صورة عامة - الشريعة والحياة - 23/03/2008
الشريعة والحياة

حق الكرامة

يستضيف البرنامج العلامة يوسف القرضاوي ليحدثنا عن حق الكرامة للإنسان حيث قال تعالى “ولقد كرَّمنا بني آدم”. ماذا يعني تكريم الله لبني البشر؟

– معنى تكريم الإنسان وموضوعه
– مظاهر تكريم الإنسان
– مفسدات تكريم الله للإنسان
– مسائل معاصرة في تكريم الإنسان

عثمان عثمان
عثمان عثمان
 يوسف القرضاوي
 يوسف القرضاوي

عثمان عثمان: السلام عليكم مشاهدينا الكرام ورحمة الله وبركاته. أحييكم وأرحب بكم إلى حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة، والتي تأتيكم على الهواء مباشرة من الدوحة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزير {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا..}[الإسراء:70] إن شعور الإنسان بكرامته ومزاياه على غيره من المخلوقات أمر شديد الأهمية لأنه لا بد أن ينعكس في سلوكه ونمط حياته في الوسائل والغايات في وظيفة الحياة وشكلها وكيفية التعامل مع المحيط الذي يعيش فيه، في صيانة القيم والأهداف العليا. ولكون حق الكرامة يكاد يخفت الشعور به في زمن القهر بأنواعه، كان لا بد من إيقاظ الشعور به من جديد وتوسيع المعرفة به وبتطبيقاته. ولهذا مشاهدينا الكرام سنعالج في هذه الحلقة في الشريعة والحياة التساؤلات التالية: ماذا يعني تكريم الله لبني البشر؟ وما تطبيقات ذلك التكريم في حياة المسلم؟ وكيف يصون الإنسان كرامته في زمن القهر والاستبداد؟ إذاً حق الكرامة موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، مرحبا بكم سيدي.


يوسف القرضاوي: مرحبا بك أخ عثمان.


عثمان عثمان: بداية ولقد كرمنا بني آدم ماذا يعني ذلك؟ وهل هو للجسد؟


يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد، قبل أن أجيب عن سؤالك لا بد أن أقول كلمة في الاتفاق الذي حدث بين فتح وحماس على يد الدولة اليمنية جزاها الله خيرا، فقد فرحنا بهذا الاتفاق ونفرح بكل اتفاق بين أي فئتين من العرب أو من المسلمين لأن الاتفاق لا يكون إلا خيرا والاختلاف والتفرق لا يثمر إلا شرا، ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا…}[آل عمران:103] وإذا كان كل العالم محتاج إلى التوحد والاستماع فإن أولى الناس بذلك هم الفلسطينيون لما يعانون في كل يوم من مصائب وبلايا واجتياحات واغتيالات تقوم بها إسرائيل المعتدية دائما، ولهذا يسر كل مؤمن إذا وضع الأخ يده في يد أخيه محاولا أن يقترب منه ومحاولا أن يزيل الجفوة ويردم الفجوة ما بين الفريقين، نحن فرحنا بهذا الأمر ونشكر لدولة اليمن وجمهورية اليمن ورئيس جمهورية اليمن الرئيس علي عبد الله صالح الذين قاموا بهذا الجهد الطيب، نرجو أن لا يكون هذا الجهد حبرا على ورق أو أن يستمر أياما أو أسابيع ثم أن تنطفئ الشمعة ويعود الأمر كما كان، حرام والله هذا على من يفعل ذلك الشعب الفلسطيني عامة والشعب الغزاوي خاصة جدير أن يتنازل كل فريق من أجله، ويقف الجميع صفا واحدا وجبهة واحدة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، لا نملك إلا التهنئة وإلا الدعاء أن يزيل الله نزغات الشيطان من بين الفريقين وأن يوفق الجميع ليفهموا ما يمليه عليهم الواجب في هذه الظروف الصعبة نسأل الله أن يسدد الخطى وينير الطريق، اللهم آمين. بقى سؤالك أخ عثمان.

معنى تكريم الإنسان وموضوعه


عثمان عثمان: الله تعالى كرم الإنسان، وما معنى هذا التكريم وهل هو للجسد؟


يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم الجسد والروح الإنسان هو روح وجسد والتكريم للإنسان من حيث هو إنسان الله تعالى يقول {ولقد كرمنا بني آدم ..}[الإسراء:70] أي كرمنا الإنسان، الإنسان من حيث إنسانيته بغض النظر عن شكله أو لونه أو لون عينيه أو شعره أو غير ذلك، الإنسان الأبيض والإنسان الأسود، الإنسان من حيث هو إنسان. والأصل في الإنسان أن الإنسان روح قبل أن يكون جسدا ولكن الجسد داخل لأن الله تعالى يقول {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم..}[التين:4] {..وصوركم فأحسن صوركم..}[غافر:64] {الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك..}[الإنفطار:8،7] فحتى جسد الإنسان داخل في هذا التكريم الإلهي للإنسان من حيث هو إنسان.


