الشريعة و الحياة / صورة عامة
الشريعة والحياة

أزمة العلوم الإسلامية

تتناول الحلقة علومنا الإسلامية ولماذا تعطلت وجوه الإبداع في علومنا الإسلامية؟ وما العوائق الذاتية التي تحول دون استئناف تجديدها؟

– ماهية العلوم الدينية وعلاقتها بالدين وأسباب الحاجة إليها
– أهمية التجديد وواقع العلوم الإسلامية ومناهج تدريسها

– أسباب تراجع علوم الدين وسبل تجديدها

 

توفيق طه
توفيق طه
أحمد عبادي 
أحمد عبادي 

ماهية العلوم الدينية وعلاقتها بالدين وأسباب الحاجة إليها

توفيق طه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لماذا تعطلت وجوه الإبداع في علومنا الإسلامية؟ وما هي العوائق الذاتية التي تحول دون استئناف تجديدها؟ وهل انفصلت عن واقع الحياة وتطوراتها؟ بل أين هي اليوم دعوات إصلاح العلوم التي انطلقت في مصر والشام في القرنين التاسع عشر والعشرين ولماذا لا نكاد نرى لها أثرا؟ مشاهدينا الكرام أزمة العلوم الإسلامية هي موضوع حلقتنا اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب، أهلا بك دكتور. دكتور بداية هناك من يتحدث عن العلوم الإسلامية على أنها هي الدين فما هي بالضبط العلوم الإسلامية التي نعنينها؟ وما هي حقيقة العلاقة بينها وبين الدين؟

أحمد عبادي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. العلوم الإسلامية اسم من أسماء هذه العلوم التي دارت حول النص المؤسس القرآن المجيد والسنة النبوية المطهرة باعتبارها التطبيق الأول الأنموذجي لهاديات القرآن المجيد، منهم من سماها علوم الشريعة، منهم من سماها علوم الدين لأنها متحورة حول الدين والتدين ومستمدة من هذا النص، هذه العلوم في البداية ظهرت تطبيقا وعملا وهديا مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان مشكلا للوحدة القياسية الحالة السوية وكان الذين معه أيضا قد شكلوا هذه الوحدة القياسية اجتماعا ولذلك تغير اسم العمران من طيبة ويثرب إلى المدينة بالألف واللام، ومن هنا فإن هذه العلوم كانت تسري في أعمال هؤلاء الرعيل المبارك كما يسري الماء في العود الأخضر ولم تكن معروفة بأسمائها التي نعرفها بها اليوم ولكن جاء الجيل من التابعين وأتباع التابعين فبدؤوا مرحلة التأسيس، غير أن هذا التأسيس كان متسما بالاتصال والارتباط العضوي بالنص المؤسس، كما أن العلوم الكونية متصلة بمصدرها الذي هو الكون ومنه بدأت تظهر الأسماء كعلم الفقه..


توفيق طه (مقاطعا): وما هي العلاقة بين العلوم الدينية أو العلوم الإسلامية والدين دكتور؟

أحمد عبادي: عفوا؟


توفيق طه: ما هي العلاقة بين هذه العلوم والدين؟ ولماذا يتم الخلط بينها وبين الدين؟

أحمد عبادي: العلوم من أجل أن يتم التدين الراشد المستهدي بالدين فالدين أمر مطلق والبشر من خلال تمثلاتهم من خلال عقولهم يحاولون استنباط الأحكام واستنباط الهاديات واستنباط المحاب والمكاره من هذا الدين ولكن بنسبيتهم باعتبارهم بشرا، باستثناء مرحلة التأسيس على يد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن النسبية قد قارفت هذه العلوم، فإذاً هذه العلوم فيها البعد الإنساني ولذلك مثلا إن نحن أخذنا أنموذجا على هذا الأمر علم أصول الفقه نرى أنه مع المؤسسين كان هذا العلم عبارة عن نثارات وكان يؤخذ من الهدي النبوي باعتباره يسري في هذا الهدي، كما أن النحو كان يسري في كلام العرب والتصوف والسلوك كان يسري في سلوك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام. الشافعي الذي يعتبر المؤسس المعلن لأنه كتب كتاب "الرسالة" نجد قدرا كبيرا من النسبية في كتابه "الرسالة"، مثلا من أجل استنباطه لدليل القياس بقي شهرا كاملا وهو يقرأ القرآن المجيد بحثا عن هذا الدليل حتى اهتدى إلى أنه هو قوله تعالى {..فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر:2] الأمر نفسه مع دليل الإجماع، فإذاً هذه العلوم هي الجهد البشري لمحاولة تبويب وهيكلة وترتيب المناهج التي سوف يتدين بالدين المطلق وهذا الدين المطلق موجود في القرآن المجيد، موجود في السنة النبوية، والبشر الذي اشتغلوا باعتبارهم كانوا قد أخذوا وعبوا من هذا المصدر الذي هو مصدر النبوة كانوا مرتبطين بهذا الدين الذي هو المصدر، لكن حين بدأ يحصل الانفصال بين المصدر وبين علوم الدين المستنبطة منه بدأنا نرى مجموعة من الإصابات والإعاقات التي بدأت تترسخ خصوصا لما انفصل المشتغلون بهذه العلوم مع القدر اللازم من النسبية الذي وجب أن يكون مصاحبا للإنسان ليقوم بالمراجعة أو التجديدات اللازمة..


