الشريعة والحياة

الحوار مع الغرب

مبدأ الحوار وقيمته في الشريعة، طبيعة العلاقة الجديدة بين الحرب والإسلام، دور المؤسسات في إذكاء الحوار بين الإسلام والغرب، مدى ضرورة ثقة الأطراف المتحاورة بفكرتها، المسلمون والغربيون.. مفارقات ومميِّزات.

مقدم الحلقة:

ماهر عبد الله

ضيف الحلقة:

الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: مفكر وداعية إسلامي

تاريخ الحلقة:

11/07/1999

– مبدأ الحوار وقيمته في الشريعة
– طبيعة العلاقة الجديدة بين الحرب والإسلام

– دور المؤسسات في إذكاء الحوار بين الإسلام والغرب

– مدى ضرورة ثقة الأطراف المتحاورة بفكرتها

– المسلمون والغربيون.. مفارقات ومميِّزات

– دور الإعلام في إنشاء وتكوين المحاور المسلم

– رفض مساواة التحديث والتغريب

undefined
undefined

ماهر عبد الله: أعزائي المشاهدين، أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).

كثرت في الآونة الأخيرة الدعوات لإقامة حوار مع الغرب، بعضهم سماه حوار الثقافات، وبعضهم أسماه حوار الأديان، وبعضهم قال بحوار الحضارات، وكانت دعوة الرئيس الإيراني محمد خاتمي في الآونة الأخيرة من الدعوات التي وجدت صدى غير عادي في هذا الصدد.

موضوعنا لهذا اليوم سيكون هذه الدعوة للحوار مع الغرب، ومعنا –كالعادة- فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي ليتحاور معنا في هذا الموضوع.

شيخ يوسف، أهلاً بك مجدداً واسمح لي أن أبدأ بسؤال: هل كانت هناك قطيعة مع الغرب لنبدأ معه حوار أم أن عملية الحوار هذه متواصلة منذ زمن؟


مبدأ الحوار وقيمته في الشريعة

د.يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد: فلابد لنا قبل أن نتحدث عن الحوار مع الغرب أن نتحدث عن فكرة الحوار نفسها، يعني من الوجهة الإسلامية ما دمنا في برنامج (الشريعة والحياة)، فأريد أن أتحدث عن الحوار باعتباره قيمة وباعتباره مبدأ، وأحد مناهج الدعوة، يعني الحوار جزء من منهج الدعوة وجزء من منهج التعامل مع الآخرين، الدعوة.. القرآن يقول: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فالجدال بالتي هي أحسن هو الحوار، ولكن الإسلام لم يكتفِ بالأمر بالحوار، ولكن أراده أن يكون حواراً بالطريقة التي هي أحسن، بمعنى أنه لو كانت هناك طريقتان إحداهما حسنة جيدة في الحوار والأخرى أحسن منها وأجود، فالمسلم مأمور أن يحاور بالطريقة التي هي أحسن وأجود، يختار أفضل الطرق وأرقى الأساليب للحوار مع الآخرين، في حين أن القرآن قال يعني (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ) في حال الموعظة اكتفى بأن تكون حسنة، وفي حال الجدال لم يرضِ إلا بأن يكون بالتي هي أحسن، لماذا؟ لأن الموعظة تكون مع الموافق والجدال أو الحوار يكون مع المخالف ففي الموافق يكفي أن تكون الموعظة حسنة، لكن إذا أردت أن يعني تحاور المخالفين فينبغي أن تحاورهم بالتي هي أحسن، وهذا ما قاله القرآن في حوار أهل الكتاب، قال: (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)، أشار القرآن هنا إلى عملية مهمة جداً ومن أهم الأشياء في الحوار والجدال، وهي التركيز على القواسم المشتركة، لاشك أنك مع المخالفين هناك نقاط تميز ونقاط اختلاف، فلا تركز في الحوار على هذه النقاط التي تميز بينك وبين غيرك، لأن هذا يبعد ولا يقرب، إذا أردت أن تُقرب الآخرين منك فركز على نقاط الاتفاق.

ماهر عبد الله: كونك ذكرت (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ) ونحن الآن نتحدث عن حوار مع الغرب، ما هو الغرب الذي نتحدث عنه؟ هل هو الغرب المسيحي الكتابي المقصود بهذه الآية؟

د.يوسف القرضاوي: أنا بس أريد –الحقيقة- أن أشرح يعني قضية الحوار وأهميته، لأنه بعض الناس يظن إن ..، لماذا نحاور المخالفين؟ لماذا نحاور الكفار؟ لماذا نحاور غير المسلمين؟ أنا أقول: الإسلام دين حوار، والقرآن في أساسه كتاب حوار يعني حوار الأنبياء مع أقوامهم، حينما تقرأ حوار سيدنا إبراهيم مع قومه (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ ..)، حوار سيدنا موسى مع فرعون حوار طويل ذكره القرآن، بل أكثر من ذلك نجد حوار الله –تعالى- مع خلقه، يعني حاور الملائكة (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ).. إلى آخره، بل حاور الله إبليس يعني شر الخلق، الله حاور إبليس ووجدنا ذلك في عدة صور من القرآن، في سورة الأعراف، وفي سورة الحجر، وفي سورة ص، وفي غيرها من السور، يعني لأنه إبليس تطاول وقال ( قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) إلى آخره، فهذا يدلنا على أهمية مبدأ الحوار مع الناس جميعاً وخصوصاً مع أهل الكتاب ومنهم الغرب، لأن الغرب هو الأصل فيه أنه غرب مسيحي نصراني، وأهل الكتاب لهم في نظر المسلمين منزلة أخص من منزلة غيرهم، وهذا معروف في السيرة النبوية وفي أسباب نزول القرآن، أن المسلمين حينما انتصر الفرس على الروم حزن المسلمون وفرح المشركون، لأن المجوس يعبدون النار فهم أقرب إلى الوثنيين العرب، والروم أهل كتاب، نصارى، ولذلك حزن المسلمون وحصل جدال بينهم ومراهنات بينهم وبين المشركين، سيدنا أبو بكر وغيره، ونزلت الآيات القرآنية في سورة إسمها سورة الروم، (غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لله الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ) فمن ذلك الوقت والمسلمون مهتمون بالغرب، لأنه –طبعاً- هناك حدثت في التاريخ صراعات يعني طويلة أدت إلى إنه الغرب أصبح يحمل روحاً عدائية للمسلمين، طبعاً بدأت هذه حينما أخذ الإسلام من الغرب ابتداءً من الدولة الرومانية البيزنطية أخذ بلاداً كانت مسيحية وحولها للإسلام: الشام وفلسطين ومصر وشمال أفريقيا، هذه البلاد وكلها كانت يعني بتعتبر يعني ضمن المنظومة الغربية التي كانت تمثلها الدولة البيزنطية في ذلك الوقت، ثم بعد ذلك حدث صدام أشد مرارة وقسوة وهو صدام الحروب الصليبية، جاء الغرب بقبضِّه وقضيضه وثالوثه وصليبه في تسع حملات صليبية على بلاد الشرق الإسلامي، وأقاموا ممالك وإمارات في الشام وفلسطين، استمرت.. يعني استمر بعضها حوالي مائتي سنة ودخلوا المسجد الأقصى وأسالوا الدماء حتى غاص الناس في الدماء إلى الركب وقُتل عشرات الآلاف وظل المسجد الأقصى أسيراً لمدة 90 سنة إلى أن هيَّأ الله..


طبيعة العلاقة الجديدة بين الحرب والإسلام

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: إلى أي درجة يمكن أن نترك للتاريخ هذا، السِّيء ، أن يحكم العلاقة اليوم؟ يعني أنا أعتقد أن السبب المباشر في القطيعة الحروب الصليبية كانت مرحلة سيئة في تاريخ العلاقة بين الشعبين أو الأمتين ولكن الاستعمار المباشر في القرن العشرين وأواخر القرن الماضي ربما أخرج الموضوع من قضية التاريخ إلى يعني علاقة جديدة.

د.يوسف القرضاوي: علاقة جديدة لم تنسِ الجراح القديمة والآثار القديمة يعني ظلت الروح الصليبية، يعني كما قال (ليوبولد فايت) ومحمد أسد وغيره، الناس الذين رفضوا الاتجاه الفكري والنفسي عند الغرب وعلاقته بالمسلمين، قال إن الغرب لايزال يحمل هذه الروح، ربما السياسيون يحاولون أن يخفوها، ولكن العسكريون يظهرونها كما قال (اللمبي) حينما دخل القدس سنة 1917: "اليوم انتهت الحروب الصليبية"، وكما قال (جورو) حينما.. القائد الفرنسي، حينما دخل دمشق وذهب إلى قبر صلاح الدين الأيوبي وقال له: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"، فهم لم يتخلوا، نحن نطالبهم بهذا، نحن نطالب الغرب بأن يتخلى عن أحقاده، يعني الاستعمار كما قال شيخنا الشيخ الغزالي –رحمه الله- له كتاب عنوانه كده "الاستعمار أحقاد وأطماع"، يعني فهو أحقاد قديمة وأطماع جديدة وأنا أضيف إليها مخاوف دائمة، يعني إلى الأحقاد والأطماع هناك مخاوف من الغرب، يخاف من يقظة الإسلام وعنده وساوس وهواجس من هذه القضية تجعله إن أي نهضة إسلامية وأي صحوة إسلامية يخاف منها.

