أسعد أبو خليل - زيارة خاصة
زيارة خاصة

أسعد أبو خليل.. النقد السياسي

تستضيف الحلقة أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا أسعد أبو خليل الذي قيد له أن يغير العالم بأفكاره الخارجة عن المألوف.

– نشأة سياسية ومذهب علماني
– الحركات اليسارية والأزمة الطائفية

– المال النفطي والقضية الفلسطينية

– الحريري والتوتر الطائفي

– عقدة الانبهار الأميركي

 

 إلسي أبي عاصي
 إلسي أبي عاصي
أسعد أبو خليل
أسعد أبو خليل

نشأة سياسية ومذهب علماني

إلسي أبي عاصي: يهوى ضيفنا أن يعيش عكس السير ولقد قيد له أن يغير العالم بأفكاره الخارجة عن المألوف لم يتوان لحظة بحسب اعترافه، ناقد سياسي واجتماعي وثقافي عرف باسم العربي الغاضب، إنه أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، أسعد أبو خليل الذي التقيناه خلال إجازة له في بيروت والذي بدأت لقائي معه بسؤاله عن سبب غضبه..

أسعد أبو خليل:

السؤال كيف لا أكون غاضبا، كيف يمكن أن أكون عربياً راضيا ربما لو تحررت فلسطين ربما لو استطاع الفقراء أن ينزعوا الأثرياء من السلطة ربما لو وصلت المرأة إلى مراكز متقدمة في السلطة والمجتمع، قد يزول غضبي، بانتظار ذلك وسأظل غاضباً.

إلسي أبي عاصي:

التصقت تسمية العربي الغاضب بأسعد أبو خليل من خلال وسائل الإعلام الأميركية التي غالباً ما يظهر فيها ناقلا وجهة نظر مختلفة حيال مجريات المنطقة العربية، فقرر أن يستخدم اللقب في مدونة أطلقها في العام 2003 باسم وكالة أنباء العربي الغاضب وكرسها على عادته لكسر النمط السائد في الإعلام، وبينما أخذت المدونة شهرة لم يكن يحسب لها حساب كما يقول، جلبت له أيضا الكثير من المعارضة لأفكاره فأتهم بالانقلاب على مبادئه الماركسية واليسارية وإتباع نهج الهدم.

أسعد أبو خليل:

أنا عندما أسمع من يقول أنه يرحب بالنقد عندما يكون بناءً أشتم رائحة تسلط وظلم وعدوان من قبل أحد ما في الدولة، عندما يقولون بالنقد البناء ماذا يعنون! يعنون أنهم يحددون النقد المباح أو النقد غير المباح، أنا أقول أن للناقد والناقدة حرية تحديد ماهية وأهداف النقد، النقد الهدام هو لا أعمل، لا أسعى إليه، هو جزء من عملية الخلق، لا يمكن أن يكون هناك خلقاً إذا ما كان هناك هدم لكل السلطات الفكرية والاجتماعية والدينية القائمة والتي تعيق تقدم الفرد بالإضافة إلى إعاقة الهدف الأم بالنسبة لي وهو تحرير فلسطين.

إلسي أبي عاصي:

هل هذا النوع من الكتابات، كتابات النقد الهدام، هي التي صنعت شهرة أسعد أبو خليل؟

أسعد أبو خليل:

يجب مسألة الشهرة أن تكون أبعد ما يكون عن هدف أيّ مما يعمل في عمل إعلامي أو كتابة أو فكر أكاديمي، قد تكون شهرتي سلبية أنه يعني أنا أذكر نفسي وأذكر من يحبني أن هناك كثيرون وكثيرات من الذين يكرهونني ويعادون كل ما أقوم به خصوصا في أوساط القليلة من الحكومات المختلفة النفطية بصورة خاصة، قد تكون طبيعة نقدي وحدية مواقفي ضد كل الأنظمة العربية من دون استثناء وضد كل المحاور الإقليمية بالإضافة إلى إصراري الكلاسيكي على أهمية تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر تجعل مني شخصا غير مرغوب به.

إلسي أبي عاصي:

لكن عندما تخالف تُعرف..

أسعد أبو خليل:

هذا نتاج مما أقوم به وليس حافزاً أو دافعاً يعني طبعاً.

إلسي أبي عاصي:

لم تقتصر ردود الفعل على أفكار أسعد أبو خليل على اتهامه بالنقد لحب النقد بل تجاوزتها إلى تهديدات وصلته مباشرة وبالواسطة في لبنان وفي الولايات المتحدة ومن أطراف مختلفة.

أسعد أبو خليل:

منعت عن العودة إلى لبنان في فترة التسعينات بسبب مقالة كتبتها عن السياسة الخارجية السورية وقد تناطح آنذاك الكثير ممن يزعمون اليوم أنهم من الذين انتقدوا فترة حقبة السيطرة فترة النظام السوري، وهم كانوا من المتناطحين للتركيز على أنني خرقت محظورات في تناولي رئيس الجمهورية السوري آنذاك بينما أنا كتبت باللغة الإنجليزية عن السياسة الخارجية السورية، لكنهم هؤلاء متعودون.

إلسي أبي عاصي:

لكن من حماك في هذه الفترة هو رئيس الوزراء اللبناني الذي ..

أسعد أبو خليل:

كان رئيسا لسنتين وأذكره بالاسم.

إلسي أبي عاصي:

سليم الحص.

أسعد أبو خليل: سليم الحص وطلال سلمان هما اللذان ساعداني في مسألة عودتي للبنان في 1992 بعد غيابي سنوات عنه، هما اللذان ساعداني..

إليسي أبي عاصي: هل تعرف قصة التهديد كيف أتي يعني من أبلغك به..

أسعد أبو خليل:

ما حدث أن مجلة الشراع وهي اليوم تزعم أنها متنطحة لمحاربة النفوذ السوري في لبنان هي التي نشرت خبراً وذكرت اسم والدي وكأنها تريد أن تقول لمن يود أن يستهدف هذا الرجل بأنه هذا هو ذا، نشرت خبراً بأن الأمن العام اللبناني منع كتاباً أميركياً وكندياً نشر في اللغة الإنجليزية لأنه تضمن مقالة لي أو دراسة أسيء فيها لرئيس الجمهورية السوري آنذاك، هذا ما ذكرته الشراع وتم تناقل الآمر على ما يبدو في أجهزة الأمن وأوعز لي من قبل من يحبني بأنه عليّ..

إلسي أبي عاصي:

أي الرئيس الحص.

أسعد أبو خليل:

ليس الرئيس الحص، بل امتنع على العودة إلى لبنان في تلك الفترة إلى أن تحسنت الأوضاع على ما قيل ليّ، وتسنى لي بمساعدة سليم الحص وطائفته، بأن أعود إلى لبنان في عهده..

