صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان
الشريعة والحياة

صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان

حسم الجدل الدائر حول رؤية هلال عيد الفطر المبارك، مدى اعتبار الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، الشريعة الإسلامية شريعة عالمية، القياس كإحدى آليات صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، المرجعية تراث الإسلام أم تراث المسلمين؟ شرعية التجديد في الفقه الإسلامي.

مقدم الحلقة:

ماهر عبد الله

ضيف الحلقة:

الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.. داعية إسلامي

تاريخ الحلقة:

09/01/2000

– حسم الجدل الدائر حول رؤية هلال عيد الفطر المبارك
– مدى اعتبار الشريعة صالحة لكل زمان ومكان

– الشريعة الإسلامية شريعة عالمية

– القياس كإحدى آليات صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان

– المرجعية تراث الإسلام أم تراث المسلمين؟

– شرعية التجديد في الفقه الإسلامي

undefined
undefined

ماهر عبد الله: أعزائي المشاهدين، السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج (الشريعة والحياة).

واسمحوا لي بداية أن أبدأ بتوجيه التهنئة للأمة الإسلامية، ولكل مشاهدينا هذه الليلة بمناسبة عيد الفطر السعيد الذي نرجو أن يعيده الله علينا باليمن والخير والبركات، كما أرجو أن تسمحوا لي أن أبدأ أيضاً بتوجيه الشكر لكل الذين اتصلوا بعد الحلقة الماضية، والحقيقة قبلها بحلقات أو الذين أرسلوا لنا فاكسات يعبرون فيها عن التضامن مع فضيلة ضيفنا وشيخنا دكتور القرضاوي، ونحن نقول لهم إن الله يدافع عن الذين آمنوا، وإن شيخنا له في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، فقد سمع ممن جاء إليه بالخير الكثير من الشر تحمله واحتسبه عند الله تعالى.

موضوع حلقتنا لهذا اليوم سيكون عن صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، ويسعدني أن يكون معي فيها فضيلة العلامة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي.

دكتور يوسف، أهلاً وسهلاً بك في هذه الحلقة.

د.يوسف القرضاوي: أهلاً بكم يا أخ ماهر، حفظك الله.

ماهر عبد الله: لو بدأنا بالعيد أنت أخطرتني أنك تحب أن توجه تهنئة.

د.يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد: فإن المناسبة تقتضينا أن نوجه التهنئة إلى إخوتنا المسلمين في قطر وفي بلاد الخليج، وفي بلاد العرب، وفي العالم الإسلامي وخارج العالم الإسلامي، كل من يصل إليه صوتنا وصورتنا في أي مكان في العالم، وحتى من لم يصل إليه الصوت والصورة، نحن نوجه التهنئة إلى المسلمين في أنحاء الأرض بهذا العيد المبارك الذي جعله الله خاتمة لهذا الجهاد الروحي جهاد الصيام، فالله -سبحانه وتعالى- قد جعل للصائم فرحتين، فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه، وهناك فرحة يومية، كلما انقضى يوم فرح المسلم عند الإفطار، فإذا انقضى الشهر كله فرح الفرحة الكبرى بأنه أصبح حراً من ناحية وبأن الله تعالى وفقه إلى أداء هذه العبادة، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، نحن نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعل هذا العيد عيد خير وبركة وفتح ونصر لأمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ولإخوتنا المجاهدين في كل مكان، وخصوصاً إخوتنا في الشيشان، الذين نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يمدهم بروح من عنده وأن يؤيدهم بجند من جنده، وأن يحرسهم بعينه التي لا تنام، وأن يكلأهم في كنفه الذي لا يضام، فهم يدافعون عن أرضهم وحرماتهم وأعراضهم وأموالهم ومقدساتهم، والله ناصرهم إن شاء الله، أسأل الله تعالى أن يعيد أمثال هذا العيد علينا، وعلى أمتنا الكبرى بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ويرضى، اللهم آمين.

حسم الجدل الدائر حول رؤية هلال عيد الفطر المبارك

ماهر عبد الله: طيب لو سمحت لي بس بسؤالك على الفتوى بخصوص الرؤية، إن أنا الحقيقة يعني أنا استلمت مجموعة من المكالمات ومجموعة من الفاكسات، أنا سمعت توضيحك على نشرة (الجزيرة)، وكان حقيقة أزال.. أزال الكثير من.. من اللغز، فياريت بس باختصار شديد.

د.يوسف القرضاوي: نعم، هو الإخوة في موقعنا الإسلامي العالمي المعروف موقع "إسلام أون لاين" على شبكة الإنترنت، وهو الموقع الذي يدار من قطر هنا، والحمد لله قد لقي إقبالاً عظيماً، الآن يعني حوالي يعني ملايين يعني 30 مليون أو كذا يعني أطلوا على هذا الموقع.

ماهر عبد الله: خلال ثلاثة شهور.

د.يوسف القرضاوي: خلال من.. من أوائل.. أول أكتوبر إلى اليوم، يعني حوالي ثلاثة شهور يعني حوالي 30 مليون يمكن أطلوا على هذا الموقع، ولذلك عندما نشر هذا الموقع "إسلام أون لاين" الكلمة التي أخذها مني بعض الإخوة شفهياً، ولكن يبدو أن الجزء الأول من الفتوى لم يصغ صياغة دقيقة، الجزء الثاني من الفتوى أو معظم الفتوى صيغ صياغة حسنة، الجزء الأول منها لم تعجبني صياغتها، اللي هم الإخوة قالوا لي إن انهالت علينا الأسئلة من أنحاء أوروبا وأميركا، يسأل أصحابها بعد أن ثبت الهلال في المملكة العربية السعودية وبعض بلاد الخليج ماذا يفعلون هم والمراكز العلمية عندهم تؤكد لهم أن يوم الجمعة هو الثلاثين من رمضان، وأنه يستحيل أن يُرى الهلال فلكياً في أي مكان في العالم، وهذا يعني أنا سمعت ورأيت، وقرأت، وشاهدت حتى عندما كنا في أميركا كان هناك مؤتمر يعني بين علماء الشريعة هناك، وشرفني الإخوة برئاسة هذا المؤتمر، وجاءنا أحد الإخوة الفلكيين الذين يعملون في الوكالة الأميركية للصواريخ وسفن الفضاء، يعني وشرح لنا الأمر شرحاً، وقال: لا يمكن أن يُرى الهلال ليلة الجمعة هذه، فالإخوة الذين سألوا طب ماذا نفعل؟ فأنا قلت لهم: أنتم افعلوا بما توقنون به، يعني ليس.. لستم ملزمين بأن تتبعوا لا قطر ولا السعودية ولا مصر، أنتم خليكم كما أنتم، وصوموا يوم -الأيه- الجمعة، واعتبروه هو اليوم المتمم للثلاثين من رمضان، ولا.. لأنه لا يوجد إلزام بأنه إذا ثبت في بلد يعني يلزم الصيام في بلد يلزم الإفطار في بلد آخر، وخصوصاً إنها رؤية فردية، يعني ليست رؤية مستفيضة، ليست جمًّا غفيراً كما يقول الأحناف، إنه إذا كان الجو صحواً فلا يكفي الواحد ولا الاثنان ولا للثلاثة، ولكن أن يراه جم غفير، قدره بعضهم بخمسين شخصاً، وقدره بعضهم بأهل محلة أهل قرية أو هل مسجد خارجين من صلاة المغرب ويقول له: هذا الهلال، يقول: آه، أهو.. أهو، فهذا الرؤية الفردية لا تلزم، فهذا الذي قلته.

وقلت أيضاً في هذه الفتوى: إن الذين ثبت العيد عندهم بقرار من السلطة الشرعية عليهم أن يتبعوا السلطة الشرعية، ولا يجوز بحال أن ينقسم أهل البلد الواحد، وهذا قررته من قديم أنا إنه لا يجوز أن ينقسم أهل البلد الواحد إلى قسم صائم وقسم مُعيِّد، هذا لا يجوز، لأ.. نتبع السلطة الشرعية، حتى وإن كنا نعتقد أنها مخطئة، إنما يجب.. الخطأ هنا مغتفر، يجب أن نصوم معاً ونُعيِّد معاً، إذا لم نستطع أن نحصل على وحدة المسلمين في العالم على الأقل نحصل على وحدة أهل البلد الواحد.

ماهر عبد الله: البلد الواحد.

د.يوسف القرضاوي: ولذلك أنا أنكرت من قديم على الإخوة في مصر والإخوة في المغرب الذين يصوم بعضهم في يوم كذا، قالوا لي الإخوة مرة في المغرب: بعضنا صام يوم الأربعاء مع المملكة السعودية، وبعضهم صام يوم الخميس مع مصر وتونس والجزائر، وبعضهم صام يوم الجمعة مع أهل المغرب، أيهما الأصوب؟ قلت لهم: الأصوب الذي صام مع أهل بلده، حتى فهذا.. بعض الناس يسأل: طيب إذا كنت أنا أعتقد أن هذا اليوم هو فعلاً من رمضان، صوم يا أخي يوماً بدل هذا اليوم، يعني..من باب الاحتياط لا مانع تصوم يوماً بدل هذا الأيه اليوم، ما دمت تعتقد إنه هذا اليوم من رمضان، ولا حرج عليك في ذلك.

ماهر عبد الله: طيب سيدي مشكور جداً على هذا التوضيح.

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله: اضطررنا للخوض في موضوع آخر نظراً لبعض الجدل الذي ثار نتيجة سوء فهم لفتوى أصدرها الشيخ، وسنكمل -إن شاء الله- معه هذه، بس حتى نعطيها أو نشبعها ونعطيها وقتها، سؤالي الأخير إليك وأرجو ألا نطيل في هذا الموضوع هو احتمالية الخطأ واردة سواء في الفلك ولا في.. في الرؤية، في حال.. يعني كيف نحسم؟

د.يوسف القرضاوي: أنا أقول الفلك … يعني أولاً يجب نحدد ما هو الفلك، لأن بعض الناس بيظن الفلك هو التنجيم، وفيه حديث جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد"، ويقصد إن دُول الناس اللي يتنبئوا بالأحداث إن فلان هيحدث كذا، وهيموت فلان، ويحصل فلان، هذا التنبؤ بالمستقبل من خلال النجوم لا أصل له لا في العلم ولا في الدين، وده اللي جاء فيه الحديث، وبعضهم أيضاً بيحسب علم الفلك في العلم اللي في الروزنامات، يعني يقول لك: قال العجيلي كذا في الكويت، وقال في أم القرى، وقال الأنصاري في قطر، وقال فلان في البحرين وفلان في مصر، لأ أنا لا أقصد هذه الروزنامات، إنما أقصد علم الفلك الذي يعني تبحر فيه الإنسان الحديث، ووصل بواسطته إلى القمر وإلى النجوم الأبعد من.. من القمر، وهو الذي يحدد لنا، الكسوف سيحدث في يوم كذا، في الساعة كذا، في الدقيقة كذا، في الثانية كذا، وفي البلد الفلاني سيكون كلياً، وفي البلد الآخر سيكون جزئياً، والبلد الثالث سيكون حلقياً، ويحدث كما قال بالضبط بالدقيقة والثانية، حتى إن إحنا كنا في أحد المجامع ذكر لنا أحد علماء الفلك وهو يشرح لنا على الخريطة وبالصور، قال: إن احتمال الخطأ في علم الفلك الحديث واحد على 100 ألف في الثانية، يعني شوف إلى أي حد أصبحت الأجهزة الدقيقة .. يعني حتى الثانية بتجزأ إلى آلاف ومئات الآلاف، فهذا لا.. ليس من المعقول إن إحنا نقول إنه.. إنه يخطئ ونحن نرى أنه على أوساط الواقع.. الواقع يصدق ما يقوله تماماً بالنسبة للكسوف والخسوف وهذه الأشياء.

