عبد الصمد ناصر- يوسف القرضاوي
الشريعة والحياة

محمد نبي الرحمة

تتناول الحلقة بالنقاش رحمة الرسول (ص)، “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”. كيف تجلت مظاهر تلك الرحمة المحمدية مع الأهل والخصوم في السلم والحرب؟

– محمد والرحمة المهداة للعالمين
– الرحمة وعلاقتها بالتشريع الإسلامي
– شمولية الرحمة عند الرسول


undefinedعبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وأهلا بكم إلى حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} صدق الله العظيم ويقول تعالى أيضا واصفا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم {بالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} صدق الله العظيم، فبين الرحمة بالعالمين والرحمة بالمؤمنين تتجلى رسالة الرحمة المتشخصِّة في ابتعاث النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين العرب ولهداية الناس أجمعين، فما هي مظاهر تلك الرسالة الرحمة على العالمين وما مظاهرها وتجلياتها على المؤمنين؟ وكيف تجلت في علاقته صلى الله عليه وسلم بأهله وأصحابه وأمته؟ وفي علاقته أيضا بخصومه وأعدائه في السلم والحرب وأين هي رسالة الرحمة الآن من واقع المسلمين وما يجري بينهم؟

محمد رحمة للعالمين موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، فضيلة الشيخ كما تعلم النصوص الإسلامية زاخرة بمفهوم الرحمة فأول ما يواجهنا حينما نفتح المصحف الشريف ومع طالع كل سورة تواجهنا البسملة بسم الله الرحمن الرحيم والله سبحانه وتعالى حين خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم قال له {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} مع وضع سطر طبعا تحت أداة إلا التي تفيد الحصر هنا، هل معنى ذلك أن المقصد العام للرسالة الإسلامية المحمدية هو الرحمة؟

محمد والرحمة المهداة للعالمين

يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمد وعلى أهله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته إلى يوم الدين، أما بعد فلا شك أن الرحمة هي المقصود الأول من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته إلى العالم، حسبنا هذه الآية التي بدأت بها حديثك وهي قوله تعالى في سورة الأنبياء وهي سورة مكية {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} بهذا الأسلوب نسميه أسلوب القصر يعني أنه النفي ثم الاستثناء بألا يعني أنت لست إلا رحمة لست شيئا آخر غير الرحمة للعالمين، رحمة عامة ومجردة للعالمين جميعا لست رحمة للعرب دون العجم أو لأهل الشرق دون أهل الغرب أو للمسلمين حتى دون غيرهم لا، رحمة للعالمين.. فكما أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم هي للعالمين {إنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعاً} فهذه الدعوة وهذه الرسالة رحمة للعالمين جميعا، فهذا من.. ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام عبَّر عن نفسه تعبيرا بليغا موجزا في جملة فقال "إنما أنا رحمة مهداه”رحمة مهداه من الله إلى هذا العالم فهو رسالته رحمة وهو نفسه يجسِّد هذه الرحمة ويجسدها بأخلاقه ويجسدها بسيرته ويجسدها بأحاديثه فسنته القولية والعملية هي مفسرة لهذه الآية الكريمة كما سُئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان خلقه القرآن وأعظم ما يتجلى خلقه في الرحمة ولذلك شاع عند المسلمين قولهم محمد نبي الرحمة وهادي الأمة فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عبد الصمد ناصر: صلى الله عليه وسلم، من مقاصد الشريعة الإسلامية رفع الحرج والتيسير، طيب هل مبعث هذا المقصد هو ما نتحدث عنه الآن وهو الرحمة؟

"
عبَّر النبي (ص) عن نفسه تعبيرا بليغا موجزا في جملة فقال "إنما أنا رحمة مهداه رحمة مهداة" والرسول نفسه يجسِّد هذه الرحمة بأخلاقه وبسيرته ويجسدها بأحاديثه
"

يوسف القرضاوي: هذه كلها من تجليات الرحمة العامة أن الله سبحانه وتعالى بعث محمد بحنيفية سمحة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "بعثت بحنيفية سمحة" حنيفية في العقيدة توحيدية ما فيش فيها وثنية ولا انحراف إلى غير الل،ه سمحة في الأحكام والتشريع السماحة واليسر هو طابعها العام الله تعالى يقول في ختام آية الطهارة {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ولَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ولِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ويقول في خواتيم آية الصيام {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} ويقول في ختام المحرمات في النكاح {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفاً} ويقول في آية القصاص وأنه شرع العفو وشرع الدية وشرع قال {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ ورَحْمَةٌ} فهذه الشريعة تحوطها الرحمة من كل جوانبها، التشريعات الإسلامية تشريعات ليس فيها عنت للخلق الله تعالى يقول {ولَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} ولكن لا يمكن أن ينعتكم لأنه هذا ضد ما أراده من هذه الشريعة لأنه كان من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم التي ذُكرت في كتب أهل الكتاب في التوراة والإنجيل أنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحل لهم الطيبات ويُحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم التكاليف الشاقة والثقيلة التي كانت على الأمة من قبلنا وضعها صلى الله عليه وسلم وهذه الأغلال ولذلك من الأدعية التي علَّمها الله للمؤمنين أن يقولوا كما جاء في خواتيم سورة البقرة {رَبَّنَا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا ولا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} وجاء في الصحيح أن الله قال قد أجبت يعني هذا الدعاء ربنا أجابه أنه لا يمكن أن يحمل يحملنا إصرا كما حمل الذين من قبلنا أو يحملنا ما لا طاقة لنا به فالقاعدة الشرعية المتفق عليها في الإسلام أن التكليف بحسب الوسع {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وسْعَهَا} فاتقوا الله ما استطعتم كما جاء في القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" هذا ما جاء به الإسلام ولذلك كان المنهج النبوي في التعليم والدعوة والإفتاء "يسّروا ولا تعسّروا وبشروا ولا تنفروا" وحينما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن أوصاهما بوصية جامعة موجزة في كلمات قال "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا" فهذه وصيته صلى الله عليه وسلم.. ولذلك كان من أوصافه عليه الصلاة والسلام كما قال أصحابه ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإذا كان إثم كان أبعد الناس عنه..

