الشريعة والحياة

مصير المشروع الإسلامي

بعد عقود طويلة من العمل الدعوي والفكري والسياسي يقف المشروع الإسلامي مأزوما كما كان مطلع القرن الماضي، بل إن ما تراكم من تجارب يجعل الأمر أقرب إلى الإحباط منه إلى الأمل والتفاؤل.

مقدم الحلقة:

ماهر عبد الله

ضيف الحلقة:

حسن الترابي: الأمين العام لحزب المؤتمر الحاكم بالسودان

تاريخ الحلقة:

16/11/2003

– المكتسبات المعرفية للدكتور حسن الترابي
– مرتكزات المشروع الإسلامي

– صعوبة إنزال المشروع الإسلامي على أرض الواقع

– تقييم التجربة الحركية الإسلامية المعاصرة

– أسباب تجميد التجربة السودانية

– جدلية التواصل والقطعية مع التراث في فكر الترابي

– المنهج الإسلامي للترابي

– الإسلام السياسي ومدى تأثيره على المجتمعات

– العلاقة بين النص والواقع


undefinedماهر عبد الله: سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).

الذين تابعوا الإعلان عن هذه الحلقة يدركون معنا أن موضوعنا لهذه الحلقة سيتركز حول المشروع الإسلامي منذ ما يزيد على.. أو قرابة المائة عام، ونحن نتحدث عن ضرورة إحياء خلافة إسلامية مشروع نهضوي إسلامي، فيه صراع حول هوية، حول استقلال سياسي، حول استقلال اقتصادي، قامت مجموعة كبيرة من الحركات الإسلامية تصارعت فيما بينها، تصارعت مع خصومها، تصارعت مع الاستعمار، كانت الخلاصة مجموعة من الحركات السياسية الإسلامية التي لا تزال حتى هذه اللحظة ترفع شعار ما يسمى بالمشروع الإسلامي.

في العقد أو العقدين الأخيرين التبس هذا المشروع لم يعد الناس يدركون تماماً ما هو المقصود به، هل هو مجرد حركة سياسية يسعى أو تسعى من خلالها قلة قليلة للوصول إلى الحكم صادرةً عن فلسفة إسلامية؟

هل هو مشروع دعوي بالمعنى التبشيري لكلمة دعوي؟

هل هو مشروع أخلاقي صرف بالمعنى الصوفي للأخلاق؟

أم هو كل ذلك أم لا شيء مما ذُكر على؟

أنا أعتقد أن من أنسب الشخصيات للحديث حول هذا الموضوع هو الدكتور حسن الترابي ضيفنا لهذه الحلقة، وأعتقد أن الدكتور الترابي يغنينا عن التعريف، فقط أريد أن أقول أنه شخصية متعددة الطبقات والمواهب، كما أنه شخصية مثيرة جداً للجدل، وإن كان هذا يعني التوصيف ليس سلبياً بالضرورة، فبدون الجدل قد لا تستقر الحياة على الأحسن والأفضل، دائماً الجدل هنا بمعنى أن نتصارع، وأن نتدافع لنصل إلى الأمثل، إن كان ثمة سبيل للوصول إلى الأمثل.

دكتور حسن الترابي، أهلاً وسهلاً بك مرة أخرى في (الشريعة والحياة).

د. حسن الترابي: مرحباً بك.


المكتسبات المعرفية للدكتور حسن الترابي

ماهر عبد الله: في.. في هذه الجدلية التي نتحدث عنها للدكتور حسن الترابي هناك يعني سؤال قد يبدو غريباً بداية، وخصوصاً إنه في لقاءات سابقة معكم لم نتحدث عنها هي المكتسبات المعرفية للدكتور حسن الترابي، آخر الكتب لكم في السوق "السياسة والحكم.. النظم السلطانية بين الأصول والسنن"، الواقع فيه إشارة إلى مداخل معرفية تزامنت وتحايثت في ذهنك مع المصادر الشرعية رغم الدعوة الواضحة للمرتكز الإيماني، باختصار شديد كيف يمكن لحسن الترابي أن يقدِّم نفسه في سياق تعريف مداخله المعرفية ومكتسباته المعرفية، وكيف يقيمها؟

د. حسن الترابي: سنتنا حتى لا نقصر وعينا بالوجود والحياة على العالم المشهود أن.. أن نحمد الله -سبحانه وتعالى- ونذكره، لأنه ابتلانا بالدنيا، ووصلنا بالغيب برسالاته، وحتى لا نقصر رسالة على المسموع منها أو حسب، وإنما ننزلها إلى الواقع سنناً متوالية من الأنبياء حتى خاتمهم عليه الصلاة والسلام.

نهج المعارف مثل نهج الإسلام، يعني لا يقصر على فقط حفظ القرآن الكريم، لا حفظ النص كما اعتاد المسلمون يعني، ولكن حتى لا نكون كالذي.. (كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً) ولكن تدبر المعاني النازلة عندئذٍ على الحياة وقياسها إلى حياتنا الحاضرة التي ابتُلينا بها.

وثانياً: القرآن ذاته يهدينا إلى أن نتبصر ونسير في الأرض وسنن الأرض، ضلوا فنتبين ضلالهم، أو اهتدوا بمعروف بمجاهدات بلغوا ذات القيم التي سبق إليها الإسلام لتعزز لنا إسلامنا، فأنا قراءاتي الأصلية في البيت يعني والحفظ وكل الشريعة يعني بالموروث منها المعهود يعني، وقراءاتي في الغرب طبعاً في بلاده مختلفة يعني في.. في جانب الحياة العامة.

وثانياً: كذلك الله يعلمنا ألا نقصر على العلم يعني المجرد يعني، بل نصل بالعمل حتى نتبين يعني، فالعلم كله يتطور بالتجارب، فأنا دخلت في السياسة كما تعلم يعني، أحياناً مستضعفاً وأحياناً بين المستكبرين، وأحياناً مستشاراً في خارج البلاد، وأحياناً في بلادي، فأنا حاولت أن أجمع كل هذه التجارب، والسبب في ذلك أني أحس أن عالم الإسلام كله يموج الآن بعاطفة وعي إسلامي، ولكنها عاطفة يعني لا تكاد تبصر أين تسير يعني إلى أن تصوَّر إلى عدو تقتله، فهي حتى إذا قتلته لا تدري ماذا وأبطلت الباطل، هذه كيف تحق الحق، وكيف تبني حياتها في المعاش وحياتها في السياسة، وحياتها في..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: أليست مأساة بعد كل هذه السنوات أن.. أن.. أن يعترف مفكر إسلامي مثلك بأننا مازلنا نضل الطريق عندما نحاول إنزال هذا النص المقدس إلى.. إلى الواقع، مازلنا نتلمس في البدايات بعد كل هذه العقود؟

د. حسن الترابي: نعم، من هدي القرآن أصلاً دائماً أن نبدأ دائماً (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)، لا ننشغل بالمنجزات ونفرح بما كسبنا يعني بقصورنا عن المُثل حتى نحاول أن نصعد إليها، والمسلمون الآن في حالة من الضعف طبعاً واضح بالبيان يعني، فلابد أن نتبين كل علل العالم الإسلامي حتى نصوِّب إليها العلاج الشافي، ولذلك هذا أمر لابد من أن نتبينه تماماً يعني، ولا نقول نحن خير أمة أخرجت للناس، كان اليهود يقولون إنهم فُضِّلوا على العالمين، ولكنهم علوا في الحكم، وضلوا وأفسدوا وتعالوا على الناس يعني، ونحن كذلك كنا خير أمة أخرجت للناس واقعاً يوماً ما، ولكن ابتعدنا من الدين فانحط مقامنا، فلابد أن نبين لأنفسنا.

ماهر عبد الله: نعم، سنرجع للعلاقة مع الدين، لكن على صعيد المكتسبات المعرفية هذه، يعني يقول البعض أن حسن الترابي باعتباره أحد أبرز رموز الفكر الإسلامي المعاصر على الأقل في الخمسين سنة الماضية يجسد حالة تنطبق على الحركية الإسلامية عموماً في.. في مشارق الأرض ومغاربها، وهي أنها تعيش تحت إرث مستورد إرث غربي، حاولت ومازالت تحاول تطويع الفكر الإسلامي.. نعم، هناك استناد إلى ثوابت إيمانية، ولكن مجمل التجربة في الخمسين.. ستين سنة الماضية هو لي عنق النص الإسلامي، لي حتى عنق التاريخ الإسلامي لينسجم بانتقائية غير موفقة دائماً، لينسجم مع مفرزات غربية.

د. حسن الترابي: أما أن نصل هذا بذاك، فهذه سنة الإسلام يعني، المسلمون عندما تنزل عليهم الإسلام كانوا في جاهلية، وتعرف معروفاً وتنكر منكراً، والله -سبحانه وتعالى- يبين لهم، هذا هو المعروف وهذا هو المنكر إلا أن يقوِّمه لهم، وكذلك غزتهم كانت ثقافة يهودية كما تعلم غربية يعني، وغالب تفسيرات القرآن يفسرونها مرجعاً إلى هذا، الإنسان أصله في حيثيات الواقع هكذا يُبتلى بكل هذه الغوازي عليه، فيتنزل عليه الهدى حتى يتفعل مع هذه التحديات ويتصدى لها، وينزل القيم في إطارها، فليس ذلك بعيب، والله يحدثنا (فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ) ويقول لنا اقرءوا التاريخ يعني من ورائكم قال (كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ)، أما أن نعكف على كتبنا وننحصر، وننزل على فقط المنقول، فليس هذا من الدين أصلاً في.. في.. في شيء يعني، ليس ديناً حياً.

ماهر عبد الله: في البحث عن هذا الدين الحي، أين هو الخط الفاصل إذن بين هذا الحضور الكبير للغرب فكراً وسياسةً وتدخلاً في.. في شؤوننا وبين طموحات يعني إذا.. إذا استعرنا تعبير دارج الخط الفاصل بين الثابت والمتحول في.. في المقاربة مع أفكار الآخرين، مع طروحات الآخرين، لابد من.. من خط أحمر لا نتجاوزه حتى لا نذوب تماماً.

