زيارة خاصة

أحمد شوقي الفنجري.. نضال طبيب في غزة

لم يكن يعلم أن أولى مهامه ستكون بين الدماء والدموع، اعتقل وكاد أن يلقى حتفه في مجزرة جماعية وكان الناجي الوحيد من قصف مستشفى في خان يونس، اكتشف محاولة إسرائيلية لنشر وباء الجدري بين الفلسطينيين.

مقدم الحلقة:

سامي كليب

ضيف الحلقة:

أحمد شوقي الفنجري: طبيب مصري

تاريخ الحلقة:

02/04/2004

– دماء وأشلاء
– ساحات الاعتقال

– المقابر الجماعية

– الصور وذكريات المعتقل

– حرب الأوبئة

– من الدماء إلى ألوان اللغات


undefinedسامي كليب: مرحبا بكم أعزائي المشاهدين إلى حلقة جديدة من برنامج زيارة خاصة، لم يكن يعلم ضيفنا في أواسط الخمسينات حين كان يدرس الطب في كندا وأميركا أن أولى مهامه ستكون بين الدماء والأشلاء والجثث والدموع هذا كان حاله في غزة ثم في خان يونس آنذاك ومن هناك يقول إنه اكتشف أن إسرائيل حاولت أن تدس جرثومة الجدري بين الفلسطينيين ضيفنا هو الدكتور المصري أحمد شوقي الفنجري، كان أحمد شوقي الفنجري يدرس الطب حين ذهب في المرة الأولى لنجدة الفلسطينيين وهو تخرج من كلية الطب في القصر العيني عام 1952 ثم تابع دراسته في كندا وأميركا، ونظرا لقلة الأطباء العرب في أوائل الخمسينيات فإنه وجد نفسه بعد سنوات قليلة يتنقل بين الطب الوقائي والعمليات الجراحية التي كان عام 1956 قد أتقنها لكثرة ما رأى من دماء وأجساد ممزقة في غزة، وفي غزة شاهد للمرة الأولى القتل في أسواق المدينة وفيها وفي خان يونس عاش تجارب القتل والدم والخوف والأسر والاعتقال، تجارب يحاول اليوم هنا في منزله الهادئ في القاهرة أن ينسى آثارها التي بقيت تقد مضجعه لسنوات طويلة وهذه مثلا أولى رواياته حين ذهب إلى غزة


إسرائيل حاولت أن تدس جرثومة الجدري بين الفلسطينيين

عام 1953.


دماء وأشلاء

أحمد شوقي الفنجري- طبيب مصري: في أحد الأيام أنا سمعت انفجار وأنا في غزة وكنت في بيتي وسمعت انفجار فنزلت في الشارع أشوف إذا كان فيه حالة عاوزة إسعاف أو أي شيء وصريخ فوجدت إنهم عملوا قذيفة بمدفع الهاون، القذيفة دي نزلت في مكان معين في شارع فأصابت بعض الأطفال اللي كانوا بيلعبوا وتجمع الأهالي ينقذوا وبعدين بعد شوية ضربوا القذيفة الثانية بعد عشر دقائق من القذيفة الأولى وفي نفس المكان بحيث..

سامي كليب: حتى يكون الناس اتجمعت..

أحمد شوقي الفنجري: بحيث أنه كانت الناس اتجمعت وأصيب أكبر عدد ممكن ده كان يوم مأسوي وكان في بداية حضوري إلى قطاع غزة..

سامي كليب: بعدها بدأت مباشرة بالعمل في إحدى مستشفيات غزة.

أحمد شوقي الفنجري: نعم.

سامي كليب: وهناك أيضا في الواقع حصلت كارثة كبيرة حين قُصِفت على ما أعتقد غزة مرات عديدة وأنت موجود وتمارس عملك أود أن تروي لنا بعض المشاهدات الأولى آنذاك في خلال عملك؟

أحمد شوقي الفنجري: أثناء الاحتلال ولا قبله أنا قبل الاحتلال كنت بيطلبوني ساعة النجدة لما يكون فيه أحداث كبيرة لأن شغلتي طبيب وقائي لكن كنت بروح المستشفيات وأساعد في العمليات وأساعد في الإسعاف وكل حاجة، أثناء الاحتلال بقى لما دخلوا قطاع غزة أول يوم دخلوا في قطاع غزة جاني بعض أحد الفدائيين الأصدقاء وقال لي أن غزة استسلمت لكن خان يونس مازال فيها قتال وما زال ممكن تروح هناك واءمن لك فقلت له طيب معنديش مانع وشوف لي سيارة فجاب لي سيارة الإسعاف وخرجنا إلى خان يونس رحت مباشرة إلى مستشفى خان يونس..

سامي كليب: خان يونس كان لا يزال يقاتل ويقاوم..

أحمد شوقي الفنجري: لا يزال فيها قتال لأنه كانوا بيضربوها بس بالأسطول الفرنساوي والأسطول الإنجليزي كانوا بيضربوا عليها بعض طلقات علشان يخلوهم يستسلموا، أنا لما دخلت المستشفى وجدت عدد كبير من الجثث على الأرض وعلى الأسرة وفي كل مكان رحت إلى القاعة الكبيرة وجدت من الصعب إنك تميز ما بين الجثة وبين المغمى عليه وبين الحي لأنه كان الكل مصابين إصابات خطيرة، فأنا كنت بنقي يعني دي كانت من أحرج اللحظات في حياتي وما زلت أذكرها لغاية الآن، أختار مين فيه ناس هوديهم لغرفة العمليات يبقى لازم أختار فيما بين جريح والجريح الآخر أختار اللي فيه أمل بحيث إنه لو أُجريت له عملية يعيش لكن واحد جسمه كله متقطع لكن يا دوب بيتكلم أو بيقول فأنا بالصدفة وأنا بمر بين الجرحى وبين الراقدين وجدت نفس سواق سيارة الإسعاف اللي جيت معاه وبيشدني من ملابسي وبيقولي أنقذني أنا مجروح، الحقيقة أنا فحصته وجدت إنه جراحه كبيرة لدرجة إنه مفيش أمل إنه يعيش واضطريت إن أنا أطيب خاطره وأسيبه مقدرتش أبدأ به في حين أن في حالات ثانية غير ميئوس يعني دي موقف حساس وحرج جداً..

