حوار مفتوح
حوار مفتوح

العلاقات المسيحية الإسلامية

يستضيف البرنامج البطريرك غريغوريوس لحام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق ليحدثنا عن أولويات العلاقات المسيحية الإسلامية.

– العلاقات المسيحية الإسلامية والهواجس المشتركة
– عن وحدة الطوائف وانتماء المسيحيين العرب
– دور الكنيسة بين الدين والسياسة
– فلسطين ولبنان في مهب الانقسام

 

 


undefinedغسان بن جدو:
مشاهدينا المحترمين سلام الله عليكم. في هذا الزمن العربي حيث تطغى جوانب من الحروب والصراعات والتخلّف والقهر. وفي هذا الزمن العالمي حيث نُقهَر بالحروب والصراعات والهيمنة، أي منطقةٍ ولغةٍ أفضل من نبدأ هذه الحلقة حيث سمعنا ترانيم وتراتيل دينية في عيد الميلاد المجيد تتحدث عن التسبيح لله، وتتحدث عن المحبّة والسلام والإيمان. في هذه الحلقة عشيّة عيد الميلاد يُسعدنا أن نستضيف في حلقةٍ خاصة سيادة البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والأسكندرية وأورشليم. اخترنا هذه الحلقة في كنيسة، هذه الكنيسة الجميلة، كنيسة السيدة أو القدّيسة حنة في الرّبوة بأنطلياس، ولم نخترها عبثاً، اخترناها، ليس فقط لأننا عشيّة عيد الميلاد، ولكننا أردنا أن نقول أيضاً نحن المسلمين كما المسيحيين جزءٌ من أمةٌ واحدة، ربما من تحدياتٍ واحدة، ربما من اهتماماتٍ واحدة، والأكيد أننا من انتماءٍ واحد. نحن نتحدث اليوم عن هذه الديانات، ولكننا نتحدث مع من نزعم أو نجازف بالقول إنه موسوعة، موسوعةٌ ثقافيةٌ تتجاوز الأقطار، فهو سوري النشأة والولادة، وهو لبناني الإقامة والروح والهوى، وهو فلسطيني الانتماء والهوى والإقامة، وهو مسيحي الديانة، وهو عالمي الثقافة، وهو مع كل ذلك نتحدث معه في هذه الحلقة، البطريرك غريغوريوس لحّام. بعد انتقال المطران كبّوتشي في القدس، عُيّن مديراً بطريركياً ثم نائباً بطريركياً عام 1974 من القرن الماضي، ومطراناً على القدس عام 1981، وبطريركاً على الكنيسة الملكية الكاثوليكية هذه في التاسع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2000. نتحدث مع موسوعةٍ، حيث يتقن ثماني لغات، ويقول إنه ملمٌّ بتاسعة، يُتقن العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية والإيطالية واللاتينية واليونانية ويقول أنه ملمٌّ بالعبرية. البطريرك غريغوريوس لحّام، يُسمّى، عُرف بالبطريرك لطفي لحّام، ولكنه بعد أن تولى رئاسة هذه الكنيسة أصبح البطريرك غريغوريوس الثالث. مرحباً بك سيادة البطريرك، غبطة البطريرك. عندما تولّيت هذه المسؤولية كنت لطفي فأصبحت غريغوريوس الثالث، لماذا؟

غريغوريوس الثالث لحّام: قبل أن أجيب على هذا السؤال وأحيي المشاهدين والمستمعين، أحبّ أن أقول أن اختيار قناة الجزيرة بأن يكون هذا اللقاء في الكنيسة أعتبره أنا بركة للجزيرة لكي تكون دائماً منبراً للخير وللسلام وللعدالة وللمحبة في كل برامجها.

غسان بن جدو: نحن شعارنا هو الرأي والرأي الآخر. ولكن أيضاً نحن كلنا الآن في رأيٍ واحد، لأنه نحن نعتبر أنه الكنيسة كما المسجد كما أي مكان هو مكان للإيمان لا فرق بين هذا وذاك إلا لمن ينتمون إلى هذه الديانة أو تلك. لماذا أصبحت…؟

غريغوريوس الثالث لحّام (مقاطعاً): إذاً غريغوريوس، أنا لطفي بالولادة. لكن عندما المُكرَّس يتكرَّس خصوصاً كمطران ثم بطريرك، فعادةً يختار اسماً جديداً يدل على تكريسه وانتقاله من حالة العلمانية ودخوله في حالةٍ روحية، وكأنه خليقة جديدة. واسم غريغوريوس اخترته لأنه يعني الساهر، وأحببت أن أكون دائماً ساهراً على رعيّتي وفي خدمتها. وقلت للمطارنة في هذه الكنيسة بالذات، بعد انتخابي بساعة، قلت لهم اخترت اسم غريغوريوس ويعني الساهر، لا بنام ولا يخلّي غيره ينام، وهذا مأساة لي ربما ولغيري أيضاً.

العلاقات المسيحية الإسلامية والهواجس المشتركة

غسان بن جدو: غبطة البطريرك، نحن في هذه الحلقة، بطبيعة الحال، سنتحدث عن دور الكنيسة في المنطقة العربية، ولكننا أيضاً سنتحدث عن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، سوف نتحدث أيضاً عن علاقات رجال الدين بالزعامات السياسية، هناك من يعتبر الآن بأن هناك تراجعاً لرجال الدين، لدور الزعامات الدينية، لحساب الزعامات السياسية. سنتحدث أيضاً عن الصهيونية المسيحية، سنتحدث عن علاقة الغرب بعالمنا. وسنتحدث وسنسألك بشكل صريح ومباشر، هل إن المسيحيين العرب يشعرون، هم جزءٌ ليس فقط من الأمة، بالتأكيد أنتم من هذه الأمة، ولكن سنتحدث هل إن هذا الانتماء العربي هو أصيلٌ أكثر من التعاطف مع الغرب؟ لأن هناك شُبهات حول هذه القضية، بطبيعة الحال، لأنك أيضاً كما قلت تتجاوز الأقطار، سنتحدث عن واقع فلسطين وواقع لبنان وواقع العراق، ولكن بتكثيفٍ شديد. أبدأ معك، إذا سمحت سيادة البطريرك، بالعلاقات المسيحية الإسلامية بشكل مباشر. في إحدى رسائلك، أعتقد رسالة 2004، ذكرت مصطلحاً مثيراً ولافتاً كنيسة الإسلام، وقلت وقتذاك كنيسة الإسلام تعني جماعة المؤمنين المسيحيين الذين يتميّزون بعلاقةٍ فريدةٍ مع المسلمين، وتعني المسؤولية المتميزة تجاه الإسلام والمسلمين. سؤالي أولاً ما هي هذه المسؤولية؟