إلسي أبي عاصي:

لماذا فهم مقال في مجلة يتحدث عن منع كتاب، لماذا فهم أنه تهدد شخصي لك؟

أسعد أبو خليل:

لا أدري، لا أدري الملابسات التي أحاطت بالأمر وإن كان هناك أكثر من موضوعين أنا وقعت بالصدفة على الخبر الذي نشر في مجلة الشراع آنذاك وتذكرين أن الأوضاع آنذاك في أول التسعينات كانت لنقل أنها أكثر انقباضا مما كانت عليه في أواخر التسعينات..

إلسي أبي عاصي:

على كلٍ مسألة التهديدات يعني عادت وتكررت بعد الحادي عشر من أيلول.

أسعد أبو خليل:

أنا تلقيت تهديدات كثيرة في أميركا بعد 11 أيلول وهناك من ألصق بالصمغ الصناعي على باب مكتبي صورة كبيرة للعلم الأميركي وذلك استهجانا لمشاعري بأنني معروف عني أنني لا أزهو بجنسيتي الأميركية التي..

إلسي أبي عاصي:

لكن عفوا على أي أساس أتت هذه التهديدات، هددوك بماذا ولماذا؟

أسعد أبو خليل:

التهديدات كانت صريحة بأنهم كانوا يودون تقطيع أجزاء من جسدي وهي ذلك من أوصاف وأذكر بالحسن أن الجامعة التي أعلم فيها، جامعة ولاية كاليفورنيا California city University تعاطفت معي شديد التعاطف كما أن الشرطة في المدينة التي أسكن فيها عرضت عليّ حراسة لمدة 24 ساعة ولكني رفضت الحراسة، كما أن الجامعة تلقت مئات من الاتصالات ممن شهدوني..

إلسي أبي عاصي:

هل عرفت مصدر هذه التهديدات وسببها؟

أسعد أبو خليل:

ما حدث بعد 11 أيلول امتنع عدد من العرب الأميركيين عن الظهور في وسائل الإعلام لأن الأجواء كانت شديدة القسوة ضد كل عربي ومسلم في الولايات المتحدة وأنا وجدت أنه عليّ لزاماً أن أقبل دعوات من التلفزيون الأميركي على اختلاف أنواعه ومصادره حتى اليمين المتطرف مثل Fox News وهي الآن مرتبطة بكثير من وسائل الإعلام العربي على ما أذكر، المملوكة من قبل الصهيوني روبرت مردوخ، ظهرت في وسائل الإعلام الأميركية هذه كانت حظيتي والمشاهدون..

إلسي أبي عاصي:

ماذا كنت تقول يعني ما هي الحجة التي كنت تركز عليها؟

أسعد أبو خليل:

كنت أقول بأنه لا يجب بأن يكون هناك خلط بين أسامة بن لادن والقاعدة، وبين العالم العربي والإسلامي برمته، وكنت أقول أن الولايات المتحدة في قصفها لأفغانستان تقوم بقتل المدنيين والمدنيات، أذكر مرة أنني قطعت عن الهواء لأنني ذكرت المذيع بأنه هناك مدنيون ومدنيات يقتلون في أفغانستان وليس مثبتاً أنهم ينتمون إلى طالبان والقاعدة، قلت ذلك كما قلت لك ببسيط العبارة، فما كان من المذيع إلا وقاطعني وقال أن كلامك هذا يذكرني بكلام أسامة بن لادن، تصوري..

إلسي أبي عاصي:

بدأت رحلة أسعد أبو خليل مع مخالفة النمط السائد منذ أن تعرف إلى القضية الفلسطينية عندما تسربت أجواء الخيبة إلى المنزل عام 1967 فبدأ يسأل ويستطلع مستفيداً من موارد فكرية أمنتها له عائلته الميسورة نسبيا ومتأثرا بوالدٍ كان أمينا عاما لمجلس النواب اللبناني ما قربه من السياسة ونفره من معظم السياسيين، فاصطدم أسعد أبو خليل بواقع لم يعجبه وقرر أن يثور عليه.

أسعد أبو خليل:

أعتقد أنني استفدت من الفروقات غير المألوفة آنذاك حتى في صلة مذهبية أن والدي ينتمي إلى عائلة شيعية من مدينة صور، وأمي تنتمي إلى عائلة سنية من مدينة بيروت، وهذا الأمر مطروح بقوة جداً في أجواء التحريض المذهبي الفئوي الذي اعتدنا عليه منذ اغتيال رفيق الحريري وما قبل اغتياله..

إلسي أبي عاصي:

في حينها لم يكن الموضوع يعني ذا أهمية.

أسعد أبو خليل:

لأ، لم يكن مستعملا في الصورة الفجة التي عمدت إليها العائلة المتنفذة في السياسة اللبنانية في الوقت الحاضر، كان هناك نوع من الفروقات الاجتماعية بالإضافة إلى نوع من العداء ومشاكل ذلك يعني الريف مقابل المدينة وغير ذلك، الوالد كان قريبا جداً من السياسيين لم يكن ينتمي لأيّ من الأحزاب السياسية وكان ينبذ السياسيين وينبذ الأحزاب لاقترابه الشديد منهم يعني كان يأتي للمنزل عادة ويوافيني بتفاصيل عن زعماء كبار في لبنان وعن أشياء كانت غريبة عجيبة من ناحية الرشاوى أو أنه شاهد نائباً وهو ما يزال نائبا رآه يسرق آلة هاتف من مجلس النواب..

إلسي أبي عاصي:

وهو ما يزال نائبا.

أسعد أبو خليل:

أو رأى نائبا آخر سرق آلة تلفون من الحائط وهرب بها.

إلسي أبي عاصي:

إذن قرب الوالد من الطبقة السياسية جعله لا يحب هذه الطبقة.

أسعد أبو خليل:

جعله واعياً إلى مستوى الفساد السافر كتأسيس البنية كما أنه فقد آمالاً تعقد على هذا السياسي أو ذاك، كان له بعض الإعجاب بأفراد من السياسيين الذين لم يتلوثوا بأوصاف القاذورات اللبنانية السياسية، كما أن أجواء المنزل كانت شديدة الاهتمام بأجواء السياسة يعني كان هناك من ناحية والدي ووالدتي النقاشات السياسية المستمرة وتناول ما يجري بالإضافة إلى حصولنا على عدد كبير من المجلات والجرائد بصورة يومية بحكم وظيفته، كما أن والدتي كان لها تأثير من ناحية الاهتمام بالأدب، كان اهتمامها الأدبي فرنسي النزعة لسبب ما وأنا شديد الحظوة به بأننا اهتممنا نحن الأطفال بالأدب العربي، خصوصا المعاصر، الرابطة القلمية وحتى الفكر المصري الحديث وهكذا، كان لهذا تأثير كبير..

