أكثر من رأي

بطرس غالي يفتح النار على أولبرايت

ما حقيقة الخلاف بين بطرس غالي والإدارة الأميركية؟ ما سبب مواقفه من العراق والقضايا العربية الأخرى مثل القضية الفلسطينية والحصار على ليبيا والسودان؟ ما تداعيات تقريره عن مذبحة قانا؟ وهل كان إعلانه نتيجة معرفته أنه لن يعاد انتخابه؟
مقدم الحلقة سامي حداد
ضيوف الحلقة – بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة
تاريخ الحلقة 07/06/1999

undefined
undefined

سامي حداد: مشاهدينا الكرام أهلاً بكم، (أكثر من رأي) يأتيكم الليلة من (باريس) ولو متأخراً نصف ساعة وذلك لأسباب فنية خارجة عن إرادتنا. "مادلين أولبرايت قروية، غليظة الطباع، لغتها الدبلوماسية -غير المتحضرة- أكسبتها الثناء في (واشنطن) مما عزز أسوأ خصالها فيما يتعلق بالدبلوماسية، لقد نجحت في كسر قدمي وإصدار الحكم عليَّ بالإعدام".

"ليس هناك فرق بين الخداع والدبلوماسية، الولايات المتحدة لا تؤمن بالدبلوماسية وإنما بالقوة .. الضعفاء وحدهم يعولون على الدبلوماسية، الرئيس صدام حسين يحاول الاستفادة من معاناة الشعب العراقي لرفع العقوبات عن العراق، العقيد القذافي ينتقدني وهذا دليل على أنني أقوم بواجبي على أحسن وجه. قرار مجلس الأمن الصادر بعد الحرب العربية- الإسرائيلية عام 67 رقم 242 غير مشمول بالنفاذ".

هذه هي آراء الدكتور بطرس بطرس غالي (الأمين العام السابق للأمم المتحدة) في كتابه الجديد الذي يفتح فيه النار على مادلين أولبرايت (وزيرة الخارجية الأميركية) ويندد بالهيمنة الأميركية، كما يتحدث في كتابه عن رؤيته للمنظمة الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة، والذي يقول فيه: "إن القوة الوحيدة الأعظم -أي أميركا- ارتأت استخدام واستغلال الأمم المتحدة دون أن تدفع ديونها."

(أكثر من رأي) يحاور الليلة الدكتور بطرس بطرس غالي حول كتابه الجديد "خمسة أعوام في بيت من زجاج" للمشاركة في البرنامج يمكن الاتصال بالأرقام التالية من خارج قطر 974888841-42، من داخل قطر 888840. دكتور بطرس غالي..

د. بطرس غالي: أهلاً.

سامي حداد: أنا متأسف جداً لهذا التأخير، معروف عنك طولة البال -يعني- إلا على أولبرايت والإدارة الأميركية، من يخرج…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: وعلى التليفزيون أيضاً.

سامي حداد: وعلى تليفزيون (الجزيرة).. على أن الواقع هو الخلل فني من باريس وليس من تليفزيون (الجزيرة). عندما يقرأ المرء كتابك الجديد الذي يصدر يوم السبت القادم بالعربية "خمسة أعوام في بيت من زجاج" يخرج القارئ مما قرأناه حتى الآن في وكالات الأنباء والصحف، يعني يخرج بانطباع أن الأمين العام في الأمم المتحدة الخلاص منه كان جوهر السياسة للولايات المتحدة الأميركية، هل هذا الانطباع صحيح؟

د. بطرس غالي: إحنا في الواقع يجب أن نفرق بين الفترة الأولى من 92 و 93 حيث كانت العلاقات ودية للغاية بيني وبين الإدارة الأميركية، والتحول بدأ عندما كانت هناك أغلبية للحزب الجمهوري في الكونجرس الأميركي، والتيار الانعزالي تغلب على السياسة الخارجية الأميركية .. فحينئذ توترت العلاقات بيني وبين الإدارة الأميركية، ولكن -على وجه العموم- العلاقات معها كعلاقاتي مع أي دولة من الدول الكبرى.. كانت تمر بفترات من الود وفترات من الفتور.

سامي حداد: ولكن يعني. هذا الكتاب تفتح فيه جبهة نار على الإدارة الأميركية، على وزير الخارجية الأميركي السابق (وارين كريستوفر) على مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية، وكانت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، يعني تصفها بألفاظ الامرأة القبيحة، السيئة الطبع، الفظة، القروية…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: ولكن هناك في الكتاب أيضاً ألفاظ تعبر عن العلاقات الودية بيني وبين هذه السيدة، والتفاهم والاتفاق بالنسبة لبعض المشاكل، فكان هناك فترات اتفاق، وهناك فترات فتور وعدم اتفاق، فلا نستطيع أن نقول أن الكتاب يضمن فقط فترات عدم التفاهم.

سامي حداد: طيب، عدم التفاهم –برأيك- مع الإدارة الأميركية هل سببه أنك حاولت أن تكون المنظمة الدولية مستقلة عن هيمنة الولايات المتحدة .. بعد انتهاء الحرب الباردة، وأصبحت يعني الدور الأعظم هي نافذة.. هي الدولة الوحيدة المهيمنة على الأمم المتحدة والعالم؟

د. بطرس غالي: لاشك إني حاولت أن أحافظ على استقلالية هذه المنظمة، ليس فقط من تجاه الولايات المتحدة الأميركية، ولكن أيضاً تجاه الدول الكبرى الأخرى.

سامي حداد: أي دول كبرى يا دكتور بطرس غالي، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي والحرب الباردة لم يبق هناك إلا الولايات المتحدة الأميركية؟! يعنى روسيا إلها دور؟! يعني لحد دلوقت بتشحذ من الولايات المتحدة، إلها دور يعني؟!

د. بطرس غالي: أنا غير موافق، لأن الجبروت الأميركي لا يرجع إلى القوة الأميركية بقدر ما يرجع أيضاً إلى استسلام الدول الأخرى، وعدم رغبتها أن تلعب دور في الشؤون الدولية. لو وجدت لو وجدت دولة أو مجموعة من الدول تستطيع أو تريد أن تلعب دور، وتريد أن يكون لها سياسة استقلالية .. فحينئذ أستطيع أن أؤكد أنها تستطيع أن تستعمل الأمم المتحدة كأداة لمزيد من الاستقلال.

[فاصل إعلاني]

سامي حداد: الزجاج لم يتكسر -الدكتور بطرس غالي- ولكن من كان في داخله قد كسر قدميه -كما قلت في الكتاب- ألا وهي السيدة مادلين أولبرايت .. لماذا هذه الكراهية بينك وبينها؟

د. بطرس غالي: لا أظن أن هناك كراهية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة. في رأيي أن السياسة الأميركية قررت إبعادي عن هذا المنصب، لعدة أسباب، السبب الأولاني: أن الانتخابات الأميركية تقع كل 20 سنة في نفس مدة انتخابات الأمين العام، فكانت هناك منافسة بين انتخابات الأمين العام وانتخابات رئيس الجمهورية الأميركي، والمرشح الجمهوري كان يهاجم الأمم المتحدة…

سامي حداد [مقاطعاً]: لماذا كانت دائماً الكونجرس بشكل خاص -يعني- والجمهوريون في تلك الفترة يهاجمون الأمم المتحدة؟

د. بطرس غالي: لأن التيار.. التيار الانعزالي وأن الأمم المتحدة يسيطر عليها شخص أجنبي يريد أن يسيطر على السياسة الأميركية.

سامي حداد: هذا ما تقوله أنت، يعني مع إنهم كانوا يقولون: الشيخ بطرس غالي هذا العربي الذي أحاط نفسه بالكبرياء، يعني ابن الباشا، والباشا مقابل هذا القروية مادلين أولبرايت.. يعني هذا ما تريد أن تقوله؟

د. بطرس غالي: لا أظن، إن هذا الوصف قدم فيما بعد، ولكن أثناء الخمس سنوات التي مضت كان هناك اختلاف جذري بين الأمم المتحدة من ناحية والولايات المتحدة من ناحية أخرى…

سامي حداد [مقاطعاً]: لماذا دكتور بطرس غالي؟

د. بطرس غالي: في بعض القضايا .. أديك مثل بسيط قوي، في قضية يوغسلافيا كان الجانب الأميركي يريد أن يستعمل قوة الطيران، بينما الجانب الأوروبي الذي له قوات إنجليزية وفرنسية وأردنية ومصرية يرفض استعمال السلاح الجوي، لأنه يخشى على سلامة الجنود أو قوات الأمم المتحدة…

سامي حداد [مقاطعاً]: ولكن هذه القوات -دكتور بطرس غالي- شاهدنا قوات الأمم المتحدة على التليفزيون مربوطة إلى أعمدة التليفون والكهرباء، تحقير لدور الأمم المتحدة التي فشلت في حل هذا النزاع!

