زيارة خاصة

عبد الهادي بو طالب ج1

رحل الملك المغربي الحسن الثاني ورحلت معه أسرار كثيرة عن العرش والعلاقات مع العرب واليهود، بو طالب يعرف من تلك الأسرار ما لا يعرفه غيره، بل هو نفسه كان شريكا في بعضها وكاد يكون ضحية لبعضها الآخر؟

مقدم الحلقة:

سامي كليب

ضيف الحلقة:

عبد الهادي بو طالب: المستشار السابق لملك المغرب الحسن الثاني

تاريخ الحلقة:

24/10/2003

– تعليم عبد الهادي بو طالب للأمير الحسن الثاني
– طبيعة الحركة التعليمية في عهد الملك الحسن الثاني

– دوره في الوساطة بين مصر وسوريا أثناء عمله سفيراً في سوريا

– الانقلاب السوري ضد ناظم القدسي عام 62

– طبيعة العلاقة بين المغرب وسوريا

– علاقة المغرب مع مصر في عهد عبد الناصر

– علاقة المغرب بليبيا بعد ثورة القذافي


undefinedسامي كليب: شاه إيران قال مرةً لضيفنا إنه يستطيع أن ينهي كل دول الخليج في ربع ساعة، وحين وقع الانقلاب في سوريا ضد ناظم القدسي كان ضيفنا في دمشق، وحين انقلب القذافي على الملك السنوسي كان ضيفنا في طرابلس، أما حين حاول بعض الضباط -هنا في المغرب- الانقلاب على الملك الحسن الثاني، فقد أصيب ضيفنا برصاصات في فخذه.

تاريخ حافل من الشهادات السياسية، ولكن أحب الألقاب إلى قلبه هو لقب البروفيسور، كيف لا؟ وهو الذي درَّس الملك الراحل الحسن الثاني، كما درَّس الملك محمد السادس، وتعرف على السلطان محمد الخامس، ضيفنا هو الوزير السابق والمستشار السابق، البروفيسور عبد الهادي بو طالب.

من مدينة فاس التي ولد فيها عام 23 إلى القصر الملكي الذي بقي فيه حتى الأمس القريب، تعددت شهادات ووظائف عبد الهادي بوطالب، إجازة في الشريعة وأصول الفقه، دكتوراه في الحقوق، كان وزيراً للإعلام والشباب والرياضة، وزيراً مكلفاً بالبرلمان، ناطقاً رسمياً باسم الحكومة، وزيراً للعدل ووزيراً للتربية ووزير دولة ووزير خارجية، ورئيساً لمجلس النواب، وسفيراً في واشنطن والمكسيك.

عبد الهادي بو طالب: هذه الصورة لي مع جلالة الملك محمد الخامس في (…) في منفاه سنة 1955، قبل أن يعود من المنفى بثلاثة أشهر، عندما ذهبنا نحن الوطنيين المغاربة الذين كنا نتحاور.. نتحاور مع الاحتلال وشرطنا أن يبدأ من هذا إلى (…) للاتصال به كان في هذه الصورة وفيها هنا عبد الرحيم بوأديب، وعبد الخالق بنجلون، ومن (….) أمين حزب الاستقلال، وعمر بن عبد الجليل من حزب الاستقلال، وعبد الهادي بو طالب من حزب الشهرة والاستقلال.

هذه صورة مع الرئيس عرفات و.. وإحدى الصور.. لي معه صور متعددة، هذه صورة عندما كنت سفيراً للمغرب في الولايات المتحدة، وعملت وكانت تحت العهد.. في العهد الذي كان فيه الرئيس (كارتر) وزوجته هنا وهنا زوجتي بجانبنا، وكان الرئيس يتعاطف معي تعاطفاً كبيراً، واستدعاني مرة إلى بيته، وأخذنا هذه الصورة للزوجين معاً وأنا ونحن بعلاقات طيبة.

هذه صورة عندما كنت وزير العدل، وقدمت لجلالة الملك لأول مرة الكتب التي توجد فيها قرارات المجلس الأعلى للقضاء، طُبعت لأول مرة، فقدمت له هذه المجموعة كلها، كان منبسط ومشروح كما ترى في الصورة، وهذه صورتي مع السيد ناظم القدسي، عندما كنت سفيراً في.. في سوريا.

سامي كليب: قبل الانقلاب عليه أو بعد؟

عبد الهادي بو طالب: قبل الانقلاب عليه.. قبل الانقلاب عليه، هذه أظن كانت ساعة تقديمي أوراق اعتمادي إليه عندما وصلت، فكنت كما تعلمون لي مهمتان ظاهرة، مهمة ظاهرة ومعروفة، وهي سفير أو لقب، ومهمة الوساطة بين سوريا ومصر لتسوية النزاع القائم بينهما على إثر.. على إثر انفكاك.. تفكك الوحدة اللي بين سوريا ولبنان.. والمغرب…

سامي كليب: ومصر.

عبد الهادي بو طالب: ومصر.

سامي كليب: طيب يعني لا أدري إذا كانت الصدف أستاذ عبد الهادي بوطالب، أو أنت الذي كنت تستثير الانقلابات، ولكن وصلت إلى سوريا وقع انقلاب، ثم في ليبيا انقلاب آخر، وهو ما سنراه بعد قليل يعني، ولكن في البلدين حين وصلت حصل الانقلاب..

عبد الهادي بوطالب: نعم.

سامي كليب: مع الرئيس صدام حسين لقاءات عديدة أيضاً.

عبد الهادي بو طالب: مع الرئيس صدام حسين لقاءات عديدة، ولكن هذه قبل.. قبل حرب 1991، أما بعد 1991 فقد وفدت عليه لأجل في موضوع الأسرى ثلاث مرات، ملف الأسرى الكويتيين، واستقبلني في تكريت، ولي صورة أخرى معه ليست موجودة هنا، هذه الصورة قديمة مع حسن البكر، قبل أن يأخذ السلطة الرئيس صدام حسين.

سامي كليب: وكان أخذها على أيامه.. يعني، حين كان نائبه كان..

عبد الهادي بو طالب: يظهر.. يظهر.. يظهر (المصور) أخطأ أنه كان يوجد على جانبي من هذا.. من على اليسار السيد صدام ولكن اللي التقط الصورة في.. اللي جاءت بيني وبينه السيد حسن البكر.

سامي كليب: وكان في الواقع صدام صاحب القرار.

