يحكى أن - قلعة مكونة
يحكى أن

قلعة مكونة

تتحدث الحلقة عن قلعة مكونة.. المنطقة التي تقع في الجنوب المغربي وعلى مرتفع بين جبال الأطلس، اشتهرت بزراعة الورود وصناعة مائه.

– إيقاف بلا أسباب
– ذكريات الاعتقال الموجعة

– شهادة أمام التاريخ

– المعتقلون يعانون الإنكار

إيقاف بلا أسباب


undefinedتعليق: ليس المقصود من هذا الشريط اتهام نظام أو حاكم أو دولة وإنما هو محاولة لقراءة صفحة من تاريخنا نأمل في طيها.

"ربما لو لم يكن هذا الجدار ما عرفنا قيمة الضوء الطليق" أمل دنقل – شاعر مصري.

غير خدوني – المغرب 2003

عبد الناصر: إن كنا ندمنا على شيء وندمنا أننا لم نقم بأي شيء يستحق ذلك العذاب.

محمد النظراني: اقتادوني إلى السيارة معصوب العينين مقيد اليدين واتجهت السيارة إلى مكان مجهول، أصبحت آمل في أن يكون بوسعي أن أذهب إلى المرحاض متى شئت دون حسيب أو رقيب.

عبد الرحمن: الحمد لله كنا نطعم.

مولاي إدريس الحريزي: كل شيء أغلى من العائلة اللي هي الوطن، المغرب بلد جميل.

أسعد طه: إن شئت أن تعرف المدن انبش فيما تنتجه من كتابة، أفكار يرحل من أنجبها ومن حملها ومن حبسها لكنها تعود طليقة لتحط هنا وهناك، تشاغب وتستفز وتحرض وربما تعاقب من أجرم في حقها، أثارني كتاب يقول صاحبه إنه بطاقة سفر إلى الجحيم أستعيذ بالله من الجحيم ومن الشيطان الرجيم ومن المخبرين، ألجأ إلى مقهى أغرق في ذكريات المؤلف عن سنوات الاعتقال في سجن تازمامارت، الحقيقة كنت أختبر سطورا من ذاكرتي عن رواية بن جالون "تلك العتمة الباهرة" حين جاء الحارس لاصطحابي سلط ضوء المصباح على ظهر صفوان وعندها رأيت ذراعه المكسورة عظمة المرفق بارزة من اللحم المصاب بالغرغرينة سألني الحارس كم تبقى له برأيك لا أدري إلا إذا التهمته الصراصير قبل أن تنتشر الغرغرينة في جسمه كله وهذا ما حصل لقد التهمته آلاف الصراصير والحشرات الأخرى التي هجرت زنزاناتنا، ثم تستفزني الفكرة ماذا لو سمعت بأذناي تفاصيل التجربة على لسان أصحابها أفتش في دفاتري أهاتف أصدقائي أدس نفسي في الزحام لا أتوه غير أنني أفقد الطريق إلى تازمامارت هذا السجن الرهيب الذي خلده الأدب المغربي لا عليك أواسي نفسي، ليس أكثر من المعتقلات في بلداننا يسوقني القدر إلى عبد الناصر عند أعتاب صومعة حسان الشهيرة أسترجع معه زمانا تعرضت فيه قيادات الحركة الوطنية المغربية إلى قمع واضطهاد حينها كان عبد الناصر ورفاق أربعة له طلاب ناشطون ضمن حركة يسارية سرية تدعى إلى الأمام قبل أن يحدث ما حدث.


لم تشهد البلاد عام 1976 أي أوضاع سياسية أو انتفاضة شعبية تدعو إلى ممارسة أعمال الخطف والاعتقال بحقنا

عبد الناصر

عبد الناصر: في يوم من الأيام في ربيع سنة 1976 وأنا في مدينة الرباط بشارع في حي شعبي يسمى يعقوب المنصور وقف علي ثلاثة أشخاص وحملوني بسرعة ورموني داخل سيارة وانطلقت هذه السيارة بسرعة جنونية لأجد نفسي بعد حوالي ثلث ساعة داخل معتقل سري مكبل الأيدي معصوب العينين، لم يكن هناك وضع سياسي في البلاد يدعو إلى مثل هذه الممارسة لم تكن هناك انتفاضة شعبية لم يكن هناك وضع استثنائي في البلاد يبرر ما مورس علينا إذا فنحن لحد الآن نتساءل سؤالا كبيرا لماذا بالضبط تم اختطافنا؟ ولماذا لم نقدم للمحاكمة حتى يستمع القاضي إلينا يستمع إلى شهادتنا يعرف ماذا قمنا به وما لم نقم به؟