عثمان عثمان: ولكن البعض فضيلة الدكتور يرى أن هذا التكريم إنما هو تكريم لهذا الإنسان من حيث الإيمان وبالتالي يخرج من دائرة هذا التكريم غير المؤمنين؟


يوسف القرضاوي: لا هذا غلط هناك تكريم للإنسان من حيث هو إنسان، وتكريم للإنسان من حيث هو مؤمن، تكريم الله للإنسان من حيث هو إنسان إن الله سبحانه وتعالى استخلف هذا الإنسان في الأرض {إني جاعل في الأرض خليفة..}[البقرة:30] {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها..}[هود:61] وسخر هذا الكون بكل ما فيه في علويه وسفليه في سماواته وأرضه سخرة للإنسان {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ..}[لقمان:20] كل ما في هذه الأرض {الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه..}[إبراهيم:34،33،32] فشوف كلمة "لكم" تكررت خمس مرات في هذا السياق ضمن أن هذا الكون مسخر للإنسان من حيث هو إنسان..


عثمان عثمان(مقاطعا): مؤمنه وكافره؟


يوسف القرضاوي: مؤمنه وكافره، الإنسان من حيث هو إنسان ميزه الله بأنه أعطاه العقل وأعطاه الإرادة ونفخ فيه من روحه يعني لما نشوف خلق آدم، بماذا تميز آدم؟ لماذا سجدت الملائكة لآدم؟ بهذا العنصر الروحي {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين..}[الحجر:29] هذا الإنسان من حيث هو إنسان، فربنا أعطاه العقل وأعطاه الإرادة وأعطاه المواهب المختلفة وبعث له الرسل وأنزل عليه الكتب، كل هذا من مظاهر تكريم الله تعالى للإنسان، فإذا آمن الإنسان اكتسب مكرمة جديدة، الإيمان يعطيه عزة المؤمن {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين..}[المنافقون:8] اللي هي الكرامة الإنسانية، في كرامة الإيمان في كرامة المؤمنين {إن الله يدافع عن الذين آمنوا..}[الحج:38] إن الله مع الذين آمنوا إن الله يحب المؤمنين، هذه يعني إضافة جديدة تضاف إلى التكريم الإنساني.


عثمان عثمان: ولكن فضيلة الدكتور كيف نفهم قول الله تعالى {ولقد كرمنا بني آدم..} [الإسراء:70] وقوله عز وجل {إنما المشركون نجس..}[التوبة:28]؟


يوسف القرضاوي: الإنسان ربنا أعطاه الكرامة وأعطاه الفطرة السليمة، كل مولود يولد على الفطرة، ولكن الإنسان ممكن أن ينزل بكرامته إلى أسفل سافلين، هو لأن من خصائص الإنسان أيضا أن ربنا جعل مصيره بيديه، يعني الإنسان هو اللي يصنع مصيره هو اللي يقدر يروح الجنة وهو اللي يقدر يروح النار {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها..}[فصلت:46]{إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها..}[الإسراء:7]{فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها..}[يونس:108]  أنت إذاً مستقبلك بإيديك أنت اللي تقدر تروح الجنة وأنت اللي تقدر تروح النار الطريق مفتوح أمامك، ففي واحد ممكن يرتقي لأن من خصائص الإنسان إيه؟ ربنا خلق المخلوقات ثلاثة أنواع في نوع مفطور على طاعة الله تعالى وعبادته ليس عنده غرائز و لا شهوات ولا شيطان يضله ولا أي شيء من هذا الملائكة هؤلاء {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون..}[التحريم:6] مخلوقات نورانية روحانية مافيش فيها شرور، ومخلوق آخر يعيش للغريزة فقط ليس عنده عقل يقول لك كم عقول لا شهوة لها ودي شهوات عقول لها، وبعدين الإنسان اللي هو الخلقي المزدوج اللي فيه جزء من الملائكة وجزء من البهمية فيه من طين الأرض ومن روحانية السماء فيه صلصال من حمأ مسنون، {..ونفخت فيه من روحي..}[الحجر:39]، فالإنسان عنده قابلية لأن يكون نجسا ينجس نفسه بالوثنية وكذا وأن يرتفع إلى أفق الملائكة وأن ينزل إلى حضيض الأنعام، ولذلك القرآن يقول عن أناس {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون..}[الأعراف:179] فالإنسان قادر يرفع نفسه إلى أفق الملائكة أو ينزل إلى حضيض البهائم.


عثمان عثمان: إذاً موضوع النجس هو يتعلق بما بحمل الإنسان من أفكار وعقائد ..


يوسف القرضاوي(مقاطعا): وسلوكيات وأخلاق.


عثمان عثمان: في آية أخرى فضيلة الدكتور يشبه الله تعالى غير المؤمنين بأنهم كالأنعام بل هم أضل، كيف نفهم هذا في إطار تكريم الإنسان؟