د. بطرس غالي: لماذا فشلت؟ لأنها لم يقدم لها الأسلحة اللازمة، بدليل إن أثناء الحرب الدائرة كان عدد القوات الأمم المتحدة 7000 أو 10000 و11000 بأسلحة خفيفة، وبتوجيهات أن لا تستعمل هذه الأسلحة، بينما عندما تم السلام –اتفاقية (دايتون)- عدد القوات زاد إلى 32000، ولها أسلحة ثقيلة، ولها قوات حلف الأطلنطي تساندها.

سامي حداد: إذن هذا يدل على أنه –يعني- بعد اتفاق دايتون تدخل الولايات المتحدة بجبروتها بعد أن فشلت الأمم المتحدة، والدول الأوروبية -كما قلت- كانت متقسمة، يعني أميركا عندما تدخلت كان هنالك حل، كما هي الحال الآن في كوسوفو، 75 يوم وحتى الآن الضرب صار 77 يوم الضرب ماشي، وأوروبا منقسمة، لولا التدخل الأميركي لما استسلم (ميلوسوفيتش)!

د. بطرس غالي: لأ، الصورة مش كده، قبل ذلك أميركا لم تتدخل، وبالتالي.. ومنعت أي تدخل، وبالتالي لم تستطع الأمم المتحدة أن تؤدي رسالتها. أديك مثل آخر: لماذا نجحت الأمم المتحدة في (موزمبيق)؟ لماذا نجحت الأمم المتحدة في (سلفادور)؟ لماذا نجحت الأمم المتحدة في عدة مشاكل أخرى…

سامي حداد [مقاطعاً]: ولماذا فشلت في (الصومال)، وكنت أنت يعني وراء فكرة إرسال قوات الأمم المتحدة؟! والكونجرس كان ضدك لأنك طلبت بإرسال القوات الأميركية، ومعروف ماذا حدث، كم الجنود الباكستانيين من الأمم المتحدة الذين قُتِلوا والأميركيين، مما أثار يعني.. حنق الكونجرس عليك.

د. بطرس غالي: لأ، الأمم المتحدة أداة، لن تستطيع أن تلعب دورها إلا بموافقة الدول، الولايات المتحدة لم توافق على أن تتحرك الأمم المتحدة، لم توافق على أن تعطي الإمكانيات اللازمة للأمم المتحدة، وبالتالي لا تستطيع أن تنجح، يضاف إلى ذلك أن مهمة الأمم المتحدة هي دور الوسيط .. لو وجدت الإرادة السياسية لدى الأطراف المتنازعة على التسوية السلمية تستطيع الأمم المتحدة أن تنجح، وتستطيع أن تعمل على استتباب السلام، بينما لو هذه الإرادة السياسية غير متوافرة فالأمم المتحدة ليست لديها القوة والإمكانيات اللازمة لفرض السلام…

سامي حداد [مقاطعاً]: إذن.. إذن -دكتور بطرس- من هذا المنطلق، لو أخذنا مؤتمر (مدريد) كان هنالك شبه اتفاق على أن يذهب.. العرب اختاروا استراتيجية السلام .. ذهبوا إلى مدريد مع الإسرائيليين، وقد غُيِّب دور الأمم المتحدة من ذلك يعني (جورباتشوف) والرئيس (بوش) وغيب دور الأمم المتحدة، بعبارة أخرى يعني قرارات الأمم المتحدة أصبحت على الرف.

د. بطرس غالي: أنا معاك، الأمم المتحدة لا تدعي أنها ستسوي كافة المشاكل، إذا تم تسوية لمشكلة كما حصل في مدريد، أو كما حصل أثناء الحرب الباردة، من خلال اتفاق مباشر بين واشنطن و(موسكو).. فالأمم المتحدة ترحب بذلك، الأمم المتحدة أداة.. أداة ليست لها قوات عسكرية، ليست لها إمكانيات مالية، ليست لها مخابرات، ليست.. جميع هذه الأسلحة، جميع هذه الأموال تقدم من قبل الدول، لو الدول أرادت أن تستعمل الأمم المتحدة، حينئذ الأمم المتحدة تستطيع أن تحقق الأهداف المطلوبة منها، بينما إذا وجدت معارضة من قِبَل الدول فحينئذ لا تستطيع الأمم المتحدة أن تحقق أي هدف.

سامي حداد: ولكن يؤخذ عليك -دكتور بطرس غالي- كمصري عربي إفريقي يعني أنك انشغلت في مشاكل قلت لي السلفادور وموزمبيق ورواندا والصومال والبوسنة وكان –يعني- يلام أنك لم تتخذ أي إجراء فعال، أو تستخدم الأمم المتحدة كأداة فيما يتعلق بالعراق، ليبيا، السودان في الجنوب، الصحراء الغربية .. يعني مشاكل عربية، القضية الفلسطينية…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا مؤاخذة، الصحراء الغربية غير دقيق، لأنه حاولنا، وزرت الصحراء وزرت المغرب وزرت الجزائر، ورحت منطقة التندوف…

سامي حداد [مقاطعاً]: ولازالت المشكلة قائمة حتى الآن.

د. بطرس غالي: ومازالت المشكلة قائمة أيوه، ولكن أعود مرة أخرى، إذا لم تتوافر الإرادة السياسية لدى الأطراف المتنازعة لا تستطيع الأمم المتحدة أن تعمل، الدليل على ذلك أنت مريض في المستشفى، الدكتور بيديلك أدوية، لو لم تأخذ هذه الأدوية لا تستطيع أن…

سامي حداد [مقاطعاً]: إذن.. إذن معنى ذلك إنه الأمم المتحدة فاشلة في حل معظم مشاكل العالم.

د. بطرس غالي: الأمم المتحدة لا تستطيع أن تنجح دون مساندة الدول الأعضاء. الأمم المتحدة أداة كهذا القلم، تستطيع أن تستعمل هذا القلم، وتستطيع أن لا تستعمله…

سامي حداد [مقاطعاً]: لكن.. لكن يعني أنت -كأمين عام- لم تتخذ أي مبادرة -على سبيل المثال وليس الحصر- تجاه العراق، في حين.

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: أبداً من الذي قال؟

سامي حداد [مستأنفاً]: خليفتك الذي.. كان مساعدك السيد (كوفي عنان) ذهب إلى العراق عندما كانت الأزمة.

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: أبداً، دا غير دقيق، أنا آسف كلامك غير دقيق، القرار (البترول مقابل الغذاء) أنا اللي عملته، أنا اللي جريت ورا طارق حسين ونجحنا في إصدار هذا القرار…

سامي حداد [مقاطعاً]: ولكن العراق رفضه لأنه لم يكن منصفاً.

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: أنا لن أتكلم على ربط..

سامي حداد: كما حدث القرار الثاني…

بطرس غالي [مستأنفاً]: لا.. لا.. لا لم نتكلم عن هذا، العراق أخذ بهذا القرار، في نهاية الأمر، وافق على هذا القرار، وهذه الموافقة تغلبت عليها من الجانب العراقي من ناحية، ومن الجانب الأميركي والإنجليزي من ناحية أخرى.

سامي حداد: ولكن هنالك من يعتبر هذا القرار -دكتور بطرس غالي- النفط مقابل الغذاء هو تحويل الشعب العراقي إلى شعب لاجئ يعيش على البطاقة، حتى يأكل ويحصل على الدواء.

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: دا كلام..

سامي حداد [مستأنفاً]: لا مؤاخذة.. بالإضافة إلى تمديد الحكومة…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا.. لا.. يا عزيزي دا كلام إنشائي..

سامي حداد: لأ، إزاي؟

بطرس غالي: الواقع أن.. استطعنا أن ننجح أن نقدم للشعب العراقي من خلال هذا القرار ملايين وملايين من الدولارات من المواد الغذائية، فهذا خطوة، يضاف إلى ذلك أن هذا القرار كان بمثابة خطوة أولى، وكان أملي أن أحقق خطواتي الأخرى فيما بعد.

سامي حداد: لكن لم تذهب إلى العراق كما فعل كوفي عنان!

د. بطرس غالي: ليس لها علاقة بالذهاب إلى العراق، العبرة ليس بالذهاب إلى العراق، العبرة بالاتفاق الذي تم، العبرة بالملايين التي وصلت.

سامي حداد: لنأخذ هذه المكالمة -دكتور بطرس غالي- من السيد عبد الوهاب الأفندي من (لندن). مساء الخير أستاذ عبد الوهاب.

