكان له دور يذكر فيشكر وكان له موقف حتى مع اليهود، الإدارة العسكرية جاءت ببعض الأسرى الجرحى من اليهود وقال لا بد أن نعدمهم فوقف ضد هذا القرار وقال على جثتي، إن الله تعالى يقول {..فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء ..}[محمد:4]، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }[الإنسان:8]، ورفض أن ينفذ هذا الحكم ونجا هؤلاء الأسرى بفضل موقف حسان حتحوت وتكلمت الصحف اليهودية في ذلك، وكان حسان حتحوت بعد ذلك يعمل في مصر ثم انتقل إلى السعودية ثم انتقل إلى الكويت وبقي فيها أكثر من عشرين سنة ملء السمع والبصر والفؤاد، ثم أراد أن يختم حياته بالتفرغ للدعوة الإسلامية في أميركا، ومع ما له من مكان ومكانة ومنزلة وتأثير وسيط في الناس حتى أن ولي العهد ورئيس الوزراء في ذلك الوقت رفض استقالته ولكنه أصر ورجاهم أن يسمحوا لهم بهذا وعاش منذ ذلك الوقت في أميركا داعيا إلى الله واستطاع أن يكون له دور مؤثر مع المسيحيين وخصوصا بعد 11 أيلول، وكنا نلتقي دائما في ندوات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وهي نداوت فقهية وطبية وكان له دوره البارز في ذلك كله، كان حسان حتحوت طرازا فريدا من الناس، لا يتسع المجال للحديث عنه ولكن حسبي هذه الإشارات وأرجو أن يوفقني الله لكتابة شيء عنه فهو أحد أعلام الأمة وأحد الدعاة وأحد النجوم الهادية، أسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته وأن يسكنه الفردوس الأعلى وأن يتقبله في الصالحين وأن يعوض الأمة عنه خيرا، وعزاؤنا إلى زوجته وابنته وأخيه ومحبيه، بل نحن نعزى فيه، نسأل الله له المغفرة والرضوان.

مفهوم الغيب والتوازن بين عالم الغيب وعالم الشهادة


عثمان عثمان: بارك الله فيكم مولانا فضيلة الدكتور وتغمد الله فقيدي الأمة الإسلامية بواسع رحمته. موضوعنا فضيلة الدكتور عالم الغيب، السؤال يعني ما حاجتنا اليوم للإيمان بالغيب أو ما مغزى وجود فكرة الغيب والحاجة إلى الإيمان به؟


يوسف القرضاوي: الإيمان بالغيب هو أحد أركان الإيمان، بل أصل الإيمان كله إيمان بالغيب لأن الإيمان بالله نفسه إيمان بالغيب، الله تعالى هو يدخل في الإيمان بالغيب لأننا لا نرى الله عز وجل{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ..}[الأنعام:103] فنحن نؤمن بما غاب عنا، بما دلت عليه عقولنا وبما أحست به فطرنا وبما قامت عليه الأدلة القطعية، الإيمان بالله داخل في الإيمان بالغيب والإيمان بالملائكة وبالكتب وبالرسل، لأنه يعني معنى كتب أنها نصوص أنزلها الله بواسطة الوحي، بالملائكة على عباده، والرسل صحيح الرسل بشر أمامنا ولكن الإيمان بهم معناه أننا نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى أنزل عليهم وحيا بواسطة ملائكته أو بواسطة النفس في الروح وهذا شيء لا نراه، يعني محمد عليه الصلاة والسلام {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء:192-195] فالإيمان بالرسل داخل في الإيمان بالغيب، الإيمان بالكتب داخل في الإيمان، الإيمان بالملائكة هذه المخلوقات النورانية التي لها أثرها في الكون ووظفها الله تعالى لتقوم بوظائف عدة والناس طبعا تاهوا فيها، هناك من قدسهم وهناك من ألههم وهناك من قال بنات الله وإلى آخره، والقرآن علمنا أنهم عباد من عباد الله {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ، لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ،يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء 26-28]، {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء:20]، {..لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6]، فأعطانا فكرة سليمة وصحيحة وكاملة عن هؤلاء الملائكة، هذه الفكرة تغنينا عن التخرص وعن أن نسلك طرقا لا توصل إلى شيء معلوم، إن هذا الغيب ليس عندنا وسائل الوصول إليه يعني لا يدرك بالحس ولا يدرك بالتجربة ولا بالاستقراء ولا نستطيع أن نراه بالتلسكوب ولا بأي شيء من هذا، فليس هناك إلا أن نؤمن به، أن نصدق بالوحي وهذا يوفر علينا أننا نبدد الطاقة العقلية في البحث عما لا طائل تحته، فالمؤمن المسلم حينما يؤمن بالغيب يجند طاقته للبحث في عالم الشهادة لنستطيع أن نأخذ من عالم الشهادة ونطور عالم الشهادة لمصلحتنا ولمنفعة الأمة ولمنفعة البشرية جمعاء.


