الشريعة و الحياة / صورة عامة
الشريعة والحياة

صناعة الفتوى

تناقش الحلقة موضوع الفتوى، وهل انفلت عياره؟ وما السبيل إلى ضبط يعيد لهذه الصنعة الجليلة اعتبارها؟ ما علاقة الفتوى بالتاريخ؟ وأي تاريخ تخطه فتاوى اليوم؟

– واقع الفتاوى وضوابط صناعة الفتوى
– أسباب وتداعيات تعدد المفتين وتشعب الفتاوى

– العوامل المؤثرة في الفتاوى وسبل تحرير الفتوى

– العلاقة بين الفتوى والتاريخ

عثمان عثمان
عثمان عثمان
عبد الله بن بيه
عبد الله بن بيه

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة. صناعة الفتوى هل انفلت عيارها وما السبيل إلى ضبط يعيد لهذه الصنعة الجليلة اعتبارها؟ وما علاقة الفتوى بالتاريخ؟ وأي تاريخ تخطه فتاوى اليوم؟ صناعة الفتوى موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. مرحبا بكم سيدي.


عبد الله بن بيه: مرحبا، الله يحييك.

واقع الفتاوى وضوابط صناعة الفتوى


عثمان عثمان: فضيلتكم كنتم أول من استعمل واستخدم مصطلح صناعة الفتوى، لكم كتاب بهذا العنوان.


عبد الله بن بيه: نعم.


عثمان عثمان: بداية هل الفتوى صناعة؟


عبد الله بن بيه: بالتأكيد عندما ألفت كتابا بهذا العنوان معنى هذا أنني كنت أعتقد أن الفتوى صناعة، فأولا دعني أقل الحمد لله رب العالمين اللهم صلي وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. لقد سبقني ابن عتاب منذ قرون وهو من علماء الأندلس أن قال الفتية صنعة، طبعا وكلام ابن رشد الحفيد وغيره يحوم حول صناعة الفقه لأنهم اعتبروا أن كل مركب ليس بسيطا ولا ساذجا كما يسمونه فهو من باب الصناعة لأنه ذو أجزاء متعددة تحتاج إلى تركيب ثم إنها يمكن أيضا تفكيكها عند الاقتضاء، فهذه هي الصناعة، هو أمر دقيق، الصناعة أدق من العمل وأرسخ كما يقول الرازي في تفسيره عند قوله تعالى {..لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ..}[المائدة:63] لما تكلم عن الأحبار والرهبان قال {..لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ..} لأن فتاواهم وسلوكهم هو من نوع الصناعة وليس من نوع العمل الذي وصف به اليهود به قبل ذلك.


عثمان عثمان: إذاً الفتوى صناعة.


عبد الله بن بيه: الفتوى صناعة، نعم.


عثمان عثمان: اليوم من خلال -فضيلة الشيخ- خلال متابعتكم لواقع الساحة الإسلامية وموضوع الفتاوى كيف تقومون صناعة الفتوى؟


عبد الله بن بيه: هو بالحقيقة التقويم يحتاج إلى جملة من العناصر وإلى شيء من الإنصاف أيضا، نرى أن الفتوى في هذا الزمان هي كالزمان نفسه، هو زمان منفلت وفي كل المجالات وفي الميادين ليس هذا لخصوصية الفتوى ولكن أيضا في مجالات أخرى، مجالات الإعلام مجالات السياسة مجالات الاقتصاد كلها مجالات فيها انفلات لا شك في ذلك، الفتوى ليست بريئة من هذا الانفلات، هي يمكن أن نصنفها إلى ثلاثة أنواع، هناك فتوى هي من نوع الملابس الجاهزة..


عثمان عثمان: تحت الطلب.


عبد الله بن بيه: يعني هي من جاء يجدها معلقة كما يقول ابن رشد سماها بالشخص الذي ليس خفافا، يبيع الأخفاف ولكنه لا يصنع الأخفاف، فإذا جاءه من لا يطابق قدمه ولا يلائم خفا عنده فإنه لا يستطيع أن يوجده، هذه فتوى وراثية لا أقول معلبة لكنها على كل حال جامدة وكما يقول القرابي الجمود على النصوص أبدا ضلال وإضلال.


عثمان عثمان: ألا يمكن اعتمادها هذه؟


عبد الله بن بيه: هذه يمكن اعتمادها عندما يقول بها ولكن من لا يقول بها من أمثالنا فإنه لا يمكن اعتمادها لأنها لم تنظر إلى البعد الزماني والمكاني..


عثمان عثمان (مقاطعا): حتى ولو اعتمدها أئمة وعلماء سابقون واستندوا فيها إلى أدلة صحيحة من الكتاب والسنة؟


عبد الله بن بيه: نعم. وفي ذلك الوقت كانت ملائمة لأن الزمان كان ملائما، سنرى فيما بعد. وهناك صنف آخر وهو فتوى منزلقة ومنفلتة وهي أيضا من نوع تحت الطلب بمعنى أن المطلوب تقدم فتوى بحسب المطلوب وهذا يقع في مجالات المصارف والبنوك عادة تأتي فتاوى في غاية التيسير إلى حد أنها تخرج من جلد الفتوى الأصلية. الصنف الثالث هو فتوى تجمع بين الثبات وبين التغير وهذا نرى أنه هو الوسطية الصحيحة لأن الفتوى لا بد أن تشتمل أو تبنى على ثلاثة عناصر، عنصر النصوص وعنصر المقاصد أي المصالح والمفاسد وعنصر الزمان أي الملابسات وأحوال الزمان، أحوال الزمان هي البعد الزماني والبعد المكاني والبعد الإنساني..


عثمان عثمان: وحال المستفتي يعني.