د. حسن الترابي: الخط الأحمر ليس خطاً بينا (..) هي تضاغط، الحياة كلها تتضاغط وتتضابط يعني، إذا اشتدت حملتهم ووطأتهم علينا، وكنا نحن في حالة من الضعف بالطبع سنتأخر شيئاً ما، ونقوم بشيء من أصالة، وبكثير من.. مما أخذنا منهم، وبعد قليل قد تعلو أصالتنا ونساويهم، وبعد قليل -إن شاء الله- يعني يمكن أن نفيض عليهم نحن بقيم وبنماذج في الحياة جديدة.

الحياة كلها تضاغط هكذا يعني، يعني كلها.. كل الحياة هكذا يعني، أنا.. طبعاً الدين يعلمنا إنه ما نأخد ما.. أصلاً ما.. لا نقيم حائطاً على أنفسنا، يعني نتفاعل مع المجتمع كله ومع الناس كافة، هكذا يعني حتى إذا تبين قوة التحدي علينا، هذا هو الذي يستفزنا ليعبي فينا طاقات أشد من الطاقات التي صحت فينا الآن يعني، فلذلك لا أرى بذلك بأساً أصلاً يعني، وأنا أحاول.. أحاول مثل في كتاب عن السياسة مثلاً، كله أوصله على.. على قضية التوحيد وعلى القرآن لا على أقاويل الموروثات يعني، على القرآن وعلى مبدأ التوحيد، على أصول.. أصول الدين أصلاً يعني كله.. كله.. كله، وأؤصل فيه الأخلاق والقانون والآخرة والدنيا، وهكذا يعني.


مرتكزات المشروع الإسلامي

ماهر عبد الله: لكن.. لكن حتى في محاولة التأصيل حتى في.. في الكتاب يعني لم يخلُ من نسميه عيب، أنه في المحصلة النهائية المفروض في الساحة هو المفروض في هذا الكتاب، مصطلحاتنا التي نتداولها بشكل يومي، كلها مصطلحات وافدة، هذا ليس لصالحها أو.. أو ضدها يعني، نتحدث عن ديمقراطية، وتحاول أن تجد لها بديل أو موازي، نتحدث عن مجتمع مدني، تحاول أن تجد له بديل أو موازي، نتحدث عن انتخابات نحاول أن نقربها من الشورى أو آلية من آليات توظيفها، نتحدث عن فصل السلطات اللي في.. في تاريخنا لم يعني لم يشهد على الأقل تبحُّراً فيه لنعرف ما هو.. ما إذا كان جيداً أم.. أم غير ذلك، أليست هذه وحدها برهان على أننا مازلنا لم نتلمس طريقنا بعد، بمعنى أننا نرد الفعل ونتجاوب فقط مع تحديات خارجية؟

د. حسن الترابي: طبعاً تجربتنا الإسلامية المثلى.. المثلى لا أقول يعني بلغت المثال، ولكن التي كانت تصعد.. تصعد نحو المثل كانت عقوداً.. عقوداً من الزمان فقط بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك ضلت تماماً.. ضلت.. ضلت تماماً، يعني كلها كانت تعاقباً ضالا من بعد ذلك، ولذلك طبعاً اللغات تتطور مع الناس إذا ضاع أُفقهم و.. اللي هو الوعي تضيع اللغة نفسها، وترد عليهم إنه إذا ضعف الضغط فيهم تتوارد عليهم الكلمات بما يلوثها وبظلالها من الخارج وتسكن فيهم يعني وتتمكن يعني، وأنا كتبت كتاباً في المصطلحات السياسية من أين صدرت؟ قد تكون صدرت في الإسلام، ولكنها ضاقت بعد أن وسعت أو تخصصت، أو انحرفت إلى اصطلاح معين أو هكذا، وكلمات وفدت علينا بكل ما تحمل من.. من ظلال.. من ظلال مختلفة، الكلمة لا تعني كلمة القاموس من.. من كلمات، وهذا.. هذا واقع، غالب ديننا.. نحن لينا 1400 سنة من الضلال في السياسة، ضلال تمام يعني ما نعرف إلا، حتى في الجهاد كان ضلالاً في واقع الأمر لا أقول يعني ما كان الناس على بصيرة…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طيب يعني هذه الكلمة بحاجة إلى توضيح وتوسيع.

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله: مرحباً بكم مجدداً في هذه الحلقة من برنامج (الشريعة والحياة)، والتي نستضيف فيها الدكتور حسن الترابي (المفكر الإسلامي المعروف)، والتي بإمكانكم أن تشاركوا فيها معنا بعد قليل إما على رقم الهاتف: 4888873

أو على رقم الفاكس: 4890865

أو على الصفحة الرئيسية (للجزيرة نت) على العنوان التالي: www.aljazeera.net

سيدي، ألف وأربعمائة سنة من الضلال حتى في التجربة الجهادية، كيف؟

د. حسن الترابي: أما نظم الحكم، كيف ننزل قيم الدين إلى نظم في الحكم، وإلى علاقات في نظم الحكم وتراتيبه وإلى أخلاق في الحكم، فكل هذا (يتطلب) تماماً، لأن الفقهاء اجتنبوا الحكم، لأنهم خافوا من السلطان، وألغوه تماماً حتى في أصول الأحكام، الحاكم ولي الأمر، قالوا: الأصول هي الكتاب والسُنة والإجماع والاجتهاد، ألغوه تماماً، يأسوا منه، وأهل التصوف كذلك الذين يريدون أن يزكوا الأخلاق، ظنوها يعني ساحة شيطان، فلذلك انصرفوا عنها، من يرد طريق الله فليدبر عنها وليأتنا تماماً، والحكام كذلك يتمتعوا بأن يكونوا فوق الأخلاق، ضوابط الأخلاق وضوابط الأحكام يعني، فانفصل الدين عهداً.. عهداً طويلاً عندنا في.. في الإسلام، لكن الجهاد استمر، لكن الجهاد هذا يعني إذا قرأنا القرآن واضح، كلمة جهاد في اللغة العربية حتى تعني فعال جهداً بجهد، كالنقاش وكالقتال وكالفعال، لغة عربية يعني، ومن اعتدى علينا نعتدي عليه، لا نبدأ أحداً بالعدوان أصلاً، ولكن كثير من.. من الحكام دفعوا المجاهدين بعيداً حتى لا.. لا.. لا تقوم قوى يعني تحتهم بالنصيحة وضغوط عليهم بعيداً، فالجهاد كان فيه.. فيه جانب من العدوان، إلا عمر بن عبد العزيز أوقفه حيناً، وبعد ذلك استأنف.

وثانياً: الجهاد هو تبين العدو والتصويب عليه لقتله، لكن المجاهدون أنفسهم لا يعلمون ماذا يفعلون إذا انتصروا حتى، كلهم التاريخ القديم والحديث، كلهم هكذا، فهذه آفة تصيب الإنسان كله حتى في النظم الغربية.

ماهر عبد الله: طيب يعني في هذا معناها وضع..

د. حسن الترابي: مع إنه القرآن ما يذكر آيات الجهاد أصلاً إلا في وسطها، يذكر الأهداف، لا قتل الآخر وحسب، ويعني فتح السد الذي يقيمه الآخر بالقوة وحسب، ولكن الشورى السياسة، في وسط الآيات منع الربا، في وسط الآيات، الأسرة، أحكام الأسرة في وسط الآيات، آيات كلها، آيات سورة محمد، آيات الشورى، آيات آل عمران، كلها هكذا.

ماهر عبد الله: لكن فشلنا في 14 قرن في أن ننزل هذا إلى واقع، بدليل ما تفضلت به، فكيف تتوقع من الناس اليوم أن.. أن يثقوا بما يسمى بالمشروع الإسلامي؟

د. حسن الترابي: أن ننزل هذا المشروع العاطفة والطاقات الآن تتعبأ، وطبعاً يمكن أن نصوبها على العدو يعني ليضربه، لكن حتى لو ضربه، لو أبطل الباطل لما أقام حقاً، ويعني عندنا.. عندنا ثورات، يعني دون أن نسميها من أفغانستان إلى الجزائر، يعني لم تثمر إسلاماً، وإنما في سبيلها استشهد مخلصين آلاف.. مئات الآلاف من الشهداء يعني، ولابد الآن أن.. أن ننزل وأن نفصِّل هذه الطاقة لتسير في قنوات وفي نظم حتى إذا انتصروا -إن شاء الله- يعني نزلوها وأقاموا لنا هذا الطيب الذي نريد أن نسعى إليه.

ماهر عبد الله: لأ، ما هو أنا سؤالي..

د. حسن الترابي: الاقتصاد، وفي الحكم السياسي، وفي الفنون، وفي المجتمع، وفي كل شيء.


صعوبة إنزال المشروع الإسلامي على أرض الواقع

ماهر عبد الله: سؤالي إذا.. إذا فشلنا في.. في تحقيق هذا بناءً على ما تفضلت به عبر تاريخ طويل جداً شهد مجموعة من عمالقة الفكر الإسلامي، شهد ازدهاراً اقتصادياً وعلماً.. يعني وعلمياً، فإذا في فترات ازدهارنا لم نستطع أن نزاوج بين.. بين النص والواقع، كيف تتوقع منا اليوم ونحن نعيش مسخاً ثقافياً ومسخاً قومياً ومسخاً حضارياً أن نبز؟

د. حسن الترابي: طيب متوقع، لأنه المدافعة هي (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ)، الآن تبين لنا هذا التاريخ الذي انحط بنا عن القيم عهداً طويلاً، ولأنه انحطت بنا سالت علينا فيوض من الغزو الأجنبي بكل أنماط الحياة، لذلك الآن لابد أن نتبين ذلك حتى نقوم -إن شاء الله- ونتحدى لهذا التصدي، ونُنزل القرآن مفصلاً منزلاً على حياتنا كلها معاً إن شاء الله، وتقوم حركة للدين في الحياة كلها، وأنا مطمئن أن هذا.. هذا ممكن، أصله دائماً.. دائماً يعني كالموج يعني بعد وهدات قد تقوم نهضة للناس، يتبينون الذل وتقوم نهضة إن شاء الله يعني.