عثمان عثمان: إذاً الشهادة هو عالم مقابل لعالم الغيب ولكن كيف نحقق التوازن بين عالم الشهادة والغيب بمعنى أن نسرف في الماديات وأن لا نغرق فيها وأيضا أن لا نسرف في الغيبيات فنصل إلى حد الخرافة؟


يوسف القرضاوي: نعم. هو في بعض الناس يشغلون أنفسهم في عالم الغيب، وعالم الغيب ليس عندهم أدوات لإدراكه ومعرفته على حقيقته، هذا العالم لا يفيد فيه إلا أن تؤمن بالغيب عن طريق النبوة التي ثبتت بطريق العقل وثبتت بالبراهين القاطعة فليس لك إلا أن تسلم بما جاء به الوحي وتوفر جهودك لشيء آخر. بعض الناس يشغلون أنفسهم في هذا ويدخلون في عالم الترهات وعالم الأباطيل ويقعون أسرى للمحتالين والدجالين من العرافين والكهنة والدجالين من كل فئة من الفئات، هناك أناس ينكرون عالم الغيب، الماديون الذي يقولون لك أنا لا أؤمن إلا بما أحسه، تقول له آمن بالله، آمن بالملائكة، آمن بالآخرة ليدخل في عالم الغيب، عالم الآخرة، يقول لك أنا كيف أؤمن بالله، هل سمعته بأذنك، هل شممته بأنفك، هل لمسته بيدك، هل ذقته بلسانك، كيف؟ أنا لا أؤمن إلا بما أحس، بشيء أمامي، إنما هذا، فبعض الناس وهذا يمثل الطفولة الإنسانية، الطفل لا يؤمن إلا بما يحس، والحيوان أيضا لا يؤمن إلا بما يحس، هل ترى بقرة أو ترى حمارا أو حصانا يؤمن إلا بشيء يعرف إلا هذا الشيء المادي الحسي أمامه؟ الإيمان بالغيبيات هذا، هذا الرشد الإنساني، عندما يبلغ الإنسان درجة الرشد يبدأ يرتقي عن المحسوسات وعن الماديات ليؤمن بالغيب وكلما نضج ورشد أكثر كلما اتسعت دائرة إيمانه بالغيب ولكن بما قام عليه الدليل، لا يدخل الخرافة ولا يدخل الأساطير والأباطيل في عقيدته.


عثمان عثمان: هناك آيات كثيرة فضيلة الدكتور في كتاب الله عز وجل تبين أن الغيب هو من اختصاص الله تعالى يعني كما جاء في بداية هذا الحلقة {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ..} عالم الغيب، عالم الغيب ما فحوى هذه الآيات الكثيرة التي تؤكد هذه الخصوصية لله عز وجل؟


