الاتجاه المعاكس

الغزو الثقافي الغربي

لماذا راح العرب يحتفلون بأعياد ليست أعيادهم كعيد رأس السنة وعيد القديس فلانتاين المعروف بعيد الحب؟ أليس هذا غزوا ثقافيا خطيرا، أم مظهر من مظاهر العولمة الثقافية؟
مقدم الحلقة: فيصل القاسم
ضيوف الحلقة: – د. محمد ياسر شرف: أستاذ فلسفة العلوم الاجتماعية
– د. وليد سيف: أستاذ جامعي وكاتب
تاريخ الحلقة: 26/02/2002

– احتفال العرب بفالنتاين بين التفاعل الحضاري والغزو الثقافي
– التخلي عن الموروث الثقافي والتخلي بالثقافة الغربية
– الآليات العربية للتفاعل الثقافي مع العالم
– الغزو الثقافي وعولمة الدين

undefined
undefined
undefined

د. فيصل القاسم: تحية طيبة مشاهدي الكرام، لماذا أصبحنا نستورد حتى الأعياد، ألا يكفينا أننا نستورد طعامنا التقليدي من حمص وفلافل وفول وزينا الشعبي من غطرة وعقال وشماغ وجلباب؟ لماذا لا نأكل إلا ما صنع الغرب ولا نلبس إلا ما قد صمم وخاط واختار من ألوان؟ فلو عمل الغرب عيداً للقرود لاقتدينا به ورحنا نحتفل كل عام بالقردة!! لم يبق هناك عيد غربي إلا وتبنيناه بدءاً (ببابا نويل)، مروراً (بهالوين) وعيد رأس السنة الميلادية، وانتهاءً بعيد القديس فالنتاين المعروف "بعيد الحب"، ومن يدري قد نحتفل قريباً بعيد الشكر الأميركي، فجأة ضجت بلاد العرب بالورود لا لأن الحجاج يتوجهون إلى بيت الله الحرام، ولكن ابتهاجاً بعيد العشاق الذي يقتحم ديارنا من أوسع الأبواب.

لماذا أصبح (فالنتاين) أهم من أعياد الاستقلال؟ لماذا يريدون منا أن نحب على الطريقة الغربية، أما أعيادنا الأساسية مثل عيد رأس السنة الهجرية وعيد المولد النبوي الشريف فتمر مرور الكرام؟ لماذا أصبحنا في حالة استلاب كامل؟ أليس هذا غزواً ثقافياً كاسحاً، أم علينا أن نتخلى عن تقوقعنا ونتفاعل مع العالم، لماذا لا نساير العولمة الثقافية التي ستقرب الثقافات من بعضها البعض وتكسر الحدود؟ لماذا لا نعتبر الاحتفال بالأعياد الأجنبية نوعاً من التفاعل الحضاري المطلوب؟ أليس من السخف أن نطالب الغرب أن يأخذ من ثقافتنا؟ ماذا لدينا كعرب كي نقدمه للعالم حتى الأفارقة قدموا للثقافة العالمية أكثر مما قدمناه على مدى القرن المنصرم من موسيقى ومساهمات حضارية؟ ألم نصبح تابعين للغرب تماماً اقتصادياً وثقافياً؟ ثم لماذا نُلبس كل شؤوننا ثوباً دينياً؟ مَنْ قال إن الغرب يريد طمس ثقافتنا الإسلامية؟ هل الأعياد الغربية ذات طابع ديني أصلاً، أم تجاري بحت؟ فهم لا يريدون ما في عقولنا وما في قلوبنا، بل ما في جيوبنا تماماً كما هو الأمر في بلدانهم، إنها بزنسة المناسبات والأعياد لا أكثر ولا أقل.

أسئلة أطرحها على الهواء مباشرة على الدكتور محمد ياسر شرف (أستاذ فلسفة العلوم الاجتماعية، صاحب العديد من المؤلفات في الفلسفة وثقافة العولمة)، وعلى الأستاذ الدكتور وليد سيف (الأستاذ الجامعي والكاتب).

للمشاركة في البرنامج يُرجى الاتصال بالرقم التالي: 4888873، وفاكس رقم: 4885999، وبإمكانكم المشاركة بمداخلاتكم عبر الإنترنت على العنوان التالي:


www.aljazeera.net

[فاصل إعلاني]

احتفال العرب بفالنتاين بين التفاعل الحضاري والغزو الثقافي

د. فيصل القاسم: دكتور محمد ياسر شرف في البداية يعني، كيف يمكن أن نفسر هذه الظاهرة التي بدأت تجتاح يعني العالمين العربي والإسلامي في.. في الآونة الأخيرة؟ وإذا مثلاً عدنا إلى الأيام القليلة الماضية وبالتحديد إلى (فالنتاين) أو عيد الحب –سمه ما شئت يعني- أو عيد العشاق يعني أنظر هذا الاهتمام الكبير في الصحافة العربية وفي المجلات والفنادق وإلى ما هنالك من هذا الكلام، ملايين الدولارات أُنفقت على هذه المناسبة، ماذا يمكن أن نقول عن هذه الظاهرة؟ هل هو تفاعل حضاري؟ هل هو غزو ثقافي؟ هل هي عولمة؟ هل هو استلاب؟ ماذا بالضبط؟

د. محمد ياسر شرف: يعني حقيقة الأمر يمكن أن يُقال كل هذا الكلام عن هذه الظاهرة وسواها، العالم اليوم أصبح، لا كما يُقال قرية صغيرة، وإنما أصبح غرفة صغيرة، يعني نحن نتصل بملايين البشر عن طريق بث رسائلنا المباشرة بما يسمى الإنترنت، ونتواصل معهم، نتثاقف بمعنى نتبادل المنتجات اللامادية في مجتمعاتنا دون أن تكون هنالك حدود، فليس إذن من الغريب أن يكون هنالك نوع من التأثير المباشر وغير المباشر سواء كان ذلك في الأفراح أو الأتراح، على هذا الأساس يجب أن ننظر إلى الواقع الاجتماعي العربي، يعني جاء في المقدمة أن العرب ليس لديهم أعياد، أو أنهم يقلدون الآخرين، (فالنتاين) تحديداً هو عيد ذو مناسبة مسيحية، ومن العرب مسيحيون كثيرون، فهذا تسطيح للمسألة وإبعاد لها عن واقعها، يجب أن لا أمنع صاحب الدين عن ممارسة شريعته الخاصة وألا أمنعه أن يفرح إذا رأى في ذلك.. إذا رأى في ذلك منفذاً للفرح أو طريقة في التعبير، ثم هذه العملية في الواقع إنما تدخل في إطار التعبير عن المحبة، يعني لو كان عيداً للعنف، لو كان عيداً للذبح، لو كان عيداً للقتل أو الخنق أو الاغتصاب لقلنا على المجتمعات يجب أن تقف في موقف المعارض لمثل هذه الظاهرة لأنها تضر أو إنها قد تؤثر بالعدوى سلباً على بقية الآخرين، ما المانع أن يكون العرب من المحبين؟ أن يكون لديهم عيد، عيدان، ثلاثة أعياد للحب والتعاون والمسؤولية والشعور بالشفقة والتكافل والتعاون؟ ما هذه يعني المسألة التي يمكن أن نرتبها على وجود يوم يحتفل فيه الناس عرباً أو غير عرب بالحب، ألم يحتفل من قبل كثيرون بعيد العمال، ويحتفلون ببعض الأعياد الأخرى الفرعية للطوائف كالنوروز وسواها؟ ومع ذلك نقرها، إذن ليست المسألة مسألة ماذا يكون في هذا اليوم إذا كان فيه تواصل اجتماعي؟ أما إذا كان موجهاً لإفساد المجتمع فهنا مسألة تستحق المناقشة وفيها جدال كثير.

د. فيصل القاسم: دكتور..

د. وليد سيف: يا سيدي هو أولاً مناسبة عيد الحب أو Valentine Day ليست مناسبة دينية فلنبدأ بهذه النقطة، وليست مناسبة مسيحية عربية، يعني لاشك أنها نشأت في المركز الغربي ولم.. لا تحمل أية مضامين دينية وأعتقد أن الذين يتلقوها يتلقونها في الوطن العربي ويعيدون إنتاجها لا يعطونها أية دلالات دينية بما فيها المسيحيين العرب.

د. فيصل القاسم: حلو.

د. وليد سيف: هذه الظاهرة ظاهرة تستند بالتأكيد إلى يعني إلى أرضية تجارية، إلى قاعدة تجارية خالصة، وامتدادها على مستوى العالم مسنود بهذه القاعدة البنيوية التجارية بالدرجة الأساسية، صحيح أنا أتفق مع الدكتور بأنها ظاهرة هامشية لا تستحق الكثير من التوتر والقلق في ذاتها، ولكن المهم هنا في الموضوع هو الدلالات التي تنطوي عليها.

د. فيصل القاسم: والأبعاد..