تقييم التجربة الحركية الإسلامية المعاصرة

ماهر عبد الله: بعد ما يزيد على سبعة قرون منذ تأسيس أول حركة إسلامية نهضوية تنموية تسعى إلى هذا المثال الذي تتحدث عنه، كيف..

د. حسن الترابي: سبعة عقود من الزمان..

ماهر عبد الله: سبعة عقود -عفواً- كيف يرى الدكتور حسن الترابي التجربة الحركية الإسلامية كما شهدناها في القرون العشرين وحتى يومنا هذا؟

د. حسن الترابي: أولاً لابد أن نقرأ سيرتنا أيضاً، الإنسان ينبغي أن يقرأ سيرته فيعلم ذنوبه وقصوره قبل أن يفرح بما أوتي يعني ومنجزاته ومكتسباته، ما هي المعاقب التي أصابته والعلل، يؤسفني أن أقول أن الحركات لا تكتب عن نفسها هكذا، الحركات بدأت أول الأمر تقول إنها توحيدية كل الحياة شاملة، لكنها دخلت نعم من الحياة الخاصة، الشعائر والذكر إلى السياسة، وفي السياسة وقفت عند.. عند الشعارات والمبادئ وحسب، لكن الاقتصاد ما دخلته مدخلاً واسعاً، ما تابت بكل حياة المتاع الحياة الدنيا إلى الدين، ما تابت بالفنون والعلوم وهي الآن شغل العالمين يعني إلى الدين، ما تابت بالعلوم التي خرجت من الدين، علوم الأشياء. علوم الطبيعة إلى الدين، ما تابت بالمجتمع كله، لأنه لا يمكن أن تقيم نظاماً سياسياً على مجتمع واهٍ أصلاً يعني، لا تقيمه هكذا أشكالاً من الديمقراطية أو من الشورى على.. على صفحته العليا، إلا أن تنبت من جذوره، فالحركات الإسلامية لم تكن توحيدية ولا تكاد تخطط شيئاً، يعني إحنا كلنا نؤمن بالآخرة، إذا كنا نؤمن بالآخرة فهذه معناها نخط الحياة من حاضرنا إلى آخرنا، ليست لها خطط، الآن لو سألتهم بعد خمس سنوات ماذا تريدوا أن تفعلون؟ لا يدرون.. لا يدرون كثيراً.

[موجز الأخبار]

ماهر عبد الله: سيدي، في كتاب "السياسة والحكم" فقرة تقول: "قد يؤمن الإنسان بالله بإيحاء الفطرة وبَدَه العقل ولكنه يكذب الرسالة فيضل في الحياة ولا يتبين الحق، وقد يصدق الإنسان بأصل الرسالة الدينية، لكنه في الدنيا مفتون، مشرك غير موحد" يعني قيلت في سياق وكأنه المقصود به ليس منكرو هذا الدين جملة وتفصيلا، وإنما بعض المؤمنين به، ولكن المنكفئين عن.. عن استيعابه بكل شموليته أو على الأقل بالشمولية التي تراها، خلاصة ما تفضلت به قبل الموجز كان.. فهمت منه أنك تقدم العذر وهذا الكلام يؤكد ذلك، للذين يحاربون الحركات الإسلامية لأن طابعها العام حتى هذه اللحظة هدمي، هي تعرف ما الذي يجب هدمه، لكنها فاقدة للتصور عما الذي يجب أن يبنى، فكيف..

د. حسن الترابي: نعم، أولاً: كل المذاهب في الحياة هكذا يعني تبدأ بأصول وبمبادئ عامة في كل الحياة، إسلاما غريباً في مكة أو ديمقراطية في الغرب، حيثما كانت هكذا يعني، إذا فسح لها.. إذا كانت البيئة السياسية من أهل القديم يريدون يخشون هذه المقاصد، فيضاغطونها ويحاصرونها تمتلئ وتتعبأ بالطبع وبعد ذلك لا تتقدم شبراً للتفاصيل، لأنه من حيث الأصل هي منكرة ومحاربة، وبعد ذلك تحاول أن تقاتل وتقف عند هذا الحد، لو فتحوا لها.. لو فتحوا لها لاضطرت بأسئلة الرأي العام وبعرضها على الرأي العام في انتخابات عامة وفي الرأي العام هكذا، اضطرت أن تفصِّل وتنزل وتقدمت وتطورت هي، يعني في حياتها، طبعاً يؤسفنا أن نقول أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بينما دخل المدينة إلى السلطة مدخلاً طوعياً، الدين كله قائم على الطوع، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) دخل مدخلاً طوعياً في المدينة، لكن الحركة الإسلامية الآن وجدت نفسها مكبوتة حتى تنفجر، والعالم كله كذلك ينفجر إذا لم يتنفس بشيء من الحرية، والانفجار له عقابيل خطيرة يعني، لا عند المسلمين وحسب، لكن عند كل العالمين.

ماهر عبد الله: لكن يعني ما بأعرف كلما تحدثت كلما شعرت أنك توغل في المثالية أكثر، يعني ما عهدناه من الدكتور حسن الترابي أنه من بين الإسلاميين كان الأكثر عملية، كنت الذي تنادي بالمشاركة السياسية عندما كان الطابع العام للخطاب الإسلامي تكفيري صرف، كنت من أوائل من انفتح على الغرب باعتبار جزء مما تحدثنا به هذا.. في هذه الحلقة أنه هي الحياة تلاقح، وليس بالضرورة مقصورة على.. على مصدر واحد، حتى الكتاب هذا طابعه العام مثالي يعني وكأنه المدرسة التي ثُرت عليها ذات يوم مدرسة سيد قطب المثالية النظرية كأنها عادت يعني لتمسك بتلابيب ذهن الترابي مرة أخرى.

د. حسن الترابي: كلا إن شاء الله يعني، أولاً أنا.. أنا.. الكفر يعني التغطية، كفر غطى، وهي نسبية، يزداد المرء كفراً وينقص كفره، ويزداد إيماناً وينقص إيمانه، والإشراك درجية هكذا، طبعاً بعض المسلمون يجعلونها أسوداً أو أبيض، أسود أو أبيض، هذا أو ذاك وحسب، ولكن لو قرأت القرآن تجد أنها هي.. هي درجات في إيمانيات الإنسان، قد ينقص من الدين شيئاً قليلاً، يبعض الدين شيئاً قليلاً وهذا إشراك، لأنه بهذا البعض يشرك شيئاً مع الله -سبحانه وتعالى- وقد ينقص كل الحياة العامة، فهو مشرك سياسي، ولكنه لا يزال في شعائره يعبد الله، وهكذا قد يقصر الدين ويبعض الدين جداً، حتى يحاصره.. وقد.. وقد يفتحه تماماً.

وثانياً: أنا يعني هذه الأفكار لم.. لم تأتني من تلقاء التأملات يعني، من تلقاء حياتي، حياتي في.. يعني حركة إسلامية كيف تنتشر في.. في المجتمع؟ والمجتمع متخلِّف وجاهل ولا يؤمن بالحرية أصلاً هو، بل أصول الدين التي تبنى عليها الدولة وضلَّت عليها الدول، الإنسان له مشيئته في الحياة، من.. من العقيدة إلى الحكم، ولكن هؤلاء قدريون في عقيدتهم كما تعلم، تقليديون يقلدون في فقههم، يعيشون تحت الجبابرة في كل حكمهم، وجُهَّال غافلون حتى بمعاني الدين خارج حياة الشعائر والأذكار، فالمجتمعات مجتمعات ضعيفة.. ضعيفة جداً، والحركة الإسلامية نفسها لم تجد زاداً من الفقه الإسلامي المتنزل، ما هي الحريات بالضبط؟ ما هي المشيئة؟ ما هو مداها؟ إلى أي مدى؟ وما هي الشورى؟ كيف ننظمها ونبسطها؟ وكيف المعاقدة بين الناس دستوراً أو وفاقاً سياسياً؟ وكيف نفي به وكيف تكون علاقاتنا، وكيف نقيم منه أجهزة ونظماً؟ وهكذا..

فنحن دخلنا إلى الإسلام إلى.. إلى مجال السياسة بغير أحكام.. بغير تراث أحكام، الذين كتبوا قديماً كتبوها.. في أحيان انحطاط الإسلام، والإسلام كان بعيداً من الحكم أصلاً، وبعيداً من أخلاق الإسلام، ودخلنا في منطقة فتنة كبرى، لأن السلطة سلطة تفسد كما تعلم، السلطة تبسط لك اليد في المال العام لتأكله بالباطل لا في المال الخاص حتى يشتكيك واحد تأكله يعني، ولكن مال لمجهولين، تعرضنا لهذه.. لهذه الفتن، وما كنا من قبل لنا تجربة، يعني.. ولذلك بعد أربعة عشر قرناً أول تجربة لا يستغربها المرء أن.. أن ترتبك و تضطرب يعني، هذا هو الذي حدث لنا، يعني في واقعنا، حتى في كل الحركات التي بلغت درجة المدخل إلى.. بالدين إلى.. إلى السياسة.

ماهر عبد الله: يعني هذا باختصار أيش اسميه أنا؟ اعتراف متأخر بأن التجربة إلى حد ما لم تنجح إن لم نقل أخفقت، أم هو نتيجة تجربة سيئة خضتها بسبب هذه التجربة انتهت بك في السجن مؤخراً، يعني التقييم الحقيقي لهذه التجربة كما تراه الآن أنت.