عبد الوهاب الأفندي (جامعة وست منستر- لندن): أهلاً.. أهلاً يا أستاذ وتحياتنا للدكتور بطرس غالي.

د. بطرس غالي: أهلاً أهلاً.

عبد الوهاب الأفندي: شكراً الحقيقة أنا يعني استمعت في أكتوبر 95 إلى الدكتور بطرس غالي في برنامج كان في محطة.. في التليفزيون البريطاني، وكان تلك الأيام .. أيام حصار (سربرنيتسا) وكان هو في جولة إفريقية. ووجه له سؤال عن ذلك الوقت عن الوضع في سربرنيتسا في البوسنة، وكانت إجابته للمذيع: إنه "لماذا تهتمون بقرية في أوروبا؟! هذه مجرد قرية في أوروبا، وأنا الآن في إفريقيا أتجول فيها"! الحقيقة أنا عندما شاهدنا هذا البرنامج كنا في مؤتمر في (كمبريدج) وحضره مجموعة من الإخوة يعني من مختلف أقطار العالم، أكثرهم خبراء في العلوم السياسية والقانون الدولي، كانت في الحقيقة صدمة لنا ما سمعناه من السيد الأمين العام يعني.. أولاً: لأنه سربرنيتسا كونها كانت قرية، أو مدينة، أو بيت واحد هي كانت في ذلك الوقت تحت مسؤولية الأمين العام للأمم المتحدة، وكلنا نعرف بعد ذلك ما حدث في سربرنيتسا من مجازر مات فيها 7000 شخص…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: هذا غير دقيق، ماكناش نعرف حينئذ .. لأ، هذا غير دقيق.

سامي حداد: أستاذ عبد الوهاب، معلش دقيقة، خلي الدكتور يجاوبك.

د. بطرس غالي: بالعكس اللي أخطر اللي أخطر من هذا، أن هناك مليون.. تمت إبادة على مليون إفريقي في رواندا ولم يتحرك أحد ولا في العالم العربي ولا في العالم الأوروبي ولا في العالم الأميركي، فمهمة الأمين العام أن يهتم بالقضايا التي لا تنال اهتمام المجتمع الدولي.

قضية سربرنيتسا لم تتضح معالمها إلا بعد.. بعديها بأسابيع، حينئذ ماكانتش واضحة، ولو تريد أن تقرأ التفاصيل في سربرنيتسا هناك كنا عاوزين نلجأ إلى استعمال القوات الجوية، والقوات الهولندية هي التي طلبت أن نمتنع من ضرب سربرنيتسا بالقوات الجوية.

سامي حداد: أستاذ عبد الوهاب.

عبد الوهاب الأفندي: لأ. هو.. أنا ما يعني.. الحقيقة هو موضوع سربرنيتسا…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: الحقيقة غير دقيقة يا أخ.

عبد الوهاب الأفندي [مستأنفاً]: كانت واضحة بالنسبة لكل الناس في ذلك الوقت إلا بالنسبة للأمين العام!

د. بطرس غالي: وأنا آسف، وأعتقد الناس مش عارفة المعلومات..

عبد الوهاب الأفندي [مقاطعاً]: وهذه يعني.. كل شاشات التليفزيون في ذلك الوقت، كل الحديث عن سربرنيتسا وحصارها. أنا في السؤال بتاعتي أو الملاحظة بتاعتي إنه إذا كان الفرق بين رواندا وبين سربرنيتسا أن سربرنيتسا -في ذلك الوقت- كانت تحت مسؤولية الأمين العام المباشرة…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: ورواندا تحت كانت مسؤولية الأمين المباشرة.

عبد الوهاب الأفندي [مستأنفاً]: التعليق أنا أردت أن أقول إن التعليق كان غير موفق وكان صدمة بالنسبة لنا.. وأنا كنت في ذلك الوقت.

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: آسف إن الصدمة بالنسبة للمستمع، أنا آسف إن الصدمة بالنسبة للمستمع، ولكن الواقع غير دقيق..

سامي حداد [مقاطعاً]: هل تعتقد دكتور..

د. بطرس غالي: الواقع.. الواقع أن هناك مليون قُتِلوا ولم يتحرك أحد..

سامي حداد [مقاطعاً]: ما هذا.. الواقع هذا اللي عاوز أقوله، إنه -كما يحدث الآن في كوسوفو- الإعلام الغربي فيما يتعلق بسربرنيتسا، في البوسنة يعني شأن أوروبي، كل الإعلام يوجه، في حين -كما تفضلت- يعني مليون قتلوا بين (الهوتسو) و(التوتسو) [الهوتو والتوتسي] في رواندا ولم يتحرك أحد. يعني هل هنالك -بعبارة أخرى- فرق بين لاجئ الشمال ولاجئ الجنوب بالنسبة للإعلام الغربي؟

د. بطرس غالي: طبعاً، هناك ملايين بيقتلوا.. مئات يقتلوا يومياً في الصومال ولم يتحدث أحد عنهم، ودول مسلمين ودول إفريقيين وما حدش بيسأل فيهم.. لماذا؟! هناك حرب أهلية في (أفغانستان) ولم يتحدث أحد عنها، فهناك فرق جذري بين الذي يقع في بعض بلدان العالم التي تنال اهتمام المجتمع الدولي، وحوادث تحصل في بلاد أخرى لا تنال اهتمام المجتمع الدولي.

سامي حداد [مقاطعاً]: إذن عندما تسأل.

د. بطرس غالي: ومهمة الأمين العام أن يهتم بالقضايا المهملة.

سامي حداد: إذن -دكتور بطرس غالي- يعني عندما توليت منصب قيادة هذه المنظمة الدولية، وكنت تريدها أن تتمتع باستقلاليتها، خاصة بعض بروز واشنطن كالقوة الوحيدة في العالم، يعني.. توقع..

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: وبعد انتهاء الحرب الباردة…

سامي حداد [مستأنفاً]: عفواً الحرب إيه! الباردة، بعبارة أخرى هل كانت توقعكم مثالياً أم واقعياً؟

د. بطرس غالي: كان هناك في بعض الحالات واقعياً، ويجب أن نعترف بالواقع، وفي بعض الحالات الأخرى يجب أن تستند إلى المبادئ المثالية أو إلى المفاهيم المثالية حتى تستطيع أن تتحرك. كان من السهل أن أضيف صوتي للأصوات التي كانت تنادي للاهتمام بالأوضاع في يوغسلافيا على حساب إيه؟ على حساب الإهمال برواندا، أو على حساب الإهمال بليبيريا أو على حساب الإهمال بسيراليون أو على حساب الإهمال بأفغانستان.

سامي حداد: قلت إنه الإدارة الأميركية أو الولايات المتحدة قلبت لك ظهر المجن في أثناء انتخابات الكونجرس عام 94، ذكرت بسبب…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: 94 إزاي؟ بالنسبة لأيه؟

سامي حداد: لانتخابات الكونجرس انقلبت من بعد 92، 93…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا، آخر 93.

سامي حداد: آخر 93 بداية 94، الآن .. الآن يعني أنت قلت إنه بسبب الأمم المتحدة والكونجرس وإلى آخره، والمشاكل العالمية. ولكن هنالك شيء الكونجرس يأخذه والإدارة الأميركية على الأمم المتحدة هو البيروقراطية، الفساد الموجود في منظماتها، ومن هذا المنطلق لم تدفع ديونها التي تقارب مليار أو نصف مليار…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: هذا أيضاً غير دقيق يا صديقي، ميزانية الأمم ميزانية..

سامي حداد: إذن كيف تفسر كيف تفسر لما أتى كوفي عنان وتخلص من مئات الموظفين اللي قاعدين بلا شغل لهم؟

د. بطرس غالي: لا، لا، برضه غير دقيق، ميزانية الأمم المتحدة 1200 مليون .. أقل من ميزانية المطافي في (نيويورك) ومع ذلك مكلفة أن تتولى بالإشراف على مختلف أنحاء العالم، ميزانية قوات الطوارئ الدولية كانت 600 مليون، وارتفعت إلى 3 بليون، وكان فيه 70 ألف جندي في مختلف أنحاء العالم. التعديل وتخفيض الموظفين تم في عهدي .. تم في عهدي، وما وقع فيما بعد مجرد تأكيد لما تم، والوثائق موجودة، وأنت بتكرر -أنت وغيرك- بتكرر نفس الكلام اللي بيتقال في الإعلام الأميركي.

سامي حداد: من أعدائك، لنأخذ هذه المكالمة من.. لا أعرف من أين.. تفضل يا أخ.. آلو.

عريب الرنتاوي (صحيفة الدستور- عمان): مساء الخير عريب الرنتاوي عمان.