د. وليد سيف: والأبعاد التي تنطوي عليها مثل هذه الظواهر، وهي ليست ظواهر جديدة يعني، ظاهرة Valentine Day ما هي إلا ظاهرة من ظواهر كلها تشير إلى حقيقة أساسية وهي أن هناك اختلالاً بنياوياً أولاً على مستوى العلاقة ما بين المركز الغربي وبين الأطراف التابعة، هذا الاختلال البنيوي على الصعيد الاقتصادي، على الصعيد الإنتاجي، على الصعيد المالي، على الصعيد التقني والمعرفي لابد أن يُفضي بالضرورة إلى عولمة أو إلى توحيد الثقافي أو الهيمنة الثقافية الغربية، يعني أفهم أن بعض الناس يضيقون ذرعاً باستخدام مصطلحات الغزو الثقافي والاستلاب الثقافي، ببساطة لأنها ارتبطت بفترة معينة وبتيارات معينة تتصل، يعني تدعو أحياناً في مواجهة الهيمنة الغربية إلى الارتداد نحو الماضي واستنساخ نموذج ماضوي مثالي متخيل لا أكثر، ولكن هذا لا يُلغي حقيقة أن الثقافة ليست لها صيرورة مستقلة عن.. عن.. عن الأسس البنيوية، صحيح أن الثقافة تتمتع بقدر من الاستقلالية النسبية، ولا أقول إنها نتاج ميكانيكي لهذه القواعد البنيوية، ولكن لاشك أن لها صلة أساسية فيها، فالأقوى في علاقات القوى المختلة على الصعيد الدولي وحتى على صعيد المجتمع الواحد، الأقوى بالمفهوم الاقتصادي، بالمحدد الاقتصادي، بالمحدد التقني، بالمحدد المعرفي، بالمحدد السياسي لاشك إنه أقدر على أن يفرض نظم المعاني، يعني نظمها الثقافية، نظم المعاني والمفاهيم والتعريفات المختلفة، وهذه الظاهرة التي تتحدث عنها ظاهرة هذه الأعياد ما هي في النهاية إلا صور هامشية لظاهرة أعمق هي ظاهرة الهيمنة الثقافية للمركز الغربي التي تتصل اتصالاً جوهرياً بالهيمنة الاقتصادية والمالية والمركزية التقنية التي يتمتع بها الغرب، بالمقارنة مع دول الأطراف التي ربطها ربطاً خاصاً بهيكل العمل الدولي بالمركز ضمن هيكل العمل الدولي، حدد لهذه الأطراف وظائف معينة على الصعيد الاقتصادي والسياسي ومن ثم كان لابد أن تهيمن النظم الثقافية الغربية على العالم بدعوى العولمة أو تحت مظلة العولمة في المرحلة الجديدة.

د. فيصل القاسم: كويس جداً، دكتور..

د. محمد ياسر شرف: دكتور، لست أدري لماذا يعني جرى مثل هذا التركيم –من المراكمة- يعني ربط الأطراف المسيطر عليها بالمركز المسيطر وإحالة المسألة إلى عملية غزو ثقافي.

د. فيصل القاسم: وهيمنة..

د. محمد ياسر شرف: انطلاقاً من هيمنة اقتصادية أو سياسية أو عسكرية أو سمها ما شئت، ثم القول بأن هذا الخليط هو في الواقع دافع أساسي يفرضه القوي على الضعيف، أعتقد أنها مسألة ليست صحية كي تناقش بهذا الإطار، الإطار الذي يمكن أن تناقش فيه مسألة الثقافة هو أنها منتج لا مادي في المجتمعات وشهوة الثقافة أن تنتشر، بمعنى أنه لابد من أن يكون منتج ثقافي في المجتمع الواحد، أحياناً مصادماً أو مضاداً أو مجاوراً متناقضاً مع مجاوره من المنتجات الثقافية الأخرى، وتشهد لنا المدارس الأدبية والمدارس الفنية حتى التفسيرات العادية التي نسمعها في الشارع عن بعض الأفلام أو المسلسلات الناجحة أو غير الناجحة أحياناً، وعن بعض البرامج تعطينا فكرة على أن المنتج الثقافي لا يمكن أن يضبط بمثل هذا الحصار، إنه ليس منتجاً اقتصادياً نستطيع أن نأخذه من المعادلة: الدخل القومي يساوي مجموع عدد.. مجموع الحصائل المختلفة لهذا البلد أو ذاك، ليس مدخلاً عسكرياً قوات البحرية تساوي كذا، والمشاة كذا والطيران كذا، والحصيلة كذا..، المنتج الثقافي هو منتج قد يكون مؤثراً في فاعلية مدنية، كأن ينتج نظاماً عسكرياً معيناً، أو منفعلاً بمثل هذه المسألة التي تفضل بها الدكتور، القوة تنتج نوعاً من الشعور بالعظمة، أو ربما الرغبة في الهيمنة، بل ممارسة الهيمنة فعلاً، لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن نسوي بين هذه الوضائع أو الوضعيات الاجتماعية كالوقائع وبين معطيات أخرى هي بالأصل خطوط سياسية أو عسكرية أو اقتصادية تتخذ لنفسها مجموعة من الاستراتيجيات ومن الأساليب والآليات والأدوات لتحقيق ذاتها، يعني عندما أتحدث أنا عن غزو، نحن نتحدث في التاريخ الماضي عن غزوات الرسول عليه السلام، كلمة غزو بحد ذاتها ليست شتماً، وليست شيئاً عدائياً، الغزو حالة من حالات قيام جماعة بعمل عسكري في الماضي ضد الآخر، اليوم الغزو الثقافي إزاحة قيمة معينة وحلول قيمة بديلاً عنها، قد يكون بشكل قصدي، وقد يكون بشكل عفوي، إذن إذا كانت المسألة غزواً يجب أن نفرق بين حالتين، هل نحن فعلاً مغزوون بمعنى أننا مجدولون على قائمة، لدينا مثلاً الحب والحرية والواجب ومحبة الله، وتريد الولايات المتحدة أو أوروبا أو الصين..

د. فيصل القاسم: أو الغرب بشكل عام، نعم..

د. محمد ياسر شرف: أو الهند تريد تغيير هذه.. يعني يريدون أن نتبنى الشر بدل الخير، والكره بدل المحبة، والتفرقة بدل التعاون، إذا كانت مثل هذه الأمور مجدولة، فهو غزو بقصد الإضرار، فإذا لم تكن مجدولة فالثقافات تتفاعل ولنبدأ من الناحية الإيجابية أن نجمع ما بيننا من تشابهات، ثم أن نبدأ بتحصيل أو بتحديد المختلفات كي نستطيع أن نضع صراعاً ضدياً، لذلك أنا لا أوافق واحداً مثل (صمويل هنتنجتون) الذي بنى نظرية على صدام الحضارات، أنا أدعو إلى أن نحول هذا الصدام العادي..

د. فيصل القاسم: إلى تفاعل..

د. محمد ياسر شرف: الذي هو شهوة تنتشر فيه الثقافة فيصطدم كل متجاورين متمايزين أو متشاكلين في المنتج الثقافي، أدعو إلى أن نجعله صراعاً حضارياً، إذا كانت لديك قيمة حضارية معينة في مجتمع واحد ثم في مجتمع 2، ويجب أن يجري فر بين هذين المتناقضتين والذي يستمر هو الذي له الغلبة، أو عادة نحن بين المتصارعات المتناقضة نصل إلى تركيب ليس واحداً من الاثنين القديمين ولكنها معاً.

د. فيصل القاسم: دكتور، يعني باختصار يمكن أن نلخص الموضوع بأنه يعني المسألة ليست بهذا الشكل الذي يصوره الكثيرون ومنهم يعني حضرتك إنه لماذا لا نقول إننا نتفاعل؟ لماذا لا نتحدث عن تفاعل بدلاً من تقديم كل هذه العملية بهذه الصورة؟

د. وليد سيف: نعم، نعم، هو يجب أن نحيز ما بين تشخيص الظاهرة وبين ردود الفعل أو الاستجابة الضرورية لأي تحديات تطرح على الأمة، لأنه يجب أن نبدأ بالقول: بأن رفض هذه الظاهرة أو قبولها لن يغير من هذا الواقع القائم طالما أن الاختلال البنيوي –كما ذكرت سابقاً- ما يزال قائماً بالنسبة لعلاقات القوة بين جنوب العالم وبين شماله فالمسألة إذن مش مسألة أن نرفض أو نقبل، أو نقبل فقط على المستوى النظري المجرد، نشخص الحالة أولاً ثم نتحدث عن الاستجابة الضرورية لمثل هذه.. لمثل هذا التحدي الكبير جداً الذي لا يمكن أن تُعزل فيه ظاهرة مثل هذه الظواهر المطروحة عن الظاهرة الإجمالية المتعلقة بالعلاقة ما بين المتغلب والمغلوب، ما بين المركز الغربي المهيمن والمسيطر في المستويات المختلفة وبين الأطراف المسيطر عليها، أولاً يعني أريد أن أعلق على كلمة الغزو التي حاول أن يجردها الدكتور من أي دلالات سلبية لها، بالإحالة إلى معنى يعني تاريخي قد يكون له يعني قيمة إيجابية في الذاكرة الإسلامية أو في المخيلة الإسلامية وأعتقد أنه لا يختلف معي أن للكلمات والمفردات صيرورة تاريخية معينة فيمكن أن تكتسب دلالات جديدة سيئة، فلا يمكن لكلمة الغزو أن تبرأ من هذه الدلالات القبيحة، هذه الدلالات القمعية لاسيما من أمة تعرضت لأنواع مختلفة من الغزو العسكري الذي تُرجم بدبابات وبوارج حربية وطائرات، فالغزو هو كلمة قبيحة لا يمكن قبول الغزو الصهيوني الإسرائيلي، لا يمكن أن يجرد من هذا المعنى إطلاقاً، أما بالنسبة للتفاعل الثقافي اللي ذكره الدكتور ضد تأكيد لن تجد عاقلاً يقول: لا نريد تفاعلاً ثقافياً، أو يجب أن تنغلق الثقافات بعضها عن بعض، هذا لم يحدث في أي فترة من فترات التاريخ ولا يحدث الآن، ولن يحدث غداً في.. على الإطلاق، التفاعل الثقافي الحضاري شيء طبيعي جداً أن يتم وأن يجري التبادل بين الثقافات وأعتقد أن المرجعية النصية الدينية الإسلامية لا تختلف مع هذا إذا يعني التعددية ذكر في القرآن الكريم التعارف بين الأمم والشعوب.

د. فيصل القاسم: وجعلناكم قبائل، شعوباً وقبائل.

د. وليد سيف: (شعوباً وقبائل لتعارفوا) والتعارف هنا يعني تبادل ليس فقط المعرفة.. أن يعرف بعضنا بعضاً، أيضاً تنطوي على قيمة أخلاقية لأن العُرف في الإسلام من –أيضاً- الإحسان، فهناك الإحسان وهناك المعرفة، يمكن أن آتي بنصوص مختلفة يؤكد هذه الحقيقة.

د. فيصل القاسم: ولكن

د. وليد سيف: نعم، فلا خلاف على ذلك، ولكن هناك فرق كبير بين التفاعل الثقافي وبين هيمنة مركز معين على الثقافة الأخرى، هل هناك قصدية في الموضوع؟ هذا السؤال الثالث الذي تضمنه يمكن لطرح الدكتور، هل هناك قصدية معينة من المركز الغربي لإحلال منظومته القيمية محل منظوماتنا القيمية؟

أولاً: دعني أذكر بأنه لا يوجد.. أن الثقافة ليست عندما أتحدث عن الثقافة العربية أو أي ثقافة من ثقافة الشعوب الأخرى ليست معطىً خارجياً ناجزاً ثابتاً ونحن يعني تنحصر مهمتنا في الحفاظ عليه كما هو..

