فلسطين تحت المجهر

تجهيل القدس

سلطت الحلقة الضوء على سياسة التجهيل المتبعة من قبل الاحتلال الإسرائيلي ببيت المقدس، لسلب الجيل الجديد حقه في التعليم للخروج بنشء جاهل ثقافيا وعلميا يسهل تخليه عن هويته وجذوره.

المخرجة: بهية نمور

لا أنكر مطلقا أني لم أتحمس في البداية لفكرة الفيلم، وكنت أظن أنه سيكون بما يحوي من مضمون حشوا معلوماتيا فحسب، إلى أن أدركت وأنا أطالع المادة البحثية الأولية أنني أمام حرب حقيقية مفرداتها مبنى المدرسة والقلم والكتاب والحلم. نعم في كل تلك العناصر يحارب الإسرائيلي الفلسطيني ليصنع إنسانا جاهلا وجيلا جاهلا في القدس المحاربة حتى في التعليم!

لم أقاوم البدء بأحلام الطلاب في الصف الأول وطموحاتهم المستقبلية، ومن أحلامهم التي انطلقت أتابعها من الذي يحلم بأن يكون طبيب أو مدرسا أو طيارا، بدأت مشوار الفيلم لأتابع ظروف التعليم هناك بالقدس الخاضع بمعظمه للسلطة الإسرائيلية التي تتحكم بالمدارس العمومية وكذا المدارس الخاصة التي تشكل النسبة الأقل في القدس.

تتبعت حياة  الطلاب الدراسية من داخل الصف الذي لا يتسع للطلبة، ومن داخل المدرسة حيث تقفز الطالبات من فوق المقاعد لتدخل الصف، سرت معهم في رحلتهم اليومية التي لا تخلو من المرور بالحواجز العسكرية التي لا تتورع عن تفتيش الحقائب المدرسية حيث لا يشفع لابن السنوات الست عمره إن هو نسي إحضار شهادة ميلاده كل يوم ليستطيع المرور من الحاجز الإسرائيلي!

التضييق لا يعني الطالب وحده بل يتجاوزه إلى كتابه ومنهاجه الدراسي أيضا، فكانت رحلة تحدي جديدة مع مدرس يهرب الكتب عبر الحواجز ليتمكن زملاؤه من تدريس المنهاج الوطني الفلسطيني لا المحتل الإسرائيلي المفروض عليهم!

تابعت أحلام الطلبة التي تتحطم على صخرة الاعتراف الإسرائيلي بالجامعات الفلسطينية وعلى صخرة سوق العمل الذي لا يقبل بالشهادة الفلسطينية دليل تفوق ونجاح، فيضطر الفلسطيني الساعي وراء أحلامه إما أن يقدم لامتحان "البجروت" الإسرائيلي ليدرس في الجامعات العبرية أو أن يسافر خارجا لتحقيق طموحاته بعيدا عن القدس، وهو ما يسعى له الاحتلال المستهدف لتفريغ المدينة من أهلها.

تلك إجابات الطلبة واعتقاداتهم حين نصادفهم ونناقشهم على مقاعد الثانوية، وقد باتت الأحلام سرابا بفعل الممارسات الإسرائيلية التي تتعمد عن سبق إصرار وتخطيط  تجهيل أبناء القدس الشريف !

فيلم (تجهيل القدس) في نظري  يستحق المشاهدة لأهمية موضوعه أولا وللجرعة الإنسانية العالية التي مكنتنا معايشة أطفالنا في القدس باعتبارهم جيل المستقبل من تضمينها إياه ثانيا.