أسعد طه: ثمة محطة هامة في حياة الناس وأخرى يلتقون عندها أو يفترقون في محطة القطار أراد عبد الناصر أن نلتقي ليحكي لي قصته ورفاقه الذين اعتقلوا منتصف الشهر الرابع من عام 1976 ليفرج عنهم في الشهر الأخير من عام 1984 حوالي تسعة أعوام تنقلوا خلالها بين معتقلات الكومبليكس في الرباط وأجدز وقلعة مكونة في الجنوب، لم توجه للرفاق أية تهمة ولم تعقد لهم أي محاكمة ولم يعرفوا لماذا اعتقلوا ولماذا أفرج عنهم وإنما ظلوا رهينة الاختطاف على حد تعبير المغاربة، عبد الناصر يقدم لي رفاقه الأربعة.

عبد الناصر: فترة التسع سنوات التي قضيناها في المعتقل بقدر ما كانت رهيبة بالتعذيب النفسي والجسدي التي عشناه كانت فيها فترات كثيرة جميلة جدا وهذا بفضل زملائي ورفاقي الذين عاشوا معي بأخص بالذكر منهم قيس عبد الرحمن وكان شخصية عجيبة وكان مقرب إلي جدا كان أقرب الأصدقاء إلي فهو بقدر ما كان بطبعه قلق كان طيلة الوقت يعبر عن قلقه ونرفزته بقدر ما كان طيبا جدا وكانت بيننا تقارب في الآراء في الرؤى في حتى في مسائل شخصية كنا قريبا جدا، شخصية أخرى طبعت طبعتني خلال هالتجربة هي شخصية صديقي رحوي محمد هو كرس ما يقوله الفلاسفة عفوا عن كون أن الإنسان ممكن أن يسجن جسده دون أن يسجن فكره فهو غالبا كان يعيش بعيدا عنا خارج المعتقل دائما يفكر بعيدا عنا وفي بعض اللحظات كنا نسأله عن مسألة تخصنا مسألة تخص داخلي تخص علاقتنا داخل السجن أو مسألة وهو يجيبك بجواب بعيد كل البعد عن عما تسأله هو يجيبك بما كان يفكر فيه سواء مع والدته أو والده أو صديقته أو مسألة تخصه في الخارج. شخصية أخرى هي شخصية النظراني فشخصية النظراني كانت متميزة عن باقي الأصدقاء فهو كان له كان متشبث بأفكاره بل أقول بأنه كان متعصبا لكل أفكاره وبالتالي كان ممن كان يفتح مجالات للصدام في بعض الأحيان حول الأفكار أو الآراء ولكن هذا كان مفيد لأنه كان يطور من النقاش بيننا، الصديق الرابع من المجموعة هو مولاي الحريزي إدريس كان له تواجد بشكل، بشكل مخالف لأنه كان لنقل طفل مشاغب دائما يختلق قصص ومشاكل وإذا كانت هناك سكوت صمت فإذا بإدريس وكأنه ينط داخل.

