زيارة خاصة

أحمد حمروش

لماذا تفاوض جمال عبد الناصر مع إسرائيل سرا؟ من الذي شارك في تلك المفاوضات؟ وكيف انتهت على مذبح غولدا مائير وحلفائها؟ أحمد حمروش أحد الضباط الأحرار السابقين يروي تفاصيل ذلك الملف السري باعتباره مبعوث عبد الناصر للتفاوض في الكواليس.

مقدم الحلقة:

سامي كليب

ضيف الحلقة:

أحمد حمروش: أحد الضباط الأحرار السابقين

تاريخ الحلقة:

31/01/2003

– انضمام أحمد حمروش للضباط الأحرار
– بدايات اتصالات جمال عبد الناصر بإسرائيل

– دور أحمد حمروش في الاتصالات السرية بين مصر وإسرائيل

– توجهات عبد الناصر الخاصة خلال المفاوضات مع إسرائيل

– شروط عبد الناصر خلال تفاوض حمروش مع إسرائيل

– العلاقات المصرية العربية وأثرها في التوجه السياسي عند عبد الناصر


undefinedسامي كليب: ما هي حقيقة الاتصالات السرية التي جرت بين إسرائيل والرئيس الراحل جمال عبد الناصر؟ هل فعلاً جاء آنذاك رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الموساد إلى قلب القاهرة؟ متى ولماذا حصلت هذه المفاوضات؟ ما هي علاقتها بهزيمة 67؟

كل هذه الأسئلة نحملها اليوم إلى أحد الذين شاركوا في تلك المفاوضات السرية باسم جمال عبد الناصر، أحد الضباط الأحرار السابقين ورفيق عبد الناصر.. أحمد حمروش.

أحمد حمروش: أهلاً

سامي كليب: يعني معلش آسفين وأزعجناك، اتفضل.

من الضباط الأحرار واليسار المصري كان أحمد حمروش في طليعة رجال ثورة الثالث والعشرين من يوليو، وكان من بين قلة عرفت كيف تمد جسراً بين العسكر والسياسة والفكر والثقافة، فرأس مجلة "التحرير" وهي أول مجلة لحركة الجيش عام 52 ثم أصدر أو رأس تحرير "الهدف" و "الكتائب" و"روزاليوسف" إضافة إلى عشرات المؤلفات والكتب في السياسة والقصة والمسرح والرحلات، فمتى انضم إلى الضباط الأحرار والثورة؟

انضمام أحمد حمروش للضباط الأحرار

أحمد حمروش: الانضمام للضباط الأحرار جاء نتيجة معرفتنا بأنه فيه تنظيم ابتدى يُشكل في القوات المسلحة اسمه الضباط الأحرار.

سامي كليب: كيف عرفت؟

أحمد حمروش: عرفنا من خالد محيي الدين كان منتمي للتنظيم بتاعنا اليساري، وفي نفس الوقت كان في الجمعية التأسيسية بتاعة الضباط الأحرار، فلما أبلغنا بذلك أخذنا قرار بإنه يبقى هناك رسول من تنظيم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني قسم الجيش بالضباط الأحرار، وكان الاختيار على الأستاذ أحمد فؤاد، وكان وقتها وكيل النائب العام، وبعد كده بقى رئيس مجلس إدارة بنك مصر، وعقد صلة شخصية وثيقة مع جمال عبد الناصر، والاثنين تبادلوا الاحترام والتقدير والمحبة، ودا.. بدأت العلاقة بهذا الشكل.

سامي كليب: بالنسبة لكم كانت سمعة جمال عبد الناصر هي الجاذبة أكثر أم محمد نجيب في البداية؟

أحمد حمروش: لا.. لأ، طبعاً شخصيته جمال عبد الناصر والاتصال به، محمد نجيب لم يتم الاتصال به إلا بعد قيام الثورة، ودا كان الاتفاق اللي تم بين محمد نجيب وبين حركة الضباط الأحرار، إنه هو يظل في منزله إلى أن تنتصر الحركة ثم يُستدعى لكي يتولى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحركة يعني..

سامي كليب: طيب، يعني تفضلت ولفظت كلمة ثورة في بداية كلامك، أنت طرحت سؤال على زملائك في الضباط الأحرار، وكان من بعض الأسئلة التي طرحتها: هل ما حصل كان ثورة أم انقلاباً؟ وأنت بررت في كتابك أنها بدت بانقلاب ثم تحولت إلى ثورة.

أحمد حمروش: هو خلينا نسميها حركة، يعني هي بدأت حركة عسكرية، ثم فعلاً التطورات التي حدثت في الشهور الأولى للثورة.. للحركة، أدت بها إلى أن تكون ثورة، إزاي؟ يعني يوم 9 سبتمبر كان طالع قانون الإصلاح الزراعي، دا في حد ذاته ثورة اجتماعية أزالت طبقة الإقطاع وقدمت الفلاحين ياخدوا حقوقهم وهكذا، فهي حركة تحمل أفكار وبذور ثورة اجتماعية، ودا اللي خلاها تعتبر ثورة، زائد الناحية الوطنية، يعني منذ اللحظة الأولى وهي ثورة على الوجود الاستعماري في مصر.

سامي كليب: طيب، طبعاً لن نتوقف طويلاً عند هذا الموضوع، ولكن يعني لن نعود إلى فترة الانتقادات للرئيس جمال عبد الناصر، أنت لخصت في كتبك حول ثورة يوليو الإيجابيات والسلبيات، السلبيات طبعاً من إلغاء العمل الديمقراطي، تطبيق الاشتراكية دون أن يكون هناك اشتراكيين، كانوا معظمهم في السجن، ولكن أيضاً الإيجابيات كانت كبيرة ليس هذا المهم، المهم في قرارات الرئيس جمال عبد الناصر بالنسبة للخارج، بالنسبة للدول العربية الوحدات. الصراع مع إسرائيل تحديداً يعني نلاحظ فيما بعد أن بعض هذه القرارات لم تكن تُتخذ إلا كردة فعل وليست كمشروع استراتيجي قائم بذاته، يُنفذ خطوة خطوة، ولذلك كان فشل العديد من هذه الإجراءات.

أحمد حمروش: هو أنا بأطلب المعذرة لثورة 23 يوليو، لأنه التوقيت الذي فُرض على الضباط الأحرار، لأن يقوموا بحركتهم كان مفاجئاً، فما كانش فيه برنامج، الأهداف الستة دي وُضعت بعد انتصار الثورة، فالرؤية الاستراتيجية أو الفكرية أو الأيديولوجية ما كانتش واضحة، إنما كانت بتيجي نبت الأحداث وكرد فعل.. يعني أما تيجي تمسك أدبيات ثورة 23 يوليو في الأول، ما كانش فيه أي كلام عن القومية العربية ولا عن أي.. ولا -يعني- القضايا دي ما كانتش ذات اهتمام عاجل وحال عند الضباط الأحرار، لكن لما حدث تأميم قناة السويس وتم العدوان الثلاثي على مصر وإذاعة دمشق وعمان أعلنوا هنا القاهرة، واتقطعت أنابيب البترول، حدث تحول في الاتجاه بتاع الثورة إلى القومية العربية، وبدأت تلعب دورها الرائد في هذا المضمار، يعني أنا عاوز أقول إنه ثورة 23 يوليو لم.. لم تكن ذات أيديولوجية متكاملة، بحيث نحاسبها عليها من.. من لحظة قيامها مش زي الثورات الأخرى يعني.