عبد الصمد ناصر: هل الرحمة هنا والرفق بمعنى واحد؟

يوسف القرضاوي: لا، الرفق هو من مظاهر الرحمة، الرفق هو اللطف وحسن التعامل مع الآخرين..

عبد الصمد ناصر: إذاً وجه من أوجه الرحمة..

يوسف القرضاوي: وهذا من مظاهر الرحمة ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال "إن الله يُعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما دخل الرفق في شيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه ومن حُرم حظه من الرفق حرم من الخير كله" فلذلك من مظاهر الرحمة اللين والرفق، القرآن يقول {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ} اللين هذا بسبب الرحمة {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ولَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فهكذا كانت تعامله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وحتى مع أعدائه يعني دخل عليه جماعة من اليهود فقالوا السام عليك يا محمد يعني حرّفوا الكلمة عن موضعها بدل ما يقولوا السلام لووا ألسنتهم وقالوا.. بحيث يظنون النبي.. فالسيدة عائشة سمعت أيضا قالت عليكم السام واللعنة يا أعداء الله فقال لها "يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله" قالت أولم تسمع ما قالوا يا رسول الله قال "قد سمعت" قالوا السام عليك يعني الموت والهلاك عليك قلت وعليكم يعني الموت مكتوب على كل حي كل نفس.. وهذا من أدبه عليه الصلاة والسلام وذلك من سوء أدبهم أن يدخلوا على الرسول ويقولوا هذا الكلام فهذا من.. الرفق هو من تجليات الرحمة ولذلك الرفق مقابله العنف والرحمة مقابلها القسوة ولذلك القرآن ذم القسوة وذم القساة والنبي صلى الله عليه وسلم قال "إن أبعد الناس عن الله القاسي القلب" والقرآن وصف بني إسرائيل بالقسوة قال لهم بعد قصة البقرة {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وإنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ} إلى أخره وجعل القرآن ذلك عقوبة من الله لهم يقول {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} فجعل قسوة القلوب هذه من العقوبات الإلهية فالقسوة من الصفات المذمومة والإسلام يحاول أن يملأ قلوب المؤمنين بالرحمة والرفقة والخشوع {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ومَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ ولا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} لا يريد هذه القلوب يريد قلوب رقيقة رحيمة ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام استعاذ بالله من قلب لا يخشع ومن علم لا ينفع ومن عين لا تدمع إن هذه العيون التي لا تدمع والقلوب التي لا تخشع لا يحبها الله عز وجل..

عبد الصمد ناصر: طيب إذاً مفهوم الرحمة أحد المحاور الرئيسية في الفكر الإسلامي كيف تمثل الرحمة قيمة حضارية في نظام التشريع وقيمة محورية في نظام التكوين؟

يوسف القرضاوي: في نظام الآيه؟

عبد الصمد ناصر: التكوين البشري، بالنسبة للتشريع وبالنسبة للتكوين البشري من ناحية الفضل..

الرحمة وعلاقتها بالتشريع الإسلامي

"
تتجسد الرحمة الربانية في التشريعات الإسلامية، فالرحمة  تحيطها من كل جانب ويتجلى ذلك خصوصا في تشريع الرُخَص التي تراعي الحاجة والضعف البشري
"

يوسف القرضاوي: الرحمة يعني كما قلنا للتشريعات الإسلامية تحيطها الرحمة من كل جانب تشريع الرُخَص إنه الإنسان فيه رخص في الطهارة من لم يجد الماء مثلا يتيمم من خاف إذا استعمل الماء إنه يصيبه مرض للبرد أو شيء يعني لا داعي إنه.. سيدنا عمرو بن العاص صلى بأصحابه وكان أميرا على سرية في ليلة شاتية شديدة البرد صلى بهم بتيمم فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله يعني ترك الماء وصلّى بتيمم فقال يا رسول الله كانت الليلة باردة شديدة البرد وتذكرت قول الله تعالى {ولا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم يعني تبسم إنه أحسن الفهم إنه ربنا ما أمرهوش إنه يقتل نفسه لا {لا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} فتشريع التيمم في الطهارة تشريع الصلاة قاعدا لمن لم يستطع أن يصلى قائما، من لم يستطع يصلى قاعدا يصلي مضجعا على جنبه أو مستلقيا على ظهره مشيرا برأسه أو حتى مرميا بحاجبه يعني هذا كله من التيسيرات، الصيام الإفطار لمن كان مريضا أو على سفر للحبلى والمرضع وأصحاب الأعذار المختلفة هذه كلها.. الضرورات لماذا أباح الإسلام المحرمات عند الضرورة {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ولا عَادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} {وقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} ولذلك أصبحت عندنا قاعدة متفق عليها الضرورات تبيح المحذورات وألحق بها العلماء الحاجات التي يحتاج إليها الناس حاجة حقيقية وقالوا الحاجة تنزل منزلة الضرورة خاصة كانت أو عامة من أجل ذلك رأينا الفقهاء المحققين ييسرون على عباد الله ويفتونهم بأشياء كثيرة تصلح حياتهم.

