إشراقات

عالم بلا خجل ج2

موقف الأمة العربية من القضية الفلسطينية، ملامح المشهد الثقافي العربي بين النخبة والشعوب، جدوى إعادة غناء الأغنية الوطنية، ودور الإعلام العربي في قضية فلسطين.
مقدم الحلقة: كوثر البشراوي
ضيوف الحلقة: عدة ضيوف
تاريخ الحلقة: 21/06/2002


– موقف الأمة العربية من القضية الفلسطينية

– ملامح المشهد الثقافي العربي بين النخبة والشعوب

– جدوى إعادة غناء الأغنية الوطنية

– دور الإعلام العربي في قضية فلسطين

undefined

كوثر البشرواي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في هذه الحلقة نواصل شق طريقنا في عالم بلا خجل، ونواصل طرح الأسئلة الشاردة، ليس من باب الصدام مع من جاءت بهم الأقدار أمام كاميراتنا، بل مصارحة مع الذات ومواجهة مع النحن الجماعية التي لن يعفيها التاريخ من أوزار ما حدث ويحدث وسيحدث.

في هذه الحلقة أحاول عدم الإطالة في هذه الثرثرة لسببين أولاً: تفادياً الوقوع في فخ المزايدات وبيع الكلام في زمن اللا فعل.

ثانياً: رغبة في إعطاء الفرصة لي ولكم للإصغاء إلى قصيدة أعمق بكثير مما أكتب وأحاول قوله، قصيدة للعلامة الجليل، لسماحة السيد محمد حسن الأمين والتي يقول فيها.

السيد محمد حسن الأمين (مفكر وشاعر): أغنيكَ ماذا تعزف الروح والمدى، ضرير وحولي يلهث الدم والحبر

ورمل وصحراء ورمل مكرر مدى العين لم تتعب قوافله الكثر

نجي الرمال السمر، هل نحن أمة من الرمل؟ هل من بعض أسمائنا الصفر؟

لقد كبر المنفى وضاقت حدودنا فوحّدنا في الغربة النأي والأسر

وسالت على حد المنافي جراحنا، فهل شبع المنفى؟ وهل اتخم العذر؟

وهل تعبت من نحرنا يد حاكم، قُصاراه في الحرب التراجع والفر

ونمعن بالزلفى ويمعن بالأذى وتفسده النعمى ويصلحنا العسر

وإن يشكو موجوع فللقيد كفه وللصوت لحن الصدر والصدر والدهر

شعوب من الأسرى يقال لهم ثبوا، وإن هجم الأعداء قيل لهم كروا

وكيف يجيد الكر شعب أذله من القيد عض القيد والعنف والقهر

يطاردنا قبل اليهود اكتفاؤنا ويحرزنا منهم وما قاتلوا النصر

وما هزمتنا الطائرات مغيرة ولا انهار تحت النار عسكرنا المجر

ولكنها نار القيود وعصفها، فمن عصفها الطاغي هزائمنا النكر

موقف الأمة العربية من القضية الفلسطينية

كوثر البشرواي: منذ 48 لعام 2002 يا دكتور يعني 54 عام، ونحن نقول فلسطين هي قضية الأمة الأولى، والمزمنة التي لا يمكن أن نتنازل عنها، ولما ضربت هذه القضية الأساسية، يا رجل ما في طريقة إحنا سبحان الله تلتفت ما فيه شيء، عالم أشباح، أجساد تتحرك ووين ها الأكذوبة، أكذوبة تدوم 54 عام، لكي تفزع ها السهولة، وين الأمة مرة أخرى وللمرة الألف أعود أطرح عليك أنت بالذات هذا السؤال، أي أمة؟ وينها الأمة؟

د. نقولا زيادة (مؤرخ): الذي حدث لعام 1948 حدث قتال وانسحاب بقطع النظر عما يمكن أن يسمى، هذا كان يجب أن يكون منه درس، لكن ما الذي حدث؟ قضية فلسطين في أول الأمر كانت رهينة للعراق قبل 48 حتى، والسبب في هذا كان عدد كبير من الفلسطينيين المشتغلين بالقضية، ولا أريد أن أسمي لأنني أخشى أن أنسى بقية الأسماء، ذهبوا إلى العراق فكان هناك حركة ما، ثم جاء دور سوريا التي أصبحت هي.. احتضنت القضية منذ أيام الشيشكلي بشكل خاص، إنه نحن أصحاب القضية الفلسطينية هذا الارتهان بحد ذاته لم يكن مخلصاً لأنه كل واحد ارتهن القضية لأن فيه إله مصلحة فيها، ثم جاء دور الارتهان المصري، لكن الارتهان المصري كان أكبر من قضية فلسطين، فقضية فلسطين على أهميتها وعلى إدعاء كل واحد بأن هي قضية الأمة الأصلية الأساسية في القلب وفي الضمير وفي إلا الجيب و(….)، كل هذه الأشياء دلت، فالذي أصابنا نحن كما حدث في سنة 1953 في بيروت لما عزل محمد يوسف في المغرب لأنه خالف السياسة الفرنسية ونفي، قامت مظاهرات ومنها مظاهرات طلاب في بيروت، وكانت في ذلك الوقت الجامعة الأميركية مركز التجمع لأنه لم يكن هناك مؤسسة أعلى منها، فجاء الطلاب واجتمعوا، وتظاهروا، لما رأيت أحد طلاب الدراسات العليا الذي كان من قواد المظاهرة، قلت له ماذا تم؟ فأشار إلى جبهته ومسح العرق وهذا ما كان يفعله كل زعيم بالنسبة لقضية فلسطين، قضيتنا.. قضيتنا ثم يكتفي بأن يسمح العرق عن جبهته، لا تخطيط لها، لا اهتمام بها، القضية الآن فكروا بأن يعرفوا العالم بقضية فلسطين، والله يا سيدتي أنا وأنا شاب صغير في سن العشرين كنت أقول وددت لو أن هؤلاء العرب بدل أن يتكلموا في فلسطين وفي العراق وفي الهند حتى عن قضية فلسطين، لو أنهم يمكن أن ينشروا إعلاناً واحداً مرة في الأسبوع، في كبرى الجرائد في أميركا عن قضية فلسطين، لما وصل الموس لأكثر من الرقبة بدأوا الآن بدهم يتحدثون عنها، متأخر، المشكلة أن نحن نكتفي بالصراخ.