إلسي أبي عاصي:

عرفت أنك عندما كنت طفلاً كنت تصلي تصوم، كنت تعتبر نفسك مسلماً.

أسعد أبو خليل:

في سن الثامنة والتاسعة مررت في فترة كنت فيها شديد الورع بالدين وقد يفاجئ ذلك من يعرفني اليوم لأنني شديد العلمانية..

إلسي أبي عاصي:

كيف؟

أسعد أبو خليل:

لا أدرى كيف تم ذلك ولكنني انكبت على الممارسة الدينية لسنة أو أقل، وكنت مواظبا على الصلاة وعلى الصوم حتى والذي دفعني بعيدا عن هذه الأجواء هو أنني لا تذكر والدتي ذلك ولكني أذكر ذلك بوضوح أنني تلقيت التعليم الديني من قبل عائلة والدتي السنية ولكن أذكر ما حدث ووعي لطبيعة الفروقات السنية الشيعية أثرت على أجوائي ودفعتني نحو العلمانية.

إلسي أبي عاصي:

انخرطت في اليسار والماركسية إلى درجة حتى اليوم عندما تصف نفسك بالفوضوي ،قرأت مقالة لك كتبتها منذ فترة قصيرة تصف فيها حتى المدرسة التي ذهبت إليها والجامعة التي ذهبت إليها بالمؤسسات البرجوازية.

أسعد أبو خليل:

أنا شديد العداء للمدارس النخبوية التي درست فيها إن كان في مدرسة لايف سي أو في الجامعة الأميركية في بيروت.

إلسي أبي عاصي:

ألم يعتبر هذا النوع من نكران الجميل؟

أسعد أبو خليل:

لأ، لأني أنا دفعت أقساطي، أو قام الأهل بدفع الأقساط يعني هم استفادوا من النقود وأنا لا أريد أن أقول أنني استفدت، أنا أقول لتلاميذي في أميركا أن التعليم والثقافة هي 80% جهد فردي، و20% يأتي من مقاعد الدراسة، ولكن الفكر الذي احتوى الإرسالية الأجنبية الاستعمارية التي على أساسها تأسست مدرسة لايف سي والجانب السياسي في بيروت، أنا طبعا شديد العداء لها، كما أنني أؤمن بتأمين التعليم على طريقة السويد وعلى طريق ألمانيا وغيرها من الدول في هذا فائدة جمة.

إلسي أبي عاصي:

بفكر استعماري إرسالي تقول عن هذه المؤسسات التربوية وأنت اليوم تعلم في جامعة في الولايات المتحدة، ومعظم الجامعات في الولايات المتحدة تحمل نفس هذه الأفكار.

أسعد أبو خليل:

وعليّ أن أقوم بنقد المؤسسة الفكرية التي تنتمي الجامعة إليها، الجامعة التي أعلم فيها هي جامعة حكومية في ولاية كاليفورنيا كما أنني أقوم بنقد المؤسسة التعليمية في داخل صفوفي.

الحركات اليسارية والأزمة الطائفية

إلسي أبي عاصي:

هناك تحليلات تقول أن حركة اليسار في العالم العربي إلى إندثار هل توافق على ذلك؟

أسعد أبو خليل:

هناك جانب إندثار الحركات اليسارية جراء سقوط الإتحاد السوفيتي، كما أن الأحزاب الشيوعية الكلاسيكية من فئة حزب الشيوعي اللبناني ارتكبت خطأ وخطيئة كبيرة عبر ارتباطها الذيلي بالاتحاد السوفيتي نفسه، مما أثر على وضعها وعلى فكر اليسار عندما اندثر ذلك الاتحاد.

إلسي أبي عاصي:

ما كانت الخيارات آنذاك..

أسعد أبو خليل:

الخيارات هو تكوين وتنشئة فكر شيوعي مستقل عن الإتحاد السوفيتي، مثلا مسألة قضية تحرير فلسطين بدأت مستقلة في تبلور فكرها الماركسي ولكنها تغيرت للأحزاب الشيوعية للأسف الشديد، ارتبطت بعد حين بالإتحاد السوفيتي، هل يعني ذلك أن اليسار مندثر في كل الأماكن؟ أنا أقول عكس ذلك أنا أرى من خلال التواصل مع الشباب والشبيبة في لبنان بأن هناك نوع من الاندفاع اليساري في أوساط شبابية في المدارس والجامعات، ممن أتواصل معهم ومعهن حتى بالولايات المتحدة وعبر الفيس بوك، وذلك يعود بأن هناك من ضاق ذرعاً بالتحريض الطائفي الذي يجري من قبل فريقين كما أن الأحزاب السائدة في الطرفين هي أحزاب طائفية حتى العظم.

إلسي أبي عاصي:

أنت شخصيا لماذا خذلتك الماركسية؟

أسعد أبو خليل:

لأ، أنا خذلتني الماركسية قبل اندثار الإتحاد السوفيتي، لأنني وصلت إلى قناعة بأن النقد الفوضوي الفكري للماركسية اللينينية كان صائبا من حيث أن الماركسية اللينينية تؤدي إلى إنشاء أحزاب سلطوية لا تحرر الطبقة العاملة يعني أنه الماركسية العربية ارتضت أن تكون هي جزءا من لنقولها بصراحة الاستخبارات السوفيتية، وما نجد من وسائط بأن الأحزاب الشيوعية العربية لم تكن مستقلة بأية صورة من الصور، هناك البعض ممن يقولون اليوم بأنه كان يصدر نقداً ديمقراطياً وغير ذلك، لم يكن صحيحاً على الإطلاق، أنه كان هناك إمكانية في أواخر الستينات خصوصا عند صعود الحركة اليسارية الثورية الفلسطينية مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وغير ذلك، أن تحتط لنفسها فكراً مستقلاً ولكنها لم تفعل ذلك..

إلسي أبي عاصي:

هؤلاء الذين تسميهم تقول أنهم كانوا يعملون كمخابرات لدى الجهاز السوفيتي..

أسعد أبو خليل:

لا، لم أقل ذلك عن تجربة جورج حبش أو نايف حواتمة، لكن طبعاً كان هنالك ارتباطات من قبل اليسار العربي بأجهزة الحكم السوفيتي، هذا أمر معروف ولا يحتاج إلى قرار في ذلك، يعني أنا أقول أنه كان يمكن للحركة الشيوعية العربية أن تكون أكثر فقراً بدلا أن تكون أكثر ثراء وأن لا تحتاج إلى هذا الكم الهائل من المساعدات التي كانت تصلها من دون أن يؤثر ذلك على وضعها في المجتمع العربي.