عبد الصمد ناصر: حتى في تطبيق الحدود؟

يوسف القرضاوي: نعم.

عبد الصمد ناصر: حينما تكون هناك حاجة مثلاً حديث أو رواية عن عمر بن الخطاب أعتقد رضي الله عنه حينما بلغه أن أحد المسلمين قد سرق فكانوا يريدون أن يقيموا عليه الحد أو أعتقد أو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لم يقم عليه الحد لأنه كان يحتاج في ذلك الوقت كانت الأمة تعيش فترة..

يوسف القرضاوي: نعم سيدنا عمر يعني أسقط الحد عن واحد سرق من حاجة وقال لولا أنكم يعني تضيعونهم حتى لو أكل أحدهم الميت نجاس لقطعت يده وهدد سيد العبد الذي سرق إنه لو سرق مرة ثانية هيقطع يده وفي عام المجاعة سيدنا عمر أوقف الحد لأنه المجاعة مظنة الحاجة فالغالب أن الذي يسرق في عام المجاعة يسرق من الجوع فهذه شبهة تكفي لإسقاط الحد فالإسلام ليس يعني ما عندوش يعني هواية لقطع أيدي الناس أو كذا لا هذه هي العقوبات.

عبد الصمد ناصر: عفواً للمقاطعة فضيلة الشيخ هذا رد صريح على من يريدون الإساءة إلى الإسلام ويرون بأن هناك تعارض بين نظام الجزاءات أو العقوبات في الإسلام يرونه قاسياً مع تعارض مع مفهوم الرحمة الذي يرفعوه المسلمون كشعار لهم.

يوسف القرضاوي: لا الرحمة لا تتعارض مع العقوبة لمن يستحق العقوبة ولذلك يعني قالوا إن ولي اليتيم له أن يؤدبه يعني مش عشان ارحم اليتيم وامسح دمعة اليتيم إنما ما تتركش له الحبل أكثر من اللازم تشدد عليه في بعض الأوقات حتى ينشأ نشأة سليمة، الأب مع أولاده كما يقول الشاعر فقس ليزدجر ومن يكن حازماً فليقسوا أحياناً على من يرحم، القسوة المؤقتة في بعض الأوقات والشدة يعني الشدة في موضعها ولذلك القرآن وصف أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام قال {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ والَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} لماذا الكفار هنا مش معنى إنهم المخالفين في الدين، الكفار هنا كانوا هم الأعداء الذين يحاربون المسلمين فلابد أن نعاملهم بشدة يعني فيه بعض الناس للأسف يعني يتعاملون مع أقوامهم بالشدة والقسوة فراعنة وجبابرة على أقوامهم وأذلاء أمام أعدائهم كما نرى كثيرين من الناس في بلادنا يعني تراه أمام الخواجة ذليل عبد وعلى قومه جبار عنيد لا، القرآن يعني قال في مقام آخر {أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ} الذلة القرآن لم يمدح الذلة إلا في موضوعين ذلة الإنسان على أخيه المؤمن الذلة على المؤمنين هذه ذلة رحمة والذلة الأخرى ذل الإنسان لأبوية قال {واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} بعد كده لازم يكون المؤمن يكون عزيز {ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ ولَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}.

عبد الصمد ناصر: النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة" كيف للمسلم أن يتخلق بهذا الخلق فضيلة الشيخ؟

يوسف القرضاوي: هذا الحديث يعني له قصة يجب أن نعرف سببه..

عبد الصمد ناصر: سياق الكلام.