"
العلاقات الإسلامية المسيحية عمرها طويل وعشنا مع بعضنا في كل المنطقة العربية في تواصل وتكامل وتكافؤ فريد من نوعه
"

غريغوريوس الثالث لحّام: إن العلاقات الإسلامية المسيحية هي عمرها 1427 وعن قريب 28 سنة. وعشنا مع بعضنا في كل المنطقة العربية بتواصل وتداخل وتكامل وتكافؤ فريد من نوعه، حتى أن البطاركة الكاثوليك الشرقيين في إحدى رسائلهم الجميلة قالوا إن جزءاً من الحضارة المسيحية هو فيه تعبيرٌ إسلامي ومواضيع إسلامية، وكذلك الحضارة الإسلامية فيها أيضاً كثير من الحضارة ومن المحتويات والمواضيع المسيحية. فإذاً نحن في توافق كبير، ولا ننسى أن المسيحيين والمسلمين، رغم تغيّر الأسياد عليهم من البيزنطيين، الروم كما يُسمَّون، والعرب، ثم الصليبيين أو الفرنجة ثم الأتراك، دائماً كانت لُحمة موجودة بينهم. والغريب أن كل هذه الأمم التي تسلّطت على المنطقة العربية لم تكن عربية، يعني الرومان هم رومان والأتراك هم مسلمون ولكن ليسوا عرب والفرنجة هم أوروبيون مسيحيون ولكن ليسوا عرباً. نحن مسيحيون عرب وعرب مسيحيون. فإذاً…

غسان بن جدو (مقاطعاً): لكن ما هي المسؤولية الآن؟ خلّينا نتحدث فقط عن المسؤولية التاريخية والحضارية.

غريغوريوس الثالث لحّام (متابعاً): تاريخنا يعني هذه المسؤولية. نحن في اللغة العربية أعطينا ما أعطيناه، نقلنا كل الأدب اليوناني إلى اللغة العربية. كذلك اللغة العربية في الأدب العربي مكتبة.. الكتب التي وُضعت من قِبل المسيحيين كثيرة جداً. أما الآن، فنحن أن يكون هذا الحوار المسيحي الإسلامي والتفاعل، ليس فقط الحوار المسيحي الإسلامي العقائدي، ولكن العيش المسيحي الإسلامي في المنطقة العربية هو نموذج لما يجب أن تكون عليه الحوارات المسيحية الإسلامية، ليس فقط في العقيدة ولكن في الحياة اليومية. وإذا نجحنا نحن في تطوير عالمنا العربي المسيحي والإسلامي أو العربي، ذي الأغلبية الإسلامية، إذا نجحنا في تطوير هذا العالم داخلياً بقيمنا الإيمانية المسيحية والإسلامية فنكون أعطينا نموذجاً للحوار في العالم كله بين الشعوب، بين الديانات، وهذا معنى كنيسة الإسلام، الكنيسة التي يجب أن تتفاعل مع الإسلام، بحيث تصبح حقيقةً وكأنها جزءٌ من هذا العالم العربي، ومن هذا العالم الإسلامي تُغني هذا العالم وتغتني بهذا العالم.

غسان بن جدو: هل هذا الشّعار لقي قبولاً أم بعض الانتقادات، حدّثني بصراحة، عندما تتحدث عن كنيسة الإسلام، يعني في تلك الرسالة أنا قرأت كنيسة الإنسان وكنيسة العرب، لكن كنيسة الإسلام، تم قبولها بهذه الطريقة؟

غريغوريوس الثالث لحّام: يعني أنتم في الجزيرة الرأي والرأي الآخر، فلنترك الرأي للرأي والرأي الآخر.

غسان بن جدو (مقاطعاً): لأ أنا أود أن أسألك، لا.. أود أن أفهم يعني..

غريغوريوس الثالث لحّام (متابعاً): طبعاً الرأي الآخر دائماً في هناك نظرات أخرى، تطلعات أخرى، بعض الخصوصيات لهذه العبارة، التي ربما البعض اعتبروا أنه أنا أريد أن أهدي المسلمين إلى الإسلام أو أن تكون جماعةً مسيحية داخلة في الإسلام، لا هذا ولا ذاك. نحن كنيسة موجودة في عالمٍ إسلامي، يعني مسؤولون عن تقدّم هذا العالم، عن حريّته، عن تطوّره، ازدهاره، عن الشباب فيه، عن القيم الروحية، عن علاقتهم مع الغرب، عن تفاعلهم مع الغرب، عن أن يكون لنا أيضاً شخصية معنوية وثقافة خاصة فينا عربية مسيحية إسلامية، هذا هو معنى كنيسة الإسلام. إذاً فيه تفاعل ومسؤولية تجاه هذا العالم الإسلامي، نحن منه وله.

غسان بن جدو: مع ذلك، في رسالتكم العام الماضي 2006 لم تُخفوا ما اعتبرتموه ربما هواجس المسيحيين. أود أن أناقشكم في هذه النقطة، لأنه أنتم قلتم وقت تحدثتم عن الهواجس، سمّيتوها، وصفتوها بالهواجس، التي تنتاب المسيحيين ومواقع تخوّفٍ عندهم تدفعهم إلى الهجرة. وعندما نتكلم عن العيش المشترك والتعايش والمواطنة فلا بدّ أن يكون تحقيق شروط هذه المبادئ واجباً على كل مسلمٍ ومسيحي. هكذا هو الأمر، بين فصل الدين عن الدولة، عن العروبة والقومية والديموقراطية وحقوق الإنسان والتشريعات التي ترتكز على الإسلام كمصدر للتشريعات. يعني هذه النقاط، غبطة البطريرك، ألا ترون بأنها لا تعني المسيحيين فقط، يعني عندما تتحدثون عن المواطنة وتتحدثون عن الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان، هذه ليست هواجس المسيحيين، هذه هي هواجس كل عربي، أكان مسلماً أم مسيحياً. يعني عندما يُبتلى العرب هنا بأنظمةٍ ديكتاتورية أو يُبتلى بجماعاتٍ معارضة انتقائية، أو يُبتلى بمتطرفين من هذا الجانب أو ذاك، لماذا تسمّون هذه بأنها هواجس للمسيحيين وليست هواجس لكل مواطن عربي أكان مسلماً أم مسيحياً؟

غريغوريوس الثالث لحّام: هواجس المسيحيين بمعنى أن هناك في العالم هذه القِيم لم تلقَ الدعم اللازم لها ومع أن، كما قلت، حاجة العالم العربي الإسلامي تماماً لهذه القيم تماماً كحاجة العالم المسيحي. ولكن بتواصلنا نحن، كمسيحيين، مع العالم الغربي وبتفاعلنا معه، مثلاً الطلاب الذين أنشدوا الآن هذه الأنشودة، هم وغيرهم كثيرون يذهبون إلى روما وإلى فرنسا وإلى آخره، فإذاً هذا التفاعل مع العالم الغربي جعلنا أكثر حساسية لهذه الأمور وعدم تواجدها بما لها من المستوى اللازم في العالم العربي الإسلامي يجعلنا نخاف أن يكون هناك غير.. عدم توازن وتلاقي. ولذلك هذا معنى الرسالة ومعنى كنيسة الإسلام وكنيسة العرب، أن نكون نحن حاملين هذه القِيم، ونحن كأننا نفجّرها في عالمنا العربي ونتفاعل معها، خصوصاً مع الشباب، لأن الشباب 60% من العالم العربي يحتاجون كلهم إلى هذه القيم ويشعرون بضرورتها في عالمنا العربي.