توفيق طه (مقاطعا): دكتور أحمد ذكرت أكثر من مرة كلمة النسبية في هذه العلوم، هناك من ينظر إلى نسبية هذه العلوم وتاريخيتها على أنها مجال يتيح له التحلل من سلطان هذه العلوم، ما رأيك في ذلك؟

أحمد عبادي:هنا وجبت المقدرة يعني أن نمقدر الأمور أن نعرف مقاديرها، هناك أمور ثابتة لا تتغير بتغير زمان ولا مكان ولا أناس رجالا ونساء، وهناك أمور أخرى يحصل فيها نوع من التحول وهو الذي أشار إليه العلماء مثلا كقول الإمام ابن القيم رحمه الله "باب أو فصل في تغير الفتيا بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والعادات والأعراف" قال وهذا فصل عظيم النفع جدا قد دخل على الناس من فرط الجهل به ضرر عظيم" فإذاً هناك أمور ثابتة لا تتغير بتغير زمان ولا مكان ولا أناس وهناك أمور يحصل فيها هذا التغير ولذلك نجد الإمام الشافعي قد غير أمورا في مذهبه حين انتقل من العراق إلى مصر فأصبح هناك القديم أي المذهب القديم والمذهب الجديد، فإذاً هذه النسبية تتعلق وتتصل بهذه الجوانب المتحولة وهذا ورش علمي كبير وجب أن يعكف وينكب عليه علماؤنا من أجل رسم الحدود بجلاء ووضوح حتى لا يحصل هذا النوع من الاضطراب الذي تفضلت بالإشارة إليه.


توفيق طه: نعم ما هو وجه العلاقة بين العلوم الإسلامية والوحي سواء في لحظة التأسيس أم الآن في صورتها النهائية؟

أحمد عبادي: من أجل تقريب هذه المسألة ننظر إلى العلوم الكونية، العلوم الكونية من فيزياء وبوتانيكا وبيولوجيا وزيولوجيا وغيرها تتصل بالكون وحين تنفصل هذه العلوم الكونية عن مصدرها الكون فإنها تبدأ تدلف في الاضطراب وفي التنظير وفي نوع من الهلامية وقد رأينا هذا مع الفترة اليونانية في أواخر الفترة اليونانية ورأينا أن هذه العلوم حين انتقلت إلى عالمنا الإسلامي عن طريق الترجمة قد أخذت بعدها العملي والوظيفي إذ أعيد وصلها مرة أخرى بمصدرها لكنها سرعان ما فقدت هذا الاتصال إلى أن تم إحياؤه وربطه مرة أخرى في العصر الحديث، لولا هذا الارتباط لما ظهر علم السيبرنتيقا ولما ظهرت كل هذه العلوم الطبية التي نرى انفجارها المبارك اليوم. في المقابل علوم الدين وجب أن ترتبط أيضا بمصدرها الذي هو الوحي، حين انفصلت عنه بمقدار ثم بفضل الله يكون التجديد وإرجاع هذا الارتباط، لكن حين يكون هذا الانفصال أيضا تدلف هذه العلوم نحو ضباب التنظير ونوع من الهلامية ونوع من التفكك والانفكاك عن واقع الناس بحيث يدفق الناس في فترات متعاقبة يتساءلون ما هي وظيفة هذه العلوم، هل لها بعد وظيفي أم فقط لها بعد تبركي؟ مثلا خذ على سبيل المثال مبحث الإخالة، من من طلبة العلم اليوم يضبط هذا المبحث إلا القلائل، إن أخذت مثلا قضية الاستحسان، الاستحسان هو تقديم قياس خفي على قياس جلي لعلة تنقدح في ذهن المجتهد، ابحث عن هذا الذي ينقدح في ذهن المجتهد، لكن طلبة هذه العلوم يحفظون هذه.. لكن حين ترتبط هذه العلوم بمصدرها مرة أخرى نعلم مثلا أن الاستحسان يرتبط بسد الذرائع أو فتحها ويرتبط كذلك باعتبار المآلات أي النظر الاستشرافي فإذا بنبض جديد يخالط هذه العلوم وتصبح فيها هذه الدينامية وهذه الحيوية وهذه الوظيفية والنفع مرة أخرى..


توفيق طه (مقاطعا): اليوم دكتور..

أحمد عبادي (متابعا): فإذاً الاتصال بين هذه العلوم ومصدرها أمر وظيفي وأمر لازم، حين يحصل الانفكاك تحصل المشاكل التي ألمحنا إلى بعضها.