د. بطرس غالي: أهلاً.

سامي حداد: اسمك الكريم؟ عريب الرنتاوي: الحقيقة الحملة التي بدأها الأمين العام السابق ضد الولايات المتحدة –وهي ذات طابع مفاجئ- تذكرنا بالتصريحات التي يدلي بها كبار المسؤولين الأميركيين عندما يخرجوا من الخدمة تماماً، حيث تتضح بعد ذلك العلاقات الخاصة والمتميزة بين إسرائيل وأميركا، اللوبي اليهودي ونفوذه وغير ذلك. كنا نود في الحقيقة رؤية موقف متميز للأمين العام عن الولايات المتحدة أثناء وجوده على رأس المنظمة الدولية، ولكن شتان بين ما نتمنى ونرغب، وبين الوقائع والحقائق التي كانت قائمة في تلك الأزمنة..

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: هل قرأت الكتاب؟ كيف تستطيع أن تعلق على هذا ولم تقرأ الكتاب؟

عريب الرنتاوي: على أية حال أريد أن أقول..

د. بطرس غالي: اقرأ الكتاب وبعد ذلك أنا مستعد أن أناقشك.

عريب الرنتاوي: على أيه حال ما أود.. لو سمحت لي..

د. بطرس غالي: ولكن لم تقرأ الكتاب، الكتاب لم يصدر حتى الآن.

سامي حداد: يا أخ من عمان، ممكن إيش سؤالك؟ أنت إيش عاوز تسأل بالضبط يعني؟

عريب الرنتاوي: أنا في الحقيقة ما أود أن أوضحه بشكل خاص أننا فرحنا كثيراً بوجود عربي على رأس المنظمة الدولية، ولكن دور المنظمة الدولية فيما يتصل بالقضايا العربية كان ضئيلاً، وتكرس تهميشها خصوصاً فيما يتصل بالقضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي. هذا باختصار شديد في الحقيقة، ويمكن أن معالي الأمين العام منفعل بعض الشيء.

د. بطرس غالي: أنا موافق.. أنا موافق على هذا الرأي أنا موافق على هذا الرأي لاشك، ولكن لماذا؟ لأن الدول لا تريد أن تستعمل الأمم المتحدة بالنسبة للقضية الفلسطينية، الأمم المتحدة أداة لا تستطيع أن تتحرك إلا بإرادة الدول…

سامي حداد [مقاطعاً]: إذن لماذا حاولت يا دكتور بطرس غالي -كما جاء في كتابك- وتقول إنك حاولت.. كما كان لك دور في اتفاقية (كامب ديفيد) بين مصر وإسرائيل أن تعمل سلاماً بين إسرائيل والأمم المتحدة؟

د. بطرس غالي: ودعم الموقف العربي في الأمم المتحدة، وحصل ذلك من خلال سواء كان الاتفاق أو من خلال الوثائق التي استطعت أن أنالها لمصلحة ليبيا، أو من خلال القرارات التي اتخذت بالنسبة للإجراءات التي اتخذتها إسرائيل، ومن خلال نقل مقر (الأونرا) من (فيينا) إلى غزة، ومن خلال تعيين مندوب خاص للأمم المتحدة في غزة، ومن خلال تقديم ملايين من الدولارات من قِبَل الأمم المتحدة، كل هذا مجهود أتى من الأمين العام.

سامي حداد: وبشكل خاص يعني.. الإعلام العربي أو وسائل الإعلام العربي هللت خاصة كبار المعلقين والكتاب..

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: في قضية قانا؟

سامي حداد: اعتبروك بطلاً قومياً بسبب قضية (قانا) يعني.. واعتبروها نقطة تحول من قبل الأمين العام ضد القوى الصهيونية في الولايات المتحدة التي لم ترد أن يُكشَف النقاب، أو إنه الأمين العام يشير بإصبع الاتهام إلى إسرائيل أو يضع تقرير.

د. بطرس غالي: هذا غير دقيق، لأنه بدأنا .. بالعكس -وأنت أشرت إلى هذا- بدأنا أن نتحرك من أجل الشعب الفلسطيني عندما طلبت إصدار قرار خاص بإبعاد مجموعة من الفلسطينيين…

سامي حداد [مقاطعاً]: 400 فلسطيني من الضفة الغربية وغزة الذين..

د. بطرس غالي [مستأنفاً]: دي كانت أول خطوة، ولم يستجيب مجلس الأمن لهذا الطلب، وكانت أول بداية التوتر بيني وبين الإدارة الجديدة، فهذا غير دقيق هذا غير دقيق أيضاً، الموضوع… الدكتور قيس من باريس..

سامي حداد [مقاطعاً]: ولكن .. لكن قبل الدكتور عزاوي، يعني موضوع الـ 400 فلسطيني الذين أخرجتهم إسرائيل، ومن ثم عام 94 أثناء مذبحة (جولدشتاين) في الحرم الإبراهيمي..

د. بطرس غالي: مظبوط.

سامي حداد: كانت المشاعر ثائرة، لم تفعل شيئاً أنت كأمين عام للأمم المتحدة.

د. بطرس غالي: مين قال لم أفعل شيئاً؟ أنت لم تقرأ الكتاب .. لو قريت الكتاب هتجد معلومات عن هذا…

سامي حداد: نقول في كتابك.. تقول في كتابك يا دكتور أنك كنت تريد أن.. أن..

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: أن أيه؟

سامي حداد [مستأنفاً]: كنت تنتظر أن تعقد أو يصدر قرار بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وطلبت دعوة مجلس الأمن..

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا.. لا..

سامي حداد [مستأنفاً]: عفواً، طلبت مجلس الأمن حتى تخفف.. حتى تخفف "من شأنه ذلك أن يعطي الأمم المتحدة دوراً مسؤولاً ويوفر للحكومات العربية وسيلة لتهدئة الموقف"..

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: هذا هو الطلب مظبوط..

سامي حداد [مستأنفاً]: يعني اجتماع كده شكلي.

د. بطرس غالي: لا أبداً.

سامي حداد: دا كلامك.

د. بطرس غالي: أنا معاك، بس بعت إرسال خطاب لياسر عرفات وخطاب آخر لرابين قلت: إن الأمم المتحدة مستعدة أن تقدم مجموعة من المراقبين ليذهبوا إلى مكان الحادث، لم يستجيبوا ولا الجانب الفلسطيني ولا الجانب الإسرائيلي.

سامي حداد [مقاطعاً]: الإسرائيلي.. نعم.

د. بطرس غالي: وترتب على ذلك انتقاد من الجانب الأميركي. فالأمثلة كثيرة حيث إني حاولت أن أساعد، حاولت أن أتدخل من أجل القضايا العربية.

سامي حداد: ولكن كيف يعني تفسر عندما تقول أنك أردت أن يجتمع مجلس الأمن…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: مش أنا اللي أردت، هو طلب الجانب الأميركي .. الجانب الأميركي طلب مني هذا لكي نخفف الوضع، على إنه نتجنب نوع من مزيد من التوتر…

سامي حداد [مقاطعاً]: إذن معناته هذا.. الترجمة، واتصلت بوزارة الخارجية لحث الولايات المتحدة على السماح بعرض شكل ما من مشروع قرار على مجلس الأمن.

د. بطرس غالي: مظبوط.

سامي حداد: وأن ذلك من شأنه أن يعطي الأمم المتحدة دوراً مسؤولاً، ويوفر للحكومات العربية وسيلة لتهدئة الموقف، ومما أثلج صدري أن الولايات المتحدة ردت إيجابياً على طلبي.

د. بطرس غالي: أيوه، لأن أيه كان الهدف من هذا؟ منع التوتر .. منع التوتر لمصلحة مين؟ لمصلحة الجانب الضعيف، وليس لمصلحة الجانب القوي.

سامي حداد: يعني بنعمل اجتماع، ونقول قدام العرب: إنه هاي عملنا اجتماع وانتهى الأمر على ذلك…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا ما بنعملش اجتماع عشان نقول حاجة للعرب، بنعمل اجتماع من أجل تخفيف إمكانية الضغط الذي يصدر من الجانب القوي.

سامي حداد: لنأخذ هذه المكالمة من الدكتور قيس عزاوي من باريس.. هالو.

د. قيس العزاوي (مجلة دراسات شرقية- باريس): نعم، أنا أحيي الأستاذ سامي والأستاذ الدكتور بطرس غالي.

د. بطرس غالي: أهلاً.