يوسف القرضاوي: أو ليه هذا الحديث النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد سقط في حفرة كان مكيدة عاملها واحد اسمه أبو عامر الراهب ثم أبو عامر الفاسق يعني حفر حفرة يقع فيها النبي عليه الصلاة والسلام وقع في الحفرة وشُد وجهه وكسرت سنيته وأصيب بما أصيب به فقال له بعض أصحابه وقد أشفقا على ما أصابه عليه الصلاة والسلام يعني قال له لو دعوت عليهم يا رسول الله فقال "إني لم أبعث لعّاناً ولكن بعثت داعياً ورحمة اللهم أهدي قومي فإنهم لا يعلمون" فهكذا لم يُبعث ولذلك هنا كانت يعني بعثت رحمة لأن الرحمة مش في مقابل اللعن، اللعن لا يقابله الرحمة إنما يقابله سوء الأدب يعني الإنسان اللعان شيء الأدب ولذلك الإسلام علم الأمة الإسلامية الأدب أنها لا تسب حتى الأصنام قال {ولا تَسُبُّوا الَذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} حتى قال "لا تسبوا الشيطان وتعوذوا بالله من شره" لا تسبوا الحمى لا تسبوا الريح لا تسبوا الديك لا تسبوا حتى يتعود المسلم عفة اللسان ونظافة اللسان لا يتعود السب ولا ولكن السب في هذا المقام هو منافي للرحمة لأنه يريد أن يلعن قومه ويدعوا عليهم يأخذهم الله أخذ عزيز ولكن هكذا النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً حينما عاد من الطائف وقد أوذي ما أوذي وصب عليه من الأذى ما صب وعاد مجروح القدمين ومجروح القلب أكثر من القدمين مما قابله به أهل الطائف قبيلة ثقيف وسلطوا عليه العبيد والسفهاء..

عبد الصمد ناصر: ومع ذلك دعا لهم.

يوسف القرضاوي: وكان يقول "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين" وجاءه جبريل وقال له أجيب لك ملك الجبال أهوه إذا كنت تحب يطبق عليهم الأخشبين الجبلين فهو لم يقبل هذا وقال "اللهم أهدي قومي فإني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم ذرية تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله" هذه هي الرحمة المحمدية..

عبد الصمد ناصر: عليه الصلاة والسلام، نعود إلى بقية حديثنا في المحور الثاني من ظاهر الرحمة للعالمين فضيلة الشيخ ولكن بعد أن نأخذ هذا الفاصل نعود إليكم بعد الفاصل مشاهدينا الكرام فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

عبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وأهلا بكم من جديد في الشريعة والحياة، حلقة اليوم محمد رحمة للعالمين، فضيلة الشيخ كنا نتحدث قبل قليل عن مظاهر الرحمة ما هي أبرز تجليات مظاهر الرحمة العامة للعالمين؟

يوسف القرضاوي: هي تتجلى في أشياء يعني كثيرة في علاقة المسلمين بعضهم ببعض وفي علاقة المسلمين بغيرهم يعني في السلم وفي الحرب وفي الجانب التشريعي كما ذكرنا وفي الجانب التربوي والتكويني يعني من الأخلاق الأساسية التي يُربى عليها المؤمنون خلق الرحمة وهذا شيء أساسي يعني هناك أشياء نعتبرها أساسية يعني في التشريع هناك العدل، في العبادة هناك الإخلاص، في العقيدة هناك التوحيد، في الأخلاق الرحمة. الرحمة هي الخلق الذي يجب أن يكون هو الأساس الأول في التكوين كما ذكرت أو في التربية أحببنا أن نربي المسلمين يجب أن تكون الرحمة أساس التربية، في علاقة العلاقات الاجتماعية يجب أن يكون التراحم هو أساس هذه العلاقات لماذا شرع الإسلام الزكاة وجعلها فريضة وركنا من أركان الإسلام؟ هذه لأنها تجسد الرحمة رحمة الأقوياء بالضعفاء والأغنياء بالفقراء والواجدين بالمحرومين هذه..

عبد الصمد ناصر: مثلا..

يوسف القرضاوي: وخصوصا الرحمة بالضعفاء الإسلام عني أبلغ العناية بالضعفاء اتقوا الله في الضعيفين المرأة الأرملة والصبي اليتيم يعني كل من كان عنده ضعف ما يجب أن يُعنى به الإسلام عني باليتامى لأن ضعفهم بسبب فقد الأب بالمساكين لأن ضعفهم بسبب فقد المال أبناء السبيل لأن ضعفهم بسبب فقد الوطن الرقيق ضعفهم بسبب فقد الحرية كل من كان عنده سبب ضعف القرآن والسُنة كلاهما يشدد في الرحمة به والقسوة أشد ما تكون جريمة عند الله حينما يقسوا الإنسان على الضعفاء ولذلك في الحديث القدسي اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصرا غيري الإنسان يظلم واحد ما لوش ناصر مثلا نقول ما لوش ظهر ما لوش قبيلة تحميه فيقوم هو يتجبر عليه هذا الجبروت هو أشد ما يكون جرما عند الله عز وجل، الإسلام عني بالضعفاء {فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ} {ومَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ} {فَكُّ رَقَبَةٍ} تفك رقبة واحد من الرق {أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} في أيام المجاعة {يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ} {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} يعني يده والتراب يده والأرض زي ما بنقول {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَذِينَ آمَنُوا وتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} فالإسلام كما دعا إلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر التواصي بالمرحمة أن يرحم الناس بعضهم بعضا، فهذا التجليات في الرحمة تجلى في الخلق الفردي في التماسك الاجتماعي يكون أساسه التراحم، في التشريع القانوني للمسلمين في علاقة المسلمين بعضهم ببعض النبي عليه الصلاة والسلام يقول "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" هكذا قال صلى الله عليه وسلم "من لا يَرحم لا يُرحم" هكذا قال عليه الصلاة والسلام.

