ماوراء الخبر - صورة عامة - التعليم في الوطن العربي
ما وراء الخبر

تقرير البنك الدولي عن واقع التعليم العربي

نتناول التحذير الذي أطلقه البنك الدولي من تواضع مستوى التعليم في العالم العربي، ودعوته لإصلاحات عاجلة في نظم التعليم العربية.

– مواضع الخلل في النظام التعليمي وأسبابها
– طرق المعالجة ومستقبل التعليم


علي الظفيري
علي الظفيري
مايكل روتكوسكي
مايكل روتكوسكي
محمد الدقس
محمد الدقس
مصطفى محسن
مصطفى محسن

علي الظفيري: أهلا بكم. نتوقف في هذه الحلقة عند التحذير الذي أطلقه البنك الدولي من تواضع مستوى التعليم في العالم العربي ودعوة البنك لإصلاحات عاجلة في نظم التعليم العربية. نطرح في حلقتنا تساؤلين رئيسيين، ما هي الأسباب التي أدت إلى تخلف واقع التعليم في العالم العربي وكيف يمكن النهوض به؟ وما هي التأثيرات المحتملة لتواضع المستوى التعليمي على مستقبل الحياة في الدول العربية؟…. بعنوان الطريق غير المسلوك، إصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أطلق البنك الدولي صيحته المحذرة من تواضع مستوى التعليم في العالم العربي كما ونوعا، كما نبه التقرير إلى الخلل في علاقة التعليم بمتطلبات السوق مع التأكيد على حاجة البلدان العربية إلى مائة مليون وظيفة خلال الأعوام الخمسة عشر المقبلة.

[تقرير مسجل]

ياسر أبو هلاله: مرة أخرى يجد العالم العربي نفسه تحت مجهر التقارير الدولية، هذه المرة عن التعليم، وغالبا ما ترصد تلك التقارير، سواء تعلقت بالسياسة وحقوق الإنسان أم بالاقتصاد وأخيرا في التعليم صورة سلبية. يقدم التقرير الذي درس أحوال أربعة عشر بلدا في المنطقة في غضون أربعين عاما مفارقات أكثر مما يقدم إجابات، فالعلاقة بين التعليم والثروة تبدو واهية كما وصفها أو معكوسة، فدولة فقيرة مثل الأردن تحتل المرتبة الأولى، ودولة غنية مثل السعودية تحتل المرتبة العاشرة. الأكثر مفارقة أن النمو في التعليم لم يؤد إلى نمو في الاقتصاد، يتواصل الفصام بين التعليم والاقتصاد فمنتجات التعليم لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل، أو أن نوعية المتخرجين ليست بالمستوى الذي تتطلبه السوق الدولية في زمن العولمة.

مروان المعشر/ نائب مدير البنك الدولي: إن نوعية التعليم في المنطقة لا تصبو لمتطلبات النمو الاقتصادي من قدرات ومهارات بشرية مؤهلة، حيث تواجه العملية معوقات تحد من تنمية قدرة الطالب والطالبة على المهارات التحليلية والقدرة على حل المشاكل والتفكير النقدي والإبداع. لقد حان الوقت لأن نولي تلك المهارات درجة كافية من الاهتمام توازي بل تفوق تلك التي أولتها المنطقة لمحو الأمية والالتحاق بالمدارس.


ياسر أبو هلاله: يبدو الهرم الديموغرافي في المنطقة مقلوبا إذ تتزايد أعداد الأطفال والشباب على حساب الراشدين والكهول، ويتوقع التقرير أن تبلغ في العام 2030 نسبة الخريجين الذين لا تستوعبهم سوق العمل زهاء الـ 50%. ورغم أن إنفاق المنطقة على التعليم فاق ما أنفقته مناطق كأميركا اللاتينية وشرق آسيا إلا أن معدلات البطالة ما زالت أعلى، كما أن نصيب الفرد في النمو ما زال أقل. ويسجل التقرير لدول المنطقة انخفاض أعداد الفقراء والذي يرجعه إلى سياسات اجتماعية لا علاقة لها بالتعليم. يمر التقرير سريعا على الصراعات في المنطقة ولا يحملها مسؤولية التأثير على التعليم، ومن المفارقات أن أطفال غزة والضفة الغربية الذين يدفعون كلفة عالية للصراع يشكلون أعلى نسبة إتمام تعليم ابتدائي، ولا يتعرض الاحتلال الأميركي للعراق عندما يتحدث عن النزاعات التي وصفها بواسعة النطاق، يدافع البنك عن تقريره بأن قوانينه لا تتدخل في السياسة ولذا لم يدع لإصلاحات سياسية أو إنهاء احتلال، ربما هذا ما يريح حكومات المنطقة المتمولة من البنك والحكومة الأميركية كبرى مموليه. لا يتدخل البنك في السياسة لكن قروضه وتقاريره تؤثر في السياسة وهو ما لا يجيب عليه البنك.