ماهر عبد الله: بس لو سمحت لي في الخمسين سنة الماضية بعد الحرب العالمية الثانية الكثير من المستجدات طرأت على العالم الغربي، الدين هُمِّش تماماً في الحياة الغربية، تماماً يمكن مش الكلمة الصح، لكن هُمَّ مش بدرجة كبيرة من الحياة العامة، هُمّشَ (definitely) أو بدرجة كبيرة من الحياة السياسية، صانع القرار السياسي اليوم في الغرب ليس هو المسيحي ذو الأطماع الصليبية الذي كان في بداية القرن أو حتى الحرب العالمية الأولى، ما نشهده في أوروبا اليوم هو علمانية إلحادية، أنا أعتقد أنها تحقد على المسيحية مثل ما تحقد على الإسلام، فكيف نأخذ هؤلاء القوم اليوم بجريرة هذا التاريخ؟

د.يوسف القرضاوي: أنا أقول لك: أولاً: يعني هناك فرق بين المسيحية والصليبية، المسيحية دين، الصليبية حقد، يعني قد يكون الشخص غير مسيحي، ليس متديناً بالمرة ولكنه صليبي في أعماقه، الغرب الآن يكاد يكون تخلَّى عن المسيحية إلا قليلين منهم، هذا ما قاله الرافضون له والمفكرون والمؤرخون الذين يهتمون بالجانب العقدي والجانب الأيديولوجي والجانب الفكري، قال لك أقل من 5% الذين يذهبون إلى الكنائس في الغرب، والـ 5% دُوُلَ ليسوا كلهم متدينين، يعني بعضهم يذهب لتغيير نمط الحياة، يوم الأحد ده يعني يوم جديد، ممكن للقاءات يعني شخصية غرامية، هذا الغرب ولذلك أصبحوا يبيعون الكنائس، يعني ويشتريها المسلمون ويحولوها لمراكز إسلامية، ونحن كنا يعني حتى من عدة أشهر، حتى من شهرين، كنا في المجلس الأوروبي للإسلام وبنبحث في قضية لحوم أهل الكتاب ذبائح أهل الكتاب، هل الغرب ده أهل الكتاب أم لا؟ كان بعض الإخوة قدم بحوثاً وقال الغرب لم يعد كتابياً، لم يعد مسيحياً، معظم الغربيين لا دين لهم حقيقة، هم غربيون يعني بالعنوان وبالوراثة، إنما لما تبحث لما تحك هذا المعدن لا تجد المسيحية الحقيقية، ولذلك أنا كثيراً ما قلت في ما كتبته إن حضارة الغرب ليست حضارة مسيحية، هي أبعد ما تكون عن الحضارة المسيحية، الحضارة المسيحية مغرقة.. المسيحية مُغرقة في الروحانية، والحضارة الغربية مُغرقة في الأيه؟

ماهر عبد الله: المادية.

د.يوسف القرضاوي: المادية، الحضارة المسيحية أو الثقافة المسيحية أو الديانة المسيحية ترفض الدنيا و المال، و الإنجيل يقول: لا يدخل الغني ملكوت السماوات حتى يدخل الجمل في سَمَّ الخياط، ومن أراد أن يتبع المسيح قال له اذهب فبِع مالك واتبعني". أين هذا..؟

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: إذن أي غرب نتحدث عنه؟ هل هو الغرب المسيحي أم هو الغرب هذا الجديد المادي؟

د.يوسف القرضاوي: لأ، هو الغرب الجديد ، إنما أنا أحب أن أقول إنه تخلِّي الغرب عن المسيحية لا يعني تخليه عن الفكرة الصليبية، أنا أقول لك هأضرب لك مثالاً: الآن بعد أن انهار الاتحاد السوفيتي وزال الخطر الأحمر-كما يقولون- ولم يعد هناك خوف من الخطر الأصفر الصيني وقد تقاربوا معه، أنشأوا شيئاً جديداً سموه الخطر الأخضر، أرادوا أن يرشحوا عدواً بعد دولة الشر كما سماها ريجان قديماً، الدولة الشيوعية.. الاتحاد السوفيتي، يريدون عدواً جديداً ليعبؤوا الشعور ضد هذا العدو، فماذا اختاروا العدو؟ العدو الذي رشحوه هو الإسلام وسموه الخطر الأخضر هو..، وعلى هذا الأساس بدأوا يكيلون بمكيالين ويعاملون العالم بإزدواجية، يعني ولذلك وقفوا مع إسرائيل على طول الخط، وفي القضايا الإسلامية ليسوا..، فهذه هي الروح الصليبية التي يعني نخشاها من الغرب، ولذلك نحن نقول : إذا أردنا أن نتحاور مع الغرب نريد من الغرب أن يتخلى عن أحقاده الصليبية القديمة، ويتخلى عن أطماعه الجديدة في دنيانا، يعني يكفي ما نهب من بلادنا ومن خيراتنا طوال المدة الماضية، وأقام عليه يعني صناعاته وطرقه وأشياءه الجديدة وحُرمنا نحن من هذا، فلازم يتخلى عن أحقاده القديمة وأطماعه الجديدة ومخاوفه الدائمة هذه، نحن لا نريد شيئاً أكثر من أننا نريد أن نعيش مسلمين، نحيا مسلمين ونموت مسلمين، لماذا يكرهون أن نحيا مسلمين؟! وهم من الخير لهم أن يتعاملوا مع مسلمين متدينيين يرقبون الله ويخافونه ويتعاملون مع الناس بقيم دينية وأخلاقية.

ماهر عبد الله: سيدي الكريم، يعني لكن هنا مشكلة، إحنا في البداية تحدثنا عن أدب الحوار أن نبدأ بالقواسم المشتركة، وفي العادة نحن المسلمون بحكم أننا هُزمنا من الغرب، دفعنا كثيراً بسبب سياسات الغرب، غالباً ما نبدأ هذا الحوار إما بشروط مثل التي تفضلت بها أو بالحديث عن جراحاتنا بسببهم، يعني أين القواسم المشتركة؟ إذا كنا سنتحدث عما تسببوا لنا به من آلام طوال هذه الفترة، فكيف سنبدأ حواراً إيجابياً قد يصل إلى نتيجة نستطيع فيها أن نعبد الله كما نريد دون تدخل منهم؟

د.يوسف القرضاوي: إذا ظلوا على هذه الروح الصليبية وظلوا على الكراهة لنا والخوف من إسلامنا ومن أي حركة فلا..، لالقاء، لا بد إنه علشان نلتقي يبقى فيه قدر من التفاهم ورغبة في التفاهم المشترك، نحن.. أنا أعتقد المسلمين ليس عندهم إشكالية في هذه القضية، ليس عندنا عقد، نحن أبناء اليوم ولسنا بقايا الأمس، ونريد أن يتعاملوا معنا معاملة الند للند، وعلى هذا الأساس نقول: إن هناك قواسم مشتركة، تعالوا نقف على هذه الأرضية المشتركة أننا نريد أن نقف ضد النزعة الإلحادية في العالم، النزعة المادية التي تنكر الألوهية وتنكر الآخرة وتنكر النبوات، وتنكر القيم الدينية والأخلاقية، لابد نقف معاً، يعني هذا الأمر الآخر نريد أن نقف معاً في الجانب الأخلاقي ضد الإباحية، التيار الإباحي الذي لا يعرف حلالاً من حرام، لأ، لا يمكن أن نلتقي وهم يريدون الإباحية المطلقة ويريدون إباحة الإجهاض ويريدون الإباحة الجنسية،ويريدون..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: بس هذا بيضعنا على خط تصادم لأنه النموذج الغربي الآن القائم غير قائم على المسيحية وأعتقد أنه متفقين على هذا، لكن أهم ما يميزه هو الإغراق في الاعتراف بالحرية الشخصية، هناك يعني تحقيق كامل للفرد في أن يفعل ما يريد ومايشاء متى ما أراده ومتى ما شاء، فإذن نحن من هذا المنطلق لن نلتقي.

د.يوسف القرضاوي: لأ، ما هو إحنا.. هذا موقع خلاف بيننا وبينهم، الحرية عندنا لها قيود وضوابط، أنا مش هاجي في المنطقة اللي إحنا مختلفين فيها ونبدأ الحوار منها، أنا أريد أن نبدأ الحوار من النقاط التي ينبغي أن نتفق عليها، يعني لازم يكون هناك قدر نتفق عليه إن ده يمكن أن يكون بداية للحوار، فأول شيء نعترف بالألوهية وبالنبوة وبالوحي وبالإيمان بالله، يعني.. إنما إذا يعني..، وبعدين هناك –في الحقيقة- مستويات في الحوار، يعني أنا.. الحوار ليس شيئاً واحداً،كما أن الغرب أيضاً ليس شيئاً واحداً، يعني ليس من الإنصاف وليس من الموضوعية في شيء إننا نقول الغرب كله شيء واحد،لأ، الغرب.. الحكام يعني شيء والشعوب كثيراً ما تكون يعني في تيار آخر غير..، والحكام أيضاً هناك قوى ضاغطة هي التي تُسيِّر الحياة السياسية، وعامة الناس ليسوا..ليسوا كذلك، فلابد أن يعني يكون عندنا فكرة واضحة عن إنه الغرب ليس شيئاً واحداً، كما أننا –نحن المسلمين- لسنا شيئاً واحداً، هناك مسلمون يتخذون أفكاراً معادية تماماً للغرب، يقول لك لا لقاء ولا حوار ولا يجمعنا بهم شيئاً، هؤلاء يهود أو نصارى (وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، عندنا هذا، كما أننا نحن لسنا شيئاً واحداً هم أيضاً ليسوا شيئاً واحداً، فلابد أن نميز ونفرز.