عبد الهادي بو طالب: لا طبيعة الحال كانت، وكان إذاك يوصف بالرجل الحديدي، هذه مع الرئيس أحمد بن بيلا رئيس الجزائر، هذه صورة مع العقيد القذافي قائد الثورة الليبية، طبعاً بعد حدوث الانقلاب، وأخذوا فترة علي أيضاً مبعوث الملك الحسن الثاني، وكانت المواضيع تتغير على حسب المهمة التي يبعثني إليها جلالة الملك.

سامي كليب: بعد عام من الانقلاب على..

عبد الهادي بو طالب: بعد عام من الانقلاب، بعد العام تمام من الانقلاب.

سامي كليب: والعقيد القذافي بقي حتى فترة طويلة، في الواقع حتى اليوم يعتبرك من أفضل المبعوثين لديه، وكان يود أن تبقى المبعوث المغربي الوحيد على ما أعتقد.

عبد الهادي بو طالب: أعرب.. أعرب عن هذا.. وبعث بها إلى جلالة الملك الحسن الثاني فعلاً.

تعليم عبد الهادي بو طالب للأمير الحسن الثاني

سامي كليب: وكان عبد الهادي بو طالب أول مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم، ناهيك عن الأوسمة والكتب والمقالات، التي لا تعد ولا تحصى، وليس الأمر بغريب على الرجل الذي ومنذ فتوته وصباه كان متفوقاً، فجذب نظر السلطان محمد الخامس، الذي وكَّله بتعليم ابنه الحسن الثاني، فماذا كان يعلم الأمير الذي صار ملكاً؟

عبد الهادي بو طالب: كنت ألقيه مواد متفرقة علمية، ألقيته بعض من تفسير القرآن، كذلك دروس عن.. في اللغة العربية، كذلك دروس عن تاريخ المغرب وأخرى عن تاريخ الإسلام، هذه المواد التي كنت أدرسها.

سامي كليب: كيف كان؟ كان ذكياً؟ كان يتقدم بسرعة؟ يحفظ.

عبد الهادي بو طالب: بالنسبة للذكاء الواقع إنه كان ذكي إلى أبعد الحدود، كان ذكياً وكان سريع الإدراك، وكان لا يحتاج إلى جهد كبير كبقية التلاميذ الذين كانوا معه، بالرغم من أنهم اختيروا اختياراً دقيقاً ليكونوا في مستواه، ولكن كان لا يحتاج إلى كثير من الجهد، لكن كان يهتم كثيراً بالدراسة.. بدارسته كان يعلم أنه.. أن أباه وضع معه هؤلاء التلاميذ لينافسوه، ولأجل.. وكان يرجو أن يفوقهم لأجل أن يبرهن على أهليته لما ينتظره في المستقبل من أن يكون خليفة والده بعد وفاته، فإذن من.. من هنا أعتقد أنه كان ذكي، كان مجتهد، كان..

سامي كليب: وكان على ما يبدو ذا علاقة طيبة جداً مع رفاقه في الصف.

عبد الهادي بو طالب: تماماً علاقة حميمية واضحة، وعلاقة طيبة، كان يجاملهم، كان يعزهم، كان يكرمهم، كانوا أيضاً يتعلقون به ويحبونه محبة..

سامي كليب: وهنا أيضاً لك حادثة شخصية ومهمة في الواقع في تاريخ التدريس، أنك الوحيد الذي منعت التلاميذ من الوقوف حين يدخل الأمير، وأنت أيضاً امتنعت عن الوقوف، واعتبرته داخل الصف تلميذاً كالآخرين.

عبد الهادي بو طالب: أنا أعتبر أدرسه وقت ذاك طبعاً.. من كان سني 20 سنة عندما دخلت وهو وقتذاك يعني سنة 15 سنة، فارق السن كان بيننا ضعيف جداً، لكن في الحقيقة أنا اعتبرت أن مهمتي ليست بمهمة عادية، يعني أولاً أعتبر أنني جئت لأعلم.. أن ألقي الدروس للأمير، وله مكانته ومرتبته في المجتمع وفي الدولة، ولكن أيضاً للطلبة الآخرين الذين موجودين معه، العشرة الذين كانوا يرافقونه، فقلت بأنه يجب عليَّ كمربي وكمعلم وكـ.. يعني متفهم للمهام التي تنتظر هذا.. هذا الشاب، أن أعامله كبقية التلاميذ في المدرسة، على أن أميزه بما يتميز به خارج الدرس، خارج الدرس كنت أظهره طبعاً.. حتى في الدرس كنت أناديه بالأمير أتوجه له باسم الأمير لكن المظاهر التي كانت تفرق بينه وبين التلاميذ قرنائه في الدراسة، ورفقائه في الدراسة، حبستها أنا فيما يخصني، فكان إذا أولاً كان بعض الأساتذة إذا تأخر ولي العهد عن.. وقلَّ أن يفعل ذلك.

سامي كليب: يؤخرون الدروس.

عبد الهادي بو طالب: يتأخرون بإلقاء الدرس إلى أن يحضر، أنا لم أكن أقم بهذا لأعلمه أن يكون في الموعد، وفعلاً ما كان يتأخر عن.. عن موعده، لأنه يعلم أنني لا أنتظره، بعد ذلك كانوا يقومون إجلالاً له، قلت لأ، خارج الدرس افعلوا ما تشاءون، كذلك يعني أنا ما.. كنت إذا ما يصل إلى الدرس أسلم عليه كما يسلم أي إنسان على أمير، كنت أسلم.. أسلم عليه كما يسلم الأستاذ على التلميذ، طبعاً أصافحه، طبعاً أجامله، طبعاً أقوم بواجبي نحوه من أدب ووقار، لكن لا إلى درجة أنني أعتبره أميراً قبل أن يكون تلميذاً.

سامي كليب: نعم، وتقول أيضاً أنه كان صعب التطويع -إذا صح التعبير- هل كان فعلاً ذا شخصية قوية، منذ بدايته؟

عبد الهادي بو طالب: شخصية قوية مما لاشك فيه، شخصية قوية كان تظهر عليه في مقتبل عمره، أي في الفترة التي نتحدث عنها، ثم تقوت.. تقوت شخصيته بفعل التجارب طبعاً، وتراكم السنوات، وتراكم التجارب، وأصبح شخصية قوية، لا يمكن لأحد أن يعني يمكن أن يضغط عليها لتخفف من قوتها أو لتغير طبيعتها، هكذا كان شخصية قوية، لكن لم يكن عنيفاً ولا عنيداً، لأ، لكن كان رجلاً يعرف شخصيته، ويضعها موضعها.