مدى اعتبار الشريعة صالحة لكل زمان ومكان

ماهر عبد الله: طيب، أعتقد هذا المدخل المناسب لنا لموضوع حلقتنا لهذا اليوم يعني مع.. مع شكرنا لك على هذا التوضيح، والذي نرجو أن يشفي صدور الكثيرين ممن وقع عندهم الالتباس، الشريعة من حيث المبدأ هذه أحد الإشكاليات الناجمة عن التجدد والتجديد في حياة الناس، مقولة مشهورة عند الإسلاميين أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وهم قطعاً يقصدون الشريعة على أن الإسلام يعني دين الله الخالد، لكن الشريعة هذه هي فهمنا وتعاملنا مع.. مع النصوص، ما هي الآليات؟ وصلني يعني سؤال ما هي الآليات التي تضمن لنا تبرير استخدام مثل هذا المصطلح أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان؟

د.يوسف القرضاوي: هو أولاً لابد أن ندلل على هذه القضية، هل فعلاً الشريعة يعني صالحة لكل زمان ومكان؟ وأنا أقول: نعم، هي صالحة لكل زمان ومكان، شهد بذلك الوحي، وشهد بذلك التاريخ، وشهد بذلك المنصفون حتى من رجال القانون الوضعي حتى من غير المسلمين، وشهد بذلك الواقع الذي نعيشه، الوحي شهد بأنه هذه الشريعة هي خاتمة الشرائع، لأنه (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) ما دام هذه الشريعة ليس بعدها شريعة معناها إنها صالحة لكل زمان ومكان، وبعدين هي شريعة.. شريحة.. شريعة عالمية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) فهي شاملة مكاناً وزماناً وشاناً، لأنها أيضاً تشمل كل شؤون الحياة، فالوحي شهد لها، التاريخ شهد لها، نحن لو تتبعنا التاريخ الإسلامي نجد أن المسلمين عندما يعملون بالشريعة ويطبقونها تطبيقاً صحيحاً يكونون أسعد ما يكونون، يزدادون قوة على قوة، ينتصرون على أعدائهم، تتوحد كلمتهم، يشعرون بالرخاء والازدهار في حياتهم، وهذا.. إذا ابتعدوا يعني كالمد والجزر، والامتداد والانكماش، والازدهار، والذبول، والنصر والهزيمة، والسعادة والشقاء، مرتبطان بماذا؟ الاقتراب من الشريعة الإسلامية أو البعد عنها، فهذا ما.. ما سجله التاريخ، ولذلك أعظم فترات التاريخ هي الفترات اللي بنرى فيها ناس يحسنون تطبيق الشريعة، يعني عهد الخلفاء الراشدين، عمر بن عبد العزيز، نور الدين محمود الشهيد، صلاح الدين الأيوبي، وهكذا.

فنجد في عهد هؤلاء يحصل النصر، ويحصل الازدهار، وتحدث القوة، وتحدث الوحدة، وهذا التاريخ يعني يقول لنا، الواقع يقول لنا أيضاً إننا يعني المؤتمرات العالمية شهدت لهذه الشريعة بالخصوبة وبالتميز وبكذا، مؤتمر لاهاي سنة 1937، مؤتمر باريس يعني الحقوق الدولية سنة 1951، وحضر أناس يعني مثلوا الشريعة الإسلامية في هذه المؤتمرات، وبعدين الواقع يقول لنا، يعني.. بدراستنا نحن للشريعة نجد هذه الشريعة -والحمد لله- تضمنت أفضل المبادئ وأرسخ القواعد وأدق التشريعات لصلاح الفرد، وصلاح الأسرة، وصلاح المجتمع، وصلاح الأمة، وصلاح الدولة، وصلاح الإنسانية، ونحن لا نقول هذا مجرد يعني كلام عاطفي، هذا كلام يعني أُلفت فيه كتب، وقامت عليه أدلة، وقُدِّمت فيه دراسات وأطروحات للماجستير وللدكتوراه بالمئات، يعني سواء في الجانب القانوني البحت أو الجانب الاقتصادي أو الجانب السياسي، قُدِّمت مئات الأطروحات في هذه الناحية وأجازتها الجامعات.

ماهر عبد الله: طيب لو.. لو سمحت لي هون بالسؤال عن هذا الكلام الذي تفضلت به كونها الرسالة الخاتمة، إذاً هي تختلف في.. في هذه القضية عن غيرها من الأديان السابقة.

د.يوسف القرضاوي: نعم.

الشريعة الإسلامية شريعة عالمية

ماهر عبد الله: يعني إلى أي مدى يمكن يعني لو قارناها بالديانة اليهودية مثلاً فيها.. فيها جانب تشريعي، لكن لماذا لا يصلح التراث اليهودي لكل زمان ومكان، ونحن نقول أن شريعتنا تصلح لكل زمان؟

د.يوسف القرضاوي: لأنه الشريعة اليهودية كانت شريعة شعب، يعني جاءت لشعب معين، هذا قاله حتى الدكتور نظمي لوقا في كتابه "محمد الرسالة والرسول"، قال: المسيحية كانت ديانة قلب جاءت لتطهير القلوب، واليهودية جاءت.. كانت ديانة شعب، ولشعب معين هو الشعب الإسرائيلي، أما الإسلام فجاء ديانة للعالم، رسالة عالمية، ومن يقرأ التوراة أو الأسفار الخمسة اللي هي بتكون التوراة يجد إنه هذه التوراة ليس لها حديث إلا عن إسرائيل وبني إسرائيل، الله نفسه هو رب إسرائيل، يعني إحنا عندنا أول آية في القرآن بعد البسملة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ)، وآخر سورة في القرآن (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ) مافيش لا العرب ولا…، العالمية تبدو في القرآن في كل يعني جوانبه، إنما التوراة.. كتاب إسرائيل وشعب إسرائيل، حتى تتكلم عن عادات القبائل وكذا، وعن كذا، وعن تاريخهم، والجنة عندهم هي ملك إسرائيل، يعني لا يكاد يذكر الآخرة أو الأشياء دية، طب فهو كتاب يدور حول إسرائيل، فهو يعني كتاب محدود مكاناً للشعب الإسرائيلي، محدود زماناً، لأن الله -سبحانه وتعالى- علم إن إسرائيل إن.. إن موسى ليس هو آخر الأنبياء، وحتى هو في التوراة نفسها هيأتي نبي بعدك يفعل كذا وكذا وكذا، فليس آخر الأنبياء وليس.. ولم يجيء لكل الناس فهذه طبيعة، إنما الإسلام أعلن من أول الأمر (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً).

(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) فأعلن الإسلام من أول الأمر، فلذلك لابد أن يختلف الإسلام عن اليهودية، وأن يتضمن من المبادئ والقواعد ما يصلح لكل زمان ومكان.

ماهر عبد الله: طيب إذا.. يعني هذا ما أدخلنا في.. في السؤال الأصلي الذي سألناه أنه حتى تكون هذه الصلاحية نافذة المفعول لابد من آليات تضمن هذه الصلاحية، يعني لو تحدثنا عن هذه الآليات؟

د.يوسف القرضاوي: آه، أنا أقول لك الآليات، أولاً: بعض الناس يقول لك يعني يظن إن الدين سيقيدنا بحيث إننا لا تستطيع أن نواكب تطور الحياة، والجماعة الأتراك كمال أتاتورك لما استولى على الدولة قال: إن إحنا لا نستطيع إننا نعتمد على الدين في تشريعاتنا، لأن الدين ثابت والحياة متغيرة، فكيف نحكم المتغير بشيء ثابت؟ وهذا خطأ يعني في الحقيقة، لأنه لا الدين كله ثابت، ولا الحياة كلها متغيرة، الدين فيه ما هو ثابت مثل العقيدة، ولذلك إحنا بعد ما كنا بنقول صلاحية الإسلام، قلنا لأ: إحنا المقصود بصلاحية الإسلام صلاحية.. لأن العقيدة ثابتة والأخلاق ثابتة أيضاً، يعني الأصول الأخلاقية ثابتة، الكلام في الشريعة، طيب هل الشريعة ثابتة فعلاً والحياة متغيرة، لأ الشريعة فيها جزء ثابت وجزء متغير، لأن هناك في الشريعة يعني أذكر لك خمسة أشياء مهمة في هذه القضية، القضية الأولى إنه الإسلام لم ينص على كل شيء، الناس يظنون إن النصوص بتحكمنا في كل شيء، لأ، ده هناك منطقة متروكة أنا سميتها في بعض كتبي منطقة العفو، معنى العفو يعني أيه؟ الفراغ التشريعي، يعني ما فيهاش نصوص ملزمة آمره أو ناهية، ودي التي جاء فيها الحديث النبوي الذي رواه الحاكم عن أبي الدرداء "ما أحل الله في كتاب فهو حلال وما حرَّم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو، فاسألوا الله عافيته فإن الله.. فأقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً" ثم تلى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِياًّ) ما سكت عنه فهو عفو، ففيه أشياء ربنا سكت عنها وفي حديث آخر بيقول: "وسكت عن أشياء رحمةً بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها، فالكثير.. منطقة متروكة لم ينص الله على كل شيء، فهذه المنطقة المتروكة بنملؤها، بنملؤها عن طريق القياس أحياناً نقيس غير المنصوص على المنصوص إذا اشترك في.. في العلة ولم يكن بينهما فارق معتبر، لذلك عندنا يعني علم القياس ده في أصول الفقه يعني علم واسع جداً بعلله وشروطه وأحكامه.

[موجز الأخبار]

القياس كإحدى آليات صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان

ماهر عبد الله: للذين التحقوا بنا بعد هذا الموجز نقول: كل عام وأنتم بخير، ونرجو الله أن يعيد هذا العيد علينا بالخير واليمن والبركات.

في هذه الحلقة نحن نتحاور مع فضيلة الدكتور القرضاوي كالعادة، ولكن في موضوع حول صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، وكنا -قبل الفاصل- قد سألنا فضيلته عن الآليات التي نضمن بها صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، وكان قد بدأ بالحديث عن أن أحد ميزات الإسلام أنه لم ينص على كل شيء، وإنما ترك مساحة واسعة سماها منطقة العفو، وداخل هذه المنطقة يتصرف العلماء ببعض الآليات منها القياس، نحن قاطعناك وكنت تريد الحديث عن القياس.

د.يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم. من يستقرئ أحكام الشريعة يجد أن الأشياء التي نص عليها الشرع في القرآن أو في السنة هي الأمور التي لا تختلف ولا تتغير بتغير الزمان والمكان والإنسان، يعني مثل أمور العبادات، مثل أمور شؤون الأسرة، يعني ولذلك دي فيها تفصيلات من النصوص أكثر، إنما وكلما كان الأمر سريع التغير وكثير التغير تجد فيه نصوص قليلة جداً في الإجراءات والأشياء اللي من هذا النوع، فأنا أقول أشياء … هذه منطقة العفو إن يستطيع الفقيه المسلم أو المجتهد المسلم إنه يملأها عن طريق القياس أو عن طريق ما سماه علماء الأحناف والمالكية الاستحسان أو عن طريق القياس.. عن طريق الاستصلاح، وهو العمل بالمصلحة المرسلة بشروطها وضوابطها ومراعاة العرف وغير.. وغير ذلك، دي منطقة العفو.

هناك أيضاً حتى الأشياء التي نص عليها الشارع، إنه كثير من النصوص جاءت نصوص كلية إجمالية لم تنص على التفصيلات، مثل مثلاً خذ مثلاً مبدأ الشورى، القرآن قال: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) وهناك أحاديث في الشورى، إنما من يُستشار.. وفيما يُستشار؟ ما هي الأمور التي يُستشار.. يُستشار فيها؟ وهل الشورى مُعلمة أو مُلزمة، أو مُعلمة في أشياء ومُلزمة في أشياء؟ وكيفية الاستشارة؟ يعني هذه التفصيلات تُركت للزمن، لماذا؟ لأنه الشرع لو قيد المسلمين بنصوص حاسمة في هذه القضايا لكانت هذه النصوص مجمدة تجمِّد، لأن خلاص مش هنقدر نخرج عليها، وهذه النصوص تصلح للعرب والمسلمين وقت البعثة، ولا تصلح بعد ذلك بعد قرن أو قرنين أو ثلاثة، وقد تصلح في جزيرة العرب ولا تصلح في البلاد الأخرى، ولذلك معظم النصوص يأتي على طريقة كلية إجمالية، أي مثلاً (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) طيب الحاكم القاضي كيف يحكم، هل يعني يا ترى المحكمة فيه نقسِّم المحاكم، نصنفها مستويات، محكمة ابتدائية ومحكمة..

