مفكر وداعية إسلامي
الشريعة والحياة

الإسراء والمعراج وواقع المسلمين اليوم

ماذا تعني مناسبة الإسراء والمعراج للمسلمين؟ وما دلالة تسمية الله المسجد الأقصى مسجدا رغم أنه لم يكن قد بني بعد؟ وماذا نستفيد من صبر المؤمنين على قصة الإسراء والمعراج؟ وكيف نربط بين بشارة الحق على عهد النبي وبين واقعنا الآن؟
مقدم الحلقة ماهر عبد الله
ضيف الحلقة – الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، داعية إسلامي
تاريخ الحلقة 22/10/2000

undefined

undefined

ماهر عبد الله:

أعزائي المشاهدين.. سلام من الله عليكم وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج "الشريعة والحياة".
هذا الأسبوع نعيش ظلال ذكرى عطرة ذات مكانة خاصة في نفوس المسلمين هي ذكرى الإسراء والمعراج، وشاءت حكمة الله -سبحانه وتعالى– أن تأتي هذه الذكرى وأرض الإسراء والمعراج تشتعل بانتفاضة أقضت مضاجع المحتلين للأسبوع الرابع على التوالي. نحب أن نواصل حديثنا عن أرض الإسراء والمعراج، وإن كنا سنخصصه في هذه الحلقة لهذه القيمة المعنوية للإسراء والمعراج، أهميتها في الإسلام وأهميتها، لأنها هي التي خلقت هذه المكانة للقدس في نفوس المسلمين، وهذه المكانة العظيمة عند الإسلام..
يسعدني أن يكون معي للمحاورة في هذا الموضوع وحوله فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي.. مولانا.. أهلاً وسهلاً بك.

د. يوسف القرضاوي:

أهلاً بك يا أخ ماهر.

ماهر عبد الله:

هل ممكن نبتدئ بالقيمة المعنوية، لأنها جاءت للرسول هذه القصة -صلى الله عليه وسلم- في فترة كان مأزوماً بها، والأمة العربية والمسلمة اليوم مأزومة، معنوياً ماذا تعني لنا هذه المناسبة؟

د. يوسف القرضاوي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.. صلوات الله وسلامه على المبعوث رحمة للعاملين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فكانت قصة الإسراء أو رحلة الإسراء ورحلة المعراج هما رحلتان، رحلة أرضية ورحلة سماوية، وقد وقعتا في ليلة واحدة على الصحيح، جاءت هذه الرحلة وأختها تسلية وتعزية للنبي –صلى الله عليه وسلم- بعد أن ناله ما ناله، أولاً: أصيب في زوجته خديجة -رضي الله عنها- وكانت سنده في الداخل، وأصيب في عمه أبي طالب، وكان سنده في الخارج، توفي الاثنان في عام واحد، ولذلك سمى النبي –صلى الله عليه وسلم– هذا العام عام الحزن. وذهب في ذلك الوقت بعد أن نال ما نال من الأذى من قريش، أحب أن يبحث عن أرض أخرى يبذر فيها بذور دعوته، فذهب إلى الطائف إلى قبيلة ثقيف لعله يجد عند ثقيف ما لم يجد عند قريش، ولكن للأسف استقبل استقبالاً سيئاً من أهل الطائف ومن ثقيف لم يكن يتوقعه، منهم من قال له: ألم يجد الله غيرك في جزيرة العرب حتى يبعثه للناس؟! ومنهم من قال له: إن كنت نبياً حقاً فأنت أكبر من أن أكلمك، وإن كنت كاذباً فأنت أهون من أن أكلمك، فلا أكلمك صادقاً كنت أم إيه؟ أم كاذباً، وسلطوا عليه العبيد والسفهاء والصبيان يرجمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه، ولكن أشد من جرح القدم وإدماء القدم جرح القلب، الإساءة إلى الإنسان قد يكون هذا الجرح أشد إيلاماً من جرح السكين أو جرح السيف، ولذلك عاد النبي –صلى الله عليه وسلم – من الطائف أسيفاً حزيناً، وناجى ربه تلك المناجاة التي تحدثت عنها كتب السيرة: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين.. أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟.. إلى آخر هذا الدعاء.

المهم إنه بعد هذه الرحلة الله -سبحانه وتعالى- عوضه صلى الله عليه وسلم بعدة أشياء: أسلم أحد الغلمان وكان يعمل ناطورا أو جنينياً بستانياً في بستان لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وجاء بقطف عنب للنبي –صلى الله عليه وسلم- فأكل منه وقال: بسم الله، فقال [الغلام]: هذا أمر لا يقوله الناس هنا! لما يأكل يأكل بسم الله.. قال له: أنت من أي مكان أنت؟ قال له: أنا من نينوى. قال: آه بلد العبد الصالح يونس بن متى؟ قال: وما الذي عرفك به؟ قال: إنه نبي مثلي، وتلا عليه شيئاً من القرآن، فأسلم، فكان ده أول ثمرة بعد هذه الرحلة الحزينة الأسيفة. وجاء الجن فاستمعوا إليه وهو يقرأ القرآن فأسلم الجن، {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما سمعوه قالوا أنصتوا فلما قُضي ولوا إلى قومهم منذرين} وأسلموا وعادوا دعاة إلى قومهم {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم}.. إلى آخر الآيات. ثم كان الإسراء والمعراج، فكان تعويضاً للنبي –صلى الله عليه وسلم– وتسرية عنه، يعني كأن الله يقول له: إذا كان أهل الأرض قد أعرضوا عنك فقد أقبل عليك أهل السماء، إذا كان هؤلاء قد آذوك، فهؤلاء يكرمونك، يعني كان هذا نوعاً من التكريم للنبي -عليه الصلاة والسلام- لأن الله يسر له في هذه الرحلة، جاء جبريل وأخذ بركابه، وذهب إلى المسجد الأقصى، فصلى بالأنبياء إماماً فكان هذا إشعاراً بانتقال القيادة الدينية من أبناء إسرائيل إلى أبناء إسماعيل..

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله:

إذن مولانا.. كنت تتحدث عن أن هذه بداية الانتقال من بني إسرائيل إلى بني..

د. يوسف القرضاوي:

نعم، انتقال القيادة الدينية، كان بنو إسرائيل هم الذين بيدهم القيادة الدينية، بعد أن غلبت الوثنيات على أمم الأرض، ولكن بني إسرائيل فرطوا في رسالتهم وانحرفوا فيها، وحرفوا وبدلوا كلام الله، وكتبوا الكتاب بأيديهم، ثم قالوا: هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلاً.. إلى آخر ما ذكر عنهم القرآن، فكان لابد أن تتهيأ أمة جديدة، أن ينشئ الله أمة جديدة تحمل رسالة التوحيد في الأرض، وتقوم بعبادة الله في الأرض، فكانت هي هذه الأمة التي تمثلت في أبناء إسماعيل وهم الذين علموا الأمم بعد ذلك، الله بعث رسوله ليربي العرب والعرب يربوا الأمم، فشاء الله –عز وجل- أن يكون الإسراء من مكة إلى القدس أو كما قال القرآن الكريم: {من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}، فأصبح عندنا من هذه الرحلة ذكريات مادية ملموسة عندنا، القرآن ذكر من هذه الأشياء: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا} فذكر لنا الله لنا مبتدأ الإسراء ومنتهى الإسراء، وذكر المسجد الحرام فقط، ولم يصفه بشيء أكثر.. ولكن في المسجد الأقصى قال: {إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} والمسجد الأقصى لم يكن موجوداً في ذلك الوقت، كان خرباً..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

لماذا سماه الله مسجداً؟ المسجد..

د. يوسف القرضاوي:

ده بشارة بأن المسلمين سيفتحون هذا المكان، ويبنون فيه.. لأن كلمة مسجد ده مصطلح إسلامي، كانوا يسمون البيعة، الكنيسة، المعبد، الكذا، فشاء الله سبحانه وتعالى أن يبشرهم بأن هذا المكان سيصبح أرضاً إسلامية، لأنه كان موضعه هو معروف ولم يكن هناك بناء ولا مسجد في هذا الوقت، ولكن المهم الربط بين هذين المسجدين العظيمين، وهذا قبل أن ينشأ مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم– لأن في السنة العاشرة من الهجرة، قبل الهجرة بثلاث سنين، فذكر الله المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى ليربط بينهما في ضمير كل مسلم وفي وجدان كل مسلم وفي عقل كل مسلم بحيث يكون هناك اتصال بين هذين المسجدين، لا يستطيع أي مسلم أن يفرط في المسجد الأقصى، لأن من يفرط في المسجد الأقصى يمكن أن يفرط في المسجد الحرام.

وبعدين حينما ننظر ونتأمل.. طيب الرسول –عليه الصلاة والسلام- كان المقصود من ذلك أن يعرج به إلى السماوات العلا، إلى سدرة المنتهى، إلى مستوى لم يبلغه بشر من قبل، طب لماذا لم يعرج به من مكة إلى السماء مباشرة؟ ليه نعمل الرحلة دي كلها؟ إذن المحطة القدسية هذه كانت مقصودة من الله –تبارك وتعالى– أن يمر بهذه المحطة، وأن يستقبله الأنبياء هناك، وأن يصلي بهم إماماً، وأن تترك هذه الآثار.. فيه آثار مادية: الصخرة التي صعد منها، المكان الذي ربط فيه البراق، مكان المسجد الأقصى، فكان هذا أمراً مقصوداً من هذه الرحلة.