غسان بن جدو: يعني سيّدنا حتى أكون دقيق وصريح معك، هل هذه الهواجس هي خاصة فقط بالمسيحيين أم يمكن أن تكون جزءاً من نضالٍ مشترك بين المسيحيين والمسلمين، وإذا قلتُ هذا الأمر فلا أتحدث فقط عن الشباب وعن الأحزاب ستكون بين رجال الدين. يعني هل يمكن أن أجد مثلاً غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام مع علامةٍ مسلم، السيد فضل الله أو الشيخ يوسف القرضاوي على منصةٍ واحدة، ليس للحديث فقط عن العلاقات الإسلامية المسيحية بعامّة، ولكن من أجل نضالٍ مشترك حول هذه القضايا، الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان والتشريعات، هل يمكن هذا الأمر أن يتحقق بشكل أساسي؟

غريغوريوس الثالث لحّام: ليس فقط يمكن، يجب. وهذا عملياً صار لمّا كنتُ في القدس، ستأتي أكيد على هذا الموضوع، حيث كنت جنباً إلى جنب مع الشيخ عكرمة صبري ومع الشيخ التميمي ومع الشيخ جمل وغيرهم، كنّا في كل المواقع وفي كل المطالبات للفلسطينيين، كنّا جنباً إلى جنب في سبيل هذه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

غسان بن جدو: أنتم أشرتم غبطة البطريرك إلى هذه. هذه كانت في إسطنبول. نستطيع أن نشاهدها ونسمعها.

غريغوريوس الثالث لحّام: حيث غنّينا أغنية للقدس..

غسان بن جدو: هذه كانت لقطة لافتة جداً، كنّا في ملتقى حول القدس في إسطنبول، وكان الفنان المغربي عبد الرشيد غلام كان يؤدي زهرة المدائن للفنانة فيروز، وإذا بنا، الجميع، كان هناك أكثر من خمسة آلاف واحد، يُفاجَؤون بغبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام…

غريغوريوس الثالث لحّام (مقاطعاً): يقود الأنشودة..

غسان بن جدو (متابعاً): يقود الأنشودة، وهو كان مع الشيخ عكرمة صبري، كان لقطة لافتة جداً. وأعتقد أن هذه اللقطة بالتحديد، أنا أشهد بأنها أبكت العديدين هناك في هذه اللقطة..

غريغوريوس الثالث لحّام (مقاطعاً): رأيتهم بعيني يبكون، ستة آلاف شخص، هجموا علينا..

غسان بن جدو (مقاطعاً): واكتشفناك فناناً وقتذاك..

غريغوريوس الثالث لحّام: ومنشداً أيضاً، وقلنا السلام للقدس آتٍ آتٍ آتٍ..

غسان بن جدو: سيادة البطريرك، في هذا الإطار الحديث عن بعض المخاوف للمسيحيين بالتحديد، يعني أكان على سبيل المثال هواجس يُقال في لبنان، في العراق، في فلسطين، هل هي هواجس دينية؟ أم هواجس من نوعٍ آخر؟ بمعنى آخر، أهناكٌ استهدافٌ للمسيحيين لأنهم مسيحيون بالديانة والإيمان أم لاعتباراتٍ أخرى؟

غريغوريوس الثالث لحّام: ما فيه استهداف مباشر للمسيحيين من قِبل المسلمين في العالم العربي. في الواقع، نرى عندما نسمع الأخبار اليوم في مختلف وسائل الإعلام في بلدان إسلامية، باكستان، أفغانستان إلى آخره، تجد أن هناك عنفاً لا تجده في العالم العربي. في الواقع المسلمون العرب يختلفون في موقفهم تجاه المسيحيين عن كل المسلمين غير العرب، لأنهم عاشوا معاً وجاهدوا معاً وأبدعوا معاً في الفن، في الأدب، في الشعر، في البناء.. في الهندسة، مثلاً برج القاهرة، أوبرا القاهرة من بناها؟ مهندسون مسيحيون، ساهموا في بناء الحضارة المصرية، لبنان، سورية، حتى القومية العربية جذورها موجودة بتوافق وبتوازن وبتفاعل جميل بين المسلمين والمسيحيين، حتى الأحزاب الأكثر تقول شعوبية، هي دائماً فيها عناصر مسيحية ومسلمة متقدمة. فهذا إذاً ليس…

غسان بن جدو (مقاطعاً): إذا وضعنا الأصبع مثلاً ما يحصل في العراق، سمعتم كثيراً عمّا يحصل في العراق، وأنتم بطبيعة الحال بطريرك كبير وأنتم على الأقل تلتقون بنظرائكم في العراق، يعني أود أن أفهم هل أن هذه المسألة تعتبرون.. تم حديث كبير، أهناك استهداف للمسيحيين لأنهم مسيحيون أم شيء آخر بكل صراحة؟

غريغوريوس الثالث لحّام: الإنسان مُستهدف في العراق، والفوضى هي السلاح الأكبر اليوم في العراق للأسف. ولكن أقول بعض قضايا، اليوم وصلتني رسالة من الكاهن فنسنت الذي يخدم في كنيسته في الكرادة، القديس جورجيوس في العراق، ويقول لي هُدّمت كنيستنا في 17 تشرين الأول 2003، وأعاد أبناؤنا بناءها، رغم أن هناك كنائس تُدمّر، وأعادوا بناءها، وبنوا حولها أيضاً مركزاً للتعليم الديني وللثقافة الروحية الآبائية. ثم أيضاً هناك من قُتلوا ومن أُجبِروا على مهاجرة… ومن صُودرت أموالهم وبيوتهم، ولكن صمدوا لأنهم شعروا أن هناك وطنهم، خصوصاً مهد أبينا إبراهيم أب الآباء. ولكن عندي شهادة من الكاردينال الجديد البطريرك عمانوئيل الثالث دلّي الذي هو بطرك العراق الذي قال لنا في اجتماع البطاركة الكاثوليك الشرقيين منذ شهرين، لا يمكنني أن أقول أن المسيحيين مستهدفين، فيه مسيحيين مستهدفين، ولكن ليس المسيحيون، فَرْقْ، يوجد مسيحيون مستهدفون لأسبابٍ محلية، الجار الذي يتجبّر على جاره إلى آخره، ولكن لا استهداف، استهداف للإنسان، لا استهداف للمسيحيين. أيضاً الشيعة مات منهم كثيرون، السنّة، الصابئة، الأكراد.

