صورة عامة- الاتجاه المعاكس
الاتجاه المعاكس

المزارعون العرب

تناقش الحلقة سبب هجرة الفلاح العربي الزراعة، لماذا لا توفر حكوماتنا الدعم للمزارعين كما تفعل أميركا وأوروبا؟ أم أن الدول العربية تعمل ما بوسعها لحماية الفلاحين؟


– دور الحكومات وسياساتها الزراعية في أزمة الغذاء
– تأثير ارتفاع الأسعار العالمي وارتفاع أسعار الطاقة
– أشكال الدعم الحكومي للزراعة والمزارعين
– دور منظمات المجتمع المدني في دعم الفلاح
– وصفات صندوق النقد الدولي ونتائجها

فيصل القاسم
فيصل القاسم
 سفيان التل
 سفيان التل
 جمال عبد الجواد
 جمال عبد الجواد

فيصل القاسم: تحية طيبة مشاهدي الكرام. لماذا يعاني العرب من الجوع وأزمة الغذاء إذا كان معظمهم مزارعين، كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول؟ لماذا تتآمر الحكومات العربية على الفلاحة والفلاحين؟ لماذا تحتقر المزارعين وتستغلهم وتشتري محصولهم برخص التراب؟ هل يعقل أن تدعم الحكومة المصرية مثلا الفلاح الأميركي وتدوس الفلاح المصري؟ يصيح آخر. لماذا لا نتعلم من الهند والصين اللتين اكتفيتا ذاتيا من القمح رغم عدد سكانهما الرهيب؟ لماذا لا تحذو الحكومات العربية حذو الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي حصن سوريا بالأمن الغذائي والدوائي وجعل بلاده مكتفية من القمح ذاتيا لا بل تصدر؟ أليس حريا بالدول العربية أن تدعم الفلاحين بدلا من دفعهم إلى هجرة الزراعة؟ ألم يهجر آلاف المزارعين الزراعة بعد أن ارتفعت أسعار الطاقة؟ هل يعقل أن فرنسا تدفع دولارين على كل بقرة يوميا دعما للفلاح الفرنسي؟ وهل الأبقار الفرنسية أهم من الفلاحين العرب؟ لماذا لا ندعمهم بسخاء كي يحافظوا على لقمة عيشنا ونرمي بوصفات صندوق النقد الدولي إلى المزبلة؟ لماذا حولت إسرائيل الصحراء إلى جنة بينما حولنا الجنة إلى صحراء؟ لكن في المقابل أما زالت الزراعة تحظى بالدعم والرعاية في الدول العربية رغم قلة الموارد المالية؟ ألا تدعم مصر الزراعة بمليارات الجنيهات؟ أليس من المستحيل منافسة أوروبا وأميركا في عمليات الدعم الزراعي؟ أليس الذي يحارب الزراعة في بلداننا أميركا وعملاءها كي نبقى تحت إمرتها سياسيا؟ ألم يقل مسؤول أميركي إن الضغط على الدول العربية التي تستورد القمح أسهل بكثير من الضغط على الدول التي تعتمد على ذاتها؟ أسئلة أطرحها على الهواء مباشرة هنا في الأستديو على الدكتور سفيان التل المستشار الدولي في التخطيط الحضاري والبيئي، وعبر الأقمار الصناعية من القاهرة على الدكتور جمال عبد الجواد رئيس وحدة العلاقات الدولية في مركز الأهرام، نبدأ النقاش بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

دور الحكومات وسياساتها الزراعية في أزمة الغذاء


فيصل القاسم: أهلا بكم مرة أخرى، مشاهدي الكرام  نحن معكم على الهواء مباشرة في برنامج الاتجاه المعاكس، بإمكانكم التصويت على موضوع هذه الحلقة، هل تعتقد أن الحكومات العربية مسؤولة عن أزمة الغذاء بسبب إهمالها الزراعة والمزارعين؟ 96,2 نعم 3,8 لا. دكتور سفيان لو بدأت معك بهذه النتيجة، ماذا تقول؟ يعني السواد الأعظم من المصوتين يحملون الحكومات العربية والسياسات العربية مسؤولية أزمة الغذاء التي يمر بها العالم العربي الآن بسبب إهمال الزراعة والمزارعين، هل الأمر كذلك فعلا؟ هل تشاركهم الرأي؟


سفيان التل: نعم أشاركهم الرأي وهذه حقيقة واقعة لأننا نحن حتى كمخططين منذ أن بدأنا العمل على الساحة العربية ونحن ننبه إلى ضرورة الاهتمام بالأرض الزراعية إلى إنقاذ الأرض الزراعية إلى توجيه العمار إلى الأرض غير المنتجة زراعيا، ولكن ما كان يحدث هو عكس ذلك تماما الدول العربية كانت تقدم دعما للمشاريع الصهيونية أكثر بكثير مما قدمت أي دعم للمشاريع العربية.


فيصل القاسم: هذا اتهام كبير، كيف؟


سفيان التل: كيف؟ هناك مشاريع عابرة للدول العربية قدمت كلها لمصلحة الكيان الصهيوني، العرب حاولوا باستمرار أن يتفقوا على قناة السلام ما سمي بقناة السلام لإيصال المياه من دجلة والفرات إلى إسرائيل عبر أنابيب تحت البحر وبالاتفاق مع تركيا هذا أحد المشاريع الكبرى التي قدمت، مشاريع أخرى قدمت وتمت محاولتها لإيصال مياه نهر النيل إلى النقب للقيام بمشاريع زراعية كبرى وتوطين المزيد من الإسرائيليين، هذه المشاريع العرب كانوا نياما عنها منذ 1903 قدم هيرتزل أول مشروع لنقل مياه نهر النيل إلى النقب وتلا ذلك مشاريع متعددة مشروع في 1919 في مؤتمر عقد في باريس ومشروع في 1974 طرح مرة أخرى لنقل مياه النيل إلى صحراء النقب مشروع شركة تاهل..


فيصل القاسم(مقاطعا): طيب كي لا نغرق كثيرا في التاريخ كيف برأيك الحكومات العربية تتآمر على الزراعة والمزارعين؟ كي نقرب الموضوع من المشاهد.


سفيان التل: يا سيدي لماذا لا تشتري الإنتاج الزراعي منهم وتخزنه وتصنعه وتحفظه ليوم الأزمات؟ لماذا تقتنع بطروحات البنك الدولي أن زراعة القمح غير مجدية لنزرع بدلا منها فراولة وما تحتاجه الأسواق الأوروبية والأميركية..