يوسف القرضاوي: هذا يدلنا على أن الغيب الحقيقي لا يعلمه إلا الله، هناك غيب نسبي وهذا ليس، كلمة إذا قلنا عالم الغيب، كلمة الغيب ده يعني نسميه في اللغة المطلق والمطلق ينصرف إلى الكامل يعني الغيب الكامل، هناك غيب نسبي غيب جزئي ولكن يعرف بمقدمات وبأدلة معينة، توقعات، توقعات بناء على استقراء بناء على إحصاء بناء على مقدمات مثل نشرات الأخبار الجوية وما فيها هذه ليست غيبا هذه بناء على قراءة معينة، أنه في منخفض جوي، مرتفع، في كذا في كذا، والناس تتفاوت فيها، الغربيون طبعا في هذا عندهم ما ليس عند غيرهم، ممكن يتنبأ بإعصار سيأتي بعد كذا يوم لأن عنده من الوسائل والأدوات والخبرة ما ليس عند الآخرين وهم ضنينون بهذه المعرفة لا يعطونها للآخرين بسهولة فهذا ليس من الغيب هذا داخل في عالم الشهادة، عالم الغيب ما لا يوصل إليه بسبب من الأسباب التي هي في استطاعة الناس خارج السنن المعروفة والقوانين المعروفة فهذا لا يعرف إلا بالوحي، الله وحده هو المختص بعلم الغيب، إلا من خصه من عباده بتعريفه لبعض أسرار هذا الغيب مثل النبي عليه الصلاة والسلام، الأصل أن النبي لا يعرف الغيب بذاته، هو قال، القرآن يقول {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ..}[الأعراف:188]، {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ..}[الأنعام:50]، فهو لا يدعي، ولكن يمكن أن يعرف بتعريف الله كما في آية أخرى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ}[الجن:26، 27] فهذه الآية تخصص الآية الأخرى، أو هذا القيد يقيد الآية الأخرى المطلقة، أنه إذا أعلمه الله بشيء يعلمه ويخبر بما أعلمه الله وأخبره. وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنباء كثيرة بالغيوب وبعضها وقع في حياته مثل فتح اليمن وبعضها وقع بعد وفاته مثل، ستفتحن بلاد كسرى وقيصر، مثل قوله لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية، مثل قوله عن الحسن إن هذا ابن سيل يصلح الله به بين فئتين، وفي أشياء لا تزال تقع إلى اليوم من نبوءات النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مما أعلمه الله به.


عثمان عثمان: هل هو من الغيب النسبي يعني؟


يوسف القرضاوي: لا، ده من الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله.


عثمان عثمان: نعم. أمام ذلك فضيلة الدكتور هل هناك من ضوابط معينة لمفهوم الغيب؟ أسمع منكم الإجابة إن شاء الله بعد وقفة قصيرة، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله تعالى.

[فاصل إعلاني]

ضوابط مفهوم الغيب ومعنى الفراسة


عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان عالم الغيب، مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. مولانا علمنا إذاً أن الغيب مختص بالله تعالى وأنه قد يطلع بعض رسله على جزء من هذا الغيب، ولكن قد يقع بعض اللبس، هل هناك من ضوابط لمفهوم هذا الغيب؟


يوسف القرضاوي: قلنا إن الغيب هو ما وراء الحس، ما لا يستطاع إدراكه وسائلنا وإن كانت هذه الوسائل بلغت ما بلغت، يعني لا نستطيع أن نراه بالتلسكوب الذي يرى النجم بيننا وبينه كذا يعني هذا ليس من الغيب، الغيب ما لا يستطاع إدراكه بسبب من أسبابنا أو بوسيلة من وسائلنا أو بحاسة من حواسنا وهو يشمل أشياء منها ما في الصدور مثلا، لا يستطيع، الله {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }[غافر:19] ما يستقبل من الزمان {..وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ..}[لقمان:34]، العالم غير المنظور، القرآن يقول {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ، وَمَا لَا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:38، 39] ما نبصره هو عالم الشهادة وما لا نبصره هو عالم الغيب، بعض عالم الشهادة لا نعرفه ولكن قد يمكننا بوسيلة من الوسائل أن نعرفه، يعني يقول لك نحن لا نرى إلا حوالي 3% من العالم المادي اللي موجود و97% لا نعرفه، بيسموها الأعماق السوداء ولكن هذا لا يدخل في عالم الغيب لأننا ممكن بعد مدة من الزمن نكتشف، إنما عالم الغيب هو الأشياء مثل التي قلنا الملائكة مثلا، مثل يوم القيامة وما يجري فيه، مثل الجنة والنار، الآخرن، مثل ما في هذا اليوم من حساب وميزان وصحف وهذه الأشياء، هذه كلها داخلة في عالم الغيب.