كوثر البشرواي: كيف تفسر هذا السقوط الفجئي السريع، المخ مش قادر يستوعب وطيب 50 عام وهم يقولون الأمة، 54 عام ونحن قضية فلسطين.. قضية فلسطين، أين الأمة، أين شعارات القومية، أم كانت هي أيضاً أكذوبة من أكاذيب القرن العشرين.

غسان مطر (شاعر): لا الحقيقة يعني لم يتبخر الناس، الناس رأيناهم بقبضاتهم الملوحة في وجه الجريمة، بصراخهم المدعوم بإيمانهم الكبير، رأيناهم في الساحات في الشوارع في العواصم، رأيناهم يلعنون حاكميهم، ورأيناهم يحتشدون محاولون..محاولين اختراق الحدود، الناس موجودون، ولكن في الـ 50 سنة الأخيرة، إذا ما قرأناها بترو وبتمعن، نجد أنها 50 سنة من الإحباط والهزائم وبالتالي لقد شكك الناس بأنهم موجودون، شكك الناس بأنفسهم، حتى إذا ما لاحت هذه الحجارة الفلسطينية منذ أكثر من 18 شهر، ولاح هذا الدم الفلسطيني يواجه الدبابة والطائرة والمدفع الإسرائيلي، استعاد الجمهور.. استعاد الناس وعيهم وثقتهم بنفسهم وصرخوا نحن هنا، هذا النبض متدفق وحي وسوي بتناقض كامل مع الأنظمة التي أدت إلى الهزيمة والتسويات والخسائر الكبيرة، هذا النبض هو الذي يؤكد أن الأمة موجودة، الأمة ليست مجموعة حكام، هي جمع الناس هي ضمير الناس-هي عصبية الناس، الناس الذين يخرجون في الخرطوم وفي دمشق وفي القاهرة وفي بيروت وفي البحرين وفي.. وفي.. وفي، ويقولون فلسطين عربية هذا هو الانتماء.. هذا هو الالتزام، ولكن نحن يجب أن لا ننسى أننا هزمنا في 67، ظننا أن لا قيامة لنا، وهزمنا في 73 رغم كل الحديث عن تشرين و73 والانتصار العربي، هزمنا سنة 73، لقد قال الناس.. قالت الأجساد المتفجرة.. قال المقاومون والمناضلون والمجاهدون أن لا.. أن الهزيمة قد هزمت، وأن إيماناً جديداً وقراراً وخياراً جديداً قد اتُخذ، الذي حصل في جنوب لبنان هو انتصار على الهزيمة أولاً، وتأكيد لهذا الشارع العربي العريض، أن ذلك الزمن قد ولي والذي يحدث اليوم في فلسطين ، وهو متكامل ومتصل بالأجساد المقاومة والمناضلة والمتفجرة التي أمنت انتصارا تاريخياً في جنوب لبنان، ما يحدث اليوم في فلسطين أيضاً يقول أن الهزيمة لم تعد واردة في الضمير العربي، في الذهن العربي والشعبي.

د. نقولا زيادة: أين هذه الأمة؟ الأمة فتتت وفتتت على أيدي الأنظمة السياسية التي قامت في البلاد، لأن كلها كانت تُعنى بالشأن الداخلي أنا لا أريد أن أثير قضايا أو مسائل معروفة، لكن كم كانت المبالغ التي تم التبرع بها من الأغنياء أفراداً أو دولاً، في سبيل توضيح القضية الفلسطينية أو حتى أكثر من هذا في سبيل توضيح الحضارة الإسلامية للعالم، ينتقد مؤرخونا المستشرقين أنهم يسيئون إلى الأدب.. إلى الحضارة العربية وإلى الإسلام، هناك إساءات لا فيه شك في هذا، لكنهم ينتقدون هذا بلغة العربية لنا، في مناسبتين واحدة كانت في (زاريا) في نيجيريا، والثانية كانت في جامعة (علي دار) في الهند، حضرت سيمنار، ندوة حول هذا الموضوع وقلت يا جماعة المهم تصحيح هذه الأخطاء لأصحابها، ردوا عليهم بالفرنسية والإنجليزية والألمانية، صححوه، لكن لا تزيدوا نقمتنا عليهم نحن، بأن تقولوا يسيئون، ثم هذه النتيجة تكون كل واحد أصبح مسيئاً مع أن البعض لم يسيء، هذه الأمور يعني نحن لن نعنى خلال.. أنا بأقول خلال 70 سنة الماضية التي كنت فيها أن أشعر بالأشياء، لأن عمري أنا 94 سنة، فمر علي على الأقل 70 سنة وأنا أشعر، لم أر مناسبة واحدة استطاع فيها أن يوضح نفسه للخارج، أن يوضح قضيته للخارج، المهم أن يوضح صاحب النفوذ قضيته هو لأبناء البلاد ويبرر لهم الأخطاء، أخطأنا ولا تؤاخذونا لكن هذا هو في رأيي المصيبة الرئيسية، هل من الممكن التغلب على هذا حتى يمكن التغلب على هذا بس يكون فيه عندك رأي موحد يعني عندما يتكلم فلان لا يتكلم للبنانيين لكي يتكلم إلى الآخرين، ويقبل الآخر رأيه، يعني نحن بعد الاتصال حتى في عالم النخبة فيما بيننا قليل، نحن على ما يبدو اعتدنا الحكي والحكي المقصود منه في الدرجة الأولى أن يظهر نقولا زيادة أو أن تظهر كوثر في مكان ما ويصفق لها، وتؤخذ صورة هذا مهم..