د. قيس العزاوي: وأود أن أتساءل حول مسألة مهمة، يعني باعتقادي إنه الأستاذ بطرس غالي وضع نفسه بين تيارين أميركيين: أحدهما يقول بالتدخل والثاني يقول بالانعزالية، وكما نعلم من خلال الكتاب اللي أصدره، وقرأت أنا بعض فصوله في الأهرام، وعلى علم أيضاً بما حدث، أن تيار التدخل اتسع مع وجود السيد بطرس غالي، وانتقَلَت قوات الأمم المتحدة العاملة في العالم إلى -مثل ما تفضل- إلى 70 ألف، وبالتالي بدأت أقلام فرنسية هنا في جريدة

(le mond diplomatique) -أخص بالذكر (آلان جاك..)- يخشون من إمبراطورية التدخل.. سموا الأمم المتحدة إمبراطورية التدخل.

وشيء آخر أريد أود أن أقوله.. وأخشى أن يكون الخلاف ما بين الأستاذ بطرس غالي والولايات المتحدة الأميركية لم يكن خلافاً ما بين دول العالم الثالث التي يمثلها الأستاذ بطرس وأميركا المهيمنة على النظام الدولي، ولكنما أخشى أن يكون الأستاذ بطرس غالي نفسه كان ضحية الخلاف الفرنسي- الأميركي في البلقان .. في موضوع البلقان وهو قد أشار إله، هذا من ناحية.

من ناحية ثانية: أنا أجد إنه العالم الثالث كان فرح بوجود بطرس غالي والعرب كانوا فرحين أكثر وأكثر، وأعتقد إنه الجميع يتفق الآن على إن الأستاذ بطرس بطرس غالي كان المفروض يعطي اهتماماً أكبر للقضايا العربية لكونه أولاً: ينتمي إلى هذه الأمة، وأخص بالذكر قضايا الحصار المفروض على الدول الثلاثة: العراق وليبيا والسودان.

في العراق.. نعم هو تفضل قال: إن النفط مقابل الغذاء، لكن هذا لا يكفي، بغض النظر عن طبيعة النظام الاستبدادي، كان هناك شعب بيموت بشكل يومي، المفروض برجل ينتمي إلى هذه الأمة كان يمكن أن يفعل أكثر مما فعل. هذه هي أسئلتي المحددة، وأود إنه الدكتور بطرس غالي يعطيني رأيه فيها.

د. بطرس غالي: الرد على (هذلك) إن الإنسان يفعل ما يستطيع أن يفعله، وحاولت المستحيل لكي أساعد، سواء كانت مساعدة ليبيا التي فرضت عليها قرارات، سواء كانت مساعدتي من أجل تسوية قضية الصحراء الغربية التي لم أذكر تفاصيلها في الكتاب، سواء من أجل مساعدة الحرب الأهلية التي دارت بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي سواء.. وحاولت أن أنشئ .. أن أساعد على تسوية النزاع بالنسبة لبعض الجزر في البحر الأحمر بين إريتريا وبين اليمن سواء اتعلق في كل المساعدات التي قدمتها للفلسطينيين ولمنظمة التحرير، سواء فيما يتعلق -كما أشرت- إلى البترول في العراق، هناك عشرات من القضايا سواء .. طبعاً دي قضايا سياسية.

إلى جانب هذه القضايا السياسية إن يجب أن نتكلم عن القضايا المتعلقة بالإدارة، عينت مصريين وعرب في المناصب الرئيسية، مجموعة من القيادات الإفريقية، وعينت.. أو قيادات تنتمي إلى العالم الثالث عينت لأول مرة في مناصب قيادية في الأمم المتحدة…

سامي حداد [مقاطعاً]: بدي أعطيك مثال دكتور.. عفواً، مثال عينت عرب في مناصب قيادية، ممكن تعطينا؟ مثال مش ضروري ذكر أسماء يعني..

د. بطرس غالي: طبعاً، الموجود الآن اللي كان.. الذي كلف بأهم قضية في (هاييتي) عربي جزائري الأخضر إبراهيمي، تتصور إني أستطيع أن أعين عربي جزائري في قضية في وسط أميركا.. وهاييتي!

سامي حداد: وماذا عن الجزائري الآخر السيد محمد سحنون الذي كان مبعوثك الخاص إلى الصومال، واستقال بسبب خلاف حول دور الأمم المتحدة في ذلك…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: وعينت محله عصمت كتاني عراقي .. عراقي.

سامي حداد: إيش سبب الخلاف بينك وبين سحنون؟

د. بطرس غالي: الخلاف مش بيني وبين سحنون، الخلاف بيني وبين إدارة الأمم المتحدة، الإدارة لم ترتاح إلى سحنون، أنا إذا وجد خلاف داخل الإدارة بين مدير وبين مندوب أعطي الأهمية لمين؟

سامي حداد: ألا تعتقد إنه كان السبب -دكتور بطرس غالي- هو طريقة إدارته للمشكلة، إذ إنه كان يمالئ (عيديد) في الوقت الذي كنت أنت يعني كنتم…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا، لا وقتها ما كانش بيمالئ.. لا، ده غير دقيق… لا، لا، برضو..

سامي حداد [مستأنفاً]: على وشك إصدار قرار بالقبض على عيديد..

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا، لا، مين اللي قال إصدار قرار؟ ماكانش لسه الكلام ده، القرار بإصدار عيديد صدر بعديها بسنتين، الكلام ده اللي حصل كان في 92، أنت بتلخبط في التواريخ.

سامي حداد: إذن.. إذن معنى ذلك.. إذن ربما كان السبب -كما تقول في الكتاب- فيما يتعلق بعلاقاته مع الميليشيات المختلفة، وتوزيع الأغذية لقسم على حساب قسم آخر..

د. بطرس غالي: لا، لا، مش كده بالعكس، الخلاف.. الخلاف.. الخلاف كان بين الإدارة.. بين الموظفين في الإدارة والمندوب الموجود هناك، التوزيع ما كانش قبيلة مقابل قبيلة، التوزيع كان جميع القبائل كانت تدفع.. تطلب كمية من المواد الغذائية، بحيث أن المواد التي كانت تصل إلى الأهالي لا تمثل أكتر من 20%، و80% من المواد الغذائية كانت تباع في السوق السوداء.

سامي حداد: عن طريق أمراء الحرب.

د. بطرس غالي: عن طريق كافة القبائل مش أمراء الحرب فقط، كافة القبائل كانوا هناك عشرات من.. الطريق لما تصل داخل الميناء بيأخدوا ضريبة، خارج الميناء ضريبة أخرى، تمروا في المدينة ضريبة ثالثة، في وسط الطريق ضريبة رابعة.

سامي حداد: كنت -الدكتور بطرس غالي- أنت قبل أن تنتقل إلى الأمم المتحدة، قضيت سنوات في وزارة الخارجية.. المصرية، كنت مسؤولاً عن كل الملف الإفريقي، وأنت تعرف إفريقيا أكثر من أي إنسان آخر. ألم تكن تعرف إلا هذه الأشياء داخل إفريقيا .. القبائل ومشكلة النهب والسرقة وإلى آخره، لإرسال هذه الكميات من الطعام وكان القتال عليها وسرقتها؟

د. بطرس غالي: بس كان عندك وقتها مجاعة، وتدخلنا لمجرد مواجهة المجاعة آدي الفرق، هناك فرق بين الرشوة وبين وجود مجاعة، فيه حد بيتكلم من بيروت.

سامي حداد: نعم، نأخذ هذه المكالمة من معتز ميداني من بيروت، تفضل يا أخ معتز.

معتز ميداني (صحيفة السفير- بيروت): مرحباً.

د. بطرس غالي: أهلاً.

معتز ميداني: دكتور غالي، ذكرت من شوية إنه الجبروت الأميركي سببه استسلام الدول الأخرى وعدم رغبتها في أن تلعب دوراً في الشؤون الدولية، كيف تنظر إلى دور الأمم المتحدة حيال الجرائم الإسرائيلية ضد العرب عموماً، وضد الشعب اللبناني في الجنوب والبقاع الغربي؟ هذا الدور ألا يساير الرغبة الأميركية، أو على الأقل ألا يتفادى الغضب الأميركي؟ وإذا كان العكس، فكيف تثبت ذلك أثناء توليك الأمانة العامة للأمم المتحدة؟

دكتور غالي، صحيح إنك أذعت التقرير الذي أعدته لجنة خاصة من الأمم المتحدة حول جريمة قانا مما أثار الغضب الأميركي والإسرائيلي، لكن هذا التقرير لم يكن ممكناً التستر على مضمونه، وحضرتك قلت ذلك في حوارات صحفية عدة، وخاصة في حوار مع مجلة "المصور" منشور في 17 أيار/ مايو 96، والتقرير كان أقرب إلى أن يكون تقريراً فنياً يروي وقائع الجريمة الإسرائيلية بحياد تام، من دون أن ينطلق من ذلك للسعي إلى إدانة إسرائيل، علماً أن الجريمة لم تكن فقط ضد مدنيين لبنانيين بل كانت ضد جنود دوليين حضرتك مسؤول عنهم.