عبد الصمد ناصر: ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعني حينما يعود المرء إلى السيرة النبوية العطرة يجد أن محمدا صلى الله عليه وسلم ضرب للمسلمين أروع الأمثلة في الصفح والعفو عند المقدرة كما قلت فضيلة الشيخ حتى في حالة الحرب ونستذكر هنا حالة فتح مكة حينما قال لخصومه حين أصبحوا بين يديه وأمرهم بيده قال لهم "اذهبوا فأنتم الطلقاء" السؤال هنا كيف تجلَّت رحمته صلى الله عليه وسلم في حربه وغزواته.

يوسف القرضاوي: أبرز وأظهر وأجلى ما تكون الرحمة المحمدية في الحروب، أولا إذا استطاع أن لا تقع الحرب يرحب بذلك لا يدخل الحرب إلا كارها كما قال القرآن {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} ويقول لأصحابه "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتم فاصبروا" إنما ما تتمناش الحرب ويكفي إنه القرآن علق على بعض الغزوات بقوله تعالى {ورَدَّ اللَّهُ الَذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ} فلم يكن محمد يتمنى.. إذا استطاع أن لا تقع الحرب إذا وقعت الحرب يجعلها في أضيق نطاق، يقلل خسائرها بقدر الإمكان لا يتوسع في القتل القرآن يقول {فَإذَا لَقِيتُمُ الَذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ} يعني أضعفتموهم {فَشُدُّوا الوَثَاقَ} اتركوا القتل وأسروا {فَإمَّا مَناً بَعْدُ} إما تمن على الأسير لوجه الله وتطلق سراحه {وإمَّا فِدَاءً} تفديه بأسير آخر أو بمال فهذا.. لكي تعرف قيمة الرحمة الإسلامية في الحرب أنظر ماذا في التوراة الحالية التي يؤمن بها اليهود والنصارى وهي جزء من كتابهم المقدس ماذا تقول التوراة إذا دخلت بلد أضرب جميع ذكورها بحد السيف يعني لا تبقي أحدا لا تبقي طفلا ولا شيخا جميع ذكورها..

عبد الصمد ناصر: هذا نقيض وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته وللقوم..

يوسف القرضاوي: لقواده لا تقتلوا وليد ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجرة ولا.. الرحمة الإسلامية أنا أقول قبل الحرب إذا..

عبد الصمد ناصر: وحتى أصحاب الصوامع..

يوسف القرضاوي: لكي نعرف تجليات الرحمة في الحرب أولا إذا استطاع أن لا تقع الحرب لا تقع وإذا وقعت يقلل خسائرها بقدر الإمكان لا يجيز قتل أي واحد لا، لا يجوز قتل النساء ولا الولدان ولا الشيوخ الكبار ولا.. وحينما رأى امرأة مقتولة..

عبد الصمد ناصر: ولا رجال الدين..

يوسف القرضاوي: أنكر على أصحابه وقال ما كانت هذه لتقاتل ونهى عن قتل النساء والصبيان بصفة عامة فالحرب ليس المقصود بها الانتقام أو تدمير الآخرين عايزين نقلم أظفارهم حتى لا يعودوا بالعدوان مرة أخرى على المسلمين، إذا انتهت الحرب.. يعني الحرب الإسلامية كما نقول دائما تقيدها الأخلاق حرب منضبطة بالقيم وبالأخلاق مش حرب مفتوحة اعمل ما تشاء.. كان العرب عندهم وكل الأمم مش العرب الرومان وغيرهم عندهم التمثيل بجثث القتلى يصبون نقمتهم على القتيل طيب خلاص الرجل مات وانتهى لا يعني ينتقمون من جثته يقطعون آذانه يقطعون أنفه يقطعون شفتيه يمثلون بوجهه يعني يُخرجون كبده كما فعلت هند قبل إسلامها حينما أخرجت كبد حمزة ولاكتها يعني العرب فعلوا ذلك وحتى في غزوة أحد فعل هذا أبي سفيان كان قائد المشركين أنا لم يكن هذا بأمر مني ستجدون مثلى ولم يكن هذا بأمر مني، الإسلام نهى عن المثلى إطلاقا والرسول نهى وخلفاؤه الراشدون ولما جاء لأبي بكر بصرة وفتحها ووجد فيها رأس فزع وقال لا تأتوا بالجيف إلى مدينة رسول الله قالوا يا خليفة رسول الله إنهم يفعلون بقادتنا كذلك إذا قتل واحد من كبارنا يبعثوا لقائدهم الأعلى أو لمالكم كذا برأسه فقال لهم استنان بفارس والروم؟ أنتم تستنون بهم تقتادون بهم تجعلوهم أساتذة لكم وأئمة لكم والله لا يحمل إلي رأس بعد اليوم إنما يكفي الكتاب والخبر ابعث رسالة أو تبعت رسول قتل كذا وعمل كذا يكفي هذا هذه هي الحرب الإسلامية..

عبد الصمد ناصر: بمعنى أن شعار الرحمة ظل حاضر حتى في حروب الرسول صلى الله عليه وسلم..

يوسف القرضاوي: حتى في حروب الرسول وحروب أصحابه من بعده وقال الذين أرَّخوا للفتوح الإسلامية ما رأى التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب كما قال غستاف لوبون ويقصد العرب يقصد المسلمين يعني بالذات..