من هذه الرحلة –أيضاً– نتذكرها دائماً في شيء عملي وهو الفريضة الإسلامية الأولى، والعبادة اليومية للإنسان المسلم وللأمة المسلمة، وهي الصلاة، لأن الله –سبحانه وتعالى– أراد أن يفرض الصلاة في السموات، الفرائض كلها فرضت في الأرض ولكن الصلاة فرضت في هذا العلو وفي هذا المقام الرفيع ليدل الله على أهمية هذه الفريضة، وده أصبح ميراثنا من هذه المناسبة، معراج روحي لكل مسلم أننا نستطيع أن نرقى به ونعرج بالصلاة، فنحن نتذكر رحلة الإسراء والمعراج بالصلاة اليومية، الصلوات الخمس، ونتذكرها بالمسجد الأقصى، فإذا كان المسجد الأقصى في محنة فلا بد أن يفكر المسلمون في كل مكان كيف ينقذون الأقصى من محنته؟ وكيف يحررونه من أسره؟ وكيف يقاومون أعداءه؟

ماهر عبد الله:

كونك ذكرت المحنة مولانا.. يعني بقدر ما كانت هذه الرحلة استضافة للمصطفى –صلى الله عليه وسلم– في السماء تطميناً له، إلا أنها أيضاً كانت امتحاناً لإيمان المسلمين من حوله، اليوم أهل أرض المعراج يعانون من هذه المحنة، ماذا نستفيد من صبر المسلمين وإيمانهم على هذه القصة التي بدت خرافية حتى لبعض المسلمين قصة الصعود إلى السماء في ليلة واحدة؟

د. يوسف القرضاوي:

القرآن أشار إلى هذا في قوله: {وما جعلنا الرؤية التي أريناك إلا فتنة للناس} لأن بعض الناس قالوا: إنهم لم يصدقوا هذا، حتى فيه بعض الروايات تقول: إن بعض المسلمين ارتد، ولكن أنا أشكك في هذا، لأنه لم يثبت أن أحداً من المسلمين ارتد في العهد المكي إطلاقاً، وحينما سأل هرقل أبا سفيان بعد أن أرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- إليه برسالته يدعوه إلى الإسلام، وختمها بالآية الكريمة {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقل اشهدوا بأنَّا مسلمون}، هرقل أراد أن يبحث عن أحد من العرب يسأله عن صاحب هذه الرسالة، فوجد أبا سفيان، وكان أبو سفيان لم يسلم في ذلك الوقت، وبينه وبين الرسول –صلى الله عليه وسلم– هدنة الحديبية، فسأله عدة أسئلة تدل على عقل الرجل وذكائه وفطنته، وكان من هذه الأسئلة: من أتباعه؟ قال له: معظمهم من الضعفاء وال.. فقال: هكذا أتباع الأنبياء في كل مكان، قال: هل يزيدون أم ينقصون؟ قال: بل يزيدون، قال: هل يرتد منهم أحد سخطة لدينه؟ قال: لا، قال: كذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، مما يدل.. لو كان هناك أحد ارتد كان.. فلم يرتد أحد، ولكن المسلمين ثبتوا، وكان أول هؤلاء أبو بكر –رضي الله عنه- حينما قيل له: شوف صاحبك يقول إنه ذهب إلى بيت المقدس وعاد، ونحن نذهب إليه شهراً غدوا وشهراً عودة، فقال لهم: إن كان قال هذا فقد صدق، إني أصدقه في خبر السماء في لحظة، إن جبريل يأتيه من فوق سبع سماوات في لحظة لا أصدقه في إنه ذهب في الليلة إلى ال..!! فكان المسلمون امتحنوا ولكنهم صدقوا وصدَّقوا.

ماهر عبد الله:

ولكن نحن نعيش الآن ظرف مغاير بعض الشيء، الناس عندما تقول لها أن فلسطين ستتحرر، أن الأقصى سيعود، ثمة درجة من التشكك بالبشارة ما أسميته بالبشارة عندما سمي مسجداً، لا تقل عن التشكك الذي حصل عند مشركي مكة بصعوده إلى السماء، كيف نقنع الناس أن هذه البشارة بشارة حق وأن هذا الأقصى سيبقى بيد المسلمين أو سيعود ليد المسلمين؟

د. يوسف القرضاوي:

أولاً.. هناك بشائر عدة، من هذه البشائر أن هذا المسجد أُسر تاريخياً وحُرر، وعندما أُسر المسجد الأقصى واحتل المسجد الأقصى، وظل في أيدي المحتلين وكانوا من الفرنجة -كما يقول علماؤنا القدامى– المسجد الأقصى ظل تسعين سنة في يد الصليبيين كما هو معلوم، حتى هيأ الله له من حرره وأنقذه من أيدي الصليبيين المحتلين الذين فعلوا الأفاعيل، حينما دخلوا المسجد الأقصى سالت الدماء أنهارا، غاص الناس إلى الركب في الدماء، يعني ما.. ولكن بعد تسعين عاماً حرر، الآن قضية فلسطين، دولة الكيان الصهيوني صار لها أكثر من نصف القرن وهم احتلوا المسجد الأقصى أكثر من ثلث قرن الآن، لكن طبيعة هذه المعارك أنها طويلة النفس، لابد أن يصبر الناس عليها ويهيئوا لها أسبابها ويعدوا لها العدة.. فهذا من الناحية التاريخية، التاريخ فيه عبرة.

عندنا نحن هنا النصوص ما يفيد أننا منصورون -إن شاء الله – أنه الأحاديث النبوية الصحاح عن ابن عمر وعن أبي هريرة وعن غيرهما أنه ستقوم بيننا وبين اليهود معركة قبل أن تقوم الساعة، بعض الناس بيفهم من كلمة الحديث "لا تقوم الساعة" إن ده هيحدث عند قيام الساعة.. لا، المقصود من الحديث إنه هذه المعركة حاصلة حاصلة، يعني لا يمكن أن تقوم الساعة إلا.. وهذا معناها إن ضرورية المعركة، حتمية المعركة، هذه المعركة سينتصر فيها المسلمون على اليهود. كان بعض العلماء قديماً يتعجب من هذا الحديث، يعني كيف يقاتل المسلمون اليهود، واليهود أهل ذمة عند المسلمين؟! يعني المفروض أهل الذمة.. ما معنى الذمة؟ كلمة ذمة بعض الناس يفهمها خطأ، الذمة يعني معناها العهد والضمان، يعني يعيشون في ضمان المسلمين وفي أمانهم وفي عهدهم، ولا يجوز أن يمسوا بسوء، وعلى المسلمين أن يدافعوا عنهم، لو أن أحداً غزاهم أو أحداً اعتدى على حرماتهم فعلى المسلمين أن يقاتلوا دفاعا عنهم كما قرر علماء الإسلام.

فيقول لك: إزاي هنقاتل اليهود ويقاتلونا وهم أهل ذمة لنا؟! ما علموا أن للتاريخ دورات وأن هؤلاء الذين كانوا أهل ذمة والذين وسعهم المسلمون حينما ضاق بهم العالم قلبوا لنا ظهر المجن، وأصبحوا .. أرادوا أن يقيموا دولتهم على أنقاضنا! فهذا الحديث يقول: إنه ستأتي معركة ينتصر فيها المسلمون على اليهود، حتى يقول الحجر والشجر: يا عبد الله أو يا مسلم هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله، فالمعركة آتية لا ريب فيها، والرسول حدد لنا بهذه الكلمات نوع هذا الصنف الذي سينتصر على اليهود، لم يقل: يا عربي أو يا أردني أو يا مصري أو يا فلسطين أو يا سوري.. ولكن الحجر والشجر يقول: يا عبد الله.. يا مسلم، يعني معناها إذا دخل أهل المعركة دخلوها تحت راية الإسلام وتحت شعار العبودية لله عز وجل..

ماهر عبد الله:

بعض كلامك الشبيه بهذا في الأسبوع الماضي احتج بعض الصحفيين، وكتبوا هذا في بعض الصحف، أنك اتهمت الناس في إيمانها في معركة 1967م.. إلى أي درجة مهمة هذه قضية الإيمان.. يا عبد الله في معاركنا؟ لم يعجبهم قولك: إنه كنا قليلي الإيمان أو ناقصي الإيمان في 1967م فانهزمنا.

د. يوسف القرضاوي:

أنا ما قلتش إنه قليلي الإيمان، هذا تحريف لكلامي، أنا قلت: إن هذه معركة دينية، معركة دينية لأنه ندافع فيها عن أرض الإسلام، وندافع فيها عن مقدسات لها قيمة، عن أولى القبلتين وثالث المسجدين العظيمين وأرض الإسراء والمعراج، وهي معركة دينية لأن أعداءنا أرادوها معركة دينية، وأنا قلت: إن الذي ضيعنا أنهم دخلوا المعركة يهوداً ولم ندخلها في أول الأمر مسلمين، ودخلوها ومعهم التوراة وليس معنا القرآن، ولذلك قلت: حينما في إحدى المعارك أعلنا الناحية الدينية وأشعرنا الأمة بها وقلنا الله أكبر كان معركة العاشر من رمضان سنة 1393هـ.

[موجز الأنباء]

ماهر عبد الله:

مولانا.. قبل الفاصل كنت في معرض التوضيح على بعض من ردوا على كلامك في الحلقة الماضية.

د. يوسف القرضاوي:

بسم الله الرحمن الرحيم، أنا أقول: إن السلاح وحده لا يقاتل، وإنما يقاتل السلاح بيد الإنسان، والإنسان تحركه أهداف، وأعظم ما يحرك الإنسان الإيمان برسالة كبيرة، وأنا أقول شعوبنا شعوب متدينة لا يحركها شيء مثل الدين، فقد يكون عندك أسلحة تسد عين الشمس ولكن لا يوجد من يستخدمها، الشاعر العربي قديماً الطغرائي يقول:

وشيمة السيف أن يزهى بجوهره وليس يعمل إلا في يدي بطل

وأبو الطيب المتنبي يقول:

وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا إذا لم يكن فوق الكرام كرام

يعني فرس من غير فارس، أو خيل من غير خيال ماذا تفعل؟ فلذلك.. فلابد أن تنشئ الجندي المجاهد المقاتل، هذا لا يكون عندنا إلا بالإيمان، لأن إحنا أمة أساسها بذورها دينية، وخصوصاً إذا كنا بنحارب أمة دينية أخرى، يعني لا يفل الحديد إلا الحديد.

سيدنا أبو بكر قال لسيدنا خالد بن الوليد: حاربهم بمثل ما يحاربونك به، حينما بعثه ليقاتل الروم والفرس والجماعة.. قال له: حاربهم بمثل ما يحاربونك به، السيف بالسيف والرمح بالرمح والنبل بالنبل، هم يحاربوننا بالدين فلنجند الدين.. لو لم يكن عندنا دين لحاولنا أن يكون لنا.. فكيف ونحن أمة دينية؟ فالدين هو المهم في المعركة، ولكن أنا قلت: إنه لو كان إيماننا كاملاً لانتصرنا انتصاراً نهائياً، ده كلام الله: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} حقا علينا، {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} فلماذا لم ننتصر النصر النهائي؟ معناها إننا لم نستكمل الإيمان، ولا يدعي أحد أننا استكملنا كل عناصر الإيمان، نحن في حاجة.. صلاح الدين الأيوبي وقبله نور الدين محمود ظلوا سنين يحاولوا أن ينفخوا روح الإيمان في الأمة، ويعدوا الأمة إعداداً إيمانياً وإعداداً جهادياً، فهذا هو الذي ينبغي علينا أن نعد الأمة لتستكمل إيمانها، حتى تستحق النصر من الله عز وجل، {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده}.

ماهر عبد الله:

في هذا الموضوع وصلتني مجموعة من الفاكسات في محور واحد، تتمحور حول أمريكا، أقرأ منها عينة، وأعتذر للأخ لأن اسمه سقط: لقط أسعدتنا وأثلجت صدورنا بفقهك وعلمك ورأيك في الأسبوع الماضي، ولكن أرجو منك أن تتوسع في الحديث عن عدائنا لأمريكا لأنها هي جوهر هذه المشكلة.