سامي كليب: طب يعني فقط للتذكير أن المغرب آنذاك كان يضم، يعني كانت حالته العلمية صعبة جداً، يعني على ما أذكر كان يضم خمسة أطباء، ثلاثة مهندسين، وربما مثلهم محامين أيضاً.

عبد الهادي بو طالب: في هذه الفترة التي أتحدث عنها ربما كان أقل من هذا، أنا تحدثت عن هذا عندما جئنا إلى.. إلى الحكومة الأولى بعد عودة الملك وليس في.. في أيام المدرسة الملكية، هناك فعلاً لم نجد أمامنا، فرنسا كانت تعطي التعليم المغرب بحساب النقط كما يقال، (…) يعني كانت لا تريد أن يتعلم المغاربة، كانت تريد أن تخلق نخبة تتعاون معها، تساعدها، لكن تكون تابعة لها ثقافةً وفكراً وسلوكاً، والحصيلة كانت هزيلة.

سامي كليب: طب، الغريب أنه بعد نصف قرن يعني طبعاً لم نتحدث كثيراً عن الواقع، ولكن بعد نصف قرن بقي المغرب من الدول الأقل تعليماً في الدول العربية يعني والأكثر أمية، ما.. ما السبب تحديداً؟

عبد الهادي بو طالب: هو.. هو الواقع الاستعمار لا يمكن أن.. أن يتموقع في أي قطر ما، إلا.. إلا على أساس التجريد، عندما ينتشر الوعي والعلم الذي يفعل ذلك، والفكر هو الذي ينشئ هذا الوعي، يصبح الاستعمار مرفوضاً.

طبيعة الحركة التعليمية في عهد الملك الحسن الثاني

سامي كليب: طبعاً السيد عبد الهادي بو طالب كنت مستشاراً.. أقرب مستشار تقريباً للملك الحسن الثاني، هل.. والسؤال هنا ليس في موقع الاتهام، ولكن كما تسمع ونسمع الكثير من الذين ربما لم يكونوا على نفس سياسة الملك، كانوا يقولون إنه ربما تعمد ألا يعطي الجانب التربوي والعلمي كل الأهمية، لكي يبقى العرش عرشاً، إلى أي مدى -أنت كمستشار له- كان يولي هذا الجانب؟

عبد الهادي بو طالب: أنا لا أقبل هذا لأنه غير صحيح، غير صحيح، الملك الحسن الثاني كوالده، كان حريصاً على نشر التعليم بالأمة، والمدارس التي أنشئت في..، الجامعات التي تكونت في عهده، لا يمكن أن نقول فيها من باب أنه كان مقصراً، فبالأحرى أن نقول أنه كان متعمداً تجريد المغاربة، هذا غير صحيح، هذه من الأشياء التي..

سامي كليب: هل من.. ؟ نعم

عبد الهادي بو طالب: يدان بها الملك الحسن الثاني ظلماً، وأنا أعتقد أنها غير صحيحة، ومؤمن بذلك.

دوره في الوساطة بين مصر وسوريا أثناء عمله سفيراً في سوريا

سامي كليب: في خلال تعيينكم سفيراً في سوريا، طبعاً بعد فترة مباشرة من تولِّي الحسن الثاني الحكم، إذن بدأت وساطة بين سوريا ومصر، وطبعاً للمغرب مع هذين البلدين علاقات كبيرة كانت في بعض المرات جيدة وفي بعضها الآخر سيئة في الواقع، في هذه الوساطة ما هو الدور تحديداً الذي لعبته؟ وكيف كان جواب البلدين عليه؟

عبد الهادي بو طالب: هو الواقع أن البلدين هم.. هم اللذان طلبا أن يتدخل جلالة الملك للقيام بواسطة بينهما، عندما استعصى عليهما حل النزاع بالمفاوضة والحوار، وفي الحقيقة الوساطة كانت في الأساس برغبة ملحة من سوريا، لأنها هي التي لها مشاكل إثر.. إثر فك الوحدة مع..

سامي كليب: وماذا كان رد عبد الناصر؟

عبد الهادي بو طالب: الرئيس عبد الناصر قال هذه الأمور كلها من ظروفها وليست صعبة وكذا، لكن كان حديثي مع الرئيس عبد الناصر شمل شيء آخر، تحدثنا عن قضية إجهاض الوحدات، وألا ينبغي أن.. يتغير الأسلوب، حتى لا تكون الوحدة مرتجلة، وبدون أن يُعد لها إعدادها، وتكلمنا على أن الوحدات لا تقام بمجرد أن تشابك يدا قائدين أمام شعبهما، ليقال الوحدة تمت، الوحدات لا تبنى من القمة تبنى من القاع أيضاً..

سامي كليب: وهذا ما يؤكد في الواقع ما كان يقال أن سوريا كانت مستعجلة أكثر للوحدة.

عبد الهادي بوطالب: ما فهمته.. ما فهمته من الرئيس عبد الناصر أنه لم يكن متضايقاً من فك الوحدة، لأنه أخذ يدرك بعد إبرام الوحدة أن الوحدة محفوفة بالمخاطر، وأن لها مشكلات، وأنه من الصعب إدماج الشعب السوري ذي خصوصيات متميزة مع الشعب المصري ذي خصوصيات المتميزة الأخرى، فكأنما حط عن نفسه ثقل هذه الوحدة، وكان مستريح في هذا، من أجل ذلك يعني تساهل، قال هذا أمر دخل في خبر كان، فلا يقال أن له معقدات أو.. أو رواسب، وعلينا أن نقبل، وأعطى تعليماته للوفود..

سامي كليب: بحل..

عبد الهادي بو طالب: الوفد المصري بأن يتساهل في الأمر يعني، فعلاً أدركت سوريا جميع مطالبها، لم.. لم يكن الرئيس أو مصر متعصبة لإبقاء هذه.. هذا النزاع يعني معقداً وبدون حل.