فيصل القاسم(مقاطعا): cash crops


سفيان التل(متابعا): نعم لماذا؟ هذه القضايا أوصلتنا بالنتيجة إلى تفكير غير إستراتيجي، القمح سلعة إستراتيجية يجب أن نأكلها أولا سواء كانت غالية أو رخيصة التكاليف، على سبيل المثال السعودية بدأت خطوة من هذا القبيل بغض النظر عن المياه الجوفية وكانت حتى هذا التاريخ تكتفي ذاتيا من القمح إلا أنها تحت الضغوطات الآن وبحجة أن المياه أصبحت أيضا شحيحة بدأت تعدل عن شراء القمح من المزارع وهي سنويا تخفض..


فيصل القاسم(مقاطعا): يعني بدأت تحارب الزراعة والمزراعين؟


سفيان التل: تحارب الزراعة والمزراعين عمليا المزارع في الأردن لا يستطيع نقل منتجاته من الحقل إلى السوق، لا يستطيع دفع ثمن البنزين في كثير من الأحيان كانوا يتركوا إنتاجهم الزراعي يدفن في الأراضي الزراعية ويحرث هناك لا يستطيعون شراء العبوات ولا يستطيعون نقله إلى الأسواق. المستفيدون الوحيدون هم المتنفذون الكبار الذين سيطروا على السوق الزراعي والذين يتاجرون به ويشحنونه من مواقعهم إلى الأسواق الإسرائيلية والأسواق الأوروبية في حين المواطن الأردني يدفع مبالغ باهظة لحاجته الأساسية، وصل عدد كبير من المواطنين للبحث اليومي عن غذائهم في حاويات النفايات، هل نستطيع أن نصل إلى مستوى أدنى من هذا المستوى؟ والحكام يراقبون ذلك صباح مساء، الأراضي الزراعية بيعت كلها، الأراضي الزراعية حولت إلى أراضي للعمار. حاولنا منذ زمن طويل على ما أذكر أنني قبل 11 عاما قدمت هذه الدراسة في صحيفة وقلنا إن آلاف الدونمات تلفت لأن الزراعة لم تهتم بها وآلاف الدونمات سيقضي عليها التنظيم الآخر لأن أيضا لا يوجد حماية زراعية، ولكن المسؤولين أصروا على ذلك، كنا نقاوم عندما نطرح هذه الطروحات صاحب الصحيفة هذه ضرب في الشارع حتى مزقت أحشاؤه لأننا تطاولنا على كبار الناس الذين يسيؤون للتخطيط ويدمرون..


فيصل القاسم(مقاطعا): ويسيؤون للزراعة والمزارع.


سفيان التل: للزراعة والمزارع ويدمرون الأرض الزراعية.

تأثير ارتفاع الأسعار العالمي وارتفاع أسعار الطاقة


فيصل القاسم: دكتور جمال عبد الجواد في القاهرة، سمعت هذا الكلام يعني باختصار إن ما يمر به العالم العربي الآن من أزمة غذائية وخاصة على المستوى الزراعي مسؤولة عنها السياسات الحكومية وأنت تعلم اليوم هناك مؤتمر في روما لمناقشة أزمة الغذاء في العالم ونحن أكثر البلدان أكثر بلدان العالم تأثرا يهذه الأزمة بالرغم من أن لدينا ملايين الهكتارات للزراعة ولدينا كل شيء، بالرغم من ذلك نموت من الجوع كيف ترد؟


جمال عبد الجواد: بالطبع السياسات الحكومية مسؤولة إلى حد ما بدرجة ما عن أحوال الزراعة السائدة في بلادنا لكن في نفس الوقت وجود أخطاء لا يعني أن ننسب كل المشكلة إلى السياسات الزراعية التي اتبعتها الحكومات، بالطبع زي ما وصف الدكتور في أراضي زراعية تم استهلاكها لصالح التوسع العمراني بشكل غير مخطط وأحيانا بشكل مخطط ومقصود لكن في بلد زي مصر مثلا نعم فقدت مصر مساحة كبيرة جدا من الأرض للتوسع العمراني لكن ومع هذا حدث توسع إجمالي في مساحة الرقعة المنزرعة من حوالي 6 مليون فدان في الستينيات من القرن الماضي إلى 8,5 مليون فدان فهذه المرحلة طبعا، ما فقد جزء منه هي أراضي شديدة الخصوبة في مناطق الدلتا والمحيطة بالقاهرة لكن الصورة ليست بالسواد الكامل كما تصور أحيانا. على الجانب الآخر العالم العربي لا يعاني مشكلة نقص غذاء في الحقيقة العام العربي يعاني من مشكلة ارتفاع أسعار الغذاء كما هو حادث في كل أنحاء العالم، كمية الغذاء الموجودة في العالم حتى الآن والمنتجة تكفي احتياجات العالم لكنها عند مستوى أسعار عالي بحيث أنه لم يعد باستطاعة عدد كبير من الناس أن يحصل عليه في الحقيقة هذا هو الحال في البلاد الأكثر تضررا والأكثر فقرا في العالم ولا يوجد منها تقريبا في العالم العربي أي بلد كلها بلدان أفريقية حسب القائمة التي نشرتها منظمة الأغذية والزراعة الأسبوع الماضي 29 دولة هي الأكثر تضررا من هذا لأن فيها عدد من السكان كبير سيعجز من الحصول على الغذاء..


فيصل القاسم(مقاطعا): يا دكتور جمال ماذا عن شهداء الخبز وشهداء القمح في الدول العربية؟ يعني أنت تصور الأمر كما لو أن المشكلة مشكلة فقط ارتفاع أسعار. المشكلة إهمال لهذه السلعة الإستراتيحية المسماة القمح كنا نعتمد معظم الدول العربية تعتمد من أجل رغيف الخبز على القمح الأميركي أو الأسترالي أو المستورد، فقط هناك بلد واحد عربي اكتفى ذاتيا ألا وهو سوريا فتأتي وتقول لي ليس هناك مشكلة هناك؟ مشكلة كبيرة لأن رقبتنا في أيدي الغير في موضوع القمح، الناس تموت من الجوع الآن.


جمال عبد الجواد: هذا غير صحيح بالمرة، المشكلة التي تتحدث عنها والمتعلقة بطوابير الخبز وكذا والتي تداولتها وسائل الإعلام في مصر هي مشكلة حقيقة لكن ليست المشكلة هي نقص القمح أو الدقيق هي مشكلة توزيع مشكلة أن في دعم تقدمه الحكومة لسلعة الخبز أن هذا الدعم يجعل من المربح جدا لأصحاب المخابز وللتجار أن يبيعوا هذه السلعة المدعومة لاستهلاكها في مجالات أخرى لإنتاج خبز فاخر أو حلوى أو كذا ولا يستخدمونها في إنتاج الخبز المدعم كما تخصصه الحكومة له ومن ثم نحن إزاء حالة سوق سوداء ناتجة عن سياسات الدعم في سلعة في العالم لها سعرين سيترتب عليها أنها ستخرج من السوق اللي فيها السلعة رخيصة وتباع في السوق اللي السلع فيه سعرها غالي، هذا هو الحال المتعلق بمصر هو حالة صراع ما بين جماعات مصالح مرتبطة بالمخابز والتجار وما بين الدولة في محاولتها لتنظيم الخبز وتوصيل هذا الدعم لمستحقيه، المشكلة إطلاقا إطلاقا لم تكن نقص مخزون القمح أو الدقيق أو الخبز إطلاقا هذا توصيف غير دقيق بالمرة للمشكلة.