توفيق طه: نعم، اليوم بعد 1500 عام من نزول الوحي قد يتساءل البعض ما حاجتنا إلى هذه العلوم؟ كيف تجيب هؤلاء؟

أحمد عبادي: كحاجتنا إلى العلوم الكونية لأنها هي التي تجسر بين الكون وبيننا، هي التي تجعلنا نستكشف كنوزه ونستكشف القدرة على الحركة، كذلك استكشاف القدرة على تبين الوجهة وتبين قبلة الفعل ومعنى أفعالنا ومناشطنا نحن بني آدم، مصدر هذه العلوم هو الوحي ومن ثم فإن هذه العلوم هي التي تجسر بيننا وبين هذا المصدر لأن الجهود التي بذلت وملايين ساعات التفكير والعمل والاستنباط التي أثمرت هذه العلوم المباركة سوف يكون من السفه عدم توظيفها بالشكل الذي يكون مرتبطا بما أشار إليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال "يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها" لكن ها هنا تكمن القضية هذا المربط الذي أشار إليه عليه الصلاة والسلام في حديث آخر حين قال "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين" عملية تصفية وجب أن تكون مواكبة، إذا غابت هذه الجسور الواصلة بين الإنسان وبين الوحي فإن الإنسان لن يستطيع أن يصل إلى الانتفاع من هذا المصدر كما لن يصل إلى الانتفاع من الكون في حالة غياب العلوم البحتة والعلوم الكونية من واقعنا اليوم.

أهمية التجديد وواقع العلوم الإسلامية ومناهج تدريسها

توفيق طه: نعم وهذا يعني كما تقول بحاجة دائما إلى تجديد وإصلاح في هذه العلوم، نسمع فعلا من يصف هذه العلوم بأنها شاخت أو نضجت واحترقت ومن يرى أنها يعني لم تعد صالحة لهذا الزمن، إلى أي مدى تتفق مع هذا الرأي؟ وأي العلوم تحديدا في رأيك هي بحاجة إلى تجديد وإصلاح؟

أحمد عبادي: كل العلوم تكون بحالة.. بحاجة إلى تجديد، خذ مثلا لو ذهبت أخي إلى طبيب اليوم وأخذ كتاب جالينوس وقال أنا سوف أداويك بهذا الكتاب هل تقبل أن تستشفي على يد هذا الطبيب؟ سوف تمتنع سوف تقول له لا لن أقبل أن تداوي لي من كتاب جالينوس ولا حتى من كتاب الرازي ولا حتى كتاب الرئيس لابن سينا لأن هناك أبحاثا قد بذلت وحوارا مستأنفا قد وقع مع الكون من أجل استكشاف أبعاد جديدة لعلم الطب وأنا أريد أن أستشفي بآخر ما وصل إليه الإنسان في هذه المجالات. كذلك العلوم المتصلة بالوحي أيضا تستلزم حوارا، الله عز وجل يشير بجمال وبكثير من الرونق إلى هذه القضية وإلى هذه المقابلة حين يسمي العلوم الكونية علوم التسخير {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ..}[الجاثية:13] وهو يسمي علوم الوحي بعلوم التيسير {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ..}[القمر:17] العلوم الكونية عن طريق التفكر {..وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..}[آل عمران:191] العلوم المتصلة بالتيسير بالوحي عن طريق التدبر {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ..}[النساء:82]، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ..}[ص:29] حين يكف هذا الحوار وتكف هاتان القراءتان اللتان كانتا موضوع أول آية أوحي بها إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:1] القراءة الأولى القراءة في الكون {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[العلق:2] ثم القراءة الثانية {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:3- 5] القراءة في الكتاب المسطور في الوحي ثم لا بد من جمع بين هاتين القراءتين، حين لا تكون هذه الاستمرارية في الحوار فإن هذه العلوم وكما قلت آنفا كونية كانت أم متصلة بالوحي يحدث فيها نوع من الاختلال، لكن هذه العلوم ولأنها متصلة بأمور ثابتة في أغلبها مثلا علوم الحديث تتصل بالنص الحديثي خصوصا الجانب المتعلق بالدراية وبالرواية فهذان الجانبان قد فرغ منها في أغلبهما والحمد لله اللهم إلا ما سوف يكون من بعد التحقيقات كما رأيناه، أما فقه الحديث والاشتغال على متن الحديث فلا إلى اجتهاد مستأنف، علماؤنا انتبهوا إلى هذه القضية فأطلقوا اسما على منطقة معينة سموها منطقة العفو، هذه المنطقة منطقة العفو وجب أن يؤسسها علم كل جيل وهم الخلف الذين أشار إليهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يلائم ولا بد من حوار مستأنف مع الإنسان ومع محيط الإنسان وسياقات الإنسان من أجل وجدان الأجوبة عن هذه الأسئلة، مثلا خذ مثالا آخر الآن إذا ذهبت إلى اليابان..


توفيق طه (مقاطعا): لكن دكتور يعني في سياق..

أحمد عبادي (متابعا): أو إذا ذهبت إلى أميركا أو أوروبا يمكنك أن تسوق باستخدام آلة الـ GPS لكن هذا الـ GPS رغم الخرائط التي وضعت في الأقمار الاصطناعية لكي تمكنك من استعماله إن لم يكن هناك تحيين لهذه وبنيت قناطر أو شقت قنوات فإن السياقة بهذا الجهاز سوف تتقادم، إذا لم تحين الخرائط التي بالأقمار الاصطناعية رغم أن المجهود الذي بذل مجهود جبار لكنه لن يكون بالنفع المتوخى، كذلك الأمر فيما يتعلق بهذا الـ GPS المتعلق بالعلوم الدينية، جهد جبار كبير ولكن لا بد من أن يكون هناك تحيين وهذا هو الذي نجده في أحاديث كثيرة ومنها الحديث المشهور الذي يشير إلى الاجتهاد وأن للمجتهد إذا أصاب أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد، التشجيع على الاجتهاد وإظهار الحق في الخطأ لكي يستمر الحوار ولا يتوقف.