الانقلاب السوري ضد ناظم القدسي عام 62

سامي كليب: في سوريا أيضاً قبل الحديث عن عبد الناصر استكمالاً للحديث بالأحرى في سوريا حتى كنت هناك في الواقع حدثت معك حادثة كبيرة، ثم حدثت في ليبيا مرة ثانية، بسوريا عام 62، وقع الانقلاب ضد ناظم القدسي، وكنت موجود في مهمة رسمية أيضاً، ما الذي حصل؟ هل تذكر؟

عبد الهادي بو طالب: لأ، بالنسبة لسوريا أنا كنت جئت وبعد شهرين وقع الانقلاب في الحقيقة، لم أكن في مهمة، كنت أدخل من حين إلى آخر عند جلالة الملك، لأنه كان حريصاً على أن يتابع ما يجري في سوريا.. بين سوريا ومصر، لكن الذي حصل وأنا اللي كنت ساهراً مع الوزراء في فندق سميراميس، وحدث بيني وبينهم يعني صداقة وعلاقات حميمية، وثم ذهبت لأنام وإذا بهم دقوا عليَّ الباب من طرف مدير الفندق يقول لي: أستاذ عبد الهادي بو طالب، أريد أن تكشف اللي صار المندر.. المندر، خرجت أشوف.. الوزراء لابسين بيجاماتهم قميص النوم ويدهم على عنقهم، و(المثريليات) من ورائهم يحمله جندي، فقلت إنك والله آلمتني بهذا، .. أصدقائي أشوفهم على كل حال، فخرجت وقعت.. وقعت الواقعة، بعد ذلك استدعينا صباح اليوم التالي إلى القيادة العليا للجيش، كم كان عجبي أن الذي كان يخاطبنا هو الجنرال عبد الكريم زهر الدين الذي جاء مع.. كان دائماً رفيق.. رفيق السيد ناظم القدسي في.. في.. في جميع الزيارات التي كان يقوم بها والحفلات التي يخرجان فيها معاً.

سامي كليب: يعني دائماً تحصل هكذا..

عبد الهادي بو طالب: استغربت أنا أن يكون هذا الرجل هو صانع الانقلاب، فعندما أخذ يتحدث إلينا، تحدث إلينا ليقول لنا: إننا اعتدنا على الانقلابات، وجميع انقلاباتنا تكون الحمد لله بيضاء بدون دم، وأنا كنت شوية يعني ثائر شيئاً ما، وبعد ذلك لما تكلم القدماء.. السفراء القدماء كان فيهم.. بينهم الحميدي (الرئيس العظيم للسلك الدبلوماسي)، وكان من المملكة العربية السعودية، السيد سفير العراق، والسيد سفير تونس إلى آخره، كنت أنا آخرهم، لأنني كنت أصغرهم، فقلت بعض الحقائق بدون عنف، ولكن كانت الحقائق ذاتها عنيفة جداً.

سامي كليب: مؤلمة أيضاً، قلت له يعني نتمنى أن يكون هناك انقلاب..

عبد الهادي بو طالب: قلت له: والله يا أنكم قلت له بهذه العبارة، قلت له: اسمح لي أن أتحلل من صفتي كسفير لبلادي لأكون بوضع المواطن العربي.. المواطن العربي، وأنتم تقولون بالمواطنة العربية وبالقومية العربية الواحدة، فأنا أريد أن أقول لكم: يا ليتكم كنتم قد جرت انقلاباتكم السابقة بأنهار من دم إذن لتوقفتم عن.. أوقفتم هذه الانقلابات إلى حد، وهذا لا يشرف ولا..، وبعد ذلك يعني كنت بلغت الملك الحسن الثاني قبل وقوع الواقعة في.. في تقرير سري وليس بالشفرة عن طريق الحقيبة الدبلوماسية، وقال الملك الحسن الثاني أنه عندما وقع الانقلاب، وكانوا يسمعوا عن انقلاب كان يقرأه.. يقرأه..

سامي كليب: يعني كنت تتوقع الانقلاب؟

عبد الهادي بو طالب: كانت عندي اتصالات بجميع الفصائل، أظن أن السوريين كانوا يعرفون، وإن كان الأمر لم يشاع كانوا يعرفون مهمتي، وأنني لست سفيراً كبقية السفراء، كانوا يطمئنون إلي، كان يأتي إلى بيتي كل الفصائل من.. من يعني الشيخ المكي الثاني عميد جمعية العلماء، إلى ميشيل عفلق (رئيس الحزب الاشتراكي)..

سامي كليب: الاشتراكي.

عبد الهادي بو طالب: كانت.. كنت أتوفر على معلومات، طبعاً ترددت.. ترددت كنت أقول: هل أقولها.. قلت: لأ، ربما أخرج عن حدودي، لذلك أنا أخبر ملكي بالأمر المتوقع، ووقع ما كنت أتوقعه، ولم يدخل عليه السرور.

سامي كليب: وددت أنا أسألك طبعاً عن هذه الحادثة بالضبط مع الجنرال زهر الدين آنذاك، أنه حين حدثته بما قلت طلبت منه أيضاً إعادة الرئيس البعثي..

عبد الهادي بو طالب: كنت في..

سامي كليب: وهذا ما حصل بعد شهرين

عبد الهادي بو طالب: حصل.. حصل فعلاً.. حصل فعلاً، كل للسيد ناظم القدسي ووزراؤه في سجن المزة.. المزة على سبيل نكتة السورية كانوا يقولون "على قدر القفزة نجد المزة" يعني كلما طلع الحاكم في الحكم ووصل إلى أعلى المراتب يكون مآله إلى السجن بالمزة كما وقع لناظم القدسي، وصلت هذه الأخبار أيضاً هناك إلى المسجونين.

سامي كليب: صحيح.

عبد الهادي بو طالب: فقالوا إن سفير المغرب قام بدور كبير ونصح، وقال: الحمد لله أنه يعني اعتذروا، وما أظن أنهم بسببنا خلص الإشكال، لأن كانت هناك عوامل أخرى غير..، وبدون أن أنسب الفضل كله إلي بهذا نعم، عليَّ أن أتواضع في هذه الأمور، لاشك أن هناك أسباب أخرى لكن كلامي كان يمشي في الاتجاه الذي كان يجب أن يسير فيه صانع الانقلاب الأبيض.

سامي كليب: في الواقع العلاقة مع سوريا، علاقة المغرب بسوريا مرت بفترات أيضاً عصيبة، يعني ونذكر إنه أول توتُّر كبير حصل مع خطف وربما قتل المهدي بن بركة في باريس حيث قام البرلمان السوري ضدكم في الواقع، وقال كلاماً عنيفاً، وأنت كلفت شخصياً بالرد على هذا الكلام.