عبد الصمد ناصر: غستاف لوبون، نشرك بعض السادة المشاهدين أبو أسامة من سويسرا تفضل أبو أسامة باختصار من فضلك.

أبو أسامة: نعم السلام عليكم.

يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أبو أسامة: أخي عبد الصمد اسمح لي بأقل من دقيقة.

عبد الصمد ناصر: تفضل سيدي.

أبو أسامة: أخي عبد الصمد.

عبد الصمد ناصر: في إطار موضوع الليلة من فضلك.

أبو أسامة: نعم في الموضوع.

عبد الصمد ناصر: نعم.

أبو أسامة: أخي عبد الصمد رحمة الإسلام لا تحتاج إلى بيان، فشقاء العالم واستعمار القوي فيه للضعيف والتصرفات التي تنأى منها الحيوانات جراء تطبيق النظام الوضعي لهي خير دليل على ذلك، إلا أن الرحمة لا تجز إلا في صورتها الكاملة إلا إذا طبق الإسلام كاملاً لأن تطبيقه من قبل الفرد على نفسه لا يتجاوز خمس الأحكام والبقية أي الأربعة أخماس هي من مشملة الدولة وبالتالي فرضا على كل مسلم أن يعمل بميلاد الدولة والالتفاف حول..

عبد الصمد ناصر: نعم ستصل في النهاية إلى موضوع الخلافة شكراً لك أبو أسامة من سويسرا نعم عمر سفرجي من السعودية تفضل.

عمر سفرجي: سلام عليكم.

يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

عبد الصمد ناصر: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

عمر سفرجي: الشهر القادم إنشاء الله هتهل ذكرى عطرة على المسلمين وهي مولد سيد البشر عليه الصلاة والسلام يعني أنا أقترح لو إنه يكون في تكون دعوى للمسلمين إنهم يعرفوا برسولهم في هذه الذكرى يستغلوها وأنا عندي سؤال الله يقول عز وجل {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْأَلُونَ} هذه الصفة تنطبق على الرسول أيضاً عليه الصلاة والسلام شكراً؟

عبد الصمد ناصر: شكراً لك محمد حاج من قطر.

حمد الحاج: ألو السلام عليكم.

يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

عبد الصمد ناصر: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

حمد الحاج: تحياتنا لسماحة الشيخ الدكتور يوسف ونسأل الله له دوام الصحة والعافية.

يوسف القرضاوي: بارك الله فيك.

حمد الحاج: مشاركتي في هذه الحلقة هو أن محمد صلى الله عليه وسلم..

عبد الصمد ناصر: صلى الله عليه وسلم.

يوسف القرضاوي: صلى الله عليه وسلم.

حمد الحاج: سيد الأولين والآخرين أعطى للبشرية مثالاً رائع في الرحمة والتسامح، محمد صلى الله عليه وسلم يقول المفكر والكاتب المؤرخ الهندي نارا سيماراو أن محمدا جعل الحرب إنسانية وفي تاريخ البشرية لم يوجد رجل استطاع أن ينتصر في معاركه كلها التي يعني تجاوزت فترة عشر سنين من الحرب وجميع القتلى ما تجاوزوا 1180 على أقصى الروايات فهذا أكبر دليل على أن محمد صلى الله عليه وسلم كان رحيماً وأنا عمدت أن آخذها من كاتب ومفكر غير مسلم لكي لا يقال أنه يعني متحيز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما رحمته بالبشرية فهو رحيم باليهود والنصارى قال الله عنه {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ ويَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } هذه رحمته بغير المسلمين رحمته أنه كان يتأسف ويحزن عندما يموت شخصاً وهو لم يدخل الإسلام فالله تبارك وتعالى يقول له {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً }.

عبد الصمد ناصر: محمد.

حمد الحاج: هذا أكبر دليل على أن محمد لم يكن يريد قتل البشر ولا تكفير البشر هذا رد على الذين يكفرون الناس ويقتلونهم محمد يحزن إن مات شخص وهو لم يؤمن يعني والله يقول له {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } أي هالكها هذا محمد..

عبد الصمد ناصر: شكراً لك محمد.

حمد الحاج: شكراً لك محمد، محمد شكراً لك لضيق الوقت شكراً لك محمد حاج من قطر فضيلة الشيخ لو عدنا إلى تساؤل أبو أسامة قال بأن رحمة الإنسان لا تحتاج إلى بيان إلا إذا طبق الإسلام والشريعة الإسلامية بشكل كامل.

شمولية الرحمة عند الرسول

يوسف القرضاوي: كلنا يجب أن يسعى إلى تطبيق الإسلام وإعادة الخلافة وإعادة الحكم للإسلام يعني إحنا مع الاخوة إخواننا في حزب التحرير لا نخالفهم في إعادة الخلافة ولا هذا أمر مفروغ منه ولكن كل شيء لابد له من خطوات يعني الخلافة لا تأتي بقرار لابد أن نقيم يعني حكم إسلامي في عدد من البلدان الإسلامية إذا أقامت هذه البلاد حكم الله وحكَّمت شريعة الله بطبيعة الحال الشريعة تفرض عليهم أن يتضامنوا فيما بينهم يجعلوا منهم إماما لهم هذا أمر طبيعي ونحن مؤمنون بهذا..