في هذا الإطار أخ ثاني يحتج على نفس الاحتجاج، طبعاً يستهجن من الحكام العرب بعد القمة يقول: ما هذه العقلانية التي يتكلمون عنها، فمع العدو الصهيوني تراهم يسارعون إلى الذل والخنوع والرضوخ والاستجداء والهوان، أما مع شرفاء هذه الأمة الذين أدركوا حقيقة المعركة والحرب مع جند الشيطان وأوليائه، فإذا بهم يفعلون بهم الأفاعيل من التنكيل والتعذيب والتشريد، ثم يسأل، وهذا ربط للقمة بالعلاقة بأمريكا، هو يريد من فضيلتكم شرحاً للآية التالية {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} فيه حالة هزيمة نفسية يبدو حتى عند الزعماء العرب، فيه حالة تخوف من أمريكا في غير مكانها.

د. يوسف القرضاوي:

هي أمريكا –طبعاً- هي القوة الوحيدة في العالم، حينما كان هناك قطبان يتجاذبان السيادة في العالم أشبه بالفرس والروم قديماً كانا يتنازعان السيادة على العالم، فكان الفرس في عصرنا هم السوفييت، والروم هم الأمريكان، ذهب الفرس وبقي الروم، بقي الأمريكان وحدهم، كان اختلافهم كان رحمة، يعني المسلمون قديماً كانوا يدعون الله ويقولون: اللهم أشغل الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين.. اشتغال الظالمين بعضهم ببعض فرصة للناس الضعفاء، ولكن إذا ذهب ظالم وبقي ظالم واحد هو الذي يتحكم طبعاً تكون العملية مخيفة، حتى يحدث التوازن، هذا في اعتقادي إن هذا لا يستمر طويلاً، لأنه حسب سنن الله لابد أن تخرج قوة تنازع هذه القوة، إنما إلى أن يحدث ذلك ستظل هذه القوة مخيفة، وخاصة عند الكثيرين الذين يحسبون حساب الخلق ولا يحسبون حساب الخالق، كان قديماً هذا عند بني إسرائيل، سيدنا موسى قال لقومه: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} يقول لهم الأرض التي كتب الله لكم، يعني كتب لكم أن تدخلوها مش أن تستمروا فيها كما زعم بيغين، لا.. يعني كتب لكم دخولها، فإذا كان رسولكم المؤيد من عند الله، الذي أنقذكم الله على يديه، وفلق البحر أمامكم، ونجوتم وغرق عدوكم، يعني بيقول لكم كتب الله لكم، {قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين. وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون} طب فيه حد بيخرج يسيب لك بلده باختياره كده لوحده.. لا يمكن يخرج لوحده، {قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب}.. ابدؤوا، يعني زي ما بنقول الضربة الأولى نصف الإيه؟ المعركة، ابدؤوا.. ادخلوا عليهم {فإذا دخلتموه فإنكم غالبون. وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين. قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}.

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

اسمح لي بمقاطعتك، أحد الأخوة مقترح هذا بالفاكس أن يكون البيان الختامي لاجتماع القادة العرب {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}.

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله:

مولانا.. لو عدنا لجوهر المسألة الدينية.. ثمة سؤال وصل بالفاكس من الأخ نضال إلهامي عن حقيقة أن يكون تحرير الأقصى على يد المهدي المنتظر، وهل ورد في الأحاديث ما ينص على ذلك؟

د. يوسف القرضاوي:

لا.. الأحاديث لم تنص على المهدي المنتظر، ولكن الحديث.. قال السياق.. يقاتلهم المسلمون، والمهدي المنتظر فيه كلام، الشيخ عبد الله بن يزيد المحمود هنا أصدر رسالة وأنكر فيها المهدي المنتظر، وابن خلدون قديماً أنكر هذه القضية وضعّف الأحاديث الواردة.. إحنا لا نريد.. والمهدي المنتظر ده قرب قيام الساعة، إحنا قلنا إن ده ليس هناك دليل على إن ده مرتبط بالساعة وعلامات الساعة، هذا.. المسلمون سينتصرون في هذه القضية، ولكن حينما يستجمعون الشروط، إذا ظلوا على طريقة بني إسرائيل: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} طبعاً لا يمكن أن ننتصر على اليهود بهذه العقلية، إنما عايزين عقلية الصحابة الذين قالوا للنبي –عليه الصلاة والسلام– في غزوة بدر، وهم قليلو العَدد، ضعيفو العُدد، كل شيء من الناحية المادية لم يكن معهم، ولكن قالوا للنبي –عليه الصلاة والسلام-: يا رسول الله.. والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}، ولكن نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد.. هذه الروح وهذه العقلية هي التي يمكنها أن تنتصر، إنما للأسف هذه بيسمونها التفكير العاطفي أو التفكير الانفعالي، هم يفكرون بعقلانية، أمثالنا عاطفيون وعقلانيون ومثاليون وخياليون، ولكن لا يمكن أن تنتصر الأمم إلا بهذا.. عندما قام هرتزل من مائة سنة أو أكثر وقال في مؤتمره: الآن قامت الدولة اليهودية، بمجرد إنه جمع مجموعة من الناس على هذا الحلم اعتبر الدولة قامت، وقام وقال لهم: هتقوم بعد خمسين سنة وقامت بعد خمسين سنة، فنحن في حاجة إلى التفكير من هذا.. أما الذين يخافون مثلما ذكر الأخ في الآية الكريمة من سورة المائدة بعض المنافقين كان بيحسب حساب بني قريظة وبني فلان ومش عارف إيه.. {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا} ما نعرفش الزمن هيحصل إيه، خلينا نمسك العصا من الوسط {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}.

ماهر عبد الله:

طيب عندي سؤال من الأخ فيصل التونسي من كندا، يعتقد أن الشعب الفلسطيني قدم ما باستطاعته من تضحيات، وجاء دور الشعوب العربية، إذا كانت القمم الرسمية تفشل، لماذا لا يتداعى -وهذا اقتراح يقول أنه من مجموعة من الكوادر العربية في أمريكا وكندا– لماذا لا تقومون أنتم النخبة العربية من القيادات الدينية والإسلامية والوطنية حتى والمسيحية بعقد مؤتمر تطالبون من الشعب العربي دفع ضريبة لفلسطين تستمر حتى تحرير فلسطين، ولا تكون موسمية، وتضفون عليها مشروعية دينية بصياغتها كفتوى توجب على كل عربي دفع ضريبة من دخله حتى تحرير القدس وفلسطين؟

د. يوسف القرضاوي:

هو يعني بعض الإخوة يظنون إن إصدار فتوى في هذه القضية تحل الإشكالات، هناك عقبات كثيرة وموانع كثيرة لكي يستجيب لك الناس، ولكي تجمع من الناس، يعني فرق بإنك تقول للناس: هأعمل صندوق وادفعوا فيه، فرق بإنك تقول للوزارة الفلانية خذوا من كل واحد راتب يوم مثلاً، أو خذوا 5% كما فعل إخواننا الفلسطينيون من عدة سنوات، يخدوا من رواتبهم 5%، يعني إذا استجابت لك المؤسسات التي بيدها السلطة وبيدها الأمر والنهي يسهل عليك، إنما إذا ظل هذا أمراً يعني فردياً ويقبله بعض الناس ويرفضه الآخرون، أنا آمل عندما.. سأحاول –إن شاء الله- إنشاء اتحاد عالمي لعلماء المسلمين بحيث يكون له كلمة عالمية، أن أي فتوى الآن هي فتاوى فردية، فلا يمكن أنك تلزم الناس بها، إنما عندما نوجد هيئة أو مؤسسة أو جمعية أو رابطة أو اتحاداً سميه ما تسميه لعلماء المسلمين في العالم وخصوصاً العلماء الأحرار الذين لا يمثلون سلطة ولا يلتزمون بها، هؤلاء ممكن عندما تصدر منهم فتوى يكون لها شأنها، هناك فتاوى من بعض الجهات يعني أشبه بالفتاوى منذ في الأسبوع الماضي في يوم الأحد مثل هذا.. اجتمع المؤتمر القومي العربي الإسلامي، والمؤتمر القومي العربي.. المؤتمران اجتمعا في بيروت وأصدروا بيانات قوية تطالب العرب في كل مكان أن يساندوا الانتفاضة وأن يمدوها بالنفس والنفيس، هذه.. فيه منذ حوالي عشرة أيام حضرت مؤتمراً في قناة أبو ظبي الفضائية ودعت إليه حوالي مائة شخصية من رجال العلم والفكر والسياسة والأدب والفن، وكلهم أجمعوا على مساندة الانتفاضة والوقف الفوري للتطبيع بجميع أشكاله السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية، وتمكين الشعوب والجماهير العربية من التعبير عن ذاتها، ومساندة الانتفاضة بكل أنواع المساندة، يعني الأمة مجمعة، يعني النخب المختلفة مجمعة، ولكن مع هذا..، هذه توصف بأنها انفعالية وعاطفية ولا تفكر تفكيراً عقلانياً.

ماهر عبد الله:

طب، لنسمع رأي الإخوة المشاهدين، معي الأخ عبد القادر لعشر من ألمانيا، أخ عبد القادر تفضل، أخ عبد القادر.

عبد القادر لعشر:

آلو.

ماهر عبد الله:

تفضل، صوتك شويه.

عبد القادر لعشر:

آلو، السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

عبد القادر لعشر:

مرحبا يا شيخ.

د. يوسف القرضاوي:

مرحباً يا أخي بارك الله فيك.

عبد القادر لعشر:

أنا أود أن أقول: أن مشكلة القدس هي مشكلة الجميع.

ماهر عبد الله:

ممكن الصوت شويه برضو كمان.

عبد القادر لعشر:

مشكلة القدس ومشكلة فلسطين هي مسؤولية كل مسلم يبلغ من العمر من الثامنة إلى المائة سنة، يعني هذه مشكلة الجميع، ونحن لا نستطيع أن نُحَمِّل القادة ما لا يستطيعون، ومن ناحية أخرى أقول: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، ومن ناحية ثالثة أنا عندي اقتراح لأنه مشكلة التعاون الاقتصادي مع إسرائيل هي تخص أولاً تخص الشعوب، فإذا قطعت الشعوب العملية الاقتصادية التجارية مع إسرائيل سيكون هناك خسارة، وبالطبع سترجع هذه الشركات.. والاقتراح الثاني هو: إذا سمح الشيخ أن يعلن على إضراب عام في كل الدول العربية –والتاريخ يمكن أن يكون من جانبه- وهذا الإضراب يعم أيضاً شركات النفط والغاز، وهذه كحركة لتخفيض نسبة بيع البترول، والسلام عليكم.