عبد الهادي بو طالب: عندما وقع.. وقعت حادثة بن بركة بباريس كنت وزيراً للإعلام ووزير للعدل، وكنت أنوب عن وزير الخارجية كلما تغيب في مهمة، وهذا نيابتي عن وزير الخارجية استمرت سنوات يعني، فلما ذات يوم استدعاني جلالة الملك وبلَّغني حزمة من الأخبار جاءت على طريق وزارة الإعلام، وبعثوها إلي.. إلى المغربي، وجاء فيها أن وزير الخارجية السوري استُجوِب من بعض النواب في سوريا لماذا لم تسحبوا سفيركم من..

سامي كليب: المغرب.

عبد الهادي بو طالب: المغرب بعدما وقع بن بركة؟ وطبعاً كانت هناك مناقشات، من قتل بن بركة؟ واتهم المغرب الرسمي بأنه وراء الحادث إلى غير ذلك، فكان الجواب لوزير الخارجية لن نسحب لأن إحنا نعتمد سفراءنا لدى الشعوب وليست الحكومات، وسفيرنا نرسله لدى الشعب المغربي، ولا يمكن أن نسحبه سواء كنا مع النظام في حالة.. في حالة طبيعية في علاقات طبيعية، أو كنا في علاقات غير طبيعية، أنا لما قرأت هذا، وقال لي جلالة الملك: ابعث عليه، وكان إذاك السفير هو السيد هيثم الكيلاني الذي أصبح فيما بعد كاتب عام لوزارة الخارجية، ثم الآن تنقل بعد ذلك كان أيضاً سفيراً في نيويورك.

سامي كليب: صحيح.

عبد الهادي بو طالب: في الأمم المتحدة، فوقفت هذه.. هذه الفقرة التي تقول إن شعب.. إن سفير سوريا معتمد لدى شعب المغرب، وليس لدى ملك المغرب، سألت السفير، وكان مدخلي إلى أن أبلغه قرار الحكومة بأنه غير مرغوب فيه، فسألته: أنا قرأت في كذا، قال: أنا أعرف عندما جئت لي قدمت نسخة من أوراق اعتمادك؟

سامي كليب: وليس للشعب..

طبيعة العلاقة بين المغرب وسوريا

عبد الهادي بو طالب: فأين هي أوراق الاعتماد التي اعتمدت بها لدى الشعب المغربي؟ فسقط ما بين يديه، وقال.. أنا قلت له هذا يقرأ ما..، هل قالوا هكذا؟ استغرب، قالوا هكذا؟ قلت له: على كل حال حيث أنه تعتبرون أنك لست سفيراً لدى الملك، الملك هو الذي.. قبل منك أوراق الاعتماد، وعليه فإنك أبلغك بأنك عليك أن تغادر في أقرب وقت المملكة، وسافر (…) يعني لكن جاء الهجوم من طرف سوريا ليس من طرف المغرب، المغرب فقط كان له رد فعل متواضع بالنسبة لما قيل.

سامي كليب: فيما بعد طبعاً جاء الرئيس حافظ الأسد إلى السلطة.

عبد الهادي بو طالب: طبعاً.

سامي كليب: وكانت أيضاً له مع الملك علاقات مد وجذر، كيف كان ينظر الملك الحسن الثاني للرئيس الأسد؟

عبد الهادي بو طالب: لحافظ الأسد؟

سامي كليب: نعم، وفق علمك.

عبد الهادي بو طالب: أنا أعتقد بأنه بعد.. بعد هذه الحادثة التي وقعت، وبعد ما استعادت سوريا يعني استقلالها عن مصر، يعني اتخذت طريق الحكمة والتعقُّل، لم.. لم تعد دولة كما نقول.. نقول اليوم في الإصطلاح الجديد مارقة أو مشاغبة، أصبحت تتعامل بطريقة دبلوماسية رزينة وكذا..

سامي كليب: بالواقعية..

عبد الهادي بو طالب: فحسنت علاقتها مع المغرب، ووجد.. وعندما التقى جلالة الملك لأول مرة مع الرئيس حافظ الأسد وجد الطرفان نفسيهما متقاربين، حافظ الأسد كان مثقفاً يعني بلغ ثقافات وقديراً، الحسن الثاني كان له أيضاً منهج ثقافي متميز به، وجدت بينهما مقاربات يعني، كل ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما.

علاقة المغرب مع مصر في عهد عبد الناصر

سامي كليب: عام 64 رافق عبد الهادي بو طالب الملك الحسن الثاني إلى أول قمة عربية في عهد الرئيس عبد الناصر في القاهرة، كانت المملكة اتهمت -آنذاك- الزعيم المصري بإرسال بعثة ضباط مصريين لمساعدة الجزائر عام 63 أثناء الحرب الجزائرية المغربية التي عُرفت بحرب الرمال، فما هي صحة ذلك؟ وكيف عاشها الحسن الثاني؟ وماذا قال لعبد الناصر حين التقاه في القمة؟

عبد الهادي بو طالب: بكل لحسن الحظ، لسوء حظهم ولحسن حظنا أن هؤلاء الضباط الذين جاءوا على السيارة.. على الطيارة أخطئوا في المطار ونزلوا في مطار مغربي، بدلاً أن ينزلوا، يقال كان من بينهم الرئيس حسني مبارك، ولكن ليس صحيحاً لم يكن، كان آخرون، أعرف أسماءهم، يعني ثم لما تحدث المغرب بأنه ألقى القبض على ضباط جاءوا ونزلوا في مطاره عن طريق الخطأ، وكانوا متوجهين للجزائر، أنكر المصريون أن لم يكن ليس هناك أي بعثة كانت متوجهة إلى الجزائر ولا إلى المغرب، فلما ذهبنا في 64 كان هؤلاء الضباط الذين اعتُقلوا في طائرة مرافقة لجلالة الملك خلفه، ولما نزل سلمهم إلى الرئيس عبد الناصر الجنود، قال: أردهم إليك، لقد أخطئوا الطريق، فأنا أردهم إليك، يعني هي..

سامي كليب: وكنت موجود حضرتك.

عبد الهادي بو طالب: موجود.. آه موجود.