[نهاية التقرير المسجل]

مواضع الخلل في النظام التعليمي وأسبابها

علي الظفيري: ومعي لمناقشة الموضوع في هذه الحلقة من عمان مايكل روتكوسكي مدير إدارة قطاع التنمية البشرية في البنك الدولي، ومن عمان أيضا الدكتور محمد الدقس أستاذ الاجتماع في الجامعة الأردنية والمتخصص في قضايا التعليم ومحو الأمية، ومن الرباط الدكتور مصطفى محسن الباحث في قضايا التربية والثقافة والتنمية، مرحبا بكم جميعا. نبدأ معك سيد روتكوفسكي، على ماذا استند التقرير في تقييمه لواقع التعليم في المنطقة العربية؟

مايكل روتكوسكي: بالدرجة الأولى يشدد التقرير أن هناك تقدما ضخما فيما يتعلق بمخرجات التعليم في العالم العربي، ونحن نقدم بيانات ومعلومات تبين أنه فيما يتعلق بمعدلات الالتحاق في الدراسة والتساوي بالنسبة للجنس في الالتحاق بالمدارس فهناك تقدم، هذه ليست مصادفة، أنا هنأت وزراء في الغرفة لإنجازاتهم ولإنجازات من سبقهم. وفي الوقت ذاته التقرير يسلط الضوء على حقيقة مهمة أنه على الرغم من هذا التقدم الضخم والمثير للإعجاب فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا زالت متخلفة عن المناطق الأخرى فيما يتعلق بمؤشرات مخرجات التعليم الهامة، هذا يشمل معدلات الانخراط ونتائج الاختبارات الوطنية، هذا يشير أن النجاح في الماضي ليس بالضرورة شيئا يجب أن يرضى به الجميع، أن من المهم جدا الآن، اليوم أن نتجاوز التفكير بالنظام التعليمي على أنه مجرد مدارس ومعلمين وكتب ومناهج دراسية لكن يجب النظر إلى المنظومة التعليمية بأكملها، حوافز للمعلمين ليدرسوا جيدا وتأثير المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني على المدارس، على كل إطار المحاسبية والحوافز. فنحن نقول إن المنطقة أدت أداء جيدا فيما يتعلق بالتعليم من حيث المدارس والمناهج والكتب ولكن في الاقتصاد العالمي واقتصاد المعرفة الذي يلعب دورا كبيرا في المهارات الإدراكية ومهارات الخبرات التي تسيطر على المهارات التي كانت لازمة قبل خمسين عاما، فلا بد من التحول والتفكير في المنظومة التعليمية من حيث المحاسبة العامة والحوافز والتركيز على شيء هام جدا لمستقبل العالم العربي.


علي الظفيري: سيد روتكوسكي لوحظ على تقريركم أنه تناول النظام التعليمي بشكل منفصل وكأن النظام التعليمي معزول عن الوضع السياسي، عن حالة الاستقرار، هل هذا أمر كان متعمدا، يعني ألا يؤثر على المصداقية ودقة تشخيص واقع التعليم في المنطقة؟