بدايات اتصالات جمال عبد الناصر بإسرائيل

سامي كليب: في الواقع هو.. يعني أجبت عن سؤال قبل طرحه، هو -تحديداً- الصراع مع إسرائيل، هل الرئيس جمال عبد الناصر دُفع دفعاً للصراع العسكري مع إسرائيل، أم أن إحدى ركائز ثورة 23 يوليو وما تطور فيما بعد في هذه الثورة كانت تحديداً كيفية تحرير الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل؟

أحمد حمروش: هو جمال عبد الناصر يعني لما قامت الثورة كان مهتم بالقضية الوطنية، ولكن بالنسبة لإسرائيل كان فيه صقور وحمائم في داخل إسرائيل، (شاريت) مثلاً بدأ يعمل اتصالات مع مصر من أجل حل المشكلة، جمال عبد الناصر كان طلبه الرئيسي أيه في الوقت دا؟ عودة اللاجئين، لأن كانت دي المشكلة الحالة.. العاجلة، إنه الفلسطينيين خرجوا خارج ديارهم، يبقى لازم يرجعوا، شريت وافق على رجوع 100 ألف لاجئ، هل كان ممكن لـ(بن جوريون) والصقور الأخرى في إسرائيل أن تسكت؟ أبداً راحوا بقى ابتدوا يعملوا الألاعيب بتاعتهم والخطط المدبرة، لكي يُسكتوا أصوات الإسرائيليين الراغبين في حل المشكلة، فعمل فضيحة (لافون)..

سامي كليب [مقاطعاً]: وفي مصر.. وفي مصر هل كان هناك حمائم وصقور في عهد الرئيس عبد الناصر في بداياته؟

أحمد حمروش: يعني أنا في رأيي إنه في مصر كان كل التوجه ماشي مع ثورة يوليو، يعني استقبال الشعب..

سامي كليب [مقاطعاً]: بالنسبة للصراع مع إسرائيل، هل كان هناك حمائم وصقور؟

أحمد حمروش: هو الحمائم والصقور كانوا موجودين قبل الثورة، يعني كان فيه اتجاه بقبول مشروع التقسيم، إسماعيل باشا صدقي والحركات اليسارية كانت مع تقسيم فلسطين و(الوفد) ما كانش مع الدخول في الحرب، هي الجماعات المتطرفة يميناً هي اللي كانت بتدعو للدخول في المعركة، وتطوع منها بعض الناس، ودا طبعاً كان موقف ما تقدرش تعيبه في.. في هذه الظروف، لأنه كان موقف الإسرائيليين والعصابات الصهيونية كان خاطئاً في ذلك الوقت، ولكن بعد هذا التطور، وبعد (شاريت) ما عرض وبعد ما بدأت اتفاقيات السلام، ما كانش فيه أي توجه لغزو خارجي ضد إسرائيل ولا لضرب إسرائيل، ولا توجد في أديبات ثورة يوليو، ولا في أحاديث وتصريحات جمال عبد الناصر ما يشير إلى تدمير إسرائيل أو إلقاءها في البحر، ممكن يكون واحد مذيع أو رجل إعلام قال الكلام دا، لكن هذا لا يُلزم جمال عبد الناصر ولا يُلزم الثورة.

سامي كليب: وقرأنا أيضاً في الكثير من الكتب التي صدرت فيما بعد تحديدا الكتب الغربية والكتب الإسرائيلية، أن إسرائيل بادرت للترحيب بثورة 23 يوليو في البداية، ولذلك فالمحللون يعتبرون على الأقل -جزء لا بأس به- أن العرب هم الذين دفعوا -وتحديداً بعض الدول والحركات العربية- هم الذين دفعوا الرئيس جمال عبد الناصر للحرب مع إسرائيل وليس العكس.

أحمد حمروش: لأ، أنا في تصوري إنه الترحيب بثورة يوليو ربما كان نابعاً من التصور بأن هذا الحكم العسكري بيبقى زي.. الحكم العسكري في سوريا مُعادي للجماهير، إنما ما تصوروش إن حركة 23 يوليو ستتحول إلى ثورة، ونظل نحتفل إلى اليوم سنة 2001 بالعيد القومي بتاعنا 23 يوليو، هم تصوروا إن ثورة يوليو حركة عسكرية زي الحركات اللي وُجدت في بعض البلاد العربية.

سامي كليب: ربما لو لم ينوجد الرئيس جمال عبد الناصر على رأسها، لكانت تحولت إلى ما يشبه الحركة الطلابية..

أحمد حمروش: طبعاً. الرئيس جمال عبد الناصر لعب دور رئيسي، لكن تشكيلة برضو الضباط الأحرار، تشكيلة الشعب المصري ورؤيته الوطنية ورؤيته القومية، هي التي أدت إلى مسار ثورة يوليو واستمرارها إلى الآن.

سامي كليب: طيب. أستاذ أحمد يعني لن ندخل كثيراً في مجال التحليل، أنت كتبت والعديد كتبوا في الواقع عن الثورة، ولكن في الحديث عن إسرائيل، بعض الكتب التي صدرت وتحديداً: كتاب لصحافي وباحث فرنسي هو (شارل أوندر لان) أرَّخ لكل هذه الاتصالات مع إسرائيل منذ البداية، حتى اليوم، الاتصالات العربية بشكل عام، والمصرية تحديداً، أنت أيضاً في كتبك تحدثت عن هذه الاتصالات، لا بل أنك أسميت الأشياء بأسمائها، الاتصالات في فرنسا التي شاركت فيها شخصياً.

أحمد حمرويش: صحيح

سامي كليب: وهذا أحد المواضيع الرئيسية عندنا، أيضاً محمد حسنين هيكل (الكاتب المصري الكبير) أيضاً تحدث عن هذه الاتصالات بشكل موسع، كتابات صدرت في إسرائيل.. في أميركا، ولكن في هذا الكتاب.. كتاب (شارل أوندرلان)، نقرأ أنه حصل أول لقاء بين الإسرائيليين وجمال عبد الناصر قبل أن يصبح رئيساً، جرى ذلك حين كان الجنرال الإسرائيلي (إيجال ألون) أنا أقرأ الكتاب كما.. كما ورد فيه.. في الواقع، كان الجنرال الإسرائيلي إيجال ألون مسؤولاً عن الجبهة الجنوبية، فتم تكليف النقيب الإسرائيلي (ياروهام كوهين) وهو ضابط المخابرات -بالاتصال بالجانب المصري عبر الجبهة، فذهب بمفرده في سيارته العسكرية، حتى موقع (عراق المنشية) حيث استقبله نقيبان في الجيش المصري وقائدهما جمال عبد الناصر، وبدأ الضابط الإسرائيلي بالتنويه بشجاعة الجنود المصريين خلال الدفاع عن موقع كان احتله الإسرائيليون عشية اللقاء، فرد عبد الناصر بالسؤال عن رفيقه قائد الموقع وحصل على تطمينات بأنه مُعتقل، يروي الكاتب في الواقع الروايتين المصرية -كما أوردها محمد حسنين هيكل عن هذه الحادثة- والإسرائيلية التي أكدها كوهين ويقول: أن الطرفين، اتفقا على إرسال التفاصيل فيما بعد بهدف وقف إطلاق النار، ويروي كوهين أنه بعد إجلاء جيب الفالوجا تعانق عبد الناصر وكوهين، وقال له: آمل أن أراك يوماً سفيراً لإسرائيل في مصر. الرواية منقولة عن كوهين طبعاً، ولا يزال كوهين يحتفظ بذكريات تبادلها مع الزعيم المصري، هل هذه الرواية واردة خصوصاً أنك حققت في كل تلك الاتصالات؟

أحمد حمروش: يعني أنا هأفترض صحة ما قيل، ولكن جمال عبد الناصر كان أيه هو في الوقت دا؟ مجرد ضابط لم يكن في فكره ولا في أحلامه أن يحدث ما حدث في مصر. دا نمرة واحد.