سامي كليب: كيف كان جواب عبد الناصر؟

عبد الهادي بو طالب: طبعاً هو يعني مبادرة الملك كانت من اللباقة منه، ولكن أيضاً من الشدة بمكان، يعني هذا الذي كذبتموه ها هم هؤلاء لا نعتب عليهم، ولا نؤاخذكم أنتم على ذلك، نحن نريد أن يكوننا بيننا علاقة ودية وكذا، كلام يعني إن لم يقل بهذا الشكل، ولكن المبادرة أو الحركة عبَّرت عن الكلام بأفصح لسان.

يعني طبعاً هناك كانت أيضاً الأمور اللي كنا نؤاخذها على.. على مصر في عهد الرئيس عبد الناصر أننا فتحنا.. فتحت هنا مدارس مصرية.. مدارس مصرية، وجاءت لها بعثة تعليمية من القاهرة، ولكن هؤلاء المعلمين كانوا يتحدثون عن الثورة المصرية للتلاميذ وعن القومية العربية، كانوا دعاة ولم يكونوا معلمين.

سامي كليب: كانوا ضد الملكية؟

عبد الهادي بو طالب: ضد الملكية أيضاً، يعني كل هذا جعل المغرب يكون له ريبة، ينظر بعين الريبة والحذر من هذا النظام المصري، لكن أظن بعد القمة.. بعد القمة الرجلان تفاهما.. تفاهما، يعني فهموا أنه لا يمكن لهؤلاء لهذين الرجلين إلا أن يكونا صديقين، وأظن أنه دخل.. دخلت العلاقات المغربية المصرية في هذا العهد الجديد عهد التفاهم والتعاون والتقارب.

سامي كليب: نعم، رغم ذلك طبعاً بقي بعض الحذر بين البلدين خصوصاً أن هناك تركيبتان وعقليتان مختلفتين في الواقع كانا آنذاك، في عام 67 عام الحرب والنكسة قرر المغرب -في الواقع، رغم كل شيء- المشاركة في الحرب، وهنا السؤال يعني الذي يمكن أن توضحه لأنك كنت في قلب القرار آنذاك، هو هل كان المغرب يريد فعلاً قتال إسرائيل؟ لأنه قرأت في إحدى طبعاً مذكراتك التي كتبت أن المغرب فعلاً حاول إرسال قوات، ولكن ليبيا منعت مرور القوات، وعبد الناصر شخصياً رفض مشاركة المغرب، وقال: يمكننا أن نحارب لوحدنا، ما الذي حصل؟

عبد الهادي بو طالب: هو في الحقيقة وصلت معلومات إلى المغرب عن أن هناك حرباً تدبر ضد مصر من طرف إسرائيل والملك المغربي بلغ بهذا الرئيس عبد الناصر في الحين،لم يكن هناك أي رد فعل من جانب الرئيس عبد الناصر، هاي في علمي (..) لكن بعد ذلك لما تطورت الأمور وتأكدت الأنباء من أن هذه الحرب العدوانية قادمة ووشيكة الوقوع، أوفد الملك الحسن الثاني إلى الرئيس عبد الناصر مبعوثه الخاص السيد الأحمد (…) الذي كان أيضاً وزير الخارجية في عهد الملك محمد الخامس، وعرض عليه أن هناك فرقة جاهزة طلب منه أن من الرئيس أن يعطيه توصيفاً.. عن خصوصيات هذه الفرقة التي تساهم عن سلاحها.. نوع السلاح الذي يريد استعماله، في أي موقع يمكنها أن تعمل، في أي جهة يمكنها أن تتموقع.

سامي كليب: إذن للعودة للحادثة، إذن مصر رفضت..

عبد الهادي بو طالب: لا، قال له الرئيس أننا لا نحتاج، جيشنا معد وجاهز وسيقوم بالمعركة وسننتصر على إسرائيل.

سامي كليب: كيف تفسر ذلك أنت اليوم؟

عبد الهادي بو طالب: أظن أنه كان يعتقد ذلك، كان يعتقد ذلك، كان يعتقد ذلك لكنه فوجئ بما كان لا يعلم..

سامي كليب: وهل صحيح أن الملك الحسن الثاني كان يقول لك وربما لبعض المستشارين إنني لو كنت على حدود إسرائيل لكنت غيرت منطق التعامل مع هذه الدولة خصوصاً أنني أعرفهم أكثر من العرب؟

عبد الهادي بو طالب: هو الملك يقول شيئين، كان يقول أن المعركة الأولى التي هُزِم فيها العرب وهي معركة 1948 هي.. هي معركة كانت منذرة بأن المعارك التي تأتي بعدها ستكون هزائم، ويدل.. يدلل على ذلك بالقول، إن إسرائيل حاربت إذاك بسلاح بريطاني، لم يكن إذاك السلاح الأميركي موجود، لأنه (الهاجانا) والمنظمات الإرهابية اللي كانت هناك في إسرائيل تسلمت السلاح البريطاني ويقول وبعضهم جاء بالجمال ركبوا الجمال، يقول هؤلاء لم يفهموا اليهود، هم يظنون أن اليهود الذين استوطنوا إسرائيل هم اليهود الذين كانوا في الحارات اليهودية، في أيام ما كانت الدول العربية تحت الانتداب أو الحماية أو غير ذلك، هؤلاء.. هؤلاء آخرون هؤلاء غربيون وليسوا شرقيين، الدولة.. دولة إسرائيل غربية وليست شرقية يقول… جلهم جاءوا من روسيا أو من أميركا أو من أوروبا الشرقية إلى غير ذلك، فعليهم أن يتعاملوا كما يتعاملوا مع الغرب، نحن نفهم الغرب أكثر مما نفهم هؤلاء، ولذلك لو كنا نحن على.. في جوار إسرائيل، لتعاملنا معها بشكل آخر، فإما أن نهزمها وإما أن نبرم معها سلاماً مشرفاً لنا ولهم.