ماهر عبد الله:

مشكور جداً يا أخ عبد القادر، معي الأخ جاسم عبد الرحمن من البحرين، تفضل أخ جاسم.

جاسم عبد الرحمن:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

جاسم عبد الرحمن:

كيف حالك يا أخي؟

ماهر عبد الله:

حياك الله.

جاسم عبد الرحمن:

إزيك يا عم الشيخ.

د. يوسف القرضاوي:

بارك الله فيك يا أخي.

جاسم عبد الرحمن:

الله يسلمك، إحنا لسنا محتلين من إسرائيل، إحنا محتلين من القادة العرب، القادة العرب للأسف مش قادرين يقولوا أي كلمة حق، مش قادرين يتكلموا للأسف، شعب الوطن العربي بأكمله يريد الجهاد في سبيل الله، وأنا أول الناس أريد الجهاد، يفتحوا لنا باب الجهاد بس.

ماهر عبد الله:

طيب مشكور جداً يا أخ.

جاسم عبد الرحمن:

نحن لا نطالب إلا بالجهاد.

ماهر عبد الله:

مشكور جداً يا أخ جاسم، وستسمع إن شاء الله تعليق من الشيخ، معاي الأخ راشد من الإمارات، الأخ راشد مراد تفضل.

راشد مراد:

مرحباً، والسلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

راشد مراد:

أحيي قناة الجزيرة، وأحيي المجاهد فضيلة الشيخ القرضاوي.

د. يوسف القرضاوي:

حياك الله يا أخي.

راشد مراد:

أعتبره مجاهد للأمة، نحيي ونعزي ونبارك على الشهداء بفلسطين، إحنا –طال عمرك- في مأزق كبير وكبير وكبير، لأن الرعب قاعد يطاردنا من كل النواحي، فأنا أطالع الفضائيات كل ما يجينا بيجيي على حرب 1968م، حرب 1948م، حرب 1948م مصر كان في حرب ثلاثي وكان ضعيف والدولة الوحيدة، الدول الإسلامية كلها تحت الاستعمار الإنجليزي، 1967م دخلت أردن، سوريا مو بحالها، اليوم خليج وحده تملك قطر سنة [قد] إسرائيل مرتين، سوريا عنده مصنع قنابل، إيران عنده شهاب 5 وشهاب 10 وشهاب 100، باكستان تملك غوري -ما أدري- 5 وغوري 10، ما نبغي كل هادول، إحنا ما بغينا من الرؤساء ولا شيء نبغي منهم بس خسارة.. حط حظر على الخصم بفلوسنا، بسلاحنا بمصاريفنا، ولو كان يعني هو مو محصورين [محاصرين] من إسرائيل، إحنا محصورين من الدول العربية، الزعماء العربية، أردن بيقول لك: أنا موقع عقد وأنا ما أقدر أدخل ناس، مصر يقول لك: أنا موقع عقد سلام وما أقدر أدخل ناس، سوريا بيقول لك: أنا علشانك أنا عامل لي، فيا مسلمين والحل شنو؟ القدس راح تروح منا، وهاي الشباب راح ينتهوا، اللي داخل هناك بيموتهم الجوع، وشايفين الدبابات والطيارات والمدافع والصواريخ وهذا قاعد يضرب فيهم كام يوم بيظلوا هادول، وإحنا قاعدين اليوم آخذين قرار معتدل، معتدل على شنو؟ معتدل لو كان فيه عدل هناك، وفيه توازن هناك من عشر سنوات وصلتم للحل.

ماهر عبد الله:

طيب أخ راشد مشكور جداً على هذه المشاعر وهذه المداخلة، سيدي.. الأخ عبد القادر يعتقد أن الجميع مسؤول ولا يجوز حصر المسؤولية في الزعماء العرب لأن مسألة التعامل الاقتصادي هو خصصها بإسرائيل، لكن أنا هأضيف عليها أمريكا لأن مجموعة كبيرة من الفاكسات تتحدث عن مقاطعة الدخان الأمريكي والبضائع الأمريكية وكل ما هو أمريكي، يقول: هذه مسألة شعوب وليست مسألة زعماء، والزعيم لا يجبرك على شراء الدخان الأمريكي، تعليقك على كلام..

د. يوسف القرضاوي:

هذا أنا قلته قبل هذا، قلت: إنه لا يستطيع أحد ولا يستطيع حاكم ولا قانون أن يجبرك على أن تشتري شيئاً ما، نحن كنا نود إنه نريح الناس من هذا ونمنع هذه الأشياء، وكانت هناك مقاطعة عربية تمتنع عن الشراء من إسرائيل أو من كل شركة لها علاقة بالصهيونية، ولذلك هم من الأشياء اللي ذكروها أظن في قرارات القمة تفعيل هذه المقاطعة. وعلى كل حال أنا أؤمن فعلاً بأن هذه القضية قضية تتعلق بجماهير الناس، بالأفراد نفسهم، وسواء كان ما يتعلق بالبضائع الإسرائيلية أو بالبضائع الأمريكية، وأنا ذكرت للناس أمثلة البيبسي والكولا والبيتزا والماكدونال والجينز وأشياء كثيرة الناس تعرفها والسيارات والأدوات الميكانيكية والكهربائية والكمبيوتر، يا أخي نشتري من اليابان، نشتري من ألمانيا، نشتري من.. عندنا البدائل الكثيرة، وأنا لاحظت هنا في قطر إنه بعض الشركات بدأت تشكو، اتصل بي مدير إحدى الشركات هذه وقال لي: إحنا مش شركة أمريكية إحنا شركة عربية، والموظفين اللي عندنا وبتاع، قلت له: لكن أنتم من اسمكم، قال: لا ما إحنا أصل واخدين الامتياز، قلت له: ويا أخ طب يعني أنت مش واخدين الامتياز يعني ما تعرفوش تعملوا أكل، تشووا فراخ ما نعرفش نشوي فراخ، لازم نشوي فراخ على الطريقة الأمريكية، يعني إيه الحكاية؟ قال: إحنا مقيدين باتفاقيات وعقود، عقود لمدة عشر سنوات، يعني هذا يدل على إنه هذه الدعوة بدأت تؤتي أكلها، ولذلك أجد في الصحف القطرية الآن صفحات كاملة لإعلانات عن هذه البضائع، وهذا معناه إنهم بدؤوا يحسون انصراف الناس عنهم، وهذا ما نتوقعه، فنحن نريد من الجماهير العربية والمسلمة أن تقاطع هذه البضائع.

ماهر عبد الله:

ما دمتم في حالة الجهاد يعني الكل يخسر، يعني مدير الشركة يجب أن.. في حالة جهاد.

د. يوسف القرضاوي:

يخسر.. هو المدير اللي ذكروا لي هو ملياردير ما يضره إنه يخسر له 7 – 8 ملايين، ما يهموش.

ماهر عبد الله:

وثمة إخوة لنا يعني يخسرون حياتهم وعائلاتهم، طيب اقتراح الأخ عبد القادر على إضراب عام في كل الدول العربية وخصوصاً موظفي وشركات النفط والغاز في العالم العربي كوسيلة احتجاج سلمية، يعني المظاهرة قد تؤدي إلى إضراب.

د. يوسف القرضاوي:

إضراب يوم أو كذا أو حاجة.

ماهر عبد الله:

نعم، هو اقترح إضراب يوم.

د. يوسف القرضاوي:

هذا يحتاج إلى هيئات تنظم هذا، ما ينفعش إن أنا أقول للناس اضربوا فيضربوا، لابد أن تكون هناك هيئات لها فروع في كل بلد من البلدان ويتفق على هذا وينظم حتى يستجيب الجميع، إنما لا يصلح أن يصدر بيان من فرد أو مؤسسة إقليمية أو محلية في بعض البلاد وتلزم الناس بهذا، لازم يكون فيه اتفاق مع مجموعة هيئات ونقابات وكذا في البلاد العربية مثلاً كلها إن في يوم واحد يجب إضراب عن كذا، هذا كنوع من الاحتجاج أيضاً.

ماهر عبد الله:

سؤال الأخ جاسم، الحقيقة أيضاً وصل فاكسات من نفس فحواها إن الكل يريد الجهاد، واتصل في بعض الإخوة على الهاتف قبل البرنامج، يعني هم محتارون، لا يسمح لهم بالجهاد، ويشعرون بالذنب لأن الناس في فلسطين تخسر وهم لا يضحون، فكيف المخرج من هذا الوضع النفسي؟

د. يوسف القرضاوي:

والله طبعاً ما هو ده اللي بعض الزعماء والقادة أنفسهم حتى في القمة طالبوا بهذا، يعني الناس اللي اعتبروهم متحمسين مثل الرئيس اليمني، وطبعاً الرئيس القذافي ماحضرش ووفده انسحب، مثل الرئيس السوداني عمر البشير، مثل الرئيس بشار الأسد، يعني قالوا: لماذا نقول إن السلام هو الخيار الاستراتيجي الوحيد؟ ليه مايكونش، حتى بعضهم قال: الحرب واردة، ليه نغلق باب..؟ يعني أنا أتعجب إن إذا قلت الخيار الوحيد هو السلام، معناها إنك خلاص سلمت، يعني إسرائيل مطمئنة إنه لن تكن هناك حرب قط، أنا أقول: والله أنا أريد السلام، ولكن إذا لم تصل إلى حقوقي فالحرب واردة، كل شيء وارد، هو الآن باراك جمد عملية السلام تجميداً مؤقتاً، مع إنه ما أصابوش شيء، إحنا اللي تسقط منا الشهداء في كل يوم وفي كل ساعة، والجرحى آلاف الجرحى آلاف الجرحى، ونرى هذه التضحيات، ولنا نقول: إن ممكن إن إحنا نقاتل؟ يعني أنا كنت أود لو أن مؤتمر القمة ذكر المقاومة، مساندة المقاومة، بلاش حرب يا أخي، مش قادرين نحارب، إنما نقاوم.. بيغين قال كلمته الشهيرة: أنا أحارب إذاً أنا موجود، الشيخ أحمد ياسين قال كلمته التي تعتبر كأنها رد عليه: أنا أقاوم إذاً أنا موجود. لازم المقاومة تستمر، والمقاومة تستمر بالمساندة، مساندة مادية ومساندة أدبية ومساندة من كل ناحية، فممكن نساندهم بالسلاح ونساندهم بالمال حتى تستمر، إنما نعتبر المقاومة إرهاب، هل هذا كلام؟ بقى التانيين يقتلونا والمقاومة..