يوسف القرضاوي: ما أنا قلت لك عطلوا المنافذ الإلهية التي أعطاها الله للإنسان ليطل على هذا الكون ويعد }لهم قلوب لا يفقهون بها..}[الأعراف:179] عقول ولكن لا يستخدمها لا يفهم بها الكون وأسراره ولا يفهم بها الحق {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها..}[الأعراف:179] هذه لأن الإنسان ممكن يعرف الكون بهذه النوافذ {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا..}[الإسراء:36] بماذا نعرف؟ بهذه الأدوات {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون..}[النحل:78] فالذي بيعطل السمع والأبصار بيعطل كل نوافذه إلى هذا الكون ولذلك اعتبر كالأنعام بل أضل سبيلا من الأنعام، لماذا كمان أضل سبيلا من الأنعام؟ لأن الأنعام لم تؤت ما أوتي الإنسان ما أوتيت العقل والإرادة ولا المواهب الروحية ولم ينزل عليها كتاب ولم يبعث لها رسول فهي معذورة، ثم من ناحية أخرى هي تؤدي مهمتها، هل رأيت بقرة تمردت على أن تحلب؟ هل رأيت حمارا تمرد على أن يركب؟ الأنعام بتؤدي مهمتها، الإنسان خلق ليعبد الله ويعرفه ويقوم بخلافته في الأرض ولم يقم، إنما الأنعام قامت به فلذلك كان أضل من الأنعام سبيلا.

مظاهر تكريم الإنسان


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني تحدث المفسرون كما ذكرتم منذ قليل عن تكريم الله للإنسان من حيث أنه نفخة من روح الله من حيث سجود الملائكة له من حيث المهمة التي أنيطت به وهي مهمة الخلافة في الأرض، هل ترون من مظاهر جديدة لتكريم الإنسان في واقعنا المعاصر؟


يوسف القرضاوي: ذكرت من هذه المظاهر يعني استخلاف الإنسان وتسخير الكون لهذا الإنسان وتمييز الإنسان بالعنصر الروحي وفي الإسلام الاعتراف بالكيان الإنساني كله، يعني بعض الأديان تعترف بالروح ولا تعترف بالجسد البعض يعترف بالعقل ولا يعترف بالروح الإسلام يعترف بالإنسان الكيان الإنساني روحا وجسدا وعقلا وعاطفة هذا هو الإنسان كله وهذا من مظاهر التكريم لهذا المخلوق.


عثمان عثمان : ذكرتم أيضا فضيلة الدكتور أن من مظاهر تكريم الله لهذا الإنسان هو هذا العقل الذي ميزه عن المخلوقات، كيف تكون رعاية هذا العقل هنا في ظل سجال تاريخي كبير وفي ظل تعطيل كثير من المسلمين لهذا العقل؟


يوسف القرضاوي: المسلمون الحقيقيون والعلماء الراسخون لا يقيمون معركة بين العقل والنقل أو العقل والسمع أو العقل والوحي، الإنسان يعرف الله أعظم حقيقتين في الدين بماذا عرفهما الإنسان المسلم؟ عرفهما بالعقل، أعظم حقيقتين وجود الله وثبوت النبوة. بماذا عرفنا الله؟ لو واحد بيجادل واحد مادي أو ملحد بيقول له عرفني مش حيقول له قال لله تعالى إذا كنت أنا ما بآمنش بأن الله تقول لي قال الله، لازم بالعقل تخاطبه بالعقل ولذلك القرآن مليء بالأدلة العقلية {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض..}[الطور:35،34] {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا..}[الأنبياء:22] فالإسلام يهتم بالعقل وتثبت الألوهية بالعقل والنبوة بالعقل، بماذا عرفنا أن فلان ده نبي؟ أنه موسى نبي عرفناه بالمعجزة وعيسى، محمد المعجزة الكبرى القرآن الكريم بالعقل عرفنا هذا، فالعقل هو الذي يعرفنا أن هذا رسول من عند الله، لأن النبي بمثابة سفير من الله يجي يقدم أوراق اعتماده للناس، أنا باتكلم باسم الألوهية فنقول له هات أوراق اعتمادك ما دليلك؟ يقيم لنا الآية أو المعجزة التي تدل على صدقه، هذا كله يعرف بالعقل إذاً نحن عندنا العقل أساس النقل يعني لولا العقل ما ثبتت النبوة فلم يثبت الدين فالدين أساسه العقل. بعدين مين الذي يفهم نصوص الدين؟ كتاب أنزله الله أنزله {لعلكم تعقلون..}[البقرة:73]{..وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون..}[العنكبوت:43] أهل العلم، فالعقل في الإسلام له أهمية كبرى والذين عطلوا العقل من المسلمين هؤلاء لم يفهموا هذا الدين العظيم لأن الدين الذي جاء يباهي بالعقل ويبارك العقل ويجند العقل في معرفة الحقيقة وفي تسخير الكون وفي تقوية المسلمين ليكونوا هم الأمة السيدة في الأرض هو كل ده في استخدام العقل كما استخدمه أسلافنا أيام ازدهار الإسلام وازدهار الحضارة الإسلامية.