غسان بن جدو (مقاطعاً): يعني نتيجة العنف القائم والفوضى القائمة في العراق..

غريغوريوس الثالث لحّام (متابعاً): العنف القائم. للأسف هذا رمز لهذا العنف الذي اليوم يلفّ عالمنا ومجتمعنا شرقاً وغرباً والعراق للأسف هو النموذج الأكثر شناعةً لهذا العنف.

غسان بن جدو: يعني في هذا شهادة كبيرة. يعني أستطيع أن ألخّص، غبطة البطريرك، بأن العنف القائم الموجود في العراق يستهدف الجميع بدون استثناء ولا يستهدف هذا لأنه ينتمي إلى هذه الطائفة أو تلك الديانة، هل هذا التلخيص دقيق؟ وهذا الاجتماع الذي تفضّلت بذكره الآن، أين تم؟ هنا في المنطقة العربية أم في…؟

غريغوريوس الثالث لحّام (مقاطعاً): تم في دير المقر البطريركي الصيفي لبطريرك الروم الكاثوليك، في عين تراز في قضاء عاليه في لبنان.

غسان بن جدو: في لبنان يعني.

غريغوريوس الثالث لحّام: وبالنسبة لموضوع العراق، كان قبل الحرب على العراق من قِبل أميركا 700 ألف مسيحي موجودين في كل العراق، الآن يُقال يوجد حوالي 500 ألف، مليوني عراقي في سورية وحدها، وأكثرهم من المسلمين. فإذاً نسبة الهجرة ونسبة الضغوط ونسبة القتل أيضاً والضحايا هي موجودة في كل الطوائف ولا يمكننا أن نقول.. وأنا آسف أنه دائماً في وسائل الإعلام، خصوصاً الغربية، يُقال اضطهاد للمسيحيين. أنا أرفض هذه العبارة مهما كان هناك فيه ضغوط، فيه صراعات الإنسان، بأسف، صراع.. يقول المثل اللاتينيOmo Omni Lupus ، الإنسان ذئبٌ لأخيه الإنسان. حتى اليوم توجد خلافات دموية بين الأخوة. أنا إذاً لا أريد أن أسمع كلمة اضطهاد على المسيحيين في مجتمعنا العربي الإسلامي، غير بلدان هذا شأنهم، أما في عالمنا العربي لا يوجد اضطهاد. حتى في مصر يوجد، خصوصاً في الصعيد، مناكفات مصرية محلية شعوبية، القبائل، الحزازات المحلية، والتي تأخذ وتُعطى لوناً هو لون الدين وما إليه، لأن الإنسان بطبيعته دائماً يلوّن كله شعوره وكل عواطفه وكل مواقفه دائماً يعطيها، خصوصاً إذا كان أراد أن يستغلّها، يعطيها لوناً دينياً. مرّة كان فيه صراع أو خلاف بين اثنين من أولادي في القدس، واحد ظالم وواحد مظلوم، الظالم تشدّد على المظلوم، يا أخي مش مظبوط الحق معي مش معك، قال له إياك إذا ما قبلت اللي بدّي ياه بعملها مسيحي مسلم. هذا روم كاثوليك يقول لرفيقه اللي هو مسلم، بعملها مسيحي مسلم. هذه، بعملها مسيحي مسلم، هذا الأكثر ما يصير اليوم في عالمنا، استغلال قوّتي الدينية، وجودي المجتمعي الديني لكيما أضغط على أخي، وإذّاك تُسمى اضطهاد ديني، لأ هذا اضطهاد إنساني، وليس اضطهاد ديني.

غسان بن جدو: منعملها مسيحي مسلم، وهلّق عميعملوها شيعي سني..

غريغوريوس الثالث لحّام: شيعي سنة إلى آخره، إلى آخره..

عن وحدة الطوائف وانتماء المسيحيين العرب

غسان بن جدو: سيادة البطريرك، مَن يتابعون الكنيسة، يتابعون الوضع.. لعلّهم يذكرون البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام عند زيارة البابا الراحل يوحنا بولص الثاني إلى هذه المنطقة وبالتحديد لبنان وسورية. وقتذاك، طبعاً أنت كنت منذ سنوات بارز، ولكن أنا اسمح لي أن أقول أنك برزت بشكل لافت وقتذاك من خلال احتضان تلك الزيارة. إحدى اللقطات التي لا يمكن أن ننساها، عندما كنت إلى جانب بطريرك الروم الأرثوذوكس البطرك هزيم ويتوسّطكما، وقتذاك، الراحل البابا بولص الثاني. ماذا قلت وقتذاك بعد خطاب وحديث وكنت بالنكتة وبالـ… قلت على أساس هذه، يعني، تعالوا نتوحّد، تذكرها؟

غريغوريوس الثالث لحّام: نعم طبعاً لا يمكنني أن أنساها. كان ذلك في العام 2001، عيّدنا معاً كل المسيحيين شرقاً وغرباً وكل الطوائف عيد الفصح المجيد لقيامة المسيح عيداً واحداً في يومٍ واحد. وقلتُ في استقبال قداسة البابا، الذي هو رسول الوحدة المسيحية، وأتى ليقول لنا كونوا وحدة لكي تشهدوا للقيم الروحية في مجتمعكم. فقلتُ عيّدنا هذا العام معاً وإن شاء الله نعيّد إلى ما شاء الله معاً وليس عيدين، وكان تصفيق حاد من قِبل جميع الحضور وما إليه، وإذ ذاك كان في..

غسان بن جدو (مقاطعاً): تململ بعض الشيء..

غريغوريوس الثالث لحّام (متابعاً): تململ آخر للأسف، ونسعى إن شاء الله لكي نكون واحداً، لكي نشهد ليسوع الذي قال، ليكونوا واحداً مصلّياً، قال، ليكونوا واحداً لكي يؤمن العالم. ليس لكي يتكبّر، نحن قومٌ لا يستكبرون. إذاً الوحدة المسيحية، أحب أن أقولها لإخوتي المسلمين المشاهدين وإلى آخره، ليست هناك رغبة في التسلط في الإمبراطورية المسيحية، ما في عنّا الإمبراطورية المسيحية. في عنّا المجتمع الجميل، المجتمع المُحب، الوحدة المسيحية، لكيما يكون المسيح أكثر ملحاً في مجتمعي، وأكثر نوراً في مجتمعي. ليس لكي يكون.. عندما يكون فيه ظلام تشع أنت، ليس لكيما تبهر الناس بنورك ولكن لكي يكون النور في قلب الآخر كما في قلبك.