عثمان عثمان: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ..}[الأنعام:59]، هل هي الواردة في قوله عز وجل {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ..}[لقمان:34] هل هذه هي مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل؟


يوسف القرضاوي: أولا في الحديث الصحيح إن مفاتيح الغيب خمس وقرأ هذه الآية في آخر سورة لقمان وطبعا بعض الناس بتستشكل بعضنا فيها، يعني زي {..وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ..}[لقمان:34] إنما هي الآية تقوم {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ..} مما يشير كما قلت لك إلى أمور الآخرة.


عثمان عثمان: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.


يوسف القرضاوي: آه {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[الأعراف:187] فأحيانا تطلع الصحف وتقول لك القيامة حتقوم مش عارف بعد كم سنة، وبعد كذا، كل دي خرافات وكل أمور الآخرة داخلة في عالم الغيب كما أشرت من قبل، وينزل الغيب، أيضا يعني ممكن الناس تدرك أن الغيب ينزل ولكن أحيانا يفاجئ الناس بما لم يكن في حسبانهم، رغم تقدم وسائل التوقعات عند الغربيين أحيانا يفاجؤون بأعاصير ما حسبوا لها حسابا، من براكين، زلازل، أحداث الطبيعة هذه التي يخبئها القدر ولا يعرف الناس عنها وحتى يمكن بعض الحيوانات تتنبأ بها قبل أن تقع والإنسان لا يتنبأ بها. {..وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ..} هذه عملت إشكالا عند الكثيرين، قالوا لأن بعض المفسرين قال الله يعلم إن كان الجنين ذكرا أو أنثى فقالوا طيب الآن الطب بوسائطه المعينة وآلات التصوير التي عنده يستطيع يعرف إن كان يعني ذكرا أو أنثى، ولكن القرآن لم يقل هذا، قال {..وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ..}، يعلم ذكر أو أنثى، يعلم أيبقى في بطن أمه إلى أن ينزل حيا أو يموت قبل أن يستكمل، وإذا نزل ماذا سيكون أيكون ضعيفا أم قويا، أيكون ذكيا أم غبيا، أيكن سعيدا أم شقيا، يعلم ما في الرحم وما يجري له في حياته، فهذا علم الله يعلم تفاصيل كل شيء، إنما الطبيب يعلم ذكرا أو أنثى يعني هذا غير ما يعلم، بعدين {..وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً..} هذا أيضا المستقبل، المستقبل المطلق لا يعلمه إلا الله، يمكن واحد يعني بالنظر وبالفطنة بالفراسة وبالاستقراء بالتجارب يقول لك حيصحل لك كذا، إنما هذا ليس مؤكدا، لا يعرف الإنسان ماذا يحدث له في الغد، المستقبل بيد الله {..وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ..} لا يعلم أحد أين يكون موته.


عثمان عثمان: ربما هنا الأخ عبد العظيم يسأل ما معنى الفراسة؟ وهل هي علم؟ وما مواصفات صاحبها؟ السؤال الثاني ما هو علم المكاشفة الذي ذكره الإمام الغزالي بكتابه "الإحياء" بل أكده؟ وذكر مقولة أحد العارفين بأن المحروم من هذا العلم يخاف عليه من سوء الخاتمة، يعني موضوع الفراسة وعلم المكاشفة.


