خارج النص

طه حسين.. عاصفة الجدل المستمرة

خصصت حلقة “خارج النص” لكتاب “في الشعر الجاهلي” لعميد الأدب العربي طه حسين، الذي صدر في مصر سنة 1926، وأثار معركة لعقد من الزمان وما زالت النقاشات تثار حوله.

عقد من الزمان استغرقته المعركة التي أشعلها عميد الأدب العربي طه حسين بصدور كتابه "في الشعر الجاهلي" عام 1926 لتمتد آثارها إلى عموم الدول العربية والإسلامية.

برنامج "خارج النص" عاد في حلقة (2017/2/19) ليقترب من المعركة التي انقسم فيها الناس بين مؤيد لأفكار طه حسين وما فيها من جرأة لازمة، ومعارض رأى فيها خروجا على ثوابت الأمة والدين.

بمنهج ديكارتي ملؤه الشك جاء كتاب طه حسين زاخرا بأفكار ونصوص كان لها وقعها الحاد على مسامع الحياة الثقافية وقتذاك، حيث شكك بداية في صحة الشعر الجاهلي، ورأى أنه موضوع انتحله المسلمون بعد الفتح ونسبوه إلى الشعراء الجاهليين لأسباب دينية أو سياسية أو قبلية.

معركة حزبية
اتخذت المعركة طابعا حزبيا وأيديولوجيا؛ فانبرت صحف حزب الوفد للطعن في الكتاب وصاحبه، وكان على رأسها جريدة "كوكب الشرق".

وعلى الناحية الأخرى كانت جريدة "السياسة" الأسبوعية التي تعد لسان حزب الأحرار الدستوريين تدافع عن طه حسين كونه واحدا من مفكري الحزب وأبنائه النجباء.

عشرات الكتب والمقالات انبرت لمهاجمة الكتاب، بل لجأ البعض إلى المحاكم طلبا للتحقيق مع طه حسين، ونجحت المعركة في سحب الكتاب من الأسواق، ومثل الكاتب أخيرا أمام القضاء.

أما الطبعات اللاحقة من الكتاب فقد جرى فيها حذف كل النصوص التي أثارت الجدل.

دعم حسين تشكيكه في الشعر الجاهلي بإثارته مسألة التدوين، فتساءل كيف كان التدوين باللغة العربية الفصحى وهي لغة القرآن رغم تعدد اللهجات في شبه الجزيرة العربية؟ وهو أمر لم يجد تفسيرا له سوى أن الشعر الجاهلي جرى جمعه وكتابته على يد المسلمين.

ويقول "الشعر كتب في لهجات قبائل عدنانية قبل أن يفرض القرآن على العرب لغة واحدة ولهجات متقاربة".

سيادة لغة فصحى
يرد الأستاذ بكلية الآداب في جامعة عين شمس إبراهيم عوض بأن كل بلد، بل وكل مدينة تتوافر على لهجات، ولكن على كثرتها لا تظهر في الأدب، وهذا يؤيده عايدي علي جمعة الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الزقازيق قائلا إن هناك "نمذجة" ثقافية يتفق على لغتها الكتاب ويكتبون بلغة مصفاة يجتمعون عليها.

بينما يدافع مدحت الجيار، وهو أستاذ الآداب بجامعة الزقازيق، قائلا "لا بد من الاعتراف بأن ما يقوله طه حسين في هذه النقطة صحيح؛ لأن الشعر الجاهلي لم يكن مدونا حتى جمع القرآن، فكان الراوي بعد الإسلام مسلما يروي القصيدة بلهجته".

اتهم البعض طه حسين بأنه مجرد مردد لأقوال مستشرقين، وأن أفكار الكتاب إنما هي بنصها -مع قليل من التحوير- أفكار المستشرق ديفيد صاموييل مارغليوث التي نشرها في مقالة له في الجمعية الآسيوية الملكية.

عبد المنعم تليمة الأستاذ بكلية الآداب في جامعة عين شمس قال إن مارغليوث نفسه لم يبتعد خطوة واحدة عما قاله ابن سلام الجمحي في كتابه "طبقات فحول الشعراء" قبل 1300 سنة، والذي ردده طه حسين؛ فالقضية قضية عربية وقديمة.

التشكيك بتاريخية أنبياء
أما ما أثار غضبة وصلت إلى القضاء فهو تشكيك طه حسين في تاريخية النبيين إبراهيم وإسماعيل؛ إذ يقول "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي".

يقول مدير إذاعة القرآن الكريم محمود خليل إن هذا الكتاب لا يوجد فيه أي محمل في الخير، إذ لم يترك فضيلة عند العرب إلا شابها، أما إبراهيم عوض فزاد بأنه ليس من النهج العلمي أن يرمى الكلام مرسلا دون دليل.

مثل طه حسين عام 1926 أمام القاضي محمد نور الذي وجه الاتهامات للكاتب بتضمين كتابه ما يمثل إساءة، فيرد حسين بأنها فرضيات على سبيل البحث وليست تشكيكا في الدين أو قدحا في الرموز الدينية.

خلص القاضي إلى براءة طه حسين قائلا إن "الأستاذ الجليل باحث يفتش عن سند تاريخي من الكتابة والمرويات"، ويعلق تليمة بأن ضغوطا كثيرة كانت حول القاضي، لكن "ما يعنينا هو الحكم المجيد الذي نفخر به ونفخر بالقضاء المصري".