كوثر البشرواي: والقضايا الأساسية الذين يذبحون يومياً مش مهم.

د. نقولا زيادة: لا ..لا تصدر قرارات لكن ثم أين هي.. كم قرار صدر ولم ينفذ منهم شيء، هذا فضلاً عن القرارات الأخيرة التي كانت تصدر ولا طعم لها، جاهدة وهبي (فنانة):

تلك في فنية الأرض مجيدة

تتوالى.. تتوالى

مثل إطار النواقير، وموسيقى القصيدة

فافرشوا السجاد والورد لأطفال الحجارة

اغمروهم بالزهر

إن إسرائيل بيت من زجاج وانكسر

ها هم ينمون كالأعشاب في قلب الشوارع

ففتاة مثل نعناع البراري، وفتى مثل القمر.

ملامح المشهد الثقافي العربي بين النخبة والشعوب

كوثر البشرواي: أستاذ بول، يعني بالمفهوم الهندسي هناك مثلث أو هرم نحن نقول الساسة ونخبة المثقفين والمفكرين والاقتصاد أيضاً هم رأس الهرم، وهناك القاعدة هذه الشعوب، اليوم سؤالي يا سيدي أو سؤالنا هو التالي: هل بإمكان علية القوم ساسة واقتصاديين ومثقفين أن يصلوا إلى الارتقاء إلى مستوى القاعدة؟

بول شاؤول (شاعر وكاتب صحفي): لأ.. لا.. لا، كلهم موبوؤون اليوم النخبة الاقتصادية هي اليوم النخبة المثقف، هي اللي فاعلة بالمجتمعات العربية، يعني بلشوا بالانفتاح بمصر، ويعني اليوم زمن اقتصادي عم بيقولوا، يعني بطل زمن أدبي وزمن فكري، وأفكار يوم، الأفكار كلها متوحدة للاقتصاد، اليوم نمو الاقتصاد والثقافة نجد ثقافة العصر الجديد، يعني إذا أنت ما بتعرفي اقتصاد إنه ما بتشغل سياسة، أيضاً من 10، 15 سنة بلشت من عشرين سنة بلشت ثقافة.. اقتصاد الثقافة أو ثقافة الاقتصاد، وهاودا الاقتصاديين من هم؟ هم طلعوا من السلطة، طلعوا هم من السلطة، ها الرأس مالية وبكل العالم العربي هو من السلطة، يعني عندهم.. ما وزعوش حتى الأدوار.

كوثر البشرواي: يعني التحالف.

بول شاؤول: هم أخذوا التحالفات، همَّ أخذوا الأدوار كلها، ثم عندنا ظاهرة الخلافة اليوم، يعني اليوم بيورث رئيس الجمهورية بيورث ابنه الرئاسة، بيورثه الاقتصاد، بيورثه المشاريع والوكالات والحياة وإلى.. إلى آخره، إذاً اليوم ها النخبة الاقتصادية، الجامعي المثقف ما إله أي وجود، ما إله أي.. ما إله فعلية، لأنه هي لقطة كل الرأس مال مثل (برلسكوني) بشو اسمه؟

كوثر البشرواي: بإيطاليا.

بول شاؤول: بإيطاليا، يعني اليوم بدنا نعرف شو هاي الشغلة، إنه المثقف اليوم.. يعني مسكين..

كوثر البشرواي: طالما هو مسكين بالله ما.. ما يرهق نفسه (….) وقدام الناس ويقول أنا مسكين.

بول شاؤول: لأقول لك.. لأقول لك إله عشرين المثقف ما عليه.. من ناحية تانية، إنه.. إنه مسكين بأي معنى لأ.. لا.

كوثر البشرواي: مش يطلع للسماء ويقول له أنا نبي من عند الله.

بول شاؤول: لا لأ.. لأ..لأ، ما أنا ما عم بأحكي عن مثقفين السلطة ولا المثقفين المتواطئين.

كوثر البشرواي: ولا.. ولا غير.

بول شاؤول: عم بأحكي عن المثقف الحر، المثقف الحر، المثقف الحر محاط بالقمع الديني، كلهم يطلعوا له بفتوى بإنه يقتلوه، بالقمع القبلي، بالقمع الاجتماعي، بالتخلف يا اللي زاد بالآخر عشرين سنة، بقمع السلطة، كل ها الأشكال القمع هاديدي، كنا أول شيء بالسبعينات ننزل بمظاهرة نقول لا لقمع السلطة، هلا عندك قمع السلطة، والسلطة.. السلطات الدينية بكل العالم العربي على مختلف الأديان، على مختلف الأديان، عندك اليوم وأي فقيه بيعمل فتوى بيهدر دم واحد أو.. أو وصار فيه فتاوى على الهواء أول مرة بالتاريخ أنا بيصير فيه فتاوى على الهواء، إنه كنتِ تشوفي إنه المثقف العضو اللي عم تحكي عنه مثقف في الخلفية لو بده يعمل دور مش موجود، المثقف إذا مش محمي ضهره من العذاب من نائبات..