د. فيصل القاسم: كويس، نعم.

د. وليد سيف: الثقافة عملية ديناميكية لا تنتجنا إلا بقدر ما ننتجها أو نعيد إنتاجها بصورة مستمرة أي نسقط معاني معينة وتصنيف معاني جديدة إلى آخره مع صيرورة الحياة الثقافية والاجتماعية والمادية التاريخية بصورة عامة، فالمسألة ليست إذن إرتداد نحو نموذج جائز وثابت والحفاظ.. بالحفاظ عليه، ولكن القضية أن من جديد لا توجد صحيح أن الغزو الثقافي، إنه الغرب يعني يخطط لإحلال ثقافة محل ثقافة، لكن بالضرورة الإنتاج التقني والمعرفي في الغرب هو الإنتاج المهيمن.

د. فيصل القاسم: صحيح.

د. وليد سيف: بحكم مركزية العرب وبحكم مركزية التقنيات والمعرفة ومركزية الإعلام والاتصال، وهناك أرقام يعني تشير إلى ذلك، هلا ممكن أن يقول أحد الأشخاص: طيب مادام الغرب هو الذي يمتلك هذه التقنيات، والذي يمتلك هذه المركزية فمن الطبيعي أن تسود الثقافات.

[موجز الأخبار]

د. فيصل القاسم: دكتور قاطعتك قبل الأخبار، كنت تتحدث عن القصدية، إذا صح التعبير، تفضل.

د. وليد سيف: القصدية، كنت أقول أن يعني لا، يعني ليس من المناسب أن أتحدث عن وجود جماعة في الغرب تخطط لإحلال منظوماتها الثقافية محل منظوماتنا الثقافية، ولكن هذه كما قلنا نتيجة طبيعية لسيطرة الغرب على التقنيات المعاصرة، تقنيات الاتصالات والإعلام، على القوة الاقتصادية التي هي بالتالي يتمتع بها الغرب، التحكم بالأسواق المالية، القاعدة التجارية التي يستند إليها الغرب، حصته في سوق.. في النظام الاقتصادي والمالي العالمي، كل هذه لابد أن تفضي إلى.. إلى..

د. فيصل القاسم: إلى هذه الحالة الاجتماعية.

د. وليد سيف: ولكن هنا.

د. فيصل القاسم: إذن نحن مغزوون يعني..

د. وليد سيف: نحن في وضع الثقافة الضعيفة المهمشة.

د. فيصل القاسم: المهمشة تماماً.

د. وليد سيف: هذه حقيقة قائمة.

د. فيصل القاسم: على مبدأ ابن خلدون المغلوب دائماً يقتدي بالغالب.

د. وليد سيف: هذه يعني نعم ممكن أن توضع بهذه الطريقة، ولكن هنا أيضاً الثقافة تمثل سلعة، حقيقية الأمر ليست مجرد يعني قيمة مطلقة أو مجردة، إنما هي أيضاً سلعة ولها قيمة مادية ولا سيما الآن في عصر المعلومات والاتصال.

د. فيصل القاسم: طبعاً، تماماً..

د. وليد سيف: البضاعة الفكرية المادية أصبحت سلع حقيقة.

د. فيصل القاسم: صناعة المعلومات، طبعاً..

د. وليد سيف: وإذا عرفنا أن الغرب ولاسيما الولايات المتحدة تسيطر بنسبة هائلة جداً..

د. فيصل القاسم: 75%..

د. وليد سيف: 75% على قواعد البيانات وعلى هذه التقنيات فلاشك أنها ستكون أقدر على.. على أن تمد بمنظومتها القيمة التي تترجم اقتصادياً..

د. فيصل القاسم: وفرض ثقافتها..

د. وليد سيف: ثقافتها، ولكن إشارة أخيرة إلى موضوع صدام الحضارات وهي المقولة المشهورة الهنتنجتون، أنا أريد الحقيقة أن أشير إلى قناعة، يعني نذكر أن (هنتنجتون) قد جاء بهذه المقولة ويعني صدرت عنه هذه المقولة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، وفي رأيي أن قيمة هذه المقولة لا تستند إلى المرجعية التي يمثلها (هنتنجتون) في الدوائر الأكاديمية والثقافية الأميركية، ولكن لأنها -في رأيي- كانت نبوءة ذاتية التحقيق، بمعنى ليست استقراءً لقواعد تاريخية أو لسنن تاريخي، وإنما هي تمثل استراتيجية، ونحن نعرف أن الرجل متصل بالخارجية الأميركية استراتيجياً، ونعتقد أن هذه المقولة مجرد قناع تمويهي لتمويه حقيقة العلاقة، اختلال العلاقات البنيوية سيطرة الغرب المادية الفعلية على دول العالم.. ما يسمى دول العالم الثالث أو على.. على جنوب العالم وإعطائها وجه ثقافي يصرف النظر عن العوامل البنيوية الحقيقية، ومن ثم تصبح حدود الصراع.. حدود الحضارات، وفي هذه الحالة يستوي الضحية مع الجلاد، لأن كلاهما يرفض الآخر من زاوية ثقافية محضة، من زاوية المغايرة الثقافية، فكما أن الغرب يخافوا منا لأننا مثلاً مسلمون، نحن أيضاً نرفض الغرب ببساطة لأن ثقافتهم غير ثقافتنا، علماً بأن الإحيائيين الأوائل محمد عبده وغيره لم تؤرقهم مسألة المغايرة الثقافية، بل احتالوا عليها عقلياً بالقول: بأن علينا لكي ننهض ونصل إلى سوية إلى الغرب مع الغرب، أن نأخذ من وسائل الغرب وهذه الوسائل ترتد في تفسيرهم إلى أصول إسلامية، ومن ثم عندما نأخذها منهم فإنما هي بضاعتنا ردت إلينا، والعبارة المشهورة لمحمد عبده: "ذهبت إلى الغرب فوجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين".

د. فيصل القاسم: إسلاماً من غير مسلمين، صح..

د. وليد سيف: "جئت إلى الشرق فوجدت مسلمين ولم أجد إسلاماً" هي استعارة مكثفة لهذه.. لهذه الحقيقة، ولكن عندما نتقبل نحن هذه المقولة ونقول: انظروا فعلاً هم يكرهوننا لثقافتنا، ومن ثم يجب أن نكرههم لثقافتهم وأن تمتد على ثقافتنا باعتبارها معطى ناجز.. ناجزاً نهائياً ونحيط بها بدلاً من أن نبدع ثقافة.. نبدع ثقافة حية في الوقت الحاضر، فهذه مسألة خطيرة للغاية، لأنها تموه حقائق الأشياء جهة، ومن ولأنها تجعل الضحية والجلاد المتغلب والمغلوب على سوية أخلاقية واحدة.

د. فيصل القاسم: ممتاز جداً، دكتور وفي هذا الإطار نشرك بعض المشاهدين من الإنترنت، مشاري المشاري من الكويت يعني في نفس الإطار يقول: أعتقد أن الاحتفال بهذه الأعياد وعيد الحب وغيره من المناسبات ما هو إلا تكريس لهيمنة الغرب على كل الأصعدة وخاصة الهيمنة الثقافية التي تتغلغل بيننا، وكأنها عادات يومية، وهذه بداية النهاية لكل أمة. تفضل..

د. محمد ياسر شرف: يعني بداية النهاية لكل أمة هذا كلام كبير وهو حجر واسع، وتكذبه الوقائع، لأننا إذا أخذنا خطاً بيانياً منذ عام 656 للهجرة سقوط حاضرة الخلافة في بغداد حتى اليوم على المستوى الأدبي، على المستوى الفني، على المستوى في الرسم، النحت، في الموسيقى، في الرقص، نجد أن العرب يقلدون المدارس التي تظهر في البلدان غير العربية، لا أريد أن أقول أوروبا.

د. فيصل القاسم: أوروبا، نعم

د. محمد ياسر شرف: فمسألة الهيمنة في الواقع ليست هيمنة في التكنولوجيا فقط، يعني قد نقول: إن الثورة الصناعية نقلت مركز الثقل من مكان إلى آخر، أو من قارة إلى سواها، لكن المسألة ليست مسألة التكنولوجيا فقط، وإنما المنتج الحضاري عامة، على هذا الأساس لا يمكن أن نطلب إذا كنا منطقيين والعرب منطقيون في تراثهم.. في ثقافتهم، إذا كنا منطقيين لا نستطيع أن نطلب من الغرب أن يوقف النمو وليس معنا الحق به، إذن المسألة هنا مسألة جدالية، وجدالية لا بمعنى أنها تأخذ كثيراً من أعمال الوعي أو العقل، تفضل الدكتور بأطروحة لطيفة، هي أن (هنتنجتون) أراد أن يلفت نظرنا إلى الماضي بمعنى أن نتمسك بالموروث الثقافي، في الواقع هنتنجتون وأنا الآن أرد على كتابه وتحت الطبع، "إعادة تنظيم العالم" عنوان كتابي مقابل صدام الحضارات إعادة صُنع النظام العالمي، (هنتنجتون) يخاف على الحضارة الأميركية تحديداً، لذلك يربطها بالحضارة الغربية ويقول: إذا توقفت الحضارة الأميركية زالت الحضارة الغربية، وزالت الولايات المتحدة، كمواطن أميركي لا أستطيع أن أقول لأستاذ العلوم السياسية في جامعة (هارفارد) المسمى (صمويل هنتنجتون) لماذا تخاف؟ ولكنني كمواطن عربي ومفكر قادر على قلب ظهر المجن كما كان القدماء يقولون، أستطيع أن أقول: إن.. إنك يا (هنتنجتون) رأيت العملة من وجه واحد، الوجه الثاني للعملة أن نفسح المجال أمام التعدد الثقافي.

د. فيصل القاسم: التعدد، نعم.