لماذا كان هذا الجانب في التقرير؟ هل كان لتفادي المزيد من الغضب الأميركي الإسرائيلي، أم ثَمَّة اعتبارات أخرى؟

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: أنت ولا مؤاخذة..

معتز ميداني [مستأنفاً]: دكتور غالي، كتير فرحنا في الوقت اللي حضرتك جيت إلى قانا من فترة قريبة…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: من السنة اللي فاتت.

معتز ميداني [مستأنفاً]: وزرت مدافن الشهداء، وكنا كتير بنتمنى لو أن الزيارة تمت بعد المجزرة مباشرة.

سامي حداد: وهو جاش بالبكاء عندما رأى الناس، دكتور بطرس غالي.

معتز ميداني: شكراً.

د. بطرس غالي: أولاً التقرير موجود، ويجب أن يُقرَأ حتى نستطيع أن نناقش هذا التقرير. طُلِب مني في وقت من الأوقات أن أكتفي بتقرير شفوي، فحينئذ من السهل بعد سنة أو بعد سنتين أن تتلاشى الدلائل. الفرق الأساسي إني أصريت أنا على أن يكون التقرير مكتوب، وأن يعرض على مجلس الأمن، وأن يكتب في وثائق مجلس الأمن..

سامي حداد [مقاطعاً]: وأشرت بإصبع الاتهام إلى إسرائيل.

د. بطرس غالي [مستأنفاً]: أيوه، الفضايح التي حصلت كانت سواء (صبرا وشاتيلا) أو عدة مذابح لم يوجد في أي وثيقة رسمية، آدي الفرق الأساسي، لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة عندك وثيقة رسمية موجودة في مجلس الأمن.

سامي حداد: دكتور بطرس غالي، يعني التقرير كان عام 96، وقلت للتو -قبل قليل- بإن الحرب أو الإدارة الأميركية من 93 بدأت الأحوال يعني مش ولابد بقى، وكأنما كانوا يستعدوك، والتقرير جاء عام 96، وكنت عارف إنه أميركا ستقف ضد ترشيحك، أو لفترة ثانية مدة 5 سنوات، ومن هذا المنطلق كتبت التقرير.. ولو.

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لأ، هذا غير دقيق… تسمح لي..

سامي حداد [مستأنفاً]: ولو بقيت مرة ثانية، أو كنت تعرف إنه هيمدوا لك.

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا، لا، دا غير دقيق.. دي.. دي..

سامي حداد [مستأنفاً]: ربما لم تكتب هذا الكتاب، وتأتي بهذه الحجة ضد الإدارة الأميركية..

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا، لا، دي إثارة ليه؟ أقول لك ليه؟ لأن استراتيجيتي كانت قائمة على أن معارضة الرئيس الأميركي قائمة على أساس الانتخابات، أن مجرد أنه سينتخب سوف يغير من موقفي، وبالتالي حتى الانتخابات، حتى عندما نجح (كلينتون) كانت هناك لي تأييد من مجموعة من الدول، كان لي تأييد من البلاد العربية، كان لي تأييد قرار صدر من منظمة الدول الإفريقية بالإجماع، كان هناك تأييد جاي من (نيلسون مانديلا) تأييد من (كاردسو) رئيس جمهورية البرازيل، من فرنسا، من مجموع من الدول، بدليل أن مجلس الأمن أصدر قراراً بأغلبية 14…

سامي حداد [مقاطعاً]: ما عدا الولايات المتحدة.

د. بطرس غالي: ما عدا الولايات المتحدة، لذلك..

سامي حداد: التي امتنعت عن، ألا يدل ذلك -كما يقول (جيمس روبين) الناطق باسم الخارجية الأميركية رداً على ما قلته عن السيدة أولبرايت- بأن يعني الدكتور بطرس غالي لم يستطع معرفة العلاقة التي يجب أن تربط الولايات المتحدة بالأمم المتحدة، أي أنك كقبطان لم تستطع سبر أغوار المياه المعقدة في السياسة الأميركية، ومن هذا المنطلق كان هنالك هذه الفجوة.

د. بطرس غالي: السؤال اللي قلته يجب -أولاً- أن أرد على ملاحظتك. أنت قلت لي: إن لو التقرير ما كنتش عارف إني مش هأعيد انتخابي ما كنتش طلعت التقرير، أنا بأرد عليك .. أبداً بالعكس، كان أملي لغاية آخر لحظة إن هيحصل تغيير في الموقف الأميركي .. بالعكس هذا التقرير، ونشر هذا التقرير أدى إلى أن الموقف الأميركي لم يتغير.

الجانب الإسرائيلي -بعد نجاح (نيتانياهو)- أدى إلى تغيير موقفي بالنسبة لإعادة انتخابي، ولكن إلى آخر فترة كانت استراتيجية قائمة أن هناك تأييد من مجموع من القيادات الفكرية في أميركا، تأييد من أغلبية الدول، وبالتالي الرئيس الأميركي سوف يغير موقفي كما غير موقفي في عشرات من القضايا.

سامي حداد: إذن برأيك، ما هي القشة التي قصمت ظهر البعير بينك وبين الإدارة، حتى وقفت أميركا، من الدول الـ 15 في مجلس الأمن، 14 معك وأميركا وقفت ضد، في الوقت الذي يقال إنه عندما تم ترشيحك لأسباب مختلفة في البداية عندما استلمت المنظمة عام 92 كانت أميركا وراء العملية، مع أنها لم تصوت في ذلك الوقت، يعني لم تعارض؟!

د. بطرس غالي: لأن كان هناك اتفاق بين الدول ألا تستعمل الدول حق الاعتراض، كان هناك Gentle Man Agreement أن لا تستعمل حق الاعتراض، وبالتالي لم تستعمل أميركا اعتراضها على انتخابي في سنة 91، ولكن تم انتخابي بأغلبية 11 من 15 يعني 4 دول امتنعت، منها (زيمبابوي) لأن كان لها مرشح، منها إنجلترا، منها أميركا، أما الدولة الرابعة ماحدش يعرفها.

سامي حداد: في رأيك، لماذا اخترت أنت من دول العالم الثالث؟

د. بطرس غالي: لأني استطعت أن أنال الأغلبية المطلوبة، وفوجئ الجانب الأميركي بهذا الانتخاب، التقارير كانت إن العملية لسه هتطول لمدة أسبوع وأسبوعين، وحينئذ سيتقدموا بمرشح من جانبهم.

سامي حداد: ألا تعتقد أن سبب يعني قبولك في.. كان لأسباب أنك يعني أسباب دينية، مصري، إفريقي، عربي ساهمت في كامب ديفيد .. السلام بين مصر وإسرائيل، بالإضافة على أساس نوع من المكافأة لمصر بسبب دورها في حرب الخليج الثانية…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا، لا، ماحدش بيكافئ حد…

سامي حداد [مقاطعاً]: لا، بالنسبة لأميركا يعني الدول الغربية.

د. بطرس غالي: أيوه، نعم، أميركا مش محتاجة تكافئ حد، أميركا تفضل أن يكون لها أمين عام لها نفوذ عليه، وغير مرتاحة لهذا الأمين العام وهو بطرس غالي.

سامي حداد: إذن لماذا الآن غيروا رأيهم ولم يوافقوا على أن يمدد لك فترة ثانية؟

د. بطرس غالي: لأن لم توافق في الأول، ما كانوش متحمسين أبداً، يعني عدم الحماس لانتخابي لا يرجع إلى 96 ولكنه يرجع إلى 91، بدليل إن امتنعوا عن التصويت. كانت لهم مرشح (من روني) ممثل (كندا) في وقت من الأوقات، كانوا بيفكروا في الأمير (أغا خان) في وقت من الأوقات كانوا له.. يفضلوا مرشح يطمئنوا إليه، وده أي سياسة دولة كبرى لا ترتاح إلا مرشح تستطيع أن تطمئن إليه اطمئنان تام.

سامي حداد: يعني تريد أن تقول إن الإدارة الأميركية كان عندها قصر نظر، ولم تعرف أنها…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا، لا، هي الإدارة الأميركية…

سامي حداد [مستأنفاً]: ستجد هذا الرجل الذي يقف أمامها.

د. بطرس غالي: لا، لا، الإدارة الأميركية فوجئت.. فوجئت.