عبد الله بن بيه: لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار كل هذه، فإذا لم تأخذ الفتوى بعين الاعتبار كل هذه الأبعاد فإنها تكون ناقصة تكون عرجاء.


عثمان عثمان: وفقا لذلك فضيلة الشيخ يعني أين الخلل في صناعة الفتوى اليوم؟


عبد الله بن بيه: الخلل هو في عدم احترام المعايير. معايير الفتوى إذا لم تحترم، إذا لم نحترم جزئيات في مقابل الكليات ونقابل بين الاثنين يكون بينهما تفاوض وتفاعل وربما تساوم يقوم به المهندس وهو الصانع يقوم بهذه العملية، ثم بعد ذلك كيف تنزل، إذاً نحترم الدليل ونحترم التنزيل لأن الدليل غير التنزيل تنزيل الدليل على الواقعة ليس الدليل، الدليل قد يكون محايدا أو قد يكون حكما شرعيا ولكن هل هذا الحكم الشرعي يصلح لأن ينزل على هذه القضية أو لا يصلح أن ينزل عليها؟ ولهذا هناك مرحلة الدليل ومرحلة التنزيل، الجهل بأي منهما أو عدم تطبيقها أو عدم معرفتها معرفة سليمة هذا يؤدي إلى خلل.


عثمان عثمان: طبعا فضيلة الشيخ قبل أن نكمل دعنا نتابع هذا التقرير يتناول الموضوع ذاته.

[تقرير مسجل]

نبيل الريحاني: إنه معترك الحياة يخوضه الناس بما فيه من مشاكل وتحديات لا نهاية لها، تجابههم المستجدات اليومية بكبيرها وصغيرها طارحة سؤالا جوهريا، ما هو حكم الشرع في هذه الواقعة أو تلك؟ في عصر باتت فيه المعمورة قرية صغيرة تعيش على وقع الثورة الاتصالية يجد المسلمون اليوم أنفسهم قبالة كم كبير من مصادر المعلومات، ما يزيد على خمسة آلاف محطة تلفزيونية فضائية بينها مئات القنوات العربية 15 منها إسلامية، إضافة إلى ما لا يعد من المواقع الإلكترونية منها 260 موقعا يتعاطى الشأن الإسلامي تخصيصا، ظاهرة فرضت ضربا من سيولة المعرفة الدينية باتت فيها الفتوى تحت الطلب وفي متناول اليد، فموقع إسلام أون لاين على وجه المثال يصدر يوميا 35 فتوى بينما يصل عدد الفتاوى اليومية في الشبكة الإسلامية إلى خمسين فتوى ليبلغ رصيد الموقع من الفتاوى في إحصائية مفتوحة 644 ألف فتوى في مختلف المجالات. كمّ دعا عددا من المختصين لإثارة جانب الكيف فيه مشيرين إلى ما يصفونه بأزمة الفتاوى في العالم الإسلامي، ذلك أن البرامج الدينية مرئية ومسموعة تحولت إلى مسرح استوعب الغث والسمين ممن يتصدى للفتوى، ومع استفحال المشكلة والتركيز الإعلامي على عدد من الفتاوى الشاذة المثيرة للجدل طفت على السطح محاولات تجاوزت رصد المشكلة إلى البحث عن حل لها، وإذا كانت جهات قد طرحت فكرة ميثاق شرف خاص بالإفتاء فإن حكومات كمصر والأردن وضعت قيودا تصل إلى حد العقوبة على من يصدر فتوى دون إذن رسمي، تمش أثار هو الآخر جدلا حول مسه بحق الاختلاف الفقهي ليبقى الباب مفتوحا في المستقبل للبحث عن المعادلة الصحيحة بين حرية الاجتهاد والمسؤولية المترتبة عنها في الدنيا والآخرة.

[نهاية التقرير المسجل]

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ، مئات القنوات العربية عشرات القنوات الإسلامية ما يزيد على 260 ألف موقع يعني يتعاطى الشأن الإسلامي، موقع إلكتروني، أمام هذه الفوضى وهذه السيولة الكبيرة هل يمكن الحديث عن ضوابط لصناعة الفتوى؟


عبد الله بن بيه: هو من الصعب جدا أن تضبطها إلا إذا ضبطت المنهجية، علينا أن نروج لمنهجية الفتوى، هذه المنهجية تبدأ بأصول الفتوى، ماذا هي أصول الفتوى؟ هي الكتاب والسنة وما يستنبط منها حسب عبارة الشافعي ولكن ما هي جوانب الاستنباط وآفاق الاستنباط؟ يجيب الغزالي بأنها صيغتهما منظومهما وفحواهما ومفهومهما ومعناهما ومعقولهما، وهذه ثلاثة فنون كما يقول الغزالي، لكن يجيب على هذا بدقة أيضا الشاطبي عن كيف، يقول إن الاجتهاد إذا كان في دلالات الألفاظ فإنه يحتاج إلى علوم اللغة العربية دلالات الألفاظ هو ما تدل عليه ألفاظ الشارع، وهذه الدلالات كثيرة قد يكون حقيقة قد يكون مجازا قد يكون حقيقة شرعية قد يكون حقيقة عرفية قد يكون حقيقة وضعية ثم إنه قد يكون نصا أو يكون مفهوما أو يكون إشارة، قد يكون أمرا قد يكون نهيا، قد يكون مجملا قد يكون بيانا، دلالات الألفاظ لا بد من معرفة هذه الدلالات بدقة وتراتبها وتمايزها ليجعل كل دلالة في مستقرها ومستودعها، هذا أولا. ثانيا كما يقول الشاطبي -الكلام طبعا الشرح مني- كما يقول الشاطبي وإذا كان في المصالح والمفاسد فإنه يرجع إلى المقاصد فهذا علم آخر، علم المقاصد، لأن الفتوى تحتاج إذا كانت دلالة الألفاظ إلى معرفة اللغات ومعرفة مدلولاتها، إذا كانت في المقاصد والمفاسد أي في معقول النص فإنه يرجع إلى المقاصد التي تتم بالمصالح والمفاسد، لكن الشاطبي يضيف بعدا ثالثا وهو بعد الواقع، أما إذا كانت، أما تنزيلها على الواقع فإن هذا من باب تحقيق المناط وهو يحتاج إلى اجتهاد ثاني، هذا الاجتهاد لا يقوم به الفقيه شرطا، قد يقوم به الطبيب، قد يقوم به الصانع، أعطيك أمثلة حتى تكون الأمور واضحة.