أسعد طه: لم أشأ قطع حديثه الذي أثارني، في رحلته اليومية بين الرباط حيث يسكن والدار البيضاء حيث يعمل صحفيا تلفزيونيا المسافة قصيرة والأحلام جدا بعيدة، أسرع إلى حيث الملتقى مقهى يضمني مع عبد الناصر ورفاقه بشاشاتهم قادرة على الترحيب بي عاجزة عن محو ما خلفته سنوات الاعتقال ربما ما حدث لهم هو واقعة اختطاف عادية كالتي وقعت لآلاف الآخرين، بربك ما هذه العبارة واقعة اختطاف عادية رغبوا في الحديث ورغبت في الاستماع باغتتني فكرة مذهلة أيها الأصدقاء ماذا لو سمعت منكم التفاصيل هناك في ذاك المعتقل حيث جرت أحداثها وهل تسمح لنا السلطات بسؤال منطقي كانت إجابتهم، لاحقا كانت المفاجئة منحنا الترخيص لنكون أول من يدخل المعتقل المكونة بعد الإفراج عن معتقليه ننطلق من الرباط ويعتذر عبد الناصر عن صحبتنا لارتباطه بعمل تضنينا عشرون ساعة سفر عبر طريق جبلي واعر سعيا إلى قلعة مكونة الواقعة على مرتفع بين سلسة جبال أطلس بالجنوب المغربي حيث الشمس يهزمها الصقيع، نقترب من البلدة التي تزرع الأزهار وتبيعها حتى باتت تلك مهنتها وحرفتها يسودني شعور بأنني قد تورطت فطراز البنايات يوحي بأن البلدة كما اسمها قلعة حصينة لحظات قبل أن يبدد هذا الإيحاء سكان طيبون بسطاء لا تكلف فيهم ولا مراوغة يعمل أغلبهم في صناعة وبيع ماء الورد تأخذهم تفاصيل حياتهم اليومية أرتاح ويغمرني شعور بالطمأنينة، المشهد لا يطول طويلا التفت لأتأمل الوجوه صمت يحتوينا وثمة خاطر يدعو للسخرية ماذا لو أغلقوا علينا أبواب المعتقل وصرنا حكاية جديدة ولماذا الدهشة ألا يستقيم ذلك على المنطق الغائب عن بلادنا.

ذكريات الاعتقال الموجعة

حارس بوابة معتقل مكونة: افتح يا يوسف.

أسعد طه: ما أن تجاوزنا البوابة حتى أسرع النظراني إلى زنزانة أمضى فيها عقوبة الحبس الانفرادي.


أمضيت في الزنزانة مدة عام ونصف، ورغم أن السجان كان يضربني فإنه كان وسيلة الاتصال الوحيدة بيني وبين العالم

محمد النظراني

محمد النظراني: هذه هي، الزنزانة التي أمضيت بها عاما ونصف عزلة، عزلة قاسية سنة ونصف سنة ونصف تماما ثمانية عشر شهر وأصدقائي كانوا في تلك الزنزانة هذه كانت تسمى عقوبة وأنا عوقبت عقوبة دامت سنة ونصف عزلة تامة لم أكن أتكلم مع أحد لم أكن أرى أحد لم يكن يدخل علي غير السجان وكنت أسميه الغوريلا كان يدخل علي ليعطيني الأكل وليضربني في ذلك الوقت كان هو الاتصال الوحيد بيني وبين العالم، بطبيعة الحال كنت أتمشى هكذا بشكل قطري خطوات مستمرة كي لا تتجمد قدماي، الصيف والشتاء والخريف وسنة ونصف والبرد آه البرد الذي لا يمكن تصوره هنا كنت أضع وعاء قضاء الحاجة كانت لي فرصة واحدة كل صباح لأخرج لأقل من دقيقتين لأفرغ الوعاء خارج الزنزانة ولم يكن الوقت يكفي وكنت أخرج لغسل ملابسي مرة في الشهر مرة خلعت كل ملابسي قبل الخروج قلت هذا أفضل لكسب بعض الوقت لأضعها مباشرة في السطل عند الخروج لغسلها وهكذا أوفر وقت خلع الملابس وعندما دخل السجان سألني كيف عرفت أن اليوم موعد الغسيل أجبته أنني كنت أحسب وهذه الكلمة أثارته فهو لا يريدني أن أعرف موعد الغسيل لا يريدني أن أعد الأيام وقال كيف تعد الأيام ممنوع أن تعد الأيام وانهال علي بالضرب وأنا جالس في مكاني وهو يضربني بالعصا كانوا يعطوننا في كل شهر نصف شفرة للحلاقة وكنت أحلق رأسي بي بيدي والدماء تسيل على وجهي وكنت أكره هذا فقد أوصلونا إلى مستوى يعني مثل الحيوانات لم تعد للآلام قيمة في ذلك الوضع يعني الدماء كانت تسيل هكذا وأنا لابد أن أكمل لأحلق رأسي تلك لحظة لن أنساها يعني، يعني على الأقل إن لم يكن مسموحا بخروجي يأتي واحد آخر ويحلق لي رأسي يمكن أن يمنعونني من الكلام معه يمنعونني من أن أراه يعصبوا عيني يفعلوا أي شيء ولا يتركوني أحلق لنفسي.