ماهر عبد الله:

والغريب أن باراك أعطى الزعماء العرب إنذاراً، إما أن تنسجموا مع ما أريد أو..

د. يوسف القرضاوي:

والآن مش عاجبه يعني بيقول: إن البيان فيه لغة تهديد، يحمل لغة تهديد، عايزهم يقولوا له: آمنا وصدقنا، حتى ما فيش كلمة فيها شدة شويه أو قوة، بيعتبر ده لوناً من التهديد، ويعني يرفض هذا التهديد، أنا أقول: إنه لابد من مساندة المقاومة، وأنا مع الرئيس اليمني الذي قال: افتحوا الحدود، افتحوا الحدود حتى بمقدار معين، يأتي ناس يا أخي يتحرقون شوقاً إلى الجهاد في بلاد العرب وبلاد المسلمين، المسجد الأقصى ليس مسجد الفلسطينيين وحدهم، الفلسطينيين بذلوا والحمد لله ولازالوا يبذلون، وبذلوا الحقيقة ما يشفي الصدور، ويعني شيء رائع، يعني إحدى النساء استشهد ابنها وهو ابنها الوحيد، تقول: لو كان عندي غيره لقدمته، وأنا قريرة العين باستشهاده لأني أرى أن جميع أبناء فلسطين أبنائي، هي أم للكل، هذه الروح كيف نميتها؟!! كيف نخمدها؟! كيف نصب عليها الماء البارد لتتحول إلى رماد؟! هذا أمر لا يليق.

ماهر عبد الله:

طيب، معي الأخ خالد عبد الغني من الأردن، أخ خالد تفضل.

خالد عبد الغني:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

خالد عبد الغني:

فضيلة الشيخ مساء الخير.

ماهر عبد الله:

أهلاً بك.

د. يوسف القرضاوي:

حياك الله يا أخي.

خالد عبد الغني:

أول شيء يا فضيلة الشيخ القمة العربية عادت علينا بقمة الخزي والعار للشعب الإسلامي والشعب العربي، اشتروا دم الشهداء بثمن بخس جداً، بمليار دولار وهي التي لا تقدر ظفر طفل يرمي الحجارة وليس جريح ولا شهيد، بل طفل لم يجرح ولم يصب، طفل يرمي الحجارة، وممثلين الأمة وخونها يجتمعون ويبيعون دم الشهداء، هل الجهاد ضد هؤلاء قبل باراك؟ باراك يهودي صهيوني علناً، ولكن هؤلاء الذين يتجمعون يمثلون الأمة العربية والأمة الإسلامية والأمة بريئة منهم، هل الجهاد ضدهم مثل الجهاد ضد باراك أم لا؟

ماهر عبد الله:

مشكور أخ خالد سؤالك واضح، الأخ واصف هلال من الإمارات.

واصف هلال:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام ورحمة الله.

واصف هلال:

يا سيدي تحية محبة وإجلال أولاً للعلماء العاملين المجاهدين بكل ما أوتوا من قوة، وفي مقدمتهم شيخنا الجليل العلامة الشيخ يوسف –حفظه الله- والذي ما توانى عن القيام بواجبه وخاصة في هذه الأيام مع انتفاضة المسجد الأقصى، الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة لن يكون له معنى ومغزى إلا بإنقاذ المسجد الأقصى من يهود، ولذلك على الأمة الإسلامية حكومات وشعوب أن تستلهم من هذه الحادثة العظات في توحيد الصفوف والأخذ بأساليب القوة لاستعادة المسجد الأقصى والقدس من دنس الصهيونية العالمية حتى يعود الأقصى إلى أحضان المسلمين.

وفي إمامة النبي –صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء السابقين في ساحة المسجد الأقصى دلائل عظيمة، أقف عند واحدة منها أمام شيخنا الجليل وهي انتقال النبوة من يهود إلى أمة الإسلام، وتأكد ذلك بصلاة النبي –صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء، فقد كانت الإمامة إعلاناً عالمياً عن عدم صلاحية يهود أبناء الأفاعي لتحمل تبعات الوحي وقيادة الحياة بعد أن قتلوا الأنبياء وأساؤوا إليهم وشوهوا الكتب المقدسة وزيفوها، ولذلك استحقوا اللعنة نتيجة لذلك، ولذلك لابد أن تستيقظ الأفئدة النائمة في عقول من تحملوا التبعة بمنطق الوحي المنزل على سيد الخلق ليسجل العالم بلاء المؤمنين في سبيل الله.

سؤال لفضيلة شيخنا حول حديث حول المسجد الأقصى: سمعت حديثاً يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن الجنة تحن شوقاً إلى بيت المقدس"، ما مدى صحة هذا الحديث؟ وإن كان صحيحاً فما هي دلالاته؟ والسلام عليكم.

ماهر عبد الله:

مشكور جداً يا أخ واصف، معي الأخ أحمد حسين من سوريا، أخ أحمد تفضل، أخ أحمد حسين.

أحمد حسين:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

أحمد حسين:

أقترح على فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي جزاه الله خيراً اقتراحاً محدداً وعملياً وواقعياً، الكلام الكثير، جزاه الله خيراً تكلم كثيراً وأفاد وأغنى، هو باستطاعته أن يكون قدوة وأن يفعل الكثير مما عجز عنه الباقون، يستطيع من خلال مكانته بين المسلمين أن يعلن الآن ويقول: أنا بعد أسبوع أو خمسة أيام سوف أنطلق إلى بيت المقدس في سني هذا وفي عمري هذا، وأبو أيوب الأنصاري –رضي الله عنه- وعمره ثمانون عاماً شارك في فتح القسطنطينية.

ماهر عبد الله:

طيب مشكور جداً يا أخ.

أحمد حسين:

لحظة، لحظة أخي، فستتبعه الملايين، ليأخذ عصا بيده ويركب سيارته أو مسدس ويقول: أنا ذاهب ومن يستطيع أن يمنعه فليمنعه، والله سوف يزيل كل الحدود في طريقه، الملايين سوف تتبعه من قطر والخليج والسعودية والأردن ومن كل مكان.

ماهر عبد الله:

مشكور يا أخ أحمد، الشيخ سمعك وأنا متأكد إنه عنده تعليق على هذا، معي الأخ أحمد سالم من الإمارات، أخ أحمد تفضل.

أحمد سالم:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

أحمد سالم:

كيف الحال يا شيخ؟

ماهر عبد الله:

حياك الله.

أحمد سالم:

شيخ بدي أسأل يعني: إذا أحد استهزأ فرض الصلاة أو استهزأ من فرض الصوم.

ماهر عبد الله:

بس الصوت شويه، الصوت ترفع صوتك شوية.

أحمد سالم:

سؤالي للشيخ: إذا أحد يعني من المسلمين من قادة المسلمين أو شعوبها استهزأ بالصلاة مثلاً أو بفرض الزكاة فما هو الحكم الشرعي فيه؟ لأن فيه الآن الجهاد صار يطلق عليه اسم العنترية، فأنا أسأل يعني: هل كلمة العنترية هذه تطلق على الجهاد في سبيل الله؟ ما هو الحكم الشرعي فيها، في هذه الكلمة؟ وما هو الحكم الشرعي في من يطلقها؟ الشيء الثاني أحب أن أعزي القاعدة العربية في حكامها وفي قادتها وأهنئ الشعب الإسرائيلي بقادته وحكامه. وشكراً.

ماهر عبد الله:

مشكور يا أخ أحمد –للأسف الشديد- أنا لم أفهم سؤاله الأول، لكن الجزء الآخر من كلامة كان يعزي الشعوب العربية بحكامها وزعمائها، ويهنئ الشعب الإسرائيلي بحكامه وزعمائه. لو عدنا لسؤال الأخ راشد الذي قال أننا مطاردون من كل الجهات، وخصوصاً من حكامنا في الدول العربية، ذكر مثالين الأردن ومصر ملزمات.. ملزمتين بعقود ومواثيق وُقِّعت مع إسرائيل ولا يستطيعان الفكاك منها، في حالة كالتي نشهد إلى أي مدى يجب على المسلم احترام مثل هذا الميثاق إذا كان الطرف الآخر بيعامل المسلمين بهذه الطريقة؟

د. يوسف القرضاوي:

هل هم يحترمون هم المواثيق حتى نحترم المواثيق معهم؟ هم كما ذكر الله تعالى في القرآن: {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون} وهل الصهاينة يحترمون العهد؟ الذين فعلوا ما فعلوا في كل البلاد العربية، في قانا، حتى قتلوا موظفي الأمم المتحدة، وما يجري في فلسطين الآن، هل هذه المواثيق تجيز لهم هذا؟ أنا لا أعتقد إن المواثيق تجيز لهم أي شيء من هذا، فهذه في نظري مواثيق هي حجة القوي على الضعيف، إذا كنا ضعفاء فهي حجة علينا، وإذا كنا أقوياء نضرب بها عرض الحائط، والرسول –عليه الصلاة والسلام- أقام اتفاقيات ومعاهدات مع يهود المدينة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، ولكن سرعان، واعتبرهم من أهل المدينة، وكتب وثيقة تعتبر بمثابة الدستور وتحدد ما على كل فئة في حالة السلم وفي حالة الحرب، ولكن للأسف غدروا هذه القبائل قبيلة بعد قبيلة، فبدؤوا بنو قينقاع ثم بنو النضير لأن نزلت فيهم أوائل سورة الحشر، ثم بنو قريظة {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب} واضطر النبي –عليه الصلاة والسلام- والصحابة أن يقاتلوهم لأنهم لم يحترموا هذه المعاهدات، فأنا في اعتقادي أنهم لم يحترموا ما داموا يعتدون على.. أنا معقول أبقى بيني وبينهم عهد وقاعدين يقتلوا إخوتي في فلسطين؟ هل من المواثيق إن هم يأخذوا المسجد الأقصى؟ هل يسلّم عربي أو مسلم في إن المسجد الأقصى يتركه لهؤلاء على أساس بيني وبينهم معاهدة؟ إذا كانت المعاهدة يعني تقتضي التسليم لهم فبئست هذه المعاهدة، لأن هذه المعاهدات لها حدود معينة.

ماهر عبد الله:

سؤال الأخ واصف من الإمارات عن الحديث، أنا أعتقد أن مداخلته لن نختلف عليها كثيراً "إن الجنة تحن شوقاً إلى..".

د. يوسف القرضاوي:

أنا ما رأيت هذا، ولا أحب للإخوة أن يبحثوا عن هذه، ما عندك.. هو فيه أحسن من القرآن؟! {الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} وبعدين أحاديث الصحيحين والأحاديث المتفق عليها "لا تشد الرحال إلا ثلاثة: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى" عندنا من الصحاح ما يكفينا، وعندنا الحديث "إن القدس أرض الرباط إلى يوم القيامة" حديث أبي أمامة الباهلي إن حينما قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"، فعندنا هذه الأحاديث الصحاح، لسنا في حاجة إلى هذه الأحاديث التي لا يعرفها أهل هذا الشأن.