[موجز الأخبار]

سامي حداد: دكتور بطرس غالي كتابك الذي سيصدر هذا الأسبوع "خمس سنوات أو خمسة أعوام في بيت من زجاج" لماذا اخترت هذا الاسم "بيت من زجاج"؟

د. بطرس غالي: "بيت من زجاج" أولاً المبنى قائم على زجاج أولاً…

سامي حداد [مقاطعاً]: معروف الكاميرات.. الداخلة.

د. بطرس غالي [مستأنفاً]: هذي من الناحية الشكلية، أما من الناحية الموضوعية فكون إن كافة الحركات وكافة الكلمات التي كانت تقال داخل الأمم المتحدة كانت تنقل فوراً في مختلف أنحاء العالم، كان هناك 185 مندوب وظيفتهم الوحيدة هو كتابة تقارير عما يدور في (أورقة) الأمم المتحدة، وبالتالي الصعوبة في العمل الدبلوماسي في الأمم المتحدة، أن الدبلوماسية الهادئة غير ممكنة، لأن كافة التصرفات يتم إعلانها بعديها بثواني على مختلف الأدوار، وفي مختلف السفارات، وفي مختلف أنحاء العالم.

سامي حداد: حتى الدور الـ الثامن والثلاثين الذي كان مكتبك فيه، وزرتك فيه قبل بضع سنوات، هل أفهم من ذلك –دكتور بطرس غالي- أنه لا يوجد سرية يعني في الأمم المتحدة إطلاقاً؟

د. بطرس غالي: هأديك مثل، عملت اجتماع، ومحضر الاجتماع سرق ونشر في جريدة "هاييتي" بعد رابع يوم بالكامل بما تم أثناء هذا الاجتماع، وحينئذ طلبت من أجهزة مختلفة أن تقوم بتفتيش، لأني لا أستطيع أن أعمل بهذه الطريقة.

سامي حداد: إذن.. إذن هل أفهم من ذلك –يعني ما دامت هنالك حرب غير معلنة أو شبه معلنة مع الإدارة الأميركية- أن هاتفك كان مراقباً؟

د. بطرس غالي: طبعاً، طبعاً مش.. ليس هاتفي مراقباً فقط من الإدارة.. قد تكون مراقباً من أجهزة مختلفة، كافة الأجهزة لها مصلحة أن تلم بكافة التصرفات التي تتم، سواء كانت أجهزة صينية، روسية، برازيلية، عربية، فعشان كده استعملت كلمة "بيت من زجاج".

سامي حداد: لنأخذ هذه المكالمة من السيد عبد الحميد من جدة في السعودية، اتفضل يا أخ عبد الحميد.

عبد الحميد الدرهلي: معالي الدكتور بطرس غالي.

د. بطرس غالي: أهلاً بالأخ عبد الحميد أهلاً.

عبد الحميد الدرهلي: أهلاً بيك يطول عمرك.

د. بطرس غالي: أهلاً.

عبد الحميد الدرهلي: الأستاذ سامي حداد شكراً جزيلاً.

سامي حداد: أهلين.

د. بطرس غالي: أؤمر.

عبد الحميد الدرهلي: فحبيت أن أتكلم مع الدكتور بطرس غالي بخصوص الاقتراح الذي كان قدمه من أجل تأسيس قوة دولية للتدخل السريع في الدول المتنازع عليها، هذا…

د. بطرس غالي: مظبوط.

عبد الحميد الدرهلي: هذا المشروع..

سامي حداد [مقاطعاً]: الدول المتنازعة مش المتنازع عليها، في الدول المتنازعة تقصد، نعم.

عبد الحميد الدرهلي [مستأنفاً]: المتنازعة.. هذا المشروع لم يلق النجاح. الآن نجد أميركا تتدخل في يوغسلافيا بعدم .. وكذلك تضرب، هل تكون هذه القوة الأميركية قوة تدخل بدل.. سريع، بدون أن يكون هناك قرار من الأمم المتحدة؟ وهل..

سامي حداد: أو تفويض من الأمم المتحدة تقصد.

عبد الحميد الدرهلي [مستأنفاً]: أيوه، وهل يحل الناتو برئاسة أميركا –كما هو ظاهر الآن- محل الأمم المتحدة وتفشل…

سامي حداد: بريطانيا يا أخي نعم..

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: هذا ولا شك.. لا شك إن هذا خطر.

سامي حداد [مقاطعاً]: دقيقة شوية يا أستاذ، دقيقة خلي الدكتور يجاوبك قبل ما تكمل السؤال الثاني، اتفضل.

د. بطرس غالي: لا شك إن هذا خطر على مستقبل الأمم المتحدة وعلى مستقبل المجتمع الدولي، لأن من مصلحة المجتمع الدولي أن يخضع لنظام ديمقراطي. إذا كنا ننادي بالديمقراطية الوطنية فيجب أيضاً أن ننادي بالديمقراطية الدولية، ولا نستطيع أن نحقق الديمقراطية الدولية إلا من خلال التشاور، إلا من خلال الحوار المستمر بين الأطراف كلها.

سامي حداد: دكتور، عوداً إلى موضوع مسز أولبرايت صديقتك اللدودة.

د. بطرس غالي: هي العلاقات كانت ودية في كثير من الحالات، متوترة في حالات أخرى، وكان نفس الوضع بالنسبة لي وكثير من المندوبين الدائمين في الأمم المتحدة، فإذا أردت أن تحافظ على استقلالية الأمم المتحدة فلا شك إن سيحصل تصادم بينك وبين مندوب دولة من الدول.

سامي حداد: ولكن يبدو أن هذه المصادمات كثرت، حتى يعني عندما تقرأ في الكتاب، وصَفتُها بأنها سيدة قروية، غليظة الطباع، لغتها غير متحضرة..

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لأ، مش صحيح.. كلمة قروية.

سامي حداد: كانت تحاول أن تبدو صديقة في الوقت الذي كانت تخطط -كما تقول- لكسر قدميك، واستطاعت ونجحت وخسرت المعركة.

د. بطرس غالي: نجحت لأنها تمثل أكبر .. أقوى دولة في العالم، نجحت لأن هذه الدولة تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن، ولكن من الناحية العملية هناك المجتمع الدولي من خلال قرار 14 دولة أيدت إعادة انتخابي، فهذا يعتبر انتصار دبلوماسي -على الأقل- إن لم يكن انتصار حقيقي.

سامي حداد: ومع ذلك كنت تعرف أن الإدارة الأميركية لم ترد إعادة انتخابك، مواقف مسز أولبرايت حتى أنها شبهتك يا هذا الوجه القبيح، فقلت لها يعني في العالم العربي أنت أبشع امرأة في…

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: لا.. لا، كان الكلام ده حصل بعد ما تم انتخاب…

سامي حداد [مقاطعاً]: بعدما اختاروا كوفي عنان.

د. بطرس غالي: آه، خلاص انتهت، آه…

سامي حداد: فحطيت اللي في قلبك بقى يعني أنت..

د. بطرس غالي: ما حطيتش اللي في قلبي بالعكس، أنا بأدافع .. بأقول لها أنت، أنا بأقول: بالعكس أنت هتكون عندك مشاكل مع العالم العربي.

سامي حداد: لنأخذ السيد أحمد محمد من..

د. بطرس غالي: الإمارات..

سامي حداد: دولة الإمارات العربية المتحدة، اتفضل يا أخ.

د. بطرس غالي: أهلاً يا أخ.

محمد أحمد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د. بطرس غالي: السلام عليكم ورحمة الله.

أحمد محمد: كيف حالك يا دكتور؟

د. بطرس غالي: الحمد لله أخبارك..

أحمد محمد: يسعدنا هذه المقابلة، هذا اللقاء معك على الهاتف.

د. بطرس غالي: شكراً.

أحمد محمد: دكتور، بخصوص مقاصد الأمم المتحدة، أود أن أتحدث معك عن مقاصد الأمم المتحدة لو سمحت.

د. بطرس غالي: مقاصد الأمم المتحدة هي العمل على استتباب السلام، تسوية المنازعات بالطرق السلمية هذه من ناحية. من ناحية أخرى هناك مجال أهم بكثير لم نتحدث عنه عادة وهو الاهتمام بقضايا البيئة، وانعقد مؤتمر في (ريو دي جانيرو) سنة 92 لمناقشة البيئة والتنمية، ثم مناقشة قضية السكان .. انعقد في القاهرة مؤتمر الانفجار السكاني والتنمية، ثم الجانب الاجتماعي للتنمية انعقد مؤتمر في (كوبنهاجن) ثم دور المرأة في التنمية انعقد مؤتمر…

سامي حداد [مقاطعاً]: موضوع حقوق الإنسان وإلى آخره.