توفيق طه: الخلاصة دكتور أن هناك حاجة دائمة إلى التجديد والإصلاح في هذه العلوم، لكن في سياق الحديث عن نشأة العلوم هذه نجد أن الفكر الغربي يعني كثيرا ما ابتكر علوما جديدة بينما في السياق الإسلامي نجد منظومة العلوم توقفت منذ قرون، حتى الاجتهاد توقف يعني في كثير من مناحيه، لم يعد العقل.. كأن العقل المسلم لم يعد قادرا على ابتكار علوم جديدة أو أنساق جديدة في التفكير، ما رأيك في ذلك؟ ولماذا؟

أحمد عبادي: لأن الحوار حين يكف يحصل نوع من الاستغناء والاكتفاء بالذي كان وقد تظهر عبارات من مثل قولهم ليس في الإمكان أبدع مما كان، تظهر بعض الأعراف التي تتسربل بسربال القداسة وتمنع بهذه القضية أن يتم النظر في هذه العلوم وفق ممليات واضطرارات وحاجيات مستأنفات الأحوال، لكن حين يكون هذا الحوار كالذي رأيناه في آماد متعددة والآن الحمد لله هذا الحوار ليس متوقفا، هناك أمور جميلة جدا تظهر في عالمنا الإسلامي اليوم فيما يتعلق بالعلوم الشرعية والعلوم الدينية نظريات رائعة ظهرت في العصر الحديث في مجال تفسير القرآن المجيد كالتفسير الموضوعي مثلا أو كمفاهيم جديدة تمت الإشارة إليها من قبل مجموعة من الباحثين كالترتيل وإعطائه بعدا آخر يتجاوز المفهوم الصوتي إلى المجال المفاهيمي والمجال القياسي المعرفي وإلى المجال كذلك التنزيلي ثم المجال التقويمي ثم المجال الاستدراكي، في علم أصول الفقه نجد بلورة لعلم مقاصد الشريعة لم يسبق إليها، نجد إشارات إلى علم الكليات، إلى علم الترجيحات، نجد إشارة إلى علم التقريب وعلم التغليب، نجد إشارات كذلك إلى علم الموازنات وأمور فيها نوع من النحت والنقش علاقة السياق بالوحي الذي هو مصدر الهداية ومصدر.. وكما سلفت الوجهة والتعرف على القبلة. فالقضية ليس بهذه المأساوية التي قد يشير إليها البعض فالحمد لله العقل المسلم ليس ميتا ولا أقول هذا من باب التعزية أو من باب إدخال الطمأنينة على الذات، هذا واقع، هناك الحمد لله نبض وحيوية لكن هناك ظروف أخرى سياقية وجب ألا ننساها، هذا العالم الإسلامي كان موضوع نزاعات فكرية اجتماعية كان موضوع استعمار وجهد هذا الاستعمار بمختلف أصنافه لفصله عن مقومات هويته سواء فيما يتصل بالتصورات والاعتقادات، علما..


توفيق طه (مقاطعا): لكن دكتور كما في كل العلوم، العلوم الإسلامية ليست متاحة لعامة الناس وإنما هي لدى النخبة فقط، أي قدر من تلك العلوم استطاعت النخبة إيصاله فعلا إلى العامة؟ وكيف تقيم هذا القدر؟ وهل الناس بحاجة إلى معرفة أكثر من ذلك؟

أحمد عبادي: في جامع القرويين كان هناك سؤال عندنا هنا في المغرب سؤال يكثر تداوله بين الناس حين يجلس شخص إلى شخص آخر ذكورا كانوا أم إناثا ويرى منه نوعا من الاطلاع يسأله السؤال الآتي، دارس أو جالس؟ هل أنت درست أم جالست؟ أي أن المجالسة للعلماء تعطي الأكل تقريبا نفسه الذي يعطيه الدرس والدراسة. وكانت الجامعة الإسلامية في عالمنا الإسلامي كله نسقا مفتوحا لم تكن فيه هذه الجدران المعنوية التي تفصل بين الناس وبين طلب هذه العلوم فكان الصانع والعامل يخرج مما كان يسمى عندنا هنا في المغرب أو في الشام بدار العمل ويلتحق بالجامعة وقد يدرس في درس بلاغة وقد يجلس في درس نحو تدرس فيه عويصات النحو أو قد يجلس في حديث أو درس تفسير أو غير ذلك من الدروس ويجد لذة في ذلك لأن علماءنا كانوا يعلمون أن هذه العلوم موضوعها هو الإنسان والمجتمع ولذلك وجب أن تصل إليه. ومن هنا فكما أنه في العلوم الكونية نوع من التخصص، لا يمكن لكل الناس أن يكونوا أطباء لا يمكن لكل الناس أن يكونوا فيزيائيين ولا أن يكونوا مشتغلين بعلم الفضاء كذلك في هذه العلوم لها أيضا قيمتها. هنا أريد أن أشير إلى قضية أحسبها في غاية الأهمية، من نوجه اليوم من بناتنا وأبنائنا لطلب هذه العلوم؟ هل نتيمم أحسن ما عندنا من العقول لكي نوجهها إلى هذه العلوم وطلبها والاشتغال بها أم نختار البسطاء الذين نحسبهم بسطاء لأن الذكاء ذكاءات ولم نصل بعد إلى استكشاف أنواع الذكاء المتعددة، قد يكون شخصا نحسبه غير ذكي في حين أن عنده ذكاء متميزا قد يتفرد به لكن الحاصل أننا لا نختار من نحسب أنهم نبغاء، نختار البسطاء ونوجههم إلى هذه العلوم لأنه نعتقد أن الحوار مع الوحي أمر بسيط في حين القضية ليست كذلك، الحوار مع الوحي يحتاج إلى نفس اليقظة وربما أكثر ونفس التوفز ونفس الإقبال ونفس الاعتكاف والتفرغ يتجاوز اعتكاف وتوفز ويقظة المخبري في مختبره حين يكون في حواره مع الكون، وهذه إشكالية..