ماهر عبد الله: ما هو هذا السؤال، من نحن يعني؟ مَن مِن طرفنا –كمسلمين- هو الذي سيقيم هذا الحوار.

د.يوسف القرضاوي: أنا أقول: هناك أنواع من الحوارات، هناك الحوار على المستوى الديني، وهناك الحوار على المستوى الفكري وهناك الحوار على المستوى السياسي، وهناك الحوار على المستوى الديني أو المستوى الفكري وممكن يدخل في هذا المستوى الحضاري، الذي سمَّاه (جارودي) "حوار الحضارات" وهناك الحوار على المستوى السياسي مع صُنَّاع القرار أنفسهم، وكل نوع من هذا الحوار له ناسه، يعني أنا ممكن أحاور على المستوى الديني، مثلاً مع أهل الدين ورجال الدين، وممكن أتحاور على المستوى الفكري مع المستشرقين ومع الكذا..، لكن ما أقدرش أتحاور على المستوى السياسي، السياسي له يعني..، فكل جماعة يعني فئة لها نوع من الحوار.

ماهر عبد الله: لكن في الغرب من السهل عليهم إفراز المحاورين المختلفين لأن هناك مؤسسات، في عالمنا العربي والإسلامي ليست هناك مؤسسة يعني هي المجال الوحيد الذي يمكن..

د.يوسف القرضاوي[مقاطعاً]: لأ، فيه مؤسسات، يعني أنا أقول لك مثلاً في.. منذ زمن قام حوار بين رابطة العالم الإسلامي والفاتيكان، وذهب الشيخ محمد علي الحاقان (الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي) في ذلك الوقت، ومعه وفد معه الدكتور معروف الدواليبي، والأستاذ محمد المبارك –رحمه الله-، وبعض العلماء والمفكرين وتحاوروا مع الفاتيكان ووصلوا إلى نتائج ممكن نتحدث عنها..

[موجز الأخبار]


دور المؤسسات في إذكاء الحوار بين الإسلام والغرب

ماهر عبد الله: فضيلة الشيخ، كنت تتحدث عن أن هناك حوار ممكن أن يقوم على المستوى الديني، حوار يمكن أن يقوم على المستوى الفكري وآخر على المستوى السياسي، وقلنا أن الغرب عنده مؤسسات تفرز، فهل عند المسلمين مؤسسات يمكن أن تفرز من يتحدث بالصُعُد السياسية والفكرية والثقافية وما إلى ذلك؟

د.يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، أنا ذكرت أن هناك مؤسسات يمكن أن تفرز هذا، المؤسسات التي تمثل المسلمين مثل رابطة العالم الإسلامي، مثل الأزهر في مصر، مثل مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، مثل الجامعات الكبيرة، مثل المنظمة الإسلامية للثقافة والتربية والعلوم (الإسيسكو)، يعني هناك مؤسسات يمكن أن تفرز مثل هذا، والمهم أن يكون هذا الحوار مبنياً على أسس سليمة ويُحضَّر له ويمثل المسلمين أناس يُعتد بهم، وقد حدث في أكثر من مرة، يعني حدث ما ذكرته لقاء.. هذا الحوار مع رابطة العالم الإسلامي وفيها المجموعة، وصدر ذلك في كتاب وكان من آثاره تحسُّن العلاقة مع الفاتيكان ومع البابا، وأصدر توصيات باعتبار الإسلام يعني ديناً معترفاً به، ويعني ترتب عليه أشياء طيبة، بينما كان هناك بعض الناس متحفظين في أول الأمر، حدث أيضاً حوار في ليبيا، يعني دُعي إليه مجموعة من كبار المسلمين وكبار المسيحيين وكان الحوار حول أربع موضوعات، أربعة موضوعات اختيرت بعناية: العدالة الاجتماعية بين الدينين، الأفكار المسبقة والمش عارف أيه..، أربع موضوعات، واختير يعني رجال محترمون مثقفون واسعوا الأفق، مثلوا المسلمين وآخرون مثلوا المسيحيين، ووصلوا إلى نتائج طيبة وتوصيات معروفة ومذكورة، أنا أذكر أنه يعني منذ حوالي سبع سنوات يعني ونحو ذلك شاركت أنا والشيخ الغزالي –رحمه الله- في حوار مع مجموعة من المستشرقين ورجال الدين في ألمانيا، في مدينة (كولون) بألمانيا، دعانا أحد الإخوة هناك الدكتور عبد الجواد الفلاتوري –رحمه الله- اللي هو صاحب الأكاديمية العلمية الإسلامية هناك ودعانا أنا والشيخ الغزالي وبعض رجال الأزهر، وكان من ضمن الأنشطة التي أجريت هناك والفعاليات إنه كان يوم لقاء مع هؤلاء الرجال من المستشرقين ورجال الدين يعني بعضهم قس بالفعل، وبعضهم ناس مهتمين بالجانب الإسلامي، ومعروف إن هناك كثيرين وبقينا يعني عدة ساعات مع بعض، واتغدينا مع بعض – كما يقولون – غداء عمل، وسألوا أسئلة عن الإسلام ورددنا عليهم ووضحنا لهم، وأعتقد أنه كان لقاءً مثمراً، لأنه في أذهانهم أشياء ربما لا يجدون الإجابة عليها، فاللقاء المباشر الأخذ والرد هذا له أثر، أنا شخصياً شعرت بأننا استفدنا وأفدنا، سمعنا منهم بعض ما لم نسمعه، وسمعوا منا مالم يعرفوه، فهذا هو التقارب.

ماهر عبد الله: لو سمحت لي هنا ندخل المشاركين المشاهدين معنا في هذا الحوار، معنا الأستاذ رضوان الخياط من بريطانيا، أخ رضوان.. تفضل.

رضوان الخياط: نعم، السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

رضوان الخياط: أنا صار لي أكثر من عشر سنوات في الغرب..

د.يوسف القرضاوي: يا أخي، أرفع صوتك، لا نسمع.

رضوان الخياط: أنا أظن أن الغالبية العظمى..

ماهر عبد الله: ممكن..؟

رضوان الخياط:الغالبية العظمى في الغرب..

ماهر عبد الله: آه..

رضوان الخياط: لا تدري إلا القليل والمُشوة عن الإسلام، وهي متأثرة بالتعليم والإعلام، وليس نابع يعني موقفها إلا عن الحقد.. ليس موقفها نابع عن الحقد، وإنما عن قلة المعرفة عن الإسلام وتشوه التصورات بسبب الإعلام والتعليم.

النقطة الثانية أن المشكلة لدى الغالبية العظمى في المقيمين في الغرب لا يعلمون كيف يتحاورن مع ..مع المقيمين في الغرب، لا يعلمون كيف يتخاطبون مع الغربيين بسبب قلة اللغة فهم الثقافة، ولا يدرون الأمور الحساسة في المجتمع الغربي، مشكلة الأمن، مشكلة الجريمة، مشكلة الاعتداء الجنسي على الأطفال، الطلاق وتفكك الأسرة، والأمور الحساسة بالنسبة للمجتمع الغربي، فكيف نخاطب هؤلاء؟ من هؤلاء الأشخاص المؤهلون لحمل هذه الرسالة؟ المجتمع الغربي .. قضية حمل الفكرة هامة ليس هذا فقط المهم، المهم هذه الفكرة ما الذي تنتجه من أفراد ومجتمعات، يعني ليس عندنا شيء مشابه كثيراً من حيث الأفراد والمجتمعات التي تجذب المجتمع الغربي للنظر إلينا، فأظن هذه النقاط الهامة التي أريد أن أذكرها.

ماهر عبد الله: شكراً يا أخ رضوان، يعني سؤال إنه ليس كل المواقف الغربية نابعة من حقد على الإسلام والمسلمين، بعضها –وأظن كثيراً- من قلة معرفة.

د.يوسف القرضاوي: طبعاً،يقيناً هذا. العرب عندهم مثل يقولون: "من جهل شيئاً عاداه" يعني الناس أعداء ما جهلوا، الجهل من أسباب العداوة، وأشار إلى ذلك القرآن حينما قال (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) لو أحاطو علماً بالإسلام ما كذبوه ولا عادوه، ولذلك من واجبنا نحن أن نزيل هذه الأفكار، هناك أفكار، يعني فعلاً، بعضها ورثوها من العصور الماضية، أيضاً من آثار الحروب الصليبية أنهم شوهوا صورة الإسلام عند عامة الناس إنه قام واحد من جزيرة العرب راجل ماسك السيف وقعد يقتِّل الناس وياخد النسوان يتجوزهم، وبتاع..، يعني صورة لا تمت إلى الحقيقة..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: هذا يذكرنا بالنقطة الأخرى التي أثارها وأعتقد مهمة جداً أن غالبية المسلمين الذين يتصلون بالغرب لايعرفون لا فن الحوار أو حساسيات دينية ومجتمعية تقوم هناك.