عبد الناصر: كان هناك تعذيب بدون هدف كان هناك تعذيب بدون هدف كان التعذيب من طرف حراس ساديون يمارسون ساديتهم علينا فقط لأننا كنا في موقع الضعف وكانوا هما الحراس.

عبد الرحمن: حينما أحضرونا في اليوم الأول ذهبت لأخد إناء فكان حارس واقف فوق فتعطلت شيء ما فقال لهم إنه ربما يفعل شيئا أو يتكلم مع أحد فأخذوني إلى المرحاض وبدأو في فضربني رئيسهم بلكمة حتى شعرت بسخونة لا تتصور وأحسست أن رأسي سيحترق ثم جروني إلى المرحاض هنا وبدأو في رفسي هكذا بأحذيتهم العسكرية يضربون الجهات الحساسة.

عبد الناصر: هناك قدموني إلى الحراس وقالوا للحراس أننا نحن نكرههم واغتنموا فرصة أننا من منطقة معينة من المغرب وأن الحراس في أغلبهم من منطقة الجنوب من المغرب حاولوا استغلال العصبية إذا سامحنا نستعمل هذا نوع من العصبية القبلية لخلق عداء شخصي بيننا وبين الحراس وبالتالي أخذوا يمارسون عنا ساديتهم ويبدعوا في وحشية الإنسان.

عبد الرحمن: كان الوضع في معتقل قلعة مكونة أسوأ بكثير من معتقل أجدز الذي كان الوضع فيه لا يطاق.

عبد الناصر: الذهاب إلى المرحاض بقدر ما كان حاجة ضرورية ومتنفس ننتظره طيلة اليوم كان لحظة عذاب حيث أنه عندما نخرج إلى المرحاض كانوا يضربوننا طيلة المسافة ما بين الزنزانة والمرحاض.

عبد الرحمن: حينما كنا هنا لم يكون هناك باب ولم يكن كان يقف الحارس أمام الباب وينظروا للشخص وهو في المرحاض ولم يكن هناك ماء يقول اقضي حاجتك وطلع سروالك وأدخل للغرفة.

محمد الرحوي: كان يعطى لنا من الوقت ما يكفي فقط لكي نفرغ جردل نملؤه ببعض بالبول وأحيانا كذلك كنا عندما نصاب بالإسهال نقضي فيه حاجتنا.

عبد الرحمن: أنا وعبد الناصر يوم مرضنا نحن الاثنين في آن واحد والحارسان يقفان أمامنا.

محمد النظراني: كنا نضطر لتلبية حاجتنا داخل الزنازين شيء التي أصابنا بالحساسية وبأمراض أمراض الجهاز التنفسي.

عبد الرحمن: كنا دائما نقول إذا كان لنا منزل يجب أن يكون فيه مرحاض ومرحاض واسع بالماء وبالباب وبالإنارة تصوروا.

عبد الناصر: كنا نخاف من مسألة واحدة هو أن نجرح أو نصب بعطب في جسمنا وليس هناك دواء حيث أننا كنا نتمنى أن نموت على أن نجرح أو نعطب لأنه ليس هناك دواء.

عبد الرحمن: العقارب كانت موجودة بكثرة وكنا في الليل قبل أن ننام كنا نقول أنه علينا أن نركز على شيء واحد في رؤوسنا هي أنه علينا أن لا نتحرك أثناء النوم إذا ما عبر فوق أجسامنا أي شيء لأن العقرب هكذا لن يلسعنا وكنا في أحلامنا كنا نحلم بأن العقارب تلدغنا.

عبد الناصر: ضرب أحد الحراس أحد المختطفين بالمجرفة التي نحمل بها التراب ضربه بجزئها الحديدي ضربه على هذا الجزء من رأسه فجرح جبهته والعضمة التي تحمي العينين وجزء من وجهه ومن طبيعة الحال ليس هناك دواء ليس هناك طبيب وبالتالي تعفنت هذه المنطقة من وجهه إلى أن توفي.

محمد النظراني: في الواقع الحالات التي مرت بي هي أنني أرى معتقلين يحتضرون هكذا طريحي الفراش في وضع منهك وقد بلغت بهم النحافة لدرجة لا تتصور إذ أن عظامهم البادية للعيان وكأنها عارية من أي لحم وقد قضوا نحبهم ومنهم على وجه الخصوص محمد الشيخ محمد الشيخ والذي لم يكن يتجاوز على أكثر تقدير سن 14 من العمر فقد أطلق صرخة مدوية يوم لفظ أنفاسه.