فيصل القاسم: طيب جميل جدا دكتور سمعت هذا الكلام ليس هناك مشكلة زراعة في العالم العربي، الأمور بألف خير، عملية فقط ارتفاع أسعار في العالم أما الزراعة والمزارعون في العالم العربي تمام؟


هناك 2000 مليار دولار تستثمر في أميركا لو أخذ منها عشرة إلى عشرين مليار واستثمرت في السودان مثلا لاستطعنا أن نغذي العالم العربي كله ونقضي على البطالة  التي تزيد عن 20% في العالم العربي

سفيان التل: هذه محاولة لقلب الحقائق، العالم العربي لم يستثمر في الزراعة هنالك 2000 مليار دولار تستثمر في أميركا ولم يستثمر منها شيء في قطاع الزراعة في بلادنا، لو هذه الـ2000 مليار أخذ منها عشرة إلى عشرين مليار واستثمرت في السودان مثلا لاستطعنا أن نغذي ونقدم للعالم العربي كله قمحا ومواد غذائية كاملة دون أن نضطر لتسويقها في الخارج واستطعنا أن نقضي على البطالة العالية المتوفرة التي تزيد عن 20% في العالم العربي، القطاع الزراعي كان مستهدفا وهدفا عسكريا لأميركا ولإسرائيل، وأريد أن أذكر العرب وقبل أن ينسوا..


فيصل القاسم(مقاطعا): بالتواطؤ مع الحكومات العربية؟


سفيان التل: بالتواطؤ مع الحكومات العربية أذكر تذكير عندما حاصرت الولايات المتحدة الأميركية وزارة الزراعة العراقية يتذكر الجميع هذا الموقف كانوا يدعون أنهم يبحثون عن ملفات نووية وبرامج نووية والحقيقة كانوا يريدون أن يعرفوا ما هو المشروع الزراعي الذي كان مخططا للاستفادة من مياه ما بين النهرين وبعد ذلك قصفت الولايات المتحدة الأميركية كل السدود العراقية سد القادسية ودوكات وسامراء والرمادي والكوفة وكل أنظمة ري المشاخب، هذه الأنظمة الزراعية لم تكن في حال من الأحوال لا أهدافا عسكرية ولم تكن مراكزا لتجميع الإرهابيين فقط كانت أميركا بالتواطؤ مع الدول العربية تريد تجويع الشعب والهدف من تجويع وإفقار الشعب أن يكون جاهزا ليذهب إلى black water  ويكون جنديا يقاتل مع أميركا ويدافع عنها، لم تعد فقط هناك black water واحدة أصبح هناك black jordan  وblack Ejept  ولا زلوا يبيعون أبناءنا في سوق النخاسة جنودا مرتزقة ليدافعوا عن الولايات المتحدة وسياساتها في 10 أو 12 دولة في أفريقيا وفي أفغانستان بينما الشعب نفسه غير قادر على أن يحصل مواده الغذائية من مزارعه المدمرة.


فيصل القاسم: طيب دكتور سمعت هذا الكلام، ألا تعتقد أن الزراعة والمزارعين في العالم العربي أصبحوا الآن في وضع يرثى له خاصة بعد ارتفاع أسعار الطاقة؟ طيب عندما الفلاح الذي كان يدفع مثلا يدفع مبلغا صغيرا من أجل الفلاحة الآن سيدفع هذا المبلغ مضاعفا عشرات المرات بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وغير ذلك، ما المقصور بذلك من هذه السياسة؟ أليس المقصود هو تطفيش الناس وجعلهم يعني يهجرون الزراعة ويذهبون إلى المدينة ولتمت الناس من الجوع بدون زراعة وبدون قمح وبدون كل ذلك؟


جمال عبد الجواد: دعني أقول أولا ملاحظة على ما قيل بشأن السودان وكذا صحيح السودان بلد فيه إمكانيات زراعية كبيرة وهناك حديث قديم عن السودان كسلة غذاء للعالم العربي، لكن لم يتحقق من هذه الوعود أي شيء إلا في الفترة الأخيرة ورب ضارة نافعة، في السنتين الأخيرتين وبالذات في العام الأخير مع ارتفاع أسعار الغذاء في العالم ومع اكتشاف الدول العربية لأهمية إنتاج المواد الغذائية في السودان هناك الآن رؤوس أموال كبيرة تتوجه من منطقة الخليج من مصر للاستثمار في السودان من أجل الإنتاج الزراعي، ارتفاع الأسعار اللي حصل في العالم جعل الإنتاج الزراعي في السودان مربحا جعل من المربح للمستثمرين أن يتوجهوا إلى السودان ومن ثم رب ضارة نافعة، في الفترات السابقة بسبب مشكلات تتعلق بمناخ الاستثمار في السودان نقص البنية التحتية إلى آخره لم يكن السودان مغريا للاستثمار الزراعي الآن مع الأزمة الحالية أي زيادة في التكلفة ناتجة عن طبيعة الظروف في السودان يمكن تعويضها بسبب ارتفاع الأسعار فمرة أخرى رب ضارة نافعة، الأمر الآخر المتعلق..


فيصل القاسم(مقاطعا): لكن كيف تجيب دكتور جمال، كيف تجيب على سؤالي بأن الحكومات العربية تتآمر على الفلاحين وعلى الزراعة من خلال إهمال الزراعة لا بل ضرب الزراعة؟ طيب أعطيك مثالا عندكم في مصر عندما تشتري الحكومة المصرية طن القمح من أميركا بـ400 دولار وتشتري نفس الطن من الفلاح المصري بـ300 جنيه فمعناها أن هناك تآمر، لماذا تدعم الفلاح الأميركي على حساب الفلاح المصري؟ هذا هو السؤال.