ماهر عبد الله:

المطلوب قمة عربية، الأخ منير يقول: المطلوب قمة إسلامية وليس قمة عربية، مطلوب تحرك إسلامي وليس عربي، هل باعتقادك إذا فشلت القمة العربية في أن تكون حاسمة ستكون قمة إسلامية أكثر حسماً؟!

د. يوسف القرضاوي:

والله نأمل، هو مفروض عن قريب يعني في الشهر القادم ستعقد القمة الإسلامية هنا في الدوحة، وأعتقد إنه قضية القدس ستكون على رأس جدول الأعمال، وأرجو أن تكون هذه القمة أفضل من سابقتها، وإن كان طبعاً العرب يمثلون الجزء الأكبر من القمة الإسلامية فهم مؤثرون أيضاً.

نحن لا نيأس، ولا نتشاءم، ونأمل خيراً إن كان الواقع كما عرفنا من القمم المختلفة إنه الزعماء تحكمهم ظروف كثيرة، معظمها ظروف الخوف، يعني أنا لا أقول إنهم خائنون ولكن أقول إنهم خائفون، لا أقول بالخيانة ولكن هم خائفون ولا أقول إنهم خائنون، فالخوف من أمريكا والخوف من اعتبارات معينة والخوف من شعوبهم والخوف من إسرائيل والخوف من اضطراب الأرض من تحتهم، فهذا الخوف هو الذي يحكم، الأخ "إبراهيم غوشه" اليوم سألوه في قناة الجزيرة فقال: إن هذه القمة كانت مخيبة للآمال، هل يا أخ إبراهيم أنت كنت معلق عليها آمالاً كبيرة وخابت هذه الآمال؟!

ما أظن هناك، ولكن يعني الواحد لا يقطع الرجاء، فعسى أن يكون الغد أفضل من اليوم –إن شاء الله- ولعل تحدث ظروف، يمكن تحدث أشياء تحرك السواكن وتقلب الموازين، ما نعرفش في الشهر ده ماذا سيحدث، ماذا سيفعل باراك، هل سيعمل فعلاً الحكومة التي يقولها دي حكومة الطوارئ، ويضم شارون والليكود إليه؟ وأنا عندي الحقيقة كان لي قصيدة قديمة فقلت فيها:

لما قالوا وقالوا جاء رابين ومش عارف إيه فأنا قلت:

ورابين كشامير فمن نحس إلى نحس

فلا أسوأ من هذا سوى هذا وبالعكس

وليس فيهم من فتى مطيع

فلعنة الله على الجميع

ماهر عبد الله:

طيب ما رأيك في اقتراح الأخ أحمد حسين، هل سيسمح لك أن تقطع كل هذه الحدود التي تفصلك عن دول الطوق لو فيه مسيرة؟

د. يوسف القرضاوي:

يا ريت والله أنا كنت.. حتى أنا ما أقدرش أمشي كثيراً، إنما ممكن أركب كرسي متحرك وأفعل هذا، ولكن دول الطوق لا تسمح لا لي ولا.. أنا قلت في إحدى حلقاتي الماضية قلت: لنسمح لمليون مسلم، المسلمين 1300 مليون، خلي يجي مليون من الـ1300 لما يموتوا ويستشهدوا حتى هؤلاء يستشهد المليون، وينقصوا بدل 1300 يبقى 1299 مليون كفاية.. يكفينا هذا القدر خلي الناس التي تريد الجنة وتريد الموت وتريد أن تتغنى بما تغنى به عبد الله بن رواحة:

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها

إلى آخره، خلي هؤلاء نفتح لهم الطريق، يجي كل واحد ومعاه بندقيته أو مسدسه أو بأي شيء، ليت هذا يحدث والله أنا مستعد أن أذهب وأحرض، بعضهم يقول: محرض خير من ألف مقاتل، {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} ولكن ما أظن هذا يُسمح به..

ماهر عبد الله:

طيب.. معي الأخ جمال حسن من النمسا، أخ جمال تفضل..

د. جمال حسن:

السلام عليكم أستاذ ماهر، تحية لكم جميعاً، الحقيقة الكلمة التي أريد أن أتكلم فيها وهي أن لفضيلة الشيخ أن يلفت النظر إلى أن القضية ليست قضية القدس فقط ولا قضية المسجد الأقصى، طبعاً برغم الأهمية التاريخية والأهمية الدينية للمسلمين، لكن القضية الأصلية هي قضية أرض فلسطين، لأن كثير من المسلمين الآن.. جزء كبير من انفعالهم ومن هياجهم لأن إسرائيل ترفض السلام، ترفض الـ10% التي تفاوض عليها ياسر عرفات وزمرته والتي يكافئونه الآن بالمليار دولار هذا الذي يعطونه له فيعطي هذا ويمنع ذاك كما يفعل دائماً، فالقضية ليست القضية هذه، القضية هي قضية أرض فلسطين كلها حتى ولو نجحت هذه المحادثات ونجحت محادثات السلام، وحصل عرفات على دولته وعلى القدس كعاصمة له، ولكن تقتطع من أراضي المسلمين 78% هذه قضية مهمة جداً للمسلمين أن يدركوها.

النقطة الأخرى فضيلة الشيخ اقترح أن يقوم العلماء الأحرار وهذا طبعا واجب، الآن واجب شرعي ويأثم الآن من يتخلف عن هذا الواجب، وهو واجب البيان للمسلمين جميعاً وهذا دور العلماء، وكما قال فضيلة الشيخ قبل ذلك أن السبب الأساسي لفساد الأمة هو فساد الأمراء أولاً أو الحكام، لكن فساد العلماء الذين زينوا لهم ما هم فيه من الباطل، أتى دور العلماء الآن لكي يقولوا ويجهروا بكلمة الحق، ويؤسسوا هذه الرابطة وهي رابطة العلماء الأحرار على وزن الضباط الأحرار كما قامت قبل ذلك الثورات.

النقطة الأخيرة وهي أن المقاطعة السلبية للكوكاكولا والبيبسي والشيبسي وهذه الأشياء.. حدثت قبل ذلك ولكن استمر الدعم الأمريكي لإسرائيل، واستمرت هذه.. ولن تنتهي إسرائيل بهذه الأشياء.. هي نعم أمر مهم لكن ليس هذا هو الطريق الذي يؤدي إلى أن تتحرر فلسطين، طريق تحرير فلسطين موجود، ويدفع به المسلمون الأطفال والنساء والرجال الآن في فلسطين، يدفعون ثمن التحرير، وعلى الأمة جميعاً أن تساعدهم وتعينهم ونسأل الله التوفيق.

ماهر عبد الله:

مشكور جداً يا دكتور جمال، معي الأخ عبد العزيز علي من بريطانيا، الأخ عبد العزيز تفضل.

عبد العزيز علي:

أيوه، السلام عليكم..

ماهر عبد الله:

عليكم السلام

عبد العزيز علي:

بأحيي شباب الانتفاضة وشيوخها وأطفالها الأحياء عند ربهم يرزقون، وبأحيي فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي أطال الله بقاءه والأخ ماهر.

د. يوسف القرضاوي:

حياك الله يا أخي

عبد العزيز علي:

هو أنا لي تساؤل ديني، ومداخلة خاصة بمؤتمر القمة، بالنسبة للتساؤل الديني خاصة بسورة الإسراء وإحنا بنعيش الذكرى العطرة، أولاً يقول تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا} أنا عاوز أعرف –يا فضيلة الشيخ– إيه المرتين اللي يفسدون فيهم والمرة اللي هيعلوا فيها، وبعد كده {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة} ما المقصود هنا بأول مرة؟ والتالتة {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} عاوز أعرف الكبرى هنا إيه، الآية الكبرى اللي رآها سيدنا محمد؟

المداخلة الخاصة بمؤتمر القمة، يعني أنا أحب أقول للإخوة العرب والمسلمين إن هنا برضو بالنسبة لمؤتمر القمة فيه ارتياح إلى حد ما من القرارات اللي أخذها القادة العرب، وإن كنا نأمل في المزيد بقطع العلاقات واستكمال المسيرة مع تونس وعمان، شكراً.

ماهر عبد الله:

مشكور جداً، معي الأخ أحمد العنيزي من السعودية، الأخ أحمد تفضل.

أحمد العنيزي:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام والرحمة

أحمد العنيزي:

السلام عليكم يا شيخ

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام-يا أخي- ورحمة الله وبركاته..

أحمد العنيزي:

فيه موضوع مهم جداً، على قد ما تابعنا الانتفاضة من بدايتها، وعلى قد ما تابعنا القمة، وعلى قد ما تابعنا البرامج اللي تتكلم عن هذه المواضيع في كثير من المحطات، لم يأت على ذهن أي واحد فيهم، وهو أننا أمة ضعيفة في ذاتنا لا نقدر نصنع ولا إبرة ولا نسوي أي شيء، نعتمد اعتماد كامل في كل شيء في حياتنا على الغرب، لبسنا وأكلنا وسياراتنا وطياراتنا وسلاحنا وكل شيء، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نحرر فلسطين أو أن نهزم إسرائيل أو أي دولة أضعف من إسرائيل إذا لم نصنع سلاحنا بيدنا، إذا ما الرصاصة والبارود حقها وكل شيء والدبابة والطيارة، ونبني بيوت للسفن وللغواصات، ترى والله سهلة، والله سهلة متى ما عرفنا التكنولوجيا علمناها أبناءنا، متى ما صنعنا الأيدي العربية، لا تدخل دولة عربية وفيها تصنيع لها أو توزع لبلاد، وهذا الشيء اللي يقول عليه الأخ إنه الشيخ ياخد سيف ويروح، هذا ممنوع في الإسلام، والشيخ يقدر يصححني، إلقاء النفس إلى التهلكة ليس جهاداً ولا يقبله الإسلام، لكن الله علمنا في القرآن وأعطانا آية واضحة لنا ولحكامنا ولكل الناس، قال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} من قوة إيه؟ العلم والثقافة والصناعة والزراعة وكل شيء، وبعدها قال {ومن رباط الخيل} هذه دونها لا تعبوا نفسكم لا أنتم ولا غيركم ولا يمكن يسيب شبر.. الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يعد لها وكان يجند الكبار والصغار ويعلمهم الرماية..