اتفقنا على تحدي الموت كي يشهد أحدنا على الأقل بما عانيناه في المعتقل

عبد الناصر

عبد الناصر: أو من المسائل التي أخذنا نتفق عليها هي أنه يجب أن يعيش منا على الأقل واحد يجب أن نتحدى الموت ويعيش واحد حتى يخرج منا على الأقل واحد لكي يشهد مما عشناه وكانت إذن هذه هي من أصعب الفترات بحيث أنه كان هناك صراع ليس بيننا وبين الحراس كما كان من قبل ولكن صراع بيننا وبين الموت يجب أن نحيى لكي نشهد بما عشناه لكي نقول للمغاربة نقول للملأ أن هناك أماكن حيث يدفنوا المغاربة لا لشيء ولا لسبب يذكر.

مولاي إدريس الحريزي: كان باستمرار كان كفن يوجد في أحد الغرف يوجد على مرأى من المختطفين، هذا هو مصيركم هذا هو الثوب الذي ستخرجون به من هذا المدفن.

مذيعة: طرح السؤال سنة تسعين حول موقع معتقل تازمامارت وقلعة مكونة مركزان للاعتقال السري؟

الحسن الثاني – ملك المغرب : قلعة مكونة مركز سياحي سيدتي إنها عاصمة الورود تازمامارت كانت موجودة فعلا والأمر انتهى الآن.

مذيعة: حسب تقرير للأمم المتحدة كان في قلعة مكونة مركز للاعتقال السري.

الحسن الثاني: يا الهي قلعة مكونة ما هي إلا عاصمة الورود إنهم لا يعرفون جيدا جغرافية المغرب..

مذيعة: بالإمكان أن توجد مراكز للاعتقال في أماكن أقيمت لأغراض أخرى؟

الحسن الثاني: لا…لا …لا هذا مستحيل.

[فاصل إعلاني]

شهادة أمام التاريخ

مولاي إدريس الحريزي: يوم خميس من صيف عام 1977 صنع حميد أورقا للتقويم فنجحنا أخيرا في أن نمسك بالتاريخ على زنزانتنا كوة صغيرة تمنح بعض الرمال وشيئا من الضوء كنت أتذكر ساحة قريتي عندما ضاق السجان بالأمر.

تعليق: وجاءت الانتخابات التشريعية في يونيو من سنة 1977 تتويجا للديمقراطية الحسنية.

أسعد طه: في الشهر السادس من نفس العام شهدت المغرب أول انتخابات تشريعية في تاريخها.

تعليق: مغرب الديمقراطية مغرب الحرية ومغرب الحسن الثاني.

أسعد طه: أشم رائحة الموت أتسلل إلى النافذة أظننا في خريف عام 1984 أختلس النظر إلى راية السجن كفنا علقه الجلادون، كلما رحل أحدنا تحت وطأة التعذيب قصوا منه طرفا سنوات الاعتقال تمر بطيئة والكفن ينقص كل يوم أسأل نفسي هل سيفقد الكفن طرف أخر أم سأكون أنا المفقود، في خريف ذات العام احتفل القصر الملكي بزفاف الأميرة لالا مريم كريمة العاهل المغربي.

أسعد طه: ثلاثاء أنتظره غامر رفيق لا أعرفه وأرسل إشارة ضوئية من قطعة زجاج بعثت شيئا من الحياة في زنزانة انفرادية فابتسمت اليوم سوق البلدة الأسبوعي أمعنت في الصمت لعلي أسمع شيئا من الضجيج يخيب ظني فأعود إلى حديث يومي مع وجوه صنعها الزمن على جدار زنزانتي اشتاق لصوت الحياة، يوم حار من صيف عام 1984 يبدو أن الملل أصاب الحراس فقرر كبيرهم استعادة مشهد التعذيب الأول كان الأمر مسليا للحراس فأعادوه كثيرا، في ذات الصيف فاز البطل المغربي سعيد عويضة بذهبية الألعاب الأولمبية ليرتفع علم المغرب للمرة الأولى في تاريخ الدورات الأوليمبية، كنت أشعر بما خلفته تسع سنوات من الاعتقال على مولاي إدريس لكنني لم أفهم لماذا قرر بعد الإفراج عنه أن يعمل في مهنة لم يكن يحترفها من قبل ولا تتناسب مع مكانته الاجتماعية سائق شاحنة يجوب البلاد من أقصاها إلى أقصاها.