غسان بن جدو: مع ذلك هذه الملاحظة الإيجابية، بحق، هي مقدمة لسؤالٍ أرجو أن تتقبله بصدرٍ رحب. غبطة البطريرك، هناك من يقول ومن يعتبر بأن المسيحيين الأرثوذوكس في المنطقة العربية جذورهم عربية وهم أكثر انتماءاً للعروبة ولهذا الوطن ولهذه المنطقة من الكاثوليك، الذين يُنظر إليهم على أنهم امتداد لأوروبا والغرب، ماذا تقول؟

غريغوريوس الثالث لحّام: يا أخي، ما هذه الهرطقة، يا أخي غسان، نحن امتداد للغرب؟! جذورونا يا أخي في العربية السعودية وفي دول الخليج وفي مصر وفي كل البلاد العربية، والغساسنة العرب من أين؟ جذورنا عربية..

غسان بن جدو (مقاطعاً): لا شك، أنا أتحدث الآن عن…

غريغوريوس الثالث لحّام (متابعاً): الآن الأرثوذوكس، نحن أيضاً نقول نحن أرثوذوكس مع إشارة صغيرة Plus كاثوليك. فنحن أيضاً في صُلب الأرثوذوكسية، في عقيدتنا وتاريخنا ولاهوتنا وأدبنا وصلواتنا وأيضاً شعورنا العربي. ولا ننسى من المجلّين في خدمة القضية العربية والفلسطينية بالذات المطران غوريغوريوس حجّار في فلسطين، الذي مات وكان آتياً من القدس، حيث اجتمعت اللجنة العربية الملكية لأجل حقوق فلسطين، وكان هو مع اللجنة وعاد إلى حيفا وهناك على الطريق اسُتشهد. ولا ننسى المطران أبو سعدة، جبرائيل أبو سعدة من بيت سحّور الذي كان بالستينات..

غسان بن جدو: 1959.

غريغوريوس الثالث لحّام: 1959 تقريباً في مؤتمر في ألمانيا، وكان على المنصة يجب أن يلقي كلمةً ورأى أن العلم الإسرائيلي فوق رأسه، فقال لا ألقي كلمتي قبل أن يُزاح العلم الإسرائيلي. ثم أتى بعده البطل الذي هو..

غسان بن جدو: مطران كبّوتشي.

غريغوريوس الثالث لحّام: المطران هيلاريون كبّوتشي، الذي أنا أتيت لكي أكمّل عمله وليس لكي أقوم مقامه، الذي نعرف ماذا عمل للقضية، تزوّج القضية الفلسطينية وكان من أبرز وجوهها في… وأيضاً لمّا ذهب إلى إيران لكي يتوسّط لأجل…. إلى آخره.. إذاً هناك…

غسان بن جدو (مقاطعاً): هذا لا نقاش، غبطة البطريرك. ليست هنا القضية غبطة البطريرك. بالمناسبة أنتم ذهبتم لتكمّلوا عمل المطران كبّوتشي لمدة أربعة أشهر على ما أعتقد ولكنكم بقيتم في فلسطين 28 سنة..

غريغوريوس الثالث لحّام (مقاطعاً): في البداية ولّجني البطرك مكسيموس، الله يرحمه، بأن أكون ثلاثة أشهر، صار 26 سنة..

غسان بن جدو: 26 سنة. القضية ليست هنا، أنتم عرب قبل الجميع، لا نقاش في هذا. نحن نتحدث الآن عن هذا العصر الآن، كأن هناك ثقافة، في الحس الثقافي، في الاهتمام الحضاري. ألا تشعر معي بأن هناك من يعتبر نفسه أقرب إلى الحضارة الغربية منه إلى الحضارة الإسلامية، وهو عربي ويعتزّ بأنه عربي وقبلي وقبل الجميع، ولكن كأنه ثقافياً، كأنه حضارياً، يشعر بنخوةٍ بأنه امتداد للغرب وليس للحضارة الإسلامية. هل هذا الأمر قائم بجدّية أم لا؟

"
نحن شرقيون كاثوليك ولكن لسنا لاتين غربيين، هذا هو موقعنا إذا نحن في قلب العالم العربي
"

غريغوريوس الثالث لحّام: لا، في الزمان كان في مطران اسمه المطران نيوفيدوس إدلبي، مطران حلب، وكان يحدّد الروم الكاثوليك، والطوائف المسيحية عموماً، قال نحن عرب ولكن لسنا مسلمين، ونحن شرقيون ولكنّا لسنا أرثوذوكس، ونحن كاثوليك ولكن لسنا لاتين غربيين، هذا هو موقعنا. إذاً في قلب العالم العربي ولكن انفتاحتنا، وأيضاً انفتاحة الأرثوذوكس على العالم الأوروبي، هي من منطلق ديننا المسيحي، وبالطبع إن الطيور على أشكالها تقع، فإذاً فنحن نتواصل مع الغرب، ولكن كنّا أكبر دعاة القضايا العربية والفلسطينية. مثلاً الأب فاخوري معروف، الذي كتب كتباً في الأدب العربي. من أجمل الكتب التي كُتبت في تاريخ الأدب العربي هي من قلم هذا الإنسان اللي هو من الآباء البولوصيين، روم كاثوليك، وإلى آخره. من اليازجي، يا أخي، الأرجوز، وما إليه، كلهم روم كاثوليك. إذاً نحن عندنا كما عندنا غيرهم من دون أن نفاضل، لأ، كل الطوائف المسيحية الكاثوليكية والأرثوذوكسية أظن أنها شعرت دائماً في ضميرها، في وجدانها، أنها جزء من هذا العالم العربي، وهذا هو سر بقائها، بينما في أفريقيا لم يبقَ ولا مسيحي، المسيحيون في أفريقيا هم من الغرب، ما في مسيحيين محليين إفريقيين، المسيحيون في الجزائر وتونس والمغرب هم من الذين أتوا وكانوا مستعمرين وليس غيرهم، أما هنا عندنا طوائف مسيحية لها دائماً كان قيمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية وإلى آخره..

غسان بن جدو: جميل. إذاً استفزازي الإيجابي اجترح منكم ما يلي وألخّصه على النحو التالي، وأرجو أن تقول لي هل كنتُ دقيقاً في تلخيصي أم لا؟ لنقل بوضوح، إن المسيحيين العرب جزءٌ أصليٌّ من أمتنا العربية، وما يتم الحديث عنه من امتدادٍ أكثر للغرب أو هوىً أكثر للحضارة الغربية نستطيع أن نقول هو قضية انفتاح وقضية تلاقح أفكار وثقافات وحضارات…

غريغوريوس الثالث لحّام:: تمام.