سامي كليب: في الواقع قرأت هذه الحادثة إنه كان مصاب بالكبد وبطنه مفتوح..

أحمد شوقي الفنجري: كان كبده مهترئ ففي الحقيقة تركته، تركته وأنا طبعا غصب عني عاوز أشوف إنسان ممكن يحيا لو أنقذناه لو أجريت له العملية وبعدين وجدت واحد مصاب ضابط مصري هو وقفت أشوفه وجدت إنه حالته ممكن شفاءه لو عُمله نقل دم فبدأت أعمل له نقل الدم وأنا واقف بنقل الدم جنبه بصيت لقيت انفجارات ورصاص دوى في المستشفى كلها وصراخ الجرحى وبعدين وصلوا لغاية عندنا في العنبر اللي أنا فيه بدأو يطلقوا الرصاص بالمدافع الرشاشة على كل إنسان حي..

سامي كليب: في داخل المستشفى..

أحمد شوقي الفنجري: في داخل المستشفى كله ده داخل المستشفى يعني هما بيدعوا إنهم ما بيحاربوش الجرحى ويسعفوا الكلام ده بيقولوه في أميركا لكن اللي بيحصل لنا غير اللي بيحصل فالسرير اللي أنا واقف جنبه سرير حديد ضربه عليه دفعة رصاص لدرجة أن السرير طار في الهواء وجثة الضابط كان هو طبعا أتقطع حتت جثته وقعت فوقي وأنا وقعت على الأرض وفوقي السرير وفوقي المرتبة وأكياس الدم كلها اتبعترت أنا فقدت الوعي، أغمى علي شوية ما أعرفهش أد أيه لكن بعد ما فوقت بدأت أحسس أشوف إيه الحكاية أحاول أبص أزيح الدم اللي حوليا والجثث لغاية ما لاقيت المستشفى خلاص ساكتة نهائي..

سامي كليب: قتل كل من فيها..

أحمد شوقي الفنجري: كل من فيها حتى الميتين اللي قبل كده جثتهم بقيت أد القطعة الصغيرة فزحفت بهدوء لغاية ما وصلت لغرفة العمليات وأنا فاكر يعني إني ممكن ألاقي حد من زملائي ألاقي إذا كان أشوف فوجدتهم الثلاثة قتلوا وأصبحت جثث وأشلاء..

سامي كليب: الأطباء اللي كانوا معك الثلاثة..

أحمد شوقي الفنجري: الأطباء الثلاثة ومعاهم سبع ممرضات الجميع أصبحوا قتلى وكلهم أشلاء صغيرة..

سامي كليب: إضافة طبعا إلى كل الجرحى..

أحمد شوقي الفنجري: ما تركوا أحد أبدا كانت بقى المستشفى هادية مفيش صوت خالص حتى القطط اللي كانت في المستشفى كلها ماتت ودي كانت أول حاجة من أول دخولهم إلى قطاع غزة بعدها أنا رجعت إلى غزة رغم أن وجود (Curfew)..

سامي كليب: بعد ما خرجت من مستشفى خان يونس مباشرة..

ساحات الاعتقال

أحمد شوقي الفنجري: خرجت من المستشفى مباشرة ركبت سيارة الإسعاف ووصلت إلى غزة عشان بيتي أشوف بيتي ففي الواقع إنه بدأت بقى المأساة بعد كده لأنهم هم أعلنوا وأنا قاعد في البيت أعلنوا أن كل شخص ما بين سن 15 سنة إلى سن الستين يخرج إلى قاعات إلى ساحات الاعتقال اللي موجودة هم كانوا عملوا الميادين قسموا جميع الميادين إلى ساحات اعتقال..


قامت قوات الاحتلال بتقسيم جميع الميادين في غزة إلى ساحات اعتقال

سامي كليب: صحيح..

أحمد شوقي الفنجري: ومن يبقى في بيته سوف يقتل في الحال فأنا قلت بقى أنا أسلم أمري لله لبست البالطو الأبيض وحطيت السماعة في رقبتي عشان يعرفوا إن أنا طبيب ويمكن دي تخليهم يغيروا رأيهم أو يعفوا عني..

سامي كليب: طيب أنت كنت منتمي لوكالة غوث اللاجئين في خلال هذا العمل كان عندك بطاقة تثبت ذلك آنذاك..

أحمد شوقي الفنجري: طبعا وعندي صورتها لغاية دلوقتي البطاقة وورقة الاعتقال مكتوب فيها دكتور أحمد شوقي الفنجري يعني وأنا في عتليت معتقل في عتليت طبيب بهيئة الأمم المتحدة يعني مفيش فيها أي مراعاة ولا خلاص..

سامي كليب: طيب الغريب إنه هيئة الأمم المتحدة ما تدخلت لصالحك وصالح الناس اللي مثلك يعني..

أحمد شوقي الفنجري: آه دي عاوزة حكاية، أنا وأنا واقف هم قالوا إيه لما حطونا في الميادين وقالوا أول ما شافوا أوراقي هما بيبصوا للسن يعني أيام ما كنت أنا شباب أي شخص في سن الشباب ويمكنه حمل السلاح كانوا بيأخذوه على طول فأنا قالوا لي شيموني مع أول ما قالوا شيموني بصيت لاقيت العساكر يضربوني..

سامي كليب: شيموني..

أحمد شوقي الفنجري: آه شيموني لاقيت العساكر بيضربوني بكعب البندقية ويزقوني لغاية ما وصلت إلى شيموني فوأنا..

سامي كليب: شيموني كلمة إسرائيلية يهودية..

أحمد شوقي الفنجري: آه إسرائيلية فوأنا قاعدة في شيموني دي ده يعني قطعة مكان من المعتقل داخل المعتقل..

سامي كليب: اسمه شيموني..