مولاي إدريس الحريزي: كنت أكره الحيطان كان السفر هو وسيلة لإعادة اكتشاف الحياة من جديد العودة للحياة من جديد لاكتشاف أشياء كثيرة غابت عنا في تلك الفترة الاختطاف أشياء بسيطة لكن كبيرة في حياة الإنسان.

أسعد طه: كان لا يفارق صمته أثار ذلك فضولي سألته مرة عن ما ضاع منه في سنوات السجن.

مولاي إدريس الحريزي: كانت لدي علاقة بفتاه كانت علاقة طيبة كنا نحلم بالزواج كنا نحلم بتأسيس أسرة كنا نحلم بأشياء كثيرة بطبيعة الحال ظنت أنني مت وتزوجت.

أسعد طه: يعود مولاي إدريس إلى الزنزانة رقم خمسة.

مولاي إدريس الحريزي: كنت مرشحا للموت في هذه غرفة خمسة يوم 19 إبريل 1982 قد شللت ولم أعد قادرا لا على الأكل ولا على التفكير ولا على أي شيء كنت أنتظر الموت، بصراحة لم أكن أخشى الموت لكن كانت عندي أخر أمنية أن لا أدفن في هذا السجن، كنا نسعى للتغيير ولو بعد موت على الأقل على الأقل أن يدفن الإنسان من طرف العائلة، أن يدفن كانسان.

أسعد طه: ليالي الحبس الانفرادي كشفت في محمد النظراني موهبة جديدة لم يمارسها من قبل كانت الوحدة عذابه الذي لا يطاق فلجأ إلى رسم أشخاص على أرض زنزانته الضيقة ليتكلم معهم النظراني الذي أوقفته سنوات الاعتقال عن دراسة الفلسفة صنع فرشته من متاع الزنازين البوص وخيوط البطانية أما الألوان فهي من نصف فنجان قهوته الذي يكتفي يوميا باحتساء نصفه الأخر.

محمد النظراني: الرسم وسيلة لكي أتكلم مع الأشخاص الذي كنت أرسمها على البسيط لآن لا يوجد معي في هذه الزنزانة أي إنسان أخر يمكن أن أتكلم معه حيث أن حتى النطق حتى الكلام قد سرق مني لأنني لم يكن هناك أي شخص أتكلم معه وكنت أرسم الشخصية.

أسعد طه: وبعد الإفراج عنه ظل محتفظا بفرشاة السجن كان همه أن يستحضر من ذاكراته مشاهد التعذيب في المعتقلات التي مر بها فكر وتذكر ورسم ما جرى وبدأ بمعتقل الكومبلكس.


التعذيب في قلعة مكونة كان يعتمد أساليب بدائية بشعة تختلف عن الأساليب العصرية المستخدمة في أميركا اللاتينية

عبد الرحمن

عبد الرحمن: لا يمكن مقارنة التعذيب في قلعة مكونة أو في أجدز بالتعذيب في الكومبلكس التعذيب في الكومبلكس مثلا كان يتم بشكل عصري بالطائرة بالجفاف بالكهرباء أي كانوا يعتمدون طرق كالطرق المستعملة في أميركا اللاتينية في الاورجواي البرازيل أو غيرها أما التعذيب في قلعة مكونة وأجدز فقد كان تعذيبا مغربيا صرفا كان يعتمد أساليب بشعة أساليب بدائية مثلا كالضرب بالأعمدة على الرأس والضرب بالمعاول هناك من ضرب بالحديد على الوجه.

أسعد طه: أدهشني وجه محمد الرحوي كأن أيام الاختطاف محفورة عليه كلما أمعنت النظر في عينيه أدرك أنه ليس معي جسده هنا وهو مسافر هناك.