كوثر البشرواي: الاحتيال.

بول شاؤول: من مجتمع مدني يحميه، من مجتمع أهلي متطور يحمي.. وحده شو بده يعمل؟

كوثر البشرواي: طيب.. طيب، السيناريو المقبل مع هذه الانعراجة التاريخية، كيف تتخيل..كيف ترسم ملامح المشهد الثقافي بعد كل هذا التعري؟ هل بقدرة المثقف أن يقف أمام الجماهير ويقول يا جماعة أنا (…) نخبة، وأنتم ما زلتم من الرعاع، وأنتم الرعاع وإحنا النخبة، في حين الواقع اليوم يثبت العكس، هل بإمكان هذا المثقف أن ينظر في وجه هذا القائد.. هذا الزعيم هذا الرئيس ويحط إيده في.. إيده في إيد الآخر، وتقع المصافحة والمصالحة بكل الأثمان التي دفعتها فلسطين؟

بول شاؤول: وقعت وهذه وقعت ليش أنت عم.. عم ما هايدي وقعت، اقري الجرايد العربي بتعرفي إنه كثير من المثقفين يبررون دور أنظمتهم، لأنهم جزء من الأنظمة.

كوثر البشرواي: الباقي، نريد نتحدث عن الشرفاء، عن ما تبقى من الشرف العربي.

بول شاؤول: عن الشرفاء.. الشرفاء إيش نقول؟ الشرفاء لا ينخرطون في أي سلطة، لا ينخرط في أي سلطة عليا، سلطة خصوصاً عسكرية أو سياسية أو طائفية، أو دينية، أو قبلية أو عائلية، أو جغرافية، المثقف الذي تعنينه..تعنيه هو هذا المثقف الحر اللي فكره حر والذي لا.. أفكاره لا يمليها عليه أحد، الذي لا يقبل رشوة من أحد، ولا يملي عليه أحد ما آراءه، هذا المثقف أولاً كل.. قلة القلة من.. قلة القلة، وغير موجود حتى صار نادراً، أنا بأعرف من..من المثقفين العرب بالـ 180 مثقفين عرب مثقفين قبلوا الأمر الواقع، قبلوا الأمر الواقع، يعني صاروا هم قضية حالهم، صاروا هم قضية حالهم، يعني المجد والسلطة والمال صار القضايا الوطنية وقضايا الحريات، والقضايا الاجتماعية يوظفونها لشخص. لشخصهم الكريم، هاودي هم الأكثرية، وهاودا مدانون، هم مدانون وبتعرف.. بتعرفي وأنت أكيد تعرفين كثيراً كثيراً منهم.

كوثر البشرواي: من..؟

بول شاؤول: أما هذه الأقلية فعاجزة، هذه الأقلية الهامشية الحرة فعاجزة ليس.. ليس عندها أدوات، أولاً.. أولاً: الجرائد والمجلات العربية محكومة إما بسياسة أصحابها أو بسياسة السلطة والدولة، ليس عندنا حرية صحافة في العالم العربي، لا في لبنان، ولا في سوريا، ولا في.. ولا في الخليج، ولا ما فيش حرية صحافة، فيه سقف.. فيه سقف عليك أن تمشي أنت منحنية كي تسلكيه.

غسان مطر: أنا أبكي معك وأرثي لهذه النفوس المتهافتة والصغيرة، والتي بلا حياء وبلا خجل صحيح، ولكن أؤكد أن الموضوع هو موضوع عقائدي بالأساس، عقائدي.. سياسي بالأساس، يعني ( إن الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم).

كوثر البشرواي: نعم، علاقة المثقف بالساسة بعد هذه الأحداث، هل بإمكاننا أيضاً أن نصافح هؤلاء القادة الذين خذلوا أنفسهم وخذلونا؟

غسان مطر: أصلاً يعني المصافحة ليست قائمة.

كوثر البشرواي: كان زمان.

غسان مطر: حتى قبل الحدث في فلسطين اليوم، المصافحة بين الأنظمة وبين الناس غير قائمة، المصالحة غير قائمة، وعندما لا تكون هنالك مصالحة بين النظام وبين الشعب لا تتم المصافحة، طبعاً هنالك مثقفون يرتزقون من فتات الأنظمة، هؤلاء هم جزء من النظام وليسوا جزءاً من الثقافة العربية رغم ما قد يطل لهم ولكتبهم ومنشوراتهم إلا أنهم جزء من النظام، وهنالك مثقفون يعيشون على شرفاتهم المزينة بعيداً عن كل.. هؤلاء أيضاً جزء من النظام ولو اعتبروا أنفسهم ضد النظام ، المثقفون الأحياء والباقون والفاعلون والمؤثرون هؤلاء هم صوت هذه المرحلة وصوت هذا الزمان، ولذلك لا أعتقد أن إمكانية أن ينحني هؤلاء المثقفون بعد أمام أنظمتهم وصياغة هذه الأنظمة لا أعتقد أن هذه الإمكانية واردة بعد اليوم، لقد فعل فينا الفلسطيني ما لم تستطع كل التربيات القديمة أن تفعله، كله ما قرأنا، وما كتبنا، وما رأينا، وما عشنا، وما.. كله تبدد، هكذا في لحظة شعرنا أننا عراة وأننا نلبس جسداً جديداً وروحاً جديدة، وبالتالي يعني الذي كان بنصف صوت صار له صوت كامل، والذي كان بنصف عين صار له أربعة عيون، والذي كان بدون سمع انفجر يعني.. كل شيء –برأيي- يتبدل في هذه الساحات العربية.