أحمد شوقي الفنجري: اسمه شيموني ومكتوب عليه شيموني فوأنا قاعد جاء واحد شاب فلسطيني وفضل يزحف لغاية ما جاء جنبي قالي أنت فاكرني يا طبيب قلت له فكرني قالي أنا فلان اللي أنت عملته عملية بتر في الساق وأنا دلوقتي مركب رجل خشب من بعد الحادثة اللي حصلت من بعد ما ضربوني في رجلي هو كان رجله تفتت واضطرينا إننا نعمله عملية بتر وبعد كده عملنا له رجل خشبية فقلت له طيب أنت معتقلينك ليه؟ قال لي هم مبيفرقوش بين حد بعد شوية جاء واحد من الجنود وقال اطلعوا على السيارة، سألته أنا سألت الشاب ده قلت له إيه معنى شيموني قالي دي معناها ثمانية هما لغتهم زي العربي تقريبا طيب وإيه ثمانية قال إحنا دول أخطر شيء لأنه واحد واثنين وثلاثة لغاية ثمانية ده بقى اللي هيعدم قلت له فال الله ولا فالك ليه تقول كده ليه أنت متشائم قالي أنا متشائم طيب هتشوف الأحداث وتشوف إسرائيل بتعمل إيه فينا فعلا خذوه إلى وأنا حاولت إن أنا أقولهم ده معوق أتكلم إنجليزي فرنساوي بأي لغة عشان إنهم يسمعوني فراحم شخطوا وشتموا باللغة العبرية فمفهمتش لكن فهمت إن أنا أسكت فالمهم أنهم بعد ما أخذوه أنا بحكي القصة دي لأن لها ذيول بعد كده واكتشف من وراءها أحداث كبيرة قوي بعد ما خرج اليهود من قطاع غزة أنا بعد كده مشوفتش هذا الشاب وانقطعت صلتي..

سامي كليب: طيب أنت في خلال المعتقل هو أخذوه طبعا للإعدام وأنت شو صار فيك..

أحمد شوقي الفنجري: هو أخذوه وانقطعت صلته بيا أنا بقى وأنا قاعد في شيموني جاء واحد مر بي اللي هو رئيس أطباء الهيئة وكان معاه قائد إسرائيلي ضابط إسرائيلي كبير مر علينا وشافني وراح محود عينه الناحية الثانية، هو اسمه دكتور جريتن باخ هولندي بعدها أنا بعد ما فكت الأحداث ورحت سألته أنت مريت بي وأنا في المعتقل ودورت عينك رغم أنك شفتني، قالي أنا بكره المصريين عاوز الصراحة أنا بكره المصريين قلت له ليه قالي..

سامي كليب: أنت عدت التقيت فيه بعد خروجك من هناك..

أحمد شوقي الفنجري: بعد خروجنا وبعد انتهت الأزمة وبعد كل شيء يعني ده حديث مرتبط بالحادثة دي علشان كده أنا بجيبه..

سامي كليب: بس أنت لما برزت بطاقتك للأمم المتحدة وكالة غوث اللاجئين ما أثرت..

أحمد شوقي الفنجري: ولا لها قيمة ولا لها قيمة هو القيمة الوحيدة وأنا لابس البالطو الأبيض والسماعة في رقبتي القيمة الوحيدة إنه هو الضابط ده القائد الإسرائيلي لما يقول عن حد لما الدكتور ده يقوله على حد ده موظف في الهيئة بيطلعه أنا لا، أنا الوحيد اللي مر بي وشافني بالعين ومع ذلك منظرش إلي..

سامي كليب: ليش لأنك عربي يعني ولا..

أحمد شوقي الفنجري: أنا سألته، قال لي أنا بكره المصريين قلت له ليه؟ قال لي لأن عبد الناصر هو السبب في طردنا من إندونيسيا وهو كان بيحرض الشعب الإندونيسي وخلاهم وإحنا خرجنا فأنا مش هنسى له ولا لأي مصري هذا الحدث بعد ما هو عدا وتركني مرت رئيسة الهيئة التمريضية وبرده معاها ظابط فشافتني وراحت مطلعاني من وسط الطابور.

المقابر الجماعية

سامي كليب: خرج أحمد شوقي الفنجري من الاعتقال بالصدفة، ولكن ما هي قصة الشاب المقطوعة قدمه؟ أين أُخِذ؟ هل قُتِل؟ هل أُفرج عنه؟ كان السؤال يشغل في تلك الليلة القاتمة كل اهتمام الطبيب المصري الشاب وكانت المفاجئة.

أحمد شوقي الفنجري: بعد ما خرج اليهود من قطاع غزة بمدة قصيرة حصلت سيول شديدة جدا السيول دي جرفت معاها مجموعة كبيرة جدا من الجثث من جثث من صحراء النقب لغاية غزة..

سامي كليب: كل ما يُرتب ذلك من أوباء وأمراض..

أحمد شوقي الفنجري: فطبعا أول شيء بينادوه هو الطبيب الشرعي وبعدين الطبيب


بعد أن جرفت السيول الجثث من صحراء النقب ولغاية غزة، استدعي الدكتور أحمد لمنع انتشار الأوبئة والأخطار الصحية

الوقائي فأنا طلبوني عشان أشوف لمنع الأوبئة والأخطار الصور دي..

سامي كليب: مين طلبك؟

أحمد شوقي الفنجري: نعم الهيئة..

سامي كليب: نعم.

أحمد شوقي الفنجري: والدكتور جيرتن باخ ده نفسه.

سامي كليب: هو كمان كان عضو في هيئة وكالة غوث اللاجئين؟

أحمد شوقي الفنجري: اه كان رئيس الأطباء وهو له أحداث معايا يعني صراعات معايا طويلة نبقى نحكيها لما يجي دورها أنا عندي هنا صور بتاعة الأحداث دي لما جت الجثث وطلبوني..

سامي كليب: شفت عن إذنك لو قطعتك يعني شفت عندك صورة وهي المياه تحمل الجثث عندك إياها موجودة هنا..

أحمد شوقي الفنجري: أه موجودة هنا..

سامي كليب: ممكن نشوفها لو سمحت لأنه على الأقل يعني يكون عندنا وثيقة أكيدة..

أحمد شوقي الفنجري: دي الجثث اللي جت..

سامي كليب: بس نفرجها للمشاهدين أيضا يعني هي جثث جنود مصريين ولا فلسطينيين أيضا..