عثمان عثمان: من مظاهر التكريم أيضا فضيلة الدكتور تحرير العقل من الإيمان بالخرافات والأوهام، كيف يتجلى ذلك؟


"
العقلية الموحدة والمؤمنة ترفض أي شيء يقال لها إلا ببرهان ودليل
"

يوسف القرضاوي: من نظر إلى ما جاء به الإسلام يجد أن أعظم ما جاء به الإسلام وما جاء به القرآن أنه كوّن العقلية العلمية مش العقلية العامية التي تصدق كل ما يقال لها أو العقلية الخرافية الي تؤمن بالخزعبلات، العقلية الوثنية عادة تؤمن بكل الضلالات وبالأوهام وبالكهانات وما يقوله الكاهن إنما العقلية الموحدة العقلية المؤمنة العقلية المسلمة ترفض أي شيء يقال لها إلا ببرهان ودليل يعني {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين..}[البقرة:111] الكتاب الوحيد الذي يقول لأتباعه هاتوا برهانكم ويقول للمشركين هاتوا برهانكم ويقول لليهود والنصارى هاتوا برهانكم {نبئوني بعلم إن كنتم صادقين..}[الأنعام:143] }قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا..}[الأنعام:148] فكل شيء فيه البرهان العقلي في الأمور العقلية والبرهان الحسي في الأمور الحسية والبرهان التاريخي في الأمور النقلية {ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين..}[الأحقاف:4] فهذا ما جاء به القرآن وما جاء به الإسلام.


عثمان عثمان: كما أن للتكريم مظاهر وصور، فإن كذلك أيضا للتكريم كثير من المفسدات وصور لهذه المفسدات. ما هي مفسدات تكريم الله عز وجل للإنسان؟ أسمع منكم الإجابة إن شاء الله تعالى بعد فاصل قصير. فاصل قصير مشاهدينا الكرم ثم نعود وإياكم لمتابعة هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة، فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

مفسدات تكريم الله للإنسان


عثمان عثمان: أهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي التي نتحدث فيها عن حق الكرامة، سيدي كنت سألت قبل الفاصل عن مفسدات تكريم الله للإنسان؟


يوسف القرضاوي: هناك مفسدات كثيرة، أول هذه المفسدات أن يقبل الإنسان على نفسه الذلة والهوان، الله كرّمه هو يقبل أن يكون مهانا وذليلا ولم يكلفه الله هذا، ربنا يقول له إذا هنت في بلد هانت كرامتك فاترك هذا البلد {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها..}[النساء:97] فالله سبحانه وتعالى يرفض من الإنسان أن يقبل الهوان ولا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه هذا ما يحرمه الإسلام. والشعراء العرب من قديم يقول

سأكرم نفسي إنني إن أهنتها

لعمرك لم تكرم على أحد بعدي

وأبو الطيب المتنبي يقول

ذل من يغبط الذليل بعيش

رب عيش أخفّ منه الحِمام

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميت إيلام

فأول شيء أن يرفض الإنسان الذل والهوان ويعيش كريما يعيش فقيرا ولا يعيش مهينا أبدا، يعني العرب يقولون تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها يعني بتهين نفسها، يعني الإنسان يقبل الموت ولا يقبل الذل.


عثمان عثمان: وماذا يفعل إذا كانت هناك الحاجة ملحة لكسب المال وكسب الرزق؟


يوسف القرضاوي: هناك ضرورات تقدر بقدرها يعني من واقعية الشريعة الإسلامية أنها ليست شريعة هناك من اضطر إلى شيء يفعله ولكن بقدر الضرورة زي ما يقول لك تأكل الميتة إنما مش تأكل كيلو ميتة لا، يعني يأكل على قدر ما يذهب الهلاك عن نفسه. هناك أيضا من مفسدات التكريم القهر أن يقهر الإنسان أن يظلم ويهان، الله تعالى يقول {فأما اليتيم فلا تقهر..}[الضحى:9] بالذات اليتيم لأنه ضعيف ليس له أب ينصره ولا أحد يسنده، لا تقهره يعني لا تذل شخصيته هذه كناية يعني أن أنه لا يجوز إذلال أي إنسان ضعيف أو قهره، لماذا؟ القرآن حمل على فرعون وهامان وهؤلاء الناس لأنهم طائفة منهم يذبحون أبناءهم ويستحيوا نساءهم، هذا لصيانة كرامة الإنسان هناك ما يسمى في عصرنا الإتجار بالبشر نحن منتاجر بالبشر زي القرآن ما ذكر لنا قال عن سادة الجاهلية {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا..}[النور:33] كان السيد يقول للأمة الجارية اللي عنده عليك تجيبي لي مائة درهم في اليوم، يعني تؤجر نفسها للرجال وتجيب له، فالقرآن يقول لا، وكانت هي لما دخلوا في الإسلام كرهوا هذا لا تحب إلا أن تعيش عفيفة قل {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم..}[النور:33] استخدام النساء استخدام الأطفال استخدام الفقراء استخدام الضعفاء، يقولون في بلاد الهند وفي البلاد الفقيرة الفقراء يأخذوا الكلية كليته ويأخذ الأشياء بثمن بخس ويتركه بدون كليه علشان أنه في واحد مليونير أو ملياردير يحتاج إلى كلية، دي مظاهر الإتجار بالبشر هي من مفسدات تكريم الله للإنسان.


عثمان عثمان: في هذا الموضوع فضيلة الدكتور لدي احصائية لمنظمة العمل الدولية تتحدث عن رصد 27 مليون شخص تتم المتاجرة بهم كسلعة رخيصة معظمهم من النساء والأطفال. نتابع إن شاء الله فضيلة الدكتور بعد أن نأخذ بعض المشاركات من السادة المشاهدين، الأخ عبد الله المؤيد من اليمن، تفضل أخ عبد الله.