يوسف القرضاوي: الفراسة هذه موهبة عند بعض الناس، كما قال أحد الأعراب إني إذا رأيت قفا الرجل تصورت خلقه، يقول لك من قفاه أعرف إن كان الرجل ده كريما أم بخيلا، شجاعا أم جبانا، عجولا أم متأنيا، يعني بيقول لك، قال فكيف إذا رأيت وجهه؟ قال ذلك كتاب أقرؤه، يعني هذا نوع من الفراسة..


عثمان عثمان: ليس من علم الغيب.


يوسف القرضاوي: ليس من علم الغيب. وفي بعض الأحاديث وإن لم تبلغ درجة الصحة، اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، وذكر لبعض الصحابة أشياء من هذا النوع، أنه دخل ناس على عثمان بن عفان فقال يعني يدخل علي أحدكم وفي عينه أثر الزنى، كان الصحابي مشى في الطريق ونظر إلى امرأة يعني وحدث فيها، النظر بشهوة، فقال له أوحي بعد رسول الله؟ فقال له لا، فراسة المؤمن. إنما المكاشفة هذا علم المكاشفة والإمام الغزالي بالغ في هذا العلم وادعى أن الإنسان إذا تفرغ لعبادة الله وفرغ قلبه من كل شيء وظل يذكر الله سبحانه وتعالى لمدة من الزمن وانقطع عن الخلق إلى آخره ممكن تتكشف له الحقائق، وهذا أمر يعني لا يسلم له، وقال إن من لم يصل إلى هذا العلم تخشى عليه الخاتمة معناه أن يعني عامة المسلمين في داهية رايحين، يعني هذا الكلام ناقشه الإمام ابن تيمية في هذا وناقشته أنا في بعض الكتب، وقال يعني في علم المعاملة وعلم المكاشفة، وهو عند علم يقول لك، وأنا لا أقبض عنان القلم ولا أدخل في هذا الأمر لأنه سر ولا أستطيع أن أبوح به إلى آخره، لكن هذه مبالغات يعني لا نسلمها. نحن الإسلام عرفنا ما يجب أن نعرفه، كل ما نحتاج إلى معرفته عرفنا به كتاب الله وعرفنا به رسول الله، وقال ما تركت شيئا يقربكم من الله إلا أمرتكم به وما تركت شيئا يبعدكم عن الله إلا نهيتكم عنه، وتركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا، كتاب الله وسنتي. فعندنا كتاب الله والسنة فيهما كل خير وكل هداية ولا نحتاج بعدهما إلى شيء آخر.


عثمان عثمان: الأخت وعد عز الدين من لبنان تقول أين يضع إسلامنا الحنيف الحاسة السادسة؟ وهل اتباعها لمن توجد عنده هو أمر محبذ؟ الحاسة السادسة هل هي الفراسة؟


يوسف القرضاوي: هذا أشبه بالفراسة، هذه أشبه بالفراسة، يعني بعض الناس عنده قدرة على أن يعرف شيئا مما في نفسك ولكن هذا يعني ليس مطلقا، يعني أنا بعض مشايخي قال لي مرة أنت حتروح الشام وأنا بيمتحنني قال لي أنت حتروح الشام وقال لي كلمة كده وما أعرفش قالها لي ليه؟ وبعدين أنا رحت الشام فعلا في تلك السنة وما تذكرت كلمته إلا بعد أن عدت ورأيته في الكلية، قلت الله! الشيخ ده كان قال لي، وهو يعني معروف عنه مثل هذا. ولكن هذا الشيء لا يدل على تقوى ولا على شيء لأن هذا موجود عند المسلمين وعند النصارى وعند اليهود وعند الهندوس وعند البوذيين، هناك من يكتشف هذه الأشياء وهي مش مطلقة يعني مش صادقة 100% يعني أحيانا تصيب وأحيانا تخيب.

