منظر عام (وجهة نظر )
وجهة نظر

الموحدون الدروز

تبحث الحلقة في طائفة الموحدون الدروز التي نشأت في مصر لكنها هاجرت إلى الشام. يعيش أبناؤها اليوم في لبنان وسوريا وفلسطين، فماذا يقول الموحدون الدروز وما وجهة نظرهم؟

– التشعب من المدرسة التوحيدية وألوهية الحاكم
– سرية الفرائض وعصمة الإمام الجزئية
– تبني الجوانب الفلسفية والتقمص الروحي

 

[تعليق صوتي]


undefinedسيطرت الضبابية على واقع العلاقات بين المذاهب الدينية المتنوعة في الشرق والموحدون الدروز كغيرهم من المذاهب تعرضوا ومنذ نشأتهم إلى تأويلات متعددة بشأن عقائدهم وعباداتهم وانقسمت التأويلات بشأن المذهب التوحيدي بين وجهتي نظر، الأولى تقول إن الموحدين هم أحد المذاهب الإسلامية رغم بعض الاجتهادات الخاصة بهم والأخرى نسبت التوحيد إلى العقيدة المصرية القديمة وإلى تأثرهم بالفكر اليوناني القديم، ما هي حقيقة المذهب التوحيدي وعقائده؟ وما سر الأساطير والروايات التي نُسجت حول هذه الطائفة وأبعدتها عن سائر الطوائف الإسلامية؟

التشعب من المدرسة التوحيدية وألوهية الحاكم

مرسل نصر- رئيس المحاكم الشرعية الدرزية: لنأت من البداية، أولا الموحدون هم من أتباع المدرسة التوحيدية التي حصلت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بقيادة الإمام علي عليه السلام وكان من بين أعضائها سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد وبقي هؤلاء متشيعين للإمام علي عليه السلام وأتباعهم أيضا تشيعوا للإمام علي وترافقوا مع الشيعة لغاية الإمام جعفر الصادق حيث حصل هناك طبعا اختلاف، فبعضهم اتبع الإمام إسماعيل وبعضهم اتبع موسى الكاظم وهو الإثنى عشرية ولذلك بقيت الأمور متسلسلة نحن والاسماعيليون لغاية الإمام الحاكم عليه السلام حيث توقفنا هناك وبقي الاسماعيليون متابعين الإمامة من بعد الإمام الحاكم عليه السلام بالإمام الظاهر ومن جاء بعده.

علي الخازم- أمين سر هيئة الأمناء في تجمع العلماء المسلمين: الظروف العامة التي كانت تعيشها الأمة الإسلامية في تلك المرحلة كانت نوعا ما تعيش في حالة فوضى وفي حالة اختلاف ما بين رمز الخلافة في بغداد والقاهرة وكانت تعيش أيضا الاختلافات المذهبية والاختلافات المحلية الإقليمية، في ظل هذه الظروف نشأ المذهب وأعلن الحاكم بأمر الله دعوته التي اعتبرت دعوة اللي هي توحيد المذاهب الإسلامية والعودة على الأقل بأصحاب المذاهب الإسلامية إلى الحالة التي يفرضها الإسلام من احترام بعضهم البعض واحترام آراء بعضهم البعض.

إبراهيم الصالح- رئيس المكتب السياسي لحركة التوحيد الإسلامي: الموحدين الدروز فرقة من الفاطميين ظهرت بالنصف الثاني من القرن الثالث للهجرة والقرن التاسع الميلادي، اعتقاداتهم تقتصر بشكل أساسي باعتبار الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي هو الإله المعبود وأن روح الله حلت بآدم ومن بعده بالإمام علي ومن بعده بالعزيز الفاطمي ومن بعده بالحاكم بأمر الله.

[تعليق صوتي]

أدت الخلافات بين دعاة المذهب حول ألوهية الحاكم بأمر الله إلى مقتل نشتكينا الدرزي أحد أكبر دعاة المذهب على يد الموحدين وعلى الرغم من تأكيد علماء الموحدين هذه الواقعة إلا أن الأسباب بشأن مقتل الدرزي ما زال يلفها الغموض، هل قتل لأنه أصر على تأليه الحاكم بأمر الله أم لأنه ادعى الألوهية لنفسه؟

مرسل نصر: الموحدون والدروز كانوا من أتباع الدرزي الذي كلما ذكرناه لعناه، غير أن الدرزي عندما انحرف عن الدعوى الإسلامية التوحيدية قتله الموحدون وبقى بعض أتباعه تابعين له ونحن نلعنهم أيضا إلحاقا بلعنته.