توفيق طه (مقاطعا): دكتور في.. نعم دكتور..

أحمد عبادي (متابعا): لأن العلوم الإسلامية في حالة ازدهارها كان يتم اختيار أنبغ أبنائنا لنوجههم إلى هذه العلوم، اليوم في أنماط التوجيه نختار النابغين لنوجههم إلى علوم الخدمات ونترك لعلوم الريادة الخطيرة جدا من ليسوا بالنبوغ ذاته وهذه قضية قد بدأت تعطي أشواكها اليوم ووجب أن نستدركها في أنماط وأنساق توجيهنا…


توفيق طه (مقاطعا): عفوا سنحاول في الدقائق التالية أن نطل على واقع العلوم الإسلامية في المعاهد والكليات الدينية وأبرز أوجه الخلل فيها والإجادة فيها ولكن قبل ذلك سنستمع إلى آراء بعض الطلبة من معهد العلوم الدينية، كلية العلوم الدينية في دمشق، لنستمع.

[شريط مسجل]

آراء نخبة من طلبة كلية الشريعة- دمشق

مشارك1: أعتقد ان أهم جانب من الأزمة في العلوم الشرعية هو جانب المنهاج، فالمنهاج القديم كان قائما على الحفظ والتقليد فيجب أن يقوم المنهاج الحديث على البحث والمناقشة وإبداء الرأي لا على سبيل الفوضى ولكن على سبيل التعليم والتدريب، والمنهج هو الطريق الموصل إلى غاية وغاية العلوم الشرعية هي إخراج العالم القادر على فهم واقعه وفهم النصوص الشرعية بقواعدها الأصولية ومقاصدها الشرعية حتى يستطيع استيعاب العصر ومعالجته وتفعيل الإسلام من خلاله، وأعتقد أن علماء الأصول قد بحثوا هذا الجانب مليا فلا تكاد تجد كتابا في أصول الفقه إلا وقد شرح شروط المجتهد وشروط المجتهد بالنهاية هي منهاج لإخراج هذا العالم القادر على فهم نصوص الوحي فأعتقد لو أننا بنينا معاهدنا الشرعية ومناهجها على أساس شروط المجتهد لأنتج ذلك حلا لأزمة العلوم الشرعية في العصر الحاضر.

مشارك2: مشكلة المناهج عموما تكمن في زاويتين زاوية المادة محل النظر وزاوية المقرر، محل النظر صار فيه التباس كبير جدا فبعد أن كانت نصوص القرآن والسنة هي المصدر للتشريع والمصدر للاجتهاد حلت محلها نصوص الفقهاء اليوم فأصبحت نصوص الفقهاء تأخذ قدسية نصوص الوحي وأصبح النظر فيها كما هو النظر في نصوص القرآن والسنة، وهذا يعطل باب الاجتهاد لأنك عندما تحكم بنص غير المعصوم على المعصوم فأنت تقول لنا بأنه يجب أن يغلق باب الاجتهاد لأن من قبلك قد اجتهدوا في ذلك. أما مشكلة المناهج أو الأسلوب والطريقة فهذا يتحدد بالغرض، اليوم الغرض في العلوم الإسلامية لم يعد تخريج المجتهدين وإنما أصبح الغرض تخريج الدعاة والوعاظ فيتحدد الأسلوب بناء على ذلك فأن يكون أسلوبا تلقينيا لا أسلوبا حواريا، الأسلوب الحواري هو الذي يبدع ويخرج المجتهدين أما الأسلوب التلقيني فهو يعطل العقل ويعطل إعمال العقل في نصوص الوحي ويطلب من المتلقي أن يكون حافظا فقط.

مشارك3: أنا أتوقع أن المشكلة يعني لها عدة أمور ولكن الأمر الأهم هو أن المنهاج الذي يدرس في الجامعات والمعاهد الشرعية هناك بون شاسع بينه وبين الواقع فنحن ندرس المنهاج الذي كان في القرن الثالث الهجري ولا ندرس فقه الواقع فليس هناك فقه واقع في المنهاج، أيضا هناك أمور أخرى أن المنهاج لا يخرج الطالب لا يدعوه إلى الإبداع فهو منهاج حفظي يحفظ الطالب ويقدم في الامتحان وفقط فهو مشروع لإمام مسجد، مشروع لداعية، لمدرس تربية إسلامية وفقط.