أحمد شوقي الفنجري: ما هو في الأول مكناش نعرف دي جثث مين لكن الجثث كانت مشوهة وكانت مدهوسة بالدبابات والعظام مكسرة ومربوطة والإدين مربوطة بالحبال فكانت بالشكل ده أنا بقيت أفحص في الجثث ووجدت أنا والطبيب الشرعي وجدنا إنه الجثث دي يعني مدهوسة دهس وبعدين بعد ما سمع الأهالي بالحادثة دي تجمع الأهالي كل واحد يدور على ابنه أو أخوه أو الشخص اللي هو خدوه الإسرائيليين..

سامي كليب: يعني مثل ما عم نشوف في الصورة إنه سيدة على الأرجح فلسطينية..

أحمد شوقي الفنجري: سيدة وحاطة إيدها على أنفها عشان تمنع عشان الروائح لأن الجثث دي كانت تعفنت فده أب.. ده الأب ودي الأم الاثنين بيبحثوا في الجثث دي بيدورا على إيه البقايا إذا كان أبنهم اللي خدوه واحد من دول، دي صورة الطبيب الشرعي وهو بيكشف على الجثث ويؤكد إنها كانت مربوطة بالحبال من أيديها قبل ما تندهس وقبل ما تندهس بالدبابات..

سامي كليب: الطبيب الشرعي شو كانت جنسيته؟

أحمد شوقي الفنجري: طبيب مصري..

سامي كليب: مصري..

سامي كليب: يعني كانت كل الجثث مربوطة اليدين ما يعني إنه يعني قيدت الأيدي قبل ما يسحقوا

أحمد شوقي الفنجري: قيدت قبل آه بعضها انضرب بالرصاص وبعضها اندهس بالدبابات، هنا بقى الحادثة الكبيرة اللي أثبتت إيه اللي حصل، الحادثة دي إحنا نشوف هنا الرجل الخشبية اللي هي الأم عرفت اكتشفتها الأم دي لما وجدت الرجل الخشبية وكشفت على الرجل عرفت إن ده ابنها لأنه كانوا في الأول حيرانين مين الجثث دي اللي قال جثث كانت تعفنت، فبدأوا يبحثوا في كل جثة لغاية لما وجدوا الرجل الخشبية، وهنا الأم ماسكة الرجل وكانت الرجل دي ليها قصة لأنه يوم..


كانت كل جثة مقيدة اليدين قبل أن يتم ضربها بالرصاص أو دهسها بالدبابات

سامي كليب: نعم هو السؤال كيف عرفت إنه رجل أبنها؟

أحمد شوقي الفنجري: كيف عرفت إن دي رجل أبنها رغم إن الحاجات دي كلها تشوهت لما دخل اليهود قطاع غزة جميع أهالي الحي والشارع اللي كان فيه ساكن الشاب ده اتجمعوا وقالوا له أعمل معروف خبي المصاغ بتاعنا في رجلك الخشبية..

سامي كليب: الدهب بتاع النسوان..

أحمد شوقي الفنجري: المصاغ يعني دهب حاجة بتاعة ودانها بتاع وفعلا خد غوايش حاجات صغيرة كلها واتجمعت في الرجل الخشبية على أساس إن دي آخر مكان ممكن إن الجندي الإسرائيلي يدور فيه على الذهب فلما فتحت ولقيت المصاغ بتاعها وبتاع جيرانها بدأت تصرخ ده أبني ده أبني واتلمت ستات، وعرفوا بقى إن الجثث دي هم كانوا فاكرين في الأول دي جثث لبقايا مخلفات الحرب من الجنود المصريين أو حاجة زي دي فعرفت..

سامي كليب: فعرفت إنه..

أحمد شوقي الفنجري: عرفوا إنهم ولادهم..

سامي كليب: طيب فقط سؤال دكتور يعني هذه القدم التي بترتها أنت لصاحبها، الصور مين أخذها تتذكر يعني نحن طبعا اليوم نتحدث للتاريخ ونريد توثيق هذه الروايات لو سمحت بما لا يدع أي مجال للشك صور لمن تعود؟

أحمد شوقي الفنجري: اللي صورها كان دكتور اللي هو دكتور زميلي إسمه إلياس أصلانيدس اللي هو اليوناني اللي حكيت لك عنه هو اللي كان بيصور لأنه كان حر عننا يعني كان مدينلوا له حرية أكثر منا على اعتبار إن هو من الدوليين ومهواش عربي..

سامي كليب: وكنت شاهدت أيضا قرأت لك في بعض ما كتبت إنك شاهدت أيضا مقابر جماعية عديدة وشاهدت كيف كان الإسرائيليون يقتلون الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين خمسة عشر وخمسين عاما شاهدت بأم العين هذا النوع من عمليات القتل؟

أحمد شوقي الفنجري: أنا حضرت إحدى هذه العمليات كنت واحد من اللي واقفين في الطابور وكلهم وقعوا لما أطلقوا الرصاص كانوا بيجوا يعملوا إيه يطلبوا منا إننا نحفر حفرة اللي هي المقابر بتاعتنا وبعد ما يعملوا الحفرة يوقفونا طابور قصادها ويضربوا علينا بالمدافع الرشاشة، سبحان الله يعني لما ربنا بيريد لإنسان إنه يعيش رغم كل اللي بيحدث حواليه فالمعجزة بتحصل فأنا لما من تدافع الناس اترميت في الحفرة من غير ما يصيبني حاجة وبدأت بقى هم الجثث تطلع والجثث تقع في الحفرة وأتلمت حوالي محدش دري بي ومشيوا وسابونا.

[فاصل إعلاني]

الصور وذكريات المعتقل

سامي كليب: دكتور اسمح لي يعني أنا مكان أي مشاهد اليوم أشاهد هذه الحلقة قد أشكك في هذه الروايات رغم أنك طبيب وعندك تاريخ ولك عشرات المؤلفات وتعمل في مجال الكتابة وليس فقط مجال الطب، كيف يمكن أن نصدق أن رجلا مثلك في المرة الأولى نجا من الموت حين انقلبت عليه جثة وسرير وفي المرة الثانية أيضا نجا من الموت وكان الناس يعدمون؟ يعني فقط أنا مكان أي مشاهد سأطرح عليك هذه الأسئلة، كيف ممكن تأكد لنا إن الخبر هذه الأخبار صحيحة 100%؟

أحمد شوقي الفنجري: فيه إثباتات يعني تكاد تكون قاطعة وتغني عن التشكيك..

