فلسطين تحت المجهر

السيناريو الإسرائيلي لتقسيم الأقصى

سلطت حلقة (16/9/2015) من برنامج “فلسطين تحت المجهر” الضوء على خطة إسرائيلية للتقسيم الزماني والمكاني للأقصى المبارك، وتقصت إجراءات الاحتلال الجارية على الأرض بهذا الشأن.
أن يُعهد إليك بإنجاز عمل متعلق بالمسجد الأقصى كفيل لوحده باستنفار كافة الكوامن الذهنية لأي مخرج وأي فريق عمل لإدراكهم قيمة المقصد، فعلى الرغم من صراحة الصورة الناطقة في باحات المسجد بالواقع المعيش هناك تقع على الفيلم -من خلال الكلمة والمعالجة الموضوعية والسياق الفني- مهمة نقل المشاهد إلى حالة الوعي بحقيقة ما يحدث في الوقت الراهن مع تجنب الظهور بمظهر الحكاية المكررة.   

عديدة كانت الأفلام التي تناولت المسجد الأقصى المبارك من زوايا متنوعة، لذا كان لزاما البحث عن خصوصية لهذا الفيلم، وكان هذا النقاش مع فريق برنامج "فلسطين تحت المجهر" في شبكة الجزيرة، فقررنا أن نخوض سريعا في هذه الحلقة في المراحل التاريخية التي مر منها المسجد الأقصى وصولا إلى مشروع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد كقانون مقترح في الكنيست الإسرائيلي ما زالت مسودته قيد الدراسة في الأروقة السياسية الإسرائيلية العام الجاري، لكنه مطبق فعليا على الأرض بالتنفيذ الجماعي أو الفردي للمستوطنين المقتحمين للمسجد في أوقات محددة وبتعاون من الشرطة الإسرائيلية بإغلاق المسجد في وجوه المسلمين في ذات الوقت.

انطلقنا في بحثنا لمعرفة حقيقة الأمر وتفاصيله، وكان السؤال: هل هناك بالفعل تقسيم زماني ومكاني للمسجد الأقصى، أم هي مجرد إرهاصات لمشروع مستقبلي بعيد المنال حاليا؟ كانت نقطة البداية من الوقوف على مسودة مقترح مشروع التقسيم الزماني الذي تقدم به النائب الدكتور إرييه إلداد للكنيست الإسرائيلي، فقمنا بدراسته وتفصيل نقاطه ومواده قبل أن  نتوجه بكاميراتنا إلى باحات المسجد الأقصى المبارك، وعلى أبوابه نحاول رصد مظاهر تطبيقاته.

وكانت المفاجأة أن أغلبية مواد القانون طبقت باستثناء تلك المتعلقة بأيام الأعياد وباللباس الديني المفروض. استغرقت مراقبة آلية تطبيق القانون على الأرض عدة أشهر كنا نتابع ونسجل خلالها كافة التحركات الإسرائيلية باتجاه تطبيق التقسيم الزماني على المسجد الأقصى المبارك في مختلف المناسبات والأوقات، والنتيجة: اقتحامات إسرائيلية متكررة مقابل إغلاق المسجد أمام المسلمين في ذات الوقت على الرغم من عدم مصادقة الكنيست الإسرائيلي على مشروع القانون بعد.

علمنا حينها أن المعالجة الفنية للفيلم يجب أن تصوغ هذه الرسالة المهمة بسلاسة وبأقوى طريقة ممكنة بحيث يسهل على المشاهدين بمختلف مستويات وعيهم بقضية التقسيم الزماني أن يدركوا خطورة الوضع الراهن في المسجد الأقصى. عدنا بالمشاهد إلى جذور الانتهاكات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى بالنظر إلى دورها الفاعل في التمهيد للتقسيم الزماني.

ومن ثم انتقلنا إلى المهمة الثانية وهي ربط أثر التقسيم الزماني على التقسيم المكاني للمسجد الأقصى، فكلاهما منفذ للآخر إذ إن احتلال الزمان حتما يحجز مكان ذلك الزمان رهينا لمحتله، وكانت شهادات المرابطين والمرابطات المتصدين لمشروع التقسيم الزماني وتحليلات الخبراء من الجانب الفلسطيني كفيلة بإيضاح هذا المعنى وتبيانه.

واقع الأقصى
وحتى نصل بالمشاهد إلى الصورة الواقعية الأكمل التي تهدد مستقبل المسجد الأقصى في إطار التقسيم الزماني سلطنا الضوء على واقع المسجد الإبراهيمي في الخليل اليوم، وسقنا الدليل الحي على الشاشة بأن تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ليس فكرة وليدة اللحظة في الذهنية السياسية والدينية الإسرائيلية، بل هو أمر واقع سبق أن جربوه في الخليل وطبقوه فبات الحرم الإبراهيمي بين أيديهم، والصورة المؤلمة التي تحدث بها واقع الحال في المسجد الإبراهيمي هي الشاهد الأقوى كلمة وأصدق تعبيرا في التحذير مما ينتظر المسجد الأقصى المبارك.

تصب قيمة هذه التجربة الوثائقية التي خرجت في النهاية بثا على شكل حلقة "فلسطين تحت المجهر" بشكل تسليط الضوء على مستقبل قريب للمسجد الأقصى يتهدده بانتهاك هو الأشد في تاريخه، والذي يمكن أن يقع في أي لحظة، حيث لا يزال الأمر مطروحا أمام الكنيست الإسرائيلي سياسيا على الرغم من أن تدابيره مطبقة فعليا، والهدف هو التأثير في قرار المسؤولين المؤتمنين على المسجد الأقصى وتوعية الشعوب في اتجاه تكوين رأي عام متنبه للمؤامرة وضاغط في اتجاه مواجهتها، لكن قبل فوات الأوان.

المخرج يحيى حسين