د. حسن الترابي: نعم، حكمة التجارب دائماً تعقبها بالطبع، الإنسان لا يدري يجرب، بعد التجربة يتعظ بالخطأ، أليس كذلك؟ فيبدل الله سيئاته حسنات يعني، هذه واحدة يعني لابد أن..

ماهر عبد الله: نرجو الله ذلك..

د. حسن الترابي: أن نقولها يعني.. أن نقولها لذلك، ولكن ليس هنالك زاد فقهي في الإسلام وأنا قارئ يعني صادق ورع.. عُدَّني قارئاً صادقاً يعني ليس للمسلمين من زاد في الاقتصاد الإسلامي، ولا في الفنون الإسلامية ولا في الاقتصاد.. في الحكم الإسلامي أصلاً يذكر، ولا من أخلاق في هذا الذي يذكر، فلذلك أن ندخل ونتورط في هذه.. في عالم الفتن، يعني ليس ذلك بغريب علينا..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: لا ما هو يعني كونك.. إذا سمحت لي كونك ذكرت..

د. حسن الترابي: أنا لا أريد أن أعتذر لأنفسنا، لكن أشرح لك يعني الابتلاءات وماذا تحدث، لا عندنا وحسب، لكن اذهب لأي تجربة في العالم، الثورة الفرنسية مثلاً جاءت من أجل الديمقراطية، مائة عام من الإرهاب ومن الطغيان، حتى رست مبادؤها ونزلت، ولكن الآن وقع خلاف عندما تمكنت الحركة الإسلامية في السلطة بين الحريات، الذي تمكن في السلطة لا يريد أن يبسط للناس مشيئتهم كما بسطها الله سبحانه وتعالى (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)، (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ)، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ولا يريد أن يدير الشورى في كل مجالات الحياة من الأسرة إلى.. إلى الدولة ولا يريد أن يلتزم وفاءً بالعقود.. عقود الدساتير، عقود الوفاق السياسي، يستعمل القوة فقط، فإن غلب سنحت له فرصة يغلب ويضرب يعني، وهذا حدث بالنسبة لحركات إسلامية كثيرة يا أخي، مجاهدات إسلامية ضد الغرب مثلاً عندما أقدم عليها الغرب قامت مجاهدات إسلامية، ولكنها لم تثمر كل..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: ما هو هذا.. يعني أنت أخفتني قليلاً عندما قلت أنه هذه حكمة اللاحق على الحدث، لكن يعني الحكيم الأحكم.. الحكيم الأولى بالاتباع هو الذي يقرأ ويستقرئ ويستشف الأشياء قبل.. قبل أن تقع يعني حكمة ما بعد الحدث يقدر عليها كل الناس..

د. حسن الترابي: (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)، يا أخي، هذا كلام للرسول صلى الله عليه وسلم.

ماهر عبد الله: صلى الله عليه وسلم، هو هذا على ما يبدو..

د. حسن الترابي: كل.. كل تجارب العالم في النزعات الاشتراكية، في النزعات الديمقراطية في الغرب، في النزعات الاستقلال، الذين يريدون أن يستقلوا بوطنهم من الاستعمار يحصرون ويصوبون أمرهم فقط على الاستقلال فإذا استقلوا يتحيرون لا يدرون ماذا يفعلون.

ماهر عبد الله: طب أنا عندي.. عند سؤال من الأخ أسامة على قصة تجربة السودان، بس نجيب عليه بعد الفاصل، يسأل: مع احترامي الشديد للتجربة السودانية هل كانت الضغوط الأميركية والأوروبية سبباً في تجميدها ولن أقول فشلها، لأنها لم تعط الفرصة ليتم تمحيصها ودراستها؟

[فاصل إعلاني]


أسباب تجميد التجربة السودانية

ماهر عبد الله: يعني سيدي، أنا يعني أُكْبِر نظرية الاعتراف بالذنب والاعتراف بفشل التجربة الذاتية، لكن الأخ أسامة طرحت عليك سؤاله، يشير إلى عامل آخر خارجي، كان واضح من كلامك الإقرار بأنه فيه شيء ارتباك داخلي كان واقع للتجربة، هل هذا يُحيِّد أو يقلل من شأن العالم الخارجي.. العامل الخارجي، خصوصاً الضغوط الأميركية والأوروبية كما سماها الأخ أسامة؟

د. حسن الترابي: نحن مسلمين نؤمن بالعالمية لأن دعوتنا للناس كافة، ولذلك يتضاغط العالم معنا، كان ضعيفاً أو أقوى منا، والآن بالطبع وسائل الاتصال الحديث والتكامل الصحي والثقافي والاتصال يعني وثق القربى بين.. بين قوى العالم، ولا.. لا نقصر نفسنا على أميركا يعني، قوى حتى عربية يعني، يعني تكره بالطبع أن.. أن ينتشر نموذج للإسلام فيه شيء من الحريات التي يمارسها أهلها مبسوطة كما يريدها الله -سبحانه وتعالى- وشورى ومشاركة بين كل الشعب، لا.. لا سلطة مقبوضة، ولا يريد تعاقداً، يريد تضابطاً بالقوى، لأنه يمتلك أسباب القوة في.. في البلد، إلى جانب أميركا التي ورثت الاستعمار الغربي الآن في خوفها من الإسلام وفي تصويبها الآن أهداف العدوان على.. على الإسلام، ولكن أنا دائماً أحاول أن أذكر ضعفنا نحن، هذا وقف على ضعفنا، مهما قويت هذه.. رجحت هذه.. ثقلت هذه الضغوط، إذا كنا نحن نستفز ونعبئ إيماننا وقوتنا وعلمنا هدايتنا يمكن أن نقاوم.. ولا نقاوم وحسب، يمكن أن ندفعهم ويمكن أن.. أحياناً هم يخافون علينا.. يتذكرون الإسلام كيف غزاهم يعني، وأحياناً يحدثوننا أننا نخشى من.. من مستقبلكم، فيمكن أن.. من الخير دائماً أن نذكر عيوبنا ولا نلقي بالملامة على الآخرين هكذا ونجلس هكذا يعني، من الخير أن نلقي باللوم من جهالتنا، من ضعف مجتمعاتنا، من أننا تفرقنا طوائف شيعة وسنة وقُطريات وقوميات وأن مجتمعنا غالباً غافل عن الدين، يعني هو دنيوي وهو علماني هو، متاع الحياة الدنيا فقط، الدين يقصره فقط في أذكار وشعائر محدودة جداً يعني، المجتمع الذي نبني عليه البُنى الاقتصادية الإسلامية والسياسية ميت وضعيف، حركات إسلامية أبداً، أحياناً لا تريد أن تنفصل عن المجتمع، تريد هي أن تكون صفوة يعني بسريتها أن تتحكم في كل شيء وتحتصر كل شيء بفتنة السلطة عندما نالتها يعني، هذه.. هذه قضايا.. قضايا من الخير أن نتذكرها في أنفسنا يعني.

ماهر عبد الله: الأخ سعود بيوض التميمي مهندس من.. من الأردن، يعني يتهم بالافتراء موضوع إنه كلمة المشروع الإسلامي لا يمكن إطلاقها على استئناف الحياة الإسلامية، لأنه أمتنا لا تُحكم بمشاريع ولا تكن عقيدتها مشاريع فحكم الإسلام.. فحكم الإسلام ثلاثة عشر قرناً وعندما ذهبت دولته في بداية هذا القرن فقدت الأمة هويتها إلى أن ظهر علينا من الناس من يفترون على الله بأن الإسلام لم يطبق نظام.. نظامه السياسي ولا الاقتصادي ولا الاجتماعي وهذا نقض للإسلام من.. من جذوره، يعني أليست فرية على التاريخ الإسلامي -لو سمح لي الأخ سعود بإعادة الصياغة- أن نقول أنه لم يطبق؟

د. حسن الترابي: كلا.. كلا، العيب ليس الإسلام، وإنما المسلمون طبعاً، ألا نذكر الفتنة الكبرى التي قامت حتى بعد التجربة الأولى، المشروع الأول للتجربة التي زكاها القرآن وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم، قامت فيها فتنة واضطرب النظام السياسي وشوراه وحريته وانقلب إلى.. إلى شيء آخر، والمسلمون نسوا.. نسوا الزكاة وأكلوا الربا وعادوا إلى الرق، والقرآن يحدثهم أنه ليس إلا مَنًّا أو فداءً، وحاصروا المرأة كما حاصروها في.. في الجاهلية، وانحصروا تماماً عن الحكم حتى الكُتَّاب يكتبون للحكام ما يريدون فيعني.. وعلاقتهم مع العالم لا يعلمون شيئاً، لا ينشرون دعوتهم في العالم، فكيف نقول أن الإسلام طُبِّق؟ هذه مثل إسلامية، لماذا انحصرنا هكذا وضعفنا هكذا، حتى غزانا.. غزانا العالم مستعمراً وغزا قلوبنا وغزا نفوسنا، من ضعفنا، من الخير أن.. أن نتحدث عن الحقيقة، لكن القيم محفوظة، الغربيون إذا.. إذا فسد تدينهم ليست لهم من أصول يرجعون إليها ليستمدوا منها دفعة من الأصول لتقوم فيهم المثل لينزلوها على.. على الواقع


جدلية التواصل والقطعية مع التراث في فكر الترابي

ماهر عبد الله: من الأشياء في.. في محور آخر، من الأشياء اللي ميزت حسن الترابي في الخمسين سنة الماضية من أيام الشباب، هذه جدلية العلاقة بين التواصل والقطيعة مع التراث، واضحة جداً في.. في.. في الكتاب، أنه هناك نوع من الدعوة للقطيعة مع التراث الإسلامي، لا أقول قطيعة بالمعنى العلماني لها، بالاستهتار بكل التراث، لكن حتى في.. في هذا النقاش ذكرت تركيزاً قصة القرآن، القرآن.. القرآن والموروثات، أين تضع الخط الفاصل بين ما يمكن استلهامه من التراث، وما يجب القطع معه من التراث؟