عثمان عثمان: حتى تتوضح الصورة أكثر نعم.


عبد الله بن بيه: نعم. في التاريخ الفقهي، الحامل المقرب هي من المحاجير، يحجر علينا لأنها مريضة مرضا مخوفا اليوم ماذا تقول إن كنت في سويسرا مثلا؟ سيقولون ليس شيئا، ليس شيئا ليس حتى أخف من شوكة، إذاً الطبيب هو الذي يحقق المناط ليحكم الفقيه ليقول هذه تتمتع بصحتها كسائر الناس ولا يحجر عليها في مالها ولا في نفسها، المرض ذات الجنب أو السل كان مرضا مخوفا في نصوصنا الفقهية هو مرض مخوف وبالتالي صاحبه من المحاجير يحجر عليه، اليوم تحقيق المناط ترجع إلى الطبيب. قضايا اقتصادية كانت أيضا في.. قد ينظر إليها نظرة معينة، لكن اليوم بأوضاعه الاقتصادية الصكوك مثلا التي هي تقابل السندات لأن الصكوك تمثل الموجودات الحقيقية والسندات تمثل أموالا ربوية لأنها نقود تلد نقودا، ليتعرف الفقيه على هذا لا بد أن يحقق المناط له الاقتصادي، فالواقع بكل تضاريسه وبكل ملابساته وكل أبعاده الزمنية والمكانية يحتاج إلى تحقيق مناط. فهي ثلاثة أمور، دلالات ألفاظ ومقاصد وواقع، بدون هذا المركب لا يمكن للفتوى أن تكون سليمة من كل وجه بخاصة إذا كانت في قضايا معقدة تحتاج إلى وجهات النظر المختلفة، إذاً الفقيه لا يمكن أن يستبد بها أو يرجع فقط إلى نصوص ليرى أن السل مرض مميت وأن صاحبه يحجر عليه ولا تجوز تصرفاته وكل أعماله مردودة لا، لا يمكن، ارجع إلى الطبيب اسأله ما الذي طرأ، البنسلين ما الذي أتى به؟ المضادات الحيوية، هناك أشياء جديدة هذه طبعا مجالات فسيحة جدا وفي هذا المجال تحقيق المناط أمر في غاية الأهمية ويجب أن يلجأ عليه. التضخم، الفقيه الآن كثير من الفقهاء والمجامع الفقهية يقولون التضخم لا يؤثر ما في ذمتي لكن التضخم أمر جديد والتضخم الجامح والنقود لم تعد هي الذهب والفضة وإنما أصبحت النقود لا قيمة لها بنفسها فيعني الليرة اللبنانية الذي ثبت في ذمتي منها هل يمكن أن نقدم له فقط اللي ثبت في ذمتي وهو لا يساوي شيئا؟ هذه الأمور يحتاج فيها إلى أن نتعرف على مناخات التضخم وأنه أصبح مثل الجارحة التي..

أسباب وتداعيات تعدد المفتين وتشعب الفتاوى


عثمان عثمان (مقاطعا): إذاً هناك أمثلة كثيرة حول هذا الموضوع. فضيلة الشيخ اليوم يعني من خلال المتابعات لشاشات التلفزة للمواقع الإلكترونية لعامة أسئلة الناس نجد هناك أسئلة ربما لا ترتقي إلى أن تكون قضية، يعني بعض الناس يسألون أسئلة ربما تكون معروفة بداهة، إلام تعزون ذلك؟


عبد الله بن بيه: هو هذه الأمور أولا فيه فضول في ناس يريدون أن يسألوا عن كل شيء، لكن من جهة أخرى في جهل بالأبجديات الشرعية، مثلا هناك ما يسمى بالاستصحاب، طهارة الأعيان أصل، الحرية أصل، براءة الذمة أصل، يعني هذه تسمى القواعد الأصلية، هذه القواعد الأصلية المفروض أن كل أحد يعرفها، لا تكليف إلا بنص، المفروض أن الشخص لا يسأل عن مثل هذه الأشياء لأنها معروفة، يسأل عما وقع فيه التغيير من الأصل إلى غيره، فهنا نرى أن ثقافة الناس ناقصة، لكن هذا الانفلات أو هذه الأسئلة الكثيرة حقيقة ليست في مجال الفتوى فقط بل إن الانفلات في كل المجالات وموكب التخلف يسحب عربات كثيرة منها هذا لماذا العالم الإسلامي لا يصنع طائراته، كل هذا العالم الإسلامي كل هذا المليار لا يصنع المراكيب التي يركب عليها، لا يصنع السيارات، هذا مرض هذه أمراض يعني تطاول كل القطاعات بما فيها قطاع الفتوى فلا تعجب.