مايكل روتكوسكي: نحن ندرك أن عدة دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي دول إما أنها في حالة نزاع أو ما بعد النزاع، ونحن ندرك قطعا حقيقة أن تلك الظروف سلبية جدا على المنظومة التعليمية ولا بد أنها قد أثرت على مخرجات التعليم، في الوقت ذاته مع ذلك يجب أن ندرك أن النزاعات للأسف جزء بارز من حياة مناطق أخرى، فإذاً عندما تحدثنا عن المنظومة التعليمية والطريق إلى الأمام بالتأكيد نحن لم ندخل في مسائل النزاعات على أمل أن النزاعات ستزول وأيضا على أمل أن نزاعات الماضي لن تترجم نفسها إلى المستقبل، ولكن علي القول إنني أدرك تماما كما هو الحال مع زملائي أنه مع النظر إلى الوضع في غزة وفلسطين ولبنان وإلى دول أخرى في المنطقة لا يمكن أن تنفصل عن النزاع، ومع ذلك ما نشدد عليه هو أن الحلول الملموسة فيما يتعلق بتحسين المخرجات التعليمية على المستوى الوطني تختلف في كل بلد، المبادئ الأساسية ذاتها لكن الخطوات مختلفة، وأعتقد أن مسائل النزاعات يجب أن تدخل في الاعتبار ليس في هذا المنظور الواسع من المبادئ وإنما على المستوى الملموس من الخطوات التي لا بد من اتخاذها غدا وبعد غد. ونحن في البنك الدولي على استعداد لمساعدة كافة الدول العربية في الاستفادة القصوى حتى في أصعب الأوقات، طبعا كنا شركاء مع كافة الدول في المنطقة لسنوات عدة في القطاع التعليمي وطالما هناك حاجة لنا. فنحن سنبقى هنا على استعداد للمساعدة ونحن ندرك تماما التأثير الفظيع للنزاعات وسنفعل أفضل ما لدينا للمساعدة على تخفيفها في المنظومة التعليمية.


علي الظفيري: دكتور محمد في عمان، كمهتم بقضايا التعليم، إلى أي درجة تتفق مع ما آلت إليه نتيجة التقرير، هل فعلا استطاع أن يشخص واقع التعليم تشخيصا دقيقا؟

محمد الدقس: بطبيعة الحال من اطلاعنا على التقرير وكما فهمت الآن في هذه اللحظة، فيتبين أن التقرير فيه جوانب مهمة جدا رغم أنني لا أتفق مع كل ما توصل إليه إنما هنالك بعض الجوانب المهمة والأساسية التي أشار إليها التقرير وهي أن البلدان العربية في الشرق الأوسط أو في شمال أفريقيا بشكل عام هي ليست على مستوى واحد من التعليم ومن منظومة التعليم ومخرجات التعليم إلى غير ذلك، بطبيعة الحال، هنالك أنظمة مختلفة ومتباينة كما أن نسب الأمية تختلف من بلد عربي إلى آخر كما أنها تختلف بين الذكور والإناث في كل بلد عربي وهكذا. إذاً لا يمكن أن نضع الجميع في سلة واحدة وأن نضع برنامجا أو مخططا نلزم كافة الأقطار العربية به، إنما يجب أن تعالج كل مشكلة على حدة وبالتالي تختلف المعالجة لكل مسألة في الوطن العربي أو في الأقطار العربية من دولة إلى أخرى.


علي الظفيري: دكتور مصطفى في الرباط، أين يكمن الخلل الحقيقي، يعني من معرفتك لقضايا التعليم والتنمية بشكل عام وكذلك مما أتى به هذا التقرير، ما هو الخلل الحقيقي فيما يتعلق بالتعليم في الوطن العربي؟

"
المجتمعات العربية لم تنظر بعد إلى النظام التربوي باعتباره قطاعا استثماريا يستثمر في أهم عنصر من عناصر رأس المال وهو الرأسمال البشري
"
مصطفى محسن