عبد الله المؤيد/اليمن: نشكر الضيف الكريم لإتاحة هذه الفرصة، فأنتم تتكلمون والشيخ العزيز يتكلم عن كرامة الإنسان وفعلا إن الله سبحانه وتعالى أكرم الإنسان بحيث يكون أرفع المخلوقات وكل ما خلق في هذه الأرض في محبة هذا الإنسان، لكن إذا كان مؤمنا بالله ونفذ أوامره هناك مصدر لإهانة البشر وخاصة المسلمين في هذا العصر من قبل المفهوم الدجل الأميركي المتمثل في جلب مفهوم الإرهاب إلى أن جعلوه يعني العدوان والظلم والاعتداء وهذا مفهوم مخالف للقرآن الذي يأمرنا سبحانه وتعالى بالإعداد يرهب أعداءه، فلماذا يستخدمون مفهوم الإرهاب بأنه العدوان والقرآن يقول ترهبونا بالإعداد فقط؟ فلماذا تجلب أميركا هذا المفهوم بحيث تجعل أولئك المجرمين الذي يبترون الناس في الشوارع وفي المساجد وفي الكذا بأنهم إرهابيون وهي تقوم..


عثمان عثمان(مقاطعا): سؤالك أخ عبد الله لو سمحت هل لديك سؤال لفضيلة الدكتور؟..


عبد الله المؤيد(متابعا): لا بد من إعلان أن الإرهاب..


عثمان عثمان(مقاطعا): وصلت الفكرة أخ عبد الله المؤيد من اليمن. نأخذ الأخ كمال شكري من ألمانيا، تفضل أخ كمال.


كمال شكري/ ألمانيا: تحية يا أخ عثمان وتحية للدكتور يوسف القرضاوي التحية الخاصة ربنا يدي له الصحة لأني أنا أتعلم منه دائما، الحقيقة ما نريده وما ينقصنا الحقيقة في بلاد الغربة، مربط الفرس بالنسبة لي الكرامة تتعلق بمجال المعيشة هل الإنسان يستطيع أن يأكل؟ هل يستطيع أن يجد رغيف العيش حتى يعيش بكرامة وباحترام؟ يحترمه الناس وهو يحس بأنه إنسان له كرامة أو يشرب ماء طاهرة من مياه النيل العظيم التي لم تنقى حتى الآن ويصاب المريض بمصر بأمراض الكلى.. إلخ..


عثمان عثمان(مقاطعا): هل لديك سؤال أخ كمال؟


كمال شكري: النقطة الثانية بالنسبة لموضوع الكرامة الإنسانية يا أخ عثمان لو سمحت، في يعني طرد المسلم من بلده أو إتاحة ما يراه المسلم من وجهة نظره مكة المكان المعظم..


عثمان عثمان(مقاطعا): أخ كمال الوقت لا يتسع لكثير من الكلام والمداخلات إذا كان لديك أخ كمال سؤال لسماحة العلامة فتفضل به.


كمال شكري: السؤال للدكتور يوسف القرضاوي، كرامة الأمة في وجهة نظري أجدها في القدس وفي حماية المسجد الأقصى المبارك..


عثمان عثمان(مقاطعا): شكرا لك أخ كمال شكري من ألمانيا، أحمد تيطراوي من الجزائر.


أحمد تيطراوي/ الجزائر: السلام عليكم أخي عثمان.


عثمان عثمان: وعليكم السلام


أحمد تيطراوي: تحية لدكتورنا الفاضل أطال الله في عمره الدكتور يوسف القرضاوي، والله أخي عثمان سؤالين بسيطين لا أريد الإطالة عليكم أخي عثمان، السؤال الأول أقول لفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي الفرق بين الإنسان وبقية المخلوقات هو العقل، هل هذا ما تعنيه الآية القرآنية الكريمة {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض..}[الأحزاب:72] هي حرية العقل والتفكير؟ سؤالي الثاني ولا أطيل على فضيلة الدكتور وأخي عثمان هل المعتزلة لما كانوا يعبدون العقل ويدافعون عن الإسلام ويعبدون العقل هل هناك تناقض بينهم وبين أهل السنة؟ وعندما دخل الأشاعرة وقالوا إن للعقل نصيب وإن للإيمان نصيب هل هذا يعقل يا فضيلة الدكتور..


عثمان عثمان(مقاطعا): شكرا لك أخ أحمد تيطراوي من الجزائر، فضيلة الدكتور يعني هل لكم من تعليق على هذه الأسئلة؟


يوسف القرضاوي: أولا أحب أن أقول للأخوة الذين يقولون كرامة الإنسان بإيمانه أنا قلت في الأول هناك كرامة إنسانية، الإنسان يكرم من حيث إنسانيته وفي هذا حديث صحيح رواه البخاري ومسلم حديث متفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم مروا عليه بجنازة إنسان يهودي ميت يهودي فقام واقفا لما مرت الجنازة قام، فقالوا يا رسول الله إنها جنازة يهودي يعني ليس هذا مسلما فقال لهم عليه الصلاة والسلام أوليست نفسا؟ هو يهودي إنما مش نفس إنسانية؟ فمعنى هذا أن النفس الإنسانية من حيث هي تستحق التكريم وأن يقوم محمد صلى الله عليه وسلم واقفا. الأمر الثاني الأخ كمال شكري ذكر إيه؟


عثمان عثمان: الكرامة في مقابل المعيشة.