سامي كليب: مثلا.

أحمد شوقي الفنجري: الصورة بتغني عن ألف كلمة ده شيء معروف قاعدة معروفة والصور دي للجثث دي يعني مين هيجيب الجثث ويجمعها ويصورها ده لولا إنه الدكتور أصلانيدس له صلة بالناس بالدوليين وخد الصور دي من واحد منهم مكناش قدرنا نثبت الواقعة دي..

سامي كليب: لا نحن بالصور معك 100% الصور موجودة ولكن الروايات التي ترويها عن نفسك..

أحمد شوقي الفنجري: الروايات بتاعت المستشفى.. المستشفى أبيدت وده شيء معروف والأطباء أسمائهم مذكورة الأطباء اللي استشهدوا في غرفة العمليات أنا ذاكر أسمائهم واحد واحد ولما جاني أهاليهم بعد خروج اليهود من قطاع غزة جم عاوزين ياخدوا الجثث عشان يدفنوها، فكان مستحيل يعني أنا كنت متأثر جدا إني مش قادر أقول لهم أي دليل لأنه كان مستحيل إنك تلاقي جثة منهم أو تعرف دي لفلان لأن المدافع الرشاشة كانت بتقطع الجثث قطع، ثالثا الورق بتاعي عن طريق الهيئة هم خدوني كأسير حرب في معتقل عتليت ومعترفين بإن أنا دكتور هنا كاتبين أهه دي القيادة الإسرائيلية وكاتبين دكتور أحمد شوقي الفنجري يعني الاسم عارفين إن أنا


رغم معرفتهم بهويته كطبيب، قامت القوات الإسرائيلية باعتقال الدكتور أحمد وزجت به في معتقل عتليت

طبيب وعارفين وخدوني إلى المعتقل ودي يعني..

سامي كليب: هي ما فهمت شو بالضبط..

أحمد شوقي الفنجري: ديه البطاقة الاعتقال في عتليت يعني دي الدليل على إني أنا رحت معتقل عتليت وكنت أسير حرب وعاملوني فيها معاملة أسير الحرب..

سامي كليب: كيف حصلت عليها البطاقة..

أحمد شوقي الفنجري: ما هي بيدوهالنا في الآخر وإحنا مروحين يعني دي بطاقة بتفضل معانا وإحنا مروحين..

سامي كليب: وعلى غرار الصور التي يحتفظ بها منذ أيام مجزرة غزة عام 1956 لا يزال الدكتور أحمد شوقي الفنجري يجمع صورا عن الانتفاضة ويدخلها إلى جهاز الكمبيوتر على أمل أن ينشرها يوما ما بكتاب لو توفر الناشر فالرجل جمع حتى الآن تقريبا كل صور الانتفاضة.

أحمد شوقي الفنجري: شايف العيال اليهود بيضربوا في الست الفلسطينية إزاي واللي دول بنات بتشد هدومها، أنا زعلان.

سامي كليب: الدكتور أحمد شوقي الفنجري يمارس مهنة التصوير منذ شبابه والتقطت عدسته مئات الصور عبر رحلاته العديدة عبر العالم وحاز على جائزة قيمة وقد حدثني عن كل رحلاته تلك ونحن نشرب القهوة في منزله الذي جمع فيه أيضا الكثير من الموسيقى الكلاسيكية التي تساعده على تأليف عشرات الكتب ولو تثنى لنا الوقت سنشاهد بعضاً منها ولكن ماذا عن اعتقاله في منتصف الخمسينيات؟

أحمد شوقي الفنجري: اعتقلت بعدها خدوني وأنا كنت في المستشفى أنا كان فيه بعض الفدائيين بيستخبوا عندي في المستشفى وكانوا أحطهم في عنبر أمراض النساء عشان ميجوش ناحيتهم ولا يأسروهم وبعدين الإشاعة دي طلعت ووصلت لهم فجم يحققوا معايا يقولوا أنت مبتبلغش عن الجريح الفدائي اللي بيجي عندك وفين هم قلت لهم أنا معرفش أنا معنديش حد مكنش فيه فعلا في الوقت ده بالنهار مبيبقاش في حد فمفيش غير الجرحى العاديين والنساء المرضى فجه خدوني إلى واحد محقق إسرائيلي يهودي يمني كان قزم صغير كدة وكان بيتكلم بعصبية ويشخط كأنه يعني قائد ميدان عايز يعوض النقص اللي فيه وبيتكلم عربي هو أصله يمني..

سامي كليب: كيف عرفت إن أصله يمني؟

أحمد شوقي الفنجري: قالوا لي كدة مش فاكر بالضبط مين قال لي لكن واحد قال لي إن ده اللي كان بيحقق معاك ده يهودي يمني، فخدوني بقى إلى إحدى المدارس هم كانوا عاملين الاعتقال داخل المدارس في غرف المدرسة خدوني إلى غرفة ومعايا ناس كتير كان معايا بعض الشخصيات الكبيرة اللي أعرفهم ومفيش داعي لذكر الأسماء لكن في منهم أحياء..

سامي كليب: يعني مثلا أنا أتمنى عليك أن تذكر على الأقل اسم أو أسمين على الأقل في حال كانت هناك بعض الشكوك على الأقل يصدق المشاهد..

أحمد شوقي الفنجري: أه عاوز الأسماء وعلى مسؤوليتك لأن هم..

سامي كليب: على مسؤوليتي أنا..

أحمد شوقي الفنجري: أه كان معايا وزير الوزير اللي كان بقى بعد كدة وزير العدل عصام الدين حسونة وكان معايا عبد الجواد عامر أخو عبد الحكيم عامر يعني كان معايا مجموعة كبيرة من الشخصيات المعروفة وكلهم تعرضوا للاعتقال زينا زي بعض ورجعوا إلى مصر ومنهم من خد مناصب كبيرة تعويض له عن المحنة اللي مر بيها.