[فاصل إعلاني]

زياد الأحمدية (فنان): عارٍ من الاسم

من الانتماء

في ظلمة غبيتها باليدين

عارٍ من الاسم من الانتماء في ظلمة غيبتها باليدين

أيوب صاح اليوم ملء السماء

أيوب صاح اليوم ملء السماء

لا تجعلوني عبرة.. مرتين.. مرتين

يا سادتي الأنبياء

لا تسألوا الأشجار عن اسمها

لا تسألوا الوديان عن أمها

من جمرتي ينشق سيف الضياء

ومن يميني ينبع ماء الطهر

جدوى إعادة غناء الأغاني الوطنية

كوثر البشرواي: أخي زياد، أنت عارف أن أغنية جواز سفر، وهي أساساً لمارسال خليفة بزرت في الثمانينات، معذرة هذا رأيي الشخصي وانطباعي الشخصي، طبعاً ما يحدث اليوم في فلسطين أثبت إن كل نعراتنا وصراعاتنا عبر عقود بقطع النظر عن النوايا الحسنة اللي كانت في داخلنا، غنينا وتمعش البعض من أغاني حول فلسطين، ويعني البعض منهم عمل بيزنس ضخم بفلسطين وشهداء فلسطين وقضية فلسطين، اليوم تعرت كل الأشياء، اليوم كل اللي كان حادث قبل مارس 2002 قبل المجزرة التاريخية التي حدثت وما زالت تحدث في فلسطين كله يدخل في إطار الشعارات و..

زياد الأحمدية: فعلاً.

كوثر البشرواي: والعنتريات، وقت الصح لا.. لم يوجد عنتر واحد على الأقل على المستوى الكبير من أصحاب ذوي القرار يعني السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، فشعرت أنه يا الله تعود بي أنت عشرين سنة إلى الوراء، وأعرف أنه لم تكن أي.. لم تكن هناك أي جدوى لهذه الأغنية، وأُعيد وأطرح السؤال: هل من جدوى في إعادة غناء أغنية مثل جواز سفر؟

زياد الأحمدية: أنا معك، أنا أوقات بأكون بأحس حالي مذنب إذا بهاي ظرف مأساوي بها الشكل هايدا بأكون أنا شخصياً عم بأغني، ولكن بأحس إنه مثل.. يعني تأكيداً هو الكلام اللي قلته قبلها، السؤال اللي قبله، إنه هي بتعمل دور بمحل..طبعاً فيه جدوى إنه فيه ناس حضرت، وفيه ناس اتفاعلت، فيه ناس يمكن راحت فكرت، راجعت حسابات، قد يكون إنسان متأثر بلون معين لما يحضر ها التفاعل الحقيقي مع أغنية صادقة مثل أغنية مارسال خليفة اللي غنيتها أنا إمبارح، قد يرجع بعيد النظر في نوع الموسيقى اللي عم بيسمعه وتؤثر على نوع الموسيقى اللي لازم نفكر فيها والمستقبل هلا، شو بتفيدها الأغنية الشعب اللي عم بيموت وبيندبح؟ بالأسف يعني أكيد ما عم بتفيده بشكل مباشر، بس إنه كل إنسان عنده دوره، لازم يعبر من.. من خلال ها الدور هايدا عن.. عن وجهة نظره باللي عم بيصير، ونحن يعني أنا شخصياً طبعاً وبعض من زملائي اللي كانوا إمبارح عم بيشاركوا الاحتفال إن إحنا ما بنقف عند هذا الحدث لحتى نغني أغنية وطنية أو لحتى نغني أغنية عن موضوع هادف وثقافي وموضوع فيه بيخدم مصلحة وعي، إن إحنا على طول بنغني ها الأغنية هاي، لم نغني يوماً في مطعم، ولم نغني يوماً وراء الراقصة، ولم نفكر حتى.. بإنه الاستفادة المادية من وراء الموضوع، لا زلنا أنا شخصياً وكثير من زملائي بأرجع أكرر اللي كانوا تحت ولا مرة كان هدفنا المادي من ورا الموسيقى، نحن نعمل في مجال آخر.

كوثر البشرواي: مش من ورا الموسيقى من ورا مأساة الآخرين، من وراء.

زياد الأحمدية: من وراء مأساة الآخرين فعلاً يعني

كوثر البشرواي: يعني بقلب القبور الجماعية التي تذبح.

زياد الأحمدية: إيه.. أبداً.. أبداً.. أبداً..

كوثر البشرواي: لجثمان شهدائنا، ناس تسترزق.

زياد الأحمدية: نحنا.. نحنا.. نحنا أولاً ما كنا عم نأخد أجرتنا، يعني نحنا جايين نشارك، إحنا جايين بنعبر.

كوثر البشرواي: إحنا نحكي بصورة عامة طبعاً، الموضوع ليس ليك.

زياد الأحمدية: طبعاً.. طبعاً.. طبعاً.. طبعاً.. بأعرف.

كوثر البشرواي: بالعكس أنا أحترم فيك، أنت شاب، وإن شاء الله يعني والأمل فيكم أنتم تسلموا.

زياد الأحمدية: أبداً، ولا مرة.. ولا مرة فكرة إنه.. إنه أعمل موسيقي من ورا مناسبة معينة مثل ما صار بكثير بالبلدان العربية، يعني مثلاً بأذكر كثير مليح بمجزرة قانا اللي صارت بلبنان إنه ما فيه ولا مطرب إلا ما غنى لقانا، شغلة منيحة بس بنفس الوقت شغلة فيها شوي من الشك وعلامات الاستفهام إنه

كوثر البشرواي: كل.. كل هاي أن..