جمال عبد الجواد: هذه بالتأكيد سياسة خاطئة لكن هذه السياسة ليست جديدة هذه السياسة متبعة منذ احتكرت الدولة في مصر المحاصيل الزراعية مرة في عهد محمد علي باشا ومرة أخرى في الخميسينيات والستينيات واستمرت فيما بعد هذا، الدولة تحدد المحاصيل التي يجب على الفلاح أن ينتجها تقدم له المدخلات بالأسعار التي تراها وتحددها وتتلقى تتسلم منه المحصول بشكل إجباري أغلب المحاصيل لتبيعها هي بالسعر الذي تراه، الهدف من هذا أو في الحقيقة نتيجة هذا هو تحويل الثروة من الفلاحين اللي كانوا بيحصلوا على عائد محدود جدا إلى الدولة وإلى سكان المدن بالتحديد لأن دي كانت مرحلة تتصور فيها الدولة أن ضخ فائض الثروة من الريف إلى المدينة من أجل عمليات التصنيع والتعليم والتحديث إلى آخره. الآن في الحقيقة إذا بتحكي عن مصر في بدءا من عقدة التسعينيات في تماما سياسة مختلفة وصلت لذروتها في هذا العام عندما قررت الحكومة المصرية أن تشتري القمح من الفلاح بالسعر العالمي تماما على مراحل تم رفع سعر توريد القمح من الفلاح إلى الدولة وأصبح هذا التوريد اختياريا وليس إجباريا كما كان في الماضي، الآن السعر الذي حددته الدولة هو السعر العالمي. الأكثر من هذا، السعر العالمي بعد أن تم تحديده أعلنته الدولة تراجع السعر العالمي قليلا واستمرت الدولة في دفع السعر الذي سبق أن أعلنته للفلاح أعتقد أن الفلاح في العالم العربي الفلاح في مصر بالتحديد سيستفيد كثيرا من سياسات تحرير المحاصيل الزراعية لأن في الحالة دي يستطيع أن ينتج المحصول الذي يدر عليه العائد الأكبر إذا بيرتفع سعر القمح بينتج قمحا إذا بيرتفع سعر الذرة بينتج ذرة إذاً على الدولة أن تكف عن الشراء بأسعار جبرية، وهذا ما حدث بالغعل سياسة التحرير الاقتصادي التي تهاجم أحيانا هي في الحقيقة المدخل لرفع مستوى الفلاح، في هذا السياق تأتي جملة من الأشياء لا تستطيع أن تحرر أسعار المنتجات الزراعية وتبقي في نفس الوقت الدعم كاملا على كامل المدخلات الزراعية ومع هذا الدعم ما زال مستمرا، إذا أردنا الحديث عن مصدر..


فيصل القاسم(مقاطعا): أشكرك جزيل الشكر، هذه النقطة..


جمال عبد الجواد(مقاطعا): أعطني دقيقة واحدة..

أشكال الدعم الحكومي للزراعة والمزارعين


فيصل القاسم(مقاطعا): هذه نقطة مهمة جدا الدعم، دكتور نحن لماذا نصور الوضع الآن في العالم العربي كما لو أن الدول العربية تخلت عن المزارعين وعن الزراعة وأن المزارع ترك يعني يموت وكذا؟ لدي أنا الكثير من المعلومات مثلا لنأخذ مثلا في سوريا أصدرت رئاسة الوزراء قبل أيام قرارا يسمح للمزارعين بالحصول على مبلغ 3 آلاف ليرة سورية عن كل دونم لري محاصيلهم الصيفية وخاصة القطن بعد أن اشتكى الفلاحون من ارتفاع تكاليف المحروقات بما يتجاوز قدرتهم بعد رفع سعر المازوت، في مصر يدفعون مليارات الجنيهات لدعم الفلاحين، إذاً ليس صحيحا بأن رفعت الأسعار الطاقة والناس تموت، ليس صحيحا.


سفيان التل: يا سيدي هذه الحقيقة بعض المصطلحات كالعولمة وكتحرير الأسعار هي لعبة غربية وثقتنا في العالم الغربي في هذا الموضوع ليست في مكانها. أنا أريد أن أعطي مثلا كيف يتعامل الغرب مع المحاصيل وتحديد الأسعار، أرجو المخرج أن يركز على هذه الصورة، هذه الصورة مصدرها من ألمانيا الغربية هناك أكثر، ملايين الأطنان من الفواكه والتفاح تدفنها السوق الأوروبية في مدافن للمحافظة على الأسعار ولتحديد السعر العالمي..


فيصل القاسم: يعني ترميها، تتلفها.


سفيان التل: تتلفها. وثمن إتلافها مليارات أيضا تدفع، ويقولون لنا..


فيصل القاسم (مقاطعا): تفعل ذلك وتدفع للمزارع ثمنها..


سفيان التل: نعم، هكذا يتم الدعم..


فيصل القاسم: بينما في بلادنا العربية..


سفيان التل: يهلك المزارع ويسلب دمه ويستباح ويتم التلاعب عليه من الحكومات لأن الحكومات الموجودة في عالمنا العربي كلهم إما تجار يحكمون أو حكام يتاجرون..


فيصل القاسم: أو رشاوى ووسطاء وكلاء..


سفيان التل: وهكذا يعني، لم يعد.. ابن خلدون يقول عندما يتحول الحكام إلى تجار فهذه نهاية الدول. والآن دولنا العربية في نهايتها لأنهم كلهم رجال أعمال، قل لي، أعطني دولة عربية فيها رجال دولة، ندرة، رجال الدولة أصبحوا ندرة في عالمنا العربي، هذه حالة. أعطي مثلا آخر عن الذين يريدون أن يدعموا، اليابان دولة صغيرة جدا تستفيد من كل سنتيمتر مربع للغرض الزراعي، شاهدوا كيف طوروا صناعة البطيخ، عملوا البطيخ بطيخا مربعا حتى يسهل التعامل معه وشحنه وهكذا يدعم المزارعون..


فيصل القاسم(مقاطعا): مع أنه ليس لديهم أرض كما قلت.


سفيان التل: ليس لديهم أرض، كل سنتيمتر يستفاد منه، ونحن ماذا نفعل هنا؟


فيصل القاسم: إسرائيل حولت الصحراء إلى جنة ونحن حولنا الجنة إلى صحراء بفضل سياساتنا الزراعية الحكيمة.


سفيان التل: ومنذ بداية احتلالها للمنطقة أول ما بدأت بدأت بمشروع زراعي كبير في بحيرة الحولة وعندما جففت الحولة وبدأت تزرعها أذكر أن شاعر سوريا العظيم سليمان العيسى وجه قصيدة إلى الشيشكلي قال له فيها

الحولة البكر إسرائيل تزرعها

وأنت تزرع مرسوما وإعلانا

أنظمتنا ليس لديها إلا الإعلام الكاذب الإعلام المضلل الإعلام الذي يزمر ويطبل لمنجزات وهمية لم تتحقق في عالمنا العربي أبدا.


فيصل القاسم: طيب دكتور جمال، يعني نحن لماذا لا نتعلم من مثلا بلدان سبقتنا؟ بلد مثل الهند عدد سكانه أنت تعلم يعني أكثر من مليار والصين كذلك، يعني لا يفوتنا أن ننوه بتجارب الآخرين في مجال توفير السلع الزراعية والغذائية لشعوبها وعدم القبول بالضغوط الخارجية أو التوظيف السياسي الداخلي إلى ما هنالك، مثلا الهند في فترة من الفترات رفضت أن تقوم سفن القمح الأميركي بالوصول إلى الموانئ الهندية وبسبب رغبة أميركا في التدخل في الشؤون الداخلية الهندية قالوا لهم اذهبوا لا نريد منكم القمح نحن نزرع القمح، لماذا لا نفعل مثل الصين التي تخلصت من المجاعات التي كانت موجودة في السبعينات ولم تستورد أي شيء من الخارج؟ نحن لماذا الآن؟ يعني هل يعقل أن معظم العاملين في بلادنا مزارعون مع ذلك الزراعة في خطر ونحن الآن بدأنا نستورد كل شيء حتى الخضار والفواكهة لم تعد متوفرة في بلادنا!