غسان بن جدو: وربما ينسحب هذا على المسلمين أيضاً، العرب، لأن القضية ليست في أن تكون مسيحياً أو مسلماً، هناك أنت تؤمن.. إذا آمنت بالحريات وإذا آمنت بالديموقراطية وإذا آمنت بحقوق الإنسان وإذا آمنت بالتفاعل العالمي وحوار الحضارات فستجد نفسك قريباً إلى الحضارة الغربية، تماماً كالحضارة التركية والإيرانية وغيرها، وهذا الأمر ينسحب على المسلمين والمسيحيين في هذه المنطقة. إذاً ننهي قضية هذه الشبهة القائمة بأن هذا ينتمي أكثر للحضارة الغربية منه إلى الحضارة العربية والإسلامية.

غريغوريوس الثالث لحّام: والبرهان على ما قلت أخي غسان، أنه في كل القضايا التي دافع عنها المسيحيون كمسيحيين كان دائماً إلى جانبهم مسلمون، من كل الطوائف.

غسان بن جدو: مع كل أسئلتي تفضلتم دائماً غبطة البطريرك بضرب أمثلةٍ عن رجال الدين وعن الكنيسة، أنتم محقّون في هذه المسألة. لكن بعد الفاصل سأحدثكم عن السياسيين، وسأسألكم عن علاقة رجال الدين بالسياسيين وعن فلسطين التي تعشق وتحب ونعشق ونحب جميعاً. مشاهدينا الكرام أرجو أن تتفضلوا بالبقاء معنا، وقفةٌ نعود بعدها مباشرةً لاستكمال حوارنا المفتوح في هذه الحلقة الخاصة مع غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام.

[فاصل إعلاني]

دور الكنيسة بين الدين والسياسة

غسان بن جدو: أهلاً بكم مشاهدي الكرام من جديد في هذه الحلقة الخاصة من حوار مفتوح. غبطة البطريرك، هناك من يعتقد ويشعر، بل يكاد يجزم، بأن دور الكنيسة تراجع لحساب الزعامات السياسية، ما دقّة هذا الكلام؟

غريغوريوس الثالث لحّام: الكنيسة لها دورها الديني، غير مُنازَع، والسياسيون لهم دورهم السياسي. لا أظن أنه تراجع، نحن مثلاً في بلادنا، دائماً السياسيون.. في الدول العربية كلها يُعطى مجال، في الأعياد الكبرى، لكي تُنشر رسائل، مثل البطاركة، المطارنة، القسس، الفاتيكان، أو كانتربري، أو ما إليه. وعالمنا العربي، مشكوراً، تزداد فيه أكثر وأكثر هذه الظروف التي فيها تُعطى المجال للمسيحي، لكي.. أو رجل الدين، مسلم، مسيحي، أن يقول كلمته. بالنسبة لرجل الدين المسيحي، أنا عندي خبرة كان، في فلسطين كنت أحضر كل اجتماعات الفلسطينيين، قبل أن تأتي السلطة الفلسطينية، وانتقدني الإسرائيليون على ذلك، قلت لهم أنا أحضر كرجل دين، أعطي إضاءة روحية على هذا الوضع السياسي وعلى القرارات السياسية وعلى التوجهات السياسية حتى لا يكون فيها ظلم أو يكون فيها إجحاف، أو يكون فيها عنف أو إرهاب وما إليه. إذاً أنا أعطي ضوءاً لكي تكون المواقف السياسية في خط الحقيقة. أظن أن هذا كان دائماً..

غسان بن جدو (مقاطعاً): لكنكم ناضلتم، يعني ناضلتم سياسياً.

غريغوريوس الثالث لحّام: دائماً نحن نناضل. والمناضلون.. ديزموند توتو، وغيره من الذين ومارتن لوثر كينغ، وغيرهم، يعني لم يخلُ.. وأميرككا اللاتينية إلى آخره، لم تخلُ قارة أو بلد إلا ما كان فيها رجل دين، أتكلم عن المسيحيين الذين كانوا إلى جانب الفقير والعدالة والسلام والمظلومين وما إليه، والثورة حتى الاقتصادية والثورة الاجتماعية.

غسان بن جدو: بكل صراحة غبطة البطريرك، غير، مثلاً، قداديس أعياد الميلاد والفصح المجيد، وعندما يربّي المؤمنون يأتون الكنائس للصلاة، غير هاتين المناسبتين أو مناسبات دينية معروفة، عندما يدعو رجل دين كبير المؤمنين من أجل المجيء أو يدعو زعيم سياسي، هل إن المسيحيون هؤلاء يلبّون دعوة الزعيم السياسي أكثر من رجل الدين أم.. أليس هذا قائماً؟

غريغوريوس الثالث لحّام: يريدون أن يسمعوا للإثنين. وأنا أرى أن مرات كثيرة يستمعون إلى السياسيين ولكن يقولون أين أنت يا سيدنا البطرك؟ أنا بالنسبة إلي. يحب الناس أن يسمعوا من وقت لآخر، لكن مش كتير، حتى يكون هناك، حقيقةً، دائماً إضاءة، أنا أسميها، يعني هلّق نحن عمنعمل للتلفزيون هذا البرنامج الحلو، في عندنا إضاءة قوية. يحتاج المؤمن، حتى رجل السياسة، إلى إضاءة دينية روحية لكي يكمّل مسيرته لأن بدون.. إن لم يبنِ ربّ البيت فعبثاً يتعب البناؤون. نقول للسياسيين اتقوا الله. لايمكنكم أن تبقوا بهذا الخط، وهذا هو معنى وجودنا كسياسيين أما أن نلعب دوراً سياسياً محضاً فهذا ليس وارداً.

غسان بن جدو: بالمناسبة غبطة البطريرك ذكرنا الآن.. تحدثنا كثيراً عن الكنيسة وعن المسيحيين في العراق، في فلسطين، في المشرق العربي، أشرتم إلى شمال أفريقيا، بلدان المغرب العربي، لكن في الخليج أيضاً لاحظنا وجود بعض المسيحيين.