زياد الأحمدية: إنه هلا، لأن الناس ماتوا بقى نحنا بدنا نغني بها المناسبة بعد شوي بيجي عيد العشاق بنغني للحب، وبعد شوي..

كوثر البشراوي: وبعدين البوسنة بنغني على البوسنة.

زياد الأحمدية: وبأتمنى.. بأتمنى على وسائل الإعلام كلايتها إنه تخصص وقت من ها البث الهائل اللي عم تبثه بالفضائيات لدعم الأغنية الوطنية، لأن القضية ما بتنتهي عند وقف ضرب المدفع، وعند وقف إزالة..زهق الدم اللي عم بيصير يعني. الأغنية ما لازم توقف أبداً لأن القضية هي من الـ 48 ومن قبل.. ومن قبل.. ومن قبل.

كوثر البشرواي: مزمنة، صحيح.. صحيح. لأ إحنا عندنا مواسم.

زياد الأحمدية: إلى أبد الآبدين، لأنه..

كوثر البشرواي: مع كل مجزرة..مع كل مجزرة نسمع مارسيل خليفة، نسمع وين الملايين.

زياد الأحمدية: غلط.. غلط.. غلط.

كوثر البشرواي: تنتهي المجزرة، ينتهي (شارون) من هنا نعود نحن إذا.. إذا.. إن كنا قد توقفنا، وأنا من بداءتنا.

زياد الأحمدية: إلى حياتنا اليومية الطبيعية، وكأنه بدنا استراحة، والطرف الآخر اللي هم الإسرائيليين ما بيكونوا عم بيرتاحوا، بيكونوا عم بيخططوا للضربة اللي بعدها.

دور الإعلام العربي في قضية فلسطين

كوثر البشرواي: أنا أحزن جداً لما أرى أنه في جنازة أحد القادة العرب، لما يتوفى تنكس الأعلام، والقرآن اللي نذكره صبح وليل، بكل الجرائم التي يشهد عليها التاريخ.

بول شاؤول: نعم.. نعم.

كوثر البشرواي: ولما يموت 100، 200، 500 مش مهم الأعداء، لأنه يبدو ما لهاش قيمة، تستمر في كباريهاتنا، ونستمر في فيديو كليباتنا، ونستمر في أفلام مكسيكية مدبلجة، ونستمر مع الأفلام الأميركية البالية المخزنة اللي جاتينا من 10 و 20 سنة اللي تبث على قنواتنا الفضائية وغير فضائية. كيف تفسر هذا الإعلام الذي يبرهن بنسبة كبيرة منه أنه لا علاقة له بما يحدث في فلسطين، في حين أنه 11 سبتمبر كل الإعلام الأميركي تحالفوا معه الإعلام الأوربي، وسخروا كل قنواتهم فقط للدراما التي حدثت في التاريخ الأميركي؟ صحيح ولا..؟

بول شاؤول: صحيح.

كوثر البشرواي: ونحن لا..ما لناش.

بول شاؤول: لأ هايدي.. هايدي مش صدفة، وليست مسالة عفوية أو نسياناً أو غفلةً، لا.. لا، هذه شيء مقصود ضمن سياسة.. ضمن سياسة معينة، لأنه فوجئت الأنظمة بهذا التأجج الجماهيري الذي برز وهو تراكم.. يعني لم.. الانفجار الشعبي لم يكن وليد ساعته، هذا تراكم 50 سنة و30 سنة و20 سنة و10 سنوات حتى انفجر بهذه الطريقة، وهذا فاجأ الأنظمة نفسها، والأنظمة لا تريد أن تضاعف هذا التأجيج، ومن الطبيعي أن تجعل.. يعني تحول الأنظار، وتحول الانتباه إلى قضايا.. قضايا ثانية، فتركت البرامج التي تكلمت عنها، وأغفلت كثيراً مما يجري.

كوثر البشرواي: قد أفهم.. قد أفهم هذا الطرح وهذه المبررات لدى القادة، لكن لا أفهم استسلام الإعلامي نفسه، لا أفهم عدم احتجاج وعدم انتفاضة الإعلامي نفسه لأنه هو جزء من هذه الشعوب التي تتحرك اليوم، مفروض هكذا تكون الأمور، صحيح أم لا..؟ كما لا.. كما أفهم الجنرال في الجيش، لكن لا.. لا أجد أي مبرر لأي جندي من جنودنا في جيوشنا العربية وما أكثرها أنه يقول حاضر سيدي أنا أنتظر في راتب التقاعد لما أصل إلى 60 سنة، وشوية الدواء، تلك الإكرامية التي تمن علينا حكوماتنا به.

بول شاؤول: هذا ما صنعوه على امتداد نصف قرن، هذه نتيجة دجَّنوا.. دجَّنوا الجنود، ودجَّنوا الضباط، ودجَّنوا المثقفين، دجَّنوا النقابات.

كوثر البشرواي: ما في كرامة هناك تروح، وما فيش..