جمال عبد الجواد: بس بداية لازم أوضح نحن بنتكلم عن الزراعة أو الفلاحة في العالم العربي ونحن بلاد لا توجد فيها مجاعة، نحن لا نمر بمجاعة لم نمر بخبرة الصين أو الهند..


سفيان التل (مقاطعا): قادمة قادمة المجاعة..


جمال عبد الجواد (متابعا): البلاد اللي حدثت فيها مجاعات، الأمر الآخر.. لحظة، إن شاء الله، إن شاء الله يعني لما تيجي يعني إنما خلينا نفهم الواقع بتاعنا شوية بس بدل الكلام عن المؤامرات والكلام ده. في قيود موضوعية مفروضة على إمكانيات التطور الزراعي في أغلب البلدان العربية، أنت بتحكي عن عالم عربي أغلبيته الساحقة هي صحراء، زراعة الصحراء أمر صعب مكلف أحيانا مستحيل، إذا بتحكي عن بلد زي مصر المساحة القابلة للزراعة في مصر هذه الهائلة الكبيرة لا تتجاوز 6% بعد كل مشروعات التوسع إلى آخره قد تصل إلى 10% من المساحة الإجمالية للبلد، في قيود على المياه، في قيود ضخمة على إمكانية المياه المتاحة في مصر بتعتمد على نهر واحد بتنظم كميات المياه اللي مارة فيه اتفاقيات دولية كثيرة، إذاً في قيود موضوعية على إمكانية التوسع الزراعي، هذا لا يعني أن نستثمر ما هو موجود من إمكانيات بالصورة المثلى لكن في أقصى أو أحسن الظروف سيظل دائما لدينا نقص متعلق بكميات الإنتاج الزراعي. الأمر الآخر المتعلق بالفلاحة وهجرة الفلاحين من قراهم إلى آخره، الدعم الأوروبي وعدم الدعم مع أن هناك دعم عربي يقدم أو الحكومات، الحكومة في مصر في سوريا بتقدم دعما للفلاح بأشكال مختلفة، خليني أقول التالي، أنت بتحكي عن الاتحاد الأوروبي، نسبة العاملين في الزراعة من قوة العمل الإجمالية في أي بلد أوروبي تتراوح ما بين 4% في أدنى الحالات إلى أقل من 10% في أقصى الحالات، أكثر البلاد اللي فيها أنشطة فلاحية وكذا اللي هي زي بولندا، إذا بتحكي عن بلد زي مصر 57% من السكان المصريين بيعيشوا في الريف، 30% من قوة العمل المصرية تعمل في الزراعة، الزراعة التي يعمل 30% من قوة العمل فيها تساهم في الناتج المحلي الإجمالي بـ 15% أو أقل في الحقيقة قليلا حتى من 15% بما يعني أن إنتاجية العامل الزراعي في الأرض المصرية يساوي نصف تقريبا إنتاجية العامل في المجالات الأخرى ومن ثم سيظل إذا كانت الإنتاجية منخفضة لأسباب المتعلقة بضيق المساحة والقيود الموضوعية المفروضة على التوسع الزراعي سيظل هناك مشكلة تتعلق بمستوى دخل الفلاح وفقره ومن ثم سيظل الريف طاردا للسكان وهذا ليس بالضرورة شيئا سلبيا، دعني أكمل هذا، هذا ليس بالضرورة شيئا سلبيا لأن حجم الإنتاج الزراعي المنتج الآن في بلادنا مصر أو غيرها يمكن إنتاجه بعدد أقل من المزارعين على أن يتوجه هؤلاء للعمل في مجالات أخرى، صناعة، خدمات إلى آخره، فالظاهرة في حد ذاتها ليست سلبية على العكس ربما تكون هي التي ستؤدي إلى رفع مستوى معيشة الفلاح، رفع إنتاجية الفلاح ومن ثم تقليل الحاجة إلى دعمه في التحليل الأخير.


فيصل القاسم: طيب بس يا دكتور نعود إلى نقطة مهمة جدا أنت تحدثت عن الدعم في الغرب والدعم لفلاحينا، أنت تعلم أنه في بلد مثل فرنسا يدعمون البقرة يوميا بدولارين، قل لي من هي الدولة العربية التي تدعم الفلاح بدولار واحد يوميا؟ ليس هناك، يعني تصور أن الأبقار في فرنسا وضعها أفضل من وضع الفلاحين في بلادنا! أنت تعلم كيف يشترون المحصول من الفلاحين، الفلاح يموت ألف مرة في السنة وفي نهاية النهار إما يتركون المحاصيل تموت في أرضها أو يشترون منها برخص التراب، يعني المشكلة في الدول العربية يذهبون ويأتون بالتفاح من تشيلي ومن أميركا ومن فرنسا والتفاح العربي عمبيخمج بالسويداء وباللاذقية وبمائة ألف مكان، لماذا محصولنا، لماذا الفلاح العربي مهمل بينما نحن ندعم الفلاح التشيلي والفلاح الفرنسي والفلاح الأميركي ونشتري التفاح من عندهم؟ هذا هو السؤال.