عبد الصمد ناصر: طيب عمر سفرجي سألك..

يوسف القرضاوي: الأخ الذي قال الرسول..

عبد الصمد ناصر: لا يسأل ما يفعل.

يوسف القرضاوي: الرسول، الله وحده الذي لا يُسأل عما يفعل لأن هو الخالق والرب هو رب الناس وملك الناس وإله الناس أما محمد فهو بشر {قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ واحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً ولا ضَراً إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ ولَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ ومَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إنْ أَنَا إلاَّ نَذِيرٌ وبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون} ولذلك هو يحاسب كما يعني حتى أصحابه كانوا أحيانا يعني يناقشونه يقولوا هذا يا رسول الله رأي لك ولا وحي من الله إذا وحي سمعناه وإذا كان هذا رأي ليس هذا كذا كانوا يعني..

عبد الصمد ناصر: طيب فضيلة الشيخ الوقت لم يتبق إلا عشرة دقائق تقريبا أريد بعجالة نتحدث عن رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم ليس فقط من البشر هذه الرحمة اللي تعدت إلى الحيوان والطير كما يقال كيف تجلى ذلك في سلوكه صلي الله عليه وسلم سواء في الذبح والذبائح وغير ذلك والرفق بالحيوان وغير ذلك.

"
الرسول (ص) رحمة للذين آمنوا، فهو أرحم الناس بأصحابه، وأرحم الناس بالعيال وأرحم الناس بالأعداء والحيوانات، فرحمته كانت شاملة تعجب الصديق وترضي العدو
"

يوسف القرضاوي: أما رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحيوانات والطيور وهذه المخلوقات فهي رحمة لا نظير لها يعني نجد الأحاديث الصحاح والسنن العملية في سيرته صلى الله عليه وسلم تبرز لنا هذا الجانب ففي سفرة من السفرات كان رسول الله صلي عليه وسلم مع أصحابه وذهب يقضي حاجته ووجدوا حمرة..

عبد الصمد ناصر: حمامة.

يوسف القرضاوي: يعني طائر صغير كالعصفور كده ولها فرخان أخذوا الفرخين وبعدين جاء النبي صلي الله عليه وسلم ووجد الحمرة تعرش وتطوف وتطير وتحلق.

عبد الصمد ناصر: تبحث عن..

يوسف القرضاوي: تعودت الفرخين فقال من فزع هذه في ولديها؟ ردوا إليها ولديها وأنكر عليهم هذا فكان عليه الصلاة والسلام حريص جدا.. رأى يعني بعيرا قد لصق ظهره ببطنه فقال اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة لا يصح تتركوها تجوع حتى يلتصق بطنها بظهرها كان عليه الصلاة والسلام حريصا كل الحرص خصوصا في حالات الذبح الحديث الصحيح من الأحاديث الأربعين النووية وفي صحيح مسلم "إن الله كتب الإحسان عل كل شيء" يعني الإحسان إتقان العمل في كل شيء كتبه يعني فرضه كما كتب عليكم الصيام فإذا قتلتم فاحسنوا القتلى وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته لازم مش يذبحها بسكينه تلمه لا وبعدين ما يذبحهاش..

عبد الصمد ناصر: أمامها بيشحذ الشفرة أمامها.

يوسف القرضاوي: ما يسنش السكينة أمامها لما فعل النبي صلي الله عليه وسلم لما رأى صلى الله عليه وسلم واحد شاه أضجعها وبعدين قعد يسن وهي تلحظه ببصرها فقال له "أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها" هكذا يقول عليه الصلاة والسلام..

عبد الصمد ناصر: هذا عن رحمته بالحيوان عفوا للمقاطعة فضيلة الشيخ الوقت لم يبق الكثير لو حدثتنا عن مظاهر رحمة الرسول صلي الله عليه وسلم بصحابته رضوان الله عليهم..

يوسف القرضاوي: رحمته عليه الصلاة والسلام بالصحابة الله سبحانه وتعالي يعني هو الذي ذكرها في القرآن قال {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} فهو رحمة للعالمين ولكن المؤمنين هم الذين ينتفعون بهذه الرحمة أكثر لأن هم الذين يقتربون من هذه الرحمة ويستفيدون منها كما قال القرآن يعني {هُدًى لِّلنَّاسِ} {شَهْرُ رَمَضَانَ الَذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ} وفي أول السورة قال {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} ذلك الكتاب إزاى هو هدى للناس؟ لأن المتقين هم الذين بينتفعوا به أكثر زي ما تقول الطبيب هذا يهدي الناس جمعيا إنما مين اللي ينتفع به أكثر الذي يأخذ الدواء من عنده الذي يلتزم بأخذ الدواء في مواعيده ويستفيد فهو الرسول رحمة للعالمين ولكنه رحمة للذين أمنوا منكم فهو أرحم الناس بأصحابه كان أرحم الناس بهم جميعا وأرحم الناس بالعيال كان يقول الأولاد الصغار يضاحكهم ويلاعبهم ويقول لابن أبي طلحة يا أبا عمير ما فعل النغير طائر كان بيلعب به فيقول له يا أبا عمير شوف يكني الطفل إداله كنية الواحد يقول يا أبو فلان كبير لما يقول له يا أبا عمير يعني شوف إلى هذه المداعبة كان أرحم الناس وخصوصا بأهله وأولاده وأحفاده معروف حينما دخل الأقرع ابن حابس التميمي وكان من زعماء القبائل ورأى صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن أو الحسين قال له إني لي عشرة من الولد ما قبلت واحد منهم فيقول من لا يرحم لا يرحم وتقول عائشة جاء أحد الأعراب فقال النبي صلي الله عليه وسلم إنكم تقبلون أولادكم وما نقبلهم فقال عليه الصلاة والسلام أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك إذا كنت ما بترحمش طفلك يبقى ماذا تفعل ولذلك جاء في الحديث لا تنزع الرحمة إلا من شقي.