بول شاؤول: ما فيه.. لأ، هذا التدجين هو.. عندما أدجن أنا ما أتنين أول شيء أفقد كرامتي، معنى التدجين هو القبول، إنه يقبل الواحد بكل شيء، أن يقبل أن يكون ممسحه، أن يكون.. أن يكون سجادة يمشي عليها السلطان، مدننا صارت.. لم تعد تشبه ناسها، صارت تشبه قوادها وقياداتها، لم تعد تشبهنا هذه المدن، يعني مدن ميتة مدجنة، كسولة، بليدة، قابلة، ذليلة، أفضل ما تفعله أن تصفق في المناسبات الوطنية التي يحتفل بها بعض المنهزمون بانتصاراتهم، عندما يحولون هزائمهم الكبيرة إلى انتصارات في مناسبات تاريخية، وتأتي الجماهير بالملايين، و 99.. أقصد 99% خير دليل.. خير دليل إلى أن هذه الجماهير صارت كقطعان الماعز، حولوها، أما اليوم.. أما اليوم فقد فوجئ هؤلاء الحكام بأن هذا القطيع لم يكن قطيعاً إلا ظاهراً، كان كائنات حية تنتظر لحظة ما، وجاءت هذه اللحظة، وصفعت كل هؤلاء.. هؤلاء الراكدين في كيلولاتهم التاريخية، وفي بلادتهم التاريخية، وفي هزائمهم التاريخية، وفي.. أشكال تسلطهم التاريخية، إذن هذه النقطة إن هذه الأمة برهنت اليوم أنها لم تمت، لم تستطع هذه الأنظمة أن تغتال هذه الأمة الحية.

كوثر البشرواي: الإعلامي لا يستطيع أن يحتج بتعلة لقمة العيش على ما يقدمه من تفاهة، والناس يعني تحت مجازر إسرائيل، ما أعرف.. يعني هي الفكرة اللي بنحب نوصل لها..

غسان مطر: وصلت.

كوثر البشرواي: إنه أشعر أنه الناس ما عدش فيهم دم، زميلي زاهي وهبة قال "العرب ما فيهمش دم، لذلك فلسطين تتبرع لهم يومياً بالدماء".

غسان مطر: جميل هذا الكلام، ولكن أنا لا أريد أن أعمم هذه الظاهرة. هنالك إعلام هي وحامل هم وقضية، وهذا ناتج عن يعني التزام جمهور هذا المنبر بالقضية العامة اللي..

كوثر البشرواي: والتزام الإعلامي نفسه بهذا الموضوع.

غسان مطر: طبعاً.. طبعاً، ولكن الحالة الشعبية والحالة الجماهيرية تؤثر على.. وأحياناً الحالة الرسمية.. وأحياناً الحالة الرسمية تؤثر على الصوت، على المنبر. نحن نعرف أن في مجتمعاتنا شرائح هي خارج المعركة أو تعتبر أن هذه المعركة لا تعنيها، هذا موجود، ولم نفاجأ، يعني الذي يعرف طبيعة الحساسيات العربية المذهبية، والطائفية، والقبلية، وإلى آخره، الذي يعرف هذه الحساسيات لا يتفاجأ بما يرى على بعض المنابر الإعلامية.

هنالك أناس يشمتون اليوم، عرب، لبنانيين وغير لبنانيين يشمتون ويقولون بالصوت العالي "ألم نقل لكم إن العلاقة مع إسرائيل هي الأفضل، وهنالك أناس يصرون على الاستمرار في مواجهة المشروع الداخلي والخارجي، المشروع الصهيوني في الخارج وفي الداخل، إذن كما مجتمعاتنا منقسمة شرائح وآفاقاً وتطلعات والتزامات، هكذا إعلامنا، يعني يجب ألا نعمم هذه الظواهر المريضة والمخترقة أن نعممها على حياتنا الإعلامية.

كوثر البشرواي: ما هذا قلة.. قلة حياء يسمى..

غسان مطر: قلة حياء.

كوثر البشرواي: لأنه أنت لما تكون في الحارة وتعرف أنه الجار السابع أو نهاية الشارع هناك عزاء تنقص في صوت الراديو مثلاً صح أم لا..؟ هذا أبسط الأمور.

غسان مطر: صحيح.. أنا.. أنا عم بأحكي يعني.

كوثر البشرواي: بصورة عامة يعنى.

غسان مطر: هذا منطق أخلاقي.

كوثر البشرواي: والقضية أخلاقية والمأزق أخلاقي أيضاً، والحرب أخلاقية أيضاً

غسان مطر: لأ هذا المنطق.. هذا المنطق لا ينسحب.

كوثر البشرواي: وسكوت أميركا اليوم سكوت أخلاقي

غسان مطر: سيدتي.. هذا المنطق الأخلاقي لا ينسحب أحياناً على المنطق العقائدي أو الاستهلاكي،يعني يجب أن نميز بين مبررات وجود هذا الصوت الإعلامي، المبررات التجارية والمبررات العقائدية وراء هذا الصوت الإعلامي، وبين مبررات أخرى مختلفة وتقيضه لوجود هذا المنبر الآخر.

شعبنا بخير، هو مخترق صحيح، وصلنا إلى مرحلة كان فيها تحت إبط كل واحد منا جاسوس أميركي، أو إسرائيل أو غربي أو إلى آخره، اليوم اختلف المشهد، بقي الجواسيس، هنالك جواسيس، ولكنهم انكشفوا، والمناخ العام هو مناخ صحي.

كوثر البشرواي: الوضع مُبكي وُمحزن ومُخزي، الواحد مش قادر حتى القاموس العربي أعتقد تجاوزته الأحداث لوصف ما يحدث، بين قوسين موضوع الإعلام، فيديو كليب، المسلسلات المكسيكية المدبلجة، الأفلام الأميركية، كاميرا، مشاهد مثيرة، كل هذه الأشياء اللي تشوفها، وأنت تسمع إنه مائة سقطوا اليوم، خمسين سقطوا أمس، ألف سيسقطون غداً، يعني شيء مخزي. أنا.. أنا يقهرني لما يتوفى أحد زعمائنا العرب بكل جرايمهم، بكل تاريخهم، قرآن على القنوات صبح وليل سبعة أيام، تنكس الأعلام، ويموت بالمئات إخواننا في فلسطين ولا نعرف كيف نعزي، وتستمر الحفلات الراقصة، وتستمر العري الفاحش، ويستمر هذا.. هذا.. هذه البذاءة الأخلاقية في إعلامنا العربي ومش نعطي وحتى مساحة للأمهات تدفن.. الناس تدفن في مقابر جماعية الآن، قبور جماعية تفتح، ومراكز جماعية لم.. لم تغلق.