سامي كليب: فطبعا قالوا لك الإسرائيليون إنه كيف تخبئ الفدائيين في المستشفى واعتقلوك..

أحمد شوقي الفنجري: فعلا واعتقلوني وودوني بقى على المعتقل مع مجموعة كبيرة إلى معتقل عتليت وإحنا في الطريق إلى معتقل عتليت كانوا بيخلونا بيربطولنا عنينا عشان محدش يشوف الطريق وكانوا بيقفوا في كل بلد وينادوا بالميكروفونات إحنا اعتقلنا الفدائيين تعالوا أتفرجوا عليهم فكان الأهالي بيتجمعوا حوالينا وكانوا بينفعلوا لدرجة إنهم كانوا بيرموا الطوب والحجارة على السيارة لغاية ما وصلنا إلى عتليت وعتليت ده أصله كان معتقل عملاه القوات البريطانية معتقل بريطاني وهما أخذوه ولكن جردوه من كل شيء طبعا وسبونا ننام على البلاط بدون أسره وبدون فرش وبدون أي شيء، دي المدة اللي هيا قضتها في عتليت حوالي شهر تقريبا..

سامي كليب: ومحاولة قتلك في الطابور كانت قبل عتليت ولا بعد؟

أحمد شوقي الفنجري: كانت قبل هذا..

سامي كليب: قبل عتليت

أحمد شوقي الفنجري: لما جم بقى وإحنا أول ما وصلنا إلى عتليت وقف قائد المعسكر الإسرائيلي يحكي لنا قصة حياته يقول إحنا ناس مثقفين وناس عندنا رحمة مش زيكم أنتم، يعني شوف بقى إزاي الصورة بتتقلب وأنتم لما بتقتلوا الأسير إحنا عمرنا مقتلناكمش مع إنه في الطريق كانوا بيخدوا دفعات منا وإحنا من الأتوبيسات في الطريق وميرجعوش تاني يقتلوهم في الخلاء يعني في عدد كبير من اللي خدوهم من الأتوبيسات كانت مليانه كان يعني حوالي ألف معتقل فكانوا بيخدوا في الطريق يخففوا الحمولة يخدووا شوية وميرجعوش تاني ونسمع صوت الرصاص وهم بيضربوا الرصاص فيعني كل ده وفي الآخر يقول إحنا عندنا رحمة وإحنا بنحسن معاملتكم وبرضه بلغ بيهم الغش لما طلبنا الإسعاف الصليب الأحمر إحنا طلبنا الصليب الأحمر عشان يشوف حالتنا ويبلغ أهالينا رسائل، فجم فعلا وقعدوا يتكلموا معانا وبعدين حسينا إنهم مهوماش صليب أحمر وإن دول جايين ياخدوا أسرارنا وأخبارنا وعناوينا وكل حاجة فامتنعنا عن الكلام كلنا بعد ما كنا بننطلق وكل واحد مبيصدق يقوله أنا من الصليب الأحمر لقينا الأسئلة مش بتاعت الصليب الأحمر بتاع الصليب الأحمر.

سامي كليب: يعني أنت برأيك كانوا لابسين..

أحمد شوقي الفنجري: كانوا لابسين لبس الصليب الأحمر وكل حاجة كأنهم أطباء أو لجان طبية أو حاجة فكانوا أسئلتهم كلها أسئلة مخابرات أسئلة واحد عايز يعرف هل إحنا من ضمن الفدائيين ولا لا مش أسئلة عشان يطمنوا أهلنا.

سامي كليب: في كتابك حول إسرائيل تتحدث عن دكتور مصطفى ناجي وكان طبيب عيون وتقول إنه كان يطبب أحد الفدائيين الذين اقتُلعت أو الذي اقتلعت عينه في خلال المعارك وكان ينتظر طبعا أن يجد أي جثة لاقتلاع العين ولم يعثر سوى على يهودي كان ميتا أو مقتولا وأنتزع عينه ووضعها مكان عين الفدائي وهكذا شفاه، واعتقل فيما بعد الطبيب نفسه وأنت سُئِلت عنه أود أن تروي لنا هذه الحادثة لو سمحت؟

أحمد شوقي الفنجري: هي الحادثة مش اقتلاع عين دية حادثة بياخد قطعة من القرنية وينقلها على القرنية مكان القرنية المجروحة واحد جاء له هو بيبص إلى إنقاذ حياة مالوش دعوة بقى مين هو جنسه إية دينه إية مالوش دعوة بالمقاييس دية هو كل ما في الأمر إنه لما جاء له الفدائي ده والقرنية بتاعته رايحة كان لابد يعمله نقل قرنية..

سامي كليب: كان ذلك في مستشفى غزة ولا في خان يونس؟

أحمد شوقي الفنجري: في المستشفى أه في مستشفى غزة وهوه لما فقالوا له في جثة هنا وكان ميت فشال قطعة من القرنية وحطها للفدائي ده عملة عملية نقل القرنية، لما جم يستلموا الجثة اليهود قعدوا بقى جابوا عملوا مناحة أولا قالوا إن العينين إنه شال عينه وهو حي ونقلها إلى وعملوا الدعاية ديه وجابوا صور ومصورين يعني هما شطار في الدعاية وإحنا معندناش حتى ما بنحاولش نثبت براءتنا فالمهم إن هم أعلنوا جابوا التليفزيون الأوروبي وجم صوروا بعد ما خدوا الجثة يعني وجم صوروا الجثة وصوروا العين وهي طبعا العين بعد كده بتموت واحد ميت جثة ميتة يعني مشوشة فلما وهم صدقوا الكذب بتاعهم بقى يعني بدأوا يدوروا على الدكتور مصطفى ناجي أول ما وصلوا إلى قطاع غزة..

سامي كليب: هو كان في الجيش المصري ولا دكتور مدني؟

أحمد شوقي الفنجري: أه كان طبيب في الجيش..

سامي كليب: طبيب في الجيش..