ماهر عبد الله:

لفتة لطيفة يا أخ أحمد.. مشكور جداً على هذه المداخلة، وهذه لفتة الحقيقة ظريفة ولها علاقة بموضوع المقاطعة، وأنا على يقين أنه ستسمع من فضيلة العلامة القرضاوي تعليقاً عليها. نبدأ بالأخ جمال.. سيدي ليس الأقصى وحده، في زحمة هذه الأحداث ركزنا على الأقصى، وكأننا نتناسى في الخلفية أننا نتنازل عملياً، السقف الأعلى المطروح هو التنازل عن 78% كما قال من أرض فلسطين.

د. يوسف القرضاوي:

لا.. إحنا ركزنا على الأقصى، لأن الانتفاضة بدأت من أجل هذا، الانتفاضة بدأت حينما دخل شارون ودنس بأقدامه ساحات المسجد الأقصى، وتحدى مشاعر الأمة واستفزها، فبدأ الناس يغضبون من أجل هذا، وبدأ الكلام عن اليهود وأنهم يريدون أن يضعوا حجر الأساس لهيكلهم في ساحات الأقصى.. وبدأ.. فهذا هيج الأمة، إنما القضية بالنسبة لي على الأقل وبالنسبة للعلماء، إننا لا نفرط في أي شبر من أرض فلسطين، أنا أرى إن كل هذا كله عدوان واغتصاب، أرض مغتصبة، ولذلك إحنا بنتهم بالتطرف وبالإرهاب وبالأصولية وبالعنف، سمها ما تسميها لأن إحنا.. وأنا أقول: هذا ما كان عليه العرب عامة حتى حدث عدوان سنة 1967م فتغيرت فلسفة السياسة العربية، أصبحت الفلسفة تهتم بشيء سموه إيه؟! إزالة آثار العدوان!! كأن عدوان سنة 1967م أضفى الشرعية على عدوان سنة 1948م، فأصبح ده كأنه خلاص بقى إحنا مهمتنا نزيل الآثار، فكل اللي بنقوله دلوقتي عاوزين إيه؟ العودة إلى حدود 4 يونيو أو 4 حزيران 1967م، إنما أرى.. طب وما غصب قبل هذا أصبح شرعياً؟! أصبح ليس لنا حق فيه؟! أنا لا أملك هذا ولا يملك أي عالم مسلم أن يقول إن أي أرض اغتصبت من أرض الإسلام بالعدوان وبالعنف وبالدم وبالحديد وبالنار يملكها من احتلها ولم تعد إسلامية.. لا، لا يملك أحد هذا فهذه كلها أرض الإسلام، إنما إحنا نقول انتفاضة الأقصى لأنها قامت فعلاً من أجل تدنيس الأقصى، ولا مانع، والأقصى هو رمز في الحقيقة، أنا كتبت مقالة اسمها (القدس رمز للقضية الفلسطينية) يعني هي إذا قلنا القدس أو قلنا الأقصى فما معنى فلسطين بلا أقصى ولا قدس؟ فلسطين بلا قدس كجثمان بلا رأس، فهذا هي رأس القضية وروح القضية وقلب القضية ورمز القضية.

ماهر عبد الله:

ذكرت العلماء أكثر من مرة في جوابك هذا، الأخ جمال أيضاً عرَّج على أن اجتماع العلماء الأحرار باعتقاده واجب، ورأيك في فساد العلماء، تحدثنا عن فساد بعض الزعماء وخوفهم، لكن ثمة علماء يزينون لهم هذه المواقف، ماذا تقول لهم؟

د. يوسف القرضاوي:

والله العلماء شأنهم شأن البشر ليسوا معصومين ولاهم أنبياء ولا ملائكة، فيهم وفيهم، ولكن علماء السوء الناس بتعرفهم وتكشفهم ويسموهم علماء السلطة، يعني هذا إنما إحنا بنتكلم عن العلماء الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله، هؤلاء هم العلماء حقاً، ليس العالم الذي يذهب إلى الأمير ويزين له السوء ويمدحه بالباطل، لا، ليس هذا هو العالم المقصود.

ماهر عبد الله:

مشكور جداً يا سيدي سنواصل بعد الموجز.

[موجز الأخبار]

ماهر عبد الله:

سيدي.. الأخ عبد العزيز كان سؤاله على سورة..

د. يوسف القرضاوي:

الإسراء.

ماهر عبد الله:

الإسراء في القرآن، المرتين الواردتين في الآية ما المقصود بهما؟

د. يوسف القرضاوي:

هو الآيات، بسم الله الرحمن الرحيم، الآيات المذكورة في سورة الإسراء، ومن العجيب أنها جاءت بعد أن ذكر الله الإسراء بآيتين أو ثلاثة وبعدين ذكر قصة بني إسرائيل {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً. فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا. ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً} إلى أن جاء قوله تعالى: {عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا} فالمفسرون القدامى يقولون: المرتان حدثتا قبل الإسلام، وأفسد بنو إسرائيل الإفسادتين وعوقبوا على كل واحدة منهما.

هناك رأي ظهر.. بعض المسلمين المعاصرين مثل الشيخ الشعراوي –رحمه الله- والشيخ عبد المعز عبد الستار –حفظه الله- وبعض العلماء يقولون: لا، ده المرة الأولى هي ما حدث لبني إسرائيل مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني ما حدث لبني قينقاع وبني قريظة وبني النضير، ولكن أنا الحقيقة أرجح ما أجمع عليه المفسرون القدامى، أولاً هو قال: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} يعني في كتابهم التوراة وملحقاته، وفيها ما يشير إلي هاتين الإفسادتين، فهم أفسدوا إفسادات كبيرة منها قتل الأنبياء ومنها الطغيان في الأرض والتحريف والكذا، فسلط الله عليهم أعداءهم، في المرة الأولى سلط الله عليهم البابليين (بختنصر) كما نسميه أو (بوختنصر) كما يقول الغربيون، هذا الملك البابلي جاء وحطمهم تحطيماً، دمر ديارهم وحرَّق معابدهم وحرَّق توراتهم وأخذهم أسرى إلى بابل، فألغى دولتهم وأنهاها، يعني في هذه الحالة، وظلوا سبعين سنة في بابل منفيين هناك، ولهم أناشيد بكاء وحزن وعويل في هذه المدة، فهذا هو أليق ببني.. لأن بني إسرائيل اللي كانوا في المدينة دول ليسوا بني إسرائيل، دي شريحة لأن ربنا بعد كده ضربهم الرومان في المرة الثانية وشتتوهم كما جاء في القرآن وقال: {وقطعناهم في الأرض أمماً} فكان من الأمم هذه التي قطعت القبائل الثلاثة التي كانت في المدينة.

فهؤلاء لا يمثلون بني إسرائيل حقيقة عندما أيام ما كانوا في أرض فلسطين وأرض الشام في هذه الحالة، فهذا اللي ينطبق عليهم، وبعدين ما عوقبوا به عقوبة شديدة جداً، يعني الحرق والتدمير والتتبير كما ذكر القرآن، هذا ما فعلوه.. المسلمين ما فعلوش بهم هذا، المسلمون كانوا يعني رفقاء بهم بس هم بنو قريظة اللي اشتد عليهم النبي، لأن هم قال لهم قبلوا حكم سعد بن معاذ وكانوا يستحقون في مثل هذا، لأنه لو تركهم كانوا سيعودون إلى مثلها ومثلها.

فأنا أرى أن الآيات تدل على إن المرتين حدثتا قبل الإسلام بدليل إنه القرآن قال: {فجاسوا خلال الديار} يعني ديار بني إسرائيل، إنما ديار بني قينقاع دي ديار في المدينة مش ديارهم، دا ديار العرب، وبعدين قال: {ثم رددنا لكم الكرة عليهم} هو بيخاطب بني إسرائيل {لتفسدن في الأرض ولتعلن} {ثم رددنا لكم} فبيمتن عليهم إنه رد لهم.. فهل يمتن الله على بني إسرائيل بإنه رد لهم الكرة على المسلمين؟! يذكر ذلك في معرض الامتنان، لا يمتن بمثل هذا، وبعدين قال: {ليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا} المسلمين ما دخلوش المسجد أول مرة، وما كانش لهم مسجد في أرض في بني قينقاع ولا كذا، ولا تبروا، ولا عمر المسلمين في فتحهم، التتبير يعني التدمير والتخريب، عمر المسلمين ما خربوا ولا دمروا.

فلذلك أنا أرى المرتان حدثتا قبل ذلك وعوقبوا عليهما، ولكن نحن ومعهم في هذا القانون، قانون الإله قال: {وإن عدتم عدنا} فهم عادوا إلى الإفساد والطغيان فالمتوقع أن يعود الله عليهم بالعقاب والعذاب، وهذا القرآن قاله في آية من سورة الأعراف: {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}.

ماهر عبد الله:

طب، سؤاله الثاني عن كما دخلوه أول مرة، ما المقصود بأول مرة؟

د. يوسف القرضاوي:

هو ما أنا بأقول لك دخلوه يعني يقول: سنسلط عليكم ناس تدخل مسجدكم وتتبره كما تبروه أول مرة، وده اللي حصل، يعني إنما إحنا ما دخلناهش قبل كده حتى ندخله المرة الأخيرة، فهذا ينطبق على الرومان، وعلى الجماعة الآخرين، لأنهم يعني من جنس واحد، وإن كان مش هم اللي دخلوا أول مرة وإنما هم من جنس واحد وهو جنس الكفار الذين سلطهم الله عليهم.

ماهر عبد الله:

طيب، في أواخر السورة {لقد رأى من آيات ربه الكبرى}.

د. يوسف القرضاوي:

{لقد رأى من آيات ربه الكبرى}.

ماهر عبد الله:

هو يريد أن يعرف ما هو المقصود بآيات ربه الكبرى.

د. يوسف القرضاوي:

هو كأنه رأى.. وده رأي بعض العلماء -بس مش هو الرأي الصحيح- إنه بيقول: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} يعني رأى الآية الكبرى.

ماهر عبد الله:

أكبرها.

د. يوسف القرضاوي:

يعني رأى من الآيات.

ماهر عبد الله:

أكبرها.

د. يوسف القرضاوي:

إنما هذا ليس هو بالتفسير الصحيح، التفسير الصحيح إن الكبرى صفة للآيات، يعني القرآن قال في سورة الإسراء: {لنريه من آياتنا} وفي هذه الآيات وصف الآيات بأنها آيات كبرى، آيات عظيمة، يعني ما رآه في طريقه، وما رآه في السماوات، وما رآه في القدس، وفي صلاته.. كل دا آيات كبرى، فهذه هي، ولذلك أخذ بعض العلماء من هذا إنه لم ير الله عز وجل، لأنه لو كان رآه كان ذكر هذه الآية، وهي أكبر الآيات وهي رؤية الله عز وجل.