د. محمد ياسر شرف: (هنتنجتون) ضد التعددية الثقافية في المجتمع الأميركي، وفي المجتمع الغربي ويرى أن مقولة الديمقراطية أو مقالة الحرية أو الفردية كلها ستضيع إذا كان هنالك نوع من التداخل الثقافي بين الكتل الثماني أو السبع الأساسية التي يضعها مقسمة العالم إلى مجموعة من الحضارات، إذن نحن الآن مطالبون أولاً: لا أن نقول للغرب: قف حتى تنزع الهيمنة والقوة لأنها هي سبب سيطرة ثقافتك، أو استمرارها، ونحن مطالبون أن لا نقول: إن صراع الحضارات شيء غير موجود فنتناساه كفعل النعام، ومطالبون أيضاً أن نتخذ الأسباب الكفيلة لجعل هذه الحضارة تتجدد، يعني أنا إذا عدت إلى التاريخ الماضي..

د. فيصل القاسم: تجدد حضارة.

د. محمد ياسر شرف: ووجدت أن الحضارة العربية قد بُنيت والثقافة قد شيدت، أليس من المنطق كثقيف أو مثقف أو طالب مبتدئ أن أتساءل مَنْ الذي بنى هذه الحضارة؟ إذا أردت أن أجيب تلامذتي وكنا نفعل ذلك ونقع في إحراج كبير، مَنْ الذي طبع المخطوطات الأوائل في اللغة العربية؟ مَنْ الذي اكتشف الأوابد من الرُقُم الموجودة والتماثيل والكتابات والمدن المنطمرة في الأرض؟ من الذي ساعد في إظهار الموسوعات الكبيرة؟ مَنْ الذي ساعد في طبع حتى المصحف وكتاب (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي)، و(المعجم المفهرس لألفاظ القرآن) التي أخذها عربي، كانت أعمالاً لمستشرقين في البداية، لا نستطيع أن نقول: إن هؤلاء قاموا بعولمة مزيفة، بالعكس، يجب أن نحتضن مثل هذه الأعمال ونعتبر أن ما قاموا به من إيجابيات يكمل جهدنا للمضي قُدماً، لن نقف لا معي (هنتنجتون) ولا مع غيره في أن نحتضن الماضي، والماضي وحسب، لأن المسألة تنطوي على خطورة.. خطورة أن نقف، لا يعني أن نحمي، أن ندافع، أن نقاتل، لا أن نقوم بعملية الإبداع التي تحتاج إلى استقرار، التي تحتاج إلى تصفية، التي تحتاج إلى تنقية، إلى تشذيب، وربما كان هذا السبب الذي كان من نتائجه أن أفرز نوعاً من المواقف المتجمدة، لم تتخذ فقط دعوات ثقافية قاسية أو شديدة، أو فيها نوع من الجلافة المباشرة، وإنما تحولت إلى دعوات يعني يجب أن تغير بيدك ما لم يتغير بوسائل أخرى على أن تُعمل اليد قبل ذلك، المسألة تنطوي على خطورة خاصة في أن العولمة ليست موجهة ضد العرب، وهي تشمل العالم ككل، وكما تفضل الدكتور إذا كانت الآن أميركا بيدها 75% أو أكثر.

د. فيصل القاسم: من صناعة المعلومات.

د. محمد ياسر شرف: من براءات الاختراعات وصناعات المعلومات في العالم هذا يجب أن لا يثبط عزائمنا، نحن نستطيع أن نشارك في هذه المعمعة هنالك آلاف الأساتذة من أصول عربية في الجامعات الأميركية يقدمون الخطة.

التخلي عن الموروث الثقافي والتحلي بالثقافة الغربية

د. فيصل القاسم: بس يا دكتور مضبوط، بس يعني.. يعني هذا نوع من التفاؤل المفرط، يعني البعض قد يشير إليه على أنه نوع من التفاؤل المفرط، يعني إذا عدنا إلى الأساسيات، إلى البديهات، يعني حضرتك تقول: إنه تفاعل حضاري ويجب أن لا نخاف، وأشرت إلى خوف هنتنجتون من زوال الحضارة الأميركية إلى ما هنالك، طيب، لكن المشكلة إذا نظرنا إلى الأمور يعني، بدأنا.. بدأنا نتخلى عن ثقافتنا، وإذا عدنا إلى موضوع الأعياد بدأنا نتخلى عن أعيادنا الرئيسية الحقيقية، يعني إذا نظرت إلى هذه الهيصة المقامة حول عيد مثل عيد (فالنتاين) ومقارنتها بنفس الوقت بالأعياد الرئيسية في ثقافتنا وحضارتنا وديننا نرى أنها طغت إلى حدٍ بعيد، قُل لي مَنْ هي الدول التي تحتفل مثلاً بعيد رأس السنة الهجرية؟ يمر عيد رأس السنة الهجرية دون أن يسمع به أحد، يمر عيد المولود النبوي الشريف كذلك، معظم المناسبات الرئيسية تمضي هكذا، أما عيد (فالنتاين) وهذه الثقافات الغربية الوافدة تجتاح كل شيء.

د. محمد ياسر شرف: يا دكتور عندما يكون لدى سلوك معين أتقبله من آخر بعد سنة أو سنتين يصبح سلوكي، ولا يبقى إلى الأبد سلوك الآخر، هذه هي العدائية التي تحاول العولمة على المستوى القانوني، الاقتصادي، العسكري، على مستوى التخلص من تلوث البيئة أن تتخلص منها، يعني عندما أكون أنا في مقابل الآخر نكون عدوين، أما عندما نكون نحن لا نصبح أعداء، هذه مهمة ثقافية يجب أن يُقام بها عاجلاً أو آجلاً وحبذا لو بكَّرنا بها قد نتقاتل من أجل منابع النفط، وقد نتقاتل على الثروات الأولية، وقد نتقاتل على امتلاك الأسلحة النووية أو أسلحة التدمير الشامل، لكن يجب ألا نتقاتل على القيم النموذجية أو المثلى الإنسانية المكرسة في جميع ثقافات العالم على مر التاريخ، عندما ظهرت الفلسفة الإسلامية إلى الوجود كان أرسطو وأفلاطون أكبر من أي مفكر إسلامي في كتب الفلاسفة المسلمين، عندما ظهرت النهضة الأوروبية كان أرسطو وأفلاطون أكبر من أي مفكر آخر عن طريق الترجمات العربية التي وصلت، وبعد 400 سنة قام الأوروبيون بترجمة (أرسطو) من جديد من منابعه اليونانية ليعرفوا أنهم قرءوا (أرسطو) عربياً، قرءوا (أرسطو) أستطيع أن أقول إسلامياً بالمعنى الدقيق للكلمة، حتى أن الفارابي كتب لنا كتابا للجمع بين رأيي الحكيمين (أرسطو) الطبيعي و(أفلاطون) الإلهي، ولم يتسنى له ذلك إلا من خلال فهمه مسألة أن أرسطو لا يمكن بهذا العقل، وبهذه القدرة إلا أن يكون رجلاً مؤمناً رغم أن (أرسطو) في الحقيقة تبني ديانة شعبه الوثنية في ذلك الوقت القرن الخامس قبل الميلاد.

د. فيصل القاسم: طيب سأعطيك المجال دكتور، بس نشرك الكثير من.. غادة ضرغام لبنان، تفضلي يا ستي.

غادة درغام: أي نعم، مساء الخير.

د. فيصل القاسم: يا هلا.

غادة درغام: وبدي أقول لكم مساء الحب.

د. فيصل القاسم: يا هلا.

غادة درغام: أنا ما أني ضد الحب وأعياد الحب، بس بدي أقول لكم ليه بنستورد شيء من الخارج وهو موجود عندنا؟ هايدا اللي بدي أقوله، كمان بدي أقول: حتى بالتعبير عن أرقى المشاعر عند الإنسان بالعالم العربي لازم يكون على الطريقة الغربية؟ بدي أقول شغلة كثيرة مهمة إنه مفهوم الحب الراقي بأساطيرنا ما أنه على صعيد فردي، مثلاً عندك (…) وبيرم قبل روميو وجولييت، تموز وعشتار هادول من عندنا من لبنان عشتاروت، عنات بأوجاريت وحدث دكتور أبو سيف، مو بأعرف.. دكتور عالم اجتماع، بدي أقول لك شغله أنه بأساطيرنا عانت لما صار فيه دمار بالبلاد، قالت له.. قالت للملك الكبير، قال لها: شو بدي أعمل؟ قالت له: سكِّر بيت اللعنات وأنا سأزيد من رقة المشاعر، ستنتعش الأرض، يعني رقة المشاعر والتعبير عن الحب بطريقة راقية إله علاقة باستقرار المجتمع وبحياة المجتمع ورقيه يعني إذا راقيين بتعبيرنا وبأفعالنا وبحبنا المجتمع بيكون راقي ومستقر، من شان هيك بدهم يتحكموا ويسيطروا على مشاعرنا، الاستراتيجية مش بس دبابات وثقافة كمان أيديولوجية وأفكار، وبدي أقول لك شغلة إنه نحنا بلبنان وبفلسطين المحتلة بنحاربهم بسلاح الحب، من شان هيك بده يسيطرون على الحب وعلى التعبير عن الحب، لأنه نحن بدافع الحب مش بدافع الكره، مش بنكره اليهود، لأ، نحن ما بنكره اليهود ولا حدا بالعالم العربي بيكره اليهود، بس نحنا بدافع حبنا لأرضنا ولأطفالنا مش بدافع الكره بنحارب من شان نحرر أرضنا، علشان هيك بيصدروا لنا مشاعرهم وماديتهم، فإذا تشربناها سيطروا وربحوا المعركة، مفهومنا للحب تضحية وإذا ها السلاح الأقوى اللي بعده بأيدنا الوحيد أخذوه منا خسرنا المعركة. وشكراً.

د. فيصل القاسم: شكراً جزيلاً بالقاسم عكاري، امستردام، تفضل يا سيدي.

بالقاسم عكاري: آلو، السلام عليكم.

د. فيصل القاسم: وعليكم السلام تفضل يا سيدي.