إبراهيم صالح: أما فيما يتعلق بألوهية الحاكم فهذا بحث فلسفي معقد، عندما تقول بأن الله حل في الحاكم فهم لا يكونون ممن يؤلهون الحاكم، إنما يؤلهون الإله الذي حل في الحاكم وهذا بحث فلسفي وفي بعض الأحيان الناس تلجأ للتورية ببعض المسائل حتى ما يقولوا نحن نعبد الحاكم فإن حقيقية كما يظنون لا يعبدون الحاكم وإنما يعبون شيء آخر.

"
الدروز كطائفة شيعية تقول الإمام معصوم لأنه لو لم يكن معصوما لما كان يستحق أن يؤول القرآن الكريم
"
سامي مكارم

سامي مكارم- مؤرخ: تأليه الحاكم بأمر الله أنا أستطيع أن أقول إن هذا محض افتراء، بعض الناس يريدون أن يصلوا إلى نتائج غير صحيحة لأغراض في أنفسهم، فهذا محض افتراء أقولها مرة ثانية، الدروز كطائفة شيعية تقول بهذا التقليد الشيعي الذي يقوم على أن الإمام هو المعلم، هو الذي يؤول القرآن الكريم فلذلك يجب أن يكون الإمام سواء عند الشيعة الإثنى عشرية.. الإمامية الإثنى عشرية أم الشيعة الإسماعيلية وما تفرع عنها، فالإمام هو الذي.. هو معصوم لأنه لو لم يكن معصوما لم يكن ليستحق أن يؤول كلام الله.. القرآن الكريم، فلذلك هذا الإمام هو مؤيد من الله وهذا هو التقليد كما قلنا من الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه إلى الأمام الحاكم بأمر الله.

[تعليق صوتي]

ابتعدت الحقيقة التوحيدية عن كل الأشكال المعهودة للإسلام السنية منها والشيعية واستمرت في إطار السرية المطلقة بين القائلين بها وإن فشلت هذه العقيدة في اجتذاب ما يكفي لها من الأتباع في مصر، قام مؤسسوها من عام 1017 ميلادي بنشر دعوتهم في بلاد الشام بين العشائر العربية التي كانت أصلا على مذهب الإسماعيلية، نجحت الدعوى التوحيدية في عام 1026 ميلادية في استقطاب القبائل العربية التنوخية التي كانت تسكن جبل الشوف ووادي التيم في لبنان وجبل العرب في سوريا.

سامي مكارم: الفكر الشيعي نشأ في بادئ الأمر في المغرب ثم جاء أيضا مع الفتح الفاطمي إلى مصر وانتشر المذهب الشيعي الإسماعيلي في مصر أيضا، كذلك لا نرى أثر للمذهب الشيعي في مصر أيضا، لا أستطيع أن أقول إلا من الأمور التاريخية.. من الأسباب التاريخية أنه عندما انتهت الدولة الفاطمية علي يد صلاح الدين الأيوبي استطاع صلاح الدين الأيوبي أن يجعل المذهب أو المذاهب الإسلامية في مصر قائمة على المذاهب السنية.

إبراهيم الصالح: الداعي الثاني الحسن بو حيضر الفراغاني عندما أراد أن يبلغ رسالته إنه الحاكم بأمر الله هو الرحمن الرحيم قام الناس عليه وقتلوه هو ومن معه الخمسين، يعني الناس في مصر لم يكونوا متقبلين فكرة تأليه الحاكم أصلا ورغم وجود أسرار عن حركة دعاة المذهب التوحيدي في مصر إلا أن يعني الاتجاه الأساس يذهب إلى أنهم قتلوا جميعا بما فيهم الحاكم ولم يبق منهم إلا الدرزي الذي كان يدعو في وادي التيم وجزء من الروايات التي تقول بأن الموحدين ثاروا عليه ولذلك يرفضون أن يتهموا بأنهم دروز أن الدرزي حاول أن يدعي الألوهية لنفسه وأن روح الحاكم قد حلت به شخصيا.