عثمان عثمان: نعم. ألا ترون أيضا أن هذا يعني أحد أسبابه تخلف العقل المسلم ربما وعدم وعيه بما يجري حوله وتخليه عن المسلمات التي ذكرتموها، من يتحمل مسؤولية هذا التردي في العقل المسلم؟


عبد الله بن بيه: الجميع يتحملون ولا يتحمله أحد، كما يقولون الجميع مذنبون والجميع برآء، هو هذه المرحلة من أوضاع العالم الإسلامي هي مرحلة حرجة وهي مرحلة يجب أن نتجاوزها وكما قلت قبل قليل هذا يطاول كل العوالم، عوالم الأشخاص وعوالم الصناعة وعوالم العقل، فالعقل المسلم يحتاج إلى مهندس، إلى هندسة ليخرجه من التخلف والتخلف كما قلت ليس مختصا بقطاع وليس مختصا بناحية من النواحي ولا بقضية من القضايا وإنما هو تخلف شامل، طبعا لا نيأس من روح الله، يعني الفتاوى في وضعها الحالي والخلل الذي فيه، الصوماليون يقتتلون يقولون نقتلهم نريد الجنة إذا كنتم تطلبون الجنة كما كتبت لهم فقد ضللتم سبيلها، يعني يقولون نقاتلهم على أن يطبقوا الشريعة، يطبقون الشريعة على أحياء أم على أموات؟ الناس يموتون، رحم الله عمر لما أوقف الحدود عام الرمادة لأن الناس جياع، فيعني هذه.. هذا النوع من الفتاوى المشددة التي تؤدي إلى سفك الدماء دليل كبير على تخلفنا عقليا، تخلف ديني، تخلف في فهم مقاصد الشريعة، في فهم النصوص لأن هذه النصوص لا يمكن تنزيلها إلا لمن عرف مقاصد الشريعة حتى يمكن أن ينزل النصوص على محلها.


عثمان عثمان: فضيلة الشيخ طبعا الفتاوى ربما كانت في السابق غالبها يتعلق بالشعائر التعبدية من صلاة وصيام وغير ذلك، اليوم نجدها قد شملت قضايا الاقتصاد قضايا السياسة قضايا الأمن وغير ذلك، طالت كل مجالات الحياة، يعني برأيكم مفتي اليوم هل يعي كل هذه التشعبات ويستطيع أن يجيب على كل هذه التساؤلات؟


عبد الله بن بيه: غالبا أن، نحن لا نريد أن نبخس الناس أشياءهم ولكن نقول إن بعض المفتين قد لا يعي تماما الوضع الحالي للعالم الذي أصبح كما في تقريركم أصبح قرية صغيرة وأصبحت كل القضايا التي.. المنتجات التي ينتجها الآخر يصدرها إليك ليس فقط تصدير سلع ولكن معها نظمها وقوانينها التي تحكمها، فإذا صدرت طائرة تصدر معها الإيجار leasing ويصدر معها التأمين ويصدر الإيجار المنتهي بالتمليك هو لا يصدر السلع وإنما يصدر مع السلع أيضا يصدر معها النظم، نظم التبادل والتعامل التي توجد في أرضه وبالتالي قد يكون العالم أو الفقيه قد يكون عاجزا عن استيعاب هذا فيجيب بما سنح له ولكن قد يكون أيضا عالما بذلك الحق أن عندنا في مجالات متعددة ظهر بعض الفقهاء وبخاصة في مجال المصرفية الإسلامية هؤلاء أحسنوا صنعا بإنشائهم للصكوك، لهندسة الصكوك ولكثير من المعاملات التي قدموها ولكن أساؤوا صنعا في قصورهم أحيانا عن معاملات تجيزها الشريعة وأحيانا أخرى في اجترائهم على معاملات تخرج النظام الإسلامي عن حقيقته وعن خصائصه وبالتالي يفقد خصائصه، فهناك شطط  هناك إفراط هناك تفريط فهذا الشطط علينا أن نحاول أن نقف في الوسط حتى لا نقع في الإفراط ولا في التفريط.


عثمان عثمان: ربما يدفعنا للحديث ربما عن التكوين العلمي لهؤلاء المفتين. قبل أن نكمل فضيلة الشيخ دعنا نأخذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح أستاذ النظرية السياسية في كلية دار العلوم في القاهرة، مرحبا بكم أستاذنا الكريم.


سيف الدين عبد الفتاح/ أستاذ النظرية السياسية في كلية دار العلوم-القاهرة: أهلا وسهلا، أهلا بشيخنا الفاضل.


عثمان عثمان: طبعا الآن كما ذكر في التقرير وكما تفضل فضيلة الشيخ هناك سيولة كبيرة في موضوع الفتوى استفتاء وإفتاء يعني بداية هل هذه الظاهرة كثرة الاستفتاء هي ظاهرة صحية أم مرضية؟