د.يوسف القرضاوي: فلذلك ليس كل مسلم صالحاً للحوار، يعني المسلم العامي الذي لا يفهم دينه كيف..؟ فاقد الشيء لا يعطيه وقد ضل من كانت العميان تهديه هذا لا بد إننا.. ولذلك أنا قلت لابد أن نختار للحوار أناساً مثقفين واسعي الأفق، فهموا الدين وفهموا واقع الحياة، وفهموا الغرب وقدروا على التعبير عن ذلك، إنما تيجي يمثل الإسلام واحد متعصب، ضيق الأفق مغلق على أفهام معينة في الدين، لم يعرف الغرب ولا عرف منه شيئاً، لا عرف إيجابياته، ولا عرف سلبياته، بعض المسلمين يعرفون عن الغرب السلبيات فقط، وبعضهم يعرفون الإيجابيات وينسون السلبيات، والعدل يقتضي أن نعرف الخصم بإيجابياته وسلبياته،( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا) فإذا أردنا أن.. وهذا واجب، يعني أيضاً من ضمن الناس الذين عليهم يعني جانب من الحوار المسلمون الذين يعيشون في الغرب، وبعضهم –طبعاً- وصل إلى درجات عالية من الثقافة، فهؤلاء وخصوصاً الملتزمين منهم الذين يمثلون الإسلام في سلوكهم وليس مجرد في فهمهم فقط، هؤلاء مطالبون بأن يتحاوروا مع الغرب، يعني هذا جزء من واجبهم، يعني أنا جعلت المسلم الذي يعيش في الغرب عليه واجبات خمسة، من هذه الواجبات أن يتعامل مع المجتمع الذي يعيش فيه، يبلغه رسالة الإسلام، ومن وسائل التبليغ أنه يحاورهم ويعرف ماذا عندهم، أيه الفكرة التي يكنونها في أذهانهم وفي أنفسهم عن هذا الدين، وإذا كانت فكرة خاطئة يحاول يصححها.

ماهر عبد الله: معنا مكالمة أخرى أيضاً من مسلم يعيش في الغرب، الأخ زياد صدقة من أميركا، أخ زياد.. تفضل.

زياد صدقة: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

زياد صدقة: شكر الله لكم يا فضيلة الشيخ على هذا الموضوع القيم الذي يمس حياتنا بدرجة كبيرة، فنحن مجموعة من الإخوة هنا لنا ثلاثة أسئلة، نجتمع كل أحد حتى نتدارس الدين، السؤال الأول هو يتعلق ببعض محاولات الحوار كما يسميه الذين يقومون به الحوار مع الغرب، لكنه يصل إلى مرحلة أنهم يدَّعون أن النصارى واليهود على حق وعلى صواب، ونحن على حق وعلى صواب،لكننا.. هم على حق وعلى صواب بما ينطبق على دينهم ونحن على حق وعلى صواب بما ينطبق مع ديننا، ولذلك لا يجوز لنا أن نؤثمهم أو نُخطِّئَهم أو نقول لهم بالكفر، أو نرميهم بالكفر، وهؤلاء انتشروا –للأسف- في بعض المدن..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: أخ زياد، النقطة الأولى واضحة، النقطة الثانية!

زياد صدقة:براءة الذمة، إذا أقمنا هنا هل نعتبر أن هذا الحوار، مبدأ الحوار مع الغرب،هو نوع من الواجب حتى نُبريء ذمتنا، حتى نكون قد أعذرنا إلى اله-سبحانه وتعالى؟ يعني هل هو يصل إلى مرتبة الواجب؟

والنقطة الثالثة: نحن في مواقع الإنترنت، مواقع الحوار على الإنترنت، أحياناً تأتينا بعض المشاركات والمساهمات من نصارى، نحن نعتقد أن هدفهم التبشير وليس فقط الحوار، هل تعتقد أنه من اللائق ومن المناسب ألا نسمح لهم بأن يضعوا مثل هذه المشاركات والمساهمات حتى لا يتأثر إخواننا المسلمين الذين يعني يكونوا معانا؟

د.يوسف القرضاوي: وهل تملك هذا؟

ماهر عبد الله: طيب، أخ زياد..مشكور، معنا مكالمة أخرى أيضاً من الغرب مع الأخ حسين أبو عمر من بريطانيا، أخ حسين، تفضل.

حسين أبو عمر:السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله

حسين أبو عمر:بس أنا أحب أعمل مداخلة صغيرة يا أخي، وهي إنه فعلاً هجوم الغرب على الإسلام وإهانته للإسلام وللمسلمين يعني فيه منها كثير من إنه غير المسلمين جاهلين بالدين الإسلامي، يعني أنا بأدرِّس في بريطانيا وبأسأل مرات الطلاب اللي بأدرس لهم، وهم معظمهم إنجليز يعني، فبأقول لهم: شو تعرفوا عن الإسلام؟ بيقولوا لي: بنعرف إن القرآن الكتاب بتاع المسلمين، القرآن، لا يجوز إنه الواحد يمسكوه. فهذا (يفرجيك) المعلومات اللي بتوصللهم، وأنا صراحة يعني حابب.. قد ما بأحب برنامج (الشريعة والحياة) وبأحب أسمع للشيخ القرضاوي، وفيه إخوة كثير هون بالمنطقة عندنا بيحبوا يسمعوا للشيخ القرضاوي، وفيه ناس كتير من المسلمين من العرب اللي متجوز إنجليز.. من إنجليزيات وعندهم أبناءه ما بيعرفوا يحكوا عربي كتير، وبيحبوا يسمعوا وأد أيش يعني بيكون مهم وأد أيش بيكون يعني بيعود بالفائدة على المسلمين إنه لو برنامج (الشريعة والحياة) يترجم، يعني يحطوا ترجمة للغة الإنجليزية أو أي لغة أوروبية يعني، لأنه أنا متأكد قناة (الجزيرة) عندها الخبراء وعندها المترجمين ما شاء الله، وممكن البرنامج يعني يعاد حوالي ثلاث مرات أو مرتين يعني، بُكره يُعاد مرة الظهر وفي آخر الليل..


مدى ضرورة ثقة الأطراف المتحاورة بفكرتها

ماهر عبد الله: طيب، يا أخ حسين، أعتقد إنه يعني فكرة جميلة، وأعتقد أنه إدارة (الجزيرة) بتسمع وترى، فأعتقد أن الأمر الآن بيدهم. نعود إلى أسئلة الأخ زياد صدقة، كان سؤاله الأول أن في جلسات الحوار هذه يتفق الطرفان على أن كلا الدينين على حق وكلا الدينيين صواب، فهل هذه مقدمة للحوار؟

د.يوسف القرضاوي: هذا ليس..لا يجوز أن يبدأ الحوار بهذه الطريقة، الحوار الحقيقي أن اعتبرك مخالفاً لي وأنا مخالف لك، هذا حوار مع المخالفين، فيه أحياناً يكون مع المخالفين في الدين.. في العقيدة مع المخالفين في الفكر، مع المخالفين في السياسة، أنا أتحاور مع هؤلاء، فأنا شيء وأنت شيء، ولكن ميزة الإسلام إنه حتى مع الذين تعتبرهم كفاراً، الإسلام يعتبر اليهود والنصارى كُفاراً وإن كانوا أهل كتاب، (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)وهذا موضوع أنا كتبت فيه بتفصيل رد على هذه الأوهام التي فهمت من التسامح الإسلامي، أو إنه الإسلام بيقول أهل الكتاب إنهم لأ يعني مؤمنون مسلمون، لأ، هم الإسلام حكم عليهم بالكفر، ومع هذا.. مع إنه حكم عليهم بالكفر يعني طالبنا بالتسامح معهم، اعتبر أنهم أهل دين سماوي في الأصل، فأجاز لنا أن نأكل ذبائحهم، وأجاز لنا أن نصاهرهم، يعني أجاز للمسلم أن يتزوج الكتابية وهي مخالفة له، أن تكون أماً لأولاده، أن تكون ربة لبيته، أن يكون أبوها جداً لابنه، أن تكون أمها جدة، أن تكون أختها خالة، أن يكون أخوها خالاً إذن ، هذا هو التسامح..

ماهر عبد الله: إذن هو حوار بين مختلفين للوصول إلى الحق.

د.يوسف القرضاوي: هذا حوار بين مختلفين، فلا ينبغي إننا يعني نذيب الفوارق، هذا..، إذا بدأنا هذا يبقى الحوار لن يوصل إلى نتيجة.

ماهر عبد الله: طب سؤاله الثاني كان من باب إبراء الذمة، هل يرقى الحوار إلى درجة الواجب؟

د.يوسف القرضاوي: آه، أنا أقول هذا فرض كفاية، بتعبيرنا الفقهي هذا فرض كفاية على المسلمين أن يحاوروا الغرب ويحاوروا غير المسلمين بصفة عامة، عليهم أن يحاوروا الغرب ويحاورا غير المسلمين بصفة عامة، عليهم أن يزيلوا الأفهام الخاطئة في رؤوسهم عن الإسلام، أن يصححوا هذه المفاهيم، أن يبذلوا جهداً في ذلك ويستخدموا وسائل العصر، عندنا الآن وسائل، الأخ أشار إلى وسيلة الإنترنت، يعني.. الإذاعات الموجهة، القنوات الفضائية، هذه قناتنا هذه، هذه وسيلة من وسائل مخاطبة الآخرين وحوار الآخرين، أنا اليوم..، يعني بمناسبة الأخ ماقال عن الترجمة، وأنا جاي من أبو ظبي كان معي أحد الإخوة، الأخ غلام رسول وهو ممن يجيدون الإنجليزية، وقال أنا أرى إنه يجب أن نترجم حوارات (الشريعة والحياة) وهي مفيدة، وأنا مستعد أقوم بهذا، قلت له والله هذا أعتقد إن الكل يرحب بهذا، إذا وجدنا المترجم المُجيد الذي ينقل يعني هذه الأفكار إلى الآخرين فهذا واجب، فأنا أرى إن هذا فرض كفاية علينا نحن المسلمين

ماهر عبد الله: أما نقطته الأخيرة فأنا أعتقد إنه لا يملك أحد أن يمنع من يضع على الانترنت..