أحمد شوقي الفنجري: أه فهوه عمل لما جم دخلوا وأول حاجة دوروا عليها سألوني قالوا فين الدكتور مصطفى ناجي قلت لهم عاوزين منه إيه قالوا إحنا عاوزينه وخلاص فأنا كنت في المستشفى ولابس البالطو وعادي يعني فدخلوا بقى قلت لهم معرفش هو فين هو في إجازة قلت لهم حتى أنا فاكر دلوقتي أني قلت لهم هو في إجازة في مصر فقعدوا يدوروا عليه ولغاية ما لقوه عندهم صوره مسكوه وخدوه على المعتقل وكان نزل هو المعتقل قبلنا بمدة وكانوا بيعملوله تحقيقات خاصة وياه وجابوا لجنة طبية واللجنة الطبية دية أثبتت إن العين ديت لم تقتلع من حي ولكنها عملية أجريت بعد الوفاة وأن ديت عملية بتتعمل في أي بلد في العالم وإنه في جنود إسرائيليين بيحصلهم كده وبينقلوا لهم قرنية من ميت برضة إسرائيلي فإيه الجديد اللي في الموضوع يعني وفي الآخر أفرجوا عنه قبلنا.

حرب الأوبئة

سامي كليب: هناك أيضا رواية حول قضية القبض على يهود تقول أنهم كانوا يسممون المياه بالكوليرا.

أحمد شوقي الفنجري: أه ديه قبل الغزو.. قبل الغزو وأنا كان دايما يطلبوني في الحالة ديه لأنه وجدت حالات تسمم ومرض..

سامي كليب: لأنه كان اختصاصك شؤون البيئة يعني..

أحمد شوقي الفنجري: كان اختصاصي موضوع البيئة فلما رحت وعملنا خدنا عينات من المياه وقفلنا البير كان بير يعني وقفلنا البير ومنعنا ده بعد ما هم اكتشفوا يعني ومحصلش لكن في يعني هم النية كانوا جايين على أساس إنهم يحدفوا أزايز الكوليرا في المياه.

سامي كليب: أما الرواية الأخرى والتي أود أن ترويها لنا وأن نستطيع أن نوثقها بوثيقة جدية هي ما تحدثت عنه حول تسريب جرثومة مرض الجدري بأمصال التطعيم الفلسطيني.

أحمد شوقي الفنجري: نعم أه دية أكيدة دي مستندات بقى يعني مفيش فيها كلام..

سامي كليب: تفضل.

أحمد شوقي الفنجري: أنا كنت بسمع في الراديو وأيام ما كان اليهود محتلين قطاع غزة فأنا سمعت في الراديو إنه وباء الجدري ظهر في الأردن وأنا أعرف أن الشباب الفدائي بيروحوا إلى الأردن بالليل ويوصلوا رسائل وأنا نفسي كنت ببعت رسائل إلى أهلي عن طريق الأردن الرسالة يأخذها الفدائي معه في جيبه ويروح لغاية الأردن ومن الأردن تتبعت إلى أهلي في القاهرة لما سمعت في الإذاعة أن الجدري ظهر في الأردن طلبت من الدكتور جيرتن باخ إنه..

سامي كليب: هو نفسه اللي بيكره المصريين؟

أحمد شوقي الفنجري: هو نفسه ما هو ده اللي كان دائما كان بنا وبين بعض صراع بس هو كان يحترمني وشاعر بالندم لأنه العملة اللي عملها يعني رغم إن أنا وهو كان متغاظ إن أنا فضحته في الجرائد كلها فاللي حصل إن هو طلب الطعم بدل ما يجيبه من هيئة الأمم المتحدة راح خده من إسرائيل وبصيت لقيت الدفعة اللي جاية كميات كبيرة من الطعم ومكتوب عليها (Made in Israel) فأنا قلت لا يمكن إسرائيل تدي حاجة تكون سليمة أبداً..

سامي كليب: كان ذلك دائما في مستشفى غزة؟

أحمد شوقي الفنجري: أه في المستشفى.. فقلت له يا دكتور أنا لا يمكن أعطي الطعم ده قال لي أنتم يا عرب أنتم ما بتميزوش بين الطب وبين السياسة دية من وزارة الصحة الإسرائيلية متقدرش تمنعها ولا تقدر.. قلت له بسيطة إن كانت عاوز أنت اللي تطعم هو كان عاوزنا إحنا المفروض إننا إحنا الأطباء المصريين اللي نطعم وننشر الوباء بأيدينا تكون النتيجة التهمة تروح عن إسرائيل قلت له بسيطة أنا هجمع لك بعض الأطفال وأنت تطعمهم قصاد أهاليهم عشان لو حصل حاجة تبقى أنت مسؤول فهو خاف من الحكاية دي وقلت له.. وهو عارف إنه في بعض فيه طبيب قبله قتل لأنه كان بيعمل نفس العمليات دية فراح خد عينة من الطعم وبسرعة بالسيارة وراح إلى بيروت يعني كان الطريق مفتوح لغاية بيروت وفي معامل الهيئة في بيروت فحصوا الطعم وجوده إنه ملوث فبعت لي برقية سريعة وقال لي (Dear doctor Fangary) أنا البرقية أهي (Unrwa slip- action slip to doctor Fangary) ومكتوب فيها إنه الطعم طلع (Polluted) بإية مقلش إنه جدري أو بحاجة ثانية أو فاسد لكن دي دليل على إن فيه سوء نية من إسرائيل بنشر الأوبئة في القطاع.

من الدماء إلى ألوان اللغات

سامي كليب: كان اللقاح ملوث وجرت تحقيقات آنذاك وطمست القضية لاحقا وفق ما روى لي ضيفنا تماما كما أكد لي رواية كنت قد قرأتها عنه وتفيد بأنه كان تعرف إلى الملك فهد حين كان الملك أميراً، فما هي قصة علاقته علاقة الدكتور أحمد شوقي الفنجري بالعائلة المالكة في السعودية؟

أحمد شوقي الفنجري: في الحقيقة أنا كنت طبيب الأسرة بس دي حاجات شخصية مبحبش أتكلم عنها.

سامي كليب: طبيب الأسرة في السعودية؟

أحمد شوقي الفنجري: في السعودية.