بالقاسم عكاري: أنا أريد أن أسأل سؤال: مَنْ.. من هو الذي دخل الحضارة الأجنبية للدول العربية؟ كمثل الأفلام أو كالأغاني، أو كأشياء من هذا النوع، لو فكروا لرأيت أن هناك الحكومة أصلاً، ثم هناك الغزو الأوروبي وإحنا نعيش في.. في أوروبا، وخاصة أنا عندي سنوات وسنوات في أوروبا، هناك تفكك، لكن الذي مسيطر أو ما يزعمون أن هناك يعني ثقافة فليست هي ثقافة، وإنما هناك سياسة كالتجارة، يعني رؤوس الأموال، تراهم يفكرون ربح المال، كذلك إحنا عندنا في الدول العربية، أن رؤوس أموالنا أو ما يسمون الراقيين يتباهون حتى في التليفزيون إن بتشوف التلامذة لو رأينا تلامذنا زمان لما كنا كنا فيه الأخلاق وفيه.. أصبحت في الوقت الحاضر لا فيه أخلاق في المدارس، ولا أي شيء، حتى لا بنات، الأفلام.. كذلك حتى الأفلام العربية استوردت، يعني لو نظرنا الأفلام كمثلاً دولة عربية، أكبر دولة عربية مصر هي اللي عندها الأفلام ومن أقدم، كل الأفلام لو شفتهم من.. من (هتشكوك) أو.. أو يعني ما يشابه ذلك كله مستورد من الغرب، يعني تقليد، يعني ليس هناك.. إحنا لسنا ضد الحب أو ضد الأخلاق أو..، لكن كلهم مفيش.. مفيش يعني، ليس هناك يعني ما يشابه الحب أو.. أو كما قال الأستاذ يعني الأشياء اللي موجودة هو فيهم نوعين، النوع الأول: هو المال والنوع الثاني: الأخلاق الفاسدة.

ثالث حاجة: يعني الموجود في أوروبا أو حتى الشذوذ، يعني إحنا بنخاف في الوقت الحاضر يعني ممكن يطلعوا لنا غداً في دولنا العربية ويسمح هناك شذوذ مثل ما الشذوذ اللي صبح في.. في القانون اللي صبح في.. في السويد، أو في أوروبا..

د. فيصل القاسم: طيب أشكرك، سيد.. عكاري، أشكرك جزيل الشكر، يعني كل هذا الكلام تقول إنه قد نحصل على كل هذه الأمور تحت مسمى العولمة الثقافية إلى ما هنالك من هذا الكلام. محمد الشريف، قطر، تفضل يا سيدي.

محمد شريف: مساء الخير.

د. فيصل القاسم: يا هلا.

محمد شريف: أهلاً وسهلاً، يا دكتور فيصل عودة للتساؤل اللي حضرتك سألته: ما هو: ما هي أسباب الظاهرة؟ في الحقيقة يمكن أوردت في حديثك في.. في معرض حديثك إنه ما ذكره عالمنا الشهير (ابن خلدون) في مقدمته إن الأمة المهزومة تقلد الأمة المنتصرة، والمحرك لهذا التقليد هو محرك لا شعوري مبعثه لا شعور مهزوم في قلب هذه الأمة، السبب الآخر اللي أعزوه لهذه الظاهرة إن أعيادنا –للأسف الشديد- سُحبت منها كل الدالات الحياتية الممكنة، كل الفرح الحقيقي سُحب من أعيادنا، فقدت معناها، وأصبحت مجرد إجازات رسمية ينام فيها الإنسان في بيته ويهرب فيها من الحياة ومن الاشتباك مع الحياة، مع إن العيد هو المزيد الاشتباك والفرح الحقيقي بالحياة، إحنا سحبنا من أعيادنا هذا الشيء، أما الحديث الذي ورد أثناء الحوار عن أنه لا يوجد من يقومون بصناعة وتصدير ذلك إلى عوالمنا، بالعكس يوجد، والدليل على هذا التلمود، التلمود الذي ما يزالون ينظرون فيه الآن لصناعة المستقبل، مستقبل البشرية كلها إلى هذا المستقبل الأسود اللي متصورين اليهود إنه بيوقعوا به سكان الكرة الأرضية، فأعداء الأمة ظلوا يختارون مواقف رمزية ترفع رايات القيم الغربية على جثة خصوصياتنا، والشاهد على ذلك –اسمح لي يا دكتور لو سمحت- في إبان توقيع اتفاقيات (كامب ديفيد) و.. وزيارة (كارتر) لمصر قدم (كارتر) دالة رمزية بنزوله عن سلم الطائرة ليعيد للمرة الثانية تقبيل ما سميت حينئذٍ سيدة مصر الأولى، وهي شاهدة على فكرة على هذا العصر حسبما ورد في برامجكم على (الجزيرة) ولم تكن القبلة غرام أو شبق، أو شهوة، بل هي دالة رمزية عن رفع العلم الأميركي على جثة قيمنا، ولم تمنع دموع عيني وألم القلب مذبحة القيم حينئذٍ، والحقيقة ما لم نربط بين بنيتنا الثقافية والاجتماعية والحضارية وخصوصياتنا وبين قضايا مواجهة هذا.. المتفردين بسوق سكان المعمورة إلى مذبحة خصوصياتها إذا لم نقم بهذا الربط فلا أمل لاستمرار هذه الأمة للأسف الشديد على.. على المدى المنظور، ولذلك فهي قضية حياتية بالنسبة لنا، والاحتفاء بالأعياد وجعلها مناسبات قومية وفرح حقيقي هنا هذا.. هذه.. هي هذه الحلول الحقيقية والأمل الوحيد في المستقبل أن نجعل من أعيادنا فرح حقيقي، نعطي فرصة للجمهور أن يعبر عن فرحة في أعيادنا، أعيادنا التي نعترف بها عيد الفطر، عيد.. ماذا.. ماذا سويت في عيد الفطر؟ وجه إلى نفسك السؤال يا دكتور فيصل، ماذا سويت أنت؟ هل مارست الفرح في عيد الأضحى أو عيد الفطر الماضي؟ ما مارست الفرح، ولذلك هذه الأمة المهزومة تحاول أن تمارس الفرح بأي شكل من الأشكال ولو كان على حساب خصوصياتها ومستقبلها. أشكرك.

د. فيصل القاسم: أشكرك جزيل الشكر.

[فاصل إعلاني]

الآليات العربية للتفاعل الثقافي مع العالم

د. فيصل القاسم: نشكرك عبد البارز من السعودية يقول لا يوجد عيد غير عيدي الفطر والأضحى، أما ما عدا ذلك فهو بدعة وحرام، وهو في ذلك يعني يُلقي اللوم بطريقة أو بأخرى على إنه الكثير من البلدان حتى اعتبرت مثل هذه الأعياد بدعة، فلهذا كان لابد من.. من استيراد مثل هذه الظواهر، دكتور سمعت الكثير من.. من النقاط، وأنا أريد يعني.. يعني استشف من كلامك إنه أنت لست ضد التفاعل الحضاري إذا كان في ذلك نوع من التفاعل، لكن بشروط، هل بإمكاننا أن نفرض شروطاً لمثل هذا التفاعل، لمثل هذا التعولم الثقافي إلى ما هنالك من هذا الكلام؟

د. وليد سيف: نعم، يا سيدي، أول شيء نذكر بإنه القيمة الإسلامية المعروفة الحكمة –كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم- "الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق بها" فالحكمة مسلمة بالتعريف الإسلامي بغض النظر عن منتجها، إطلاقاً، ولكن نحن الآن لا نتحدث عن معارف يعني نخبوية أو علمية نأخذها من هنا أو من هناك، نتحدث عن يعني علاقات على المستوى الدولي، على علاقات على وضع يتعلق بمدى إنتاجنا نحن للمعرفة، ومدى إنتاجنا للتكنولوجيا، وعن حصتنا ونصيبنا في هيكل العمل الدولي، لا شك –كما قلت سابقاً- ولا نستطيع إحنا.. نحن أن نواجه هذه الظواهر والبنى العميقة التي تدل عليها هذه الظواهر فقط بالرفض والقبول على المستوى التجريدي النظري، نحن نريد أن نصل إلى مشاركة إنسانية بالثقافة العالمية، أن نصبح منتجين للثقافة لا أن نحافظ على يعني على هوية ثقافية قائمة، لأني أخشى أن يختزل مفهوم الهوية الثقافية في هذه الحالة بالهوية الثقافية الإثنية التي تحولت إلى مجرد رمزيات دالة على الهوية.

د. فيصل القاسم: صحيح، عرقية.. عرقية

د. وليد سيف: عرقية أو اثنية، نحن نتحدث عن الثقافة بوصفها فاعلية حضارية ينتجها الإنسان في زمانه ومكانه، صحيح أنها متصلة بصيرورة التاريخ الماضي، ولكنها لا تنغلق فيه ولا تنقطع عنه في الوقت نفسه، فالحقيقة مثلاً الكلام الذي استمعنا إليه من السيدة في لبنان كلام جميل، لأنها استدعت ذاكرة يعني ثقافية أسطورية في.. في سوريا على سبيل المثال كما يمكن أن نستدعي من الذاكرة العربية أيضاً الإسلامية الحب العذري، نحن الحقيقة لم يتغزل قوم كما تغزلنا نحن.. نحن في شعرنا العربي، ولكن المشكلة أن هذه موجودة في المرجع، ولكنها انسحبت من المخيال الشعبي، هذه مشكلة نحن نتحدث..

د. فيصل القاسم: لماذا انسحبت؟ وهذا هو السؤال يعني.

د. وليد سيف: بالضبط، انسحبت..

د. فيصل القاسم: يعني كما يعني لدينا الكثير من قصص الحب التي قد تفوق (فالنتاين) شهرة بعشرات المرات، لكن لا أحد يعني، هل علينا أن نسمى مثلاً عنترة بن فلنتينو كي.. كي يتبعه الآخرون؟ أو..