ماهر عبد الله: تمييز..

د.يوسف القرضاوي: ومحكمة استئناف، ومحكمة نقض أو تمييز، وهل مثلاً يعني نخصصها محكمة للأحوال الشخصية ومحكمة للأمور المدنية والتجارية، ومحكمة للجنايات وكذا؟ وهل نعمل محكمة فيه محكمة من قاضي واحد، ومحكمة في القضايا المهمة من عدة أشخاص؟ لا، بل الإسلام لم يقيدنا في هذه الأشياء، وده.. وده من فضل الله علينا حتى يتسع التشريع لتغيرات الزمان والمكان والأحوال، أيضاً حتى النصوص التي جاءت نص عليها بطريق جزئي.. بطريقة جزئية أو فيها كثير من التفصيل، حتى هذه أيضاً أكثرها كذا و90% منها قابلة لأكثر من فهم ولأكثر من رأي تتسع للإنسان الظاهري مثل داود وابن حزم، والأثري مثل أحمد بن حنبل، والقياسي مثل أبي حنيفة، والناظر إلى المصالح والمقاصد.

يعني فهذه النصوص من السعة والمرونة بحيث تتسع لأفهام متعددة، وده الحمد لله اللي رأيناه يعني في الشريعة الإسلامية دخلت بلاد الحضارات المختلفة، دخلت بلاد الفرس وبلاد الروم ومصر هذه البلاد والشام وكذا، لم تضق بحادثة من الحوادث، ولكن اتسعت وأفتت في كل أمر، لأن عندها سعة داخلية، أيضاً الشريعة فيها من القواعد ما يتسع للظروف الاستثنائية، يعني الناس بيظنوا إنه الشريعة هي النصوص فقط، الشريعة نصوص وقواعد، وهناك قواعد يعني كثيرة جداً تضبط حياة الناس ومعاملاتهم، بعضها قواعد كلية، ولكن تحت هذه القواعد الكلية تندرج أحكام جزئية لا حصر لها، وبعضها مأخوذ من نصوص، مثلاً الأمور بمقاصدها مثل إنما الأعمال، مأخوذة من "إنما الأعمال بالنيات"، أحاديث مثلاً: قاعدة لا ضرر ولا ضرار مأخوذة من نص حديث، قاعدة المسلمين على شروطهم، ده من نص -أيه- من نص حديث، الضرورات تبيح المحظورات، مأخوذة من نص القرآن (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ)، وكل واحدة من هذه القواعد بتندرج تحتها.. يعني مثلاً قاعدة لا ضرر ولا ضرار، تحتها أحكام يعني متعددة إنه الضرر لا يُزال، الضرر يُزال أولاً، ولكن الضرر لا يُزال بالضرر، أو الضرر لا يُزال بضرر مثله أو أكبر منه، يُرتكب أخف الضررين، يُتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى، يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، وهكذا يعني بعض إخواننا أظهروا يعني موسوعة فقهية، موسوعة للقواعد والضوابط الفقهية في 3 مجلدات، أصدرها أخونا الدكتور علي أحمد النبوي، وأشرف عليها أخونا الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن عقيل في الهيئة.. الهيئة الشرعية لهيئة الراجحي، شركة الراجحي للاستثمار والصيرفة، ففيها آلاف القواعد، فهذه يعني تحكم، فيعني تحكم الإنسان، في حالة الاختيار والسعة، وفي حالة الضرورة والتضييق، وعندنا قاعدة تقول: المشقة تجلب التيسير، وقاعدة أخرى تقول: إذا ضاق الأمر اتسع، فهذه يعني القواعد تَسَع آلاف المعاملات والأشياء، أيضاً عندنا قاعدة: تغير الفتوى بتغيُّر الزمان والمكان والعرف والحال، هذه قاعدة قررها العلماء الراسخون والمحققون، وألفوا فيها مثل الإمام القرافي المالكي والإمام ابن القيم الحنبلي والإمام ابن عابدين الحنفي، فهذه القواعد وهذه المبادئ تعطينا سعة ومرونة هائلة في التكيف مع وقائع العصور المختلفة والبيئات المتغيرة، ولا تضيق الشريعة بحال من الأحوال أمام شيء من هذه الأشياء.

ماهر عبد الله: طيب يعني اسمح لي بس آخذ بعض المكالمات، وبعدين نتحاور في.. في هذه القواعد مرة أخرى. معنا الأخ سيد عبد الرحمن من الكويت، اتفضل أخ سيد.

سيد عبد الرحمن: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

سيد عبد الرحمن: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

سيد عبد الرحمن: الدكتور يوسف القرضاوي، كل عام وأنتم بخير.

ماهر عبد الله: وأنت بخير، اتفضل أخي، لو ترفع صوتك شوي بس.

سيد عبد الرحمن: الحمد لله رب العالمين يعني أن جعلك الله لنا في الإسلام قدوة.

د.يوسف القرضاوي: بارك الله فيك يا أخي.

سيد عبد الرحمن: وجزاك الله كل خير، في الفترة الأخيرة في آرائك في الرأي العام في الكويت عن الأغاني والأشياء دي، فحصلت هجمة من معظم الخطباء يعني، فرأي فضيلتك يعني.

ماهر عبد الله: يا أخ سيد، لو.. يعني إحنا حابين نحصر النقاش هذه المرة، وكالعادة في.. في موضوع هذه الحلقة، فنعتذر لك مسبقاً عن الإجابة عن.. عن هذه السؤال، معانا الأخ عبد المجيد من فرنسا.

عبد المجيد: السلام عليكم، أريد أن أسأل سؤال يخص يوم العيد، ففي فرنسا هناك مسجدان رئيسيان في فرنسا، وأحدهما أعلن عن يوم العيد يوم الجمعة، وهناك آخر أعلن يوم السبت، والفارق بين المسجدين لا يبعد عن عشرين كيلو متر، وهما المسجدان الرئيسيان في فرنسا في باريس، فما الحكم في ذلك؟ وشكراً.

ماهر عبد الله: يعني أنا بس قبل أن أحيل هذه السؤال إلى فضيلة الشيخ: أرجو أن يكون هذا السؤال الأخير حول هذا الموضوع، أنا أعتقد إجابة فضيلة الشيخ كانت كافية ووافية، وليست في حاجة إلى مزيد يعني كلام، لكن طالما فتحنا الموضوع فأرجو أن.. أن تجيبه باختصار، وأن يكون هذا آخر..

د.يوسف القرضاوي: أنا أجيب باختصار نحن يعني في عصر المؤسسات والمنظمات، وليس في عصر الأفراد، المسلمون في أوروبا كونوا لهم مؤسسات، ومن هذه المؤسسات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وهذا المجلس مكوَّن من علماء معتبرين، معظمهم في أوروبا، وبعضهم من علماء الشرق العربي والإسلامي، وهذا المجلس بيجتمع مرتين في كل سنة في دورتين، وقد قرر هذا المجلس إنه يُعتمد.. الرؤية البصرية تُعتمد في إثبات الهلال بشرط، هذا الشرط هو ألا يقود الحساب الفلكي باستحالة الرؤية، فإذا قال بذلك نأخذ بالحساب في النفي، لا في الإثبات، ولذلك الأخوة في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا أصدروا بياناً إنه حسب الحساب الفلكي إنه العيد يوم.. يوم السبت، وأنا أقول للإخوة يعني في فرنسا أو الإخوة في لندن أو الإخوة في أميركا، أو في أي بلد يجب يتبعوا الهيئة الشرعية اللي عندهم، يعني أنا أعيب علي الإخوة إن يكون في أميركا ولا في لوس أنجلوس ولا في ديترويت، ويتبع باكستان أو بنجلاديش أو قطر أو مصر،يا أخي، أنتم هناك في.. كل بلد تعتمد علي نفسها، ولذلك إحنا قلنا إنه أهل البلد الواحد لا ينبغي أن يختلفوا، فإذا لم يكن عند الإخوة هيئة يرجعون إليها، فهم مقصرون في هذا، يجب أن يكون عندهم الهيئة التي يرجعون إليها، ويأخذون برأيها ولا يتبعون المشرق في ذلك.

ماهر عبد الله: طيب يعني.. يعني نرجو أن يكون هذا السؤال الأخير حول هذا الموضوع، أولا: لأن الأمر قد فات وانتهي، ثانياً: لأن فضيلة الشيخ أنا أعتقد أجاب جواباً وافياً وصريحاً وليس فيه …

د.يوسف القرضاوي: ولكن إحنا عندنا موضوع طويل ويحتاج..

ماهر عبد الله: وهذا أهم مثلاً، يعني من ملاحظتي لما ذكرت عن الآليات والضوابط التي تضمن صلاحية الشريعة كلها داخلة داخل ما.. ما يمكن تسميته بالنطاق البشري البحت، يعني عندما تفضلتم بالقول لم ينص على شيء، فإذاً متروك للاجتهاد البشري، عندما قلت القياس والاستحسان والاستصلاح .. فهي مجهود بشري، نصوص كلية عامة حتى نخصص فهي جهود بشرية، القضية أكثر من فهم، إذاً أصبح العمدة على الفهم البشري، يعني كأني أفهم من ظاهر هذا الكلام أن الالتزام بالشريعة وفهم الشريعة مرتبط.

د.يوسف القرضاوي: لا يلغي الدور الإنساني، يعني بعض الناس بيفهموا إن النص الإلهي يلغي الدور الإنساني لأ، ربنا لم يشأ أن يلغي دور الإنسان، وإلا كان أنزل الشريعة كلها آيات محكمات، وجعل الدين كله نصوصاً قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، فلا مكان لاختلاف ولا مكان للاجتهاد لأ، إن الله لم يشأ هذا، أنزل القرآن (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)، وجعل النصوص بعضها قطعي الثبوت وبعضها قطعي.. ظني الثبوت، الأحاديث 98% منها ظني الثبوت، القرآن كله قطعي الثبوت، ولكن القرآن والسنة أيضاً أكثر من 95% منه ظني الدلالة، فهذا بيجعل مجال للاجتهاد، لأن ربنا يريد الناس تعمل عقولها وتشغل العقول، والعقول بتشتغل فيما لا نص فيه إطلاقاً، منطقة العفو دي، وحتى المنطقة المنصوص فيها، هي مجال جديد للاجتهاد البشري، ولذلك أهم شيء لكي تكون الشريعة صالحة لكل زمان ومكان لابد أن يكون هناك اجتهاد حقيقي، اجتهاد صادر من أهله في محله، هذا الشيء المهم في الاجتهاد أن يصدر الاجتهاد من أهله وفي محله، ومعنى الاجتهاد من أهله إن فيه ناس يدَّعون الاجتهاد، الآن فيه ناس يعني يزعمون إن هم النصوص الدينية بيجتهدوا فيها، والواحد منهم يمكن ما يعرفش الفاعل من المفعول، يعني لم يدرس اللغة العربية ولم يتذوقها ولم يعش فيها، لم يدرس القرآن دراسة جيدة، لم يدرس الحديث النبوي، ولم يعرف صحيحة من ضعيفه، ولم يعرف أصول الحديث، لم يدرس أصول الفقه واختلاف المدارس الفقهية في الأصول وهذه الأشياء، ليست عنده الملكة أيضاً، لأن هذه وراء كل ذلك لازم تكون عنده الملكة الفقهية القادرة على الاستنباط، وبعض الناس يعني فقد هذا كله، ومع هذا يريد أن يجعل من نفسه شيخ الإسلام، ويجتهد، وبعضهم يريد أن يجتهد ليُلغي النصوص، بعضهم يدعي تاريخية النص النص التاريخي، وبعضهم المدرسة التأويلية الحديثة التي تريد أن تؤول كل شيء، وهذا يعني، ويدعي إنه بيقرأ القرآن قراءة معاصرة، يقول لك: أنا ماليش دعوة بالصحابة والتابعين، يعني ارمي التراث دا كله في سلة المهملات وأبدأ..، معناه إن كل واحد يريد أن يعمل ديناً علي مزاجه وعلي هواه، لم يعد الدين يعني مجمعاً للبشر تحت راية واحدة، إنما كل واحد يخترع له دين علي.. علي كيفه، ولا يكون هناك أمة واحدة لها مرجعية واحدة، ولها وجهة واحدة يعني، فهذه.. هذه هي هذا هو الخطأ، فلابد أن يكون الاجتهاد صادراً من أهله وفي محله، ما معني في محله؟ أن الإنسان له محل، له مجال، مجاله في الظنيات لا في القطعيات، القطعيات لا مجال فيها، عندنا منطقتان، منطقة مغلقة ومنطقة مفتوحة، المنطقة المغلقة هي منطقة القطعيات، يعني ما جاءت فيه نصوص محكمة قاطعة قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، فدي ليس فيها مجال للاجتهاد، وهناك منطقة مفتوحة، ودي معظم أحكام الشريعة، المنطقة الأولى قليلة جداً، ولكنها مهمة جداً، لماذا؟ لأنها تمثل الثوابت.