نمرة اتنين: ما كنش فيه حركة ضباط أحرار، لم تُشكَّل إلا في نهاية 49 وبداية 50.

نمرة ثلاثة: جمال عبد الناصر في الوقت دا كان عضو في الإخوان المسلمين، فقصدي أقول يعني: إنه حتى لو حدث هذا، فهو يحدث من شخص غير مسؤول.

سامي كليب: نعم، ولكن نحن نعود إلى الجانب النفسي أستاذ أحمد، يعني ضابط..

أحمد حمروش: جمال عبد الناصر..

سامي كليب: عربي مصري..

أحمد حمروش: آه صح، جمال عبد الناصر يتميز بأنه لم يكن عدوانياً، ولو أخذنا تاريخ حياة جمال عبد الناصر لوجدنا أنه كان يدافع عن مصر وعن حق شعبها، دون أن يفكر في يوم من الأيام أن يكون غازياً أو عدوانياً.

[فاصل إعلاني]

سامي كليب: يعني حتى بالنسبة لإسرائيل لم يكن النفس العدواني هو الأساس؟

أحمد حمروش: طبعاً، بدليل.. بدليل زي ما قلت لحضرتك: إنه بن جوريون لما عمل فضيحة لافون في إسكندرية علشان يشيل شاريت، وبعد كده عمل غارة غزة 28 فبراير 55 هي دي اللي كانت نقطة التحول، خلت جمال عبد الناصر -وهو من أهداف ثورة يوليو- إنه يبقى فيه جيش قوي، فوجد الجيش فيه شهداء أسقطهم الإسرائيليين في غزة، هنا بدأت.. يعني الصقور الإسرائيليين هم اللي لعبوا الدور الرئيسي في تخريب أي محاولة للسلام بين مصر وإسرائيل.

سامي كليب: طيب. أستاذ أحمد حمروش في الكتاب أيضاً.. في كتاب شارل أوندرلان يقول: إن جهاز الموساد الإسرائيلي ساهم في هذه اللقاءات ومنها مثلاً اللقاء الذي تم بين مسؤول جهاز الاستخبارات الإسرائيلي آنذاك (مائير أميت) والمشير عبد الحكيم عامر، بواسطة شخصية سويسرية يهودية عام 65 في باريس.

أحمد حمروش: خمسة..

سامي كليب: وستين، ويقول: إن اللقاء كان بهدف التمهيد لمفاوضات سرية بين البلدين ولحصول مصر على عون إسرائيل لتلقي مساعدات اقتصادية غربية، بغية تخطي أزمتها الاقتصادية، وبعد اللقاء عمل الموساد -وفق الرواية طبعاً الواردة في الكتاب- على إقناع ألمانيا الغربية بتقديم قرض بثلاثين مليون دولار للمصريين، هل تصدق هذه الرواية؟

أحمد حمروش: لأ، يعني ما عنديش أي خبر عنها، ولم يُعرف عن المشير إنه كان بيقوم بمثل هذه العمليات أبداً.

سامي كليب: تعتقد أنها من باب التسريبات الإسرائيلية، أم أنكم لم تكونوا تعلمون بكل الاتصالات التي تجري؟

أحمد حمروش: ممكن جداً يكون من باب خطة إسرائيلية معمولة لأن دول لهم خطط لتفكيك الجبهات وإثارة الأحقاد وكذا يعني، إنما ما عنديش أي معلومات عن هذا الموضوع.

سامي كليب: طيب..

أحمد حمروش: ولا أتصور حدوثه.

دور أحمد حمروش في الاتصالات السرية بين مصر وإسرائيل

سامي كليب: طيب، طبعاً يعني قبل الرئيس جمال عبد الناصر، قبل أن نعود إلى دورك المباشر في هذه الاتصالات، يبدو أنه حصلت اتصالات عديدة أيضاً مع مكتب الملك فاروق، وتم التأكيد فيها على أن اليهود يعتزمون التوصل إلى التفاهم مع العالم العربي بمجمله لا تهمنا مرحلة الملك فاروق، نود التوقف فقط عند الرئيس جمال عبد الناصر ومرحلته.

الرواية الأخرى الواردة أيضاً في كتابك هي اللقاءات التي شاركت فيها أنت شخصياً من أجل ترتيب مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، هذه اللقاءات حصلت في باريس، أود أن تقول لنا أنت بالضبط ما الذي جرى؟ كيف اتصلت أولاً عبر أصدقاء مصريين يهود فرنسيين في الجانب الإسرائيلي؟

أحمد حمروش: أولاً: فكرة الاتصالات دي كانت بعد 67 بعد الهزيمة بتاعة 67، ده نمرة واحد.

نمرة 2: إنه الأصدقاء المصريين اللي سيادتك أشرت إليهم وكانوا بعضهم يهود كانوا مقتنعين أن إسرائيل كلها ليست بلون واحد، يعني لا يجوز أن تنظر إلى عدوك كما لو كان كتلة صمَّاء.

سامي كليب: ربما أستاذ أحمد فقط الإشارة من هم المصريون اليهود؟ بالطليعة كان هو (هوري كوريال) الذي كان أحد زعماء الحزب الشيوعي المصري، وأيضاً (إريك رولو)، وهو الصحافي الفرنسي الذي كان يكتب في صحيفة "لوموند" الشهيرة، وذو الأصل المصري تماماً ككوريال.

أحمد حمروش: صحيح، هوري كوريال معروف، لأنه ساهم مع الجزائريين في الثورة الجزائرية، ودخل السجن من أجل هذا، وله دور طويل ليس مجال توضيحه، لأنه كان رجل فعلاً مستنير ومصري، وعمل على أن يعود إلى مصر، وأخرج من مصر قسراً، لكن ده موضوع ثاني، فبأقول إنه هؤلاء المصريين لما جم تحاورنا في هذا الموضوع، وإن إسرائيل ممكن التأثير في الرأي العام فيها، وخصوصاً إن همَّ يعني ليسوا من دعاة الحرب، إنما من أنصار السلام.

سامي كليب: ولكن فقط أستاذ أحمد يعني خبرنا كيف حصل الاتصال في البداية؟ يعني هل كانت مبادرة منك؟ هل هم الذين اقترحوا عليك؟

أحمد حمروش: همَّ اللي اقترحوا، وأنا جيت بلغت جمال عبد الناصر، فجمال عبد الناصر قال استمر، نشوف لأن المفروض إن هو باعتباره هو الزعيم وشايف الصورة إنه يتعرف على ملامح الصورة كاملة، فبدأت أتصل ببعض العناصر اليسارية الإسرائيلية يعني (أمنون كابليوك)، (يوسيه) بتاع ده اللي كان (أولياف) اللي هو كان سكرتير حزب العمل، وهكذا، وبقيت..

سامي كليب: يعني سأورد لك كل الأسماء التي اتصلت بها، زرت فرنسا عام 69

أحمد حمروش: تمام.

سامي كليب: التقيت فيها بعدد من اليهود المصريين، في مقدمهم كان زعيم الحزب الشيوعي طبعاً (هوري كوريال)، الصحافي أريك رولو التقيت أيضاً بالكاتب والصحافي عضو حزب الماقبام ومراسل "لوموند" آنذاك في إسرائيل، الذي تحدثت عنه أمنون كابليوك..

أحمد حمروش: أمنون كابليوك

سامي كليب: التقيت نتانيا ليمور

أحمد حمروش: نتانيا ليمور كاتب مسرحي..

سامي كليب: وهو رغم أنه كان..

أحمد حمروش: وكان في (شتيرن)

سامي كليب: نعم، كان بدأ حياته في شتيرن يعني العصابة الإسرائيلية..

أحمد حمروش: ولكن تراجع، يعني عرف إن موقفه كان غلط، وبقى من أنصار السلام.