د. وليد سيف: الأمر لا يحدث هكذا في واقع الحال، يعني في يوم من الأيام كانت قصص الحب تنتقل من الثقافة العربية الإسلامية إلى أطراف أوروبا، ويعاد صياغتها ضمن الثقافات المحلية هناك، ولكن المسألة عندما أتحدث عن ثقافة يُخشى أحياناً أننا يعني قد نحصرها بالمرجع المكتوب، أو المرجع النخبوي أو الأعمال العلمية، الثقافة التي نتحدث عنها أيضاً هي الثقافة بالمعنى الأنثربولوجي، بمعنى منظومات القيم والرموز والمفاهيم والتعريفات والمعاني التي يستدخلها الفرد من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية والثقافية وتسهم في تشكيل وعيه وفهمه وتأويله للعالم المحيط به، الآن هذه المعاني –مع الأسف الشديد- يعني ذات الأصول أو المصادر الثقافية التاريخية العربية الإسلامية تراجعت –كما قلت- من المخيال الشعبي وحلت كلها مفاهيم وصور images، ونحن نعيش في عالم الصور.

د. فيصل القاسم: طبعاً عالم الصور.

د. وليد سيف: آتية من المركز الغربي، أضرب مثالاً واحداً على ذلك يعني أذكر على سبيل المثال في الستينيات عندما كانت أغاني الحب يُستمع إليها من الراديو ولا ننظر إليها مُشخصةً عبر جهاز التليفزيون خلال ما يُسمى الآن "فيديو كليب" كانت المعاني ذات طابع رومانسي يعني.. فالحب مقترن بتسامي العاطفة، في الوقت الحاضر إذا نظرنا إلى ما يُسمى بـ"الفيديو كليب" لاسيما الأجنبية وهي الطاغية والتي تُقلَّد الآن أو تُستنسخ على المستوى العربي نجد أن معاني الحب مرتبطة بالصور الجنسية، فالآن ينشأ جيل من الشباب أو الشبيبة بصورة عامة يربطون معنى الحب فورياً ما بين معنى الحب وما بين الإباحية الجنسية أو الجنس..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: وهذا ما يقصده (فالنتاين) يعني إذا نظرت إلى ظاهرة فالنتاين بمعظمها في واقع الأمر هي لا تتحدث إلا عن هذا الحب بمفهومه الضيق جداً، العشيق والعشقية إلى ما هنالك من هذا الكلام.

د. محمد ياسر شرف: لأ، بمعنى.. بمعنى الاختلاف الذكوري والأنثوي يا دكتور بالمعنى التناسلي، يعني خذ مثالاً رافضاً لما تفضل به الدكتور وليد، آخر المعاجم المعاصرة بين أيدينا معجم لغة عربية الذي صدر عن المجمع العلمي للغة العربية بالقاهرة، يقولون إنه المعجم الوسيط بعد أن صدر المعجم الوجيز للطلبة، والمعجم الكبير سيصدر عام 2020، لاحظ كم هو يعني إنجاز عظيم بعد عشرين سنة أخرى سوف ينجزون لنا معجماً واحداً في هذا المعجم ستجد أكثر من ثلث حجمه كلاماً ميتاً لا نستخدمه في حياتنا المعاصرة رغم أن من أهداف المعجم كما جاء في (المقدمة) استبعاد المهجور من الألفاظ، فأنت تجد في هذا المعجم: العمرود والفخا والقحال، والقربوص، وكبذا، والتحط، ولشلش، ولطس، ونضس، ونشغ، ونغ، ولا تجد الفرشاة للأسنان ولا المبادرة لحل المشكلات، ولا الاستبطان للحالة النفسية، ولا التبكيت للضمير ولا الباهظ والثمن، ولا الابتزاز للأموال، بل إنك لا تجد فيه البذر في الزراعة، والمنظور في الهندسة، والمعارضة في السياسة، والعمالة في الأمن رغم وجود طبعاً السرقة والنهب، والإخضاع، والطاعة، وهذا فقط.. تنهيج على هذه.

د. فيصل القاسم: اتفضل.

د. وليد سيف: أريد أن أُذكَّر حقيقةً بمسألة أيضاً اللغة مسألة أخرى واسعة وكبيرة ما فيه شك.

د. محمد ياسر شرف [مقاطعاً]: ماذا فعلنا لخدمة الثقافة حتى الآن؟

د. فيصل القاسم: ماذا فعلنا لخدمة الثقافة؟

د. محمد ياسر شرف: ماذا فعلنا لخدمة الثقافة؟

د. وليد سيف: لخدمة الثقافة العربية، لكن أيضاً.

د. فيصل القاسم: وهذا.. وهذا أريد جواباً منك يا دكتور على هذا الكلام، يعني ماذا نحن.. هذا يعني تعقيباً على هذا، ماذا لدينا نحن كعرب أن نقدم للحضارة أو الثقافة العالمية، أنت تطلب التفاعل لكن بشروط، لكن ليس.. ليس لدينا هذه الشروط حتى، يعني الأفارقة إذا نظرت إلى الأفارقة الأفارقة كان لهم مساهمات حضارية وثقافية في القرن الماضي أكثر من العرب، على الأقل أدخلوا أنواع من الموسيقى التي رقص عليها الغربيون، تفاعلوا معها. ماذا قدمنا نحن؟ ماذا قدمنا؟

د. وليد سيف: نعم، بإشارة سريعة فقط بأن الإسهامات الغربية في الثقافة الشعبية الأميركية التي امتدت من هناك، يعني إذا كانت هذه الإشارة المقصود بها الثقافة الإفريقية الأميركية، فهذه مختلفة عن..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: لأ، حتى هناك.. هناك ثقافة قادمة من قلب أفريقيا ومن المناطق..

د. وليد سيف: يعني فلكلور نعم.. فلكلور.

د. محمد ياسر شرف: هذا له أكثر من جوانب.

د. وليد سيف: هذه بنقدر نعتبرها ثقافات غرائبية (exutic) ليس أكثر وإنما ليست إسهامات حقيقية في الثقافة العالمية.

د. فيصل القاسم: الريجي.. الموسيقى الريجي.. يعني هل هي فلكلور.. هي ليست فلكلور، هي دخلت في صلب الثقافة والحضارة الغربية.

د. وليد سيف: لأ، لأنه المركز الغربي أخذها وأعاد إنتاجها ومنها جرى تعميمه على العالم، يعني هي لم.. لما ييجي تعميمها من..

د. محمد ياسر شرف: من منبعها..

د. وليد سيف: من مصدرها الإفريقي، من منبعها الإفريقي، كان لابد من الوسيط الغربي أن يتبناها.

د. فيصل القاسم: ويعيد إنتاجها.

د. وليد سيف: ويعيد إنتاجها ضمن نسقه الثقافي الفني، وأن يمد بهذه الضائقة إلى العالم كله، الإشارة إلى الشروط، نعم نحن لا نقول –كما ذكر الدكتور- لا نقول ها الحقيقة نحن نتبادل كلمة كما نقل الدكتور وهذه يعني يتناقص مع شعبية البرنامج في (الاتجاه المعاكس).

د. فيصل القاسم: لا لا بالعكس.. لا بالعكس بالعكس.. بالعكس..

د. وليد سيف: ولكن نحن نطلب الحقيقة بقدر الإمكان ونقاربها، لا يدعي أحدنا أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، ولكن عندما نتحدث.. أنا أتفق مع الدكتور وقال لا أستطيع أن نطالب الغرب توقف ريثما تنمو ثقافتنا.

د. فيصل القاسم: ولكن..

د. وليد سيف: هناك عنصر تدافع في الموضوع عندما نقول: نحن لا نملك الشروط في الوقت الحاضر، نعم، فإذن النتيجة الحتمية أن تبقى الهيمنة الغربية جارية، ولكن هل هذا الواقع هو نهاية التاريخ؟ هل نحن نخضع لقوانين حتمية صارمة قصرية، لا مجال لتغيرها؟ هذا هو السؤال، أنا أقول لا بطبيعة الحال، هناك ثقافة المقاومة وثقافة المقاومة لا تعني بالضرورة.. لا تعني إطلاقاً أو يجب ألا تعني الانغلاق على الذات على وجه الإطلاق، ولكن أعود إلى ما ابتدأت به كلامي من أن هناك أن الشروط البنيوية في العلاقة ما بين المركز الغربي والأميركي تحديداً بصورة خاصة وبين جميع العالم هي علاقات مختلفة، فإذن شروط العودة إلى الإنتاج الحضاري والثقافي العربي هي ترتبط بإنتاج نموذج تنمية شاملة بالمعنى الاقتصادي، بالجانب يعني بجوانبه المختلفة الاقتصادية السياسة الثقافية، التقنية، لابد من تغيير هذه الشروط في العلاقة بين الدول، وهذا يحيلنا إلى الحديث عن ديمقراطية العلاقات.. الديمقراطية في العلاقات الدولية، الديمقراطية بين الدول، لأن الحديث الجاري يتحدث فقط عن الديمقراطية داخل الدولة الواحدة، ويتجاهل الغرب أن هناك مطلباً أساسياً..

د. فيصل القاسم: صحيح.. صحيح.

د. وليد سيف: يتعلق بالديمقراطيات بين الدول هذا كله يحيلنا إلى أسئلة النهضة ابتداءً كيف نتحرر من التبعية؟ كيف نغير من مركزنا في هيكل العمل الدولي وهو المركز الذي فرض علينا فرضاً، والآن يقال مثل دول العالم الثالث وأعتقد أن هذا المصطلح مضلل للغاية، لأنه يوحي بأن هناك نمطاً تطورياً كونياً واحداً هو الذي جرى في الغرب وأن الفرق بيننا وبين الغرب أن الغرب مر بهذه المراحل وانتهى إلى هذه النقطة ونحن تخلفنا عنه في هذه المراحل، وما علينا إلا أن نمر بالمراحل نفسها، لكي نستوي معه بعد ذلك في هذه الحضارة الإنسانية وهذا وهم كبير في واقع الحال، لابد من أن.. يعني أن نعمل على التحرر من التبعية، عندما جاء الغرب إلى هذه المنطقة كنا في حالة تخلف ضمن شروطنا الذاتية، لم يخلق هو هذا التخلف، ولكنه عطَّل شروط التطور الذاتي عندما ربط العالم في هيكل.. في هيكل عمل دولي حدد فيها وظائف الأطراف وادخر لنفسه.. أو حافظ على مركزيته من خلالها، يجب أن تعتدل هذه، كيف يمكن أن تعتدل هذه كلام طويل، ولكن لا أقل من التكتل العربي لأنه لا تستطيع الدولة القطرية أو النظام القطري في الوطن العربي أن ينجز مهمة التحرر من التبعية، والتحرر من التبعية لا يعني كما قلت الانغلاق وعدم التبادل، لا يمكن أن نتجاهل وجود شرط تاريخي.