إلسي أبي عاصي:

مؤخراً أسعد أبو خليل، كتبت مقالا بعنوان" أريد طائفة لي" ما الذي حفزك على كتابة هذا المقال؟

أسعد أبو خليل:

هناك جانب شخصي ولم أخض فيه، ولكن كنت أود أن أتصور بديلا نموذجاً في لبنان لا ينتمي إلى هذا الكم من الطوائف المتنازعة يعني أنا كنت أود أن أطرح صورة بديلة لطائفة غير وضد الطوائف، هذه هي المفارقة التي كنت استعملها في هذا العنوان، هناك من قال لي أنت تأخذ بطائفة دون الطوائف، لأ، أنا أطرح طائفة اللا طائفة، طائفة ضد الطوائف.

إلسي أبي عاصي:

ما شكل هذه الطائفة عما يكون طائفة اللا طائفة؟

أسعد أبو خليل:

كنت أود أن أقترح بأن يكون هناك مثالا في لبنان يعتمد على التضاد مع كل الطوائف المتصارعة لا ينتمي إلى مذاهب وإلى أحزاب كما أن هذه الطائفة تقوم باحترام المرأة وتقديرها غير على ما هو قائم في هذا المجتمع الذي يقوم على تشنيع المرأة وابتذالها في الإعلانات وغير ذلك، كما أنني أردت أن أقول بأن الفقراء منسيون ومنسيات في لبنان في الجانبين المتصارعين في لبنان، لا أجد اهتماماً يذكر بمسألة الفقراء والكادحين وغير ذلك، وهناك تصور يتعلق بالوضع الاجتماعي والعدل الاجتماعي ومسألة ترك الحرية للفرد كي يحتط لنفسه ولنفسها نمط معيشة يعني..

إلسي أبي عاصي:

لكن كل هذه الأمور التي تتحدث عنها، ما علاقة الطائفية بها، الفقر، قلة العدل، المرأة، هذه ليست أمور تتعلق بالطائفية؟

أسعد أبو خليل:

لأ، أنا أرى عكس ذلك تماما، الطائفية في لبنان تعطي لرجال الدين من كلا الطرفين سلطة هائلة ونفوذ غير ما هو عليه في كثير من الدول وهذه السلطات الدينية القائمة هي التي تفرض حكراً لتشريع خصوصا في الحياة الشخصية، الذي لا يحترم حقوق المرأة وحق المرأة مثلا في الطلاق وبمسألة الإرث وبمسألة التجنيس وغير ذلك، لهذا مسألة التضاد مع الطائفية هو أمر هام، الأمر الثاني أن الأحزاب الطائفية تنتج فكراً يعكس مصلحة الطائفة، ومصلحة الطائفة تتعارض مع صراع الطبقات يعني عندما تكون الوحدة عند الطائفة تجدين بناء على ذلك أن الغني والفقير في داخل الطائفة يظنان، خطأ طبعا، بأن هناك الكثير مما يجب معهما، أنا أريد أن يكون الجمع والوحدة بناء على الوضع الاجتماعي وليس على الوضع الطائفي.

[فاصل إعلاني]

إلسي أبي عاصي: كثيرة إذن هي مآخذه على اليسار العربي وعلى منظماته وعلى زعمائه ومن بينهم الرجل الذي جسد بالنسبة له في عمر يافع معنى الثورة، أي الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش ومع ذلك يتأثر بشدة لدى الإسلام على ذكر حبش واتذكر لقائه الأول به.

أسعد أبو خليل:

أذكر أنني الرفيق لن أذكر اسمه لنسميه عزيز، طرق بابي في ساعة متأخرة من الليل وقال لي أن هنالك من يريد أن يراك وذهبت خلفه على دراجته النارية إلى شقة لم أنساها ما حييت في شارع الحمراء متفرع من شارع الحمراء بالأحرى، وفتح الباب ورأيت جورج حبش العظيم..

إلسي أبي عاصي:

كم كان عمرك؟

أسعد أبو خليل:

كان عمري ثمانية عشرة سنة، أو سبعة عشرة سنة..

إلسي أبي عاصي:

هل ذهبتما بلا هدف إليه؟

أسعد أبو خليل:

لأ، هو كان مرتبطا عائليا، لم يكن ليسر لي بأنه كان ذا علاقة عائلية مع عائلة جورج حبش وزوجته، وكان هناك أمر ما أراد أن يطرحه معي الذي حدث أنني كنت من أنصار عزل حزب الكتائب اللبنانية في مدرسة اللايف سي، وكان هناك معرض الكتاب وكان أن تناطحت مع مناصر لحزب الكتائب ممن أراد أن ينشر معارضته لذلك الحزب في خضم الحرب الأهلية اللبنانية وقلت له بأنني لا أسمح بهذا لأنني مصر على عزل حزب الكتائب ومن أنا بس، كنت أرى بنفسي مولاً بتولي الشؤون المعيشية يعني من ناحية السياسة فحدث تصادماً وما حدث أن والد هذا التلميذ كان طبيب أسنان لجورج حبش، فجورج حبش طرح الأمر برفق شديد معي وقال أنه ربما عليّ أن أتروى في الأمر، وأذكر بغرور الصبا أنني أجبت هذا الثوري العظيم الذي كان يشغل العالم آنذاك بأن بأمور الثورة ليس هناك من وساطة وأن التلميذ المذكور هو انعزالي فأجابني برفق شديد: لأ أعتقد أنه ليس وطنيا وليس انعزاليا أو كلام من هذا النوع، ولكنني كنت حازماً عندما كنت أذكر هذا أشعر بخجل شديد.

إلسي أبي عاصي:

يعني كنت ملكياً أكثر من الملك كما يقال؟

أسعد أبو خليل:

هذا الرجل ذو تجربة نضالية تاريخية وأنا تلميذ بمدرسة نخبوية سمجة، يعني بديت وكأنني أعظه، عندما أتذكر ذلك تحمر وجنتاي.