يوسف القرضاوي: الإنسان لا بد أن .. نحن هذا تحدثنا عنه في حلقات سابقة أن دي الحلقة دي تكلمنا عن حق الكفاية من العيش وحق البتاع وتكلمنا عن حق الحياة وتكلمنا وذكرنا سيدنا أبو ذر حينما قال "عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه" وأن من حق كل إنسان أن يوفر له تمام الكفاية من المأكل والمشرب والملبس والمسكن والدواء والتعليم.. إلخ، لا هو لمن يعوله يعني على ما يليق بحاله كما قال الإمام النووي من غير إسراف ولا تقتير، فهذا أمر قررناه.


عثمان عثمان(مقاطعا): وفي الحلقة (القادمة) كان هناك حديث مكثف حول هذه القضية وهذه المسألة بالذات. لدينا سؤال.


يوسف القرضاوي(مقاطعا): بقي الأخ..


عثمان عثمان(مقاطعا): الأخ هذا أيضا تحدثتم به عن أن العقل هو الذي يكون فرقا بين الإنسان والحيوان وغيره من المخلوقات.


يوسف القرضاوي: الأخ بيتكلم عن المعتزلة، المعتزلة وأهل السنة كل منهم يؤمن بالعقل ويؤمن بالوحي يعني بعض الناس يقول يا أخي المعتزلة يعبدون العقل لا المعتزلة يعبدون الله ويسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد وهم يعبدون الله ويقولون بحاكمية الشرع، يعني كلمة الحاكمية التي تنسب في عصرنا إلى الأستاذ المولودي والأستاذ سيد قطب، هي كلمة من عند الأصوليين أن الحاكم هو الله، وقال علماؤنا إن هذا أمر متفق عليه بين أهل السنة وبين المعتزلة، ولذلك كتب الأصول تكاد تكون متقاربة جدا ما ذكره الأصوليون المعتزلة كالأصوليين الأشاعرة كالأصوليين الأحناف وهكذا، يعني فليس هناك فرق كبير. وعلماء الأشاعرة هم الذين قالوا العقل أساس النقل هذا ما قاله إمام الحرمين وما قاله القاضي الباقلاني وما قاله الغزالي وما قاله الرازي كل هؤلاء يؤمنون بأن العقل أساس النقل.

مسائل معاصرة في تكريم الإنسان


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني لدينا سؤال على النت، تكريم الإنسان أمر بديهي، ولكن السؤال كيف نستعيد تلك الكرامة المنزوعة؟


يوسف القرضاوي: يعني نحن الأصل أن نكون أناس كرماء ولكن للأسف هناك من جاء وأذلنا في ديارنا وفرض علينا ما لا نريد كما فعل الاستعمار وكما يفعل الآن وكما تفرض علينا إسرائيل وكما يفرض علينا الأميركان كما ذكر الأخ الذي ذكر، هذا للأسف كما يقول إننا هنّا على أنفسنا أولا فهنّا على غيرنا

لعمرك إني لو لم أكرم نفسي

لم تكرم على أحد بعدي

فلا عجب أن نرى هؤلاء، ولكي نسترد هؤلاء لا بد أن نعود إلى جذورنا لا بد أن نعود مسلمين حقا مسلمين ليس بالشعارات ومسلمين ليس بالكلام ومسلمين ليس بالدعاوى، الدعاوى كثيرة ولكن المهم بالتخلق والعمل والعلم والعقل أن نكون مسلمين كما كان أسلافنا رضي الله عنهم كانوا علماء عالمين جمعوا بين الدنيا والدين، الدنيا عندهم لا تنفصل عن الدين، جاء عن عدد من الصحابة "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" وهذا ما يحقق قول الله تعالى {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة..}[البقرة:201].


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور، هناك من يلجأ إلى تقبيح الوجه وإلى ضربه وإلى اللعن في بعض الأوقات والبعض يتذرع بحجة التأديب، هل يتعارض ذلك مع التكريم؟


يوسف القرضاوي: الإسلام يحافظ على شخصية الإنسان، حتى الضرب لو اضطر الإنسان أن يضرب يقول له لا تضرب الوجه ولا تضرب في مقتل ولا تضرب حتى في الحدود يحافظ على كرامة الإنسان، لا يجوز مس الإنسان يما يؤذيه يجب على الإنسان حتى في الكلام لا يجوز أن يُسخر من الإنسان {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب..}[الحجرات:11] {ويل لكل همزة لمزة..}[الهمزة:1] ماتكلمش واحد بلقب يكرهه ولا تتحدث عنه في غيبته بما يكره نسميها الغيبة، الغيبة تقول على الشخص ده قصير كده هو صغير صحيح إنما يكره منك أن تقول هذا، هذا أسود هو أسود إنما ليه تؤذيه بهذه الكلمة لا يجوز أن تتحدث عنه في غيبته بما يؤذيه ولا في حضرته وهذا يعني مبالغة في الحفاظ على كرامة الإنسان، حتى الإنسان الميت النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تذكروا موتاكم إلا بخير" شاع عند المسلمين "اذكروا محاسن موتاكم" يعني وحتى جسمه كسر عظم الميت ككسر عظم الحي يحافظ على جسمه يحافظ عليه من كل شيء ولذلك الدفن الناس يقولون لك كرامة الميت دفنه يعني تواريه في التراب، يعني مش بس الإسلام جاء بالدفن قبل الدفن لازم من التغسيل والتكفين بحيث يذهب طاهرا ويصلى عليه ويدعو الناس له، كل ده من مظاهر تكريم الإنسان.