مصطفى محسن: شكرا، دعني أولا أسجل بعض الملاحظات السريعة ثم أنتقل إلى الإجابة على سؤالك الهام، في البداية لا بد أن أشير إلى أن ما يسمى عادة بأزمة النظام التعليمي في الوطن العربي هي أزمة شمولية متعددة الأبعاد وبالتالي هي أزمة بنيوية لا ترتبط فقط بقطاع التربية و التعليم أي هي ليست أزمة قطاعية وإنما هي أزمة اجتماعية عامة، جزء من أزمة متعددة الأبعاد سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، هذا واحد. الملاحظة الثانية هي أن المؤشرات التي تعتمد عليها بعض المنظمات الدولية بما في ذلك البنك الدولي والتي تتخذ كمقاييس لقياس التنمية البشرية أو لقياس مدى تطور التعليم في منطقة معينة هي مؤشرات مهمة جدا لها طابع عام ولكن أيضا لها أبعاد خصوصية، فعلى سبيل المثال ما يتعلق مثلا بالتمدرس، الالتحاق بالنظام التربوي، فقد يكون مثلا التحاق الفتيات في التعليم في مجتمع معين كبعض مجتمعات الخليج أقوى من التحاق الفتيات في مجتمعات أخرى، ولكن هذا من حيث دلالته الاجتماعية لا يؤشر على أن هناك اهتماما بالمرأة وهناك تطورا في علاقة المجتمع بالمرأة وبمكانتها الاجتماعية، بل قد يكون لاعتبارات أخرى اقتصادية وغيرها مثلا كلجوء الذكور إلى العمل الاقتصادي وعدم استمرارهم في الدراسة إلى آخره. ثم كذلك جودة النظام التعليمي تختلف من مجتمع إلى آخر فقد يكون مثلا من أولويات بعض النظم التربوية في مجتمعاتنا العربية أن توفر مخرجات للنظام الاقتصادي وقد يكون من أولويات بعض الأنظمة أن تركز على التربية على المواطنة وحقوق الإنسان وقضايا سوسيوثقافية معينة، معنى ذلك أن هذه المؤشرات مهمة لها طابع عام ولكن أيضا لها دلالات خصوصية تختلف من سياق مجتمعي إلى آخر، وبالتالي فإن ما تقدمه لنا من صورة عن النظام التعليمي في مجتمعاتنا العربية وغيرها ليست سوى صورة تقريبية، هي مهمة وأساسية ولكن يجب أن نعي أبعادها ودلالاتها.


علي الظفيري: هذا أمر مهم، الخلل أين يكمن يا دكتور؟ وباختصار أريد أن انتقل للفاصل.

مصطفى محسن: نعم بسرعة، أنا أعتقد أن عمق الأزمة أو العوامل التي تساهم في إنتاج وإعادة إنتاج الأزمة التعليمية في مجتمعاتنا العربية تكمن في عوامل متعددة ومعقدة ولعل من بين أهمها، أولا غياب المرجعية الموجهة لنظمنا التربوية، مرجعية ذاتية خاصة بنا كمجتمعات قومية تحدد لنا المسار الذي ينبغي أن يسير فيه النظام التعليمي. النقطة الثانية ترتبط بما سبق وهي غياب أو هشاشة تصور واضح للإنسان الذي يستهدفه النظام التربوي التكويني، من هو هذا الإنسان؟ ما مواصفاته الجانبية؟ ماذا نريد أن نفعل بهذا الإنسان؟ هل نريده للمواطنة؟ هل نريده لاقتصاد السوق؟ هل نريده لاقتصاد المعرفة؟ إلى آخر ما هنالك من المواصفات التي ينبغي أن نتصورها وينبغي على أساسها أن نوجه النظام التعليمي. ثم كذلك ما زلنا أيضا لم نربط بكيفية جدلية وديناميكية ما بين التعليم وبين المجتمع وبين الاقتصاد أساسا، بمعنى ما زلنا لم ننظر بعد في مجتمعاتنا العربية إلى النظام التربوي باعتباره قطاعا استثماريا يستثمر في أهم عنصر من عناصر رأس المال في المجتمع ألا وهو الرأسمال البشري باعتباره هو أساس التنمية، هدفها، دعامتها وكافل استدامتها واستمرارها، هذه بعض المشكلات..


علي الظفيري(مقاطعا): اسمح لي دكتور، ذكرت ثلاثة ملامح مهمة جدا لوجه الخلل في النظام التعليمي، وسنفصل أكثر وأيضا سنقرأ بعد الفاصل في مستقبل الدول العربية في ضوء هذا التخلف التعليمي الكبير والواضح. فاصل قصير، ابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

طرق المعالجة ومستقبل التعليم

علي الظفيري: أهلا بكم من جديد. حلقة اليوم تبحث في أسباب تواضع مستوى التعليم في العالم العربي. دكتور محمد دقس في عمان، في ظل هذا التراجع يعني التقرير يقول رغم وجود تقدم إلا أن هناك أيضا تخلف عن بقية مناطق العالم. هل المستقبل الذي ينتظر هذه المنطقة في ظل هذا التراجع التعليمي والتخلف التعليمي كما ونوعا مستقبل خطير جدا؟ ما ينتظرنا سيء؟