علاقة المغرب بليبيا بعد ثورة القذافي

سامي كليب: وحصلت طبعاً فيما بعد قمم كثيرة، حصلت عدة قمم فيما بعد حول الشرق الأوسط الصراع العربي الإسرائيلي، والحادثة الشهيرة التي ربما حضرتك تعرف فيها أكثر من غيرك، تلك التي حصلت حين قام الرئيس جمال عبد الناصر يطالب العرب بمساعدة مالية، ويبدو أنه استخدم كلاماً مباشراً، وأيضاً العقيد معمر القذافي دعمه ووضع يده على مسدسه في إشارة إلى نوع من التهديد مما أغضب السعودية، ما الذي حصل؟

عبد الهادي بو طالب: هذه هي يا سيدي قصة عشتها وشهدتها شهدت ما وقع فيها، أمر غريب يعني، القمة عادة في جلساتها السرية يحضرها الرؤساء وحدهم ولا يحضرها وزراء الخارجية، وأنا كنت وزير الخارجية آنذاك، كان المفروض بعدما انتهت الجلسة الافتتاحية العالمية التي يغطيها الإعلام أن يختلي رؤساء الدول بعضهم إلى بعض ويغلقوا عليهم في جلسة مغلقة، الملك الحسن الثاني -رحمه الله- كان رئيس الجلسة وقال للرؤساء دعاني ودخلت قال لي ادخل في مقعد المغرب، قال للرؤساء أنا رئيس الجلسة بصفتي هنا رئيس الجلسة رئيس المؤتمر، لا يمكن أن يبقى موقع المغرب شاغراً وأنا أشغل رئاسة أخرى غير..

سامي كليب: فمثلته.

عبد الهادي بو طالب: فأنا بعد استئذانكم سآذن لوزير خارجيتي أن يبقى معي، فأمنوا، فعلاً أنا لاحظت هذا رئيس جاء يقول لي يطرحوا خيارين إما خيار محاربة إسرائيل..

سامي كليب: الرئيس جمال عبد الناصر

عبد الهادي بو طالب: جمال عبد الناصر، خيار محاربة إسرائيل وإذا اخترتم هذا الخيار فأنا أطلب المساعدة الحربية والمالية التي تمكنني من انتصاري في الحرب فلا أخسرها كما حصلت الحرب.. في الحرب الأخيرة في 67، وإن لم تفعلوا فلا خيار لي إلا أن أتفاوض..

سامي كليب: مع الإسرائيليين

عبد الهادي بو طالب: مع الإسرائيليين، فاختاروا ولكن إذا اخترتم عليكم أن تختاروا ما تختارونه والوسائل التي يجب أن تتوفر له ليكون خياراً عملياً ومطبقاً، ووقع السكوت، إذ لأول مرة يأتي رئيس دولة عربية ليطالب بمساعدة في قمة، عادة هذه تمر بالقنوات الدبلوماسية، دولة حين تريد ترسل وفد سياسي وترسل إلى وزارة الخارجية تصل إلى رئيس الدولة لكن ليس هنا بهذه المجابهة الذي لم يكن أحد ينتظرها، وكان الرئيس يردد أنا عاوز قروش ذاك الوقت (…..) ودعمه السيد القذافي وكان ذاك الوقت كان لم يمر عن انقلابه إلا أقل من شهر، وجاء، فجاء بلباس الميدان العقيد وكان..

سامي كليب: مسدس..

عبد الهادي بو طالب: في جيبه مسدس، وكان يظهر المسدس من الجيب.. يظهر المسدس مغلف فكان يتحدث وبدون وبدون شعور وضع يده على.. على المسدس، فانتصب غاضباً الملك فيصل، فقال نحن هنا مهددون برجل يهددنا..، أنا منسحب من هذه الجلسة وهو لما تكلم القذافي، كان عنيفاً في محاسبة الدول البترولية التي هي المُطالِبة.. المُطالَبة بأن تعطيهم أكثر.

سامي كليب: هل تذكر ماذا قال تحديداً خصوصاً أنه لا يخاطب الملوك والرؤساء بألقابهم في الواقع..

عبد الهادي بو طالب: قال لهؤلاء القادة اسمحوا لي ألا أخالف (…)، هو يقصد كان يقصد إلى الملك جميع الملوك، ما يقول إلى الملك محمد الحسن إلى آخره، الأخ الحسن.. الأخ الحسن..

سامي كليب: بس للملك كان يقول إلى جلالة الأخ في بعض المرات ..

عبد الهادي بو طالب: ذلك يقول جلالة الأخ..، ولكن يقول له هو.. يقول له هو معالي العقيد.. معالي العقيد..

سامي كليب: كان يسر من ذلك..

عبد الهادي بو طالب: معالي العقيد وكان يسر بذلك وأمام الناس يقول له جلالة الملك، إنه رئيس دولة حكومة فقل له قال له هو مسر وهو بذلك يجب أن أقول له معالي العقيد، إنه يقول إنه ليس رئيس دولة هو قائد ثورة.

سامي كليب: ولكن في تلك الجلسة، هل استخدم كلاما.. تقول أنه استخدم كلاماً قاسياً، هل تذكر بعض العبارات مثلاً؟

عبد الهادي بو طالب: لا هو قال هدد الدول الذي التي لا تعطي، ولا تستجيب لرغبة الرئيس عبد الناصر ستكون مخلة بمسؤوليتها يعني كاد يقول خائناً للأمانة، كذا كذا.. وبعنف بعنف يعني لا يزال منتصراً في انقلابه الأول وجاء بهذه الفكرة وإذاك في مقتبل عمره وشبابه، طبعاً أخل ببعض الأمور التقليدية، يعني الخطاب كان خطاب غريب من نوعه شكله شكل (..) لا تقدم له نظير فيما سبق، فتألم فيصل وسنت فرصة ضغط على العقيد القذافي على مسدسه وانتصب غاصباً فتبعه الرئيس عبد الناصر وتبعه جلالة الملك وأخيراً ردوه بعدما اعتذر، اعتذر القذافي للملك فيصل.

سامي كليب: ولكن القذافي ترك القمة على ما أظن.

عبد الهادي بو طالب: ها؟

سامي كليب: القذافي..

عبد الهادي بو طالب: لا، بقي.. بقي فيها.

سامي كليب: بقي في القمة

عبد الهادي بو طالب: بقي لم يتركها.. لم يتركها أبداً.

سامي كليب: في.. فقط بين هلالين..

عبد الهادي بو طالب: بل إن في علمي أن الرئيس عبد الناصر زعل هو أيضاً يعني كأنه (…) بهذه الغلظة وهذه القسوة.