"
الخليج كله ما عدا السعودية فيه مسيحيون وكنائس ودور تعليم ديني ومدارس مسيحية كاثوليكية
"

غريغوريوس الثالث لحّام: في الخليج كله، ما عدا السعودية، والسعودية فيها مسيحيون، لكن في الخليج كله، ما عدا السعودية، فيها كنائس، فيها دور تعليم ديني، فيها مدارس مسيحية، كاثوليكية وسواها، فيها خدمات روحية. وحتى كان هناك سفير بابوي اسمه ماسكولي بقي عشرين سنة في دول الخليج ممثل البابا، وقال في بيانه الأخير بعد أن تقاعد، بُنيت في السنوات الأخيرة 12 كنيسة جديدة في الخليج، وأحب أن يسمع ذلك الغرب، الذي يدّعي بأن المسيحيين مضطهدين، وأن ما في حرية.. في حرية دينية دينية، ما في حرية المعتقد. حرية دينية شبه كاملة بدرجات متفاوتة بين الدول العربية، خصوصاً.. مثلاً نحن حالياً نبني هنا في هذه المنطقة الرّبوة، مركز كبير، اللقاء لحوار الحضارات العالمي، والذي يموّله السلطان قابوس، بعد أن زرناه في عُمَان، وأيضاً هناك كثير من.. قطر التي أيضاً دعمت الجو اللبناني، ودول أخرى، حتى السعودية وغيرها. إذاً هناك في احترام ولكن نحن نريد أن نشكر القائمين، إلى أنه، بالإضافة إلى التطور العظيم الكبير في دول الخليج، هناك أيضاً كثير من المسيحيين يهاجرون، وأنا أحب أن يهاجروا إلى الخليج من أن يهاجروا إلى أميركا، إذ يبقون في النسيج العربي الجميل.

غسان بن جدو: مع ذلك، غبطة البطريرك، طبعاً أنا أريد أن أحدثكم بكل صراحة، بطبيعة الحال، التصريحات التي أطلقها البابا بينيديكوس السادس عشر قبل عام، كانت صادمة بعض الشيء. طبعاً الآن هناك محاولات لرتق الفتق القائم الموجود، هناك اجتماعات مشتركة، إلى آخره.. كيف السبيل الحقيقي، لأن هذا رأس الكنيسة الكاثوليكية العالمية، كيف السبيل الحقيقي لجَسر هذه الفجوة بشكل جدي وليس فقط على مستوى التصريحات والمواقف؟

غريغوريوس الثالث لحّام: البابا في أول شهرين من بابويته، قال في كولونيا في ألمانيا، اجتماع الشباب، اجتمع بالجالية الإسلامية هناك، وقال، نحن يجب أن نكون في كل قضايا المجتمع مسيحيين ومسلمين معاً. أتت النزلة أو الهفّة التي كانت في ريغينسبورغ في الجامعة، حيث كان ريتس سنغر أستاذاً، وقال ما قاله من الإمبراطور الروماني. ولكن بعد ذلك جاءت ردة فعل، في السنة الفائتة، بعد أيلول، كان تقريباً 40 عالم، مسلم وشيخ، الذين انتقدوا، بنوع من الحديّة، موقف البابا. ولكن هذا العام، منذ شهر تقريباً، بمناسبة الفطر السعيد، 138 عالِم كتبوا رسالة جميلة جداً إلى البابا، والمُلفت فيها أن نصفها آيات قرآنية ونصفها آيات من الكتاب المقدس، الإنجيل والتوراة، وهذا فتح المجال الكبير، لأن البابا الآن دعا مجموعة صغيرة من هؤلاء العلماء والشيوخ لكي يكون حوار على مستوى خاص، فإذاً هناك أظن.. الهفوة أصلِحت بطريقة جميلة.

غسان بن جدو: على كل حال ربما أمثالكم قد يكون لهم دور أساسي في هذا الجانب. على كل حال لا يمكن أن ينسى المشاهدون إطلاقاً، عندما توفي الراحل يوحنا بولص الثاني، عندما أنتم تحدثتم، وتحدثتم باللغة العربية هناك في قلب الفاتيكان. لكن بكل صراحة، غبطة البطريرك، قضية الصهيونية المسيحية، هل هي قضية جدية؟ تخيفكم أكثر مما تخيف المسلمين؟ أم هو كلام مُبالغ فيه؟

غريغوريوس الثالث لحّام: أنا أرفض العبارة، أن نربط بين الصهيونية والمسيحية، فلنقل الصهيونية نقطة على السطر. ما فيه صهيوينة مسيحية ولا مسيحية صهيونية..

غسان بن جدو (مقاطعاً): يسمونها صهيونية مسيحية، يسمّون أنفسهم، فيه كتب، فيه جماعات.

غريغوريوس الثالث لحّام (متابعاً): هذه التسمية خاطئة جملةً وتفصيلاً. كمان عندما كنا نقول الصليبيون، فيه فِرنجة ما فيه صليبيين. نحن بلغتنا العربية الفصحى والتاريخ الإسلامي، حرب الفرنجة، وكذلك هنا صهيونية بحتة وليس مسيحية. أنا أرفض هذه الكلمة، ولو أن مسيحيين دخلوا في الخط الصهيوني المتطرف، الذي هو يعني نازي، عفواً يعني هذه الكلمة قد تكون كتير قوية، ولكن هذا الواقع، لكن ما فيه صهيونية مسيحية ولا مسيحية صهيونية، فيه صهيونية ولكن..

غسان بن جدو(مقاطعاً): هؤلاء من إذاً؟ يتاجرون بالمسيحية أم ماذا؟

غريغوريوس الثالث لحّام (متابعاً): غزت مجتمعاً مسيحياً وربحت لصفوفها بعض المسيحيين، ولكن لا يوجد مسيحية صهيونية، يعني ليست هي مسيحية، هذه حركة صهيونية تتبع الخط اليهودي الصهيوني.

غسان بن جدو: هكذا؟ يعني هي تتاجر بالمسيحية، تتاجر بالمسيحيين.. لا علاقة..

غريغوريوس الثالث لحّام (مقاطعاً): أبداً، أبداً.. وتربح المسيحيين كمرتزقة، المسيحيون الذين يدخلون في صفوفها مرتزقة فقط وليسوا مسيحيين بالمعنى الحقيقي.