إلسي أبي عاصي:

كان ذلك اللقاء الأول ومن بعدها بقيت على هذه المحبة لجورج حبش لكنك لم تقصر في انتقاده وفي انتقاد الجبهة الشعبية ما يلاحظ من انتقاداتك لهما في أنك في الحقيقة لم تنتقد الجوهر يعني كل ما انتقدته وربما كان السبب في ابتعادك عن الجبهة هو لا يعود إلى الجوهر لا يعود إلى أساس القضية؟

أسعد أبو خليل:

حتى الجوهر انتقدت كثيراً من الجوهر والعقيدة حتى وقد كتبت دراسة بالإنجليزية وقد قرأها جورج حبش قبل وفاته وفيها نقد صارم لتجربة الجبهة من ناحية عدم طرح فكر ما مستقل عن الاتحاد السوفييتي، ثانياً عدم تكليف فكر محاربة الأنظمة الرجعية بصورة كافية، ثالثاً الارتباط بأنظمة سمتها الجبهة عن خطأ برأيي تقدمية وارتبطت بها مالياً مما أساء إلى سياسة وفعالية الجبهة من ناحية أنظمة ليبيا أو العراق أو سوريا أو غيرها من الأنظمة، هذه أخطاء تاريخية، رابعاً البنية التنظيمية للثورات الشعبية لم تكن مبنية على أسسٍ ديمقراطية وإنما كانت تخضع مثل كل أحزاب الشيوعية لأوامر من فوق.

إلسي أبي عاصي:

ما كان تعليق جورج حبش على هذه الرسالة؟

أسعد أبو خليل: في مقابلتي الأخيرة له وكان هناك حديث عن مشروع كتابة سيرة له مشتركة بيني وبينه، أنا حذرت بسبب وضعه الشخصي من قبل مستشاريه بأن عليّ أن لا أكثر عليه هذه المرة ولكنني لا أستطيع أن أفعل ذلك شاركت في هذه الانتقادات وكان رحب الصدر جداً وقال لي بأن هذا صحيح هذه الانتقادات وأضاف شيئاً أزعجني جداً شعرت وكأنه سلم الأمر لحركات إسلامية، قال لي نحن فشلنا هذا زمن حماس وحزب الله، هنا استنكفت عن الرد لأني كنت لاحظت أنه يبدو عاطفياً جداً.

إلسي أبي عاصي:

هذا كان في أي سنة؟

أسعد أبو خليل: هذا لا أذكر بالتحديد، كان في 2002، 2003 قبل حرب تموز.

إلسي أبي عاصي:

جورج حبش اعترف لك بالفشل، بفشل الحركات، اليسار..

أسعد أبو خليل: قال لي ذلك، وأذكر أن المسؤول العسكري للحركات الشعبية أبو أحمد فؤاد كان موجوداً في هذا اللقاء وسمع ذلك.

إلسي أبي عاصي:

أنت اعتبرت أيضاً أن مال النفط أو المال عموماً لوث القضية الفلسطينية.

أسعد أبو خليل: طبعاً وأنا كتبت مقالة تمنيت فيها لو ينضب النفط العربي وتخيلت مجتمعاً قريب من المثالية وقد أكون شطبت في ذلك في تصوري طبيعة المجتمع العربي عندما تصورت أنه هناك حريات اجتماعية وحرية للمرأة وأن هناك تيارات سياسية وحرية صحافة، كيف تكون هناك حرية صحافة والإعلام العربي مملوك في أكثر من 90% منه من قبل عائلة واحدة مع حلفائها، طيب هذا أين يعود النفط، لو كانت هذه العائلة تتنعم بالتمر لكنا نتنعم بقدرٍ كبير من الديمقراطية وأنا أحلم بأن نعود إلى زمن التمر بدل النفط.

المال النفطي والقضية الفلسطينية

إلسي أبي عاصي:

لكن مال النفط الذي أعطيّ أو استثمر في القضية الفلسطينية أعطى سلاح أعطى قدرة على النهوض والمقاومة، كيف تقول أنه أفسد؟

أسعد أبو خليل: المال النفطي دخل إلى المنظمات الفلسطينية ليفسدها وليزيد من تنفذ الفريق المهادن مع إسرائيل على حساب غيره، اثنين المال النفطي دخل إلى النظام السياسي العربي من أجل تغليب الفريق الأكثر رجعية ومن أجل وضعية على الفريق الأكثر تقدمية، لننظر إلى تاريخ النفط السعودي في حرب اليمن الأولى والثانية التي شهدناها اليوم ، الأمر الثالث المال النفطي استعمل من أجل خدمة المصالح الأميركية حول العالم في الحرب الباردة ألا يعلم القارئ والقارئة في العالم العربي أن السعودية أنفقت في حرب أفغانستان أكثر بكثير خدمةً لأميركا أكثر بكثير مما أنفقت على القضية الفلسطينية .

إلسي أبي عاصي:

كتاباتك توحي كثيراً ما توحي على الأقل بأن لديك مشكلة مع من يملكون المال.

أسعد أبو خليل: أنا لدي أصدقاء من أصحاب الأموال ولكن أنا ضد الرأسمالية بالمطلق، أنا لا زلت على قناعاتي الاشتراكية ومع جملة من الإصلاحات التي تضمنها البيان الشيوعي في 1842 لماركس وإنجلز من ناحية منع الإرث والضريبة التصاعدية بالحد الأدنى هذه الإصلاحات هي المطلوبة، كما أنني ما أراه في لبنان هو أن النظام الديمقراطي في ظل الرأسمالية لا يعني تصارعاً بين أفكار وإنما تصارعاً بين صاحب مليارات وآخر.

الحريري والتوتر الطائفي

إلسي أبي عاصي:

هل من هذا المنطلق أسعد أبو خليل أنت معارض جداً لمشروع رفيق الحريري في لبنان؟

أسعد أبو خليل: هذا سبب من عدة أسباب، رفيق الحريري عاد إلى البنان مستعيناً بثلاث آفاتٍ داهمة على لبنان، استعمل التحريض المذهبي بصورةٍ لم يسبق لها مثيل خصوصاً في انتخابات 2000، ثانياً هو عاد إلى لبنان بإفسادٍ لم يسبق له، أنه كان هناك رشوة في لبنان ولكن رشوة المؤسسات الرسمية والدينية أمر جديد أتى به رفيق الحريري إلى لبنان، الأمر الثالث هو الاستعانة بالتدخل الخارجي لتغليب فريقه على فريقٍ آخر، ولكن استعان بالحزب السوري في بدايته وفي آخر حكمه كان يغير مستعيناً بالحكم الفرنسي الأميركي والنظام العربي.

إلسي أبي عاصي:

مؤيدو رفيق الحريري قد يردون على هذا الكلام بالقول، الرجل أتى ومعه المال فلما كان يحتاج إلى الفساد، هو علم أكثر من 35 ألف طالب في الجامعات وفي المدارس، هو رجل طبيعي كان له علاقات مع الدول الأجنبية والعربية، ولكن من في لبنان يسألون لم تكن له علاقات ولم يبنِ هذه العلاقات ليستخدمها في الداخل.