جمال عبد الجواد: مرة ثانية تحرير تجارة المنتجات الزراعية اللي شرعت بها بقوة بلد زي مصر وسوريا تدريجيا بتتقدم في هذا الاتجاه باعتبارهم المنتجين الزراعيين الكبار في المنطقة أعتقد أن هو ده اللي حيعطي للفلاح عائدا أعلى واللي حيمكنه من بيع محاصيله بطريقة كريمة بدل ما كان يقف في طوابير الجمعيات الزراعية ويتحكم فيه موظفون كما كان يحدث في الماضي ويعطونه ملاليم مقابل محاصيل هي ثروة حقيقية. لكن الأمر المتعلق بالدعم، في أوروبا كما وصفت أوروبا اللي بيعمل فيها جزء محدود من السكان في مجال القطاع الزراعي في الحقيقة أوروبا اللي الأنشطة المدينية الأنشطة الاقتصادية في المدينة جذابة جدا وهناك حاجة للإبقاء على من تبقى من السكان في المجال الزارعي، ليس هذا هو الحال في بلادنا، بلادنا فيها وفرة من العمالة الزراعية ومن سكان الريف ومن ثم تريد أن تدعمهم بأشكال مختلفة، دعني أقول مثلا عندما يصل الدعم في بلد زي مصر إلى أكثر من 80 مليار جنيه بعد الزيادات اللي حصلت مؤخرا مع أنه في ارتفاع في أسعار السلع المدعومة لكن بسبب ارتفاع الأسعار العالمية في الطاقة وغيرها إجمالي الرقم المخصص للدعم في الميزانية المصرية وصل إلى 80 مليون جنيه بعد أن كان في العام الماضي 57 مليار جنيه، من 57 إلى 80 مليار جنيه، ده بيمثل 25% من إجمالي الإنفاق العام، إجمالي الإنفاق الحكومي 25% منه يذهب إلى الدعم، يذهب من هذا الدعم فقط 74,9% من هذه الثمانين مليار إلى دعم الطاقة، الجزء الأكبر من دعم الطاقة يذهب إلى السولار الذي يستخدمه الفلاح في تشغيل الماكينات في المواصلات في الانتقال، الفلاح إذاً يتلقى دعما. مرة أخرى ليس هذا هو شكل الدعم الوحيد، عندما تقدم الدولة خدمات مدارس مثلا، التعليم المجاني برغم كل مشكلاته وتنشره في الريف، أليس هذا دعما لسكان الريف؟ عندما يتم توصيل شبكات الصرف الصحي وشبكات المياه والكهرباء كذا إلى المناطق الريفية اليس هذا دعما؟ الآن في مصر، وهناك بعض الأرقام ربما في هذا المجال أن عدد المنازل في مصر المتصلة بشبكة الصرف الصحي وصلت إلى 93,6% من إجمالي المساكن المصرية بما يعني أن الأغلبية من المساكن في الريف وصلها، كل هذا هو شكل من أشكال الدعم، الدولة في فرنسا لا تقوم به لأنها تجاوزت هذه المرحلة منذ زمن ونحن في التحليل الأخير دول فقيرة محدودة الموارد، الدعم الذي ستدفعه الدولة للفلاح ستأخذه من الشعب أيضا من طرف آخر في الشعب لتدفعه للفلاح، من هو بالضبط الجزء من الشعب المستعد أو الذي لديه فائض كبير لتحويل المزيد من الدعم للفلاحين؟ هذه مشكلة اجتماعية مهمة جدا.


فيصل القاسم: نقطة مهمة جدا، جميل جدا، دكتور سفيان وهذه نقطة مهمة، يعني نحن لا نستطيع بعبارة أخرى، خليني أنا أعطيك بعض الإحصائيات، أميركا ستعطي أو تعطي عادة للمزارعين حوالي 23 مليار دولار دعما، وإذا أخذنا الدعم الوطني الأوروبي للزراعة نرى مثلا أنها بلغت مليارات اليورو حوالي 10 مليار يورو في فرنسا، أي 21% من الموازنة، في إسبانيا 6,2 مليار، في ألمانيا 14 مليار، في إيطاليا خمسة مليار، في بريطانيا 4 مليار يورو، طيب هذه البلدان تستطيع أن تمول الدعم الزراعي أما لدينا يجب أن نأخذ في الاعتبار أن ميزانياتنا العربية لا تستطيع أن تمول الفلاحة والفلاحين والمزارعين بهذه الكميات الكبرى، وقال لك الدكتور تحدث عن الكثير من أنواع الدعم، يعني نحن لماذا نتحدث فقط عن أنه ندعم المزارع بفلوس وأنه أنت بنشتر ي منك السلعة بنشتري منك كيلو القمح بأكثر مما كلفك؟


سفيان التل: يا سيدي الحقيقة الدكتور أدان نفسه في الموضوع الذي تحدث فيه، أولا أميركا والدول الأوروبية تنظر إلى الأمة نظرة شمولية، عندما تدعم المزارع تعرف أنها تريد أن تصدر تريد أن تستجلب أرباحا تريد أن تثبت هيبة الدولة في العالم أما نحن فالعملية عكسية تماما، أنا أعطي مثلا، كثير من دول العالم ومنها الدول الأوروبية واحد مليون فدان يعطي أكثر من خمسة مليار دولار عوائد بينما في مصر المليون فدان لا تعطي إلا ما يقارب المليار دولار، يعني الدول الأخرى تعطي خمس أضعاف، ليش؟ لأنها..


فيصل القاسم(مقاطعا): هذه مشكلة الفلاح وليست مشكلة الدولة.


سفيان التل: لا، مشكلة الحكومات لأنها لم تثقف الفلاح لم تدعمه بالمكننة لم تدعمه بالأساليب الحديثة لم تعلمه وتعطيه الأسمدة والتقاوي الحديثة. مصر تستورد..


فيصل القاسم: ولا تتآمر عليه.


سفيان التل: مصر تستورد التقاوي من إسرائيل ويثبت أنها مشعة وتهلك الناس وتسبب لهم فشلا كلويا..


فيصل القاسم: وسرطان حتى..


سفيان التل: وسرطانات وما شابه ذلك..


فيصل القاسم: يعني تقصد مشكلة يوسف والي وزير الزراعة السابق؟


سفيان التل: هذه قضايا معروفة للأخوان في مصر أكثر مما هي معروفة في أي مكان آخر. أما الولايات المتحدة عندما تدعم مزارعيها هي تنتج 40% من القمح للعالم كله وتريد أن تتحكم سياسيا في الدول الأخرى من خلال القمح تاعهم..


فيصل القاسم (مقاطعا): كيف؟


سفيان التل: يعني علّمت الدول العربية أنه أنتم لا تزرعوا قمحا هذا مش منتج اقتصاديا نحن منعطيكم إياه أرخص. وهذه هي الفكرة الصهيونية اليهودية القديمة المطبقة في جميع الأسواق..


فيصل القاسم (مقاطعا): مثلما كيسنجر إجا عالسعودية قال لهم ليش تزرعوا قمح؟ نحن نعطيكم قمح..


سفيان التل: نعم نعطيكم إياه مجانا، فعندما تتوقف الدول عن زراعة القمح يصبح سعره أغلى من النفط كما فعلوا في الماء، في مرحلة من المراحل كان ماء الشرب في العالم العربي أغلى من النفط، هذه اللعبة تستمر، نحن قرن كامل ونحن نعاني من غياب التخطيط وجهل الأنظمة أو تآمرها علينا، يعني لا يمكن أن يكون كل..


فيصل القاسم: تآمر على لقمة العيش.


سفيان التل: لا يمكن أن يصلوا بنا إلى أن لا نستطيع الوصول إلى رغيف الخبز وجرعة الماء إلا أن يكون هناك تآمر من الأنظمة مع أعداء الأمة، هذه قضية أصبحت بكل الوضوح أمام العالم كله.

دور منظمات المجتمع المدني في دعم الفلاح


فيصل القاسم: بس يا سيدي أنت تتحدث لكن هناك نقابات واتحادات عمال في العالم العربي تدافع عن الفلاح وترفع شعارات..