سامي كليب: ولكن صحيح أنك تعرفت على الأمير فهد؟

أحمد شوقي الفنجري: كان صديقي وكان يعزني جدا الحقيقة ويكرمني وأنا شفت على


الدكتور أحمد كان طبيب الأسرة الحاكمة في السعودية، وكان صديقا للأمير فهد (الملك حاليا)

ايديه الخير كثير يعني.

سامي كليب: وين تعرفت عليه؟

أحمد شوقي الفنجري: كان في كندا..

سامي كليب: وبالصدفة يعني ولا أنت اللي راح شفته؟

أحمد شوقي الفنجري: مفيش داعي للكلام ده دلوقتي لأنه حاجة خاصة..

سامي كليب: وبقيت في السعودية كم سنة؟

أحمد شوقي الفنجري: خمس سنين..

سامي كليب: خمس سنين في العمل كطبيب للأسرة، في الكويت أيضا تعرفت وفق ما علمت على وزير الصحة الكويتي حين ذهبت للعمل هناك عبد الرحمن العوضي هو كان..

أحمد شوقي الفنجري: كان حبيبي والحقيقة وكان بيعتز بي وكان هو اللي بيبعتني إلى أميركا وكندا في كل بعثة طبية وكان هو كان يعرف إن أنا خبير في اللغات فكان أي وفد من أي بلد في العالم بيجي كان بيطلبني أنا بالذات أكون في استقبال هذا الوفد، الوفد الفرنساوي..

سامي كليب: كم لغة تتقن؟

أحمد شوقي الفنجري: أنا بتقن الفرنساوية عشان عشت مع زميلي يوسف كوهين اللي هو كان فرنساوي والإيطالي برضه أفهمه وبحفظ أوبرات بالإيطالي يعني إلى جانب اللغة الإنجليزية.

سامي كليب: وهكذا من غزة إلى الخليج وهكذا من غزة إلى الخليج ومن لون الدماء إلى ألوان اللغات وصنوفها كانت رحلة ضيفنا الدكتور أحمد شوقي الفنجري عبر محطات متناقضة وحامل قصصاً كثيرة بعضها مؤلم وبعضها مشرق فالدكتور الفنجري الذي كان قد وُجِد اسمه في كتاب يوثق قصص الأسرى والمعتقلين السابقين في السجون الإسرائيلية قد جاب بعد ذلك العالم في رحلة سنوية كان يقوم بها مع أولاده وزوجته التي تحملت الكثير معه والتي ترد يومياً اليوم على المكالمات الكثيرة التي تصله للتنويه بكتبه عن الإسلام والعلوم والثقافة.

أحمد شوقي الفنجري: أيوه يا آلاء إحنا مشغولين دلوقتي بعدين إبقي اطلبيني، طب ما أدي التليفون ده للمدام ترد هي من جوه عليه.

سامي كليب: ولكن لماذا مُنِع كتابه إسرائيل كما عرفتها في مصر عام 1960؟

أحمد شوقي الفنجري: هو الكتاب طلع اطبع في الأول في بيروت وبعدين لما جيت أدخله مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر رفضوا يدخلوه قالوا إن دية عن مأساة كان الوقت ده كانت فيه نكسة 1967 وكان الأحوال تستلزم شيء من التحفظ عشان معنويات الناس..

سامي كليب: يعني لعدم التأثير على معنويات الجيش المصري؟

أحمد شوقي الفنجري: لعدم التأثير على الناس عموما الجيش ملهوش دعوة بالموضوع لكن كانت المشكلة إنه الناس هتقرأ الموضوعات دية..

سامي كليب: وبعد ذلك عاد وسُمِح له..

أحمد شوقي الفنجري: بعد ذلك نعم سمح بالدخول؟

سامي كليب: أي سنة رجعت طبعته في مصر؟

أحمد شوقي الفنجري: أعتقد إنه كان في عهد الرئيس السادات..

سامي كليب: في عهد الرئيس السادات طيب رويت أيضا رواية فيه عن عائلة لبَّان على ما أعتقد عائلة اغتصبت أمام الزوج وقتل الزوج وقتل الأولاد أيضا.

أحمد شوقي الفنجري: دية الحادثة دي أنا إحنا كلنا أنا والممرضات أمام المستشفى مباشرة كنا واقفين بنتفرج وكانت الدورية الإسرائيلية بتمر في داخل المنطقة وإحنا استدعتني الممرضة قالت فيه دورية تعالى أتفرج عليها وشوف فأنا وأنا ببص كده بصيت لقيت واحدة ست من البنات المعسكر رايحه إلى دورة المياه، دورة المياه كانت بتبقى بره البيوت يعني خارج البيوت فهي مجرد إنها وجدوها وهي رايحه دورة المياه انقض عليها الجنود وبعدين فيه بنات إسرائيليات كانوا بيمسكوهم مسكوها بإديها ورجليها وبقوا بيتفرجوا ويصرخوا بالفرح حاجة زي ما تكون زي ما بنشوف روايات الاغتصاب.

سامي كليب: أنتم شايفين.

أحمد شوقي الفنجري: وإحنا شايفين كلنا وبعدين الأب دخل طلع ونادى وقعد يصرخ عليهم فراحوا قاتلينه واحد ثاني طلع أظن الأم أو حد من الموجودين برضو في الأسرة قتلوها ففضلت البنت وفضلوا يغتصبوها ويتبادلوا عليها.

سامي كليب: وأنتم شو عملتم؟

أحمد شوقي الفنجري: وإحنا، إحنا ما عملنا شيء ما بيدنا نعمل شيء أكثر من اللي أهلها اللي عملوه مفيش بيدنا حاجة.

سامي كليب: ولكي يتكلم الدكتور أحمد شوقي الفنجري فهو أقام معارض وعقد ندوات حول الانتفاضة وقال لي إنه حتى الآن لم يجد ناشراً واحداً للكتاب المتضمن صور الانتفاضة وأما رواياته فيريدها شاهدة على التاريخ لكي لا يقتل التاريخ نفسه تماماً كما يقتل الدكتور أحمد شوقي الفنجري الوقت في منزله الهادئ تارة بسماع الموسيقى وتارة بالقراءة والتأليف ومرات بالرياضة التي يحرص على ممارستها كل صباح ومساء وإلى اللقاء.