[تعليق صوتي]

يختلف علماء الموحدين من الدروز فيما بينهم بشأن الالتزام بالفرائض الإسلامية وفيما تؤكد مجموعة منهم على ضرورة ممارسة الصوم والصلاة والزكاة والحج ترى مجموعة أخرى بأن هذه الفرائض قد أُسقطت عنهم وهذا الخلاف قد يفسر افتقاد القرى والبلدات الدرزية للمساجد، فأمكنة التعبد لديهم ثلاثة أنواع.. المجلس، الخلوة، المقام، المجلس مكان لاجتماع العموم والخلوة مكان خاص يختلي فيه المتوحد العاقل التقي المتعبد لربه، أما المقام فمزار مخصص لأحد حدود الدعوة يأتيه الدروز في مناسبات سنوية معينة للتبرك من ترابه والصلاة على روح صاحبه.

بهجت غيث: أقول إن الموحد العارف الذي يعبد خالقه بعقله وروحه يعرف حقيقة المعرفة أن خالقه ما كلفه هذه الواجبات والعبادات كرهاً.. كلفه إياها طوعا، أنا لا أقول بعدم جدوى هذه العبادات إنما أقول هذه الطقوس وهذه التعبدات إذا كانت تعبدات جسمانية لفظية من اللسان دون خشوع القلب وصلة القلب.. صلة المخلوق بخالقه لا تجدي نفعا ومن هنا أقول بكل صراحة أن الموحد لا ينعتق من هذه الواجبات كما ذكرت إلا إذا كان لديه بديل عنها وهذا البديل هو بديل روحي.

مرسل نصر: يا سيدي الحق على الأتراك كما يقال، لأنه في زمن الحكم العثماني كانت قرى الدروز ومدنهم فيها جوامع ويصلون في الجوامع إلى أن حصلت بعض المجازر التي سببها الأتراك في الجوامع وهدمت الجوامع أيضا وذلك إبعادا للدروز عن واقعهم الإسلامي، بالنظر للفتاوى التي صدرت آنذاك من وعاظ السلاطين وكفروا الدروز بهذه الفتاوى وهدمت جوامعهم وجاء طبعا الأئمة آنذاك وطلبوا من الناس الصلاة في بيوتهم عملا بقول النبي صلى الله عليه وأهله "أيها الناس صلوا في بيوتكم فإن خير الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" يعني يوم الجمعة والدروز يجتمعون في يوم الجمعة في مجالس وهي تشبه الحسينيات وسميت مجالس طبعا نسبة للتسمية الفاطمية.

سرية الفرائض وعصمة الإمام الجزئية

علي الخازم: ما نعرفه عنهم أنهم يمارسونها سرا دفعا لظاهرة الرياء وليس من باب التقية لأنهم لم يكونوا أمام منع من إقامة الصلاة أو الصوم أو الذهاب إلى الحج ولكنهم يعتبرون أن أداء هذه الفرائض يحتاج إلى السرية التي يقصد بها حفظ النفس من الرياء ومن التظاهر أمام الآخرين بالعبادة وما إليه من المسائل المعنوية.

[تعليق صوتي]

عرفت التقية من قبل المسالك العرفانية القديمة في الأديان السماوية والرسالات المقدسة وأبرز مبادئ هذه العقائد عدم إفشاء الأسرار العميقة والتأويلات الباطنية إلا لمن يكونوا أهلا لفهمها يعيي معانيها ويصونها من غير أهلها والتقية عند الموحدين ذات وجهين.. الظاهر وهو يختص بالطقوس والأحكام والباطن لا يكشف إلا للأصفياء العارفين.

"
التقية مبدأ إسلامي يستند إلى نص قرآني ومفادها أن للمسلم أن يظهر بعض المسائل وأن يخفي بعضها بما يعينه على اتقاء شر الطرف المعادي
"
 علي الخازم

علي الخازم: التقية مبدأ إسلامي يستند إلى نص قرآني ومفادها أن للمسلم أن يظهر بعض المسائل وأن يخفي بعض المسائل بما يعينه على اتقاء شر الطرف المعادي، لكن حصل الاختلاف عند البعض أنه هل تجوز التقية بين المسلم والمسلم أو أن التقية تكون دائما ضد الكافر؟ والواقع أن هذه المسألة.. يعني طرح قضية عدم جواز التقية بين المسلمين مرجعه إلى المسألة العقائدية وأن المطلوب.. بمرحلة من المراحل المطلوب إظهار كل ما لدى فريق من المسلمين من عقائد أو من أمور، على كل في هذا المستوى لم يعد هناك اليوم أي مجال للتقية، فمثلا عندما كان الشيعة يأخذون بالتقية في إخفاء بعض أحوالهم لم يكونوا يخفون أصل العقيدة التي يعتقدون بها وإنما كانوا يتخفون شخصيا من السلطات التي تناوئ مذهبهم والتي يمكن أن تتعرض لهم بصورة شخصية.