حكم التنجيم والعرافة


عثمان عثمان: نعم، فضيلة الدكتور يعني مع بداية كل عام ميلادي الشاشات، الإذاعات، التلفزيونات تمتلئ بما يسمى علم الأبراج، يعني هل هناك يعني يتبعون أساليب لمعرفة الغيب من خلال علم الأبراج، من خلال الفنجان، من خلال ضرب الرمل، من خلال التنجيم والأعراف وما إلى ذلك، ما حكم الإسلام في كل هذه الأمور؟


يوسف القرضاوي: الإسلام يرفض هذه الوسائل كلها، الكهانة وضرب الرمل والاتصال بالجن والتنجيم، الإدعاء أن الكواكب لها صلة بما يجري في الأرض وبأحداث البشر هذا كلام قاله الإغريق من قديم وقاله الفرس وقالته الجاهليات المختلفة، وعند الإغريق عندهم العقول العشرة والعقل الفعال وعندهم أن النجوم لها كذا ولها كذا وهذه كلها من خرافات الوثنية، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول "من تعلم شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد"، هذا علم النجوم اللي هو بيتنبأ بالحوادث. إنما علم الفلك هذا علم آخر الذي يقوم على الرصد وعلى الرياضيات وعلى الحساب هذا علم له أسسه وله قواعده فهو علم من العلوم وليس يعني أسطورة من الأساطير أو خرافة من الخرافات، والمسلمون في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية كان لهم دور بارز وعطاء موصول في علم الفلك واخترعوا الأسطرلاب وكان عندهم مئات الفلكيين وعن المسلمين انتقل هذا العلم إلى أوروبا في نهضتها الحديثة، فكل هذه الأشياء الكهانة و.. والرسول عليه الصلاة والسلام يعني يحذر أشد التحذير من تصديق الكهان أو هؤلاء الناس وقال "الكهانة والتكهن في النار" والله تعالى نفى عنه أن يكون كاهنا {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ، وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}[الحاقة:41،42]، فنفى عنه الكهانة ونفى عنه الشعر والنبي عليه الصلاة والسلام يقول من ذهب إلى كاهن فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لأن ما أنزل على محمد أنه لا يعلم الغيب إلا الله، {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ…}[النمل:65]، فهو من يذهب إلى هؤلاء ويصدقهم ويعتقد بأنهم يعلمون الغيب قد كفر بما أُنزل على محمد، ما يذكر في الصحف من النجوم وحظك اليوم وهذه الأشياء من قرأ هذه الأشياء تصديقا لها فهذا هو الذي يصدق عليه الحديث وهو فاسق وآثم وربما يؤدي به إلى الكفر. إنما من قرأها..


عثمان عثمان (مقاطعا): من باب الفضول وحب الاستطلاع..


يوسف القرضاوي (متابعا): من باب الفضول والتسالي والضحك يعني لا مانع من ذلك وإن كان الإدمان على هذا يعتبر شيئا مكروها، وليس معقولا أن 12 برجا كل برج فيه أكثر من خمسمائة مليون من البشر أن يقول له النهارده حيصيبك كذا وكذا إن ده ينطبق على خمسمائة مليون شخص، هل هذا معقول! وهل لهذا أساس منطقي أو أساس علمي أو أساس ديني أو أساس واقعي؟ ليس له أي أساس، فلذلك لا يجوز للمسلم أن يعتقد بصحة هذه الأشياء.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني في موضوع العرافة بالذات، يعني هناك بعض الناس الذين يقولون إنهم يتعاملون مع الجن، يأتي إليه شخص قد أضاع مالا أو أضاع سلعة أو شيئا ما ويسأله وبالتالي ربما يدله أين وقع هذا الشيء أو من أخذه، العرافة أيضا يعني هل يمكن أن يعرف هذا الرجل فعلا ما حصل في الماضي؟


يوسف القرضاوي: هذا كله كذب وضحك على العوام من الناس والطيبين والسذج من الخلق، وأنا يعني شهدت بعض هؤلاء في قريتنا وأنا صبي وكثيرا ما يصدقهم الناس ويذهبون إليهم ويطلبون يقولون هات لي مش عارف كذا، يطلب منه يذبح خروفا مش عارف كذا، هات لي جنيه ذهب مش عارف إيه هكذا، الجني بيطلب هو لا يطلب وإنما يطلب على لسان الجني، الجني طالب كذا وطالب..ودوك كان يروح ينفذ وبعدين تم وراءه وراءه وبعدين للآخر لا يظهر أي شيء، وبعضهم لهم جواسيس عند الناس فيعرف الشخص ده ويذكر له بعض الأشياء من حياته فيدعي أنه يعرف كل شيء ولكن في الحقيقة هو لا يعرف وإنما يتجسس على الخلق.


