خارج النص

"نقد الخطاب الديني".. كتاب الجدل العاصف

تناول برنامج “خارج النص” كتاب “نقد الخطاب الديني” لنصر حامد أبو زيد الذي تضمن تحليلا ونقدا للتراث الديني وطبيعة القراءة المعاصرة للنصوص الدينية وآثار ضجة كبيرة دفعته لمغادرة مصر.

كان العام الدراسي 1992 في جامعة القاهرة على وشك أن ينتهي حين تقدم نصر حامد أبو زيد (1943-2010) ببحث حمل عنوان "نقد الخطاب الديني" إلى لجنة علمية مختصة لنيل درجة أستاذ في قسم اللغة العربية.

أبو زيد الذي كان يبلغ عمره نحو الخمسين، لم يكن يتخيل أن لحظة تقدمه بورقته العلمية تلك ستخلف زلزالا يقلب حياته الأكاديمية والشخصية.

يرتكز كتاب "نقد الخطاب الديني" على ثلاثة فصول؛ يتناول في الأول الخطاب الإسلامي المعاصر، والثاني التراث الديني ومحاولات تأويله، والثالث طبيعة القراءة المعاصرة للنصوص الدينية، معتمدا في قراءته الخاصة على مدخل لغوي بحت.

أمام لجنة الترقية
في الأعراف الأكاديمية يحصل الباحث على ترقياته العلمية عبر خطوات معروفة ومحددة، حيث تقدم أبو زيد ببحثه إلى لجنة من كبار الأكاديميين لتعتمده وتنشره كتابا أكاديميا يدرسه الطلبة كمقرر علمي.

ويشرح أستاذ الفلسفة في جامعة طنطا أحمد محمد سالم بداية اندلاع الأزمة منذ تسلمت لجنة الترقية بحث أبو زيد، وكانت مُشكَّلة من الثلاثة: عبد الصبور شاهين، ومحمد عوني عبد الرؤوف، ومحمود مكي.

ويضيف أن مكي وعبد الرؤوف كتب كل منهما تقريرا يشيد بمنهجية أبو زيد، إلا أن تقرير شاهين لم يتطرق إلى منهجية البحث، بل لجأ إلى التفتيش في عقيدة أبو زيد، متهما إياه بالتشكيك في الغيبيات وتمجيد الماركسية والانتصار لرواية "آيات شيطانية" لسلمان رشدي.

وفقا للباحث في المعهد الألماني للأبحاث الشرقية محمد حلمي عبد الوهاب، فإن عبد الصبور شاهين نقد الكتاب بكثير من التعسف، وأن أهمية ما طرحه أبو زيد تكمن في أنه حتى إصدار كتابه لم يعتن أحد بتفكيك الخطاب الديني بهذه القدرة.

القرآن والوحي
أما المفكر الإسلامي محمد عمارة فيرى أن كتاب أبو زيد -بل كل مشروعه الفكري- يتحدث في الإسلاميات وفي المقدس، ويفسر الإسلام تفسيرا ترفضه المنهجية العلمية الإسلامية، مشيرا إلى أن أبو زيد يعتبر القرآن نصا بشريا شأنه شأن المعلقات الجاهلية.

أحمد محمد سالم له زاوية نظر أخرى تفيد بأن السلفيين يرون الوحي رسالة السماء إلى الأرض، ولكن نصر أبو زيد -وفق مدرسة المعتزلة- يرى أن الوحي نداء السماء للأرض؛ بمعنى أن الواقع محفز لحركة الوحي.

أما مناصرة سلمان رشدي ووقوف أبو زيد ضد فتوى آية الله الخميني بقتله، فإنما تعود -حسب ما يقوله محمد حلمي عبد الوهاب- لاعتقاده بحق حرية الفكر المستندة إلى أفكار المعتزلة المتعلقة بالحرية الإنسانية.

إلا أن عمارة يرى أن الدفاع عن "آيات شيطانية" سبّة، وأن فتوى الخميني "التي نرفضها" لا تعني قبول الرواية التي تسيء لرموز الدين الإسلامي.

على المنابر
اندلعت المعركة حين فتح المفكر الإسلامي عبد الصبور شاهين النار على الكتاب، وذلك في خطبة جمعة على منبر مسجد عمرو بن العاص، وتوالت الخطب من آخرين.

غير أن مقدمة كتاب "نقد الخطاب الديني" تشير إلى أن غضب شاهين يعود لتناول أبو زيد بالتحليل والنقد شركات توظيف الأموال، "مما ألهب عصبا مكشوفا لدى شاهين الذي وظف فكره لخدمة شركات الريان".

انتقل الكتاب إلى ساحات المحاكم، ووقف صاحبه أمام خطر لم يقفه من قبل باحث عربي وصل إلى حد إصدار المحكمة حكما شرعيا بتفريقه عن زوجته، إلا أن أبو زيد اتخذ قراره بترك مصر موليا شطر هولندا التي عينته أستاذ كرسي في جامعة ليدن.