سيف الدين عبد الفتاح: أنا أظن أن تحويل كل أمر إلى مسألة تتعلق بفتوى أو شيء من ذلك القبيل وكل قضية تتعلق بمعاش الإنسان هو أمر شديد الخطورة لأن ذلك يمكن أن يحدث حالة من حالات وتنقل المسألة من مسألة تتعلق بالتربية إلى مسألة الفتوى، صحيح أنني من هؤلاء الذين يؤكدون على التربية من خلال الفتوى أو التربية بالفتوى إلا أن الأمر الذي يكون فيه إسراف في استخدام كل شأن يتعلق تحويل القضايا إلى مسائل إفتائية هي من الأمور الخطيرة على الفرد وعلى المجتمع على حد سواء. غير أنني أريد أيضا أن أتحدث في موضوع غاية في الأهمية وهو الموضوع الباب المغفل الذي يتعلق بفتاوى الأمة، ذلك أن فتاوى الأمة لم تجد الاهتمام الكافي من مثل فتاوى الأعيان والأفراد وهنا المسألة تتعلق بهذه الفتاوى هي أوضح من أن نشير إليها ولكن في حقيقة الأمر كثير من المفتين يهملون تلك القضايا رغم أن هذه القضايا يمكن أن يتعرف إليها من دون مستفت وذلك لشيوع الأمر وضرورة أن يقوم المفتي بتوضيح هذه الأمور ويوقع عن الله سبحانه وتعالى كما أكد الإمام ابن القيم، أما الأمر الثالث الذي أيضا أحاول أن أعرضه على الشيخ هو المسألة التي تتعلق بفوضى الفتاوى أو الفتاوى الفورية التي تحدث على الفضائيات فضلا عن المسألة التي تتعلق بالتفاتي وهذا قد وجدته في لسان العرب وهو ما يعني التحارب والتقاتل بالفتوى، وهذه مسألة شديدة الخطورة حينما يدخل الأمر في إطار عملية تسييس هي من الخطورة بمكان في عالم الفتوى وفي عالم المسلمين.


عثمان عثمان: الأستاذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح شكرا جزيلا لك كنت معنا من القاهرة. فضيلة الشيخ يعني قبل أن ندخل إلى الفاصل لدي سؤال من الأخ عبد العظيم من مصر يقول ماذا نفعل نحن عوام المسلمين من طوفان الفتاوى واختلافها بعدد مشايخ الفضائيات وكتب الفقه المختلفة وما هو التصرف للتعامل مع هكذا موضوع؟ نسمع الإجابة إن شاء الله بعد وقفة قصيرة فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله تعالى.

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي نتحدث فيها عن صناعة الفتوى مع فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. فضيلة الشيخ أمام سيولة الفتاوى وأمام تناقض الفتاوى ماذا يفعل المسلم العادي؟


عبد الله بن بيه: المسلم عليه أن يقلد العالم الذي يرى أنه أهل للتقليد لأن الفتوى هي تبيين حكم شرعي عن دليل لمن سأل عنه وزاد بعضهم أن تكون أهله عن دليل هذا يجعل المسلم عليه أن يسأل عن الدليل إذا كان لا يثق بالمفتي. ثانيا على المسلمين أن يتعلموا أمر دينهم حتى يستطيعوا التمييز بين الطيب والخبيث وبين الغث والسمين وكما قال علي رضي الله عنه لما قال وتزعم أنك على الحق وفلان وفلان على الباطل، قال يا هذا إنك رجل ملبوس عليك, اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف من يأتيه، فلو تعلم الناس وكانت لهم ثقافة لعلموا من يتوجهون إليه، لتعرفوا على العالم الذي بإمكانه أن يجيبهم ولتجنبوا الدجاجلة إذا كان هناك دجاجلة ولاستطاعوا من خلال دراستهم لسيرة الناس ولعلمهم ولأعمالهم أن يميزوا العلماء، طبعا هذا إشكال بالنسبة للعوام في ظل هذا التضخم الهيكل الفتوى إذا صح التعبير أو الانفلات خلال القنوات فهذا ذنب الإعلام وذنب هذا الزمان لكن مع ذلك علينا أن نتحرى، علينا أن نحاول إبراز شخصيات من أهل العلم، نطلب من الناس، لا أقول نروج لها لتحصل على فلوس هذا يقوم به آخرون، نطلب من الناس أن يرجعوا إليها وأن تكون مصدرا للفتوى كما كان في الزمن الأول، كما كان مالك وأحمد وأبي حنيفة والشافعي هؤلاء برزوا في الفتوى، برزهم الناس، لم يكن تبريزا من الحكومات ولكن من الناس، شهد لهم الناس بأنهم من أهل العلم وبالتالي لا ينفلت عالم بدون أن تكون له هذه الشهادة من الناس، قال مالك لتلميذه ما أفتيت حتى شهد سبعون شيخا لي، قال أجسرت عليها، يقول لابن القاسم أجسرت على الفتوى، فهذا النوع من الشهادة ومن القبول العلمي يجب أن يكون حاضرا في أذهاننا.

العوامل المؤثرة في الفتاوى وسبل تحرير الفتوى


عثمان عثمان: فضيلة الشيخ يعني ذكرتم الإعلام الفضائيات الإنترنت غير ذلك، هل ترون كل هذه الوسائل أثرت في صناعة الفتوى في كيفة الصناعة وفي جوهر هذه الصناعة؟


عبد الله بن بيه: المفروض ألا تؤثر لأنها وسائل ولكنها في الحقيقة أثرت، الوسائل أصبحت كأنها أهدافا وكأنها مقاصد بحيث أن عملية الطبخ السريع يريدون يعني ماكدونالد يريدون طبخا سريعا وبالتالي هذا الطبخ السريع يمر بهذه الفتاوى التي أحيانا تكون من أجل معارضة شخص ما يفتي واحد في الإنترنت ويشيع ويعتبر أن الكذبة إذا كبرت وتكررت أصبحت أقرب إلى الحق كما كان يرى هتلر، فيرى هذا وينشر الفتاوى، هي أثرت لا شك في ذلك لكن الأمر هو في تعليم الناس في تثقيف الناس، أنا حضرت مؤتمر الفتوى الذي نشر في كتابي لأول مرة طبعه الكويتيون ووزعوا منه خمسمائة نسخة لمركز الفتوى، مركز الوسطية عندهم، لكن وكنا نحاول ضبط أو وضع ميثاق شرف ولكن مواثيق الشرف لا يرتسئ بها الناس، أنا في مدخل الجزيرة رأيت ميثاق شرف للصحفيين، أنا لست متأكدا من أن الصحفيين هنا يلتزمون بميثاق الشرف هذا..