سامي كليب: نعم، التقيت أيضاً بالكاتب والأديب الإسرائيلي المشهور (عاموس كينان)..

أحمد حمروش: كينان كاتب مسرحي

سامي كليب: و(شالوم كوهين) نائب في الكنيست، وعناصر كثر من الحزب الشيوعي، هذه اللقاءات جاءت طبعاً بعد اللقاءات التمهيدية الأولى مع كوريال وإريك رولو.

أحمد حمروش: تمام، تمام.. صحيح.

سامي كليب: كيف تطورت هذه اللقاءات؟ ماذا حصل في أول لقاء؟ وكيف تطور؟

أحمد حمروش: تطورت هذه اللقاءات عندما أبلغني الصديق إريك رولو أن (ناحوم جولدمان) يريد مقابلتي، رئيس المجلس اليهودي العالمي عاوز يقابلني أنا ليه؟ فقال لي أنا ما أعرفش، لكن فأنا بمبادرة مني، لأني ما كنتش أقدر أستطيع إن أنا أتصل بجمال عبد الناصر، وأنا في باريس، وخصوصاً إن أنا كنت بأروح في مهمات سرية يعني دون معرفة حتى السفارة، فأقابله..

سامي كليب: دون الاتصال بالرئيس جمال عبد الناصر..

أحمد حمروش: نعم؟

سامي كليب: دون أن.. دون

أحمد حمروش: دون أن.. آه، ما أنا جاي لك، دون أن أتصل بجمال عبد الناصر.

سامي كليب: ولكن أود التوقف عند هذه النقطة، اسمح لي بالمقاطعة.

أحمد حمروش: تفضل

سامي كليب: يعني دون إبلاغ الرئيس جمال عبد الناصر أو أي سلطة مصرية أخرى رغم أن ناحوم جولدمان كان يحمل أيضاً الجنسية الإسرائيلية، وكان الاتصال ممنوعاً مع الإسرائيليين آنذاك.

أحمد حمروش: لأ، ما هو.. ما أنا كنت بأتصل بإسرائيليين already، أنا كنت بأتصل بالإسرائيليين فعلاً، وكان ده بمعرفة جمال عبد الناصر وبموافقته، لكن بالنسبة لجولدمان باعتباره شخصية شهيرة وكبيرة ما كانش عندي تصريح بمقابلته أو كان يعني فيه نوع من الحرج إن أنا أقابل مثل هذه الشخصية، المهم لما قابلته، فقال إن هو عنده دعوة لزيارة مصر، يعني بواسطة المارشال (تيتو) وطلب مني إن أنا يعني أرجو الرئيس جمال عبد الناصر أن يسهِّل هذه الزيارة لأنها من أجل السلام وكذا وكذا، حاضر وأنا في طريقي للمطار في باريس قريت الصحف لقيت إن ناحوم جولدمان كان راح إسرائيل، وقال إن جت له دعوة لزيارة مصر، ووقفت ضده (جولدا مائير)، وإن اللي حمل له الرسالة دي واحد ضابط مصري صديق لجمال عبد الناصر، أنا بيني وبينك قريت الحكاية دي، وقلت يعني أكيد فيه حاجة جاية مؤسفة يعني، فأول ما نزلت من المطار رحت على مكتب جمال عبد الناصر، وكتبت له مذكرة بالذي حدث، وروَّحت وأنا في حالة قلق، بعد يوم أو يومين طلعت "الأهرام" بمانشيت كبير قضية جولدمان حصلت مظاهرات راحت الكنيست وهتفت: إلى القاهرة يا جولدمان، إلى المطبخ يا..

سامي كليب: يا جولدا مائير..

أحمد حمروش: يا جولدا مائير، فيعني الموقف دل على إن إحنا نستطيع أن نحرِّك المجتمع الإسرائيلي والرأي العام الإسرائيلي لمساعدة الراغبين في تحقيق السلام، فاللي حصل بعد كده إن جمال عبد الناصر وافق على استمراري في هذه الاتصالات، وعَقْد صلة شخصية مع ناحوم جولدمان، وسافرت بعد كده، وبقيت أقابله، بمعرفة جمال عبد الناصر، لأنه جمال عبد الناصر كان يستطيع أن يحرك المجتمع الإسرائيلي مع حرب الاستنزاف، وده شيء مهم جداً.

سامي كليب: نعم، أستاذ أحمد حمروش، ماذا جرى في اللقاء الأول بينك وبين ناحوم جولدمان؟ يعني هل لك أن تروي لنا بالضبط ماذا قلت له وماذا قال لك؟

أحمد حمروش: هو إحنا تقابلنا في شقة إريك رولو، وبعدين كل اللي قاله إن عنده دعوة من جمال عبد الناصر حملها له المارشال تيتو، أو هو كان وسَّط المارشال تيتو إنه يجيب له دعوة لمصر، فهو كان كل اللي بيطلبه إنه بيترجى إنه جمال عبد الناصر يبعث هذه الدعوة بسرعة، بس.

سامي كليب: هذا كل ما حصل في اللقاء يعني مش معقول..

أحمد حمروش: الأول، في اللقاء الأول، ولكن طبعاً دار كلام كثير عن رؤيته للسلام، وإنه الحكومة الإسرائيلية حكومة لا ترى أبعد من قدميها، وإنها قصيرة النظر، وإن مستقبل إسرائيل هو إنها تعيش في سلام في الدول المحيطة بها، يعني كان اتجاه سلامي فعلاً يعني، ناحوم جولدمان كان شخصية سياسية عالمية كان له صلات مع معظم قيادات ورؤساء الدول، وأذكر إن هو قال لي أنتوا بتتصلوا بروجرز، اتصلوا بكيسنجر، ليه؟ لأن هو كان.. وكيسنجر ده كان بيشتغل مدير.. أمه كانت مديرة منزل ناحوم جولدمان في ألمانيا.

سامي كليب: مدبرة منزل. نعم.

أحمد حمروش: مدبرة منزل أو مديرة يعني، آه، فيعني قصدي أقول لك إنه كان شخصية عالمية، وكان يعني ودود جداً ومتحدث لبق.

سامي كليب: ولكن السؤال أستاذ أحمد: هل بعيداً عن الرئيس جمال عبد الناصر الآخرون الذين قدموا من الثورة من الضباط الأحرار هل اقترحوا مثلاً على الرئيس وقف هذه الاتصالات؟ هل شجعوه على المضي؟ هل عرفوا بكل ما حصل؟

أحمد حمروش: يعني أنا ما أعرفش الكواليس بتاعة السياسة المصرية أو الاتصالات اللي موجودة، لكن بالتأكيد المسائل دية كانت بتتبلور عند جمال عبد الناصر باعتباره هو القائد السياسي المشغول والمهموم بمشاكل الشعب بتاعته، المسائل كلها كانت بتصل إليه هو، وهو اللي عنده الرؤية الناضجة، وبعدين عاوز أقول حاجة: إنه هذه الاتصالات ما كان يمكن أن تتم وأن تثمر لولا حرب الاستنزاف، يعني حرب الاستنزاف كانت بتشكل تهديد خطير لإسرائيل، وأنا أذكر إنه في أثناء اتصالاتي مع بعض الإسرائيليين أنصار السلام إنهم قالوا لي أي أسرة إسرائيلية ابنها بيروح قناة السويس كانت بتقيم محزنة، أو تقيم يعني شبه ميتم، ليه؟ لأنه فعلاً حرب الاستنزاف كانت بتكبدهم خسائر مستمرة، فهو لما يضغط بحرب الاستنزاف من جهة وعناصر السلام تضغط من جهة أخرى ممكن يصلوا إلى صيغة سلام مقبول، ولذلك أنا عاوز أربط ده برضو بقبول جمال عبد الناصر لمبادرة روجرز رغم إن هو مبادرة روجرز أساساً قال إنها لن.. لن.. مش هتنجح، يعني نسبة النجاح فيها..