مرسل نصر: الوحيد يفترض أن يكون مصون.. فالتقية من هنا تأتي، لذلك لن تأتي أيضا التقية إلا من منطلق إسلامي، لما مثلا الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال التقية ديني ودين آبائي ومن لا تقية له لا دين له، فالتقية لا تعني الخوف، أنه اللي ما عنده خوف ما عنده دين.. مش هذا المطلوب، فلما قال التقية ديني ودين آبائي ومن لا تقية له لا دين له لأن التقية صفة ملازمة للتوحيد، فهناك أسرارا وعندما قال أيضا الإمام علي عليه السلام والله لو ناديت في عسكري هذا ما نزل على الرسول صلى الله عليه وآله وشرحته وفسرته لم يبق من إلا أقله وأذله واستوحشوا منه وتفرقوا عني إذاً في هناك أسرار.

أبو صالح عبد الوهاب أبو فخر– موحد متصوف: السيد المسيح عليه السلام قال لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا جوادكم وجواهركم للقردة والخنازير فتلتفت عليكم فتمزقكم، قال سيدنا إدريس عليه السلام لا يكاشف بالمعرفة التامة إلا من اجتاز ما جزناه من حق لأن الحقائق تعطى على قدر العقول ومن هذا قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الأنبياء أمرنا ألا نكلم الناس إلا على قدر عقولهم.

[تعليق صوتي]

يعتقد الموحدون الدروز أن التوحيد قديم قدم الكون وهو مسلك عرفاني صعب المنال وتضمنته كل شريعة سماوية، وأي تفسير لبعض المظاهر البارزة في مجتمع الموحدين كعقيدة التجلي واعتبارها لا تمت إلى الإسلام بصلة يعتبره علماء الموحدين فهما خاطئ للديانة المحمدية وجهلا بمعرفة المعاني العميقة للإسلام.

مرسل نصر: تجلي في الإنسان هو عبارة عن اكتساب صفات من صفات الله كالعدل، كالكرم، كالسخاء كالعفو، كالمسامحة.

نازك أبو علوان– باحثة: ابن عربي الحلاج اعتبروا أن الله فيهم، إنهم يتكلمون باسم الله وإنهم الله بالذات لأن الله موجود في ذات كل إنسان، موجود في كل.. يعني نجده في ذاتنا ولم نستطيع أن نتعرف إليه إلا في أعماق ذاتنا.

سامي مكارم: هكذا يفهمون الخلق، أن هذا الخلق لم يكن خلقا قائما على صنعة بل هو خلق من الله وأن الله في.. بكونه الله لا محدودا لا يمكن أن يخلق شيئا خارجا عنه فهو إذا هذا الخلق هو تجلي لله.

مرسل نصر: عندما يقولون الشيعة مثلا الأئمة معصومون.. معصومون لماذا؟ العصمة لله وحده، نحن طبعا نعتقد بأن هناك عصمة ولكن عصمة ليست مطلقة وإنما عصمة نسبية، إنما هذه العصمة.. دعنا من النسبية والمطلقة، إنما هذه العصمة لا يمكن أن تتم إذا لم يكن هناك لطيفة إلهية في الإمام وإلا من أين تأتي العصمة؟ يعني يكون كالإنسان، فهو تقدم روحيا لدرجة أنه أصبح معصوما عن الخطأ بسبب اللطيفة الإلهية التي كشف عنها، فهذا هو التجلي.

مشارك أول: أعوذ باله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْفَجْرِ (1) ولَيَالٍ عَشْرٍ (2) والشَّفْعِ والْوَتْرِ (3) واللَّيْلِ إذَا يَسْرِ (4)} في الآية الأولى هناك تفخيم الراء، في الآية الأولى والفجر.

[تعليق صوتي]

من الروايات المتداولة بين عامة الناس أن طائفة الموحدين الدروز تقدس كتابا غير القرآن الكريم يطلقون عليه اسم الحكمة يعتمده العلماء في استنباط أحكامهم الفقهية.

مشارك أول: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)}.

مشارك ثاني: ما هو حكم هذه الآية؟ تنوين بعده حرف.

مشارك أول: إخفاء.

مشارك ثاني: إخفاء حقيقي.

[تعليق صوتي]

وهذا الكتاب هو حكر على طبقة العقال، يحق لخم وحدهم الاطلاع عليه من دون طبقة الجهال باعتبار أن العقال هم القيمون على الدعوة والمحافظون على سريتها وسرية كتبها.