د. حسن الترابي: هذه هي القطيعة فعلاً، المسلمين تركوا قرآنهم مقدساً، يقبلونه وحتى إذا صعدوا بالسُنة سموه فقه السنة، ولا لم يصعدوا به على.. على القرآن أصلاً يعني، مع أن القرآن هو الذي ساس الحياة ووجَّهها وكيَّفها وقومَّها، بضع وعشرين عاماً، الحياة، الحياة الواقع النموذج كله صار يعني القرآن هو الذي يسوسه، والسُنة إنما تبين تفاريعه وتفاصيله يعني وحسب، فأنا أريد أن يرجع الناس إلى.. إلى أصولهم القرآنية، فهموا بعض الأحاديث فهماً خاطئاً، لأنهم لم يصلوها إلى أصولها القرآنية، ظنوا.. أن في المسلمين خليفة من قريش، يعني يجب أي بلد يسلم اليوم يبحث.. يأتي إلى المملكة ليبحث عن قرشي ليلتقطه ويذهب به إلى هناك، يعني أشياء تناقص أصول الدين الذين لا يؤمن بقبلية ولا بأسود ولا أبيض ولا.. ولا بنسب أصلاً إلا بالتقوى يعني، يعني التراث أنا قرأت كل أنا طبعاً نشأت في بيت أصلاً قرأت كل.. كل اللغة العربية القديمة، ورجعت إلى اللغة العربية يعني في الكتاب كما.. كما تراني، وإلى أصول الدين قرأنا حتى.. حتى فرعيات ومفصلات الفقه يعني، وقرأت كل الكتب الموجودة الآن هنا يعني ما.. ما عولت فقط على قراءتي الغربية لأقوم عليها، فأنا أتجرد من.. من التراث، لا أرهن نفسي له، أنظر إليه، أحكم له أو عليه، والخير الذي رأيته فيه كما ترى بالكتاب أذكره، وأنه في هذا الخط، هذه.. هذا.. هذا السياق تقدم الإسلام جداً، في هذا السياق تقدم ثم.. ثم تدهور، وفي هذا السياق لم يتقدم كثيراً، فلابد أن ننظر إلى الحياة، وكذلك في الغرب أحكم على الغرب كذلك بقراءة تاريخه، لأن.. لنرى كيف كان عاقبة هؤلاء في التاريخ وفي الحكم وفي السياسة؟

ماهر عبد الله: طيب نسمع من الأخ حاتم محسن، أخ حاتم تفضل.

حاتم محسن: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام والرحمة.

حاتم محسن: كيف الأستاذ ماهر؟

ماهر عبد الله: حياك الله، تفضل يا سيدي.

حاتم محسن: يا أخي، أنا أسأل ما هو المنهج الإسلامي الذي يريده الأستاذ حسن الترابي؟

ماهر عبد الله: طيب نشكر سؤال مختصر ومفيد، نسمع من الأخ وليد السعدي من الأردن.

وليد السعدي: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام ورحمة الله.

وليد السعدي: إزيك يا أخ ماهر.

ماهر عبد الله: حياك الله.

وليد السعدي: كيف حالك يا دكتور؟

د. حسن الترابي: مرحباً بك.

وليد السعدي: والله إحنا نحبكم في الله والله يا أخي.

د. حسن الترابي: أحبك الله.

وليد السعدي: لو سمحت، ما هو المستفاد.. من.. من المستفيد من الخلافات بين الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة الإسلامية والعربية؟

ماهر عبد الله: طيب شكراً جداً أخ وليد.

وليد السعدي: وإني أحبكم في الله وأحب الدكتور يوسف القرضاوي جداً، يعني اللقاء الماضي كانوا بيشاحنوا الدكتور يوسف القرضاوي كثير يعني.

ماهر عبد الله: طيب مشكور جداً يا سيدي، نسمع من الأخ مسلم من هولندا، تفضل أخي.

مسلم جزائري: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام ورحمة الله.

مسلم جزائري: علينا كمسلمون أن نقيم الديمقراطية أو بما يسمى في الإسلام العدل والإحسان في داخل أسرنا أولاً، ثم في الدولة، ونسعى وراء العلم امتثالاً لقول الله تعالى (اقرأ) دائماً (اقرأ)، ودائماً أن نوافق العدل والعقل والمنطق قبل العواطف، لنخرج من كارثة الأنظمة الديكتاتورية، وأوصي المتدخلين أن يوجزوا، جزاهم الله خير، والسلام عليكم.

ماهر عبد الله: طيب شكراً خصوصاً يعني الجميع مختصر ونرجو أن تكون هذه سنة حسنة.

د. حسن الترابي: السؤال الأخ حاتم.


المنهج الإسلامي للترابي

ماهر عبد الله: السؤال الأول من الأخ حاتم محسن ما هو المنهج الإسلامي الذي يريده الدكتور الترابي؟

د. حسن الترابي: أريد الحركات الإسلامية أن تقرأ تجاربها، إذا تقدمت حركة الإسلامية في بلدٍ ما إلى خطى لم.. لم تبلغها الحركات الأخرى لابد أن تُقرأ سيرتها ليُعلم أين أخطأت حتى نتعظ بالخطأ، وأين أصابت حتى نبني على.. على.. على تلك الإصابة يؤسف المرء أن يقول أنه لا توجد كتب الآن عن.. يكتبها الإسلاميون حقاً عن يعني يصفون تجاربهم بتجرد وبصدق، يعني سواءٌ عابوا فيها شيئاً، أو طابَ لهم فيها.. فيها شيء، فأنا في رأيي أنه ما دام المسلمون الآن يسمعون كذلك تجارب العالم كله حتى تغزوهم يعني..

ماهر عبد الله: لأ بس فيه.. فيه ظاهرة غريبة، يعني هذا بيرجعنا لسؤال الأخ وليد السعدي إنه من المستفيد من خلافات الحركة الإسلامية؟ هناك قطيعة غريبة ما بين يعني العلاقات الإسلامية البينية الحركية ضعيفة تصل إلى حد القطيعة، هناك حوار الآن مع السلطات كما يجري مثلاً في مصر مع الجماعة الإسلامية، ومراجعات، هناك دعوات كثيرة للحوار مع الآخر غير المسلم، لكن الحوار الإسلامي الإسلامي مازال في حدوده الدنيا، يعني كيف تفسر أن.. أن يكون أصحاب المشروع الإسلامي تقريباً هم الأكثر نفوراً من بعضهم؟

د. حسن الترابي: يؤسفني أن أقول أن الحوار الإسلامي الصوفي طرقاً شتى، لكن كلها تسير على الطريق المستقيم، ويعني لم يبلغ بين.. بينها العلاقات، علاقات الغيرة والصراع، قادرية ونقشبندية، وطرق الفقه كذلك شافعية أو مالكية، حتى لو تتلمذ بعضهم على بعض، يختلفون في.. في قضايا أصولية، ولكن.. ولكن في السياسة نحن عجزنا عجزاً، تاريخنا يعني والله يعيبنا جداً، يعني ما يخرج منا أحد إلا سميناه خارجاً وضربناه، ويقوم فينا عباسي على أموي على هاشمي، وفاطمي على آخر، وهكذا والأسر تقتتل، نحن تاريخنا تاريخ سيئ، أُخوَّة الإسلام انهارت تماماً، نعرف هذا التاريخ الآن حتى إذا انشق بعضنا على بعض، أو اختلف، اختلفنا على رأي اجتهادي، لا يقوم بعضنا على بعض ليسجنه، أخوة ليتمكن منه بالقوة، وليوجه عليه التكفير، ولينشغل به حتى عن الأبعد، وأحياناً نحن ننشغل بصراعات الطوائف، تنشغل الطائفة بأختها، لا تنشغل بالأبعد من خارج مدى الإسلام أصلاً يعني، يعني هذا مما يأسف له المرء، هذا عيب، عيب منكر في تاريخنا الإسلامي.

ماهر عبد الله: ولكن يعني هذا الكتاب إذا اعتبرناه آخر إنجازات الدكتور حسن الترابي مازال خُلواً من أي آلية عملية لضبط هذا الخلاف.

د .حسن الترابي: لا، الكتاب فيه فصل كامل، كيف يتعاقد المسلمين ويتشكلون طوائف وطرقاً وأحزاباً، وتُترك الحرية لها والحوار، وتتجمع وتأتلف وتختلف، حُرة تماماً، أنا لا.. أنا بالطبع نحاول أخلاقياً أن.. أن نحمل على العصبية يعني حتى لا يتجانب كل واحد مع أخيه، لكن لابد أن نرفع تماماً القوة بيننا، والعصبية المفرطة بيننا، هذا.. هذا.. هذا قانون أخلاقي، أما الآخر فأحكام أن لا تفصل بيننا القوة أصلاً يعني، فصل كامل عن الأحزاب السياسية، كيف تقوم في مجتمع مسلم؟ وهيئات الضغط المختلفة والقبائل والطوائف.

ماهر عبد الله: هذا ماشي، هذا.. هذا موجود في الكتاب لكن يعني ليس.. مأساة الفكر العربي عموماً في.. في المائة سنة الماضية، سواء الإسلامي منه أو في تفريعاته، العلمانية كله فكر نظري مش فكر عملياتي، يعني التجربة الغربية جزء من نجاحها أنها مختبريه، يعني فعلنا هذا تعلمنا منه، يجب أن نتجاوزه إلى غيره، نحن مازلنا في طور تقديم تصورات عامة يجب أن يكون هناك أحزاب، يجب أن يكون هناك أحزاب، لكن التقويم العملي.