عثمان عثمان: لدينا أيضا سؤال جاءنا عبر النت لخصته فضيلة الدكتور أن تكريم الله للإنسان مرتبط بالتزامه بطاعة ربه فإذا ما ابتعد عن الطاعة فقد أذل نفسه، هل هذا صحيح؟


يوسف القرضاوي: هذا صحيح نحن قلنا هذا والإنسان هو اللي بيصنع نفسه، الإنسان عنده منهج إلهي المنهج الإلهي الذي جاء به الأنبياء كان مهمته الحفاظ على كرامة الإنسان على سمعة الإنسان على كل ما يصون الإنسان، النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع قال "إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم" ما معنى أعراضكم؟ كلمة الأعراض الناس بتظنها أنها تتعلق بالناحية الجنسية إنما العرض هو موضع المدح والذم من الإنسان يعني بتعبيرنا السمعة والكرامة هذه معنى أعراضكم، "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" لماذا جاء في الإسلام في الحدود حد القذف؟ أنه لما واحد قذف إمرأة أو رجل والأصل في القذف إنما لو قال الرجل، ويجلد ثمانين جلدة {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم..}[النور:19] ليحفظ كرامات الناس وسمعة الناس فهذا ما جاء به الإسلام.


عثمان عثمان: لدي أيضا سؤال من الأخ عبد الله عبر النت، يقول تاريخيا كان للوقف دور كبير في استقلالية موارد العلماء وطلبة العلم وسد حاجات ذوي الحاجة وغير ذلك مما كان يغني عن الحاجة إلى السلطان أو أصحاب المال، هل بالإمكان الآن إستعادة استقلالية موارد الرزق لهؤلاء حتى نتجنب عبودية الوظائف ولقمة العيش ونصون الكرامة؟


"
يجب على الدولة أن تحافظ على كرامة الإنسان وتقاتل من أجلها لأن الإسلام شرع القتال لحماية المستضعفين
"

يوسف القرضاوي: والله يمكن يعني، ولكن يحتاج إلى جهد ووقت حتى تعود الأوقاف إلى ما كانت عليه الأوقاف في ذلك الزمن، كانت شيئا كثيرا جدا وكانوا الناس قليلين، الآن الناس تكاثروا يعني عشرات الملايين في بعض الأقطار وكذا وبعدين لنفرض أن الدولة هي التي تعطي للإنسان راتبه، لماذا تذل الدولة الإنسان؟ المفروض الدولة نفسها تحافظ على كرامة الإنسان المفروض الدولة تقاتل عن كرامة الإنسان، الإسلام شرع القتال لحماية المستضعفين قال {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان..}[النساء:75] هؤلاء المستضعفين هم تهان كرامتهم، الإسلام قال قاتلوا من أجل هؤلاء في سبيل الله والمستضعفين، لماذا نعتبر الدولة علشان تشغل العالم أو تدي له راتب تذله؟ هذا لا يجوز نتمنى لو عادت الأوقاف وعاد العلماء يأخذون رواتبهم من الأوقاف وهم الذين يسيرون هذه الأوقاف ولا يحتاجون إلى أن يمدوا يدهم للدولة، كم نتمنى أن يحدث ذلك.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور هناك في الطب ما يسمى بالقتل الرحيم هل يتعارض هذا مع تكريم الإنسان أيضا؟


يوسف القرضاوي: لا القتل الرحيم هذا طبعا مرفوض عندنا نحن المسلمين لأننا نحن نعتقد أن الروح هذه الله هو الذي خلق الروح وهو الذي خلق الحياة وليس من شأن أحد أن يعجل بموت إنسان، ولذلك إذا كان القتل بعمل إيجابي يعني يدي له إبرة أو مثلا علشان تعجل بموته علشان يخفف من آلامه هذا لا يجوز ونحن متفقين فيها حتى مع المسيحيين..


عثمان عثمان(مقاطعا): القتل قتل يعني سواء كان رحيما أو غير رحيم.


يوسف القرضاوي: إنما إذا كان مثلا لو شلنا عنه أجهزة الإنعاش يموت بعد فترة قليلة، لماذا نبقيها؟ هو شبه ميت، أحيانا يكون ميت دماغيا كما يقول الأطباء يعني جذع الدماغ هلك وخلاص بدأ في التلف وأحيانا لو ترك وهذه الأجهزة رفعت عنه يموت بعد قليل، وأنا بعض الناس هنا في قطر استفتوني في شيء من هذا قلت لهم لا حرج أن ترفعوا الأجهزة فبعد قليل.. وكان يعني بعض هؤلاء ظلوا سنين وهم موجودون في المستشفى ويتنقل على السرير ينقلوه علشان قرحة الفراش وأهله.. وهو ميت حقيقة في غيبوبة لا يعرف أحدا. فهذا القتل الرحيم يعني غير جائز إذا كان بطريقة إيجابية يعني بعمل، إنما بطريقة سلبية إننا نرفع عنه مثل هذه الأجهزة أو ندي له أدوية علشان تقاوم كذا نترك هذه الأشياء ما ندي له دواء لأن التداوي في نظر علماء الإسلام يدخل في باب المباحات فلو تركنا هذا المباح وخصوصا من لا يؤمل قط أنه يشفى، يعني المفروض أن الواحد يدي الدواء لما واحد فيه أمل ولو قليل جدا في أن يشفى إنما مستحيل أن يشفى ولو بقي سنين، إذاً لماذا نعذبه ونعذب أهله ونحجز سرير وفي ناس محتاجينه؟ لا معنى لهذا.