سفيان التل (مقاطعا): يا سيدي سيطرت المخابرات والأجهزة الأمنية على كل تنظيم، سيطروا على الجامعات سيطروا على النقابات العمالية سيطروا على نقابات الفلاحين لم تبق، كل هذه النقابات الجمعيات الأهلية الجمعيات التعاونية أصبحت مؤسسات مخابراتية لها دور واحد تبعث البرقيات في المواسم للشخصيات المسؤولة وتشيد بحمدهم، كل من لا يحمل طبلا ومزمارا في عالمنا العربي ليس له مكان في أجهزة الدولة.


فيصل القاسم: طيب دكتور جمال، ونحن نتحدث عن أين المجتمع المدني أو أين من الزراعة والمزارعين يعني مثلا عندما نتحدث عن نقابات الزراعيين والفلاحين أو اتحادات الفلاحين والمؤسسات التعاونية نجد أنها بعيدة تماما عن قضايا الإنتاج ومشكلات الفلاحين وتفرغت للخروج في مظاهرات تأييد للحكام أو الرضا بقبول بعض المناصب القيادية في الدولة نظير أن تكون مكملة للشكل الديكوري لأنظمة الحكم العربية فلم نسمع صوتا لمثل هذه المنظمات خلال الأزمة الطاحنة التي يشهدها العالم العربي على مدار الوقت اللهم سوى الاحتفال بيوم أو عيد الفلاح، يعني صدعوا رؤوسنا في العالم العربي بالحديث عن الفلاح وأهمية الفلاح والزراعة وكذا وهم داعسين أبو الفلاح ولاعنين أبوه، كيف ترد؟


جمال عبد الجواد: سريعا، الأزمة الراهنة بالنسبة للمزارع العربي أنا أعتقد أن الفرصة الذهبية قد جاءت أخيرا للفلاح والمزارع في العالم العربي وفي كل العالم الثالث أنه أخيرا يبيع منتجاته بسعر مناسب يمكنه من الخروج من دائرة الفقر التي كان فيها لفترة طويلة العالم فيها والتجارة الدولية منحازة إلى المنتجات الصناعية ومن ثم هناك فرصة للفلاح علينا أن نسعى لمساعدته للاستفادة منها. الأمر الآخر بالتأكيد لا يوجد في أغلب البلدان العربية باستثناء عدد من التجارب المحدودة في منطقة المغرب العربي، لا توجد جمعيات زراعية أو اتحادات فلاحية حقيقية، كلها تحت سيطرة الحكومات بتحتكرها فئة محدودة، هذا صحيح وهذا بالمناسبة أمر يعيدني مرة أخرى إلى ما كنا نتحدث فيه قبل قليل حول الدول الأوروبية والولايات المتحدة، الدعم الذي تقدمه الدولة هناك للمزارعين، جزء رئيسي من هذا الدعم لدوافع سياسية، ليس كله محمولا أو مدفوعا بدوافع اقتصادية متعلقة، هناك دوافع اقتصادية بالتأكيد بسبب طبيعة الإنتاج الزراعي كإنتاج يتأثر بالطبيعة بمستوى المطر إلى آخره فأنت تحتاج أن تدعم الفلاح لكي يستمر حتى لا يكف عن الزراعة وإلا فسد الكون وفسد الاقتصاد بأكمله، لكن جزءا كبيرا من هذا الدعم يحصل عليه المزارعون لأنهم منظمون بقوة في اتحادات فلاحية شديدة الفعالية ترسل بمرشحيها إلى البرلمانات، رأيناهم في مرات كثيرة بيتظاهروا على الطرقات، بيحرقوا أو بيتخلصوا، نتذكر مثلا عندما كان الاتحاد الأوروبي يوقع اتفاقية الشراكة مع المغرب ورأينا المزارعين الفرنساويين والإسبان يسدون الطرقات بآلاف من أقفاص أو عبوات الطماطم يدهسونها لأنهم يحتجون على الطماطم الرخيصة القادمة التي حتأتي من المغرب مثلا، هم منظمون وأقوياء وهذا يساعدهم على الحصول على كثير من الدعم أو السياسات الزراعية الملائمة، هذا شيء لا نمتلكه في العالم العربي ليس فقط بما يتعلق بالفلاح، العالم العربي..


سفيان التل (مقاطعا): بسبب الوضع السياسي..


جمال عبد الجواد (متابعا): بشكل عام في مشكلة تتعلق بالاتحادات المهنية والعمالية..

وصفات صندوق النقد الدولي ونتائجها


فيصل القاسم (مقاطعا): أشكرك، وصلت الفكرة، دكتور يعني هذا رد على كلامك بأن الفرق بيننا وبينهم فيما يخص المجتمع المدني وكيف يمكن أن يدعم الفلاح. طيب أنت في البداية ذكرت أنه إلى متى نبقى عبيدا لصندوق النقد الدولي؟ أن صندوق النقد الدولي هو الذي يوجهنا كي نزرع مثلا الفراولة ولا نزرع القمح أو يقول لكم مثلا ازرعوا المنتج الفلاني كي نشتريه منكم وإلا لا نشتري. طيب السؤال المطروح، ألا تعتقد أن هناك مبالغة في تصوير قوة صندوق النقد الدولي؟ هل تعلم أن هذا الصندوق أصبح بلا أسنان، أصبح مؤسسة ضعيفة جدا حتى إن ميزانية هذا الصندوق حسب آخر الإحصائيات لا تساوي ميزانية دولة أفريقية فقيرة وأن هذا الصندوق كل الدول ضربت بوصفاته عرض الحائط، الأرجنتين رمته بالزبالة، دول أميركا اللاتينية رموا بوصفات صندوق النقد الدولي بالزبالة، كل الدول تدوس صندوق النقد الدولي ووصفات صندوق النقد الدولي فيعني هل يعقل أنه نحن في العالم العربي ما زلنا عبيدا لصندوق النقد الدولي وتوجيهاته الجهنمية؟


سفيان التل: وقد حقق صندوق النقد الدولي الأهداف التي طلبها من العالم العربي، كان يفرض عليهم ضرائب وضرائب ورفع دعم عن القمح ورفع دعم عن الماء ورفع دعم عن كل المنتجات إلى أن أفلست أنظمتنا العربية. يمكن التجربة الرائعة اللي قام بها مهاتير محمد في ماليزيا عندما رفض رفضا قاطعا أن يكون لصندوق النقد الدولي أي علاقة أو يلتزم معه أو يتعاقد معه على أي خطوة كانت والنتيجة أن ماليزيا بقيت دولة اقتصادية كبرى صناعية زراعية قادرة على الوقوف على رجليها في حين..


فيصل القاسم (مقاطعا): بينما أصبحت مصر مثلا..