مشارك4: المناهج هي إما تخاطب المتلقي بطريقة تقليدية جدا أو أنها تعزف عن الطريقة التقليدية بشكل مباشر فالطالب على الأقل في المراحل الأولى بيكون بعيد كل البعد عن المناهج القديمة والمصادر الأصيلة للعلم الشرعي اللي عمال يدرسه فهذا يقد يسبب له فجوة فيما بعد إذا ما أراد الرجوع إلى هذه المصادر في كيفية تعامله معها أو رجوعه لها.

[نهاية الشريط المسجل]

توفيق طه: هذه دكتور كما استمعت إليها كانت آراء نخبة من طلبة كلية الشريعة في دمشق وكما استمعت هناك من يقول إن مناهج المعاهد والكليات الدينية ليس فيها فقه واقع، كلها مناهج تلقينية وليست حوارية، تهدف إلى خلق الوعاظ وليس إلى الاجتهاد، ما رأيك في ذلك؟ وهل ترى أن هناك أوجها أخرى للخلل؟

أحمد عبادي:أولا لا نملك إلا نهنئ أنفسنا على هذا المستوى من الفهم الذي وصل إليه بعض طلبة معاهدنا الشرعية، هذا يذكر بالصدر الأول وبالمنهج الذي كان سائدا في الصدر الأول، سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان مع سيدنا عمر بن الخطاب في مجلس وسأل الخليفة الراشد الثاني أصحابه حول آية من كتاب الله عز وجل فطفق الناس يقولون ورأى أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يتململ يريد أن يقول شيئا فقال له قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك، فشجعه على القول وكان قوله هو ما فهمه هو رضي الله عنه وهناك الرواية التي تتعلق بقول الله عز وجل {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً}[النصر:1، 2] قال نعي لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذاً هذا التشجيع وهذا الحض على الكلام والتعبير عن الرأي عوضه واقع آخر وهو واقع صه وواقع اخرس وواقع أولا تحترم من هم أقدم منك ولا أكبر منك، عوض أن يكون هذا الاستجلاب الذي قد أخذه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وكان يقول لتلميذه مجاهد بن جبر تكلم بحضرتي حتى إذا أخطأت صوبتك تكلم وأنا موجود ولا تكف عن الكلام وتمسك عنه حتى يواريني التراب، فإذاً هذا الواقع الذي هو واقع تشجيع وقدح أزندة العقول لكي تصبح موارة ومحاورة أمر ضروري، الآن الشباب..


توفيق طه (مقاطعا): إذاً دكتور أحمد عبادي بهذه الخلاصة نكون قد شخصنا واقع الحال في المعاهد والكليات الدينية وأوجه الخلل فيها، في القسم الثاني من البرنامج سنحاول الإطلال على محاولات وسبل إحياء وتجديد العلوم الإسلامية. بعد فاصل قصير نعود إليكم مشاهدينا، انتظرونا.

[فاصل إعلاني]

أسباب تراجع علوم الدين وسبل تجديدها


توفيق طه: أهلا بكم من جديد مشاهدينا في هذه الحلقة من الشريعة والحياة، وضيفنا اليوم الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب وموضوعنا هو أزمة العلوم الإسلامية في عصرنا. وصلنا دكتور إلى سبل إحياء علوم الدين أو إصلاح وتجديد هذه العلوم، مشروع إحياء العلوم الإسلامية أو علوم الدين سبق أن حاوله الإمام الغزالي في كتابه الشهير فما هو الإحياء المطلوب اليوم لهذه العلوم في عصرنا؟ وما الذي يعوق تجديد هذه العلوم؟

أحمد عبادي: الإحياء هو استئناف الحوار، هو أن ندخل بهذه العلوم مرة أخرى مستأنفة إلى الوظيفية. هذا الأمر يمكن أن نلخصه من خلال تساؤل ضمني ربما مكتوم بعض الكتمان، لا نطق به كفاية اليوم وهو السؤال الآتي، إذا كان القرآن المجيد كان رب العزة يقول أزلا  {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ..}[الإسراء:9]، حالنا اليوم أوَهي التي هي أقوم أم أن فيها نوعا من التأخر والتخلف عن التي هي أقوم؟ طبعا هناك تخلف لأننا دخلنا إلى زمن القصعة الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم "تتداعى عليكم الأمم كما يتداعى الأكلة على قصعتهم" فنحن فعلا أصبحنا محط استعمار محط استضعاف محط إقناع بالصورة بالقول بالوسائل التفاوضية المختلفة لأن نستهلك لئلا ننتج إلى غير ذلك مما مررنا عبره خلال هذين القرنين الأخيرين وقد بدأت معالم هذا قبل هذين القرنين بأمد، فإذاً حالنا حتما اليوم ليست هي التي هي أقوم. هل الخلل في ما يطبق من هذه العلوم؟ هل الخلل في أن التطبيق غير موجود أو أنه جزئي؟ أم أن الخلل في أن نطبق الذين هم العلماء والعالمات -لأنه الحمد لله عندنا عالمات اليوم-؟ الحاصل أن الخلل يضرب إلى هذه الأمور كلها ولكن في سياق أيضا يدعم هذا الخلل وربما قد يزكيه في كثير من الأحيان أي الواقع الذي يحتوشنا اليوم والذي أصبح العالم فيه يسير بسرعة فائقة نحو متردمات الاستهلاك غير المشروط فإذاً هذا سؤال بالفعل يلخص قضية الوظيفية، فإذاً تجديد وإحياء العلوم الإسلامية هو ردها بطريقة تعتبر الواقع وتعتبر المآل وتستشرفه إلى الوظيفية أي أن تكون وظيفية. لكي تكون هذه العلوم وظيفية لا بد من أن تكون عند أهلها -أي عندها لأنهم الناطقون باسمها- قوة اقتراحية مقنعة أي أنهم ينبغي أن يتموقعوا في لب وبؤبؤ مشاكل العالم يستنطقونها يفككونها ينظرون فيها ويقترحون الحلول انطلاقا من الهدي القرآني الذي هو كتاب الختم المصدق لما بين يديه المهيمن عليه..