د. حسن الترابي: الساحة لم تفسح لهم، هؤلاء الإسلاميين الذين تتحدث عنهم يعني مضبوطون ومحاصرون بالطبع في أيما بلد يعني، فالساحة لم تفسح لهم حتى يحكم عليهم الشعب، والشعب هو الذي يكيفهم، هو الذي يوجههم، وحتى يبسطوا العلاقات العالمية مع إخوانهم يختلفون على شيء ويتوافقون على.. على شيء، والغرب كذلك من وراء يريد أن يقتلهم في.. في مهدهم، يعني حتى لا.. لا تنهض لهم نهضة، والطغاة في بلادنا يخشون أن يقوموا بالشورى والحرية وحكم الشعب أو الديمقراطية كما يسميها اللغة.. اللغة الغربية.

ماهر عبد الله: طب يعني.. طب لو سألت أنا سؤال شخصاني بعض الشيء، يعني حسن الترابي يقول هذا الكلام بعد أن.. لنقل حُيِّد من.. من السلطة، لو عادت له الكرة مرة أخرى وأصبح صاحب نفوذ، ما هي الضمانة أن لا يقع في الأخطاء السابقة؟

د. حسن الترابي: لا.. يعني أنا لم أبلغ بهذا.. بهذا الموقف الذي يحصر الدين في.. في.. في عصبتنا أن تحتكر الدين على الآخرين يعني، ولها الفتوى القصوى، وإنما وقع الخلاف حول هذه المبادئ، نحن قلنا الدولة ليست إسلامية، أنا لا أتحدث عن ملة السلطان، قد يكون مسلماً ويتزوج ويموت مسلماً، ولكن بنية الدولة ليست إسلامية إذا لم تتنزل كما تنزل القرآن كله (لاَ إِكْرَاهَ) (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ) حتى ولو طعنوا في الدين، ونحن نقرأ في القرآن، يعني يطعنون (اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) ويطعنون (يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) ويعادون جبريل، ما داموا يتحدثون باللسان نرد لهم باللسان، إلا أن يرفعوا السنان عندئذٍ يصح لنا.. يحق لنا أن نجاهدهم سناناً بسنان، لكن لساناً بلسان وحسب، هذه قضية خلافية.

القضية الخلافية الأخرى أيضاً أن نبسط الشورى من الأسرة في المجتمع حتى يكون قاعدة للدولة، إلى الولايات المحلية، إلى الولايات العامة، إلى الولاية الكبرى، وأيما حلقة شورى أوسع تغلب على الأقل منها، لا يحكمنا فرد أصلاً.. أصلاً.. أصلاً، هذا خلاف، هذا خلاف.

وثالثاً: أن نلتزم بنصوص الدستور، ويعني الناس يقرءون القرآن ولا يلتزمون بنصوصه، يقبلونه وحسب، يعني ولكن فعلوا ذلك، النصوص الدستورية أصبحت كالزينة، كالزينة يعني، ولكن لا يلتزمون بها أصلاً يعني، ونعقد مع غير المسلمين في الجنوب.. في الجنوب اتفاقات ونغدر بهم، ولذلك يظنون أن المسلمين.. طبعاً يحكمون على الإسلام بنا، لأنهم لا يقرءون كثيراً على الإسلام حتى يحاكمونا به، فيحكمون على الإسلام بنا، فهذا.. هذا.. هذا هو الخلاف، الحمد لله، لكن الفرق أننا دخلنا لم..لم هذا كانت في رأيي منذ عشرات السنين كتبت فيها الكتب، ولكن لم أدرك أن هذه هي فتنة السياسة لابد أن تنزل هذه المبادئ إلى مبادئ عامة، بتفاصيلها وتفاريعها على الشعب، وتُرسَّخ فيه حتى تنبع حكم الشعب ينبع من الشعب، والشورى.. الشراكة هذه من الشعب، والحرية تمارس، لا حرية نظرية فقط، لا يطلق لهم عفواً، ولا.. ولكن لا يمارسونها، يمارسها الناس يتناصحون ويتجادلون و.. كل يسهم برأيه، يعني وبعد ذلك نجمع الرؤى في شورى، والإجماع هو رأي الغالب منا وهكذا، فالآن الحمد لله هذه المعاني يعني الكتاب هذا أيضاً واحد من ثمرات أن هذه القضايا أصبحت لابد من أن تنزل هي لا الشعارات، لا الإسلام يحكم، والإسلام هو الحل، والشريعة لابد أن تحكم، والدستور لابد أن يكون إسلامياً، نعم، ولكن لابد أن تنزل إلى الناس بكل تفاريع ذلك وتفاصيل، وماذا يقتضي من تناظيم وعلاقات هذه التناظيم وكيف يتضابط.. تتضابط الأنظمة حتى تضمن المشاركة والشورى والعدالة بين.. بين الناس، وأنا لا.. لا أستعمل كلمة الديمقراطية يعني لا لأني أكره اللغة الإجريجية يعني، لكن لِمَ استعملها يعني؟ حكم الشعب هي كلمة ومعناها حكم الشعب، لكن حتى لا ندخل على الناس كلمات العامة لا يفهمونها، الدستور هذه كلمة فارسية، يعني، أسميه أن هذا هو الميثاق، العهد الذي أسست عليه الدولة يعني، وأحاول في مصطلحي يعني أن نعلمهم بأن هذه الكلمات غزتكم أحياناً، حتى كلمة الدولة نفسها ليست هي الكلمة الصحيحة للكلمة التي تقابلها بالإسلام، هي كلمة سلطان يعني، الدولة هي التعاقب مداولة بين.. بين القوى السياسية.

ماهر عبد الله: ما السلطان مشكلته إنه مرتبط في الذهن وفي اللغة بالتسلط.

د. حسن الترابي: بشخص.. بشخص يعني نعم.

ماهر عبد الله: طيب نسمع من الأخ كمال شكري من ألمانيا، أولاً أخ شكري، أخ كمال تفضل.

كمال شكري: تحية لك يا أخ ماهر.

ماهر عبد الله: أهلاً بك تفضل.

كمال شكري: وتحية للدكتور الترابي، الحقيقة أنا عندي مشكلة جامدة جداً مع موضوع السودان، الدين الإسلامي في حد ذاته يا دكتور حسن الترابي يعني العمل، أساس الإسلام هو العمل وليس النوم، نعلم جيداً وأنت تعلم أكثر مني طبعاً، إن أرض الجزيرة في السودان أرض خصبة، النيلين، النيل الأبيض، والنيل الأزرق موجود والسودان تعد من أفقر دول العالم، لماذا لا يعني يتم حزم هذا القرار باستغلال أرض الجزيرة في السودان؟

أقل ما فيها أن يُدعَّم الشعب العربي بالقمح من المحيط للخليج، نحن نقف ونرى أن البترول الموجود في جنوب السودان وشمال السودان أيضاً من الخزائن الموجودة في السودان، ماذا يعمل الإسلام لتحريض الشعب السوداني الشقيق على القوم والعمل وليس الجلوس فقط و..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: أخ.. أخ كمال نقطة جميلة.. نقطة جميلة جداً مشكور، مشكور جداً عليها، وإن شاء الله تسمع من الشيخ تعليق، نسمع من الأخ محمود عبد الكريم من لبنان، أخ محمود تفضل.

محمود عبد الكريم: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام والرحمة.

محمود عبد الكريم: أستاذ ماهر أنا عندي مجموعة أسئلة فقط.

ماهر عبد الله: تفضل.

محمود عبد الكريم: يعني متعلقة بمنهج كما أفهمه منهج الدكتور الترابي وتجربته.

أولاً ألا يجد للدكتور الترابي والأستاذ ماهر أيضاً أن طروحات التوفيق بين مفاهيم الإسلام ومفاهيم الغرب تعيش اليوم مأزقاً، وتعاني من الهزيمة وأن المهزوم اليوم هو ليس المشروع الإسلامي، المهزوم هو فقط مشاريع أنصاف الحلول، ومشاريع الترقيع والتحريف، أما المشروع الإسلامي بحق، وهو مشروع الخلافة أي الكيان التنفيذي لأفكار الإسلام، وهو كيان الأمة الإسلامية، هذا المشروع هو الذي يقفز بنفسه اليوم ويتقدم في فكر الأمة.

سؤالي الثاني المهم للدكتور متعلق بمنهجه: كيف ينظر إلى آحاد النصوص الشرعية؟ نصوص القرآن ونصوص السنة؟ كيف ينظر إلى آحاد النصوص؟ أي إذا قال تعالى افعل، هل المقصود الشرعي أي قصد الشارع هو إيقاع الفعل؟ وإذا قال لا تفعل هل قصد الشارع الكف عن الفعل؟ أم أن هذا شيء يجب تطويره وتغييره ليتوافق مع المقاصد العامة والقيم العامة المهتدية بالحضارات العالمية الإنسانية؟ طبعاً أنا لا أسأل أو أنا أسأل هذا السؤال مستنكراً لهذا المنهج، الذي قرأته عند الترابي، ولكن أريد أن أتأكد من قراءتي، وأعتمد في إجابة الدكتور على جرأته المعهودة.

سؤالي الثالث للدكتور: هذه الطروحات والأفكار العامة الذي يتقدم بها الدكتور والعامة جداً التي يقول بها، أين هي ترجمتها الواقعية في خطوات عملية تلمسها الأمة أو تفتخر بنتاجها؟ حتى ولو كانت خطوطا عريضة؟ يعني نريد خطوطاً عريضة عملية، وليس مجرد تحليلات تاريخية فلسفية خيالية، أفلاطونية، ونقارن أنا أسأل الدكتور يعني عن المقارنة بين هذه الطروحات وبين ما فعله وما يفعله .. تجاربه.