محمد الدقس: شكرا. بطبيعة الحال يعني الوضع ليس سيئا إلى درجة كبيرة إنما يمكن معالجته وفي تصوري هنالك جملة من الحلول لحل هذه الإشكالية منها في تصوري الاهتمام بتعليم الفتاة كالذكر تماما، هذا من جانب، الجانب الثاني نشر المدارس في كل مناطق القطر بشكل عام، ثلاثة الاعتناء بالبحث العلمي، وهذه نقطة مهمة جدا لأنه عن طريق البحث العلمي تتقدم المجتمعات وتصبح الاختراعات وغير ذلك وهذا يأتي من تخصيص جزء من ميزانية الدولة بحيث لا تقل عن 10% على الأقل من ميزانية أي دولة في الدول العربية بشكل عام، أضف إلى ذلك أن التعليم خاصة يجب أن يوائم سوق العمل بمعنى أن هنالك كثير من الخريجين لا يجدون عملا في حين أن هنالك بعض الأعمال لا تجد من يشغلها هذا يعني أن هنالك في خلل في مخرجات التعليم الأمر الذي يتطلب دراسة وتخطيط بعيد المدى لبحث هذه الإشكالية ومعالجة سوق العمل بشكل كبير في هذا الجانب. وفي تصوري كثير من الدول العربية ومن ضمنها الأردن مثلا تأخذ بتطور التعليم بشكل عام واقتصاد التعليم وتكنولوجيا التعليم إلى غير ذلك والاهتمام بهذه المعطيات الحديثة من أجل مسايرة العصر وتوظيف من هم طالبين للعمل في هذا المجال.


علي الظفيري: سيد روتكوسكي التقرير ربط كثيرا بين قضية التعليم والنمو الاقتصادي والتحفيز الاقتصادي، هل يمكن القول إذا ما استطاعت الدول العربية مواءمة المخرجات التعليمية من المدارس والجامعات مع وظائف ومتطلبات سوق العمل، إذا نجحت كثيرا في هذه المسألة هل يمكن القول إنها ستقلص من هذه المشكلة، من هذه الأزمة في نظامها التعليمي؟

"
مطلوب اللامركزية والاستقلال الذاتي للمدارس ومؤسسات التعليم العالي بحيث تتمكن مع مرور الوقت من التكيف مع التغيرات في سوق العمل
"
مايكل روتكوسكي

مايكل روتكوسكي: لقد وضعت أصبعك على شيء يحمل أهمية كبيرة للعديد من الدول العربية وهي حقيقة أن الخريجين وخاصة خريجي الجامعات لا يستطيعون إيجاد وظائف ومعدل البطالة هو الأعلى بين خريجي الجامعات. الحل لتلك المشكلة هو في الواقع ليس فقط ضمن القطاع التعليمي ولكن جزء من ذلك فيه فإذا يكون القطاع قادرا على تخريج خريجين عصريين مهاراتهم مطلوبة في سوق العمل، ولكن للأسف جزء من المشكلة يتعلق بالاقتصاد ككل لحد أن العديد من الدول موظفي الخدمة المدنية والقطاع العام يكون عددهم كبيرا وهو سائد ولهذا فهذا يخلق وضعا حيث لا يفضل الخريجين أن يأخذوا وظائف في القطاع الخاص وإنما ينتظرون التوظيف في القطاع العام فهذا توظيف لمدى الحياة ورواتبه جيدة، ولذلك هناك تأثيران، واحد فوري وهو البطالة بين الخريجين ولكنه تأثير ضار على المدى الأطول وهو أن سوق العمل لا يرسل إشارات إلى المدارس والجامعات فيما يتعلق بأي المهارات التي ستكون مطلوبة في المستقبل، ودون هذه المعلومات الأساسية فإن المؤسسات التعليمية لا تستطيع أن تتكيف في برامجها ومناهجها لكي تفي بمطالب العمل في المستقبل. النقطة الثانية التي أود التركيز عليها وهي واضحة في التقرير وهي الحاجة إلى اللامركزية والاستقلال الذاتي للمدارس ومؤسسات التعليم العالي بحيث تتمكن وبمرور الوقت أن تتكيف للتغيرات في سوق العمل وحاجاتها بحيث تفي بهذه الحاجات. يبدو أن هناك أهمية كبيرة بطرح أسئلة بسيطة أساسية للنظام التمدرسي التعليمي في كل بلد، هل مثلا للأهل تأثير على المناهج؟ هل للحكومات المحلية تأثير على طريقة إدارة المدارس؟ هل المدارس مسؤولة وتحاسب على النتائج؟ هل يكافأ المعلمون الجيدون على أدائهم الجيد؟ هذه الأمور ذات أهمية كبرى.