أسعد أبو خليل: أمران، الأمر الأول أنني من شديد العداء للرأسمالية لدرجة أنني أشك في كل مشاعر الخير يأتي من صاحب المليارات تكون توجهاته سياسية، الأمر الثاني أنه أتى إلى لبنان بثروةٍ تقدر بمبلغٍ من المال وعندما توفي قدرت مجلة فوكس ثروته ويبدو أنها تضاعفت أكثر من مرتين أو ثلاثة وليس هناك من يحاسب هذا الأمر في لبنان، الأمر الثالث صحيح أنا معك هناك استعانة بتدخل خارجي في التاريخ السياسي المعاصر للبنان ولكن هذه الاستعانة أدت إلى تدمير لبنان كما أن رفيق الحريري كان نابولي طموحاً لم يكن فقط يريد أن يكون متنفذاً في لبنان، في آخر سنواته كان يريد أن يمتد نفوذه إلى سوريا، كان له علاقات مع إياد علاوي كان مشاركاً مع محمود عباس ودحلان، وتشارك في وضع مخطوطة الدستور الفلسطيني على ما قرأنا.

إلسي أبي عاصي:

ولكن ما العيب في ذلك، هو رجل سياسي ويريد أن يوسع سلطته، هل هذا عيب الطموح في هذا المجال؟

أسعد أبو خليل: طبعاً عيب، الحكم على النتائج ماذا فعل رفيق الحريري في لبنان حتى لا أقول في لبنان ماذا فعل بلبنان، واحد رسخ الانقسامات المذهبية في حياته ومماته إلى درجةٍ لم يكن لها أي سابقة في هذا التاريخ.

إلسي أبي عاصي:

أنت ذكرت في بداية الحديث أن هذا الموضوع الطائفي والمذهبي كان موجود منذ نشأة لبنان.

أسعد أبو خليل: لدرجة التذابح والتقاتل والصراحة في العداء الطائفي المذهبي، هذا أمر جديد على الأقل في عهدي أنا، الأمر الثالث أن رفيق الحريري، استعان بالأموال من أجل تكريس عبادة الفرد بصورةٍ لم أرها إلا في حكم أنور خوجا ألبانيا وكيم إل سونج في شمال كوريا، هذه الأسطورية عن رفيق الحريري في لبنان تقترب من الأفلام الأسطورية يعني.

إلسي أبي عاصي:

لكن حصلت بعد.

أسعد أبو خليل: بدأ برسم معالمها في حياته وورثته استمروا عليها وزادوها زيادة بعد وفاته، هذه التماثيل وهذه الصور، هذا أمر معيب لهذا البلد، كيف يدعي الديمقراطية من ناحية ويشبه الصفات الإلهية على هذا الرجل الذي كان على أقل تقدير شديدة الضرر بمصلحة هذا البلد حتى لا أقول بمصلحة دول مجاورة، رابعاً رفيق الحريري ساهم في مسألة الإحباط المسيحي أي أنه اختار نفسه سلطة قرار اختيار من يريد أن يمثل من المسيحيين أو غيره من الطوائف، هو فعل ذلك بصورة واليوم يريدون أن نصدق بأنه كان مثال للتعايش الاتحاد بين الطوائف، لا أصدق كل هذا الكلام.

إلسي أبي عاصي:

ولكن هناك عدة تناقضات في حديثك كأنك تدافع عن حقوق المسيحيين وأنت أصلاً علماني .

أسعد أبو خليل: يجب أن لا أتحدث ولا أقول أنه المفارقة في أنه فريق الحريري اليوم يتحدث عنه وكأنه كان مناصراً لفريق من المحبطين طائفيا، بينما هو في الواقع كرس هذه الانقسامات والإحباطات الطائفية كما أن هناك أمر آخر مسألة الفقر والإفقار في لبنان، مسألة النظام الاقتصادي المعمول به، مسألة رفع أي من الضوابط على أصحاب المليارات في امتلاك المزيد من المليارات على حساب الشعب، خصخصة لا مثيل لها في أي دولةٍ من العالم حتى عتاة الرأسمالية في أميركا، كل هذه الأمور مسؤول عنها مشروع الحريري، ماذا أقول عن مشروعٍ أتى برعايةٍ من أكثر الأنظمة في العالم تسلطاً.

إلسي أبي عاصي:

كل كتاباتك عن رفيق الحريري انتقدته بشكل لاذع جداً، كيف كان وقع هذه الكتابات، هل شعرت أن هناك تمنيات، هل تلقيت تمنيات من عائلاته، من الناس المحيطين به أن تخفف اللهجة قليلاً مثلاً؟

أسعد أبو خليل: لا لم يصلني أي شيء، لم أسمع من قبلهم أي شيء، نشرت نقداً له من قبل في السفير لكنني بدأت الكتابة الدورية في الأخبار بعد وفاته وهنا كرست جهداً أكبر لنقض مشاعر الحريري، خصوصاً وأنني كنت شديد الاشمئزاز لطريقة الدعاية السياسية المعمول بها بعد وفاته، المعمول بها من قبل الإدارة الأميركية ومن أجل تحضير لبنان لارتباط مع إسرائيل، هذا.

إلسي أبي عاصي:

لكن أن يتحمل هؤلاء مشروع رفيق الحريري السياسي أن يتحمل بعد مماته وهو كان في الحكم وفي السلطة ومازال، يتحمل كتابات مثل كتابات أسعد أبو خليل، ألا يكسبه ذلك نقطة على حسابك؟

أسعد أبو خليل: الزعماء الطائفيون في لبنان يتحملون نقداً على مضض لأن التصارع الطائفي يعطي في لبنان جواً من الحرية غير معهود بها في الدول المجاورة، لا أحتاج لجميلٍ من أحد في هذا، هذه طبيعة النظام الطائفي أن هذا الزعيم يتحمل على مضض نقدا ما لأنه هناك زعيم آخر عليه أن يتحمل نقدا ما، هذه طبيعة في المجتمع اللبناني.

إلسي أبي عاصي:

أسعد أبو خليل الذي التصق بالقضية الفلسطينية وباليسار في فترة الحرب الباردة، الشاب الذي كان يرفض حتى التحدث باللغة الإنجليزية في الجامعة الأميركية في بيروت، فجأةً قرر في العام 1983 الذهاب إلى الولايات المتحدة التي يعيش فيها حتى اليوم، فكيف قرر الذهاب إلى أميركا وهل كل من يحمل جواز سفرٍ أميركي يصبح أميركياً.