المعتقلون يعانون الإنكار


كنت أسرح بمخيلتي خارج أسوار السجن لأنها السبيل الوحيد للخروج منه دونما حراسة لمخيلتي ومشاعري

محمد الرحوي

محمد الرحوي: كنت دائما شارد الذهن أفكر خارج هذه الأسوار أي أنني هكذا أفكر في علاقاتي صداقاتي أسرتي والمناظر الطبيعية التي حرمت منها والتي استحضرها أمامي واستمتع بها وكأنني بها، كنت أجدني استحم في شواطئ وأجري في غابات بل وألاحق أيضا فتيات من صنع خيالي أو أن هن مركبات من عدة فتيات أخريات عيون هذه وأنف تلك وما إلى ذلك كنت هكذا أجد أنها الفرصة التي تتيح لي الخروج من هذه الزنزانة ضد على إرادة الحراس الذين يعتقدون إمكانية حراسة مشاعري وحراسة مخيلتي، كان الشخص الذي يستبد بتفكيري أكثر من غيره هو والدتي وفي هذه المسألة يمكن أن أقل بأن هذه نتقاسمها كلنا وكانت الوالدة حاضرة أمامي لدرجة أنني كنت أتوق إلى مجرد السماح لي بإلقاء نظرة عليها وإعادتي إلى الزنزانة إلى أخر لحظة من عمري.

والدة محمد الرحوي: بقيت أبكي لمدن عامين لم تجف خلالهما عيناي في الليل وفي النهار وعيناي تبكي… تبكي … في الليل وفي النهار لم أكن أنام لم أكن أكل لم أكن أخرج أو أفعل أي شيء كنت أشعر بالمرارة نهار العيد الناس من أولادهم وأسرهم وأنا… أنا وحدي محرومة من ابني وليس عندي ابنه أو أخ.. فقط أختي الوحيدة أعيش معها وكما يقولون الشوق للماء العطش للماء لا يرويه الابن والشوق للابن لا يرويه الماء.

عبد الناصر: أفرج عني ولم أخبر أن كان والدي لازالوا أحياء أو ماتوا أن كانوا لازالوا قاطنين في نفس المنزل أو غيروه وصلت إلى المدينة وكانت الساعة حوالي الثالثة أو الرابعة فجرا لا أستطيع ضبط الوقت وأتيت إلى المنزل وقفت في باب المنزل وأخذت أتردد هل أطرق هذا الباب أم لا هل لازالت أسرتي تسكن بهذا المنزل أم لا وقررت أن أطرق الباب وأرى ما يمكن أن أراه وكان هناك ثقب في الباب وفكرت أن أطل من الثقب وكان الوقت ليلا كان الظلام وكانت ليلة باردة جدا من كانت يوم الثلاثين من ديسمبر سنة 1984 وفعلا عندما فتح عندما أشعل الضوء من داخل المنزل رأيت فعلا امرأة قادمة من خلال الثقب أردت أن أنسحب كما فكرت ولكنني لم أستطع حيث أنني كنت أقدر أن أحرك كتفي وظهري ولكن رجلي شدت إلى الأرض كأنهما دكتا في الأرض لا أستطيع تحريكهما وفتحت امرأة فتحت الباب وسألتني من أنت ولي أمر غريب جدا هو أن هذه المرأة كانت هي والدتي ولكنني لم أتعرف عليها خلال تلك اللحظة رغم أن صورتها لم تفارقني طيلة التسع سنوات سواء في يقظتي أو في منامي وسألتني من أنت وبشكل غريب لا أفهمه لحد الآن أجبتها أنني أبنك عبد الناصر وكان جوابها أن ليس لها أبن بهذا الاسم وأخذت ألح عليها أنني ابنها وأن عليها أن تتركني أن أدخل وكما قلت كانت الفترة ليلا وهذه المرأة التي يدق على بابها يطرق على بابها شخص لا تعرفه دخلت إلى المنزل وتركت الباب مفتوحا وذهبت توقظ أخوتي لتقول لهم استيقظوا فهناك في الباب شخص يقول أنه أخوكم كانت لحظة رهيبة صارت فيها لا أعرف أنا أتحدث مع امرأة على أنها والدتي وأنا لا أعرفها وهي تتحدث معي وهي تنكر أن كان لها ابن بهذا الاسم بطبيعة الحال لم استطع الوقوف في باب المنزل ودخلت وجدت أخوتي قد استيقظوا لم يفهموا ما يقع في تلك اللحظة خامرني شك في أن كل هذا مجرد تمثيلية حتى لا يقولوا لي نحن نرفضك لا نريدك وشعرت كأن سكينا انغرزت في داخلي وفكرت في أن أنسحب باعتبار أنهم لا يريدونني في تلك اللحظة الأخ الأكبر كأنه استفاق وارتمي على وأخذ يقبلني وابتدأ البكاء..