د.يوسف القرضاوي: لا، لا يمنع هذا، إنما أنا أقول: المسلمون –في الحقيقة- مفرطون في حوار الآخرين وفي تصحيح مفهومهم عن الإسلام، الأخ بيقول إن أكثر الناس يسألهم لا يعرفون، إذا كان في بلاد المسلمين نجد كثيراً من المسلمين لا يفهمون حقيقة الإسلام، يعني في بلادنا، في بلاد السلمين كثير من المسلمين عواطفهم إسلامية إنما أفكارهم غير إسلامية، فكيف نلوم الآخرين؟! هؤلاء لابد أن نبذل معهم جهوداً، وسيسألنا الله نحن المسلمين – عامة- ونحن العرب –خاصة- عن تبليغ رسالة الإسلام إلى العالم، إحنا بنقول رسالة الإسلام عالمية، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً)، ومع هذا لم نبلغ رسالة الإسلام إلى العالم! وهناك مئات الملايين –بل أقول آلاف الملايين –تعيش وتموت ولا تعرف شيئاً عن الإسلام، وبعضها يعرف أشياء مشوهة عن الإسلام، ما الذي يجب علينا؟ يجب علينا أن نبلغ هؤلاء.

ماهر عبد الله: بس لو سمحت لي هنا نأخذ مشاركة مشرقية، معنا الأستاذ محمد علام من القاهرة، أخ محمد.. تفضل.

محمد علام: مساء الخير.

ماهر عبد الله: مساء النور.

محمد علام: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

محمد علا: إذا سمحت لي هل ابدأ بالاختلاف مع مولانا الشيخ بالكامل لدرجة 100%، علشان كده نبدأ نشوف نفكر إزاي..

ماهر عبد الله: تفضل، ما هو حتى يكون حوار.

محمد علام: أفندم، هأدِّي مثال نقدر نشترك فيه مع بعض وببساطة وبسهولة، نستخدم لغة العلم، يعني الصورة دلوقتي فيها مولانا ظاهر على الشاشة، فيه خلفية ليه، الخلفية دي نقدر نعرف إنها لونها كذا ولونها كذا، لما نيجي نبص للإسلام، يعني إذا طلعنا فوق العالم بطيارة ونيجي نتفرج عليه من فوق هنشوفه المنطقة الوحيدة اللي بتزداد تخلف والمنطقة الوحيدة اللي الجهل فيها بيزداد شدة، والمنطقة الوحيدة اللي فيها كل سيئات السلوك بالكامل، من الكذب إلى الرياء إلى الشذوذ إلى القبح إلى الخداع إلى النفاق إلى الغباء، وإذا كان فيه حالات من الذكاء تستخدم فيما يعني أنا أذكر مولانا الشيخ لأنه قال إبليس أعلم الناس، وأنا مبسوط بالمعلومة دي لأني ماكنش أعرفها. الذكاء فينا راكبه إبليس، وإن الدين حمل على أكتاف الناس، لما أفكر أنا كبني آدم غربي إنساني أحب أشوف الناس بخير وبسلام سواء كنت متدين أو ملحد، لكن أبص على المسلمين هأصدق.. يعني آجي أقول الدنيا برد والدنيا حر ماحدش هيصدقني، آجي أقول إن مثلاً أنا طويل وأنا قصير ما حدش.. دا العين ما بيقدرش حد يكدبها، برؤية الغرب للعالم الإسلامي يجدوا لا خُلُق أودين أو تعامل، ولو رجعنا للشيخ محمد عبده لما قال إنه لقى في أوروبا إسلام من غير دين من غير إسم يعني، يعني سلوك الناس هو ينطبق على الإسلام أكثر مما ينطبق عندنا نلاقي بأن لو إحنا من 100 سنة، حاولنا نفهم التوافق فين، نبدأ بالتوافق، يعني لما آجي أتحاور مع حد بدل ما أقول له أنا معاكسك أقول له أنا معاك، يعني الجمعة هو الأحد عن المسيحيين دا يوم إجازة ودا يوم أجازة، والأخ اللي تكلم من لندن أو من أميركا قال بنتقابل يوم الأحد، المسلمين يعني معناها عندهم يوم الجمعة، فيبقى مثلاً إحنا عارفين إن الجمعة مش الحد بس في المسلسل بتاع أسماء الأيام دا يساوي دا، نقوم نبدأ بالتعاون زي ما أنا من حقي إن أقول إن أنا مؤمن بديني ومؤمن بإن الإسلام هو طريقي، نفس الحق حتى للمجوسي.. حتى لأي عقيدة، حتى للملحد، وأنا..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: طب يا أخ محمد ممكن دقيقة؟

محمد علام: وأنا فيه اختلاف ضخم جداً، المؤمن عندنا لازم يكون علماني، والعلماني لا ينطبق إلا على المسلم، لأن إسلام بدون علم ما ينفعش.

ماهر عبد الله: أخ محمد، الفكرة وصلت، ممكن السؤال؟ الفكرة وصلت..

محمد علام: السؤال إن إحنا نبدأ بما حتى لو كان اختلاف إزاي نجيبه على إنه اتفاق، صورتك غير صورتي، الـ back graund اللي ورا حضرتك الخلفية اللي ورا حضرتك غير ورا مولانا وفي مكان واحد، فنخلي الاختلاف بشكل فيه تشابه علشان نبدأ التحاور، اللي هي الموعظة الحسنة، أو التحاور بالجمال، وبعدين نحسن من شكلنا، أنا الحجاب بيخضني، صورة الحجاب فيها مجاعة، فيها قلق، فيها كبت جنسي، فيها إهدار لحقوق المراة، طب نحقق شرع الإسلام ناحية المرأة لو حققناها يبقى العالم كله يتبعنا، ناحية المرأة اللي هي الأم والحبيبة والـ الإبنة نحققه فيها، أكتف شراع عقل بنت في خامة تنتسج في جو حار يزيدها عرق ويجيب لها أمراض جلدية وهي عندها ست سنين بحجة إن الإسلام قال كده مش نشغل العقل الأول..

ماهر عبد الله: أخ محمد، أخ محمد.. أعتقد السؤال الآن أصبح واضح، شيخ يوسف.. يعني شوفت أنت في الجزء الأول من الكلام أعتقد هانتفق عليه وهو أنه الصورة التي يرسلها الإسلام عن نفسه وعن المسلمين أعتقد غير صحيحة، في الجزء الأخير مطالبات بتغيير أشياء من الإسلام..


المسلمون والغربيون.. مفارقات ومميزات

د.يوسف القرضاوي: أولاً أحب أقول للأخ إحنا قلنا إنه رغم اختلافنا لأن إحنا بنحاور مع مخالفين إنما لابد أن نركز على القواسم المشتركة وهذا ما بدأنا به كلامنا، إنه ما نحاولش نأتي بالأشياء اللي هي فيها خلاف ونركز عليها، لأ، نقول فيه عندنا نقاط مشتركة ممكن منها نبدأ السعي ونبدأ العمل، من ناحية أخرى الأخ قال يعني إنه نحن في تخلف وفي كذا، وصورتنا للغرب صورة غير مُشوِّقة للإسلام، صورة مُنفرة وأنا معه في هذا، وإن كنت لست معه، يعني، كاملاً في هذه القضية، نحن –طبعاً- صورتنا.. بعض الغربيين حينما قرأ الإسلام قال هذه الكلمة ، قال: "ياله من دين لو كان له رجال!"يعني لا يجد الرجال الذي يمثلونه، وحينما دخل أحد الغربيين يوماً في الإسلام، نتيجة قراءاته في الكتب، عرف الإسلام معرفة نظرية ودخل في الإسلام وجه بلاد المسلمين رأى من آثار التخلف والقذارة والفوضى ما جعله يقول" "الحمد لله الذي عرفني الإسلام قبل أن أعرف المسلمين"، لأنه هو لو عرف المسلمين الأول ما أحب الدين، إنما عرف.. فنحن لاشك..، إنما أريد يعني أضيف إلى هذا أنه ليس المسلمون بالصورة القبيحة الرديئة السيئة التي يصورها الأخ، المسلمون عندهم نواحي كثيرة أفضل فيها من الغرب بآلاف المرات، الغرب عنده مادية مجحفة وعنده إباحية مسرفة وعنده تحلل من الفضائل وعنده أنانية رذيلة وعنده أشياء.. الغربيين أنفسهم ينقدونها الآن، فيه نقاد للحضارة الغربية من عهد (شلين شلجر) تدهور الغرب، و(كولن ولسن) سقوط الحضارة، و(جارودي) الآن يعني يقول لك حضارة فرعونية، فلا ينبغي إن إحنا.. يبقى علشان نبين عيوب أنفسنا إننا ننسى عيوب الآخرين، أنا قلت العدل والتوازن هو المطلوب في هذه الأيه؟ القضية.