سامي كليب: يعني كان يود.. بالضبط

أحمد حمروش: ضعيفة جداً.

سامي كليب: كان يود الاستعداد عسكرياً.

أحمد حمروش: آه، يعني عاوز يوصل لصواريخ في غرب القنال استعداداً لاختراق قناة السويس وتحرير سيناء، لكن في نفس الوقت كان فيه نسبة ولو 1% إنه خلال الاتصالات بتاعة (….) أو نتيجة المبادرة، يبقى فيه شيء مبادرة روجرز

سامي كليب: على كل حال همَّ بعد الـ67 مباشرة بدءوا الاتصالات، يعني محاولات اتصال الأميركية بدأت مع إدارة (جونسون) بشكل قوي مع مصر آنذاك من أجل تفاوض غير مباشر مع الإسرائيليين..

أحمد حمروش: طبعاً.. طبعاً.. طبعاً.

سامي كليب: بعد اللقاء الأول إذاً في تلك الشقة المطلة على (البونتيون) حيث عظماء فرنسا في باريس.

أحمد حمروش: أيوه.

سامي كليب: أين حصلت اللقاءات الأخرى مع الجانب الإسرائيلي؟ ومتى؟ وكيف؟

أحمد حمروش: هي كانت بتحدث في بعض الشقق يعني بصفة سرية، لا.. لا تعقد في فنادق، وكان بيتولى المسألة دية الإخوان المصريين اليهود اللي موجودين هناك في باريس.

سامي كليب: ولكن ما.. ماذا حصل في هذه اللقاءات يعني تحديداً فيما بعد؟

أحمد حمروش: تواكبت معها لغاية لما أنتقل جمال عبد الناصر إلى رحاب الله فتوقفت..

سامي كليب: يعني اليوم أستاذ أحمد حمروش نتحدث طبعاً لمشاهد خصوصاً لجيل جديد قد لا يعرف ولا أي شيء عن تلك الاتصالات، أود فقط أن تروي لنا، يعني أجوبتك مختصرة مفيدة تماماً للتلفزة، ولكن أود أن تروي لنا ما الذي حصل فيما بعد، يعني من التقيت؟ وماذا حصل من نقاشات في خلال اللقاءات اللاحقة؟

أحمد حمروش: ما أنا اتصلت بالأسماء اللي سيادتك تفضلت وقلتها كنت بأتصل بها، وكانوا همَّ بيروحوا في داخل يعني إسرائيل ويعودوا بنبض الجماهير ونبض الشارع هناك، وبنلتقي وبأحمل نتائج الحوار أو ثمرة هذا الحوار إلى جمال عبد الناصر، فهو بيقدرها، وأود أن أشير إلى أن جمال عبد الناصر لأول مرة بيتكلم عن قوى أنصار السلام داخل إسرائيل في عيد العمال سنة 70.

سامي كليب: بالضبط.. صح.

أحمد حمروش: آه، وبعدين أشار إلى الاتصالات اللي أنا كنت بأعملها مع جولدمان في المؤتمر العام بتاع الاتحاد الاشتراكي سنة 70 برضو

سامي كليب: خطابه الشهير في المنشية في عيد العمال كان حين أشار إلى قوى السلام داخل إسرائيل.

أحمد حمروش: داخل إسرائيل، ما أعرفش كان في المنشية أو في شبرا الخيمة مش فاكر، لكن في عيد العمال في 70 أشار إلى هذه وكان دي أول مرة يُشار فيها إلى أنه فيه اتصالات دون أن يذكر أسماء طبعاً، لكن يعني ده دليل على أنه كان عنده الرؤية، وعاوز يوصل هذه الرسالة للجماهير.

سامي كليب: بعد هذه الاتصالات، طبعاً حُرق عملياً ناحوم جولدمان في إسرائيل، وقامت قيامة جولدا مائير رغم التأييد الشعبي المباشر له، وفهمتم أن جولدا مائير لا تريد التفاوض مع مصر، ما الذي حصل؟

أحمد حمروش: ما هي جولدا مائير كانت امتداد لبن جوريون ونقدر نقول ناحوم جولدمان امتداد لشاريت، يعني قصدي أقول إن ده بتاع الحمام وده بتاع الصقور، استمرت المسائل بهذا الشكل إلى أن حدثت أحداث أيلول الأسود في الأردن، وما عُرف بعد ذلك من تمزق في الجبهة العربية يعني.

سامي كليب: هل كان الفلسطينيون على علم بهذه الاتصالات بشكل مباشر؟ هل كنتم تخبرونهم عن تطور المفاوضات، أم أي دولة عربية أخرى مثلاً؟

أحمد حمروش: لا.. لا، أنا كنت بأقوم بهذه الاتصالات، وآجي أبلغ جمال عبد الناصر وبس، ليه؟ لأنه جمال عبد الناصر سبق أن وضع ثقته في برضو في اتصالات مع السودان، لما رحت بعد.. بعد انقلاب 25 مايو أو حركة 25 مايو رحت وقابلت جعفر النميري وقاضي القضاة بابكر النور، وقابلت الناس هناك، برضو كانت اتصالات خاصة يعني بيوفدني لشيء، بأقوم به بس.

سامي كليب: طيب أستاذ أحمد يعني الصحف الإسرائيلية على أقلها "هآرتس" آنذاك قالت إنك أقرب إلى الاتحاد السوفيتي منه ربما إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وأن السوفييت ربما يكونون خلف هذه المبادرة التي تقوم بها، طبعاً ووصفتك أنك يساري، ولست مقرَّباً على الأقل من الرئيس كما كان مقرَّباً محمد حسنين هيكل وفق تعبير الصحيفة، هل الاتحاد السوفيتي شجَّع عبر اليسار المصري، أكان عبرك مباشرة أم عبر كوريال.. كوريال أو رولو؟

أحمد حمروش: الاتحاد السوفيتي ماله ومال الموضوع ده؟ ده لا يعلم عنه شيء إطلاقاً، والاتحاد السوفيتي لم يكن له لا تأثير ولا قدرة على الضغط، ولا يقدر يضغط على السياسة المصرية، لأنه طبيعة جمال عبد الناصر الزعيم الوطني القومي كان لا يسمح لأحد بأن يضغط عليه، ونرجع..

سامي كليب: ولكن كان يسمح بالوساطات.

أحمد حمروش: نعم؟

سامي كليب: كان يسمح بالوساطات، بوساطة دولة…

أحمد حمروش: معلش ده.. ده شيء ثاني، الوساطة شيء والضغط شيء آخر، أو محاولة اتباع الضغط من أجل سياسة معينة، يعني إحنا لما نرجع لسنة 59 مش كان فيه خلاف علني على صفحات الصحف وفي أجهزة الإعلام بين جمال عبد الناصر وبين (خروشوف)، وكان في وقت إحنا محتاجين لهم، عشان خاطر يكملوا لنا السد العالي، فقصدي أقول إنه حكاية الاتحاد السوفيتي دي يعني تخريصات أو تخريجات إسرائيلية لا علاقة لها بالقضية إطلاقاً.