سفيان التل: نعم، نمور آسيا كلها سقطت مرة واحدة التي تعاملت معه. أما مصر دعني أجيب الدكتور جمال كمان مرة، هناك مشاريع كثيرة، من الذي دمرها في مصر؟ كان لديكم مشروع التقنية المتكاملة لزراعة القمح، 43 قرية اشتركت فيه وأعطى إنتاجا زيادة 100% ومشروع الإنتاج الزراعي لمائة قرية أيضا ضاعف الإنتاج، ومشروع تنمية البيئة الصحراوية لـ 24 مركزا، هذه المراكز تعرضت للنهب والسلب بطريقة تثير الشبهة فمن الذي عمل على تدمير كل هذه المشاريع؟ سؤال مهم جدا..


فيصل القاسم (مقاطعا): في مصر ولا في بلدان عربية أخرى؟


سفيان التل: نعم في مصر هذه ثلاث مشاريع..


فيصل القاسم (مقاطعا): وفي الدول العربية الأخرى لا يتآمرون؟


سفيان التل: نفس الشيء كل الدول العربية تقيم بهذه القضية، اسمح لي أن أعطي مثلا على الدول التي رفعت رأسها وأصبحت قوة عظمى، إسبانيا، إسبانيا مساحتها قليلة جدا لا تعادل جزءا بسيطا من مساحة العالم العربي ومع ذلك دولة صناعية وسياحية وحافظت على الزراعة إلى آخر الحد، دخلها من المشاريع الزراعية يفوق دخل الدول العربية كاملة بما فيها الدول النفطية، لماذا تنجح دولة أوروبية في قطاع الزراعة؟ الدكتور كان يقول إن القطاع الزراعي في أوروبا 4% وفي مصر 22%، طيب هذه إدانة، إذا كنت 22% من الأيدي العاملة التي تعمل في الزراعة في مصر لا تستطيع أن تعطي 4% مما تعطيه الأيدي العاملة في دول أخرى فلماذا توجد حكومات في مصر إذاً؟ عليها أن ترحل وتترك الناس ليحلوا مشاكلهم..


فيصل القاسم (مقاطعا): لكن مشكلة الطاقة وطاقة ما بعرف شو..


سفيان التل: يا سيدي الطاقة إذا كانت مصر تعطي الغاز اللي هو طاقة لإسرائيل وتحرم شعبها منه، تحول خط الغاز إلى السودان وتستطيع أن تأخذ كل موادها الغذائية من هناك وأن تكف عن التآمر على السودان وخلق مشاكل في الجنوب وفي دارفور وهنا وهناك، هذه الأنظمة متفرغة لتنفيذ السياسات الأميركية على شعوبها، آن الأوان لها أن ترحل.


فيصل القاسم: طيب باختصار دكتور جمال كي ننهي البرنامج، ماذا تقول للحكومات والشعوب العربية وسط هذه الأزمة الغذائية وسط أزمة القمح إذا صح التعبير، أنت تقول ليس لدينا أزمة لكن الأمور مرشحة يعني وصندوق النقد الدولي يقول إن الأسعار وخاصة أسعار الحبوب ستبقى مرتفعة حتى عام 2015، صح ولا لا؟ ماذا تقول لهم باختصار؟


يجب على الحكومات أن تهتم بالسياسة الزراعية وأن تحرر المنتجات الزراعية وتستثمر بشكل أكبر في الريف لمساعدة الناس على الإنتاج بجودة أفضل

جمال عبد الجواد: أتذكر يا دكتور فيصل بمرة أخيرة كنت معك في البرنامج وكان هناك أحد المشاركين يتحدث عن سياسات التجويع التي تمارسها الحكومات إلى آخره وفي هذه الحلقة أنا قلت إنه انتهى عهد الغذاء الرخيص في العالم لأن العالم مقبل على تغيرات كبيرة، أعتقد أنه بعد كذا شهر ثبت هذا. أقول للحكومات اهتموا بالسياسة الزراعية حرروا المنتجات الزراعية، استثمارات أكبر في الريف لمساعدة الناس على إنتاج بجودة أفضل، هذا كلام سهل قوله لكن المهم في هذا السياق أن لدينا ظروف متعلقة بطبيعة التربة بحدود المساحة القابلة للزراعة يجب أن نعترف بهذا..


فيصل القاسم (مقاطعا): الكثير من النقاط، أنا للأسف..


جمال عبد الجواد (مقاطعا): لحظة نقطة واحدة..


فيصل القاسم: نقطة واحدة.


جمال عبد الجواد: يعني أتذكر أن مصر تستورد القمح من الستينات، الرئيس عبد الناصر عندما كان يتلقى القمح من الولايات المتحدة..


فيصل القاسم (مقاطعا): وأوقفوه عنه في 1967.


جمال عبد الجواد (متابعا): ومحاولة الضغط عليه، كلنا نتذكر هذه الوقائع، إذاً مصر، عايز أقول إن ظاهرة استيراد القمح ليست ابنة اليوم وليست ابنة حكام اليوم، هذه ظاهرة قديمة لأنها مرتبطة بواقع الزراعة المصرية ولا علاقة لها بتآمر حكومات وتآمر ما أفهمش إيه وسياسات مدمرة للزراعة..


فيصل القاسم (مقاطعا): أشكرك جزيل الشكر. باختصار ماذا تقول للحكومات العربية وسط أزمة القمح أزمة الزراعة وأزمة المزارعين وهجرة الزراعة وهجرة المزارعين إلى الريف والتخلي عن الزراعة، هل سنموت من الجوع؟


سفيان التل: يا سيدي، التخطيط الفاشل أو غياب التخطيط في العالم العربي هذا المهم والقضية الأساسية. ذكر جمال عبد الناصر وأريد أن أذكره بقضية هامة جدا، جمال عبد الناصر سلح جيشه وبنى السد العالي وخاض حربين مع إسرائيل وحربا في اليمن وخرج بواحد مليار ديون. أنتم الآن عليكم ستين مليار ديون خارجية غير الديون الداخلية..


جمال عبد الجواد (مقاطعا): مش صحيح، فارغ الكلام ده، غلط..


سفيان التل (متابعا): ومواطنكم يقتل وهو في طابور الخبز للحصول على الرغيف، كفى أكثر من هذا لا يمكن. التخطيط الأهم أيضا، ما تقوم به الدول العربية حول الطاقة الشمسية، ستين مليار لمفاعلات نووية ومليار واحد يكفينا لزراعة العالم العربي بالطاقة الشمسية وتزويد العالم كله بهذه الطاقة.


فيصل القاسم: أشكرك جزيل الشكر. مشاهدينا الكرام لم يبق لنا إلا أن نشكر ضيفينا، من القاهرة الدكتور جمال عبد الجواد وهنا في الأستديو الدكتور سفيان التل. نلتقي مساء الثلاثاء المقبل وحتى ذلك الحين ها هو فيصل القاسم يحييكم من الدوحة، إلى اللقاء.