ماهر عبد الله:

طيب الأخ أحمد العنيزي كان يستهجن أن ندعو إلى المقاطعة ويقول: نحن نعتمد على الغرب في كل شيء، بداية التحرير يجب ألا تكون الدعوة إلى المقاطعة بل بالاعتماد على النفس في المأكل والمشرب والملبس والسيارة والسلاح، هل؟

د. يوسف القرضاوي:

يستنكر دعوة المقاطعة؟

ماهر عبد الله:

يعني يقول هذه لن تفيد كثيراً، وكان فيه أخ ثاني قبله الأخ جمال قال إن المقاطعة غير فعالة، الأخ من السعودية قال: نحن نعتمد على الغرب في كل شيء فماذا سنقاطع؟ نقاطع المأكل؟ أمة لا تستطيع..

د. يوسف القرضاوي:

لو قاطعنا الكاكولا والبيبسي كولا هيجرى لنا إيه؟ لو قاطعنا ماكدونالدز هيجري لنا إيه؟

ماهر عبد الله:

لا، هو قصده لن تكون فعاله على أمريكا يعني، الضغط..

د. يوسف القرضاوي:

لما ألف ومليون مسلم يقاطعوا أمريكا، ده من كم سنة أحد الإخوة عمل ما تبيعه.. أخ بحريني بعث لي إحصاء عما تبيعه الكوكا كولا في البحرين طلع عشرات الملايين في السنة الواحدة، عشرات الملايين، مئات، قالوا: إن السجاير اللي بتستهلكها السعودية من السجائر الأمريكية بمليارات، يعني لماذا نستهين بهذا؟ أنا أستطيع، هل لما أستغني عن السجائر الأمريكية أو البيتزا الأمريكية أو البتاع.. إيه اللي هانخسره؟ لا، نعتمد على أنفسنا، نعمل إحنا هذه الأشياء من عندنا، لتكن في أول الأمر ضعيفة ثم تقوى، يعني الصناعات هكذا تبدأ.

ماهر عبد الله.

هو إنصافا بس للأخ أحمد العنيزي كان يريد منا أن نعتمد على أنفسنا.

د. يوسف القرضاوي:

لا هو اللي فهمته من الأخ إنه يقول لك: كيف نحاربهم وإحنا ليس عندنا سلاح إلا من عندهم؟ فهو يريد إن إحنا ننتظر حتى نصنع السلاح ويبقى عندنا سلاح مثلهم في الحالة دي نحارب، يعني علينا أن نعمل ترسانة نووية مثل إسرائيل وبعدين نحارب، أنا أقول لا، هذا لو حدث عمر ما أمة مستعبدة تحارب، لأن عمر الأمم المستعبدة لا تكون في قوة المستعمر الذي يستعبدها، لو طُلب من الأمم هذا ما حاربت أمة قط احتل أرضها المستعمر.

الله تعالى يقول: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} ما استطعتم، لم يقل أعدوا لهم مثلما أعدوا لكم، فإحنا.. وإحنا نستطيع الكثير، نحن بالتكامل لو توحدنا، يعني مشكلتنا في الفرقة، ممكن لو أننا ادخرنا قوتنا، لو صدام حسين والعراق ما ارتكبوش الحماقات اللي ارتكبوها وكان عندهم قوة هائلة كانت وفرت لمثل هذا الوقت كانت تنفع، الآن الباكستان وصلت إلى القوة النووية، وأنا أعتقد إن فيه عدد من البلاد العربية يمكن أن يصل إلى القوة النووية، إيران عندها صواريخ شهاب هذا اللي عملوه، مداه كذا مائة كيلو، يعني بالتكامل نصبح قوة كبيرة، فلا ينبغي أن أعطل الانتفاضة وأقول لهم استنوا خلوا شارون يركب رؤوسكم وباراك يفعل فيكم الأفاعيل لحد ما..

أنا صحيح أعيب على هذه الأمة، أنا دائماً أقول أمة سورة الحديد لم تتعلم صناعة الحديد، يعني القرآن أنزل لنا سورة وسماها سورة الحديد وقال: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} فيه بأس شديد إشارة إلى الصناعات الحربية، ومنافع للناس إشارة إلى الصناعات المدنية، ونحن للأسف لم نتقن الصناعات الحربية ولا المدنية ونعيش عالة على غيرنا، فصلاح الدين ونور الدين محمود والناس الذين حرروا فلسطين قديماً صنعوا الإيمان وصنعوا السلاح الاثنين، وجمَّعوا، حاولوا يجمعوا الأمة، على الأقل جمعوا يعني مصر وفلسطين والشام والبلاد دية، جمعوا ما يمكن تجميعه ليحاربوا بقوة، فهذا الذي علينا أن نفعله ولكن لا نقف مكتوفي الأيدي لحد ما يبقى لنا قوة مثلهم هذا لا يقوله عاقل.

ماهر عبد الله:

ولن يحصل، طيب.. معاي الأخ أشرف المراغي من مصر. الأخ أشرف تفضل..

أشرف المراغي:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

وعليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

وعليكم السلام.

ماهر عبد الله:

أرجو بس باختصار أخ أشرف..

أشرف المراغي:

باختصار نعم، فيه عندي السؤال الأول بالنسبة للأزهر: إحنا نعرف إن الأزهر كان له دور مشرف وهو كان كلمة المسلمين في الماضي، الحين بعد ما أخضع إلى رئاسة الوزراء، أصبح ليس له دور، ويؤمر ولا يأمر.. السؤال الثاني بتاع حزب الله: هل الجهاد مع حزب الله هو نوع من الجهاد الإسلامي وإذا قتل فيها الإنسان يعتبر شهيد؟

ماهر عبد الله:

طيب مشكور جداً يا أخ أشرف.. الأخ سالم وأرجو أن تكون مختصراً. الأخ سالم عبد الله من بريطانيا..

سالم عبد الله:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

وعليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

وعليكم السلام ورحمة الله.

سالم عبد الله:

أخي.. باراك انسحب من لبنان بعد أن وجد إنه مستنقع له وأحس الشارع الإسرائيلي بأن وجوده في لبنان يجب أن ينتهي، لذلك أوجدوا هذه الحرب الآن بالمسجد الأقصى وفلسطين حتى يجعلون من هذه الأحداث مستنقع جديد يدفع ويضغط على الشعب اليهودي بأن يوافقون على ما اتفق به باراك وعرفات وكلينتون في كامب ديفد الثانية. موقف الحكام العرب اليوم كله يصب في هذه المسألة، هؤلاء الحكام اللي يحاربون الإسلام ويعطلون ذروة سنامه ويضيعون المقدسات وينتهكون المحرمات ويسجدون للكفار واليهود ويركعون، ويتركون أهل فلسطين بصدورهم وحجارهم للطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ، والشيخ –حفظه الله- يقول عنهم: هم ليسوا خونة، هل يتقي الله في هذا الموقف؟ وجزاكم الله خيراً.

ماهر عبد الله:

طيب، الأخ سامي عبد المغني من فلسطين نرجو باختصار شديد يا أخي. أخ محمد إبراهيم من سويسرا.

محمد إبراهيم:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

محمد إبراهيم:

د. يوسف القرضاوي:

وعليكم السلام ورحمة الله. يا أخي أنا فيه عندي مداخلة وفي النهاية سؤال.

ماهر عبد الله:

الله يخليك تبدأ لي بالسؤال، أنا باقي معي دقيقتين وعندي ثلاثة أسئلة.

محمد إبراهيم:

ماشي، باراك الله فيك يا أخي 30 عام والدول العربية ننتظر فيها وهي لم تجهز للحرب 30 عام ولم تجهز للحرب، متى سوف تجهز الدول العربية للحرب ضد إسرائيل؟! ولماذا الخيار العسكري مستبعد من عقول حكامنا حكام الدول العربية؟! لماذا؟ لماذا لا يقوم علماؤنا.. اسمح لي.

ماهر عبد الله:

طيب أخ محمد، مضطر أقاطعك.. مشكور جداً، لم يبق معي إلا دقيقتين وعندي أربعة أسئلة لفضيلة الشيخ، أنا أعتقد أنه نختار بهم، أولاً هو الأخ يستغرب، الأخ سالم إنك تقول إنهم غير خونة وهم غاصوا في الخيانة!!!

د. يوسف القرضاوي:

إحنا مش سالمين يا أخي رغم حتى هذا متهمين بأننا من دعاة الإرهاب والعنف، فخلينا ناخد بأضعف الإيمان، نعتبرهم خائفين وبلاش خائنين، ولا نستطيع أن نعمم على كل حال..

ماهر عبد الله:

الجهاد مع حزب الله جهاد.

د. يوسف القرضاوي:

من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، وكل من يقاتل إسرائيل فنحن نشد أزره ونعينه على هذا القتال المشروع، الذي هو فرض على هذه الأمة {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}.

ماهر عبد الله:

طيب.. في دقيقة تختم لي بدور الأزهر، أعتقد سمعت سؤال الأخ أشرف أن الأزهر كان له دور في التاريخ، على مدار التاريخ قوي ومبرِّز الآن هو مسيَّس كما زعم الأخ أشرف الآن هو مسيَّس وتابع لرئاسة الوزراء وبالتالي ليس..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]:

هي المشكلة ليست في تبعيته لرئاسة الوزراء، المشكلة أكبر من هذا، الموضوع يحتاج إلى توسعة في القول، لأن هي نحن نرى إن المفروض الأزهر يكون له استقلال، وخصوصاً شيخ الأزهر، بحيث إنه يختاره المسلمون في أنحاء العالم، وهذا رأي كثير من علماء الأزهر، إنما المشكلة حينما يصبح العلماء في ركاب السلطان، وأنا لا أتهم كل العلماء بهذا، هناك كثير من العلماء الأحرار والشرفاء والذين يقولون كلمة الحق ولا يبالون بهذا، فلا أستطيع أن أتهم كل علماء الأزهر، ففيهم الطيبون والأخيار والذين لا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيبا.

ماهر عبد الله:

طيب.. عند هذا نختم، جزاك الله خيراً.. أعزائي المشاهدين.. لم يبق لي إلا أن أشكر باسمكم فضيلة العلامة الدكتور القرضاوي، وأعتذر مجدداً عن الكم الكبير من الفاكسات الذي وصل، لا يخفى عليكم أننا لم نستطع الإجابة على كلها، ونعتذر للأخوة الذين انتظروا على الهاتف فترات طويلة ولم نستطع أيضاً الإجابة، ونشكر الأخ الذي أرسل لنا خصيصاً نخصه بالشكر، الأخ أمير جابر الذي أرسل لنا قصيدة أحمد مطر، لكن للأسف الشديد لن نستطيع أن نقرأها لانتهاء الوقت.

إذن إلى أن نلقاكم في الأسبوع القادم لكم مني أجمل تحية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.