أسعد طه: بانتهاء مهمتنا ورحيلنا بات المعتقل وحكاياته خلف ظهورنا أو هكذا يأمل الرفاق وظلت البوابة مفتوحة وراءنا لكنني شعرت أن القصة لم تنتهي بعد.

عبد الناصر: أنا لا يمكن أن أرتاح ما دام لم أجد جواب للسبب الذي كان وراء اختطافي لماذا تم اختطافي ما هو السبب أريد أن أعرف هؤلاء الذين أشرفوا على اختطافي ما الذي كتبوه في التقارير التي قدموها للمسؤولين أريد أن أعرف ما كتبوه ولن أرتاح مادمت لم أعرف ما كتب في حقي، ظاهرة الاختطاف لازالت مستمرة وحجتي على ذلك هو أنه لحد الآن لم يفرج أو لم يكشف عن مصير العديد من المختطفين السابقين الحسين المانوزي الذي اختطف سنة 1972 منذ 1972 مازال مصيره مجهول لحد الآن..

أسعد طه: يصحو العجوز يرعى في زرعه الحياة ثم يجلس فيطالع صحيفته ينصت إلى ابنه الصوت الثوري القادم من الجهاز الحديدي البارد هو أخر خطبة للحسين المانوزي مناضل يساري تم اختطافه عام 1972 ومنذ ذلك الحين وهو مجهول المصير يأخذني حديث الأخت عن الغائب منذ أكثر من ثلاثين عاما.

أخت الحسين المانوزي: مادمنا لم نتوصل لجثمانه فأننا نعتقد بأنه مازال حيا ومازال عندنا الأمل إنني أقول له بأنني مشتاقة أليه كثيرا وحبذا لو تمكنت من معانقته الآن أنني أود معانقاته بحرارة.

أسعد طه: تطل شرفة المنزل على المقابر حيث وجدت الأم تجلس وتراقب.

والدة الحسين المانوزي: أنظر إلى المقابر عندما أستيقظ أيام الجمعة أرى الناس يأتون لزيارة مقابر أهلهم وأحبائهم وأبكي… أبكي… أبكي حتى الإعياء أقول ليت لولدي حتى قبر.. لأزوره فيه.

أسعد طه: أرحل وتبقى الأم تنتظر، تركت أم المانوزي تنتظر مع العشرات من أمهات المختطفين ومجهولي المصير وتوجهت إلى قلب الرباط فقد اخترنا أن يكون الوداع حيث قرر أن يلتقي الناس، مظاهرة تضم الآلاف المناصرين للعراق ولفلسطين أفتش بصعوبة عن الأصدقاء أحيانا لا تهم الأسماء ولا التفاصيل فشعوب بأكملها تختطف، يجدني عبد الناصر ثم لا نلبث أن نكتمل يتركني الأصدقاء يذوبون في الزحام يمر شريط الذكريات أمامي تتدافع الصور انتهت الحكاية إذن ليس أصعب من أن تغادر المغرب اجتهد لأبقى في نظري أروع ما يمكن أن أراه زحمة وحياة وحماس وهتافات كنت ألقي عليهم النظرة الأخيرة قبل أن أعود من حيث أتيت وكانوا يهتفون بالمجد للجماهير وبسقوط الأنظمة.

المجد للجماهير ..

ولأم الحسين المانوزي..

ولكل الذين لم يعودوا.

عبد الحق الرويسي أختطف في أكتوبر 1964.

مولاي على فخيم أختطف في مارس 1975.

المهدي بن بركة أغتيل في أكتوبر 1965.

محمد بوفوس أختطف في يوليو 1967.

الرياضي محمد أختطف في 1973.

محمد بنونة أغتيل في مارس 1973.

العربي أزيان قتل في تازمامارت في يناير 1980.

أحمد الحمزاوي أختطف في يوليو 1988.

عبد اللطيف سالم أختطف في مايو 1988.

محمد إسلامي أختطف في نوفمبر 1997.

أحمد السماحي قتل في 1965.

وآخرون..

في منتصف السبعينات غنى فريق "ناس الغبران" أغنية "غير خدوني" على لسان أحد المختطفين ومنذ ذلك الحين ظلت الأغنية نشيدا للمختطفين في المغرب.