عثمان عثمان: يعني الجني لا يستطيع أن ينقل أخبارا معينة؟


يوسف القرضاوي: الجني كالإنس لا يعرف الغيب، القرآن ذكر لنا في قصة سليمان {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}[سبأ:14]، ظلوا يخدموا سليمان وسليمان ميت وهم لا يعلمون هذا، والقرآن ذكر بأن بعض الإنس يعلمون أكثر من الجن مثل قضية {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ…}[النمل:38، 39] {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ..} -وهو إنس طبعا- {..أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُ…}[النمل:40]، فبعض الإنس أقوى من الجن. وأعتقد أن الإنسان في عصرنا هذا الذي سخر يعني الأرض وسخر الأجواء وسخر الطبيعة وصنع الإنسان الآلي وصنع الكمبيوتر وصنع هذه الثورات العلمية والتكنولوجية والبيولوجية إلى آخره هذا يعني أكثر من الجن عفرتة.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور أحد السادة المشاهدين يسأل هل قصة الخضر عليه السلام مع موسى تعني أن الخضر يعلم الغيب؟


يوسف القرضاوي: لا، الخضر لا يعلم الغيب، الخضر نفسه قال في آخر كلامه بعد أن شرح لموسى ما شرح قال{…وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ…}[الكهف:82]، يعني أنا ما عملتش هذا من نفسي هذا عن أمر الله وليس عن أمري، وحتى ما فعله له وجه في الشرع مثل مثلا لما خرق السفينة {…قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا…}[الكهف:71]، فلما فسرها له فقال {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً}[الكهف:79] أي كل سفينة سليمة يضمها للأسطول الملكي فأما السفينة اللي فيها عيب يسيبها، فأراد سيدنا الخضر أن يحدث فيها هذا العيب حتى لا يطمع فيها الملك فأحدث فيها هذا العيب الجزئي حتى يحفظها. وهذا أيضا ما في الشرع أن يعني يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام أو يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى، أو ارتكب أخف الضررين فهون ارتكب أخف الضررين لينقذ السفينة، هذا عمل يعني ما شرعه سنن الشرع.

معنى الرؤيا والروح وأهمية توعية الشباب


عثمان عثمان: نعم فضيلة الدكتور أيضا يعني سؤال تكرر أكثر من مرة من السادة المشاهدين حول الرؤيا الصالحة، الإنسان يرى رؤيا في منامه وتتحقق في نهاره، في أي خانة نضع هذه الرؤيا؟


يوسف القرضاوي: هذه الرسول سماها من المبشرات، يعني هذه لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا وما هي يا رسول الله؟ قال الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له، هذه من المبشرات، الله سبحانه وتعالى يجعله يرى هذه الرؤيا فيرى فيها بشرى، لكن ربما أصابه اليأس من شيء فيرى ما يبعث الأمل في قلبه، ربما أصابه الحزن على مصيبة نزلت به فيرى رؤيا تبعث السرور في نفسه، فهذا من عاجل بشرى المؤمن.


عثمان عثمان: الدكتور أحمد مره فتحي يقول "أليست الروح هي أول الغيبيات التي تلازمنا، نحيا به ولا ندركها؟ حياكم الله" الروح هي من الغيبيات التي نعيشها بشكل دائم.