نازك أبو علوان: الحكمة لها قدسية خاصة في حياتنا، فهي تجل من جمع أفراد الطائفة إن كانوا مستلمين الدين أو غير مستلمين للدين، يعني فلا يمس هذا الكتاب إلا مع التقبيل والانحناء احتراما ويصان في بيت خاص.. يعني يبقى من القماش وقد يطرز يعني ويوشى بخيوط ذهبية وأكثر، دائما موضوع في مكان مصان وفيه إجلال.

[موجز الأنباء]

مرسل نصر: الحكمة عند الموحدين مصطلح يطلق على التوراة وعلى الإنجيل وعلى القرآن وعلى أحاديث الرسول وعلى أقول الأئمة.. فكلها حكمة، الحكمة هو وضع الشيء في نصابه أو في موضعه ولذلك يطلق على كل هؤلاء الحكمة، أما بالنسبة عندنا.. عندنا هناك كتب هي كتب عرفانية، يعني تبحث في العرفان، تبحث في أسرار هذا العرفان ولذلك تبقى هذه محفوظة بيد الشيوخ لا يصل إليها إلا كل مَن هو مداوم على الصوم والصلاة وعلى اتباع الأوامر والانتهاء عن النواهي وبشكل دقيق طبعا وعنده زهد في طبعا متطلبات الحياة، فعندها قد يصل إلى رتبة عرفانية يتدرج فيها ليصل إلى نوع من المكاشفة.

إبراهيم الصالح: الدعوة الدرزية لم تدخل ولا في يوم من الأيام في حوار ولا مع أي دعوة أخرى، يعني هي لم تتعرض للنقد ولم تتعرض للتجريح ولم تتعرض للحوار أبدا وكان مطلوب أن تبقى في هذه الأحوال من الصفاء، لأن إن لم تكن بقيت في هذه الأحوال من الصفاء لم يكن من المنطق أن تبقى فكرة لمجتمع محدود، لذلك غير العقلاء ليس من المنطق أن يعرفوا عنها شيء، ليش؟ لأنه غير العقلاء أو الجسمانيين من المنطقي أن يدخلوا في حوار مع أي كان ليثبتوا وجهة نظرهم وهذا يتنافى مع حالة الحفاظ على الدعوة لأن الدعوة لو كشفت لتعرضت للنقد والتجريح وليس من السهل الدفاع عنها، لذلك سعوا إلى هذا الشكل من الأشكال.. يعني يوجد هناك مطبخ عقل يحفظ الدعوة بشكل كامل ومجتمع آخر يدور حول هذه الدعوة ويدافع عنها ويتخذ القرارات المناسبة لأجلها دون أن يكون في موقع الإيمان الدقيق بتفاصيلها.. إن ما هو في موقع الإيمان الشكلي فيها.

[تعليق صوتي]

يعترض الموحدون على الاتهامات التي توجه إليهم بشأن خروجهم على مبادئ الإسلام مستخدمين الجوانب الفلسفية في المذهب التوحيدي من فكر يوناني وهندي وتصوف إسلامي وعلى الرغم من عدم قداسة هذه الاتجاهات فإن الموحدين يعتمدونها بشكل أساسي في رؤيتهم للوجود وللآخرة.

سامي مكارم: العقائد التوحيدية هي عقائد شيعية وأيضا عرفانية.. الصوفية القائمة فيها وهذا أيضا موجود في الشيعة سواء كان في الشيعة الإسماعيلية أم في الشيعة الإثنى عشرية.

تبني الجوانب الفلسفية والتقمص الروحي

نازك أبو علوان: إذا عندنا إلى الفلسفة الهندية نقول وكأنها من جميع الشرائع وجميع الأديان، يعني فيها التوجه التوحيدي الروحاني الراقي الكبير، أظن إنه معظم الأديان تأثرت بالفلسفة الهندية حتى اليونان بالذات تأثروا بالفلسفة الهندية، حتى الفترة المنقطعة التي لا نعرف عنها شيء في حياة المسيح.. نعرف طفولته حتى ابن 12 سنة ثم يطلب علينا ابن ثلاثين سنة، يقال إنه كان في الهند يتتلمذ، الفلسفة الهندية إذاً غذت الفلسفات الأخرى وعن طريق الفرس كمان وصلت الفلسفة الإغريقية إلى العرب وإلى الدروز بالذات وقد تأثرنا بها لا شك.