ماهر عبد الله: في هذا الصدد وصلنا فاكس يعني يحمل سؤال جميل، لا يتحدث عن المسلمين بالطريقة الفردية التي تحدث عنها الأخ محمد علام، ولكن بالصيغة المؤسساتية، هو يقول: الحوار مع الغرب يجب أن تكون أسسه قوية في الدول الإسلامية ذاتها بالاعتماد على الديمقراطية وعلى حرية الرأي واحترام حقوق الإنسان، لأنه بدون هذا لن يحترم الغرب الطرف الآخر الذي هو نحن، أهمية وجود مثل هذه المؤسسية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في إعطاء صورة تجبر الغربي على احترام الحوار وينطلق معنا بندية بدلاً من التعالي وهو يرى الصورة الضعيفة.

د.يوسف القرضاوي: أنا أقول يعني هذه نظرة وردية إلى حد كبير، يعني الغرب للأسف يشجع الديمقراطية في أنحاء العالم إلا في بلاد المسلمين، يعني انظر مثلاً إلى النموذج التركي يعني الغرب يشجع تركيا، إنه إذا جاءت الديمقراطية بالإسلاميين تكون ديمقراطية سيئة ويجب يخرج أربكان ويجب كذا.. طيب، لما الإسلاميون وصلوا في وقت من الأوقات إلى الحكم عن طريق الانتخابات وعن طريق الصناديق الزجاجية هذه..،وقف الغرب ضد الإسلاميين كما هو معروف في الجزائر و.. يعني، فالغرب –كما قلت لك- معاييره مزدوجة، ليس الغرب يقف مع الديمقراطية الحقيقية ويقف مع المستبدين في العالم الإسلامي، بالعكس.. المستبدين في العالم الإسلامي يؤيدهم الغرب، والقوى الديمقراطية الشعبية والجماعات التي تعمل مع الشعوب لا يؤيدها الغرب، فهذه ليست نظرة حقيقية إذا حللنا الأمور تماماً، إنما نفس القضية أنا أؤيد إنه يعني نريد أن نتبنى حقوق الإنسان، ونريد أن نتبنى الحريات العامة، ولا يمكن أن ينتعش الإسلام ولا دعوة الإسلام إلا في ظل الحريات إنما الكبت والاستبداد هو الذي فرض العلمانية وطرد الدين من الحياة، وطرد الشريعة من القضاء ومن الحكم بالحديد والنار!

ماهر عبد الله: لكن هذا بيستفز السؤال التالي أنه هل حوار فكري مجرد حوار ثقافات مجرد أم هناك صراع قوى؟ يعني العالم الغربي في المحصلة النهائية حتى وهو يتحاور معنا أو مع غيرنا من الأمم والشعوب لديه مجموعة من المصالح لابد له من تحقيقها، ما تفضلت به من أمثلة، وخصوصاً عن تركيا، هناك أيضاً مصالح للغرب هو يريد أن يرعاها، فكيف نضمن أنه هذا الحوار لا يخدم صراع القوى الذي هو في هذه المرحلة لغير صالح المسلمين؟

د.يوسف القرضاوي: ولذلك أنا أقول يعني هذا يأتي في المستوى الثالث من مستويات الحوار وهو المستوى السياسي، يعني لابد أن تحاور صُناع القرار، لأنه أحياناً هؤلاء هم الذين يملكون، الاستخبارات ورجال الأمن القومي والمحركون للسياسات الكبرى في البلاد دي اللي هو كيف تحاوره؟ حاول مثلاً الدكتور حسن الترابي حاول يروح يعني يحاور الكونجرس الأميركي واستطاع في وقت من الأوقات يقربهم من فهم.. يعني.. فنحن في حاجة إلى أن نتحاور حتى إن كان هناك صراع قوى، الصراع ده بنسميه إحنا سُنة التدافع، ودي سُنَّة كونية، الله –تعالى- (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ) التدافع لا بد منه، فلا مانع من التدافع، هناك صراع الأديان، وصراع اللغات، وصراع الطبقات، وصراع..، المهم إنه كيف نحول هذا الصراع إلى نوع من المسالمة ومن الوفاق، كان فيه صراع القوتين الكبريين اللي هي أيام الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي، وحاولوا في وقت من الأوقات ما سموه سياسة الوفاق أو سياسة التعايش الأيه؟ السلمي، لماذا لا..، مع وجود القوى المختلفة يمكن أن يوجد بينها نوع من الحوار للتقارب، إذا لم نستطع أن نتفق تماماً نتقارب، نتفق على.. فيه عشر نقاط، نتفق على خمسة منها ونختلف على خمسة ، لو نتفق على .. في كل مرة على نقطة واحدة يبقى نصل إلى خطوة .. خطوة، بيقولوا الطريق اللي طوله 1000 ميل يبدأ بالخطوة الأولى.

ماهر عبد الله: لنستمع إلى مشاركة أخرى من الأخ عبد الرحمن شكري من أميركا، أخ عبد الرحمن، تفضل.

عبد الرحمن شكري: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله

عبد الرحمن شكري: ونشكركم على هذا البرنامج، ومساء الخير فضيلة الشيخ القرضاوي.

د.يوسف القرضاوي: مساك الله بالخير يا أخي، أهلاً وسهلاً يا أخي.

عبد الرحمن شكري: إذا ما كنا نتكلم عن المحاورين فالمحاور الغربي فهمناه، ولكن المحاور المسلم الذي فهمناه منك هو من خريجي الجامعات الإسلامية، ولكن..

د.يوسف القرضاوي[مقاطعاً]: مش شرط يا أخي.

عبد الرحمن شكري[مستأنفاً]: ولكن الشعب الذي يدعم هذا المحاور، فهو لا يمثل أكثر من 5% أو –بالأحرى- التحتية أو الخلفية للشعب المسلم في الدول العربية هم كمنهج دراسي أقل من 5% من المنهج الدراسي دروس الإسلام، في الصحافة لا يحتوي على أكثر من عمودين أو ثلاث في كل الجريدة، في التليفزيون لا يحتوي على أكثر من 5% من البث، وفي الدوائر الحكومية الدوائر الإسلامية والتي تخدم الإسلام مش أكثر من 5%، فهل من هذا الحزب، الذين يسمونه حزباً، تنطلق شعبية تستطيع دعم المحاور المسلم؟ وهل هذه الخلفية تُطلق وتُخرج رجال بمستوى المحاور المسلم الذي نحن نريده وننجح في شيء؟


دور الإعلام في إنشاء وتكوين المحاور المسلم

ماهر عبد الله: طيب، أخ عبد الله عبد الرحمن، مشكور على السؤال هذا، السؤال إنه ما يُعطي للثقافة الشرعية عموماً في الصحافة والإعلام قليل، وبالتالي هذا يجعل من المحاور المسلم يعاني من ضعف ثقافي منذ بداية الطريق، فهل تكفي هذه الثقافة الشرعية المتوفرة في الصحافة والإعلام والتعليم لإنتاج المحاور المسلم الذي يمكن أن يدافع؟

د.يوسف القرضاوي: لا، لا تكفي، ولذلك أنا أقول: ينبغي أن نختار من يحاور بإسم الإسلام لأنك إذا اخترت إنساناً ضعيفاً ليتحدث عن الإسلام ويحاور الآخرين فيظهر الإسلام ضعيفاً أيضاً، ولذلك ليس كل مسلم قادراً على حوار الغرب، أنا قلت نحن يجب.. وليس من الضروري أن يكون –كما قال الأخ- من خريجي الجامعات الشرعية، لأ، هناك أنا أعرف في أميركا الآن من كبار المحاورين هناك الدكتور جمال بدوي وهو أستاذ الاجتماع الدكتور محمد فتحي عثمان وهو أستاذ تاريخ، الدكتور حسان حتحوت وهو طبيب مشهور، يعني ليس من الضروري إن إحنا نختار من رجال الجامعات الشرعية الدينية، لأ.. إحنا..، المهم المسلم القادر على..، القادر على.. الفاهم للغرب الفاهم للإسلام، القادر على التعبير، الذي يستطيع أن يكلم الناس بلسانهم، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)، وأنا كما قلت دائماً –إن كلمة (بِلِسَانِ قَوْمِهِ) ليس فقط إنه يكلم الإنجليز بالإنجليزية، لأ، يكلم كل..، الخواص بلسان الخواص والعوام بلسان العوام والغربيين بلسان الغربيين، يعني يفهم عقلية الغربيين، ما يروحش في أميركا ويقعد يتكلم عن الأضرحة والموالد والأولياء وبتاع..، ولا هناك أوليا ولا..، لابد من الشخص القادر على أن يحاور القوم بلسانهم، بعقليتهم، بمفهومهم، هذا هو المطلوب.

ماهر عبد الله: مع إدراك الحساسيات القومية والاجتماعية و..

د.يوسف القرضاوي: نعم، يترك المجال الذي يثير ولا ينتج.