يوسف القرضاوي: هي الروح ليست من الغيبيات ولكن من الأشياء التي في هذا الكون لا نعرف كنهها، في كثير من الحقائق الكونية يعني زي حقيقة الحياة، ما هي الحياة؟ نعرف آثار الحياة، من آثار الحياة التنفس من آثار الحياة التعضن من آثار الحياة الإفراز من آثار الحياة الحركة، إنما إيه هي الحياة؟ لا نعرف الحياة، نعرف آثار الروح ولكن ما هي الروح؟ ما هي حقيقة الروح؟ لا نعرف حقيقة الروح. فهذا ما يقرب لنا، إذا كنا لا نعرف حقيقة الروح التي نحيا بها إذا كنا لا نعرف حقيقة حياتنا ما هي؟ في أحد الغربيين العلماء الكبار الذين أخذوا جائزة نوبل في العلوم الدكتور ألكسيس كاريل ألف كتابا اسمه "الإنسان ذلك المجهول" وأقام الأدلة من العلوم الطبيعية والرياضية على أن الإنسان يجهل نفسه يجهل حقيقة الإنسان يجهل كثيرا من واقع الإنسان، وقال الإنسان يهتم بالمادة ولم يهتم بنفسه، فإذا كان الإنسان يجهل نفسه فكيف يستطيع أن يعرف الغيب؟


عثمان عثمان: الأخ عبد الله من المغرب يقول "نظرا للتطور الذي وصل إليه العلم لم تعد هناك بعض الأشياء من قبيل الغيبيات فما هي الحدود والفوارق بين الغيب المطلق والغيب النسبي مقارنة مع ما وصلت إليه البشرية من آفاق علمية لا حدود لها؟"


يوسف القرضاوي: هذا شرحناه.


عثمان عثمان: نعم. فضيلة الدكتور يعني لو عدنا بشكل يعني خلال دقيقتين ربما إلى موضوع تعلق الشباب والشابات بشكل أساسي بعلم الأبراج إلام تعزون ذلك؟


يوسف القرضاوي: هذا نتيجة الفراغ يعني من ناحية ونتيجة التعلق بكل بدعة من البدع ونتيجة الجهل بالدين، لو أنه تثقف وتفقه في دينه لعلم أن هذا باطل من الأباطيل وأن هذا حرام من المحرمات ومنكر من المنكرات ولم يشغل نفسه في هذا، ولكنك لا تجد شابا عرف دينه معرفة حقيقية، يشغل نفسه بهذه الترهات، هذه يعني كما قال الشاعر

إن الشباب والفراغ والجدة

مفسدة للمرء أي مفسدة

الفراغ، فراغ العقل من العلم وفراغ النفس من الآمال والطموحات الكبيرة إلى معالي الأمور هو الذي يؤدي إلى الانشغال بهذه الأشياء.


عثمان عثمان: كيف يمكن لنا يعني كيف يمكن للمشاهد الغيور على دينه أن يواجه مثل هذه الأكاذيب التي تظهر بشكل كبير على الشاشات ومن خلال الصحف؟


يوسف القرضاوي: بالتوعية والإنارة، إنارة العقول وإيقاظ القلوب وتحريك العزائم وشغل الناس بالإيجابيات، إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك نفسك بالباطل، هذه هي سنة الحياة، الفراغ، لا يوجد فراغ، لازم يشغل الفراغ، فلا بد أن نملأ فراغ الأمة وخصوصا شبابها في معالي الأمور. حينما كانت الأمة في القمة وكانت أمة الأمم وكان لها الريادة والقيادة لم يكن شبابها مشغولين في هذا، في عصر النبوة كان مثل أسامة بن زيد يقود الجيش ومثل عتاب بن أسيد عمره عشرين سنة وكان وليا على مكة ومثل معاز بن جبل يذهب إلى اليمن وهم شباب، فعلينا أن نشغل شبابنا بمعالي الأمور حتى ينشغلوا عن هذه الأمور الفارغة..


عثمان عثمان (مقاطعا): أعتذر منكم مولانا على المقاطعة، بارك الله فيكم وفي علمكم وشكرا جزيلا على هذه الإفاضة الطيبة. كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، أنقل لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل، وهذا عثمان عثمان يترككم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.