ماهر عبد الله: جوهر الموضوع الإسلامي.

د.يوسف القرضاوي: الثوابت التي تجسد وحدة الأمة العقدية والشعوبية والفكرية والعملية والسلوكية دي هي اللي بتجعل منا أمة واحدة، أي الثوابت..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: لكن بالنسبة..

د.يوسف القرضاوي[مستأنفاً]: وكل.. وكل عالم، كل أمة في العالم لها ثوابت لا يجوز أن تخترق، إحنا عندنا الثوابت، الثوابت دي لا مجال للاجتهاد فيها، إنما معظم أحكام الشريعة ومعظم نصوص الشريعة قابلة للاجتهاد، يعني فهذا هو المهم إنه الاجتهاد لابد، ولذلك نحن ننكر على من قالوا إن باب الاجتهاد أُغلق لأ، لا يملك أحد أن يغلق باباً فتحه الله تعالى وفتحه رسوله -صلى الله عليه وسلم- لأن الشريعة من غير اجتهاد تكون جامدة، فلابد من التجديد والاجتهاد المستمر حتى تظل الشريعة خصبة وثرية وتجيب عن كل سؤال وتضع لكل حادث حديث.

ماهر عبد الله: طيب أنا -إن شاء الله- يعني سنعود للحوار هذا أيضاً بعد بعض المكالمات، لأنه عندي سؤال في.. في صميم هذا، معايا الأخ بدر الزبيري من ألمانيا، أخ بدر، اتفضل.

بدر الزبيري: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام ورحمة الله.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

بدر الزبيري: تحية خاصة لفضيلة الشيخ.

ماهر عبد الله: حياك الله.

بدر الزبيري: والأخ مقدم البرنامج.

ماهر عبد الله: حياك الله.

بدر الزبيري: سؤالي فضيلة الشيخ متعلق بأسباب النزول، يعني الآيات التي وردت في القرآن الكريم، والتي كانت لها أسباب نزول، يعني هذه الآيات تطرح حلول لبعض المشاكل التي.. هذه المشاكل التي كانت.. قبل 1400 سنة، يعني لأسباب معينة، يعني ابتداءً بالقول أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، هل هذه حدود يمكن إن نحن الآن في هذا العصر كمسلمين أن نأخذها مثلاً نتعامل بها لنفس الأسباب التي طُرحت قبل 1400 سنة؟

ماهر عبد الله: طيب.. طيب مشكور.. مشكور يا أخ بدر، هل عندك سؤال ثاني ولا هذا هو؟

بدر الزبيري: لأ، سؤالي الثاني فقط أتمنى من فضيلة الشيخ أنه نلتقي به على الإنترنت إن شاء الله.

د.يوسف القرضاوي: الله يبارك فيك.

ماهر عبد الله: مشكور أخي، معانا الأخ تيسير إسماعيل من الإمارات. أخ تيسير.

تيسير إسماعيل: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

تيسير إسماعيل: كل عام وأنتم بخير.

ماهر عبد الله: وأنت بخير يا سيدي.

د.يوسف القرضاوي: حياك الله.

تيسير إسماعيل: تحياتنا لكم جميعاً وخاصة لأستاذنا وشيخنا الفاضل.

د.يوسف القرضاوي: بارك الله فيك.

ماهر عبد الله: حياك الله.

تيسير إسماعيل: يعني الحقيقة أنا لي كلمة وليَّ اقتراح لسيدنا الفاضل.

ماهر عبد الله: اتفضل..

تيسير إسماعيل: كلمتي لسيدنا الفاضل إن فيه بعض الناس أحياناً يعني بيتجرءوا ويهاجموا شخصه الكريم، أنا مش عاوز مولانا يكون يزعل، لأن ده يعني.. ده جزاء.. جزاء في الآخرة كبير إن شاء الله، وربنا -إن شاء الله- يجعله في ميزان حسناته، وربنا يخليه لنا، ويطول لنا في عمره يا رب.

اقتراحي بالنسبة لمولانا، مولانا بالنسبة للشريعة وبالنسبة للفتاوي، وبالنسبة للحلقة اللي إحنا بنتكلم فيها، حتى حضرتك قلت نقطة من اللي أنا كنت عايز أقولها لك، أنا عندي اقتراح ليه ما يتعملش معهد نجمع فيه الشبان الفاضلين خريجين كليات الشريعة والدين عندنا، المعهد يدرسوا فيه بعد ما يخلصوا الجامعة، ناس زي أمثال حضرتك موجودين في الدول العربية وفي الدول الإسلامية كثير، بحيث إن الشخص اللي أتخرج من المعهد بقى حضرتك بعدما درس الشريعة والقانون أو الشريعة والدين نؤهله إن هو يكون إنسان مفتي، نؤهله إن هو إنسان عالم بالدين والدنيا، بمعنى إلى جانب العلوم الدينية اللي بيأخذها يجي يحضر بعض الدكاترة المسلمين يعرفوه الطب أيه، الدين عندنا بيقول أيه عن الطب، بعض دكاترة الكيمياء يعرفوه الدين عندنا بيقول أيه عن الكيمياء، الفلك، وهكذا بجميع علوم الدين، وكذلك اللغات يا دكتور، اللغات لو أنت لاحظت حضرتك إن معظم علماء الدين عندنا ما.. يعني اللغة تنقصهم، بيضطر إن هو يستعين بمترجم، يضطر إن هو يستعين بواحد ممكن يترجم اللفظ ما يكونش بالدقة أو بالروح اللي يقدر يترجمها إنسان عالم فاضل متكامل في الدين.

ماهر عبد الله: مشكور يا أخ تيسير.

تيسير إسماعيل: بارك الله فيك يا فضيلة الدكتور شكراً.

ماهر عبد الله: مشكور.. مشكور جداً على تعبيرك هذا، ويعني تضامنك مع فضيلة الشيخ، ومشكور جداً على مقترحك، وأنا أعتقد أنه يعني مقترح قيم، لكن سنسمع رد من الشيخ عليه، أنا سأوجه سؤالي نعطي الأولوية للسؤال والمقترح، لأنه السؤال أيضاً كان ضمن الأسئلة الواردة، إنه أسباب النزول إلى أي مدى تحكم فهمنا للنص، وإذا كانت كما فهمت أنا من كلام الأخ بدر، إذا كانت هي حلول لإشكالات مرت قبل 14 قرناً، فهل من المتوقع أن تكون هي الحلول لمشاكل نواجهها اليوم؟

د.يوسف القرضاوي: أولاً أحب أن أقول القرآن قسمان: قسم آياته جاءت على سبب معين، وهو قليل، وقسم أخر لم يجيء على سبب معين، وهو الأكثر، ثم من ناحية أخرى القسم الذي نزل على سبب معين أكثره غير صحيح، يعني أحب أن أقول للإخوة إنه معظم ما ورد في أسباب النزول غير.. غير صحيح، قليل من أسباب النزول هو الذي صح، يعني ما ذكره الإمام السيوطي في كتابه "لباب النقول في أسباب النزول" أكثره غير صحيح، الأشياء اللي صحت فيها أسباب النزول صحيحة، وبعدين العلماء يعني قالوا أيضاً إنه أسباب النزول يعني هل تحكم على النص يستأنس بها، إنما قالوا: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص -الأيه- السبب، يعني إذا كان سبب النزول ورد في.. إنما النص جاء عام، هل النص.. لا.. لا.. لا يحكمه السبب النازل من أجله، افرض إنه نزل قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا) نزل مثلاً في واحد سرق رداء صفوان أو كذا، هل هذه السبب ده جعل -الآية- خاصة بهذا الموضوع؟ هذه آية عامة السارق والسارقة إذا ما جاء لسبب ما ونزلت هذا بلفظ عام، العبرة بهذا اللفظ الإيه … العام، إنما أحياناً ممكن يعني يستأنس بسبب النزول، ويوجه المعنى، وكما قلت إنه القرآن .. هو الأشياء اللي جاءت في القرآن جاءت معظمها بنصوص كلية عامة، ما.. ما (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) مش متعلقة لا ببيئة معينة ولا بزمان معين، ده أمر.

ماهر عبد الله: ولا بنوع معين من العقود، زواج، تجارة..

د.يوسف القرضاوي: ولا بنوع معين من العقود ولا كذا، يعني ومعظم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) يعني هذا بيقعَّد قواعد، معظم النصوص وخصوصاً القرآنية بالذات تقعِّد قواعد، وهذه صالحة لكل زمان ومكان.

ماهر عبد الله: طيب كان مقترح الأخ تيسير من الإمارات، يعني أسمي لك إياه، هو اقترح بإنشاء معهد ما بعد الدراسة الشرعية بعد أن يتأهل العالم أو المفتي أو الشيخ في.. في بداية حياته العلمية الشرعية أن يدخل معهدا آخر، كلية أخرى تؤهله لمعرفة جوانب الحياة بما فيها.. كما ذكر..

د.يوسف القرضاوي[مقاطعاً]: لأ هو يجب أن يسبق التأهيل الشرعي وليس لاحقاً عليه، يعني المفروض إنه العالم الشرعي لابد إنه يدرس ما يؤهله لمعرفة الحياة، ولا يمكن أن يكون الإنسان فقيهاً أو مجتهدا أو داعية حتى موفقاً، أنا لي كتاب اسمه "ثقافة الداعية"، وذكرت فيه ستة أنواع من الثقافات لمن يريد أن يكون داعية ناجحاً، إحداها الثقافة الدينية، وبعدين الثقافة اللغوية والأدبية، وبعدين الثقافة التاريخية، بعدين الثقافة الإنسانية.. العلوم الإنسانية، بعدين الثقافة العلمية، يعني شوف مثلاً واحد عالم أو داعية ولا يعرفش شيء عن علم الفلك يقول لك أيه الكلام اللي بيقولوه ده؟ أو ما يعرفش شيء عن الحيوان المنوي أو البويضة، ففعلاً أنا مرة.. يقول لك واحد بعض العلماء يقول لك: الله، الشيخ القرضاوي بيقول المرأة بتبيض هي المرأة بتبيض ولا بتولد، يعني فيه على أساس إنه فيه أشياء تبيض زي الطيور، وأشياء تولد يعني، فيعني فلابد للعالم يكون..، وبعدين ثقافة الواقع أيضاً، لابد أن نعرف الواقع بما فيه من خير وشر، بما لنا وما علينا حتى واقع خصومنا وأعدائنا، القوة المعادية للإسلام، لازم نعرف.. هذه أنواع من الثقافات لابد أن يعرفها العالِم، وبعض هذه الأشياء بيدرسه الإنسان يعني الثقافة العلمية وبعض الثقافات، يعني إحنا درسنا في كلية أصول الدين الفلسفة والتاريخ والمنطق وعلم النفس، ودرسنا التخصص التدريس، توسعنا في علم النفس وفي التربية، وأصول التربية وفلسفة التربية، وأشياء أخرى درسناها، يعني من الحياة، يعني لازم الواحد يثقف نفسه، فأنا أرى إن ده يسبق وليس يعني -أيه- يلحق.