فلسطين ولبنان في مهب الانقسام

غسان بن جدو: طيب. في حديثنا عن فلسطين، غبطة البطريرك، طبعاً 26 سنة يعني أكثر من ربع قرن كنتم هناك، الآن أنتم موجودون بطبيعة الحال، خارج فلسطين، كيف تنظرون للواقع الفلسطيني الحالي؟

غريغوريوس الثالث لحّام: في الواقع أنا آسف جداً جداً وقلبي حزين مجروح أن يكون هذا الانقسام داخل المجتمع الفلسطيني. لأن كل بيت ينقسم على ذاته يخرب. وهذا كان هدف العدو الإسرائيلي، وهدف أيضاً من يدعم الوجود الإسرائيلي والدولة الإسرائيلية، إلى آخره، أن يقسموا العالم العربي، ونجحوا في أمور كثيرة، والآن دخلوا إلى عرين القضية الفلسطينية وقسّموا الفلسطينيين، وأصبح عندنا غزة والضفة وكأنهما فلسطينَين، أولى وثانية، وهذا هو الشر الأكبر في القضية الفلسطينية. وأنا عشت الانتفاضة الأولى وجزء من الانتفاضة الثانية، الانتفاضة الأولى كان فيها الحجر، وأذكر من القصص الجميلة أنني كنت أزور إحدى العائلات في بيت سحّور التي هي تابعة لـ.. 13 كم عن القدس، وكنت متأخراً حوالي الساعة الثالثة والنصف، أربعة ونصف قالوا لي، يا سيدنا عجّل اترك البلد لأن هلّق بدأت الانتفاضة. وتوجه الشباب، وكان كل يوم فيه برنامج انتفاضة معين، بحجارتهم وليس غير ذلك، توجهوا إلى المجابهة مع الجيش الإسرائيلي الذي كان على مشارف بيت سحّور. وهذه الانتفاضة التي بالحجر كنا أيضاً نسير، وأنا كنت أسير معهم، شيوخ وعلماء مثل الأطباء والمحامين، شرائح مختلفة، نتوجه إلى الموقع الإسرائيلي وهناك نقف، وهذا كان.. الانتفاضة الأولى التي أعطت السلطة الفلسطينية..

غسان بن جدو (مقاطعاً): كنتم شو؟ يعني كنتم بالتحركات؟

غريغوريوس الثالث لحّام: كنا متحركين، وحتى كنت ماسك بيد الشيخ الجمل وعكرمة صبري وكنا قرب الجمعية المسيحية للشباب، وهناك كنا نصل إلى القنصلية الأمريكية لكي نقدم لهم رسالة، وأتى البوليس الإسرائيلي..

غسان بن جدو(مقاطعاً): رسالة احتجاج؟

غريغوريوس الثالث لحّام (متابعاً): الجيش الإسرائيلي ونحن دفعنا بأجسادنا وصدورنا، ورددنا الإسرائيليين على أعقابهم وتركوا لنا المجال، وهناك أنا رفعت يدي وكانت كأنها تلامس البندقية الإسرائيلية. هذا كان، وهذا أظن أنه الواقع الحقيقي الذي يجب أن يكون اليوم شعار الفلسطينيين. ما بعرف.. جُرّ الفلسطينيون لاستعمال السلاح غير المتكافئ. لو عندنا سلاح مثل الإسرائيليين فلنحارب، الند للند، أما أن تحارب بسلاحٍ، ومن عدوك، بسلاحٍ غير متكافئ، فأنت.. لأ، أنا مع الكفاح الذي يمكن أن يكون مسلحاً بسلاح أقوى من السلاح المادي. والقضية الفلسطينية بحد ذاتها، العالم اليوم صار مقتنع منها، أما ما يُعكّر عليها، هذا الانقسام الذي، ربما، مقصود أن يُقسم الشعب الفلسطيني لأجل تعطيل مسيرة السلام الحقيقية والحقوق الفلسطينية المشروعة.

غسان بن جدو: هذا الانقسام الذي تتفضلون به، كأنه قائم هنا في لبنان، ولا يمكن أن نختم هذه الحلقة من دون الحديث عن لبنان وعن هذه الأوضاع.

غريغوريوس الثالث لحّام: يا أخي لبنان هو صمام السلام، إذا قلنا أن السلام مفتاحه في فلسطين، مظبوط حقيقي، ولكن أي مفتاح السلام هو في لبنان، لأن لبنان هو صمام الأمان للعالم العربي كله. كتبت اليوم كلمة صغيرة أدعو فيها العالم العربي لكي يحافظ على فرادة لبنان الرسالة، كما قال البابا يوحنا بولص الثاني، لبنان رسالة. حافظوا، أقول للعرب..

غسان بن جدو (مقاطعاً): كتبتها؟

غريغوريوس الثالث لحّام: نعم

غسان بن جدو: تفضل، اقرأ الرسالة.

غريغوريوس الثالث لحّام: قلت في هذه الكلمة لإخوتي العرب في العالم العربي من منبر الجزيرة، حافظوا على لبنان في تعدديته المتكافئة، وفي طابعه المسيحي، نعم، لأن لبنان بتركيبته يعطي التوازن الجميل بين المسيحية والمسلمين، الشيعة، السنة، الدروز، المسيحيون، موجودون بأعداد، بكفاءات متعادلة جداً، لبنان بهذه التركيبة هو نموذج لإمكانية العيش المشترك في العالم العربي. سورية نموذج آخر، وهما معاً يضفيان على العالم العربي مسحة مشرقة من المودة والتآخي والتساوي بين المواطنين من كل الطوائف. دعوة العالم العربي إلى دعوة لبنان لكيما يبقى لبنان دعوةً ورسالة. وأظن أن كل التحركات التقدمية، المستقبلية.. الآفاق شئنا أم أبينا تنطلق من لبنان، والعالم العربي يحب لبنان، وأدعو أن يبقى، حقيقةً، لبنان بوتقة، وصاهر القيم المستقبلية في العالم العربي ومن أجل العالم العربي. فلبنان هو اليوم أيضاً جريح، وأحب أن أقدّم من هذا المنبر التعازي باستشهاد اللواء الركن فرانسوا الحاج، هذا جرح كبير في لبنان، ونأمل كما قال في الزمان، أن دماء الشهداء هي بذار المستقبل للبنان وللمنطقة العربية كلها.

غسان بن جدو: برسالة المحبة والسلام، وهذه رسالة السلام من لبنان إلى كل العالم العربي، أشكركم غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام على هذه الحلقة الخاصة من حوار مفتوح في هذه الكنيسة الجميلة، في الرّبوة، في مقر البطريركية للروم الكاثوليك. أودّ أن أشكر كل من ساهم في إنجاز هذه الحلقة. أشكر هنا أولاً رئيس الديوان الأب أنطوان ديب، أشكر رئيس الإكليركية الأب نعيم الغربي، أشكر الكورال الجميل مع رئيسه الأخ بشير الأسطه، أشكر الفريق التقني هنا جميعاً، بدون استثناء، مع طوني عون، مصطفى عيتاني، غازي ماضي، الجميع بدون استثناء، وشكراً أيضاً للأخوان في الدوحة مع عماد بهجت وعبير العنيزي. مع تقديري لكم، ألقاكم الأسبوع المقبل، بإذن الله، وأقول لكم منذ الآن، أضحى عيداً سعيداً، وأقول بأن حلقة الأسبوع المقبل ستكون على هذا النمط ولكننا سنتحدث في الضفة المقابلة، سيكون لنا إنشاد ديني وفِرق سنتحدث عنها، لنحتفل مع جميع العرب والمسلمين بعيد الميلاد للسيد المسيح وأيضاً بعيد الأضحى، مع تقديري لكم، في أمان الله.