توفيق طه (مقاطعا): دكتور أحمد سنحاول أن نعرف أكثر هذه السبل إصلاح العلوم الإسلامية لكن لدينا الآن مداخلة من اسطنبول من الدكتور طه جابر العلواني عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي، تفضل دكتور.

طه جابر العلواني/ عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي: شكرا أستاذ توفيق شكرا لمحدثنا الدكتور عبادي ولاختيار الموضوع. تراثنا النقلي يطلق على مجموعة من المعارف التي دارت حول الخطاب القرآني والخطاب النبوي في محاولة لبيانه لأبناء الأجيال التي جاءت بعد جيل التلقي وهذا التراث أخذ حوالي قرنين أو أكثر بقليل لكي يتطور ويدون ويأخذ الأشكال المقاربة لما هو عليه الآن. وقد وقع هذا التراث بين فريقين مثل كثير من قضايانا، فريق بالغ في تعظيمه حتى أضفى عليه نوعا من القداسة وجعله أمرا لا ينبغي أن يناله نقد أو مراجعة وهذا موقف خاطئ، وفريق آخر آثر تجاهله تقليدا لآخرين وإحداث ما يطلق عليه بالقطيعة المعرفية معه وهذا أيضا موقف شديد الخطأ. ولكن هذا التراث هو في كل الأحوال وهذه المعارف النقلية هي في جميع الأحوال إنتاج بشري خضع لما يخضع له المنتج البشري فهو قد يتجاوزه الزمن وقد يصبح غير قادر على مواجهة تحديات لم تحدث في العصر الذي أنتج فيه أو العصور التي أنتج وتطور ودون فيها. الذي..


توفيق طه (مقاطعا): دكتور طه يعني أنت أضفت إلى التشخيص الذي قدمه الدكتور أحمد العبادي، الآن نريد أن نلمس أفقا للحل، كيف ترى سبل تجديد هذه العلوم والخروج فيها من الأزمة التي شخصتها؟

طه جابر العلواني: هو ضرورة القيام بعمليات مراجعة لهذا التراث النقلي مراجعة شاملة في هداية الخطاب الإلهي من ناحية، والنقطة المهمة التي أشار إليها الدكتور العبادي مراجعة ما أنتجه هذا التراث هذا الواقع الذي نحن فيه والذي يتجاهله كثيرون فلا يربطون بين تردي أوضاع الحاضر والموروث والثقافة المتنزلة من عصور مختلفة. هذا التصور الخاطئ الذي نجم عن عدة عوامل وضغوط لا يتسع المقام للتفصيل فيها يحتاج منا إلى أن نتجاوزه وأن نعلم أن القداسة هي خاصة بالخطاب الإلهي النازل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأما هذه الأفهام البشرية فلا ينكر تغيرها بتغير الأزمان والأحوال وأننا أحوج ما نكون اليوم إلى مراجعة مصادر وينابيع ثقافتنا وتكويننا النفسي والعقلي لأن تكويننا النفسي والعقلي هو المسؤول عن الحالة التي نحن فيها ألا وهي حالة التخلف والانحسار والتراجع و..


توفيق طه (مقاطعا): نعم، دكتور طه جابر العلواني عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي من اسطنبول شكرا جزيلا لك. نعود إليك دكتور أحمد العبادي، إذاً مراجعة شاملة كما قال الدكتور طه للتراث النقلي، أنت كنت قد تحدثت عن التفكر في الواقع وقضايا الواقع من أجل إيجاد الحلول، هناك من يصب جهده على أن التجديد يجب أن يكون في علم الفقه، ما هي الأولويات؟ من أين يجب أن نبدأ؟