رابعاً: من الذي يعطي الدكتور حسن الترابي أن يعمم تجربته على كل الحركات ومحاولات الأمة الإسلامية، وهل تكون قراءات الدكتور للحياة الغربية مصدراً أو بعض مصدرٍ للمشروع الإسلامي؟

وأخيراً أستاذ ماهر: إذا كان أصحاب المشاريع المهزومة، أنا أعتمد على مقدمة برنامجك الإعلان يعني هزيمة المشروع الإسلامي، إذا كان أصحاب المشاريع المهزومة المعنونة بالتجديد والتطوير والوسطية وشعارات مستحدثة ومبتدعة -وأنا أقصد هذا قصداً فقهياً وأصولياً- بشعارات مستحدثة ومبتدعة -وأقصد المعنى الشرعي للبدعة- مثل الثوابت والمتغيرات، إذا كان هؤلاء يشعرون بالهزيمة فإن أصحاب المشروع الإسلامي النبوي يشعرون ويلمسون تقدمهم نحو النصر، لأن الفارق -أستاذ ماهر والدكتور الترابي- لأن الفارق بين الواثقين وبين المهزومين هو أن المهزومين مقاييسهم مفتونة بالغرب وبقوته وبنظمه، وبالذات بما يزعمونه من آلياته المزعومة، الآليات، وأن الواثقين.. الفرق بينهم وبين الواثقين، أن الواثقين بنصر الله مقاييسهم إيمانية صرفة وتقوم على الاتباع لا الابتداع، وعلى الالتزام بالنصوص وليس زعم أن النصوص الشرعية، عقدة يجب التخلص منها، كما زعم الشيخ راشد الغنوشي وهو يقول أثناء هذا الزعم أنا تلميذ في جيل الترابي أستاذه، وهذا أيضاً نفسه يُفهم من طرح الدكتور حسن الترابي في طروحاته لتجديد الدين وأصول الفقه وأصول (..) وأشكرك شكراً جزيلاً…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طيب، أخ محمود أعتقد أسئلتك يعني مفيدة ومهمة، إن شاء الله تسمع تعليق من الدكتور حسن الترابي عليها، نسمع أخيراً من الأخ حسن نجيلا من الإمارات، الأخ حسن تفضل.

حسين نجيلا: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: وعليكم السلام ورحمة الله.. تفضل.

حسن نجيلا: حمد الله.. حمد الله على سلامة الشيخ، الشيخ حسن الترابي أربعون سنة في العمل السياسي، وحوالي ثلاثون سنة في الأنشطة الفكرية، يُعد.. يعد ويعد الشيخ من المجددين في العصر الحديث، ما هو الجديد؟ما هو قدرة الفكر الإسلامي في مواجهة عصر العولمة الذي انتصر على الإسلام باسم (..).

السؤال الثاني والأخير: لماذا فشل المشروع الحضاري في السودان الذي ترعاه الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ حسن الترابي؟

ماهر عبد الله: شكراً يا أخ حسن، شكراً جزيلاً لك.

د. حسن الترابي: نعم.


الإسلام السياسي ومدى تأثيره على المجتمعات

ماهر عبد الله: سؤال الأخ كمال كان سؤال عملي وواضح وبسيط، السودان من كلامك حتى في تقييم التجربة تفضلت بأن المشكلة كانت التعلم في الإطار السياسي تقريباً والسياسي فقط، ماذا.. كان مشروع الإسلامي في السودان سيخسر لو أنه ركز على العمل وتمتلكون نيلان وتعانون من مجاعة، نيلين..

د. حسن الترابي: أولاً: هذه أيضاً واحدة من علل التراث الإسلامي، المسلمون انحط كسبهم من الطيبات الحياة، لما فتر العمل ولم يعد دوافع الدين تزيدهم على دوافع الكسب الدنيوي -المتاع العاجل- كان ينبغي أن يكون المتاع العاجل أن نضيف إليه دوافع الدين حتى يندفع المسلمون إلى النهضة الاقتصادية عالية، لكن طبعاً وفينا الصوفية الذين آثروا العكوف والزهد في الحياة الدنيا تماماً يعني، و..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: لكن.. لكن ما الذي منعكم أنتم وأنتم أصحاب..

د. حسن الترابي: ما هو المجتمع يا أخي، الحكومة ليست هي التي تصنع الحضارات والزراعة، هذه خرافات، ليست الحكومات هي اللي تصنع الحضارات، تصنعها الشعوب يا أخي، المجتمعات يا أخي، إذا ظننا أنه الحكومات هي اللي تصنع كل شيء، ولذلك تتولى الحكومة ونصنع كل شيء هذا.. هذا وهم.

ماهر عبد الله: طيب إذن ما هو..

د. حسن الترابي: القرآن نفسه إذا قرأته يخاطب الرسول -صلى الله عليه وسلم- حاكماً في بعض الآيات، بقية الآيات إما خاطبه داعية..

ماهر عبد الله: لكن.. لكن.. تسمح لي.

د. حسن الترابي: أو يخاطب الذين آمنوا.

ماهر عبد الله: ماشي، لكن أنت في مقدمة الكتاب تقول بالحرف وأم القضايا اليوم هي قيام الدين السياسي أو بقاؤه محجوراً كله في القبور، إذن ما هي الحكمة من قيام الدين السياسي إذا كانت الدولة في الأخير لن تستطيع أن تقنع الناس بالزراعة؟

د. حسن الترابي: لأ، ما قلنا.. لن تستطيع، لابد من جهد بالغ حتى نطور الفكر والفقه الديني في الناس، ليعلموا أن كسب الحياة الدنيا يقدمهم في الآخرة، فتزداد دوافعهم وعلاقات الحياة من الظلم والربا وهكذا، يعني حتى لا تشتبك العلاقات وتتخاصم وتتساقط لابد أن خُلُق الدين وتقواه، فضلاً عن الأحكام الدينية المعروفة يعني تنضاف إلى التعاقد بينهم والتراضي يعني، فهذا وأنا يؤسفني أن أقول الحركة الإسلامية غالبها لا يمس الاقتصاد في شيء، غالبها لا يمس الاقتصاد في شيء، يعني فإحنا في السودان مثلاً فتحنا أيضاً السودان للهجرة حتى يُقدم علينا المسلمون، قد يكونون يعني بعرفهم أكثر جهداً في العمل ولكن قامت علينا الدنيا لأنها تعتبرهمم كلهم يعني منكرين، ولذلك حُوصر ورضي الذين يحكمون السودان أن يبعدوا هذا ويسدوا.. ويسدوا الباب حتى لا يتجمع المسلمين في مواقع الكسب المفتوح المسخر للبشر لا لأهل السودان وحدهم يعني، الأخ محمود.

ماهر عبد الله: جزئين، سؤاله الأول عن طروحات التوفيق لأن باختصار طروحاتك سمّاها -إذا.. إذا سمح لي أن أعيد صياغة كلامه- ما تدعو إليه وما يدعو إليه الكثيرون هو توفيق بين طروحات إسلامية وطروحات غربية، هذا.. هذه الدعوة التوفيقية هي التي..

د. حسن الترابي: ليست دعوة توفيقية يا أخي الكريم، التجارب الإنسان بعيداً عن الدين بعد أن خلَّى الدين وراءه في الغرب أبعد الكنيسة، لأنها حجبت بينه وبين الله وورطته في خصومات وباركت له الطغيان الزراعي من النبلاء والسياسي من الملوك، بعد أن أبعدهم بدأ ينطلق بتجاربه، الديمقراطية لم تكن هكذا من أول يوم طبقت، بتجاربه بلغ ما كان سبق إليه الدين وهدانا إليه الله لو أننا اهتدينا قبله نكتب الدستور، ولكن كتبوه هم الآن، ما كتبناه من قبل، هيئة انتخابات بين مرشحين بديناها نحن قبل ألف وأربعمائة عام، وهم بدءوها متأخرين، ولكن نحن عطلنا بدلاً من أن ننهض بهذا، وهم.. وهم تقدموا بالفكر الإنساني، أنا لا أوفّق بين آية وبين كسب الغرب، أستفيد من تجاربهم، وأعلم أن هذه التجربة تؤدي إلى سوء فأتقيها يعني، وهذه الآية تؤدي إلى معنى من الدين ولذلك أتخذها ما أعني بتفاصيل وتراتيب وإداريات، الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعني ما هي العملة التي كان يستعملها؟ هل ضربها هو أم جاءته من الخارج يعني؟ الإنسان مر في كثير من الأحيان قد يعمل على.. في عهد أمية حتى أُسلمت لله يعني كتب عليها الاسم يعني، الناس هكذا يفعلون، فأنا لست توفيقياً أصلاً يعني.

أما قضية الخلافة في هذا أنا ما أعرف أصلاً، الخلافة للمسلمين (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) لجماعة المسلمين، ليستخلفنكم لجماعة، فالسلطة في الأرض لأن الملائكة لا تأتي لتطبق القرآن قوةً، المؤمنون هم.. هم شعبا .. هم أصحاب السلطة، هم الذين لا يؤمرون بالمعروف، يأمرون هم، وينهون هم عن المنكر، هم الذين إجماعهم فوق السلطة (إِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ردوه أنتم، حتى مع أولي الأمر (إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) فقولتهم هي العليا الجامعة، ولذلك الناس يعني فأنا لا أعرف الخلافة هي التعاقب فقط، خلافة الليل والنهار، وخلافة دولة بعد دولة، الظروف وهذا لا أفهم لها معنى إلا.. إلا هذا في القرآن (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً)، وهذه الطروحات إن ترجمته الواقعية، الطروحات يا أخي الكريم يعني طبعاً فيه طروحات واقعية في المجتمع في السودان، السودان مشروعه كله لم يكن سياسياً تحررت المرأة في السودان ديناً، ما تحررت نمط غربي يعني، تحررت ديناً يعني، الحمد لله بدأ الفنون والرياضة يغشاها شيء من الدين، ولكنها لم تبلغ مبلغاً.. مبلغاً عالياً.

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: كان عنده سؤال الأخ محمود على آحاد النصوص..