ماهر عبد الله: طيب لو رجعنا للنقاش اللي كان دار..

د.يوسف القرضاوي: فيه.. فيه أحد الإخوة سأل سؤال قبل الأخ تيسير.

ماهر عبد الله: كان عن.. السؤال كان عن أسباب النزول، وبعدين عن المعاهد العلمية كان.. كان..

د.يوسف القرضاوي: آه، لأ فيه أخ ثاني.

المرجعية تراث الإسلام أم تراث المسلمين؟

ماهر عبد الله: يبدو أن.. هذا الذي دونته، أنا سؤالي كان السابق على هذا في.. فيما تحدثنا في.. في جدلية كانت قائمة دائما بين.. بين السيد قطب -عليه رحمة الله- ومالك بن نبي لها علاقة بموضوعنا، سيد قطب كان يصر على إن ما يكتب من تاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية هو حضارة الفكرة الإسلامية، يعني التأريخ للإسلام، مالك بن نبي يقول إن الذي يتحرك على الأرض هم المسلمون، وبالتالي إذا تحدثنا نحن لا نتحدث عن تاريخ الإسلام إنما نتحدث عن تاريخ المسلمين، نحن لا نتحدث عن حضارة الإسلام، نتحدث عن حضارة المسلمين، اللي فهمته أنا من خلال ما تفضلتم به لاحقاً إنه الجهد البشري جهد مهم حتى في فهم النصوص، يعني صح هو موضوع فلسفي، لكن أنا أعتقد سيريح كثير من الذين لا يفهمون المشروع الإسلامي، هل فعلاً نتحدث نحن عن التراث؟ يعني المرجعية بأي مشروع إسلامي يعتبر من التراث الإسلامي، فهل هي تراث الإسلام، أم هي تراث المسلمين؟

د.يوسف القرضاوي: لأ، أولاً: أحب أن أقول كلمة التراث كلمة مجملة وغائمة يعني تفهم على أكثر من وجه، ما المراد بالتراث؟ لأن بعض الناس يريد أن يجعل القرآن والسنة والوحي الإلهي من التراث، وهذا ليس صحيحاً، التراث هو عمل العقل الإسلامي في فهم النصوص مثلاً وفي خدمتها، يعني ممكن أقول لك علم التفسير وعلم وشروح الحديث وعلم الفقه وحتى أصول الفقه ده من التراث، إنما الإسلام ليس تراثاً، يعني الإسلام بقواطعه بقطعياته وبمجالاته التي لا تحتمل الاجتهاد، هذا ليس تراثاً يؤخذ منه ويترك، إنما التراث هو عمل إنساني قابل للأخذ وللرد، ولذلك أنا أقول التاريخ، يعني حتى تاريخ الفقه نفسه يعني ليس ملزماً لنا، بعض الناس يريد أن يقول.. بعضهم قال: إن الإسلام .. أي الإسلام ده، هتأخذ إسلام الحجاج بن يوسف، ولا تأخذ مش عارف مين، أو كذا، ويريد أن يلزمنا بانحرافات التاريخ، انحرافات التاريخ لا تلزمنا، أنا بالنسبة للمرجعية الملزمة هي مرجعية الإسلام وليست مرجعية المسلمين، يعني المسلمون ليسوا حجة على الإسلام ولكن الإسلام هو حجة على المسلمين، إنما أنا لما أكون أريد أن أؤرخ .. أؤرخ فعلاً بحضارة المسلمين، إنما حينما أتحدث عن الإلزام، ما الذي يلزمني كمسلم؟ الذي يلزمني ليس عمل المسلمين، إنما هو عمل المسلمين زائد إجماع فقهاء المسلمين، وإذا كان إجماعاً يقينياً أيضاً، لأن كثيراً من ألوان الإجماع ودعاوى الإجماع ليست إجماع، كثير من القضايا التي أُدُّعي فيها الإجماع بالدراسة ثبت أنها يعني فيها خلاف، فالإجماع اللي هو بيمثل عصمة الأمة، هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وده أمر مهم جداً، لأنه حتى يبقى للأمة استمرار، ما يجيش واحد يقول لك أنا ما.. أنا ما ليش علاقة بالأمة اللي فاتت دي، وعايز يبدأ من الصفر، البداية من الصفر مستحيلة في أي علم من العلوم، لأن حتى العلوم الطبيعية والرياضية وكذا يبني اللاحق على ما أسسه السابق، التراكم، خبرة في التراكمية، ومن هذا تكوَّن هذا العلم الهائل في عصرنا، هذا العلم مش بس بتاع هذا العصر، إحنا يعني العصور السابقة مش بس حتى من نيوتن أو كذا، ومن قبل هذا من حسن بن الهيثم ومن جابر بن حيان ومن الخوارزمي، ومن أرسطو، ومن يعني كل هؤلاء بنوا، كل واحد وضع لبنة حتى انتهى إلى هذا البنيان، فكيف أنا أريد من الشريعة إن أنا أبدأ من جديد، يقول لك: أنا ما ليش دعوة بالتراث ده، لأ التراث ده شيء مهم، وهو ثروة هائلة، ويعني أنا بأتصور مثلاً إنه أنا.. أنا عملت كتاب في فقه الزكاة مثلاً من مجلدين، لو جيت قلت إن أنا ما ليش دعوة بالفقه الإسلامي ده وهأبدأ أبحث لوحدي، يعني أولاً: لم.. ماذا كنت سأصل إليه؟ سأصل إلى شيء مبتسر ومالوش قيمة، وبعدين حتى ما حدش هيقول لي: أنت جيبت الكلام ده منين؟ إنما يا أخي أنا أمامي ثروة هائلة لماذا لا.. لا أنتفع بها؟ صحيح أنا ما فيش حاجة تلزمني إلا القرآن والسنة، إنما أمامي هذا لأنتقي منه وآخذ منه ما هو أرجح دليلاً وما هو أهدى سبيلاً، وما هو أليق بمقاصد الشرع ومصالح الخلق، وهكذا.

ماهر عبد الله: يعني.. يعني لو سمحت لي بالمقاطعة هو ليس المعروض هو التنكر للتراث، ولكن رفض لدعاوى بعض الإسلاميين والمهتمين بالمشروع الإسلامي -إذا جاز التعبير- أن.. أن هذا التراث هو المرجعية، كثير من الدعاوي نسمع، وهذا الذي يسبب بعض الحساسية عند إما بعض العلمانيين أو بعض المتخوفين من المشروع الإسلامي أو بعض الإسلاميين غير المنفتحين على.. على التاريخ، يحسبوا أن التراث هذا هو المرجع الوحيد.

د.يوسف القرضاوي: أنا أقول لك الملزم من التراث هو الوحي فقط، أما عمل العقل الإسلامي فبعضه صواب وبعضه خطأ، يعني وقد يصلح شيء منه لعصر ولا يصلح لعصر آخر، ويصلح لبيئة ولا يصلح لبيئة أخرى، ويصلح لحال ولا يصلح لحال آخر، فأنا آخذ من هذا التراث لا أهمله، ولا أقول كما بعض الناس لا أنا أترك التراث لأ، هو أمامي أغترف منه وأنهل وأعلم، ولكنه لا يلزمني منه إلا ما قام الدليل على صحته، هذا.

ماهر عبد الله: طيب معايا الأخ واصف هلال من الإمارات، أخ واصف، تفضل.

واصف هلال: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

واصف هلال: في البداية استئذن شيخنا العلامة صاحب الفضيلة الشيخ يوسف -حفظه الله- في مداخلتي هذه، لأن الإسلام علمنا الاستئذان والأدب مع العلماء، وليس كما هو حال أدعياء الإسلام الذين يتميزون بقلة الأدب مع العلماء والكذب كما سمعنا وشاهدنا من حلقة الأسبوع الماضي، مداخلتي موجزة وسؤال كذلك: الإسلام من مبادئه وتعاليمه الواضحة وقوته الذاتية يستطيع تلبية متطلبات الحياة الحديثة ومواجهة التحديات المستقبلية، ولذلك كما قال أحدهم فهو مؤهل لدخول الألفية الثالثة بقوة وثقة.

سؤالي لفضيلة الشيخ حفظه الله: بعض أدعياء الثقافة يشكك في الإسلام، من حيث إنه هل يستطيع معايشة ما يُسمى بالعولمة بدعوى أنه قديم عفا عليه الزمن، نشأ في ظل أوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية مختلفة للأوضاع الموجودة الآن؟ فما هو الجواب الشافي من فضيلتكم حفظكم الله، والسلام عليكم.

ماهر عبد الله: مشكور.. مشكور يا أخ واصف معنا الأخ عبد القادر حبش من ألمانيا، اتفضل أخ عبد القادر

عبد القادر حبش: تحياتي.

ماهر عبد الله: أهلاً.

عبد القادر حبش: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

عبد القادر حبش: كل عام وأنتم بخير.

ماهر عبد الله: وأنت بخير.

عبد القادر حبش: وفضيلة الشيخ القرضاوي بخير.

د.يوسف القرضاوي: وأنتم بخير يا أخي، بارك الله فيكم.

عبد القادر حبش: أهلاً، لي سؤال بهذا الموضوع، هناك حديث ربما حديث نبوي مسند أو ضعيف أن على رأس كل قرن يأتي بمجدد، وهذا الحديث بمجدد على رأس كل قرن يعطي ارتباكات لا بأس بها هنا في برلين، حيث ما أكثر المساجد وما أكثر الشيع، وكلهم يفتون، وكلهم يقولون أن الأحمدية، والقديانية، والوهابية، وما إلى ذلك، فما رأي الشيخ القرضاوي في هذا الموضوع، حيث أني أتردد إلى مسجد الأحمدية، ويقال عنهم الأحمدية .. أنا بالنسبة إلي مسجد بيت الله تقام فيه شعائر الله لا إله إلا الله محمد رسول الله، أما إمام ذلك المسجد يقولون أنه لا يجوز أن.. أن يأتم به الإنسان أو المسلم كونه كافر.. يكفرونه، أنه من الباكستان، وأنه من جماعة الأحمدية.

ماهر عبد الله: طيب يعني أعتقد السؤال واضح يا أخ عبد القادر، مشكور.. مشكور جداً، أعتقد إنه شوية خارج عن موضوع حلقتنا هذا السؤال، يعني أنا أعتذر لك يا أخ عبد القادر لأنه..

د.يوسف القرضاوي: هو بس فيه هأتكلم أنا عن حته عن.. حته التجديد، لأن هي اللي تهمنا في.. آه.

ماهر عبد الله: ماشي، هذا خاص بأن الأحمدية، ولأن وصلنا بعض الفاكسات يعني قد نفرد لها حلقة أخرى، لو بدأنا بسؤال -فضيلة الشيخ- سؤال الأخ واصف عن الرد علي الذين يشككون بالإسلام وعن مقدرته على التعايش مع من يشرف على الدخول فيه، وهو ما دخلنا فيه من عصر العولمة.

د.يوسف القرضاوي: الإسلام قادر على الدخول في القرن الحادي والعشرين والقرن الحادي والخمسين والحادي والتسعين والألفية الثالثة والألفية العاشرة والألفية المائة، لأنه كما قلت الإسلام وضع مبادئ وقواعد صالحة للبشرية، أنا في يمكن ذكرت في أول الأمر إن الذين قالوا الدين ثابت والحياة متغيرة يعني قلت إنهم يعني أخطأوا في فهم الدين وفي فهم الحياة، لأن الدين ليس كله ثابت، الشريعة فيها كما ذكرنا، أنت ذكرت قلت يعني فيه مجال كبير قوي للإنسان يتحرك فيه، يعني الخمس أشياء اللي ذكرناها كلها فيها مجال لحركة العقل .

ماهر عبد الله: البشري.