سامي كليب: وحين نُشرت المقابلة لك في إحدى الصحف الإسرائيلية فيما بعد لأحد الصحفيين الذين التقيت بهم في باريس، هل أثَّر عليك الأمر هنا في مصر، شخصياً يعني؟

أحمد حمروش: لأ إطلاقاً.. إطلاقاً.. يعني هتؤثر من ناحية أيه يعني؟

سامي كليب: يعني مثلاً نظرت الناس لك كشخص تتصل بإسرائيل، نظرة بعض زملائك السابقين من الضباط مثلاً؟

أحمد حمروش: لا أنا.. ما همَّ عارفين إن أنا بأتصل من منبع وطني، ومن توجه وطني، ومن توجه قومي، ومن توجه سلامي، فمش ممكن تؤخذ هذه المسائل على أساس إنها حاجة معمولة سراً ضد المصلحة، مش ممكن، ما تجيش تيجي إزاي؟

توجهات عبد الناصر الخاصة خلال المفاوضات مع إسرائيل

سامي كليب: أستاذ أحمد، ما هي الخطوط العريضة التي وضعها الرئيس جمال عبد الناصر لك في علاقاتك ومفاوضاتك على الإسرائيليين؟ هل كان.. هل كانت لديه توجهات خاصة في خلال هذه المفاوضات؟

أحمد حمروش: هي التوجهات الخاصة أن يكون هناك ضغط وضغط مستمر على الحكومة الإسرائيلية من أجل الانسحاب من الأرض العربية، يعني كان دا التوجه، عاوزين سلام تنسحبوا من كافة الأرض العربية اللي احتُلت بعد 67، وزي ما قلت لحضرتك قبل كده كان جمال عبد الناصر في اتصالاته اللي تمت في الخمسينيات أو بداية الستينات كان بيطلب عودة اللاجئين، إنما الصورة اختلفت دلوقتي، بقى فيه أرض محتلة، إذن لازم الأول تحرير الأرض المحتلة، دا كان التوجه العام السائد.

سامي كليب: غير زيارة (ناحوم جولدمان) الدعوة التي قيل إنها وُجهت إليه طبعاً، واللقاء مع الرئيس جمال عبد الناصر، حين طرحت السؤال شخصيا على (إريك رولو) إذا ما كان جاء بعض الصحفيين الإسرائيليين سراً أو الشخصيات الإسرائيلية، والتقت الرئيس جمال عبد الناصر قال اسألوا المصريين. أطرح عليك السؤال اليوم: هل جاء صحفيون أم شخصيات إسرائيلية يسارية شيوعية، وغيرها والتقوا الرئيس جمال عبد الناصر سراً.

أحمد حمروش: لم يحدث.

سامي كليب: لماذا؟

أحمد حمروش: ما.. ما حصلش.. ما حصلش، وبعدين جمال عبد الناصر..

سامي كليب: ولكن هم أعربوا عن الرغبة بالمجيء.

أحمد حمروش: ممكن، لكن جمال عبد الناصر، كزعيم بيخلي.. بيستخدم كل الجنود اللي معاه استخدام يعفيه هو من المسؤولية، يعني هو لما ييجي يعمل اتفاق يخلي كل الناس الأول تُمهد لهذا الاتفاق، ويبقى الاتفاق سليم ثم يوقع، مش زي ما حدث بعد كده من إن رئيس الجمهورية هو اللي يبادر بالذهاب إلى إسرائيل ويوقع، يعني المنهج مختلف.

سامي كليب: بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، بعد 4 أشهر على الوفاة كُلفت تقريباً بالشيء نفسه من قبل الرئيس أنور السادات، هل صحيح؟

أحمد حمروش: هو لما انتقل جمال عبد الناصر إلى رحاب الله، فأنا وجدت إن واجبي ومن مسؤوليتي أن أبلغ رئاسة الجمهورية الجديدة بما كان يتم، فرحت قابلت -الله يرحمه- حافظ إسماعيل، ورويت له كل القصة، فهو نفسه كان مفاجأ لأنه في.. في.. في.. بعض.. هذا الوقت كان سفير في باريس، وكنت بألتقي بيه كصديق أو.. يعني ضباط سابقين مع بعض، لكن من غيرها يعرف أيه الحكاية، فهو نفسه بلغته هذه الرسالة، ورفعها لأنور السادات، وفيما أتصور إنه الاتصالات استمرت مع ناحوم جولدمان ولكن خلال شخصية أخرى، مش أنا.

سامي كليب: من؟

أحمد حمروش: نعم؟

سامي كليب: من هي الشخصية الأخرى؟

أحمد حمروش: والله مش متأكد، يعني لو متأكد كنت أقول لك، لكن أنا سمعت أسماء ما أحبش إن أنا أقولها.

شروط عبد الناصر خلال تفاوض حمروش مع إسرائيل

سامي كليب: أستاذ أحمد حمروش، الرئيس (تشاوسسكو) الرئيس الروماني أرسل سكرتير الحزب الشيوعي الروماني، وكان نائب وزير الخارجية آنذاك (جورجو ماكونسكو) لمقابلة عبد الناصر في يونيو 68، وكان (جدعون رافاييل) وهو أحد كبار مسؤولي وزارة الخارجية الإسرائيلية أمضى فترة في رومانيا، ووفق الروايات التي قرأناها فإن الرئيس جمال عبد الناصر لم يرفض مبدأ التفاوض، ولكنه وضع شرطاً واحداً هو تقديم خريطة لمدى الانسحاب الإسرائيلي، ما هي الشروط التي كان يطلبها منك في خلال تفاوضك مع الإسرائيليين؟

أحمد حمروش: هو الشروط إنه تحرير الأرض.. كامل الأرض المحتلة، الأرض العربية كلها، يعني كان دا شرط أساسي لأنه المسألة -زي ما قلت لسيادتك- إنها تحولت إلى قضية وطنية، أرض عربية محتلة، طيب إزاي لازم تتحرر، ثم يبحث بعد ذلك إمكانيات وجود تسوية، إنما حكاية الحدود اللي حضرتك بتقول عليها في رومانيا أنا طبعاً لا أعلم أي شيء عن الاتصالات مع رومانيا دي، وجايز يكون دا خلال شخصية أخرى أو يعني حد تاني، لكن إسرائيل كانت دولة بلا حدود، لأن حدود إسرائيل في مشروع التقسيم غير حدودها بعد أن قامت، غير حدودها بعد العدوان.

سامي كليب: طبعاً هذه الرواية لمحمد حسنين هيكل في كتابه عن المفاوضات.. بالنسبة.. دائماً نعود لمحمد حسنين هيكل في الواقع لأنه كتب أكثر من غيره ربما عن المفاوضات السرية التي لم يعرف عنها الكثير، ولكن آنذاك هل جاءتكم أجوبة محددة من قبل إسرائيليين، أم أن إسرائيل لم تأخذ كل هذه الوساطات، ولا ناحوم جولدمان على محمل الجد؟ هل طلبتم أشياء محددة وجاءتكم أجوبة مثلاً؟

أحمد حمروش: طبعاً إحنا ما كان.. ما كناش بنتصل بالحكومة الإسرائيلية بداية..

سامي كليب: ولكن ناحوم جولدمان كان..

أحمد حمروش: بنتصل بالهيئات الشعبية الإسرائيلية و ناحوم جولدمان كان المجلس اليهودي العالمي يعني برضو هيئة شعبية، فما كانش فيه اتصالات مع الحكومة الإسرائيلية، وبذا ما كناش منتظرين ردود، إنما كنا بنشكل ضغط على الحكومة الإسرائيلية بما يكتبه الكُتَّاب، بما يفكر.. بما يروج له المثقفون، بما يتحدث به المسرحيون حتى في داخل إسرائيل، فالنتيجة إنه كان الهدف هو الضغط على الحكومة الإسرائيلية زائد ضغط حرب الاستنزاف، فتجد نفسها إنها مجبرة على قبول السلام.