أبو صالح عبد الوهاب أبو فخر: الكشف أو التوحيد موجود منذ الأزل، التوحيد صلب القرآن الكريم وصلب الإنجيل وصلب التوراة وصلب الصحف، كل هذا مثلما قال فيه التوحيد، التوحيد هو روحها وصلبها.. مثلما قلنا يعني ولكن هنا إنه عبارة عن الإشارات والرموز والمفارقات والمباينات الموجودين هي نتيجة للتفاسير الخاطئة وإلا ما فيش حقيقة واحدة مثلما قلنا، ما فيش اختلاف على الحقيقة.

[تعليق صوتي]

التقمص عقيدة توحيدية قديمة أخذ بها كثير من الحكماء والفلاسفة، كما أتي على ذكرها في العقيدة المسيحية والإسلامية، استدل علماء الدروز بالأدلة الدينية لتثبيت هذا المبدأ الذي يقوم على أن الأرواح تنتقل من جسم إلى جسم وأن الجنة روحانية خالصة تقوم السعادة فيها على التوحيد وأثمارها العلوم الإلهية الحقيقية التي بها يتخلص الموحدون من جهلهم ومن جهنم.

مرسل نصر: بالنسبة للتقمص هناك رأيان.. رأي ديني ويلتزم به الشيوخ الأتقياء وطبعا نحن نشاركهم هذا الرأي {ويَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ومَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً} ورأي اجتهادي قام به بعض المجتهدون عندما قرؤوا قوله تعالي {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فأخذوا من هذا التعدد في الإماتة والإحياء بأن ثمة تعدد.. يعني ثمة انتقالات متعددة في أجسام متعددة وهو ما يدعى بالتقمس.

بهجت غيث: في المعرفة التوحيدية إن لم تعتقد بحقيقة خلود الروح لا تستطيع أن تكتشف الحقيقة ولا تعرف نفسك ولا تعرف غيرك ولا تعرف خالقك، من جهل نفسه كما قلنا جهل غيره وجهل خالقه لأن الخالق هو المكون والأنا الكبيرة لكل هذا الكون وكل ما في هذا الكون ينطق بوجوده وهذا هو كون الوجود في الحديث القدسي يقول عن الخالق سبحانه وتعالى "كنت كنزا مخفيا، لا أُعرف، فأردت أن أعرف، فخلقت الخلق، فبه عرفوني" ومن هنا عندما تعرف نفسك تعرف الخلق وتعرف الخالق ومن هنا لا تصح هذه المعرفة بدون الارتكاز الحقيقي في العقل المتيقظ أن الروح والجسد هما حليفان لا يفترقان وهما كثيف ولطيف ارتبط ارتباطا وثيقا إلى أبد الآبدين، يتغير هذا الجسد لأنه من أصل المادة والمادة لها دورتها ولها تركيبها ولها تحليلها وتركيبها من جديد، إنما هذه الروح هي الخالدة وهي التي تسافر وتأخذ معها هذه الزوادة من خير وشر، من نور أو ظلمة، هذه البذرة من النور.. مًن له يعطى ويزاد منها وهذه الظلمة مَن له أيضا.. مَن ليس له تؤخذ منه، يؤخذ منه النور فيبقى ظلمة.

علي الخازم: وفق المعطيات القرآنية وأحاديث النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين فإن الروح تدخل في عالم البرزخ، يعني ليست في حال الدنيا تخرج من هذه الحال التي نحن فيها وتدخل في مرحلة تسمى البرزخ التي تعتبر الفترة الانتظارية، يوم القيامة، يوم الحشر ويوم الميعاد سواء الجسماني أو الروحاني.

بهجت غيث: هنالك من يعتقد تقليدا وفي زخاريف التفسير وفي التقليد الوعي اللاواعي أن القيامة شيء من ميلان الأرض نحو السماء أو السماء نحو الأرض وما إلى ذلك من الخوارق والمعجزات وفي الفهم التوحيدي الحقيقي أن القيامة والثواب والعقاب هي في نفس هذا الإنسان وفي روح هذا الإنسان وفي تقلبات حيواته وهذا هو مفهوم الجنة والنار، الجنة في المعنى التوحيدي هو وجود العقل ووجود النور والنار غياب هذا النور أو الجهل وهذا هو الجهل الحقيقي وهذه النار الحقيقية التي هي محرقة للعقول والإفهام.