د.يوسف القرضاوي: الإنساني والبشري، وغير الأشياء الدنيوية الأخرى التي قال فيها الرسول: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"، أنا أقول أيضاً الحياة نفسها ليست كلها متغيرة، لأن الحياة فيها جزء متغير وجزء ثابت، يعني والكون نفسه الكون فيه أجزاء ثابتة وأجزاء متغيرة، فيه أشياء بتتغير في الكون، فيه يعني أشياء خضراء تتصحر، وفيه أشياء.. وفيه صحراء تخضر، وتزرع فيها، وفيه جزر تنشأ في البحار، وفيه يعني جزر تزول، يعني دي كلها أشياء بتحدث، إنما الكون بأجزائه الأساسية بأرضه وسمائه بشمسه وقمره ونجومه، بمجراته الكون ثابت هذا، ففيه أشياء ثابتة، الإنسان فيه أشياء منه ثابتة وأشياء متغيرة، يعني الإنسان منذ الإنسان الأول يأكل ويشرب، يعني الإنسان عنده غرائز تحركه، لم.. لم تتعطل هذه الغرائز ولم تتغير الإنسان يعني فيه الخير والشر، هناك قابيل وهابيل، من.. منذ ما كانت الأسرة البشرية أسرة واحدة، وإلى الآن، يوم ما كان الإنسان يقتل أخاه ولا يعرف كيف يدفنه، والإنسان ممكن الآن يذيب الجثة ببعض الأحماض والأشياء الكيماوية، ولا يُبقي لها أثراً، إنما هو الخير والشر موجود في الإنسان، فهذه أشياء ثابتة، الإنسان تغيرت معرفته بالكون، تغيرت مأكولاته، ملبوساته، يعني تغيرت وسائل المواصلات بعد ما كان بيركب الحمار أصبح بيركب سفينة الفضاء الآن، إنما جوهر الإنسان باقي، ولذلك أنا أقول إن الإسلام بهذه القواعد الكلية والخالدة يستطيع أن يحكم البشر في أي قرن كان وفي أي ألفية كانت.

ماهر عبد الله: والله يعني هذا بيذكرني بسؤال وصل بالفاكس، بس لو سمحت لي الرد على الأخ محمد بن سعود الذي يحتج على عدم أمانتنا مع الفاكسات والتعامل معها، يا أخي الكريم: سبب عدم الأمانة في التعامل مع الفاكسات أن كل هذا الكم من الفاكسات -للأسف الشديد- في غير موضوع الحلقة، ونحن منهجنا -على الأقل في هذا البرنامج- أن نقصر الحديث على موضوع واحد، والدليل أن حتى للأسف يعني الأسئلة التي بعثت بها لا.. يعني لها علاقة ببعض الحلقات السابقة، لكن لا علاقة لها بموضوع حلقة اليوم، ولهذا أنا مضطر ألا أنصف معك أيضاً، وأنا أعتقد إن هذا هو الإنصاف ألا نجيب على الفاكسات التي لا تتحدث عن موضوع الحلقة.

فيه أخ يا سيدي أرجو ألا أكون أخطأت في فهم اسمه أو في قراءة اسمه رغم كل ما سمع منك أرسل نسختين من.. من فاكس يقول: أن الدين الإسلامي لم يكن صالحاً يوماً لا في الماضي ولا في الحاضر بعد الألفية- الثالثة والرابعة والخامسة، إنما فُرض -ولا يزال يُفرض- بقوة السيف كما في السودان مثلاً، فكيف سيكون دين المستقبل؟

سبب الارتباك في القراءة أنه الأخ من السويد اسمه محمد علي، لكن اسم العائلة غريب، يعني كأنه يناكف ويقول المرتد، أو أنني لا أستطيع قراءة اسمه بشكل صحيح، وأرجو ألا يكون المرتد يعني.

د.يوسف القرضاوي: هو بهذا الكلام إذا كان مُصر على هذا الكلام يكون قد ارتد والعياذ بالله، لأنه يقول الإسلام لم يصلح لا في الماضي ولا في الحاضر، يعني أنزل الله ديناً للبشر، هل الأخ يعني يؤمن بأنه فيه إله ولا ما فيش؟ وهل يؤمن بأن محمد كان رسولاً من عند الله ولا كان كذاباً؟ وهل يؤمن بأن القرآن كان كلام الله أو إنه اختلقه محمد (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا) أعتقد لو كان مسلماً لما قال مثل هذا الكلام، ولا أدري هل اسم محمد علي ده اسمه صحيح أو اسمه أيضاً مختلق، يعني لعل هو يعني ذكر هذا، الإسلام يا أخي هو شريعة الله -عز وجل-يعني أنزلها لإصلاح خلقه، والله -تعالى- يقول: (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) الله هو الذي خلق الإنسان وهو الذي شرع له هذه الشريعة، وأظن ما فيش واحد يعني أقدر على إصلاح جهاز ما مثل اللي صنع الجهاز، أنت لما بتشتري شيء من مصنع ويخرب عندك هذا الشيء بترجعه لمصدره الأصلي، فالله هو صانع الإنسان، وهو الذي أدرى وأعلم بما يصلحه وما يفسده (وَاللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ)، وهذه الشريعة -كما قلنا- تاريخياً أثبتت صلاحيتها، يعني في أزمنة شتى مش بالسيف، السيف يا أخي لا يفتح قلباً، قد يفتح أرضاً، إنما لا.. لا يفتح قلوب، والمسلمون في السودان أو المسلمون في إيران لم يقبلوا الشريعة بالسيف، في إيران.. أذكر في إيران عملوا استفتاء وكان 99% من الشعب الإيراني قالوا: نريد الإسلام، وأنا أتحدى في أي شعب مسلم يعمل استفتاء للشعب هل تريد الإسلام أن تحكم بشرع محمد -صلى الله عليه وسلم- أم بقانون نابليون؟ أريد يعني استفتاء للشعب على هذه القضية، في أي شعب، وسنرى نتيجة الاستفتاء، والله سيكون اكتساح، هذا ما..، فلم يدع إنه الإسلام، قال الشعب السوداني من أجل الساعات عشان السكر ولا عشان مش عارف أيه قامت مظاهرات في عهد النميري وفي غيره، بس عشان إنه غلوا أسعار بعض الأشياء، طب الناس ما.. ما عملوش مظاهرات ضد الشريعة ليه؟، أنا كنت في السودان في أيام ما أعلنوا حكم الشريعة، والله رأيت الناس تسجد في الشوارع شكراً لله تعالى، وقال بعض الناس الذين كانوا يعارضون ثورة الإنقاذ، يقول لك سجدت الحكومة وسجدت الدولة لله، فخلاص فعلينا أن نؤيدها ونكون معها، حتى كانوا ناس معارضين، فمن يقول إما إنه ما فيش مسلمين إذا الشعب السوداني لم يعد مسلماً، وفرض عليه شيء، وإما هو مسلم إذا كان مسلماً، فكل مسلم يرضى بحكم الشريعة، فيعني.. فأنا أعجب لمثل هذا.

ماهر عبد الله: تذكرني بهذا بخبر يعني من إقامتي في إنجلترا كان خبر على أحد المحطات الإنجليزية يتحدث عن كيف حاولت ثورة الخوميني كما كانوا يسمونها -إجبار الناس على الإسلام، في نفس نشرة الأخبار كان الذكرى السابعة ولا الثامنة لوفاة الإمام الخوميني، وذكروا أن الذين زاروا قبره عشرة ملايين، فكيف..

د.يوسف القرضاوي: عشرة ملايين بقى يعني آه

ماهر عبد الله: فكيف تجبر عشرة ملايين على زيارة قبر ميت؟ طب سؤال من الأخ فريد أبو ظهير نقيض إلى حد ما لسؤال الأخ محمد علي، هو يؤمن بأن الإسلام هو الحل -الدكتور فريد أبو ظهير من فلسطين نابلس- لكن هل.. يؤمن بأن الإسلام يمتلك ما.. ما تفضلت بالحديث عنه، ولكن سؤاله: هل المسلمون اليوم يمتلكون الفهم الراقي والمتقدم والمتطور للإسلام بما يمكنهم من إقامة حكم الله مثلاً أو إقامة حكم إسلامي يطبقون فيه الإسلام كما يجب أن يكون، يعني هل هناك هل ترى مما نرى ونشاهد من حال المسلمين هذا الفهم الراقي الكامل للإسلام؟

د.يوسف القرضاوي: والله فيه، يعني لا أدعي إن كل المسلمين ولا كل الداعين إلى الإسلام يملكون هذا الفهم الناضج والواعي للإسلام وللعصر، لأنه إحنا نريد أناساً يعني ينظرون إلى الإسلام بعين وإلى العصر وتياراته ومشكلاته بالعين الأخرى، ويطبقوا الإسلام على الواقع، كما قال الإمام ابن القيم: الفقيه الحق هو من يزاوج بين الواجب والواقع، فلا يعيش فيما يجب أن يكون فقط، ولكن فيما هو كائن بالفعل، فنحن نريد، هذا فيه ناس موجودين وفيه علماء، ولكن هناك كثيرون أيضاً فيهم خلل وخلط، وخلط في فهم الإسلام وفي فهم الحياة، وهناك أناس أعتقد أن أفهامهم مضرة على الإسلام، يعني حقيقة لا.. أنا شخصياً لا أئتمنهم أن يحكموا المسلمين، إنما فيه ناس يعني جيدين، يعني أنا أرى إنه بصفه عامة إخواننا في.. في السودان عندهم أفهام جيدة لحكم الشريعة ولواقع الحياة، ولذلك يعني لما جم يطبقوا هذا، وجدوا مثلاً إن فيه مناطق يعني سكانها أغلبية غير إسلامية فخيروهم بين.. لم يفرضوا عليهم الإسلام، وهذا موجود في القرآن (فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ)، غير المسلمين إذا جاءوك احكم بينهم أو اعرض عنهم، ولذلك خيروا المناطق غير الإسلامية في الجنوب وفي غيرها، فموجود هناك من يستطيع أن يفهم الإسلام، ويفهم الحياة، ولكن هناك كثير من الأفهام موجودة للأسف تسيء إلى الإسلام أسوأ يعني ما يكون.

ماهر عبد الله: طيب يا أخ صالح، معايا الأخ صالح عبد القادر، أنا آسف جداً على هذا الانتظار الطويل، الأخ صالح عبد القادر من بريطانيا، اتفضل.

صالح عبد القادر: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

صالح عبد القادر: كل عام وأنتم بخير.

ماهر عبد الله: وأنت بخير.

د.يوسف القرضاوي: وأنت بصحة والسلامة.

صالح عبد القادر: الله يعيده علينا وعليكم بالخير وبالبركة.

ماهر عبد الله: أهلاً بك.

صالح عبد القادر: شيخنا الكريم، إذا مصيرنا إحنا يعني بالنسبة لهذا الفهم لقولك أن الإسلام لم ينص على كل شيء، هل هذا فيه مخالفة لقوله تعالى (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) وقوله تعالى (تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ) علماً بأن الرسول -صلوات الله عليه وسلم- قال في حديث "أُتيت القرآن ومثله معه"، يعني المقصود به السنة الشريفة، الأحاديث اللي تفضلت بها إن الله -سبحانه وتعالى- الحلال ما أحل الله والحرام ما حرَّمه الله، هذا الحديث بدأ بأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- سُئل عن السمن والجبن والفراء، والرسول -صلى الله عليه وسلم- نص في هذا الحديث بأن الله -سبحانه وتعالى- سكت عن تحريمه، ولم يسكت عن بيان الحكم الشرعي، هذا هو الفهم الصحيح.

ماهر عبد الله: مشكور.. مشكور يا أخ.. عفواً يا أخ صالح يعني هذا الانقطاع فني، يعني سؤالك جوهري، -وإن شاء الله- سنحيله إلى فضيلة الشيخ، على الأقل قصدي له منطق يعني، معانا الأخ رياض أمين من قطر، أخ رياض، اتفضل.