علي الظفيري: سيد روتكوسكي تذكر أمور مهمة لكن فقط لضيق الوقت اسمح لي أن أتحول لضيفي في الرباط الدكتور مصطفى، دكتور، أنت ربطت أمر التعليم بمجمل الحياة العامة. في ظل أنظمة سياسية عاجزة وعدم وجود برلمانات تراقب وتحاسب وتشرع ويعني في ظل كل هذا التراجع العام سواء سياسيا واقتصاديا، هل يمكن الحديث عن التعليم بمعزل عن هذه الأمور الأخرى، هل يمكن إحداث ثورة تعليمية في أنظمتنا في الدول العربية أم أن المسألة ككل وتعالج أيضا بشكل كامل وليس بشكل جزئي؟

مصطفى محسن: دعني أجبك على سؤالك هذا بطريقة ضمنية ضمن الجواب العام الذي أريد أن أقدمه. أولا لا بد أن نشير إلى أن الأوضاع التعليمية في الوطن العربي تحتاج كما تفضل السيدان المتدخلان قبلي إلى إصلاحات شمولية تتناول البرامج والمناهج وتكوين المدرسين والبنيات والهياكل والتجهيزات والعتاد اللوجستيكي وغير ذلك، وقد بذل المغرب على سبيل المثال وبعض الدول العربية مجهودات جبارة في هذا المجال إلى حد أن المغرب وهو أول دولة عربية في هذا المجال، أنشأ ميثاقا أو شكل ميثاقا وطنيا للتربية والتكوين، أعتقد أنه هو البلد العربي الوحيد الذي يتوفر على هذا النطاق الوطني للتربية والتكوين، والذي يتضمن مجموعة من الأفكار والتصورات والآراء التي تشكل مرجعية للإصلاح. ولكن دعني أقل لك بأن الإصلاح الذي نبحث عنه هو كما سبق أن ذكرت بذلك هو إصلاح يجب أن يكون شموليا، بمعنى أن لا يكون إصلاح النظام التعليمي منصبا على التعليم فقط بل ينبغي أن يكون إصلاحا مندمجا في إطار إصلاح شمولي عام، سياسي وثقافي واجتماعي واقتصادي وهو الذي سميته في بعض مؤلفاتي بالإصلاح التربوي المتكامل أو المتوازي المسارات، يتكامل فيه الاقتصاد مع التربية، وعلى سبيل المثال فنحن دائما نشير إلى أن المدرسة يجب أن تعتني بتكوين مخرجات صالحة للاندماج في سوق العمل وغالبا ما نوجه التهمة للنظام التعليمي على أنه هو العاجز على تلبية الطلب الاجتماعي..


علي الظفيري(مقاطعا): المشكلة يا دكتور مصطفى إذاً عامة وشاملة. وسامحني فقط لأن الوقت انتهى تماما، الدكتور مصطفى محسن الباحث في قضايا التربية والثقافة والتنمية من الرباط، الدكتور محمد الدقس أستاذ الاجتماع في الجامعة الأردنية المتخصص بقضايا التعليم ومحو الأمية، وكذلك مايكل روتكوسكي مدير إدارة قطاع التنمية البشرية في البنك الدولي، شكرا لكم جميعا. مشكلة التعليم تحتاج إلى وقت أطول بكثير من وقت البرنامج، انتهت هذه الحلقة من البرنامج اليوم بإشراف نزار ضو النعيم نشكر لكم طيب المتابعة ودائما بانتظار مساهماتكم عبر البريد الإلكتروني indepth@aljazeera.net

غدا إن شاء الله قراءة جديدة فيما وراء خبر جديد، شكرا لكم وإلى اللقاء.