عبد الصمد ناصر: والعياذ بالله.

يوسف القرضاوي: الشقي هو الذي تنزع من قلبه الرحمة والعياذ بالله فكان أرحم الناس بأصحابه وكان رقيقا قريب الدمع حينما وجد ابنة واحدة من أولاد بناته بنات بناته وكانت تحتضر تموت ذرفت عينه الدمع فقال بعض أصحابه تنهانا عن البكاء وتبكي يا رسول الله فقال إنما هذه رحمة الدموع ما بنهاش عنها نهى عن العويل والأشياء هذه رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء وحينما رأى ابنه إبراهيم عند ساعة الموت ابتدرت عيناه بالدموع وقال إن عبد الرحمن بن عوف كان موجود وقال حتى أنت يا رسول الله قال يا بن عوف هذه رحمة "إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا وإن لفراقك يا إبراهيم لمحزونون" فرحمة إنسان يعني ليس إنسانا قاسي القلب يعني.

عبد الصمد ناصر: طيب ماذا عن رحمة رسول الله صلي الله عليه وسلم الإنسان والزوج والأب مع أهله.

يوسف القرضاوي: هذا الذي ذكرناه إذا كان هو رحيم مع أعدائه كيف لا يكون يعني رحيما..

عبد الصمد ناصر: معاملته لزوجاته مثلا كيف كان يصبر على..

يوسف القرضاوي: كان رحميا مع الجميع كان مع زوجاته نعم الزوج يعني الذي يستمع مثل زوجة مثل عائشة تقعد تحكي له اثنتي عشرة امرأة كل واحدة تقول عن زوجها أي تصف زوجها ويقعد يسمع قصة طويلة نص ساعة ولا حاجة تحدثه عن هذا الموضوع ويسمع لها هذا الزوج الكريم إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة خيبر بلال بن رباح جاءه بامرأتين صفية بنت حيي وقريبة لها جابهم سبي إليه وبعدين مر بهما في ساحة الحرب والجثث والقتلى فالمرأة اللي مع صفية حينما رأت القتلى من قومها صرخت وصكت وجهها فلما جاء بلال إلى الرسول صلي الله عليه وسلم وحكى له القصة قال له يا بلال أنزعت الرحمة من قلبك تمر بالمرأتين بين القتلى يعني دول قومهم يعني أنزعت الرحمة من قلبك يا بلال فهو يريد من أصحابه جمعيا أن يتعلموا الرحمة حتى مع الخصوم حتى مع الأعداء وكما ذكرت رحمته في الحرب مش بس كان في أثناء الحرب بعد الحرب وكان يمكن أن ينتقم من أهل مكة الذين آذوه ثلاثة عشر عاما صبوا عليه سياط العذاب وبعدين ثمان سنين حروب متصلة وغزوه في عقر داره مرتين أرادوا أن يستأصلوا أن يبدوه ومع هذا قال اذهبوا فأنتم الطلقاء.

عبد الصمد ناصر: في الختام كرسالة يعني نحن نعلم الآن أن الإسلام هو دين الرحمة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة ما واجباتنا نحن كمسلمين ككل مسلم فرض تجاه هذا الدين الذي هو دين الرحمة كيف نظريا عمليا وليس نظريا يمكن أن ننهض بهذه الدور ليظهر للعالم هذه الرسالة؟

يوسف القرضاوي: للأسف نحن المسلمين لا نتعامل مع بعضنا بالرحمة رحماء بينهم التي وصف بها الصحابة نحن قساة بعضنا على بعض ربما نكون مع غيرنا يعني فينا بعض اللين وبعض الرفق إنما حينما يعامل بعضنا بعضا قساة بعضنا على بعض، انظر ما يجري يعني في العراق الآن ما هذه المقاتل ما هذه المجازر ما هذه الدماء هذا لا يجوز، نحن لا يرحم قوينا الضعيف لا يرحم غنينا الفقير لا يرحم الحاكم منا المحكوم لو تراحم الناس بينهم كما قال علي رضي الله عنه ما كان بينهم ضعيف ولا جائع ولا عار ولا كذا الرحمة نزعت منا فنزعت منا البركة ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

عبد الصمد ناصر: بارك الله فضيلة الشيخ جزاك الله خيرا، في الختام مشاهدينا الكرام لكم تحية المخرج ناصر طلافيح والمنتج معتز الخطيب ولنا لقاء في الأسبوع القادم بحول الله.