رياض أمين: السلام عليكم.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

رياض أمين: كل عام وأنتم بخير. فضيلة الشيخ، نجح المجتمع المسلم، الأول في التعامل مع أحكام الشريعة كلها، وأظهر صورة واضحة للمجتمع المسلم لماذا اليوم نتجاهل النظر في التعامل مع أحكام الشريعة الإنسانية مثل حدود الحرابة وغيرها، التي فيها طهارة للمجتمع المسلم، ومجتمعاتنا اليوم في حاجة ماسة إليها اليوم، مع أن هذه الأحكام وهذه الآيات جاءت في كتاب الله جنباً إلى جنب مع الآيات التي تدعو إلى العبادات والنظر في الكون والنظر في قصص الأنبياء والعبر والعظات إلى آخره، نرجو التوضيح من سعادتكم، أين الخلل؟

ماهر عبد الله: طيب مشكور جداً يا أخ رياض، يعني هي الآن أصبحت ثلاثة أسئلة لأن إحنا فاتنا أن نشير إلى موضوع المجدد.

د.يوسف القرضاوي: آه طبعاً نعم.

شرعية التجديد في الفقه الإسلامي

ماهر عبد الله: فياريت نبدأ بالمجدد مع الاعتذار للأخ عبد القادر حرش، لأنه تأخرنا عليه بالإجابة.

د.يوسف القرضاوي: آه، أنا أقول هو الحديث حقيقة يعطينا يعني حقاً في شرعية التجديد، إنه يقول "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدد لها دينها، وليس حديثاً ضعيف كما قد قال الأخ إن يمكن حديث ضعيف لأ، ده هو حديث صححه العلماء رواه أبو داود والحاكم والبيهقي في معرفة السنن والآثار، وصححه عدد من الأئمة القدماء والمحدثين، والمجدد هنا ليس من الضروري أن يكون مجدداً واحداً، هناك من يقول من يجدد لها دينها فرد واحد، وعددوا المجددين.. المجدد في أول، في المائة الأولى كان عمر بن عبد العزيز، وفي المائة الثانية كان الإمام الشافعي، وفي المائة الخامسة كان الإمام الغزالي، إلى آخره، وبعضهم قال: لأ، من يجدد دي تحتمل أن يكون فرداً وأن يكون جماعة، يمكن يكون مجدد أكثر من واحد، ويمكن يكون مجدد مدرسة فكرية تجديدية أو جماعة تجدد الإسلام، فهذا يفتح لنا باباً، التجديد العلمي والفكري والتجديد العملي أيضاً، إنه محتاجين تجديد الدعوة وأساليبها وتجديد الفهم ونعمل معاهد -كما اقترح بعض الإخوة- لإعداد المفكرين والفقهاء والدعاة، أيضاً محتاجين إحنا القيادات الفكرية والفقهية محتاجين إعداد مثل هذا.. فهذا كله يدخل في التجديد.

ماهر عبد الله: طيب سؤال الأخ صالح عبد القادر يعني يقول: ألا تجد نوعاً من التناقض بين ما تفضلت به في.. في النقطة الأولى من الآليات أن الإسلام لم ينص على كل شيء، ألا يتناقض هذا ظاهراً -على الأقل- مع قوله تعالى (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)؟ أو إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما قال: "أوتيت القرآن ومثله معه" شارحاً أو موضحاً، يعني هل هناك تناقض؟

د.يوسف القرضاوي: لا.. لا تناقض يا أخي لأنه مثلاً أولاً الآية دية يعني ليست نصاً، لأن بعضهم يقول المراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ، ما فرطنا في الكتاب.. (كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُوراً) يعني اللوح المحفوظ، إنما الآية اللي نص في هذا هي (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ)، فهنا المفروض كل شيء من قواعد الدين وأصوله، إنما الفروع والتفصيلات لم يأتِ بها القرآن، وهذا.. وإلا ما.. ما جاء.. ما كان الرسول.. أمَّال الرسول هيبين أيه؟ (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) طيب أنا أسأله لو أخذنا بظاهر هذا، طيب هل في.. في القرآن إن الصلوات خمس، وهل فيها إن الظهر أربع ركعات، والصبح ركعتين، والمغرب ثلاثة؟ وهل فيه إن الركعة مشتملة على قراءة الفاتحة وعلى ركوع وسجودين وكذا.. وكذا؟

ماهر عبد الله: ولهذا هو استبق هذا الجواب، فقال إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أنه "أُوتيت القرآن ومثله معه".

د.يوسف القرضاوي: طيب إنما إذا الآيات اللي بيستدل بها لا تدل على ما قال، لأنه معناها إنه القرآن لم يأتِ بكل شيء في التفصيلات، وحتى الحديث برضو لم يأتِ بكل شيء، فيعني فأنا لذلك أنا بأقول العلماء قالوا إن النصوص متناهية، والحوادث غير متناهية، يعني لما آجي أقول لك الآن ما حكم عمل برلمان لأعضاء مجلس -الأيه- النواب، هتقول لي هات لي.. واحد يقول لي هات لي نص من القرآن أو حديث نبوي لأ، دي أشياء متروكة -للأيه- لاجتهاد العقل البشري، ما قولك في توزيع البريد بالطريقة الفلانية أو عمل رقابة صحية أو كذا.

[موجز الأخبار]

ماهر عبد الله: قبل أن نواصل الحوار في إجابة فضيلة الشيخ على سؤال الأخ أعتقد كان صالح عبد القادر من بريطانيا، أود أن استغل هذه الفرصة لأتوجه بالشكر الجزيل للدكتور لطفي من فرنسا على هذا الاهتمام، وأنا أطمئنك بأن الفاكس وصل إلى فضيلة الشيخ القرضاوي، وهو -إن شاء الله- سيتصرف به، وندعو الله ألا يحوجه إليه. سؤالي عن.. سؤال الأخ صالح يعني لو.. لو سمحت لي.

د.يوسف القرضاوي: أنا يعني قبل أن أجيب أيضاً، يعني هناك شكر الحقيقة يلزمني أن أقدمه لفضيلة الأخ الصديق العزيز الأستاذ الدكتور عبد الله شحاته العالم والداعية الموفق، الذي يراه الكثير من المسلمين في.. على الفضائية المصرية في برنامج (دنيا ودين)، فقد أرسل إلى يعني قناة (الجزيرة) هنا يعني رسالة يعني تفيض رقة وأخوة ومحبة وتقديراً يعلق فيها يعني على هؤلاء المتطاولين بغير أدب وبغير خلق، وأنا أشكر له ما فاضت به رسالته من معانٍ جميلة، الحقيقة هذه فرصة لأودي له بعض حقه، وعسى أن أكتب له رسالة، فأرجو أن يتقبل هذا مني الأخ الدكتور عبد الله إن شاء الله.

ماهر عبد الله: طيب لو عدنا لأواخر ما قلت -قبل الموجز- فضيلة الشيخ، وكان هذا يعني محل سؤالي لما قلت لك إن الخلاف الذي دار بين تراث الإسلام وتراث المسلمين، يعني هذا الخوف الذي يتخوف منه الكثيرون ممن لا يفهمون الإسلام من مصادرة الأولية، إنه هناك زعم بأن النص القرآني المحدود عادةً شامل التفصيلات الحياة كلها، البعض يرتعد من هذه العبارة، إنه كيف يمكن لنص محدود أن يشمل كل التفاصيل الدقيقة بحياة البشر.

د.يوسف القرضاوي: ولذلك إحنا أول ما بدأنا بدأنا بهذا، وقلنا هو يشمل من ناحية الكليات، إنما الأحكام التفصيلية مستحيل يعني كيف يمكن أن.. أن يسع الآن، عصرنا جدت فيه مسائل آلاف المسائل لم يحلم السابقون بها، القرآن لا يمكن أن يفتي فيها تفصيلاً، إنما أعطانا القواعد كيف نتعامل معها، لأنها ستدخل تحت قاعدة من القواعد الأساسية التي جاء بها القرآن، لماذا أعمل المسلمون القياس؟ القياس.. قياس أمر غير منصوص عليه على أمر منصوص عليه، معناه إن فيه أشياء لم ينص عليها بنقيسها على المنصوص لما ربنا يقول: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ) إذا كان واحد بيبيع حاجة، طب قالوا لو واحد مش عقد.. عقد إيجار، هل الإيجار يجوز إنه ينشغل بها عن صلاة الجمعة؟ هذا يقاس الإجارة -على الآية- على البيع، يعني وبعدين الذين قالوا بالمصلحة المرسلة، هذه تشمل أشياء يعني كثيرة جداً، قانون مثلاً مثل تنظيم المرور الآن، معظم يعني هذا القانون ماشي على المصلحة المرسلة، كون إننا نلزم الناس إنهم يمشوا على اليمين مثلاً وإنه عندما تكون الإشارة حمرا يعني -أيه- يتوقف، وإن فيه إشارة بتقول له: قف، يقف، وفيه إشارة يجب يعني أيه ينظر يميناً وشمالاً قوانين، هذه واخدينها منين؟ هل فيها نصوص قرآنية ولا نصوص يعني نبوية، يعني فهناك آلاف من الأشياء بنأخذها من قاعدة المصلحة المرسلة وقاعدة الاستحسان وقاعدة سد الذرائع، وقاعدة العرف، وهكذا، فدعوى الأخ يعني غير مفهومة يعني الحقيقة، ودي ليس فيها افتيات على القرآن، لأ ده من عظمة القرآن إن الأشياء التي يحتاج الناس إلى النص فيها نص فيها، والأشياء التي يحتاج إلى أن يتركها لعقول البشر واجتهاداتهم حسب زمانهم ومكانهم تركها، فده من عظمة هذا الإسلام.

ماهر عبد الله: طيب سؤال الأخ رياض أمين من.. من قطر لو رجعنا إليه كان عن اعتقاده بأنه يعني التجاهل لبعض حدود الشريعة، وذكر تحديداً إن حد الحرابة هي جزء من الأسباب التي تفقد الناس الأمن والطمأنينة ولو كانت تُطبَّق مثل هذه الحدود لربما كان وضع الأمة أحسن حالاً، يعني باعتقادك ماذا الصح؟

د.يوسف القرضاوي: هو يعني طبعاً نحن ننادي بتطبيق الشريعة كل الشريعة، نجد بعض الناس كأنما يفهم من كلمة الشريعة الحدود، يعني بعض الناس انحصر الإسلام عنده في التشريع، وانحصر التشريع عنده في الحدود والعقوبات، ولكن الإسلام أكبر من التشريع، يعني التشريع أنا لي كتاب اسمه "ملامح المجتمع المسلم" جعلت هناك أحد عشر ملمحاً، يعني من هذه الملامح: العقائد، العبادات، الأخلاق، الآداب، الأفكار، المشاعر، وذكرت من ضمنها التشريع، والتشريع من ضمنه الحدود، فأنا يعني أعيب على بعض الإخوة الذين يكادون يحصرون الشريعة في إقامة الحدود، حينما نقول إقامة الشريعة نحن نريد إقامة حياة إسلامية متكاملة تسودها المفاهيم الإسلامية، وتضبطها القيم والأخلاق الإسلامية، وتحكمها التشريعات الإسلامية، نريد هذا يعني كله في حياتنا، فحينما نقول الشريعة نريد الشريعة بأحكامها كلها، ومنها أيضاً أيه الحدود، ولا يمكن إن إحنا نضبط الحياة إلا بالحدود، ولكن لا يجوز أن أهمل العدالة الاجتماعية بعدين آجي أقطع يد الإنسان السارق، وهو سرق من حاجة، سيدنا عمر بن الخطاب أوقف حد السرقة في عام المجاعة، لأنه عام المجاعة فيه شبهة إن الناس اللي بتسرق.. بتسرق من حاجة، فلذلك يعني فهذا بيعطينا إنه لابد نراعي من مقاصد الشريعة.. الشريعة ما تقصدش إنها.. إنها تقطع إيد واحد سرق لأنه محتاج يأكل، يعني ولم يقطع إيد عبيد أو خدم سرقوا من مال سيدهم، لأنه أجاعهم ولم يعطهم أجرهم أو نحو ذلك، يعني فنحن نريد إننا نطبِّق الشريعة متكاملة، فلذلك قبل أن أقطع يد السارق لابد أن أوفِّر له العمل الذي يأخذ منه الأجر المناسب، لابد أن أوفر الطعام للجائع والكساء للعاري، والدواء للمريض، والبيت للمشرَّد، والكفاية للمحتاج، وبعدين بعد ذلك أقول للناس أنا أقطع يد السارق، فلابد من إقامة عدالة اجتماعية، وبعدين بعد ذلك أطبِّق، وهكذا.. لابد أن

ماهر عبد الله: فلسفة.. فلسفة العقوبات كلها قائمة أنها حالات استثنائية، يعني يفترض في الإنسان إن هو سوي مستقيم حتى يثبت العكس

د.يوسف القرضاوي: العقوبات للناس الذين خرجوا عن القاعدة، الذين شذوا عن القاعدة، إنما الإسلام مش جاي للذين شذوا، ده هو جاي للناس الأسوياء أساساً، ولكن من شذ لازم يعاقب، لأن من أمن العقوبة أساء الأدب، فلازم نعاقب المسيء، وإحنا شوفنا إنه البلاد التي طبقت هذه العقوبات، يعني أقرب مثل لنا المملكة السعودية، لما طبقت يعني حد السرقة، يعني قلت السرقات إلى حد بعيد جداً، لا يكاد يعني.. يعني تقطع في السنة إلا يد يدين يعني أشياء، الآن يمكن بعض الناس جم من بلاد أخرى يحاولوا يسرقوا في الحرم والحاجات اللي زي كده، إنما المجتمع السعودي الإنسان بيروح يترك متجره ويذهب إلى الصلاة ويعود، ولا يمتد.. تمتد إليه يد، ومفتوح ما بيغلقوش حتى ولا.. ولا أي شيء، فالأمان مع العقوبات الشرعية إذا طُبِّقت بشروطها وضوابطها..