د. فيصل القاسم: صحيح.. صحيح.

د. وليد سيف: كوني الآن هو الشرط الغربي لا يمكن أن نتجاهله إطلاقاً، لا يمكن أن نقول نريد أن ننتج حداثتنا الخاصة بمعزل تماماً عن المؤثرات العالمية أو عن العلاقات الدولية، هذا غير قائم ولكن نريد أن نعدل من هذا الميزان وهذا لا يكون إلا بالتكتل العربي وليس في ظل النظام القطري، ونقطة أخيرة والكلام يطول في هذا الموضوع، ولكن هذا التكتل العربي لن تنجزه أيضاً قرارات الأنظمة القطرية العربية الدائمة..

د. فيصل القاسم: صحيح.

د. محمد ياسر شرف: وربما هذه هي المشكلة، يعني قرارات الأنظمة العربية حتى هذه اللحظة عندما تُرك الحبل على الغارب –إذا صح التعبير- وهو كان حبلاً على الغارب تماماً لبعض الذين ألفوا فيما يسمى المشاريع الحضارية العربية كان هؤلاء يصوغون معطيات قديمة في أثواب جديدة يقدمونها لتكريس ما يمكن اعتباره من منظور التكنولوجيا تخلفاً ثقافياً يعني عندما يعود واحد إلى لسان العرب لينظر لماذا فيه من الفضائل وماذا فيه من حياة المرأة وماذا فيه من الفلسفة وما.. ماذا يقدم أو يؤخر مثل هذا العمل الذي يأخذ شهوراً طويلة، ما معنى أن لم تقم الدول العربية حتى هذه اللحظة بالتداعي لإنتاج موسوعات معرفية، موسوعة الدين والحضارة هي صناعة أجنبية، موسوعة الأخلاق والمعارف هي صناعة أجنبية موسوعة.. دائرة معارف الإسلام هي موسوعة أجنبية، الموسوعة العربية اليتيمة الوحيدة التي وضعها محمد فريد وجدي (دائرة معارف القرن العشرين) لو عدت إليها لرأيت أن معلوماتها انتهت في الأربعينيات من القرن الماضي، نحن الآن نُجهِّل طلابنا، لا نعلمهم اللغة العربية بشكل جيد، ما من مسؤول عربي يخرج إلى منصة ويتحدث بالعربية التي هي واحدة من المتاحات في لغات هيئة الأمم المتحدة إلا ويلحن، يكسر الفاعل ويفعل الأفاعيل..

د. فيصل القاسم: يذبح اللغة العربية..

د. محمد ياسر شرف: كيف نستطيع أن نقدم ثقافة عربية من خلال رموز هي في الأصل مستهلكة على المستوى الثقافي، الذين أصبحوا أشهر الإعلاميين على المستوى الثقافي وأمسكوا بالصفحات الثقافية أو بالبرامج الثقافية كانوا موظفين، أُسقط في أيديهم عندما أُسندت إليهم بعض الأعمال، هذا الذي نراه على هذه الشاشة وفي هذا البرنامج وفي غيره الشاشة وفي هذا البرنامج وفي غيره مما يستنسخ منه من الفضائيات.. عنه من الفضائيات العربيات الأخرى، هذه ليست طفرة طويلة الأمد سنوات قليلة عمرها، قد لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، لكن قبل ذلك كان المعروف لدى الدول العربية إعادة إنتاج القديم في أثواب جديدة، ثم تصدير المشكلات ووضعها على مشجب الغرب، حتى هذه اللحظة نظرية المؤامرة ما تزال أكثر النظريات فاعلية على موائد صانعي القرار وأنا هنا أميز بين صانع القرار ومتخذ القرار، متخذ القرار في بلادنا مظلوم.. مظلوم.. مظلوم، لأن صانع القرار يكذب ويزور ويلفق، ثم يضع بين يديه يقول: وقع يا سيدي فهذه هي الحقيقة، وكما قال الدكتور: لا أحد يمتلك الحقيقة وهم يزعمون أنهم يمتلكونها.

د. فيصل القاسم: طيب، إذن باختصار يعني بدلاً من أن نشتم الغرب ونقف في وجه العولمة الثقافية إلى ما هنالك، علينا أن نساهم في هذه الثقافة، علينا أن ننتج منتجاً ثقافياً معيناً إلى ما هنالك من هذا الكلام.. تفضل..

د. وليد سيف: الشروط الصحيحة.. الشروط الموضوعية الصحيحة..

د. محمد ياسر شرف: نعم، الشروط.. العولمة الثقافية ضرورية وضرورية جداً اليوم قبل الغد، ولكن من خلال خلق شروط فاعلة، لا من خلال استيراد، لأن الاستيراد ليس هو العولمة، حتى في الاقتصاد الاستيراد ليس العولمة، توحيد التعريفة الجمركية أو ما يسمى..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: بس يا دكتور شرف.. طب لكن قبل قليل كنت مع الاستيراد وأنه هذه النماذج التي تأتينا، هذه استيراد.. هذا..

د. محمد ياسر شرف: أنا لست مع الاستيراد، أنا قلت يمكن أن أنتج ويمكن أن أتفاعل ويمكن أن أصدر ويمكن أن آخذ، وإذا كان الاستيراد في يوم احتفال ليس هذا استيراداً، هو..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: كيف لا يكون استيراد؟.. استيراد ثقافة، استيراد..

د. محمد ياسر شرف: يا دكتور هذا ليس استيراداً.

د. فيصل القاسم: كيف؟

د. محمد ياسر شرف: الاستيراد أن تنسخ بشكل أعمى، أما إذا كانت المسألة لتوليد حب أو تعاون أو واجب وهذا شبه..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: وهل تعتقد.. وهل تعتقد..

د. محمد ياسر شرف: فأنا آخذه..

د. فيصل القاسم: وهل تعتقد أن هي لتوليد الحب والواجب مثل هذه الظواهر؟ أم هي..

د. محمد ياسر شرف: إذا كنت.. إذا كنت أو يعتقد غيري عكس ذلك، فيمكن أن أجنِّده بهذا الاتجاه، يعني إذا كان اليوم كانت المسألة -كما تفضلوا أكثر من متداخل- أنها لأسباب اقتصادية، لماذا لا أضع لهذا الهامش الاقتصادي أو المتن الاقتصادي هامشاً ثقافياً أو متناً ثقافياً، بالعكس..

د. فيصل القاسم: كويس جداً.. كويس جداً، دكتور تريد أن تكمل لدي.. كان لديك فكرة وقاطعناك يعني..

د. وليد سيف: نعم، حضرتك أنا أريد أن أحذر من جديد بهذه الثنائية ما بين التفسير أو واقع التخلف العربي، بين رده لعوامل ذاتية أو رده لعوامل خارجية، إذ يبدو أحياناً بأننا عندما ننتقد الذات، إنما نفعل ذلك في إطار استراتيجية لتسويق النموذج الغربي، والاستسلام له، وأحياناً عندما ننتقد الغرب أيضاً يأتي هذا لمصلحة استراتيجية أخرى تريد أن تبرر الواقع القائم، وكأننا بين خيارين، إما هذا الواقع القائم وإما تَلَبُّس النموذج الغربي، وحقيقة الأمر أن هذا الواقع..

د. محمد ياسر شرف: كلاهما مرفوض..

د. وليد سيف: وهما متشارطان، بمعنى أن العلاقة بينهما علاقة متشارطة وقد تحدثنا عن دور الدولة المعطلة فيما يجب أن تكون فاعلة فيه، والفاعلة جداً فيما يجب ألا يكون لها دور فيه..

د. فيصل القاسم: لا.. لها فيه.. باختصار..

د. وليد سيف: أذكر فقط بأنها تمسك العصا من الوسط، فتأخذ من المعاصرة بعض يعني..

د. فيصل القاسم: القشور..

د. وليد سيف: ما يكفي فقط لقمع المعارضة التي تكتسب طابعاً تأصيلياً وتأخذ من التراث ما يكفي فقط لقمع المعارضة الليبرالية عندما تأخذ وجهة خطيرة، فهي لا هذا ولا هي ذاك في الواقع، إنما تستخدم هذا لتكريس واقع التبعية..

الغزو الثقافي وعولمة الدين

د. فيصل القاسم: كويس جداً، أشكرك جزيل الشكر رأفت عبد الرحمن أسبانيا، تفضل يا سيدي.

رأفت عبد الرحمن: مساء الخير دكتور فيصل.

د. فيصل القاسم: يا هلا.. يا هلا.. يا هلا..

رأفت عبد الرحمن: مساء الخير ضيوفك الكرام اسمح لي أولاً دكتور فيصل بأن أبدل تعبير عولمة الثقافة بتعبير عولمة الدين.

د. فيصل القاسم: عولمة الدين..

رأفت عبد الرحمن: فإنما يسميه الغرب بالعولمة النظام العالمي الجديد ليس سوى نظام عالمي تبشيري جديد للتبشير بالمسيحية، وبالتالي لعولمة الدين المسيحي والثقافة المسيحية، وهذه العولمة تتم من خلال الترغيب بالمسيحية، وبفرض أعياد مثل يوم القديس فالنتاين تحت اسم عيد الحب أو عيد العشق، ألا يكفي الشعوب العربية عيد الأسرة وما يحمله هذا العيد من معاني أكثر للحب وترابط للأسرة أكثر من عيد القديس؟ أليس يوم القديس هذا تبشيراً بالمسيحية والقديسين؟ لماذا أصبحت الحضارة المسيحية والغربية بأعيادها تشكل نمطاً من أنماط الحياة على الشارع الإسلامي والعربي؟! أليس من المخجل أن الكثير من الشعوب العربية أصبحت تحتفل الآن بعيد الشكر الأميركي وعيد الموتى أو (الهالوين) وكأنها أعياد قومية عربية إسلامية، وهي أعياد غزت الثقافة العربية تماماً مثل الكوكاكولا والهامبورجر؟! هل سمعنا عن أي دولة غربية تحتفل بأي مناسبة دينية إسلامية؟ هل يحتفلون بالمولد النبوي الشريف كما نحتفل بعيد الميلاد للسيد المسيح؟ هل يحتفل الغرب برأس السنة الهجرية كما يحتفل المسلمون برأس السنة الميلادية؟ ألا يسمى هذا انغلاقاً وجموداً في الثقافة الغربية؟ ألا نرى كيف يروجون لأعيادهم بأنها أعياد الحب والتسامح وفي نفس الوقت يروجون للإسلام بأنه دين الإرهاب ودين العنف؟ ألا يسمى هذا بالغزو الديني المجُدَوَل؟ أكرر باختصار أننا نعيش في عصر النظام العالمي الجديد بقصدية عولمة الثقافة المسيحية ولعولمة الدين الواحد وإذا كانت الثقافة سلعة، فالدين ليس سلعة وهذه هي الحقيقة.