سامي كليب: أيضاً في عام 69 قبل زيارة (أبا إيدان) إلى أديس أبابا حاول على ما يبدو الإمبراطور (هيلا سيلاسي) التوسط أيضاً مع مصر، وكان شرط الرئيس جمال عبد الناصر هو نفسه الذي طرحه، أي أعطوني الخارطة التي تود إسرائيل تحديدها بالضبط بالنسبة للحدود، وأنا أقبل بالتفاوض..

أحمد حمروش: آه، صحيح.

سامي كليب: ثم الملك حسين حاول طبعاً التفاوض، إضافةً إلى الوساطات الأميركية الدائمة، إذن مختصر الحديث أن الرئيس جمال عبد الناصر لم يكن يرفض مبدأ التفاوض، وأنه ربما لو بقي في الحكم ربما لم يكن ليذهب إلى القدس كما فعل الرئيس أنور السادات، ولكنه كان ربما وقَّع صلحاً.

أحمد حمروش: طبعاً هو يعني هو الحرب يمكن أن تحل أي مشكلة؟ مش ممكن، يعني الحرب لابد أن تنتهي إلى توقيع اتفاقية، كذلك الحرب العالمية الأولى، الحرب العالمية التانية مش انتهت إلى توقيع اتفاقيات، فكذلك الحرب العربية الإسرائيلية كان لابد أن تنتهي إلى اتفاق، ومش ممكن الشخص المسؤول عن دولة وعن شعب يقول أنا ضد التفاوض، الله!! ما أنت بتحارب هو بيقول، يعني لم يتوقف عن الحرب لحظة، حرب الاستنزاف استمرت 3 سنوات وشهرين، وبدأ.. و.. ولم يحدث وقف إطلاق النار رغم قرار مجلس الأمن، فهو عينه على هذا التوجه.. الذي يمثل القوة، وعشان كده قال: "ما أُخذ بالقوة لابد أن يُسترد بالقوة"، اللي هو حرب الاستنزاف، لكن هذا لا يمنع إنه تبقى فيه سكة أخرى للتفاوض من أجل الوصول إلى تسوية تُنهي الحرب، لأنه ما فيش حد أبداً وطني يقبل نزيف الدماء إذا كان يمكن توفيره بعمل سلام.

سامي كليب: على كل حال أنت أوردت في كُتبك حول ثورة يوليو الكثير من الشهادات التي تؤكد أن الرئيس جمال عبد الناصر كان أيضاً قد خُيِّب أمله من قبل الجانب العربي، وفي القمة التي عقدت مثلاً في الرباط على ما أعتقد..

أحمد حمروش: في..

سامي كليب: في الرباط..

أحمد حمروش: أيوه.

العلاقات المصرية العربية وأثرها في التوجه السياسي عند عبد الناصر

سامي كليب: قال بالحرف الواحد: يعني تودون التضامن مع مصر والقتال إلى جانب مصر، ولكن أخبروني كم ستدفعوا مساعدات؟ كم ستقدمون من قوات؟ أين.. هل ستفتحون جبهة في الأردن، وأيضاً هل ستفتحون جبهات عبر سوريا؟ يعني هل هذه الخيبة العربية -إذا صح التعبير- من قبل الأنظمة وليس الشعوب ساهمت أيضاً في دفع الرئيس جمال عبد الناصر إلى التفكير بالجانب السياسي إضافةً إلى التفكير بالجانب العسكري؟

أحمد حمروش: لأ مش عاوز أقول إن فيه خيبة أمل عند جمال عبد الناصر بالنسبة للأنظمة العربية، لأن من أنجح مؤتمرات القمة التي عُقدت مؤتمر الخرطوم اللي بعد هزيمة 67، في أغسطس، هذا المؤتمر -كما روى لي يعني المرحوم محمود رياض- وكان وقتها وزير خارجية إنه أنجح مؤتمر كان، ليه؟ لأنه العرب أنهوا خلافاتهم، كان معروف إن فيه خلافات بين مصر والسعودية حول اليمن، وخلافات أخرى مع.. مع ليبيا، وبتاع، فانتهت جميع الخلافات، وقدَّموا دعم مادي للدول التي أضيرت من العدوان، فما كانش فيه خيبة أمل عند جمال عبد الناصر بالذات بعد العدوان الإسرائيلي، لأنه التضامن العربي يظهر فعلاً في وقت الشدة.

سامي كليب: لنختم هذا الجانب عن السلام وإسرائيل أستاذ أحمد حمروش، هل في حواراتك مع الرئيس جمال عبد الناصر آنذاك كنتم تعلمون ببعض الاتصالات السرية العربية الإسرائيلية التي حصلت؟

أحمد حمروش: لأ.

سامي كليب: ولا حتى من قبل الأردن؟

أحمد حمروش: لأ.

سامي كليب: تحدثنا عن العلاقات العربية، أود أن تروي لنا ما حصل معك عام 57 على ما أعتقد في خلال زيارتك على رأس المسرح القومي المصري إلى بيروت.

أحمد حمروش: آه إلى بيروت.

سامي كليب: يبدو حصلت مشكلة.

أحمد حمروش: لا بس دي.. هو إحنا رحنا طبعاً، كان أنا متولي المسرح القومي من شهور، وبعد العدوان الثلاثي بشهور، ورحنا بيروت، وكان رئيس الجمهورية كميل شمعون ووزير الخارجية شارل مالك، ففوجئنا بإنه يعني كشك بيع التذاكر في ساحة البرج اتحرق، وفوجئنا إن أنابيب (ثاني كبريت الكربون) وُضعت في الصالة، وهو ذو رائحة كريهة، ففوراً تقدم لي أحد الإخوة السوريين، وطالب بأن نذهب إلى سوريا، ما كانش فيه اتفاق، ولا أي ارتباط بهذا، رحنا..

سامي كليب: ولاقت المسرحية نجاحاً كبيراً في سوريا.

أحمد حمروش: مش نجاح، المسرح القومي يعني استُقبل استقبال، وكان محمود رياض هو السفير هناك، ودا عبَّر.. بس اللي حصل في.. في.. في لبنان كان ضد إرادة الشعب اللبناني، لأنه كان بييجي لنا صلاح الأسير وغيره، يعبِّروا عن غضبهم مما يحدث، إنما كان نتيجة يعني المعادين للسياسة التحررية المصرية في ذلك الوقت..

سامي كليب: وتحديداً يعني إدارة الرئيس كميل شمعون..

أحمد حمروش: يعني.

سامي كليب: خصوصاً أنكم.. شو يعني؟ لا نتحدث بدبلوماسية اليوم، يعني أنتم دعمتم علناً..

أحمد حمروش: آه وطبعاً.. طبعاً ما هو.. هو المسؤولين يعني.. آه بالضبط.

سامي كليب: في الحديث عن التجربة اللبنانية أيضاً لبنان كان الدولة الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها مع فرنسا وبريطانيا خلال العدوان الثلاثي..

أحمد حمروش: صحيح

سامي كليب: هل ذلك أثر فعلاً نفسياً على الرئيس جمال عبد الناصر، وعليكم كضباط أحرار؟

أحمد حمروش: هو بالتأكيد كان دا يشكل صدمة عند أي واحد، لكن العلاقة مع الشعب اللبناني كانت متوهجة، لأن الشعب اللبناني كان ضد موقف الحكومة بتاعه، وهو لما قامت ثورة العراق طيب ما هو جابوا الأسطول الثالث ودخل، يعني قصدي أقول إنه فيه بعض الأنظمة العربية كان بتتخذ اتجاهات ضد المد التحرري الوطني اللي موجود في الوقت دا، لكن مش معنى كده إن دي نهاية العالم.