ماهر عبد الله: معنا الأخ عبد الإله المالكي.. الأخ عبد الإله المالكي من السعودية، اتفضل.

عبد الإله المالكي: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

عبد الإله المالكي: كل عام وأنتم بخير إن شاء الله.

ماهر عبد الله: وأنت بخير.

د.يوسف القرضاوي: وأنت بالصحة والسلامة يا أخي

عبد الإله المالكي: فضيلة الشيخ، يعني الدين الإسلامي جعله الله -سبحانه وتعالى- للبشرية كافة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يعني محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، يعني الحقيقة يعني فيه اقتراح كدة ولفضيلة الشيخ وهو أحد علماء الأمة يعني لماذا لا يجتمع يعني علماء الأمة الإسلامية يعني من خلال رابطة العالم الإسلامي والمجمع الفقهي يعني يصدروا منهج أو شيء يعني يكون مرجع لما جد يعني الآن في حياة الإسلام وفي الأمور هذه، كان.. العالم الآن أصبح كقرية صغيرة يعني، يعني يكون هذا مرجع مستمد طبعاً من الكتاب والسنة، وجزاكم الله خير.

ماهر عبد الله: مشكور يا أخ عبد الإله، معانا الأخ عدنان.. دكتور عدنان الكاليدار من بريطانيا دكتور عدنان، اتفضل.

د. عدنان الكاليدار: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د. عدنان الكاليدار: الحقيقة نشكر الشيخ ونشكركم على ها البرنامج.

ماهر عبد الله: حياك الله.

د. عدنان الكاليدار: والاستماع إلكم الحقيقة يرى سماحة الإسلام، وأنه النظام الوحيد الذي يصلح لكل البشرية الحقيقة، بس حبيت مداخلة بسيطة.

ماهر عبد الله: اتفضل.

د. عدنان الكاليدار: بالنسبة الفارق اللي نشوفه هو أنه هناك مفارقة بين النظرية والتطبيق في بعض الأحيان، وأحسن شخص وضح هذه النقطة هو السيد الشهيد محمد باقر الصدر عندما قارن النظام الإسلامي بالأنظمة الأخرى الموجودة في العالم وهي كانت بوقته النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي الديمقراطي، ووضح من ناحية النظرية وليس التطبيق كيف أنه يتفوق الإسلام على ها النظريتين الموجودة في العالم، وتنبأ في حينه في.. في سنة.. في الخمسينيات من القرن الماضي بزوال الشيوعية، لأنه انتقدها على مستوى النظرية وليس التطبيق، وأحب أن بس أذكِّر أنه السيد محمد باقر الصدر هو أُعدم في العراق على يد نظام صدام حسين، وشكراً لكم.

ماهر عبد الله: طيب يعني يا أخي، مشكور جداً يا أخ عدنان، يعني كنا نود أنه لا تضيف إضافتك الأخيرة، لأنه نعتقد إنه فعلاً المداخلة كانت قيمة، و -إن شاء الله- سنستمع إلى الدكتور القرضاوي في تعليقه عليها، اقتراح الأخ عبد الإله أعتقد يعني مر علينا في هذا البرنامج من قبل، مجمع فقهي تحت رابطة ما، رابطة العالم الإسلامي أو غيره لاتخاذ موقف مما يستجد.

د.يوسف القرضاوي: هو فيه مجامع يعني موجودة حالياً، فيه مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، من زمان من عهد الشيخ شلتوت -رحمه الله- وفيه مجمع.. المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، وأنا أتشرف بعضويته، وفيه مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي اللي بتمثل فيه الدول الإسلامية، كل دولة بواحد، وفيه مجمع الفقه الإسلامي في الهند أيضاً، وفيه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وأنا أتشرف برئاسته، دي كلها مجامع يعني موجودة، وكل مجمع بيقوم بناحية من النواحي، إنما كيف يعني نستطيع أن نُخرج من هذه المجامع مجمعاً واحداً ويمثل علماء المسلمين وبعيداً عن ضغط أي دولة أو أي جهة من الجهات؟ هذا ما يفكر فيه الكثيرون، ولعل إنهم يصلون إلى هذا.

إنما تستطيع هذه المجامع على كل حال لو يعني أدت واجبها إنها تنير الطريق للمسلمين في كثير من القضايا، يعني مجمع الفقه الإسلامي الدولي أصدر عدد من المجلات يعني الحقيقة أو من المجلدات بحوث شتى في حول قضايا يعني كثيرة من قضايا المعاملات الحديثة، والقضايا الطبية، والقضايا السياسية والقضايا الاقتصادية، يعني يمكن يعني الانتفاع بها والرجوع إليها.

ماهر عبد الله: طيب سؤال الدكتور عدنان أنا أعتقد إنه في.. في محله، إنه هو فعلاً الخوف هو ليس من النظرية الإسلامية، ليس هناك خوف من أنه الفلسفة الإسلامية.. العقلية الإسلامية تقدم حلولاً نظرية ناجعة، المشكل ليس هنا، المشكل هو أننا.. غيرنا لا يرى من المسلمين ما يقنعهم بجدوى هذه النظرية، لأنهم يتعاملون معنا ولا يرون ما يسرهم.

د.يوسف القرضاوي: هو أولاً لازم غيرنا أولاً يعني يدونا الفرصة لنطبِّق شريعتنا، غيرنا هذا كان مقصود بغيرنا، يعني القوى الغربية وغيرها، هم للأسف لا يتيحون لنا حرية التعبير عن أنفسنا بأننا نحكم بلادنا وفق شريعتنا، هم يحاربون هذا، بدليل حربهم للسودان ولإيران، يعني السودان لم تذنب ذنباً إلا أنها طبقت الشريعة، يا أخي طب ماذا يضيركم أن يطبق قوم شريعتهم عليهم؟ أيه.. أيه اللي يضيركم من هذا؟ بالعكس أنا يعني أرى إنه التعامل مع إنسان يعني صاحب دين عنده مرجع يرجع إليه ويحترمه أفضل من إنسان سائب لا دين له، يعني الغربيون لو.. لو أنصفوا يعلمون إنه التعامل مع مسلمين لهم دين يحكمهم، ويضبط سيرهم أفضل من التعامل مع أناس لا دين لهم، فلذلك يعني هذه المشكلة إنهم لا.. لا يتركوننا، يعني مش القضية، التطبيق طبعاً يحتاج إلى أناس يؤمنون بالإسلام، يعني كانوا الجماعة الاشتراكيين كانوا بيقولوا إن الاشتراكية لا يطبقها إلا الاشتراكيون، لما بعض الناس تبنى الاشتراكية، وهم يعني عندهم نزعات رأسمالية، قالوا: لأ دول ما ينفعوش، الاشتراكية لا يطبقها إلا..، نحن نقول أيضاً يعني والإنسان حتى ممكن يستفيد يأخذ الحكمة ولو من خصمه، إن الإسلام لا يطبِّقه إلا الإسلاميون، أعني بالإسلاميين الناس الذين عاشوا للإسلام، وعاشوا بالإسلام، وأحسنوا الفهم للإسلام، ونذروا حياتهم لهذا الدين، إذا وُجد هذا، يعني أعتقد إن هذا سيكون من ورائه الخير الكثير.

أما ما قاله الأخ عن الشهيد باقر الصدر، فأنا يعني قرأت كتابه في الاقتصاد "اقتصادنا" وكتابه الآخر "فلسفتنا"، وهو وهذا من أحسن ما كتبه، وهو رجل يعني لاشك في الناحية الفكرية يعني لا يبارى في هذه الناحية، وليس هو يعني الحقيقة أول من كتب في هذه الناحية، هناك من سبقوه يعني كثيرون كتبوا بطريقة أخرى، وكتبوا بطريقة فيها نوع من الفلسفة، ولكن هناك الشهيد سيد قطب كتب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" هناك مصطفى السباعي كتب "اشتراكية الإسلام" هناك الشيخ أبو الأعلى المودودي كتب عن الربا وأسس الاقتصاد المعاصر، وهناك محمود أبو السعود، وهناك كثيرون يعني كتبوا حول هذه الناحية، ولابد نستفيد من.. من هذا كله في تطبيقنا عندما نريد أن نطبق الشريعة الإسلامية سواء في مجال الاقتصاد أم في مجال السياسة أو في المجال المدني أو في غيره.

ماهر عبد الله: فاكس من الدكتور سمير الحلاق، وأنا هنا يعني أحب أن أعتذر للدكتور أحمد عبد العزيز الذي انتظر معي فترة طويلة، لكن للأسف يعني شارف الوقت على الانتهاء، يعني فيه.. له علاقة ببعض ما.. ما تفضلت به، إنه يعتقد الأخ سمير الحلاق أن جزء من المشكلة هو عدم ثقة الأمة بمعالجات الفكر الإسلامي لبعض القضايا، كيف نزرع هذه لو كان هو تشخيص.. صحيح؟ كيف؟

د. يوسف القرضاوي: أنا أعتقد هذا يعني غير صحيح، لأن بعض من يقدمون الإسلام من علماء الأمة يقدمونه تقديماً مخيفاً، يعني هؤلاء ينظرون إلى الإسلام وكأن الإسلامي غول، يعني سيأكل الناس أو يفترسهم، نحن نريد أن نقدم صورة مشرقة للإسلام، الإسلام العبوس القمطرير هذا الذي يكاد يُحرِّم على الناس بسمة كل فم، وإنه هيجعل الحياة يعني مظلمة وضيقة، ولا مكان فيها للهو ولا لفن ولا لكذا، ويتوسع في منطقة التحريم بحيث يعني يكاد يكون كل شيء حرام، الإسلام بهذه الصورة يخيف، إنما نحن نريد الإسلام على المنهج الوسطي تيار الوسطية الإسلامية الذي نتبناه، ونقدم الإسلام على أساسه، الإسلام الذي يعني يأخذ من الماضي ويعايش الحاضر ويستشرف المستقبل، وينتفع بكل جديد صالح وبكل قديم نافع ويوازن هذا الثوابت والمتغيرات، هو هذا الإسلام الذي نريده.

ماهر عبد الله: عند هذه.. عند هذه الملاحظة المتفائلة نأتي إلى النهاية، لم يبق لي إلا أن أشكركم، وأشكر باسمكم فضيلة الشيخ القرضاوي، إلى الأسبوع القادم تحية مني، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.