إبراهيم الصالح: إن هي الفكرة أبعد ما تكون عن التفكير الإسلامي لأنه التفكير الإسلامي ينطوي على الثواب والعقاب وهذه الفكرة عمليا تعطل الثواب والعقاب وتجعله ثواب وعقاب مادي محض وإنه تتعذب النفوس في الشكل المنتقل إليها وبالتالي الدافعية للعمل.. لعمل الخير ولعمل الحسن تتضاءل وهذا منطقيا لا يتناسب مع فكرة الدعوة الإسلامية التي تقوم أساسا على الحض، على العمل العادل ورفض الظلم.

[تعليق صوتي]

ينفي المذهب التوحيدي القدر الحتمي أو الجبر وعلى عقيدة التخيير تقوم فلسفة التقمص وما تكرار الروح ومرورها في أدوار الاختبار والتجريد إلا إعداد لها قبل وصولها إلى الآخرة التي تنتهي إليها ولا يجوز الحساب لمن ليس مخير، انطلاقا من هذه الفكرة فإن حرية الإيصاء عند طائفة الموحدين الدروز مطلقة فالموحد يوصي بما يشاء لمن يشاء.

أبو صالح عبد الوهاب أبو فخر: طبعا المال الصالح للولد الصالح، إن الله قال في محكم تنزيله، بسم الله الرحمن الرحيم {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} المال عندنا هو مال الله والخلق لله والمال من حيث التخيير حرية الإيصاء، التخيير الكامل بعمله كيف يعاقب وكيف يثاب إلا بالتخيير ومن ذلك قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "يسأل الله العابد يوم القيامة عن أربعة، عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله من أين أكتسبه وأين وضعه وعن علمه ما عمل به" من هون يتحاسب على ماله وعلى عمره وعلى عمله وعلى جسده بده يكون عنده حرية.

[تعليق صوتي]

علاقة الموحدين بعضهم البعض أبدية بسبب إقفال حمزة باب الدعوة في أعقاب وفاة الحاكم بأمر الله مما دفعهم إلى الانعزال والتقوقع وإلى تكييف أحكامهم الفقيهة وفقا لظروفهم، فالزواج محصور بين الموحدين والموحدات ولا يسمح للدرزي بأن يتزوج أكثر من امرأة كما لا يسمح بإعادة المطلقة إلى ذمة زوجها الذي بات بعد الطلاق محرما عليها، ممنوع أن تراه أو تحضر مجلسه.

"
الدعوة سارية لمرحلة معينة فمن استجاب دخل في دين التوحيد ومن لم يستجب لن يعط فرصة ثانية ومن أجل ذلك الدين ليس ظاهرا للجميع
"
نازك أبو علوان

نازك أبو علوان: اعتبرت الدعوة إنها سارية لمرحلة معينة فمن استجاب دخل في دين التوحيد ومن لم يستجب لن يعط فرصة ثانية ومن أجل ذلك يعني الدين ليس مباح أو ظاهر للجميع أن ينتموا إليه وقصة تحريم الزواج من غير الدرزي هو جزء من المفهوم للمذهب ككل، مادام أقفلت الدعوة فكيف يستطيع أن يتزوج بدرزية دون أن يصبح درزي؟

بهجت غيث: تحريم الزواج من غير مذاهب كما قلنا هو للمحافظة على نقاوة الدم والعرق التوحيدي الأصيل والنقاوة.. هذه النقاوة كما قلنا.. المزارع يواصل البذار لكي يحصل على محصول جيد وفي هذا الاختلاط وهذا الزمن المادي نرى كثيرا من الناس يتزوجون للتكاثر ولجلب المادة والغنى ولإشباع الشهوة والغريزة ومن هنا العقيدة التوحيدية الحقيقية تحرم تعدد الزوجات وتحرم زواج الموحدين من غير الموحدات.