عثمان عثمان (مقاطعا): يحاولون ذلك.


عبد الله بن بيه: لا أريد أن أشتمكم، أنا يعني عندكم ضيف ولا أشتم، لا أريد أن أشتم أحدا لكن هذه المواثيق بين النظرية وبين التطبيق بينهما دائما شيء من المسافة والمساحة.


عثمان عثمان: فضيلة الشيخ أيضا يعني هناك بعض الفتاوى التي تكون جسرا للعبور إلى المصالح السياسية والشخصية كيف يمكن أن نحرر الفتوى في صناعتها من هذه التأثيرات الموجودة فعلا؟


عبد الله بن بيه: علينا أن ننظر إلى الفتوى كفتوى، أنا ضربت مثلا بالصومال لأنه أسهل أن أضرب مثلا بالصومال، يعني الناس الآن يقتتلون يقولون لأنهم لا يطبقون الشريعة من أجل مسألة الولاء والبراء، نحن لا نهتم يعني ليس بإمكاننا أن نحاسبهم إذا كانوا يطلبون الرئاسة وقالوا نحن نطلب الرئاسة ونطلب وعندنا.. ونحو ذلك، لكن أن يقولوا باسم الدين فعلينا أن ننظر إلى الفتوى باسم الدين وأن نقول إن جهادكم هذا ليس صحيحا بناء على معطيات وعلى نصوص شرعية لأنهم جهلوا الدليل وتجاهلوا التأويل وأخطؤوا في التنزيل، يعني هذه ثلاثة معطيات جهل الدليل وتجاهل التأويل والخطأ في التنزيل، تجاهل التأويل كيف {..وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ..}[المائدة:44] من عهد ابن عباس فسروا الكفر بأنه كفر دون كفر وفسق دون فسق وليس مخرجا عن ملتي وتراهم الآن كلهم يتحدثون عن هذا، ثم رأيت بعضهم وأراد أن يرد على رسالة وجهناها لهم الصلاة فقال دائما يعتمدون على شيخ الإسلام ابن تيمية وهم يظلمونه لأن له نصوصا أخرى تكذب ما أرادوا أن يقولوه وأخذ.. أيام ابن تيمية كما يقول الذهبي قال إنه بريء من.. قال إنه لا يكفر أحدا من المسلمين لما ذكر الذهبي الكلام عن ابن الأشعري وأن الأشعري قال اشهدوا علي أنني لا أكفر أحدا من أهل القبلة، قال وهكذا كان شيخنا تقي الدين في آخر أيامه، فما أدري هؤلاء إلى أي حسب أو نسب أو سبب ينتمون لكن الفتاوى جعلت في مجالين أساسيين مجال التكفير، هؤلاء الناس الذين يكفرون بفتاواهم وبالتالي يقدمون الناس إلى القتل، وبصفة بسيطة جدا أريد أن أقولها لك هنا ليستفيد منها الناس، يركبون قضية يقولون الحكومة باء لها ولاء مع الكفار وهذه المقدمة الأولى المقدمة الثانية هي كل من له ولاء مع الكفار وهي الكبرى تسمى عند المناطقة فيجوز قتالهم، بل يجب قتالهم، النتيجة شو هي يجب قتال حكومة باء، أو يقولوا كل من يواليهم فهو كافر وتكون النتيجة الحكومة باء كافرة ويولدون نتيجة أخرى وهي وإذا كانت كافرة.. وهذا كله خطأ لأن الكبرى في هذه المقدمات خاطئة، لأنه ليس كل كافر يجب قتاله وليس كل حكومة توالي للكفار تكون كافرة هذه كلها مقدمات فاسدة بالدليل الشرعي لكن بهذه البساطة يقدمون، هذا مجال التكفير هو مجال فيه فتاوى كثيرة وفتاوى سراديب وجعلت العالم الإسلامي يتضرر ضررا فادحا..


عثمان عثمان (مقاطعا): فضيلة الشيخ إن شاء الله نكمل..


عبد الله بن بيه: (متابعا): المجال الآخر هو مجال المصرفية الإسلامية والاقتصاد الإسلامي، هذا أيضا المجال..


عثمان عثمان (مقاطعا): نعم سنتحدث في هذا الموضوع ولكن بعد أن نأخذ الدكتور رضوان السيد مفكر لبناني. مرحبا بك دكتور السلام عليكم.


رضوان السيد/ مفكر لبناني: أهلا سيدي وعليكم السلام.

العلاقة بين الفتوى والتاريخ


عثمان عثمان: دكتور كما تعلم أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان باختلاف المكان باختلاف حال المستفتي وربما هنا نتحدث يعني بأن الفتوى ربما تخط تاريخا، نريد منكم أن تضيئوا على هذه القضية، علاقة الفتوى بالتاريخ.