عثمان عثمان: تحدثتم أيضا موضوع نقل الكلى أو بيع الكلى من فقير إلى غني ولكن من حيث الأصل هل نقل الأعضاء من إنسان لآخر هل يتعارض ذلك مع تكريم الإنسان أيضا؟


يوسف القرضاوي: لا إذا تبرع بعضو من أعضائه لإنسان فهذا لا يتعارض مع التكريم بالعكس هذا واحد يؤثر أخاه على نفسه أو يؤثر ابنه ممكن إيه واحد بيدي لابنه أو واحد بيعطي لأبيه أو أخت لأختها بس دي كلها لها شروط لأنه لا يجوز لواحد أن يتبرع بكليته والكلية الأخرى ليست سليمة تماما يعني هو محتمل تصاب بعد سنة بعد سنتين فلابد أن يكشف عليه ويقرر الأطباء أنه صالح لأن يتبرع، وأن يكون متبرعا مش بائعا لأن الإنسان ليس سلعة وأعضاء الإنسان ليست سلعة تباع وتشترى إنما واحد لو تبرع لواحد وأعطى له كرامة يعني هدية أو كذا يعني لا مانع بمثل هذا بشرط أن لا يكون هناك تواطؤ يعني نقول اسمها هدية ولكن في الحقيقة هو ثمن فمثل هذا يجوز ونقل الأعضاء موجود وخصوصا نقل الأعضاء ممن يصابون في الحوادث اللي يصابوا في الحوادث يؤخذ خصوصا بعد أن صدرت فتوى المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي والمجمع الفقهي الدولي صدرت الفتوى وفي المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوات الفقهاء والأطباء وكل هؤلاء قرروا أن الموت هو موت الدماغ وعلى هذا ممكن أن يؤخذ من الإنسان إذا أصيب في حادث أنه قبل أن ينتهي تماما ندخله تحت الأجهزة ونأخذ بعض الأشياء اللي يمكن يستفاد منها، نأخذ الكية والكبد والقرنية وعدد من الأعضاء لأنه بعد شوية حيصبح كل هذا يأكله الدود وينتهي إلى التراب.


عثمان عثمان: لو أردنا أت نتحدث عن مظاهر كرامة الإنسان في الفقه الإسلامي فضيلة الدكتور يعني كموضوع الحجر على السفيه مثلا.


يوسف القرضاوي: الإمام أبو حنيفة لم يقبل أن يحجر على سفيه، الأئمة الآخرين قالوا إن كان هناك واحد سفيه يبعثر ماله ذات اليمين وذات الشمال وليس عنده عقل جيد يعني لتصريف المال فأجازوا لحق المجتمع حق أسرته وحق المجتمع لأن المال مش بس ماله الخاص يعني المال للمجتمع شركة فيه، القرآن يقول {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما..}[النساء:5] هي أموالهم إنما قال أموالكم لأن المجتمع شريك فيه، فالأئمة أجازوا الحجر على السفيه الإمام أبو حنيفة قال لا أنا أحجر على إنسان كرمه الله ربنا كرمه بالتكليف وكرمه بالعقل وكرمه وأجي أنا أحجر عليه؟ لم يجز أبو حنيفة إلا الحجر على من يضر الناس ضررا عاما، فأجاز الحجر على المفتي الماجن المتلاعب بالدين وعلى الطبيب الجاهل اللي لا يفهم بالطب وقاعد يعمل عمليات ويذبح في الناس وعلى المكاري المفلس المقاول اللي بيأخذ التزامات على الناس وهو غير قادر على تنفيذها أباح الحجر على هؤلاء لضرر الأول في الأديان وضرر المفتي في الأديان وضرر الطبيب في الأبدان وضرر المكاري هذا في الأموال. وبعدين للفقه الإسلامي في عملية الحفاظ على كرامة الإنسان أشياء كثيرة جدا حتى في البيوع وحتى في المعاملات أن الإنسان يجب أن تحترم إرادته يعني إذا عقد عقدا لازم ماجيش أنا الطرف الثاني ألغي عقد الإنسان هذا لكرامته حتى لو كان هذا ملك دسوق أو لا، لازم تحترم كلمة الإنسان فهذا من الحفاظ على كرامة الإنسان.


عثمان عثمان: في ختام هذه الحلقة لا يسعنا إلا أن نشكركم فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة. لكم تحية من معد البرنامج معتز الخطيب ومن المخرج منصور الطلافيح ومن سائر فريق العمل، وهذا عثمان عثمان يستودعكم الله، دمتم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.