مرسل نصر: الحقيقة نحن نقول دائما إننا لا نأسف على مَن يخرج من عندنا ولا نرحب بمن يأتينا، طبعا اتهمنا بهذا القول بالتقوقع، بالعكس هو من باب الانفتاح ومن باب الشمولية لأن مذهب التوحيد يعتقد أو يقرر بأن جميع الأديان والمذاهب في الأصل مظاهر مختلفة لحقيقة واحدة وهذا طبعا ليس اجتهادا بل هو من قوله تعالى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومِنْهَاجاً ولَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} فإذاً هذا الاعتقاد أو هذه الفكرة بأن جميع الأديان والمذاهب مظاهر مختلفة لحقيقة واحدة، لا يجوز للمرء الذي وُجد مسلما أن ينتقل للمسيحية وإذا وجد مسيحي يجب أن ينتقل للإسلام لأنه هذه النقلة هو الحقيقة لغرض دنيوي وليس لغرض ديني، فإذا كانت الغاية من هذا الانتقال التوحيد فالتوحيد موجود في جميع الأديان والمذاهب، نحن من زمن الأتراك بل من زمن المماليك ونحن نُلاَحق بمؤلفات كاذبة وفي هذه الأيام أراد المغرضون أيضا أن يقلبوا الرأي العام الإسلامي والعربي على المسلمين الموحدين فنشروا هم وألفوا هم رسائل تمس الإسلام بصلة، بل على العكس تتضمن تكفيرا لهذا الدين أو ذاك وهذا أيضا قلنا من باب تقليب الرأي العام، لكن والحمد لله الرأي العام العربي والإسلامي كان واعيا لهذه القضية ولم يأخذ بها وقد بلغ فيهم التزوير بأن خلطوا شيئا أو أمرا صالحا بآخر سيئ وعتقوا أيضا الصحف التي ألفوها حتى تظهر أنها قديمة وهي لا تعود بأحسن أحوالها لأكثر من مائتي سنة أو ثلاث مائة سنة في زمن الأتراك الذي أيضا كان التزوير هناك سيد الموقف.

علي الخازم: هناك جملة من الاتهامات الموجهة إلى أتباع المذهب الدرزي وهذه الاتهامات منقولة عن بعض المخطوطات التي وجدت ونقلت في فترة زمنية متأخرة وأعيد طباعة بعض الأمور أيضا خلال الحرب اللبنانية وهذه الأمور كما قلت لم يتعرض المسؤولون من الدروز لنفيها تحت حجة أنها أصلا غير موفقة وأن إما الاستعمار الفرنسي هو اللي ساهم في وضعها وما إلى هنالك من احتمالات، على أي حال مسألة العقائد الدرزية مازالت تحتاج إلى توضيح رسمي من إخواننا وأن يعلن ذلك بشكل مسؤول.

[تعليق صوتي]

لم تحدث حتى الآن من قبل الموحدين ردود فعل كافية ضد الحملات التي تستهدفهم وتتهمهم بالكفر، كما لا تزال القضية الثقافية للتصور الإسلامي للخطوط العامة والخاصة للمذهب الدرزي موقع أخذ ورد في الجدل القائم بشأن انتمائهم إلى الإسلام من دون الدخول في حوار علمي موضوعي حاسم وذلك لأكثر من سبب.

مرسل نصر: المسلمون الموحدون طائفة مسلمة، مؤمنة، موحدة، تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقر بوجوب الصوم والصلاة والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلا وتقر أيضا بأن القيام حق، النار حق والحساب حق والجنة حق وتؤمن بجميع الكتب والرسل ومن يعتقد بغير هذا فهو خارج من الملة.

إبراهيم الصالح: أنا سأنطلق من آية من القرآن تقول {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} من كيف { يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا آمِنُوا } ليش؟ لأنه الذين يدعون لإمام بالله سبحانه وتعالى يحتاجون بشكل متواصل إلى تجديد إيمانهم وتوثيقه عبر المعرفة، يعني ما نقدر نقول الإنسان مؤمن لأنه يدعي أنه مؤمن، لذلك نحن عندنا مسألة معلومة إذا الإنسان جهل أمر معين شرعي فإن جهله لا يوقظه لأنه واجبه الشرعي أن يعرف، لذلك كل من يدعي الإسلام اليوم أن بأعتبره مسلم وأعتبر من تكليف العلماء والدعاة أن يتصلوا بمن يدعي حتى يعلموه الإيمان فيزداد إيمانه وأظن إنه المجتمع الإسلامي اليوم في أجزاء منه ملحدة، في أجزاء منه تدعي الإسلام وليس لها أي علاقة في الإسلام، في أجزاء تدعي الإيمان ولا تعرف شيء عن الإيمان، فنحن مطالبين تجاه كل هؤلاء أن نقوم بخلق دعوة لجذب الجميع إلى الإيمان والتقوى، فلذلك أنا ما بأطلق على أي إنسان يدعي أنه مسلم أنه غير مسلم والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن {ولا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} ما نستطيع.

سامي مكارم: الموحدون دروز أقولها بالفم الملآن هم مسلمون، مسلمون جدا وأريد أن ينظر المسلمين الآخرين إلى هؤلاء الموحدين الدروز بهذه النظرة وإلا نقص إسلام هؤلاء.