أسعد أبو خليل: يعني لم أقل كثير التشكيك بالقرار، ، كان هناك احتمال بأن أقوم بدورة ثورية مكثفة في كوبا لمدة ثلاث سنوات وفكرت في الأمر و درسته عن كثب، ولكن الإحباط الذي أصبت به انفجرت اليسار من الداخل أثرت علي كثيراً ولا تزال من دون أن تكون تصيبني بأي فشل من تاريخي اليساري ومن ناحيةٍ ثانية وقعت في الجامعة الأميركية على مادة العلوم السياسية التي وجدت فيها ما يشغل همي وما يثيرني وانكببت على دراسة العلوم السياسية وأكملت الماجستير وأشار علي أساتذتي المشرفون والمشرفات بأن أقوم بالإكمال في شهادة الدكتوراه وهيّ غير متوفرة في لبنان، في الولايات المتحدة وكنت أود أن أدرس تحت إشراف أستاذين معينين حنا بطاطو ومايكل هدسون، وتسنى لي ذلك فقررت وعلي أن أذكر أنه حدث ذلك في عام 1983 في فترةٍ نفسيةٍ صعبة بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في فترة حكم أمين الجميل الظالمة المدلهمة القاسية، من أفسد تجارب الحكم في لبنان قاطبةً، من رئيس أعد اتفاقية 17 أيار الذليلة، في هذه الأجواء لم تكن الغربة في أميركا بنفس البشاعة التي كان يمكن لها أن تكون في عام 75.

إلسي أبي عاصي:

لكن عندما قررت الذهاب إلى أميركا ألم تسأل نفسك هذا الموضوع ألا ينقض قناعات أسعد أبو خليل، ألا ينقض.

أسعد أبو خليل: يتوقف إذا كان هذا التحول الجغرافي أثر على قناعاتي، هل هناك من دليل في كل ما كتبه بالإنجليزية أو بالعربية بأن هذا الرجل قد أثر في غربته الأميركية بالأجواء السياسية القائمة، الجواب ملك القراء والقارئات.

عقدة الانبهار الأميركي

إلسي أبي عاصي:

إذن الشاب الماركسي عندما يذهب أول مرة على ما أعتقد كانت أول مرة تذهب فيها إلى أميركا، كيف وجدت الولايات المتحدة، هل أبهرتك، هل وجدتها بعيدة عن نظرتك إليها من بعيد.

أسعد أبو خليل: لم تبهرني، ولكن وجدت أن النظام السياسي الأميركي والإعلام أكثر فساداً مما ظننت من قبل، أنا أعترف في ذلك أنه عندما تذهبين إلى أميركا وتدرسين السياسة في أميركا والمجتمع والإعلام كما فعلت، تجدين أن المزاعم الأميركية عن نفسها هي دعائية، حتى لما كنا يساريين كنا نصدق بعض المزاعم الديمقراطية عن أميركا، الأمر الثاني أنني وجدت أن الشعب الأميركي ليس مصاب بنزعة الشر كما كنا نظن، ولكنه مصاب بجهل مطبق بشؤون السياسة العامة والجغرافيا وبناءاً عليه هو جهل الطواعية من ناحية اللوبي الصهيوني أو الإدارة الأميركية مهما كانت هذه الإدارة الأميركية ولكنني وجدت لشدة سروري بأن هناك كثير من الأميركيات والأميركيين ممن لهم رغبة في التعاطف مع قضايا الشعوب المسحوقة وقضية فلسطين، لهذا ليس لدي صورة نمطية عن المجتمع الأميركي، كما أن طبيعة الارتباط الأميركي العضو بإسرائيل أكثر تعقيداً مما ظننا خصوصاً وأن التحليل السطحي الذي يعزو كل مصائب السياسة الأميركية الخارجية للوبي يزيد من سوء فهمنا لطبيعة السياسة الأميركية الخارجية.

إلسي أبي عاصي:

هذا التحليل العربي.

أسعد أبو خليل: التحليل العربي، أي نعم.

إلسي أبي عاصي:

لو تصححه لنا.

أسعد أبو خليل: وجدت أنه ليس صحيحاً أن الطامة الكبرى هي في اللوبي الصهيوني، اللوبي الصهيوني شرير وله نفوذ هائل في الكونغرس الأميركي وله خيوط أخطبوطية في الإعلام، هذا أمر صحيح ولكننا دائماً نستعين بدراسات الأميركيين مثل تلك الدراسة لوود وجوش هايمر اللذان قالا بأن اللوبي الصهيوني هو يؤثر على كل شيء الخارجية للدول، أنا أقول لا، هناك آفات للسياسية الخارجية الأميركية تنبع من المصالح الاقتصادية والسياسية بحد ذاتها، عندما نقول بأن كل المشكلة في اللوبي أو في بعض اليهود المتمثلين كما كان ياسر عرفات يقول، ليس أن هذه هي دولة إمبراطورية امبريالية لها مصالحها وليس بريئة في العالم ولا تنقاد على ضلال من قبل قرار إسرائيلي، العكس من ذلك أميركا تفعل ما تفعل من احتلال وقصف وتدمير.

إلسي أبي عاصي:

عن قناعة.

أسعد أبو خليل: عن قناعة وعن مصلحة كل هذا، جمهورية وديمقراطية يعني، أنا من اللذين واللواتي لم يتفاجئن بأن إدارة أوباما تقتفي آثار إدارة بوش مثلاً.

إلسي أبي عاصي:

لكنك تفاجئت، قلت في إحدى المقالات تفاجئت عندما ذهبت إلى أميركا ووجدت أن معظم العرب الذين التقيتهم كانوا يحاولون أن يشددوا على جنسيتهم الأميركية وكأنهم يريدون أن ينكروا أنهم عرب.

أسعد أبو خليل: بعضهم حسن، بعضهم كان حسن النية، البعض كان يريد إيصال فكرةٍ عن القضية الفلسطينية الشعب الأميركي وأن يذكرهم بأنه هو أو هي من أصحاب الجنسية الأميركية، هناك من اللبنانيين خاصة ممن كانوا يريدون أن يطلقوا ما له شباب الشرق الأوسط كي يظهرون بأنهم أميركيون وأميركيات فقط.

إلسي أبي عاصي:

طيب أنت فعلاً تحمل الجنسية الأميركية أسعد أبو خليل، كيف تتعاطى مع هذا الموضوع، هل تقول، هل تعرف عن نفسك بأنك أميركي.

أسعد أبو خليل: قانونياً أحمل الجنسية الأميركية وأقول للشعب العربي أنه من مأساتنا أن هذا Passport الأميركي سهل علي السفر في الشرق الأوسط أكثر من أي Passport عربي، هذا دليل على هذا الواقع العربي الذي يكرم الرجل الأبيض أكثر مما يكرم أخيه وأخته في هذا العالم العربي.