رضوان السيد: التأثر متبادل يمكن أن يكون التاريخ وقائع تاريخية معينة سببا لاتخاذها مثالا أو مقياسا لإصدار الفتاوى ويمكن أن تؤثر الفتوى المعينة من العالم الكبير أو من الصحابي أو من أحد أئمة المذاهب في أحداث تاريخية تجري بعد ذلك، أضرب مثلا على ذلك وهو مثل واضح، كل فقهاء المسلمين من شتى المذاهب يرجعون في مسألة البغاة يعني الخارجين على الإمام بتأويل شرعي يقصدون بتأويل سياسي يستنون بسنة أو ما صار سنة من تصرف الإمام علي كرم الله وجهه مع الحرورية ومع الخوارج فكان تصرفه معهم قال إنهم إخواننا بغوا علينا ولهم تأويل ولذلك كان عندما يلقون السلاح لا يتابعون قتالهم كما أنه رضي الله عنه لم يكن يجهز على جريحهم ولم يكن يصادر أموالهم بعد انتهاء المعركة لأن حكمهم يختلف عن حكم المحاربين، هذا التصرف من الإمام علي وهو حدث تاريخي كبير في زمن الفتنة صار بالنسبة لكل فقهاء المسلمين بعد القرن الأول الهجري هو السلوك المتبع والفتاوى المتبعة يقيسون على تصرف الإمام علي في إصدار فتاواهم بالنسبة للخارجين على الدولة أو على الإمام بتأويل سائغ يعني مسألة المعارضة السياسية إذا حملت السلاح، هلق هذا يمكن اعتباره تأثيرا للتاريخ لتصرف تاريخي هو تصرف الإمام علي رضي الله عنه في الفتاوى التي صدرت بعد ذلك وصارت أصولا وكتبا مستقلة لدى سائر المذاهب. يمكن أن يحدث العكس بمعنى أن تكون هناك فتوى للإمام أبي حنيفة أو للإمام الشافعي أو حتى للإمام النووي عز الدين ابن عبد السلام فيما يتعلق مثلا بالتصرف تجاه السلطان الذي لم يكن حرا قبل ولايته السلطة، معروف أن هناك فتوى تاريخية لعز الدين بن عبد السلام فيما يتعلق بسلطنة دولة المماليك وأقيمت شرعية المماليك يعني العبيد المحررين هؤلاء على فتوى لعز الدين بن عبد السلام فيما يتعلق بالإجراءات المتبعة لإكسابه الشرعية وهذه أحداث كبرى من هنا ومن هناك، بالإضافة إلى..


عثمان عثمان (مقاطعا): اسمح لي دكتور يعني الآن بالنظر إلى فتاوى اليوم أي تاريخ تخطه هذه الفتاوى وباختصار شديد لو سمحتم دكتور؟


رضوان السيد: في الحقيقة الآن الظرف الراهن حافل بفتاوى كثيرة لا يمكن أن نتحدث عنها باعتبارها أمرا يعني لا شك يعني الفتوى تتأثر بالزمان والمكان بل إن الزمان والمكان يغيران الفتوى ولكن في الحقيقة كثير من هذه الفتاوى التلفزيونية والفتاوى المتشابهة لا يمكن لا أن تقول إنها متأثرة بالتاريخ والعصر أو أن العصر والتاريخ يؤثران فيها باعتبار أن هؤلاء الذين يقومون على إصدار هذه الفتاوى كثير منهم في الحقيقة لا يمكن اعتبار رأيه في كثير من هذه التفاصيل بمثابة فتوى نعللها بأن حدثا تاريخيا معينا..


عثمان عثمان (مقاطعا): شكرا الدكتور رضوان السيد المفكر اللبناني كنت معنا من بيروت. فضيلة الشيخ كنتم تتحدثون في موضوع الصرافة، أردتم أن تضربوا مثلا لذلك.


عبد الله بن بيه: هو أود أن أقول إنه في هذا المجال في مجال الفتاوى أن الفتاوى بعضها كان تاريخا بمعنى أنها كانت مواقف في التاريخ، فتوى الإمام أحمد في مسألة خلق القرآن، فتوى الإمام مالك في مسألة أيمان البيعة، وهذه الفتاوى كانت مواقف أثرت في التاريخ، في هزيمة المعتزلة بجهة الإمام أحمد وفي أيضا إيقاف شطط السلطان الذي كان يحلف الناس بالمصحف. هناك فتاوى كثيرة جدا في التاريخ كانت تمثل تاريخا، هناك فتاوى كانت تعكس التاريخ كانت مرآة للتاريخ، مثلا عندنا في بلاد الأندلس لما أراد يوسف بن تاشفين أن يفرض الضرائب قال في مدينة اسمها مرسية قالوا، فوضوا عالما يتكلم عنهم فقال لا بد أن تحلف هنا على المنبر بأن بيت المال ليس فيه شيء فتعفف يوسف ولم يحلف، رضي الله عنه، وهناك فتاوى كثيرة منها الوقف الذي كان في قرطبة وكان يستفيد منه المسافرون فجاء أناس فأرادوا أن يستفيدوا من الوقف، وقف المرضى فقالوا أنتم لستم من أهل قرطبة، ترافعوا إلى القاضي، القاضي أفتى بأن هؤلاء لما أقاموا أربعة أيام يستفيدون من الدنانير التي كانت تعطى لـ.. يعني هذا ضمان اجتماعي بمعنى أن قرطبة في ذلك الزمن عندها ضمان اجتماعي لمرضاها من مواطني قرطبة وأن المواطنين الآخرين إذا أقاموا أربعة أيام لهم الحق في الاشتراك بهذا، يعني عشرات الفتاوى. العملة التي كانت ترد إلى تونس في القرن الثامن وهي عملة مغشوشة اختلف العلماء سيد عيسى الأوغاديني أفتى بأن هذه العملة تبقى على غشها حتى لا تضيع أموال الناس وأفتى نظيره ابن عرفة بأن هذه العملة تزال حتى تكون العملة صحيحة فرجح قول ابن عرفة. يعني عندنا في شمال أفريقيا وفي معيار بالذات كثيرا من الفتاوى التي درسها الغربيون للتعرف على تلك الحقبة اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.