ماهر عبد الله: وصلنا لسؤال.. ذكرنا من فترة الحوار وعدم وجود مؤسسات في الغرب، فيه فاكس من الأخ عاطف من أميركا يقول أن هناك مؤسسات إسلامية –بتعبيره- نذرت نفسها للدعوة للإسلام والدفاع عنه وتصحيح بعض المفاهيم وهو يذكر مؤسسة (كير) وأعتقد أنك تعرف مؤسسة كير مؤسسة العلاقات الإسلامية ، السؤال شرعي، إنه إذا كانت هذه المؤسسات تقوم بهذه المهمة هل يجوز اعتبار العون المادي لها أحد مصارف الزكاة؟

د.يوسف القرضاوي: نعم، هذا في سبيل الله، عندنا من مصارف الزكاة مصرف عبر عنه القرآن بقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّه)، كثير من الفقهاء جعلوا في سبيل الله أي في الجهاد لنصرة الجهاد الإسلامي، وأنا أعتبر الدعوة في عصرنا هي لون من الجهاد، والرسول –عليه الصلاة والسلام- يقول: "جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم". الجهاد باللسان للبيان، القرآن يقول (فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ .. ) أي بالقرآن (جِهَاداً كَبِيراً) فهذا جهاد بالقرآن،ولذلك أفتيت كثيراً من المؤسسات التي تعمل في مجال الدعوة إلى الإسلام، إذا كانت مؤسسات مأمونة فعلاً ويقوم عليها أناس ثقات، فأفتيت إن هم من حقهم أن ياخذوا من الزكاة وينفقوا، لأن هذا واجب إسلامي وكما قلت هو فرض كفاية على الأمة الإسلامية.

ماهر عبد الله: طب لو عدنا بالموضوع –قليلاً- إلى البداية وإنه وصلنا فاكس –الحقيقة – من فترة بيسأل يعني بيثير إشكالية معرفية قبل بدء الحوار، يقول: إن المسلم ينطلق في حواره مع الآخرين معترفاً –كمتطلب ديني له- بالديانات الأخرى، المسلم ليس عنده مشكلة في الاعتراف لا باليهودية ولا بالمسيحية في حين أن الأخر ينطلق في النقاش غير معترف بالدينيين، ألا يؤثر هذا على فحوى الحوار وعلى محتواه؟

د.يوسف القرضاوي: لأ، لا يؤثر هذا، لأن حتى أنا وإن اعترفت به إلا إني بأعتبر أيضاً إن دينه باطل يعني في عقيدتي أنا المسلم وكل إنسان مؤمن بدينه يعني يرى أنه هو على الحق وغيره على الباطل، صحيح الباطل بعضه أكبر من بعض والأمور نسبية، الكتابي أفضل من المشرك، والمشرك أفضل من الملحد الذي لا يؤمن بألوهية ولا نبَّوة، إنما أنا بأعتقد إن هو على باطل وهو بيعتقد إني على باطل، ومع هذا الاعتقاد المشترك بيننا بنتحاور، لأنه أنا أرى إن اختلاف الأديان واقع بمشيئة الله، القرآن.. (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) كثير من المفسرين قال (ولذلك) أي وللاختلاف خلقهم، خلقهم ما دام أعطاهم العقل والحرية والإرادة لابد أن يختلفوا، فربنا شاءه وكل ما شاءه الله يرتبط بحكمته، فالحكمة الإلهية والمشيئة الإلهية اقتضتا أن يختلف الناس، ولذلك لا يفكر المسلم أن يلغي الأديان من الأرض واختلافها، لأن ده يعني كأنه يُضاد المشيئة الإلهية والحكمة الإلهية.

ثم من ناحية أخرى إنه أنا مع اعتقادي بأنه هو على ضلال أو هكذا أنا بأعتقد، ليس هذا من شأني، حسابه ليس إلىَّ حسابه إلى الله يوم القيامة، (وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) وكما جاء في القرآن: (اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ) فهذا مما يُخفف ويُلقي … يبرد نار الخلاف، وهذا هو سر التسامح الإسلامي.

ماهر عبد الله: لو سمحت لي هنا أن نسمح للمشاركين أيضاً.. أو الإخوة المشاهدين بالمشاركة، معانا الأستاذ عبد الصادق محمد عابد من فرنسا، أخ عبدالصادق.. تفضل.

عبد الصادق محمد:السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

عبد الصادق محمد: سلام الله على الأستاذ قرضاوي، سؤالي مطروح إلى سيادتكم..

ماهر عبد الله: تفضل.

عبد الصادق محمد: بحيث الأسباب بأنَّا كنت متزوج بواحدة سيدة بالمغرب، وتركتها وهي غير حاملة..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: يا أخي الكريم إحنا موضوعنا الحوار مع الغرب، فإذا كان عندك سؤال في هذا الموضوع سنأخذه وإلا كان لنا حلقة في الأسبوع الماضي..

عبد الصادق محمد: يعني ملخص قصير..، بالفعل لأني تركتها وهي غير حاملة بس رجوعي إلى..

ماهر عبد الله: للأسف الشديد إحنا مضطرين لقطع المكالمة، لأنه ليس هذا موضوع الحلقة، موضوع الحلقة هو عن الحوار مع الغرب، وعندنا مكالمة أخرى من الأخ عكاشة محمد من الدوحة، أخ عكاشة.. تفضل.

عكاشة محمد:السلام عليكم ورحمة الله

ماهر عبد الله: عليكم السلام

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

عكاشة محمد:من الملاحظ في المشهد الإسلامي الغربي عقليتين متناقضتين عقلية المنتصر وعقلية المهزوم، نحن نتعامل مع أنفسنا ومع الغرب بعقلية المهزوم، المهزوم دائماً يبحث عن الشماعات ويعلق فشله وفشل تجربته الكاملة على الآخر، لن نستطيع الحوار مع الغرب إلا بندية، نحن نتعامل مع عالم يستطيع أن بكبسة زرار أن يفجر هذه الدنيا وتنعدم كثير جداً من المعايير الأخلاقية عند هذا الآخر، لكن هناك تيارات تحتية في ذلك المجتمع يمكن التحاور معها والوصول معها إلى نوع من أنواع التعايش السلمي، لكن هذا لا ينفي أن هناك صداماً وأن الحضارتين المنظومة.. أنا أحب أن أسميها الإسلامية شرطها العالم (..) والغرب هي متجهة إلى صدام، والصدام ليس فقط حضارياً، إنما الصدام له آلياته، والتي للأسف منها العنف وحتى يعني في (الإثر) الإسلامي (كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) يعني فيه عندنا للأسف قاطرتين تمشيان بسرعة وسيصطدما حتماً في لحظة من اللحظات، لن يوقف هذا التصادم إلا رغبة صادقة في الحوار مع التيارات التحتية وهذه التيارات التحتية –للأسف- ليس منها التيارات الدينية الإسلامية أو الدينية المسيحية، لأن تجربتنا في الخمسين سنة اللي مضت بتبين إنه التيارين يجدبان يعني يسهمان في تنافر الحوار ما بين هذا العالم، هذا عالم غربي مغرور كحصان جامح خرج من تجربة ثورة صناعية بعدها ثورة اتصالات ويتعامل مع عالم لا يزال الآن يتعامل.. يحكم ديكتاتورياً والمرجعية فيه مختلة، حتى في عالمنا الإسلامي، ليس لدينا المثال الذي نحتذيه، كل الدول التي وصلت فيها التيارات الإسلامية إلى الحكم –للأسف –لم تقدم لنا المثال المحال الذي يمكن أن يحتذى، فلهذا يعني اريد من برنامجكم أن يضع النقاط على الحروف وألا نحوم حول الحمى وألا نقع فيه، الصدام لابد منه وهو شريعة الحياة، في نفس الوقت هذا الصدام لن يوقَف إلا إذا كان فيه توجُّه فكري صادق وناضج من الجهتين، في الغرب فيه تيارات تحتية قادرة على أن تستوعب المسلم وغير المسلم، في شرقنا لا نزال نتحدث بعقلية دار السلم ودار الحرب، وفي نفس الوقت ندعو للحوار، فيه دار سلم ودار حرب وهذا واقع الحياة ويجب ألا نتناسى هذا، لكن التناقض الموجود..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: مشكور، مشكور على هذه المداخلة.

عكاشة محمد: شكراً

ماهر عبد الله: السؤال وضَح أم أختصره لك؟

د.يوسف القرضاوي: والله اختصره يعني.

ماهر عبد الله: هو يقول أن العقلية التي يناقش بها المسلمون ويتحاورون هي عقلية المهزوم، الغرب منذ قرنين من الزمن وهو يسيطر على العالم الإسلامي، فأولاً نحن ننطلق من النقطة الخطأ بأننا نبتدِي مهزومين، إثنين أن الغرب هذا حصان جامح، حقق مجموعة من الانتصارات ولم يقبل بالمنافسة من أحد، وبالتالي باعتقاد الأخ عكاشة أن الصدام أصبح الآن حتمياً.