سامي كليب: طبعاً كما تفضلت الشعوب العربية كانت مع الرئيس جمال عبد الناصر، ولكن هذا لا يمنع أن بعض الأحزاب لم تكن مؤيدة تماماً له حتى الأحزاب ذات البعد والمد القومي، وأنت في كتابك توجه اتهامات مباشرة مثلاً إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي في لبنان، والذي تقول إنه كان ضد المصريين في شكل عام، وليس ضد ناصر فقط.

أحمد حمروش: وأُدينهم مما قالوه بس.

سامي كليب: وددت أيضاً أن نتطلع على بعض الصور التي لديك، لنرى ماذا تحتفظ من.. بماذا تحتفظ من تلك التجربة عن حياتك، ونكمل الحديث عن الجانب ربما السياسي المتعلق بالدول العربية، والجانب الفني والأدبي أيضاً.

أحمد حمروش: والله أنت جيت لي.. جيت لي في نقطة ضعف إن أنا يعني مهمل جداً في عملية الاحتفاظ بالصور، والاحتفاظ.. لغاية دلوقت، لكن نحاول.

سامي كليب: على كل حال ما.. بما تيسر قال يقال.

أحمد حمروش: نحاول.. اتفضلوا.

سامي كليب: يبدو أنك مع العمل الأدبي و..

أحمد حمروش: جون جارانج..

سامي كليب: المسرحي والفني أصبحت أكثر دبلوماسية مما كنت في السابق، على الأقل بما كنت في الكتب.

أحمد حمروش: آه بالتأكيد مع تطور العمر كمان، ودا..

سامي كليب: جون جارانج ماذا كانت العلاقة بينك وبينه؟

أحمد حمروش: العلاقة بيني وبينه بدأت هنا في مصر، واستضفناه هنا في اللجنة المصرية للتضامن أكثر من مرة، وعبَّر عن رؤيته، وإحنا شخصياً مؤمنين أو مقتنعين بإن رؤيته في إطار التجمع السوداني الديمقراطي رؤية سليمة يعني.

سامي كليب: الغريب أن مصر اتجهت للوحدة مع دول أبعد بالنسبة لها من السودان، لماذا لم تنجح الوحدة منذ البداية مع السودان مثلاً؟

أحمد حمروش: جمال عبد الناصر فوراً عمل على أن تكون العلاقة دائماً بين القاهرة والخرطوم علاقة وثيقة، حتى لما جه انقلاب عبود، وكان هذا الانقلاب في الوقت دا مثلاً بيساعد.. بيسمح للطائرات البريطانية إنها تعبر أجواء السودان عشان تضرب الثورة في اليمن، بينما مصر كانت بتؤيد ثورة اليمن، كان فيه الجمهورية العربية المتحدة، ومع هذا حرص على أن تكون العلاقة بين القاهرة والخرطوم علاقة وثيقة، ليه؟ لأنه عارف إن الشعبين تربطهم أوثق العلاقات، وأنه لا يمكن ولا يجوز للأمن القومي أن يكون هناك خلاف بين القاهرة و.. والخرطوم، وعمل اتفاقية الميه..

سامي كليب: ولكن محاولة.. نعم.

أحمد حمروش: مع عبود، مع الفريق عبود.

سامي كليب: ولكن محاولة وحدة مع سوريا، محاولة وحدة مع اليمن، مع العراق، إلا مع السودان آنذاك.

أحمد حمروش: يمكن كان لها برضو البعض اللي حضرتك تفضلت بيه إنه مش عاوزين يبقى كإنها بتُفرض، إنما تيجي بالإرادة السودانية الديمقراطية.

سامي كليب: على ذكر الوحدة -أستاذ أحمد، قبل أن نستكمل الصور- فقط سؤال عن دور الملك سعود، أنت أوردت في كتابك أنه في خلال تأثيره على الوحدة السورية المصرية دفع مليون دولار للسرَّاج الذي كان آنذاك طبعاً مسؤولاً عن الإقليم السوري..

أحمد حمروش: صحيح.

سامي كليب: ما هي صحة هذه المعلومات؟ وهل فعلاً السعودية لم تقبل مطلقاً بأي وحدة بين مصر ودولة عربية أخرى؟

أحمد حمروش: هو المعلومة طبعاً صحيحة بناءً على الرواية التي قيلت يعني وعبد الحميد السراج كان هو المسؤول..

سامي كليب: أنت تؤكد أن الشك موجود، صورة عن الشك موجودة؟

أحمد حمروش: نعم، و.. و.. ولكن مع هذا أنا بأتصور إنه ما حدث بين مصر وبين السعودية في الأول دا كان فيه اتحاد ثلاثي بين مصر والسعودية ومصر.. وسوريا، فالعلاقات العربية يمكن أن تكون وثيقة زي ما قلت إذا كان فيه خطر مشترك أو ما فيش رغبة في إنه دولة تبقى تبع معسكر ودولة أخرى تبع.. تبقى تبع معسكر تاني، لأنه إحنا مش لازم أبداً ننسى أو نهمل تأثير الحرب الباردة على الوطن العربي.

سامي كليب: إذن الواقعة صحيحة، وعبد الحميد السرَّاج الذي رجاله أذابوا بحامض الكبريت أيضاً فرج الله الحلو، المسؤول الشيوعي.

أحمد حمروش: دي مسائل بقى بتدخلنا في الشؤون الداخلية للدول.

سامي كليب: ولكن أنت تذكرها. في الواقع أنا أحاول أن أعود إلى ما كتبت.

أحمد حمروش: آه يعني هو ما.. ما.. ما قيل يعني، يعني إنما.. وما كُتب و..

سامي كليب: وأنت كتبته وُفق ما قيل أم وفق معلومات أكيدة؟

أحمد حمروش: طبعاً معلومات أكيدة بالنسبة لي أنا طبعاً تبقى عملية صعبة، إنما بالنسبة لما كتب ولم يرد عليه، وأُكد من الناس اللي عارفين .. كتبت.

أنا كتبت حوالي 32 كتاب، من أول كتاب كان اسمه "حرب العصابات"، وده كان سنة 47 أيام حرب فلسطين، وبعدين الكتاب الثاني كان "خواطر من الحرب"، وبعدين أول كتاب كُتب في عهد الثورة بقى كان اسمه "أسرار معركة بورسعيد" ثم بدأت تتوالى الكتب قصص قصيرة، ومسرحيات، وكتب أدبية، وكتب رحلات، ثم قصة ثورة 23 يوليو من 8 أجزاء

سامي كليب: في كتبك حول ثورة 23 يوليو لفت نظري "خريف عبد الناصر"، وأعتقد أنه الأخير كان في هذه السلسلة، أنك في ختامه تقول إن الرئيس جمال عبد الناصر مات، وقصة ثورة 23 يوليو لم تكتمل بعد، في الواقع قد يناقض هذا الواقع، حيث لم نعد نرى أثراً كبيراً لا للذين صنعوا الثورة ولا لهذه الثورة.

أحمد حمروش: النظام الحالي هو نظام ثورة يوليو، ولكن هل فترة جمال عبد الناصر زي فترة أنور السادات، زي فترة حسني مبارك؟ بالتأكيد كل فترة بتختلف نتيجة الظروف اللي بيبقى فيها المنطقة ومصر والعالم.

سامي كليب: أنتم كضباط أحرار سابقين، هل تشعرون أنكم مغبونون في المجتمع المصري بعد كل هذه الفترة؟

أحمد حمروش: أنا لم أفكر في مسألة الغبن إطلاقاً، لأني أعمل دائماً بما يرضي ضميري، وليس بما أبتغيه.

سامي كليب: صحيح أن مصر لا تزال تحتفل بثورة يوليو، ولكن يجب الاعتراف بأن جمال عبد الناصر وضباطه الأحرار باتوا شيئاً من تاريخ تغير، ويرفض الكثيرون الاعتراف به رغم أن إسرائيل لم تتغير.