عثمان عثمان: نعم، فضيلة الشيخ يعني في موضوع الفتوى بالذات نقرأ عن عدد كبير من الصحابة كانوا لا يفتون وكانوا يحيلون الفتوى إلى آخرين، الإمام مالك سئل في أربعين مسألة فأجاب عن ستة وقال في 36 لا أعلم، اليوم نرى تجرؤا كبيرا على الفتوى يفتي كل من هب ودب، إلام تعزون ذلك؟


عبد الله بن بيه: هذا نوع من عدم الورع، لأن "أجرأكم على الفتية أجرأكم على النار" كما ورد في الحديث المرسل وبالتالي مالك كان يخاف من هذا ولهذا قال له كيف أقول للناس جئت إلى عالم المدينة، قال قل لهم عالم المدينة لا يدري، فالإمام مالك كان شديد الحرج في هذا  وكان يوجه الفتية إلى غيره، وأبو حنيفة كان يناقش في تلاميذه أرأيت لو وقع ثم في النهاية ينتهون إلى نتيجة لم يكن يستقل برأيه دونهم، فالفتوى لها خطر كبير لأنها تعتدي على الأموال وعلى الأعراض وبالتالي يمكن أن تعتدي ويمكن أن تصلح، الفتوى هي ميزان إذا أحسنا الوزن حقيقة كانت الفتوى جيدة. بالنسبة للمصرفية التي أثرتها، أنا أرى المصرفية الإسلامية الآن في هذه الفترة بالذات نحن أمام تحد وأمام فرصة تاريخية لأن الغربيين وأنا كنت بفرنسا قبل أسبوع وكنا مع وزير الاقتصاد الفرنسي، الغربيون الآن يبحثون عن التعامل بالمصرفية الإسلامية في ديارهم ويفتحون لها الأبواب، فتحت لبريطانيا وفرنسا تدرس، عندها مشكلة الرقابة الشرعية تريد رقابة موحدة standard لأنها لا تريد رقابات مختلفة، في نفس الوقت وجدنا أن المصرفية الإسلامية قدمت خدمة أو الفقهاء قدموا خدمة بتقديهم للمصرفية الإسلامية ولكن في نفس الوقت أوجدوا إشكالات فادحة لأن المعايير التي قدموها فيها أخطاء شرعية فيما يتعلق بما يسمى بالنشاط الأساسي للشركة، معناه أن الشركة تكون لها نشاطات غير شرعية نشاطات ربوية فيما يتعلق بمعيار الكثرة والقلة وهو معيار ليس صحيحا، يعني قدموا وحتى في التورق بعضهم أجاز التورق ولم يجز التورق فقط بل أجاز التورق أيضا للطعام وهذا مخالف لإجماع المسلمين يعني المعايير التي قدمها الإخوان جزاهم الله خيرا لم يستشيروا فيها كل الناس بل كانت الحاجة الملحة للمؤسسات التي يعملون فيها دافعا لهم أن يقدموا هذه الأقيسة التي قدموها هي أقاييس منقوضة، النقض هو أن تتخلف بالجزئيات وهذه هي تخلف فيها كل الجزئيات، فالأشكال التي ركبوها ليست صحيحة، نحن في الحقيقة عندنا منهجية جيدة في التعامل مع النصوص في التعامل مع المقاصد في التعامل مع الواقع وفي معقول النص في التعامل مع الأسس التي وضعها اليونان الأسس الأرسطية وهي من الكلي إلى الجزئي ومن الجزئي إلى الكلي، من الكلي إلى الجزئي نسميه استنتاجا ومن الجزئي إلى الكلي نسميه استقراء ومن جزئي إلى جزئي نأخذها حسب عبارة ابن رشد فهذا نسميه قياسا، فكل الأدوات على المفتين الجدد أن يتعاملوا مع هذه الأدوات.


عثمان عثمان: فضيلة الشيخ لم يتبق معي إلى دقيقة فقط، هناك كانت محاولات عدة لضبط صناعة الفتوى البعض قال أن تحصر بمؤسسة دينية معينة، البعض قال تحصر بخريجي مؤسسة دينية معينة أو جامعة معينة، البعض تحدث عن ميثاق شرف ربما أنتم كالمجامع الفقهية الإسلامية ألا يمكن أن يكون لها دور في ضبط صناعة الفتوى يعني أليس عندها من صلاحيات معينة في هذا الموضوع؟


عبد الله بن بيه: أنا أرى باختصار وبسرعة أن الفتوى تقاس بـ ألف باء جيم هناك فتوى ألف وهي التي تتعلق بالحروب وبالقتال وبالتكفير هذه يجب أن تحال إلى المجامع الفقهية.


عثمان عثمان: قضايا الأمة.


عبد الله بن بيه: قضايا الأمة، أحسنت. وهناك فتاوى دون ذلك عليها أن تحال إلى أناس ثقاة وهي قضايا المال، قضايا المال هي قضايا مشكلة كبيرة جدا لأننا جئنا لنخلص البنوك الإسلامية من الربا فها نحن ندفعها مرة أخرى مع استثناءات..


عثمان عثمان (مقاطعا): وفي القضايا الشخصية، المسائل الشخصية؟


عبد الله بن بيه: وفي القضايا الشخصية هذه جيم، جيم يمكن أن يفتي بها فقيه القرية، لأنها العبادات بالذات، العبادات، العبادات بالذات يمكن الإفتاء فيها طبعا وهناك ربما جوانب من العبادات في فقه الأقليات الجمع بين الصلاتين نوعا من.. أما ما سوى ذلك فمفتي القرية لأنها نصوص ولأنها ثابتة عندها static عندها صفة الثبوت والدوام وبالتالي يمكن أن يفتي بها الناس من بطون الكتب على ألا يخطئوا في ذلك.


عثمان عثمان: في ختام هذه الحلقة لا يسعنا إلى أن نشكركم فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على حضوركم معنا في هذه الحلقة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب وهذا عثمان عثمان يستودعكم الله، دمتم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.