د.يوسف القرضاوي: أنا أقول أريد أن أقول هو الصدام مش أصبح، الصدام حصل من زمان، يعني إحنا لسنا في حالة سلام مع الغرب، الغرب سيطر علينا من قديم، وحتى حينما رحل عساكره عن بلادنا حاولت أن تعود بطريقة أو بأخرى، هناك ما يسمى بالاستعمار الجديد بألوانه الجديدة وتأثيراته الجديدة، فلازال الغرب مؤثراً فينا ومصادماً لنا ومحاولاً للسيطرة علينا بطرق أو بأخرى، ولكن نحن كل.. مع هذا مع إنه التدافع سُنَّة من سنن الله ومع اختلاف مصالحنا ومصالحه، نحن يمكن أن نخفف من هذا بالحوار، وكما أشار هو الأخ عكاشة إن- كما قلنا إحنا- الغرب ليس شيئاً واحداً، فيه تيارات تحتية اللي أشار إليها الأخ، طيب لماذا.. هذه التيارات التحتية ممكن أن تؤثر في المجتمع ككل بعد ذلك، نريد أن نزيل الصورة الموهومة..، الغرب معتقد إن الإسلام ده غول، يعني، مفترس، والمسلمين هؤلاء وحوش، والصحوة الإسلامية دي لن تبقي ولن تذر، ودي أوهام ليست حقيقية، المسلمون أناس من البشر ويحبون أن يتعايشوا مع الآخرين، وحينما تمر المعركة بدون قتال يقول القرآن : (وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ)، (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ ) ولما اصطلح الرسول –صلى الله عليه وسلم- مع مشركي قريش صلح الحديبية وكانت حروب مستمرة، القرآن سمَّى ذلك فتحاً (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) ونزلت سورة، والصحابة قالوا: أفتح هو يا رسول الله؟ فتح بدون حرب ؟! أيوه، الفتح السلمي، نحن عندنا رغبة ونريد أن نثير هذه الرغبة عند الغربيين، نعرف أن بعضهم لا يريد أن يتنازل إلا عن قهرنا والتسلط علينا، ولكن هناك فئات يعني ينبغي أن نستكثر منها وأن نتحاور معها، وأن نجعلها هي الأساس، وكلما انتشرت هذه الفئات وكثرت كلما اقتربنا من الطريق الوسط الذي يجمع بيننا وبين القوم.

ماهر عبد الله: طيب، عندنا سؤال آخر من الأخ جلال أحمد من الدنمارك، أخ جلال.. تفضل.

جلال أحمد: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

جلال أحمد: أنا حضرة الشيخ ذكر أيضاً من أول البرنامج إن الغربيين عندهم فكرة سيئة عن الإسلام وعن الأنفال ربما أبتدي يعني اتجه إن السؤال وهكذا، وأنا أقول يعني أنا رأيت كثير مسلمين أيضاً عندهم هذه الأفكار، فياريت يعني شيخ القرضاوي، حضرة الشيخ، بيخصص برنامج في المستقبل عن هذا وعن أن الأنفال كان مُحرم على الأنبياء قبل النبي –صلى الله عليه وسلم- وحُلِّل له فما الحكمة في هذا؟ وهذا يعمل سيادته يعني بينور عقول كثير من الناس إذا ممكن.

ماهر عبد الله: طيب، أخ جلال مشكور على هذا الاقتراح، وأنا أعتقد الشيخ سمعه من مثلك لكن ليس موضوع حلقتنا لهذا اليوم عندي سؤال متعلق بينا كأمة الإسلام في حوارهم مع الغرب، ننسى أو نتجاهل أن هناك مجموعة طروحات تخرج من العالم الإسلامي، غالبية هذه الطروحات لا تصدر –بالضرورة- عن مسلمين مقتنعين تماماً بالفكرة الإسلامية، هناك نخب علمانية كانت تشترك مع المسلمين والإسلاميين والتيار الوطني العربي عموماً في رفض الكثير من الطروحات الغربية لأنها كانت تأتي من المستعمر، اليوم نجد هناك حالة من الذوبان في المشروع الغربي سواء كان مسيحي أو علماني أو إلحادي، بدعوى العالمية وبدعوى الكونية، ما كنا نرفضه، لأنه ناتج عن –مركزياً- أوروبا والباقي أطراف، ثم الآن نقبله ونبرره أو على الأقل جزء من النخبة العلمانية العربية تقبله بدعوى العالمية، إلى أي درجة يمكن أن نتساهل في القبول ببعض الطروحات الغربية بدعوى أنها أصبحت عالمية أو كونية؟

د.يوسف القرضاوي: العالمية هي فكرة إسلامية، قلنا إن رسالة الإسلام رسالة عالمية لأنها ليست للعرب وحدهم ولا لأهل الشرق وحدهم ولا لأهل جيل وحدهم، هي فكرة ممتدة في المكان، ممتدة في الزمان ، ممتدة في الحياة، ولكن العالمية شيء والعولمة –كما نقول الآن- شيء آخر، إنك تحاول أن تُغرِّب العالم أو تؤمرك العالم، العولمة تكاد تكون الأمركة يعني، فـ..لأ، العالم كل أمة لها خصوصياتها، لا ألغي الخصوصيات، هناك ثقافات، العلم كوني إنما الثقافة ليست كونية، كل أمة لها ثقافاتها، أي لها فلسفتها المُعبرة عن وجهة نظرها في الألوهية وفي الكون وفي الحياة، وفي الدين، وفي التاريخ، يعني لا يمكن أن أُلغي هذه الخصوصيات الثقافية والحضارية، فالعولمة إذا أرادت تذويب هذه الأشياء وإلغاء الخصوصية.. الله –تعالى- يقول : (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) التعارف مطلوب، إنما إزالة الهوية هذا مرفوض، فإذا كانت العالمية إننا نتعامل مع العالم.. كما يقال إن أصبح العالم قرية واحدة، بعض الفلاسفة قال: "العالم أصبح قريتنا الكبرى"وأنا أقول لأ، ده هو أصبح قريتنا الصغرى، لأنه لم يعد قرية كبرى، القرية الكبرى لا يعلم الناس في شرقها ما يجري في غربها إلا بعد يوم، يومين، إنما إحنا بنعلم ما يجري في العالم يعني بعد لحظات أو في الكون نتابع الأحداث أحياناً وهي تحدث، فالعالم أصبح.. تقارب الناس وأصبحت المصالح بالمصالح مشتبكة بعضها مع بعض، هذا يعني يجعل الناس لابد أن يتقاربوا أيضاً ويعني يُكوِّنوا هذه الأرضية المشتركة، هذا الذي نبحث عنه، ده ممكن، يعني في مؤتمر السكان في القاهرة وقف الأزهر والفاتيكان في جبهة واحدة ضد دعاة الإجهاض، إطلاق إباحة الإجهاض، والإباحة الجنسية المطلقة والعُري المطلق..، أشياء.. فيه إذن يعني أشياء ممكن أن نشترك فيها مع الغربيين دينياً وأخلاقياً، أشياء ممكن نشترك فيها فكرياً، أشياء ممكن نشترك فيها سياسياً ومن هذا ننطلق، ننطلق من الأشياء المشتركة التي يمكن أن تجمع بيننا وبينهم.


رفض مساواة التحديث والتغريب

ماهر عبد الله: اسمح لي بالمقاطعة هنا، سؤال في موضوع الأشياء المشتركة، نفس النخب التي تتحدث عن العولمة الآن تتحدث عن مساواة بين الحداثة، هناك دواعي للتحديث في العالم العربي، هناك تخلف، هناك قلة تعليم، هناك درجة كبيرة من الجهل بمقاومتها لا بد من تحديث المجتمع العربي والمسلم، البعض يُصر على المساواة بين التحديث وبين التغريب، هل بالضرورة يتساوى التغريب مع التحديث؟

د.يوسف القرضاوي: لا..لا، أنا لي كتاب إسمه "مبينات الحل الإسلامي وصفاته للمتغربين والعلمانيين"، وفيه فصل كده كبير إسمه: نعم للتحديث لا للتغريب، التحديث بمعنى التجديد في الوسائل والأفهام والاجتهاد حتى في الشرع نفسه وتطوير الأمور واستيراد أفضل ما عند الآخرين من تقنيات، الثورات اللي بيقولوا عليها الثورات السبع، الثورة الفضائية، والثورة الإلكترونية، والثورة البيولوجية، والثورة التكنولوجية، وثورة الاتصالات وثورة..، نأخذ من هذا لا يمنعنا أحد، إنما تبقى لنا خصوصيتنا، ليس معنى التحديث أن أُغرب المجتمع، أن أزيل قيمه الأخلاقية، أن أسير وراء الآخرين شِبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه، تطلع موضة إسمها موضة جحر الضب ! لأ، أنا لازم تبقي يعني ذاتيتي، أُبقي على ذاتيتي وخصوصيتي، ولكن آخذ أفضل ما عند الآخرين، أنتقي، هذا هو الواجب علينا، أما إذا كان العلمانيون يريدون أن نذوب في الآخرين فهذا شأنهم، ولكنا باسم الإسلام نرفض هذا، نريد أن نُبقي على أمتنا أمة متميزة وأمة ذات رسالة، وذات شهود حضاري (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)

ماهر عبدالله: طيب، اسمح لي عند هذه الآية تحديداً أن أسألك: في هذا الحوار –وباختصار شديد لم يبق معنا إلا أقل من دقيقة- لو كان الحوار سار بشكل إيجابي ما الذي يمكن أن نقدمه –كمسلمين- للعالم؟

د.يوسف القرضاوي: نحن عندنا أعظم رسالة للوجود –الحقيقة، ونحن عندنا الحضارة المتوازنة، الحضارة التي وصلت الأرض بالسماء، وفقت بين العقل والقلب، وبين الفرد والمجتمع، ومزجت الروح بالمادة ومزجت الدين بالدنيا، العالم في حاجة إلى هذا، إلى حضارة ورسالة جديدة تُعطي الإنسان الإيمان ولا تسلبه العلم، تعطيه الآخرة ولا تحرمه من الدنيا، تصله بالسماء ولا تنتزعه من الأرض، نحن عندنا هذه الرسالة.

ماهر عبد الله: بهذا، أعزائي المشاهدين، نأتي إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج (الشريعة والحياة)، إلى اللقاء.