د. فيصل القاسم: طيب، أشكرك جزيل الشكر، داليا الحديدي – قطر، تفضلي يا ستي.

داليا الحديدي: سيد فيصل تحياتي.

د. فيصل القاسم: يا أهلاً وسهلاً.

داليا الحديدي: مداخلتي باختصار شديد عبرت عنها بقصيدة أقول فيها:

هلت الأعياد تترا على الشعوب العربية

بالأمس كان عيدان أحدهما صغير والآخر للضحية

فلما كثرت أمجاد العرب ما اكتفينا بالأعياد الدينية

وسعت قلوب العرب أفراح كل الخلائق السامية منهم والحامية

وكأننا بلا تاريخ وكأننا بلا حاضر وكأننا بلا هوية

أشعلنا شموع الكريسماس، وفي ذي الحجة أعطينا الهدية

وعطلنا المدارس مع الهيئات الحكومية

احتفالاً برأس السنة الميلادية

وأحيينا عيد قديسهم رمز المحبة الدولية

وتهادينا الورود الحمراء فالقلوب سعيدة هنية

وكأن في كل بيت عرس وكأننا نعيش انتصارات قومية

وكأن السلام عم الأوطان العربية

وكأم أجنحة الحمام صارت قوية

ويأتي يوم بدر والقادسية

ولا نأبه بهما كأنهما أعياد جاهلية

فأعيادنا رمز تخلف ورجعية

وأعيادهم عنوان للحضارة العصرية

ويحكم يا عرب، لما صارت قبلتكم اليوم غربية؟

أطلتم السجود وطلبتم النصر على اليهود من هيئة دولية

فأصبحت أعلامكم منسية

وأمسى شبابكم بلا هوية

أتراهم يحتفلون بأعيادنا الدينية؟!

أتراهم يعبئون باحتفالاتنا الشعبية؟!

وعلام الضحك وعلام الفرح يا أمة ضحت من جهلها البرية

أقسم صلاح الدين ألا يبتسم حتى يهزم الجيوش الصليبية

فبأي وجه تضحكون وأعداؤكم كذئاب وحشية

وبأي قلب تفرحون وكيف صارت أحلامكم وردية

أجفت دماء الشهداء أم باتوا كقتلى بلا دية؟!

أما اجتمعت ضدكم الأمم معلنة الحرب، معلنة الكراهية

ومازلتم تحتفلون كل يوم بأعياد أجنبية

سيد فيصل بأن لي..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: طيب.. طيب، أشكرك.. أشكرك جزيل الشكر، الكثير من النقاط وقصيدة لاشك يعني تعبر عن الموضوع بشكل عام.. دكتور.

د. محمد ياسر شرف: من حسن حظ العرب أنها قالت ويحُكُم يا عرب وليس ويحَكُم يا عرب ونجونا من اللعن..

د. فيصل القاسم: طيب، دكتور.. دكتور هذا الكلام لك، سمعنا من.. يعني من السيد رأفت قبل قليل ومن الأخت داليا عولمة الدين إلى ما هنالك من هذا الكلام ويعني أضفوا على الموضوع طابعاً عقائدياً يعني ما بدنا نسميه أكتر من هذا..

د. محمد ياسر شرف: يعني حقيقة الأمر ليست المسألة بهذا الشكل، أنا سألت الدكتور وليد إذا كان يعرف أن هنالك عيداً للأسرة فأجابني بالنفي، وأنا لا أعرف أن هنالك..

د. فيصل القاسم: هناك عيد الأم..

د. محمد ياسر شرف: عيداً للأسرة، أما بالنسبة لمسألة عولمة الدين، فأنا أريد حقيقة على شك.. يعني بالشكل الموضوعي أن أقول مسألة أشير إليها بوعي كي ينتبه الآخرون بـ..

د. فيصل القاسم: باختصار بس يا دكتور.. باختصار.

د. محمد ياسر شرف: الإسلام والمسيحية دينان تبشيريان، ومقتضى العقل الواعي إذا سُمح للمسلمين أن يبشروا في أي مكان من العالم، فيجب أن نتقبل أن الذي سمح لنا.. الذي هو مسيحي ينتظر منا أن نترك له مجال التبشير، حتى في العالم الإسلامي، الآن إذا كانت هذه الأطروحة صحيحة أم غلط ليس هو شأني ولا شأن أي واحد آخر، مسألة التبشير لا يمكن أن نصرفها على أنها عولمة الدين بمعنى فرض المسيحية على العالم، قد يكون هذا الكلام صحيحاً في بعض القبائل الوثنية التي تم تنصيرها لأسباب اقتصادية بحتة، ولكنه غير صحيح في العالم الإسلامي.

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: طيب، أشكرك جزيل الشكر، مشاركة 85 من سهيل علي خليل باختصار يقول: يا أخي الكريم عندما يصبح كل شيء من إنتاجنا المحلي لن أحتفل بعيد الفالنتاين وأعتقد الكلام صحيح..

د. محمد ياسر شرف: كلام صحيح..

د. فيصل القاسم: دكتور، يعني لا أعتقد.. أعتقد أنك تختلف مع ما قيل بأنه عولمة المسيحية وعولمة الدين، في هذا الإطار يعني يمكن الحديث عنه على أنه هيمنة ثقافية غزو ثقافي، لكن ألا يمكن القول في الوقت نفسه أنه نوع من بزنسة المناسبات وبزنسة الأعياد، فحتى الأعياد الكبيرة في الغرب هي ليس في واقع الأمر أعياداً دينية بأي حال من الأحوال، من الكريسماس حتى عيد الحب إلى ما هنالك، هو يعني غزو تجاري –إذا صح التعبير- وليس غزواً ثقافياً بأي حال من الأحوال، يعني ماذا يريدون من فالنتاين؟ هم لا يريدون أصلاً ترويج المحبة والحب، هم يريدون أن يبيعوا الورود ويبيعوا الشيكولاتة وكروت المعايدة إلى ما هنالك من هذا الكلام، وهذا ينطبق ليس فقط على الذين يغزونهم وهم نحن، بل أيضاً على البلدان الغربية ذاتها..

د. وليد سيف: بالتأكيد.. بالتأكيد، هو لاشك أنها –كما ذكرت في غير مناسبة أن المسألة مرتبطة بمصالح اقتصادية وتجارية، ولكن.. إذا قلنا ذلك هذا لا يعني أن هذه المصالح التجارية والاقتصادية لن تروج من خلال ذلك، من خلال السلعة الثقافية أو السلعة غير الثقافية، لن تروج لقيم معينة، ولكن ليس الهدف وترويج القيمة إلا بقدر ما تخدم هذه القيمة المصلحة، بالتأكيد هناك يعني علاقة تفاعلية ما بين القيمة والسلعة والسلعة إلى القيمة في النهاية، بطبيعة الحال القول أنها عولمة دينية يعني هو.. هو من باب الوقوع في هذا الفخ الذي أُريد لنا أن نقع فيه بأن نقول بأن الصراع هو صراع حدود حضارية وثقافية، وهذا أخطر ما يمكن أن نقع فيه على وجه الإطلاق، لأنه يخفي حقيقة الهيمنة الإمبريالية..

د. محمد ياسر شرف: الحقيقية..

د. وليد سيف: المتجددة الحقيقية، ويضعنا على سوية واحدة –كما قلت- مع الطرف الآخر، هكذا.. وأذكر أيضاً أن المسيحية هي نشأت في بلادنا وجزء من النسيج الثقافي والتاريخي لهذه المنطقة العربية، فيجب أن نميز بين هذا وبين الـ.. تسليع المناسبات الدينية، تحويلها إلى سلعة وكون الغرب هو الذي يمتلك الوسائل الأقوى في رسم الصورة، الكريسماس أصبحت الصور المرتبطة فيه صور غربية، يعني ليس صور دينية، ليست صورة مشتقة من النص الديني المسيحي، هناك عندك..

د. فيصل القاسم: نصف دقيقة دكتور..

د. وليد سيف: بابا نويل.. أو سانتا كلوز والعربة التي تطير في السماء ويجرها وعلان على سبيل المثال هذه نشأت من المخيال الغربي، لا علاقة لها بالمصدر الديني المسيحي، ولكن جرى تعميمها على العالم من هناك على نحو ما جرى تعميم قيم ثقافية أخرى ليس لها أي حالة دينية بصورة من الصور..

د. فيصل القاسم: باختصار.. باختصار..

د. وليد سيف: نقطة أخيرة، أذكر نعم، باختصار، أخونا الذي يتحدث الآن وكل هذا الحقيقة يدل على مرارة وخوف على الهوية، وهذه الحساسية الزائدة عن الهوية تؤدي إلى الانغلاق، والانغلاق بهذا يصبح استجابة.. يعني مختلة لهذه الهيمنة الثقافية.

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: طيب، للأسف الشديد.. للأسف الشديد، مشاهدي الكرام لم يبق لنا إلا أن نشكر ضيفينا الدكتور وليد سيف (الأستاذ الجامعي والكاتب)، والدكتور محمد ياسر شرف (أستاذ فلسفة العلوم الاجتماعية)، نلتقي مساء الثلاثاء المقبل، فحتى ذلك الحين ها هو فيصل القاسم يحييكم من الدوحة، إلى اللقاء.