أحمد عبادي: الفقه الأكبر هو الأولوية أي هذه التصورات، أبو حنيفة رضي الله عنه أول ما أشار إليه في هذه الجوانب هو أهمية التصورات الكامنة و(الباراديغمات) والأنساق الكامنة في أفكار هؤلاء العلماء وجد أن تنحت بحيث تكون خارطتهم التمثلية عن ذواتهم عن الكون عن خالقية الخالق سبحانه وتعالى ومخلوقية الخلق إلى غير ذلك، هذا هو الفقه الأكبر، ولذلك علماؤنا في مذهبنا المالكي مثلا من أمثال ابن أبي زيد القيرواني صدّر كتابه في الفقه الذي سماه "الرسالة" بباب في الاعتقاد وكذا عند علمائنا من مختلف المذاهب بل من مختلف الفرق. لكن من أجل أن نقوم بهذا الوصل مع الواقع حتى تبدأ هذه الوظيفية لا بد أن تكون هناك استيعابية، العالم الذي لم يستوعب هذه المجالات التي يريد أن يجدد فيها، وقد سبق إلى القول إن التجديد لا يكون إلا بعد قتل القديم بحثا، هذه الاستيعابية هي التي تعطي هذه الفحولة التي يتكلم عنها علماؤنا والتي تؤدي إلى التساؤلية وإلى الحوارية، أن ننظر إلى أين هو الخلل وأن نتجاوزه. أحمد عرفان شهيد من علماء الهند قبل قرنين من الزمن جاء فوجد أبناء بلده لا يحجون فلم يستسلم كما استسلم العلماء الذين قبله، تساءل فوجد أن هناك فُتية كانت أن طاعونا كان قد أصاب أرض الهند ومنعهم علماؤهم من أن يحجوا حتى لا يذهبوا بالعدوى إلى سائر المسلمين عن طريق مخالطتهم في الحج، فشكل ركبا للحج وأحدث القطيعة مع ما استمر مائة سنة، لكن هذا لم يكن ليتأتى لولا الاستيعابية ولولا هذه التساؤلية التي تنظر في أسباب هذا الواقع وتنظر أيضا في وسائل تجاوزه..


توفيق طه (مقاطعا): للعلماء الدور الأكبر في تحفيز هذا التجديد، الجامعات اليوم دكتور أحمد العبادي هناك من يرى أنها متخلفة ليس عن الجامعات في العالم الغربي فحسب وإنما حتى عن الجامعات الإسلامية في عصور الانحطاط كما كانت تسمى، لماذا؟ وكيف دواء ذلك؟

أحمد عبادي: نعم هناك ثلاث قضايا بعجالة، القضية الأولى الغايات والمقاصد من تدريس هذه العلوم، هل هذه العلوم تدرس من أجل أن نحافظ على هويتنا وأن نحافظ على أنفسنا أم هي من أجل تحصيل السعادتين من أجل تحصيل المصالح للعباد ودرء المفاسد عنهم؟ هذا الـ paradigm هذا النسق المعرفي التمثلي له أهميته، أولا. ثانيا، المناهج التي بها سوف تدرس هذه العلوم بعد الفراغ من هذه القضية التصورية الخطيرة والعامة، هل السلطة تكون فيها..


توفيق طه (مقاطعا): لو تركز أكثر دكتور أحمد يعني لو نستوضح أكثر هذه النقطة، لماذا يكون طلب الحقيقة العلمية في الجامعات أساسا للحقيقة ذاتها؟ لأن هذه الحقيقة تقوم بوظيفة العمران، أشرت إلى ذلك ولكن لو توضح ذلك أكثر.

أحمد عبادي: القضية الخطيرة في هذا الباب الذي تفضلت بالإشارة إليه للسبب الآتي، وهو أن ممن يشتغل بعلوم الشريعة وبالعلوم الدينية من ينظر إلى هذه الشريعة أصلا باعتبارها نسيجا ابتلائيا واختباريا ومن أجل أن يصل الإنسان فرضا واجتماعا إلى الخلاص وجب أن يحاول النجاة من هذه الابتلاءات والنجاح فيها فإذاً هذه نظرة وتكون ثمراتها متجلية في مناهج العلوم وطرائق تدريسها والأشخاص الذين نخرجهم، لكن حين ننظر إلى هذه العلوم باعتبارها مصدرا للسعادتين كما قال الراغب الأصفهاني في كتابه الجميل "تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين" و "مفتاح دار السعادة" لابن القيم رحمه الله وآخرون سوف نشتغل بعقلية أخرى وبنفس آخر مما سوف يكون له تأثير مباشر على المناهج أي أن مناهج التدريس سوف تعمل من أجل تحقيق هذا المقصد الكلي الذي هو تحصيل السعادتين في العاجل والآجل. ثانيا الإنسان الذي يشتغل بهذه العلوم ما الذي يحمله من تمثلات وتصورات؟ ما هي فرديته؟ هل وصلنا إلى وجدانه؟ هل حاولنا أن ننير هذا الوجدان بالتزكية؟ وهذا هو الذي يستجمع علم يسمى علم التصوف لكنه أصبح الآن مهملا بين إفراط أو تفريط. القضية الثالثة..


توفيق طه (مقاطعا): دكتور أحمد العبادي للأسف الموضوع يحتاج إلى الكثير من الحلقات ربما لاستيفائه، أدركنا الوقت. شكرا لك دكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب.

أحمد عبادي: بارك الله فيك.


توفيق طه: وإلى أن نلتقي مشاهدينا الأسبوع المقبل إن شاء الله لكم تحيات فريق البرنامج المعد الدكتور معتز الخطيب، المخرج منصور الطلافيح وهذا توفيق طه يستودعكم الله، إلى اللقاء.