إلسي أبي عاصي:

هل أنت فخور بأنك لبناني؟

أسعد أبو خليل: لا، أنا لا أعتبر نفسي لبنانيا، أنا أعتبر نفسي ولدت صدفةً في لبنان وأرى أن الوطنية اللبنانية هي تشكل خطورة في تاريخها وحاضرها وتحمل مشروعاً منذ إنشائها لا يختلف عن خطورة المشروع الكتائبي، الوطنية اللبنانية هي الـ Show لعقيدة حزب الكتائب بناء على ذلك لا أنتمي إلى هذه الوطنية اللبنانية ولن أنتمي إليها يوماً قط.

إلسي أبي عاصي:

لماذا أنت تربط الوطنية بشعار حزب واحد على الساحة اللبنانية؟

أسعد أبو خليل: لأنه أرى أن اتفاق الطائف نجح في تشريب العقيدة الكتائبية في داخل العقيدة الجديدة لاتفاقية ودستور الطائف.

إلسي أبي عاصي:

هل صحيح أنك تعتبر أن لبنان مشروع مفلس سياسياً وفكرياً؟

أسعد أبو خليل: طبعاً أنا ضد وجود لبنان وكيان، أنا أعتقد أن الكيان اللبناني والكيان الأردني وجدا بنية المستعمر من أجل إعداد ظهير للكيان الصهيوني في فلسطين، أنا أعتقد أن وجود الكيان اللبناني كان مترابطاً وإنشائه بالروح الوطنية، مترابطاً مع وعد بلفور وقد دخل ذلك في فذلكة عصبة الأمم، التي رأت إنشاء الانتداب الفرنسي والانتداب البريطاني على أرض فلسطين.

إلسي أبي عاصي:

لكن هذا كلام الذي تقوله خطير بناءاً على ماذا أنت؟

أسعد أبو خليل: أنا أعتقد أن المستقبل يجب أن يغيب هذا الكيان في إطارٍ فسيح أوسع منه وحبذا لو يتم ذلك بعد أن تتحرر فلسطين، لا يجب أن يكون هناك.

إلسي أبي عاصي:

في أي كيان، عفواً، لنبدأ نقطة، نقطة فيما تحدثت عنه، قلت أولاً أن لبنان هو مشروع ظهير لإسرائيل بناءاً على وعد بلفور، من أين، ما هي المعلومة التي تبني عليها هذا التحليل.

أسعد أبو خليل: أكثر من معلومة لو نترصد تاريخ هذا الكيان لوجدنا أن الارتباط الصهيوني بزعامات لبنانية في داخل المؤسسة السياسية والنظام في لبنان هي تاريخية، هناك وثائق نشرت في إسرائيل تتحدث عن دعم إسرائيلي لحزب الكتائب في الانتخابات منذ الخمسينات.

إلسي أبي عاصي:

طيب هذا دعم لحزب واحد.

أسعد أبو خليل: بالإضافة إلى أنه المطران مبارك، بالإضافة إلى اميل إده ترابطوا وأدلوا بشهادات أمام لجنة الأمم المتحدة دفاعاً عن حق اليهود في أرض فلسطين خلافاً لمصلحة أو حق السكان الأصليين.

إلسي أبي عاصي:

اليوم هل ما زلت تعتبر أن هذه النظرة إلى لبنان كما وصفتها مازالت قائمة؟

أسعد أبو خليل: عندما أسمع أن هناك أكثر من 85 جاسوساً لإسرائيل قد اعتقلوا في غضون سنتين، هذا يفتح تساؤلاتٍ كثيرة.

إلسي أبي عاصي:

85 جاسوس من أصل أربعة ملايين لبناني.

أسعد أبو خليل: طيب، هؤلاء ألقي القبض عليهم بالإضافة إلى ذلك لم يكن هناك حقبة في تاريخ لبنان لم تكن فيها هناك حزب أو عصبة أو رابطة شريكة أو مترابطة أو متعاملة مع العدو الإسرائيلي والحرب اللبنانية أظهرت ذلك بصورةٍ فجة، كل ذلك أنا أراه غير عفوي، بالإضافية هناك أمر أخر لماذا تمنع هذا الكيان عن المشاركة في أي حرب مع إسرائيل، لم يكن هذا عفوياً، هذا الكيان أنشئ كي لا يكون مزعجاً لإسرائيل عندما تولد .

إلسي أبي عاصي:

طيب هذا السابق إذا سلمنا جدلاً بهذه النظرية ربما هذا في السابق ولكن منذ قيام المقاومة في لبنان حزب الله، هل مازلت ترى أن هذه النظرية التي تتحدث عنها صائبة وفالحة في لبنان؟

أسعد أبو خليل: صائبة أكثر حتى لأن المقاومة في لبنان أنشأت حتى قبل إنشاء حزب الله من قبل الأحزاب اليسارية في عام 72، حزب العمل الاشتراكي العربي ومنظمة العمل الشيوعي والنظام الشيوعي اللبناني بالإضافة إلى من قام بذلك من قبل ذلك من الفلسطينيين واللبنانيين ولكن أنه لبنان لم يكن متفقاً أو مجمعاً على أمرٍ منذ إنشائه، كان هناك مساران متسارعان، كان هناك مسار التصالح والتحالف مع إسرائيل يتمثل في مؤسسات جزء مش كل يعني، جزء بالبالة اللبنانية وجزء في المؤسسة الدينية وأحزاب سياسية وكان هناك يتسارع مع هذا الاتجاه، اتجاه مقاوم لهذا الاتجاه، تجربة حزب الله الفذة في الصراع مع إسرائيل لم تكن تحظى بإجماع لبناني بأي صورةٍ من الصور، على عكس ذلك، أتساؤل أنا لماذا يمنع على الجيش اللبناني الذي غير عقيدته بأن يتسلح بما يحميه من الدولة التي لم تتوقف عن تهديده منذ أن وجدت هذه الدولة.

إلسي أبي عاصي:

ولكن هذا يمنع عليه كما يقال في لبنان ليس بقرار لبناني إنما بقرار غربي، بقرار من يملكون هذا السلاح لتسليحهم.

أسعد أبو خليل: هذا هو الجواب، لماذا لا يقوم أي مسؤول في هذه الدولة بمصارحة الشعب اللبناني بالقول بأن هناك قرارا غربيا أميركيا وإسرائيليا يمنع علينا اقتناء الأسلحة الضرورية.

إلسي أبي عاصي:

هكذا هو إذن أسعد أبو خليل معارض ومخالف وسائر، لكن إلى أين وإلى متى، أسعد أبو خليل يريد أن يغير العالم.

أسعد أبو خليل: على أقل تقدير، على أقل تقدير أطمح إلى أكثر من ذلك.