د.نقولا زيادة: هذا.. هذا فعلاً من الأمور التي أحزن لها أنا شخصياً كل ما هناك أنك أنت يا سيدتي عبرت عنها بطريقة أفضل مما يمكن أن أعبر عنها أنا، فيه عُهر في العالم العربي، أنا لا أشاهد تليفزيون منذ سبع سنوات لأنه يؤذي عيني، لكن أرى الصور المنشورة في الصحف، هناك عُهر. في أيام الخير فليكن بعد العهر، لأنه جزء من الحياة المجتمع، لكن في وقت.. في وقت يجب أن يكون كل شخص له بعض الشعور من الحزن، يجب أن تكف.

هذه مؤسسات عن إجراء مسابقات عُري ومسابقات جمال، وبعدين، ثم كما تفضلت أي واحد من الذين عملوا في سبيل السياسة مخلصاً كان أم خائناً، كبيراً أم صغيراً تحزن عليه الأمة، إذاعات وغيرها، ألا يجوز، ألا يحق لهذه المئات التي قتلت في فلسطين أن نري بعض الحزن على الأقل مرة في الأسبوع نقول هذا اليوم لا غناء ولا موسيقي ولا إلى آخره.. إنما بعض الصلوات، قراءات من الكتب المقدسة بقطع النظر عما هي.

كوثر البشرواي: نعم.. نعم..

د.نقولا زيادة: حتى لو كانت بوذية، إذا كان فيها شيء يدل على الحزن والأسى؟! هذا الذي يمكن أن يحدث، وأرجو.. أرجو أن يكون بين الذين يسمعون هذا الحديث بيني وبينك من لهم سلطان في ذلك فيقوموا بهذا العمل، ويخجلوا قليلاً من فضح أنفسهم ويكتفون إنه "والله العظيم شيء محزن، شيء.. " ثم بعد أن يقول هذا الواحد يذهب.. يذهب لينبسط في مطعم. في سنة 1949 كنت عائداً أنا وزوجتي وابني رائد من إنجلترا إلى لبنان.

كوثر البشرواي: نعم.

د.نقولا زيادة: جئنا بحراً من مرسيلياً وصلنا إلى أثينا، وكانت الباخرة يونانية، فكان من الطبيعي أن تبقى هناك مدة كي يستطيع الناس وصول والإنفاق في المدينة، جلسنا في مقهى، كان هناك شخص يوناني على الطاولة، المقهى الوحيد الذي وجدنا عليه مكان، أنا ما تكلمت معه لأنه لا أعرف اللغة، ابني كان يتكلم اللغة الإنجليزية لأنه موجود هناك، فكنت أتكلم مع ابني باللغة الإنجليزية، لكن فلتت مني كلمة باللغة العربية كان يعرفها ابني، فانتفض الرجل، وكان متقدماً بالسن وقال لي تحكي عربي، تتكلم عربي، قلت نعم، فتحدثنا، قلت له يا سيدي الجماعة التي معنا، هذه الفرقة الصغيرة تريد أن تقضي ليلة أنس في أثينا فأين تنصحهم بالذهاب؟ قال ليس هناك محل لقضاء ليلة أنس في كل بلاد اليونان، نحن الآن في حرب، ولذلك كل هذه الأماكن مقفلة، يمكن أن يذهب الواحد يتناول الطعام فقط، وددت لو أن على الأقل يصمت هؤلاء المغنون المزعقون في أنحاء العالم العربي، لا على محطات الإذاعة والتليفزيون فقط، ولكن حتى في المطاعم، حتى يكون هناك إحساس..

كوثر البشرواي: نعم.

د.نقولا زيادة: أنا لا أستطيع أن أفهم أنه أحد الناس يمكن أن يحس بالألم الذي يشعر به الباقون وهو – يجلس – في محل يستمع لزعَّاق يسمي نفسه مغني ومعه هذه الأدوات الكهربائية، ثم يشرب كأس هنا وكأسان هناك، هذا لا يمكن أن يحزن، لا يمكن أن يشهد.

كوثر البشرواي: نعم.

د.نقولا زيادة: أنا هذا الذي أحب أن أدعو إليه عن طريق (الجزيرة).. قناة (الجزيرة)، العالم العربي: اقفلوا المطاعم، كفوا عن الغناء، ابكوا قليلاً لعل الناس يمكن أن يحسوا بأنكم تشعرون معهم.

سمية بعلبكي (فنانة): تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب

دلوقت يا قدس ابنك

زي المسيح غريب.. غريب.

تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب

خانوه.. خانوه نفس اليهود

ابنك يا قدس زي المسيح لازم.. لازم.. لازم يعود على أرضها

كوثر البشرواي: لم يبق لي من تعقيب بعد هذا الكلام سوى تذكيركم بأن الحلقات القادمة ستكون هي أيضاً ضمن إطار البحث عن ملامح المشروع الثقافي الجديد الذي يحب أن يتشكل على ضوء تراجيديا جنين، بعيداً عن الزيف والاسترزاق والشعارات، موعدنا المقبل الأسبوع القادم بمشيئة الله، فكونوا معنا، حتى ذلك الحين نترككم في أمان الله ورعايته، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.