د. بطرس غالي [مستأنفاً]: وحقوق الإنسان. فكأن الأمم المتحدة إلى جانب عملية تسوية المنازعات، العمل على استتباب السلام، تهتم بالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الدول.

سامي حداد: دكتور بطرس غالي، تقول في الكتاب: الولايات المتحدة لا ترى حاجة للدبلوماسية، القوة تكفي، الضعفاء يعولون على الدبلوماسية..

د. بطرس غالي [مقاطعاً]: أحمد محمد.

سامي حداد: ما فيش عندنا وقت، فيه عندنا أشياء أكتر أهمية -مع احترامي للمشاهدين- بيقدر ينتظر شوية، ومضيت إلى القول: إن الإمبراطورية الرومانية لم تكن بحاجة إلى الدبلوماسية. ماذا تقصد بهذه الكلمة: الإمبراطورية الرومانية لم تكن بحاجة إلى الدبلوماسية؟

د. بطرس غالي: لأنها كانت أقوى دولة في العالم وقتها.

سامي حداد: يعني بعبارة أخرى وانتهت، وربما يعني -تفاؤلاً- أن تنتهي، ينتهي دور الولايات المتحدة .. هكذا فسر.. فسرت هذه الفقرة.

د. بطرس غالي: لا شك أن لا تستطيع أي لا تستطيع أي.. دولة أن تسيطر على العالم مدة طويلة، لأن الأمور تتغير، ويمكن بعد 50 سنة ستظهر دولة كبرى (وأخرى) وهى الصين، فلا نستطيع أن نقول اليوم الدولة التي أقوى دولة في العالم هي الولايات المتحدة. كان من قيمة 50 سنة كانت أقوى دولة إنجلترا، من قيمة 60 – 70 سنة كانت المنافسة بين فرنسا وإنجلترا.

سامي حداد: إذن.. إذن أنت الآن تلعب دور الدور القيادي في.. أو الأمين العام للمنظمة الدولية للفرانكفونية، هل تعتقد أن هناك تناقضاً بين اعتراضك على هيمنة الولايات المتحدة على المنظمة الدولية وقبولك قيادة منظمة الفرانكفونية، وهى ليست مختلفة تماما يعني فيما يتعلق بالدور الفرنسي واللغة الفرنسية عالمياً؟

د. بطرس غالي: لأ، هذا غير صحيح.. غير دقيق.

سامي حداد: إزاي؟

د. بطرس غالي: الدولة التي لها دور أساسي في هذه المنظمة هي كندا وكيبك وليست الدول… هل هذه الدول..

سامي حداد [مقاطعاً]: لماذا مقرها في باريس إذن؟

د. بطرس غالي: أيوه، كان لا يمنع هذا، والأمين العام مصري .. هذا لا يمنع أن الدول التي طلبت إنشاء هذه المنظمة كانت 3 دول أفريقية وليست فرنسا هي تونس والسنغال والنيجر، 3 دول إفريقية..

سامي حداد: لأنها بحاجة إلى فرنسا، أليس كذلك؟! اقتصادياً…

د. بطرس غالي: لا، لا، أبداً بالعكس، فرنسا ما كانتش متحمسة، المنظمة النهارده تتكون من 52 دولة.

سامي حداد: ولكنكم عقدتم مؤخراً في (موناكو) مؤتمراً، وأصبح لها دور اقتصادي، بالإضافة إلى السياسي والثقافي، يعني صارت كأنما للترويج للدور الفرنسي عالمياً.

د. بطرس غالي: ليس الترويج للدور الفرنسي، ترويج التعددية اللغوية، ترويج التعددية الثقافية في مختلف أنحاء العالم. هذه المنظمة عقدت اتفاق مع جامعة الدول العربية، هذه المنظمة تتعاون مع (الكومنولث)، هذه المنظمة تتعاون مع منظمة للدول الناطقة بالبرتغالية، هذه المنظمة لا تختلف عن كافة المنظمات الإقليمية الموجودة في العالم، وبتتعاون مع الأمم المتحدة.

سامي حداد: هذا عن الدول الفرانكفونية، وتحدثنا عن الولايات المتحدة بعد أن دخلت التاريخ – دكتور بطرس غالي- كما قال لك الدكتور (هنري كيسنجر) ومارست الدبلوماسية على أعلى المستويات في نيويورك، الآن في المنظمة العالمية أو الدولية للفرانكفونية في باريس، وعلى ضوء تجاربك الطويلة وخبرتك في وزارة الخارجية المصرية كنت وزير الدولة للشؤون الخارجية، ومسؤول عن الملف الإفريقي بشكل خاص، كيف تقيِّم الدبلوماسية العربية؟

د. بطرس غالي: يجب أن.. السؤال كيف تقيِّم دبلوماسية الدول العربية ليست الدبلوماسية العربية.

سامي حداد: ما هو على أساس إنه العرب.. إنهم صوت واحد خاصة في

united nation عندك..

د. بطرس غالي: لا توجد دبلوماسية عربية، توجد دبلوماسية سعودية، دبلوماسية سورية، دبلوماسية مصرية، هناك عناصر ممتازة موجودة في كثير من هذه الدول وتلعب دور، وهناك عناصر ضعيفة عينت لأسباب متعلقة بعلاقاتها مع الحاكم، أو لمجرد الرغبة في إبعادها عن السلطة، فلا نستطيع أن نعمم. هناك عناصر ممتازة في الدبلوماسية لبعض الدول، وهناك عناصر .. على سبيل المثال ذكرت المندوب الجزائري الذي كان موجود في هاييتي، وكان يرأس الانتخابات التي جرت في جنوب أفريقيا، ويعمل حالياً.. هو جزائري.

سامي حداد: إذن.. إذن ما الذي ينقص الدبلوماسيين العرب في هيك حالة -وليس الدبلوماسية العربية- حتى تكون أكثر فاعلية وعقلانية؟

د. بطرس غالي: الخلافات بين الدول العربية، لا تمر مدة دون أن توجد خلافات، وإن لم تكن مواجهات عسكرية بين الدول العربية، هناك خلاف بين الجزائر والمغرب، هناك خلاف بين الكويت والعراق، هناك خلاف بين سوريا والعراق، هناك خلاف بين مصر والسودان، هناك..

سامي حداد [مقاطعاً]: يعني شيء جديد؟! ما هو العرب –حتى قبل الإسلام- كانوا مختلفين، أليس كذلك؟

د. بطرس غالي: أوروبا استطاعت أن تتحد أكثر من ذلك يعني.

سامي حداد: ولكنها عندما يأتي الموضوع إلى مواقف دولية في الأمم المتحدة فالعرب يعني يكون لهم صوت واحد -إلى حد ما- في معظم الأوقات، يعني حتى لا نعرض بالعرب والدبلوماسية العربية في القضايا الدولية والقضايا المصيرية.

د. بطرس غالي: إلى حد ما أيوه إلى حد ما، لكن ليس العبرة بالمواقف المشتركة، بقدر ما العبرة بتسوية المنازعات بين الدول العربية التي تقع.

سامي حداد: دكتور، في نهاية البرنامج، بصراحة كيف تقيم أداء خليفتك -السكرتير العام السيد كوفي عنان- خاصة فيما يتعلق بالمسألة التي أشرت إليها في خطبة الوداع -إن جاز التعبير- والخاصة بأهمية استقلال الأمم المتحدة إزاء محاولات القوى العظمى للسيطرة عليها؟

د. بطرس غالي: المقتضيات الدبلوماسية تقتضي ألا تتحدث عن الذي كان سابق لك والذي سيلحق محلك.

سامي حداد: دعني أضع السؤال بشكل آخر: هل تعتقد أن الأمم المتحدة الآن بدأت أكثر فاعلية مما كنت في السابق أنت؟ بنتحدث عن الأمم المتحدة.. دورها وليس الأشخاص.

د. بطرس غالي: الأزمة المالية لم يتم تسويتها، المشاكل ما زالت موجودة، ولكن أستطيع أن أقول أن المنبر .. الجهاز الوحيد الموجود في العلك [العالم] اليوم الذي يستطيع أن يدافع عن الدول الضعيفة.. عن الدول النامية هي الأمم المتحدة، وإن لم توجد الأمم المتحدة يجب أن نعمل على اختراع جهاز جديد يحل محل الأمم المتحدة.

سامي حداد: دكتور بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة، شكراً لهذا اللقاء، وآسفين إنه اتأخرنا نصف ساعة، ولكن..

د. بطرس غالي: الظروف..

سامي حداد: المكسب أن تكون معنا، مشاهدينا الكرام حتى نلتقي في حلقة أخرى من برنامج (أكثر من رأي) تحية لكم من سامي حداد، وإلى اللقاء.