د. حسن الترابي [مستأنفاً]: والعالمية في السودان انفتح السودان لعالمية الأمة تقبل المسلمين ومؤتمرات إسلامية، ما لا يفعله الآخرون يعني لا كرهاً منهم ولكن لأنهم محصورون.. محصورون بالطبع، فالبشرية بعضها اقتصادي بعضها اجتماعي ويتطور ويتقدم، وحتى في السياسي يعني المجاهدات جاءت وضبطت القوات المسلحة من ألا تطبش.. تبطش بالناس وهكذا يعني، فحتى في السياسة دخلت معاني، والآن دخلت معاني الدين السياسي في الناس، ولكن لم تتفصل ولم تتفرع يعني و..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طب وماذا عن سؤاله عن.

د. حسن الترابي [مستأنفاً]: من الذي يعطيني أن أعمم تجربتي .

ماهر عبد الله: تفضل.

د. حسن الترابي: على كل التجارب، الله لا يعطي تجربة نبي من قبل أن يعمم كل التجارب، لكن يقول اقرءوا تجارب الناس وتجارب الضالين والمهتدين يعني لتعتبروا بهم، إن كان خطأ تتعظون به إن كان صواباً تبنون.. تبنون عليه، وأنا أقول فقط لأنه السودان نسبياً حركته الإسلامية تقدمت، دخلت في الاقتصاد مدخلاً في كيف نبدل الربا؟ وكيف التأمينات؟ وكيف العدالة؟ وكيف الزكاة تطبقها الدولة؟ لم تتقدم دولة أخرى غيرها، وكيف نقيم شرعاً إسلامياً، وحكومة إسلامية في دستورها، كيف الانتخابات تجري كما جرى بها المسلمون قبلاً يعني ولا كما جرى بها الغرب يعني، وكيف يتزكى الناس ويترشحون ولا يتنافسون بالدعاية للذات؟ يعني دخلنا في مناطق، لكن بعضها طُبق وبعضها يعني تعسر تطبيقه، فهي ليست تحليلات تاريخية، الكتاب ليس تحليلاً تاريخياً أنا.. أنا.. أنا دستوري وأنا كنت وزيراً أيما قضية إدارية صغيرة في.. في العقارات كيف تُسجَّل، في المحامين، في المهن، في المراجع العام، في المظالم، في أنماط القضايا، في أنماط لوائح المجالس، وكيف تجتمع المجالس .. الانتخابات وكيف تدور، كلها أيما قضية توافي المسلم اليوم في قضايا كيف يحكم نفسه؟ وكيف يسوس الإدارة إلى أدناها، في الكتاب مؤصلها على الدين، هي ليست تحليل لها، ولكن نعتبر بالتاريخ بالطبع.

ماهر عبد الله: طب ماذا.. ماذا في حال اصطدام بعض الطروحات المقاصدية العامة مع ما أسماه الأخ آحاد النصوص الشرعية التي تنص على فعل شيء أو بالكف عن فعل شيء آخر.

د. حسن الترابي: يعني هذه بداهة يعني ما ممكن إذا كان نصاً قطعياً على فعل شيء هو أمر، إذا كان نصاً قطعياً على نهي فهو نهي، وهذا وهذه لا معنى أن أتكلم عنها، أم الكلام عن المهزومين فيعني يعني الحمد لله إحنا ما أظن من المهزومين، لو انهزمنا لطايبنا الذين من قديم يعني، بدءوا تطبيقاً في الشريعة وأساءوا تطبيقه، ولكن سُجنَّا إلى الآن عشر سنوات من حياتنا يعني إن كان يعتبر ذلك انهزاماً يعني هو الأمر له يعني.


العلاقة بين النص والواقع

ماهر عبد الله: طب لو سمحت لي في موضوع النص هذا النص اللي سماه الأخ خصوصيات النصوص وآحادها، من مآسي الفكر الإسلامي في القرن الماضي أننا لم نحسم بعد -في تقديري- قصة العلاقة بين النص والواقع، أيهما الأصل في التعامل، يعني هل الواقع يجب أن يخدم النص، أم النص إنما جاء..

د. حسن الترابي: هو القرآن لم يتنزل كتاباً وأُمرنا أن نطبقه، هو تنزل في ثنايا الواقع بضعاً وعشرين سنة، أليس كذلك؟ وأحاديث الرسول لم تكن خطباً يعني في قضايا، هكذا يشرح لهم تفاريعها، ولكن كان بأحاديثه وبقدوته وبسنته في ثنايا الواقع فنفهمها كيف نزل الواقع وندرك ما هو المثال وإذا تبدل الواقع الباقي يتبدل الآن، كيف ننزل ذات القيم اليوم على مثال فتدوم الحكم ثوابت والصور قد تتبدل في بعض.. في بعض الصور، وقد تتبدل في بعض.. في بعض الأشياء، ويسألني الناس كثيراً ما هو الجديد يعني، يعني يعني لو قرأتم كتابنا.. يعني كتاباً في الجامعة كل الإدارة في البلد، ولكل الحكم الدستوري في أيما بلد، كل القضايا موجودة هنا، ما كان المسلمون من قبل يكتبون، يكتبون معاني عامة عن الشورى والعدالة وهكذا، معاني عامة فقط يعني، لكن أيما قضية مفصلة ومفرعة وكيف نسوسها؟ وكيف ندبرها، وكيف نرتبها؟ هي.. في هذا الكتاب..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طب من لو سألنا من زاوية أخرى.

د. حسن الترابي [مستأنفاً]: من تجربة.. تجربة فرد، لا أقول هو الحق يعني طبعاً، لكن تجربة هكذا يعني نزلنا عليها كل واقع الدين، كل قيم الدين، ونصوص الدين.

ماهر عبد الله: طيب، من زاوية أخرى مناقضة تماماً لهذا المنحى وهو المنحى الذي يريده الأخ محمود، أنه تعميم مفهوم العبادة عند الحركية الإسلامية، بيخلق نوع من اللُبس ما بين العبادة الشعائرية الواجبة مثل الصلاة والصوم والزكاة، والعبادة بمعناها العام أنه عندما كنت وزيرا فأنت تتعبد، عندما تكون رئيساً للجمهورية فأنت تتعبد، هذا التعميم لمفهوم العبادة ألا يضفي شيء من القدسية على مقام المتعبد، بمعنى أن الخارج على ولي الأمر بصيغة من الصيغ خارج على الشريعة؟ وهناك في التأصيل الإسلامي الكثير.

د. حسن الترابي: أولاً: أنا يعني كلمة شريعة نفسها لا أتخذها كما جنح إليها الناس، فصلوا عنها الباطن الذي يعلمه الله، العقيدة عن الشريعة، ثم فصلوا عنها الأخلاق وجعلوها أحكاماً قانونية وكلمة عبادة كذلك لا أستعملها أصلاً، أتكلم عن الشعائر المسنونة فقط، العبادة هنا شكلها مسنون، لا نياتها فقط، شكلها مسنون، العبادات الأخرى شكلها مباح، وثمة ضوابط لحدود حرامه وواجباته فقط وبقية الأشياء للنيات ولاجتهاد المسلمين، والاجتهاد ليس لمجتهد، كل المسلمون يجتهدون وأنا فتحت الاجتهاد وما فتحته أنا، فتحه الله، يتدبرون يتفكرون، ما قال لبعضكم ولا قال نتبع غير سبيل الفقهاء منكم ولا العلماء منكم، كل الناس يجتهدون، بعضهم أعلم من بعض، وبعد.. بعد ذلك يتجمع كل هذه الرؤى، الذي يثق به الناس ويرجحوه ويُجمعون عليه عرفاً أو قراراً هو الذي يحكمنا.

ماهر عبد الله: لكن تسميته..

د. حسن الترابي: الذي يسوح خلافات يسوح بين الناس خيارات للـ.. للمسالك..

ماهر عبد الله: لكن تسميته بالعبادة..

د. حسن الترابي: ولا أرى قدسية هذا أنا.. إحنا أنا ما عندنا شيء اسمه قدسي وشيء غير قدسي، دا.. دا كلام غربي طبعاً، علمانية هذا العالم والعالم الآخر، إحنا عندنا الزمن والأزل موصولان.

ماهر عبد الله: طب سيدي..

د. حسن الترابي: والإنسان يتقدس يتطهر إذا باع بنيات طيبة وبمنهج طيب، ويتقدس إذا صلى.. وهكذا يعني..

ماهر عبد الله: طيب سيدي، الدقيقة الأخيرة لو استقبلت من عمرك ما استدبرت، لو رجع الله بك الآن كم؟ بضعة عشر سنة عاماً إلى الوراء، وهذه التجربة التي خضتها حاضرة في ذهنك، ما هو أبرز ما كنت ستستفيد منه وتتحاشاه في تجربة العشر سنوات الماضية في دقيقة واحدة؟

د. حسن الترابي: أن أصول الدين هو الرضا، لا إكراه في الدين أصلاً، أن.. أن أتخذ القوة مسلكاً للدين هذا خطأ، حتى الجهاد يضاف إليه التقوى دائماً، ولذلك جئنا بالقوة وأهل القوة، هم الذين أفسدوا علينا الأمر كله هو، لأن أصول الدين كلها مع الله تقوم على الرضا، ومع الناس تقوم على التراضي والتعاقد والتعامل، ولكن اتخذنا القوة سبيلاً، لا لأننا كُبتنا يعني، ونريد أن ندفع عن أنفسنا، ولكن ما أدركنا أن في ذلك بلاء في النصر نفسه (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فلابد أن نستغفر الله وندخل القرية سجداً هكذا، ونخشى الله سبحانه وتعالى.

ماهر عبد الله: سيدي، الحديث معك له متعة خاصة وكنا نتمنى أن يتسع الوقت ولكن لابد من نهاية، شكراً جزيلاً لك على حضورك، وشكراً لكم أنتم أيضاً على مشاركاتكم ونعتذر للذين لم نستطع الرد على أسئلتهم وفاكساتهم ومشاركاتهم عبر الإنترنت.

إلى أن نلقاكم الأسبوع القادم، تحية مني، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.