سامي كليب: في -بين هلالين فقط- في العلاقة بين الملك الحسن الثاني الذي كنت مستشاره والعقيد القذافي، في الواقع هناك رواية (لجاك أتالي) الذي كان مستشاراً للرئيس (فرانسوا ميتران) حين وقعت أزمة تشاد يقول -وفق (أتالي)- أنه حين طلب (ميتران) من الملك الحسن الثاني الوساطة مع القذافي بشأن تشاد أجابه الملك الراحل لا تقلق فالعقيد ربما لا يعرف حتى أين توجد تشاد، هل كانت نظرة الملك الحسن الثاني إلى العقيد القذافي على أنه فعلاً يقود سياسة تتخطى أفكاره؟

عبد الهادي بو طالب: لا هو ما فيه شك إنه كان ينظر إلى العقيد القذافي نظرة نقدية لا أقول انتقادية نقدي، كان يمِّحص فيما فيها من الصواب وما فيها من خطأ، وكان يعلم أنها ليست لغته على الأقل، الرجل الذي لا يجد نفسه في تناغم مع غيره، لا يكون راضياً كل الرضا عن غيره، (..) إذا كان يتكلمان بنفس اللغة ويستعملان نفس الأساليب والمقاربات، هو له مقاربته الخاصة وغير الخاصة يعني لا أدري ماذا قال بالفعل للرئيس..

سامي كليب: ميتران..

عبد الهادي بو طالب: للرئيس ميتران، إن كان قال هذا و(..) الرئيس، ما أظن أن الرئيس أن الرئيس ميتران يعني يلفق الكلام إن لم يكن سمعه، والملك لم يكن.. يعني .. يتحرز أن يحكم هذه الأحكام على بعض الرؤساء الزملاء دون أن يضمر لهم بعد ذلك لا عداوة ولا حقداً.

سامي كليب: ماذا كانت مآخذه على العقيد القذافي مثلاً؟

عبد الهادي بو طالب: مدرسة.. اختلاف المدرسة.. مدرسة القذافي غير مدرسة الملك..

سامي كليب: رغم ذلك -سيد عبد الهادي بوطالب- كنت ربما أعز المستشارين والمبعوثين من قِبَل الملك لقلب القذافي -إذا صح التعبير- ويقال إنه هو الذي قال مرة، أنا أريد دائماً أن يرسل لي الملك الحسن الثاني عبد الهادي بوطالب.

عبد الهادي بو طالب: الملك كان يصير له بعض المستشارين الذي كانت لم تكن لهم ثقافة عربية، فربما يصعب لهم التفاهم بينهم وبين الرئيس.. العقيد القذافي هذا التفاهم على الأمور ويحدثوا فجوة لا تصل إلى الجفوة ولكن فجوة بينهم، لا يتقاربان هناك مسافة لا يقطعانها للوصول إلى مقعد واحد، للجلوس في مقعد واحد، كان يجد نفسه الرئيس القذافي.. العقيد القذافي في منتهى الراحة معي، أنا كنت وصلت معه إلى أننا نقعد طويلاً مرة كنا نحكي نكت مصرية، يحكي وأحكي له، وسمعه أعوانه يقهقه فاستغربوا، لما خرجنا جاءوا يقولوا، كان.. لم نسمع العقيد القذافي يقهقه وخرج بعدي، قال أنا أنسجم مع هذا الرجل انسجام كبير، كنا نحكي نكات ونحكي وهو يحكي، ولذلك هو قال.. قال للرئيس أرجوك أنا أتفاهم مع الرئيس أكثر من الآخرين فأرجو أن يكون مبعوثك الدائم إلي هو أستطيع أن أتفاهم معه، وأن يأخذ مني الكثير مما لا يمكن أن أقوله للآخرين، بعد ذلك لما سمع الملك الحسن الثاني هذا الكلام قال لي هذه آخر مرة أنت تروح إليه..

سامي كليب: لماذا، خاف أن..

عبد الهادي بو طالب: قال لي كأنني أصبحت أنا وإياه ممتزجان يمكن فيه نوع من التباين حتى يبقى لي نوع من الموضوعية في الحكم على ما يقول وفي تبليغ ما يقول، ربما قال قد عبد الهادي بوطالب تحت هذه المجاملة وهذه الصداقة الحميمية التي أصبحت بين الشخصين لا يبقى أحسن مبلغ وأحسن راوٍ.

سامي كليب: طبعاً الملفات طويلة سيد عبد الهادي بو طالب وسوف نمر عليها ولو بشكل سريع في الوقت هي بحاجة لتعمق أكثر، ولكن بعد (روجرز) طبعاً معروف إنه في النظر إلى خطته كان هناك طرحان، طرح الرئيس عبد الناصر الذي كان يقول للفلسطينيين سأدعم علناً، ولكن سأحضر الجبهة أكثر ويمكنكم أن تنتقدوني حتى في الإذاعة وهذا ما حصل، بعد ذلك بفترة طويلة طبعاً ذهب السادات إلى كامب ديفيد وعقد الاتفاق الشهير وفي خلال عودته مر على المغرب وكانت أول عاصمة يزورها بعد كامب ديفيد، وحضرتك حضرت الجلسة بين السادات وبين الملك المغربي وهنا السؤال، وأنت سجَّلت محضر الجلسة، هل ملك المغرب أيَّد السادات، أم فعلاً أنه فقط استمع إليه دون أن يعلق؟

عبد الهادي بو طالب: ذلك.. أولاً: الذي تحدث في هذه الجلسة.. بطول هو الرئيس السادات، أعطاه تفاصيل مدققة عن مجريات المفاوضات في كامب ديفيد، وكان يدعمها بالحجة وبالدلائل ولم يطلب في النهاية من جلالة الملك أن يسنده، قال أنا أردت أن أؤثرك أولاً بالأسبقية لتنصت إلي، والملك أجاب سندرس جميعاً ما ذكرتموه، فأنا أتمنى أن يكون هذا ما فعلتموه ناجحاً ومفيداً ولصالح الأمة العربية. وسنستمع أيضاً إلى ردود فعلٍ للدول العربية، الملك.. الملك كانت عنده -كما يمكن أن تقول- النطق بالشهادتين في.. في الدين الإسلامي يقول ما أجمع عليه.. أجمعت هذه الدول العربية نحن معاهم يا سيدي.

سامي كليب: ذكريات طويلة وأحداث أكثر من أن تحصى فلابد من جلسة ثانية مع عبد الهادي بو طالب في الأسبوع المقبل، حيث سنتوقف خصوصاً عند مجزرة السخيرات التي كاد يقتل فيها ضيفنا إلى جانب الحسن الثاني، ومنها نَمُر إلى العلاقات المعقدة مع الجزائر، وعدم رضاه على الكاتب المصري محمد حسنين هيكل، وما الذي حصل مع السادات بعد عودة الرئيس المصري الراحل إلى المغرب من كامب ديفيد.

فإلى اللقاء.