صورة عامة - تحت المجهر - مصر الوطن الأخر 5/9/2011
تحت المجهر

مصر.. الوطن الآخر

تسلط الحلقة الضوء على العلاقة بين المصريين واليونانيين، زار هيرودوت أبو التاريخ مصر، وكتب أن اليونانيين من أوائل الأجانب الذين عاشوا بمصر.

– الجذور المتأصلة لليونانيين في مصر
– اليونانيون وأثرهم على الاقتصاد المصري

– اليونانيون في مصر

– الإسكندرية مدينة متعددة الثقافات

– اليونانيون وسياسة عبد الناصر

 

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد
خريستوس كافاليس
خريستوس كافاليس
ضياء الدين القاضي
ضياء الدين القاضي
خاريس تزالاس
خاريس تزالاس
إيفثيميوس سولويانيس
إيفثيميوس سولويانيس

[الشموع- قصيدة كوستانديونس كافافيس- 1910]

مثل صف من الشموع

ذهبية ودافئة ومفعمة بالحياة

أيامنا الماضية.

تذوي خلفنا صف من الشموع المحترقة

ما يزال الدخان ينبعث من أقربها.


ستاثيس أثاناسوغلو/ مالك سابق للصالون الأخضر: لا تفلت من عمر الطفولة لن تفلت أبداً، مهما ظننت أنك فلسفت الأمر لا تفلت، تذهب إلى الوراء.


بوبي ذيلى يوريي/ أقامت في الإسكندرية 31 عاما: أنا محظوظة جداً جميع الناس لديهم وطن واحد لكن نحن يونانيو مصر لدينا وطنان، أحياناً أسأل كيف كنت تشعرين في مصر، كنت أشعر كأنني في بيتي لم أكن غريبة أبداً.


ميكس بناكيس/صاحب مصنع تبغ سابقا: أشعر أننا نفكر بنفس الطريقة، اليونانيون والمصريون كانوا يتفقون فيما بينهم بطريقة ما، الإنجليز بالطبع كانوا يحافظون على مسافة ما بسبب الإمبراطورية الفرنسيون كذلك، المصريون لديهم تاريخ عريقٌ قريبٌ من اليونان أحس أن الناس هنا أقربائي.

الجذور المتأصلة لليونانيين في مصر

تعليق صوتي: تضرب العلاقة بين المصريين واليونانيين جذورها في أعماق التاريخ، زار هيرودوت أبو التاريخ مصر وفي القرن الخامس قبل الميلاد، وكتب أن اليونانيين من أوائل الأجانب الذين عاشوا هناك، كان اليونانيون من أبناء الحضارة المنوية التي نشأت في جزيرة كريت أول الواصلين بسفنهم إلى مصر، وبدأت علاقة تجاريةٌ وثقافيةٌ وطيدةٌ بين الشعبين.


خاريس تازالاس/ مؤرخ: اليونانيون المنويون شيدوا مستعمرات في الضبعة لدينا مدينة منوية كان هذا عام 1200 قبل الميلاد.


ايفثيميوس سولويانيس/ مؤرخ: إنها مدينة نافراكتس وهناك مدينة أخرى اسمها أثينير، يذكرها هوميروس كثيراً في أشعاره.


خاريس تازالاس: عدا ذلك لدينا بساميتيك ، الفرعون الذي دعا اليونانيين مرتزقة خلال العهود القديمة، هؤلاء ذهبوا إلى مصر، وانبهروا بالتماثيل العملاقة.


تعليق صوتي: احتل الإسكندر الأكبر المنطقة، وبنا الإسكندرية لتكون عاصمة ملكه، وهناك دفن بعد عامين من موته، عام 323 قبل الميلاد في تابوت ذهبي وضع في مدفن لم يكتشف بعد. خاريس تازالاس إسكندراني غادر المدينة في الستينات، وخلال السنوات الخمس عشرة الماضية بدأ ينقب في هذا الماضي الباهر المدفون في مسقط رأسه.


خاريس تازالاس: لأن الإسكندرية تغرق والمتوسط يرتفع فالكثير من الآثار على الشاطئ موجودة في البحر، لدينا مكتشفات مهمة للغاية، إبداعات هندسية لدينا العامود الوحيد الذي وجد في الإسكندرية، لا يوجد أي شبيه مثله، وجدنا كذلك موقع وأجزاء من ضريح كليوباترا، هناك حيث كانت نهاية العالم اليوناني، لو كان ماركوس أنطونيوس قد انتصر مع كليوباترا لكان العالم مختلفا، العالم أصبح رومانياً لأن كليوباترا وماركوس أنطونيوس انتحرا هناك.

اليونانيون وأثرهم على الاقتصاد المصري


تعليق صوتي: يونانيو مصر اليوم لا يتجاوزون الألف شخص، ومع هذا ففي بدايات القرن العشرين، كانت الجالية اليونانية من أنشط الجاليات في مصر، اليونانيون كانوا هم من أنشأ المصارف الأولى والمسارح الأولى والصناعات الأولى، صنعوا أول نبيذ وأول سيجارة، عبر استحضار طرق جديدة استطاعوا زراعة القطن المصري الشهير في أماكن مجدبة، محتلين بذلك السوق العالمية ودافعين إلى الأعلى إنتاج واقتصاد مصر، كانوا متفرقين في كل أنحاء مصر وصولاً إلى الحدود مع السودان، فوصل عددهم إلى 200 ألف، وكان لهم أثر بارز في 80% من مناحي الحياة الاقتصادية المصرية.


ضياء الدين القاضي/ مؤرخ: همه بيحبونا ونحن بنحبهم، يعني كان في جنبنا ناس طلاينة وناس فرنساويين، بس الجالية اليونانية هي كانت أحب الجاليات لينا وما شفناش منهم إلا كل خير.


يورغوس سيذيريس/ مالك سابق للصالون الأخضر: جاءت أمي وخالايا مينو وبانو أثاناسولو بعد كارثة آسيا الصغرى من مدينة أزمير، من أجل أن يجدوا أياماً أفضل، كان كل ما لديهم بعض مجوهرات جدتي التي استطاعت إنقاذها كانوا لاجئين، هكذا بدؤوا كباعة متجولين كانوا يأخذون نماذج من تاجر جملة أرمني كان يثق بهم ويطرقون أبوب الأسر اليونانية الميسورة هنا في الإسكندرية وشيئاً فشيئاً استطاعوا أن يفتحوا أول صالون .

[داخل الصالون الأخضر]


يورغوس سيذيريس: أنت مش محمد ،أهلا إزيك إزاي حضرتك..


محمد: واحشني واحشني مستر جورج.


يورغوس سيذيريس: شكرا ، جينا في بلدنا ماما ماتت وأبويا بردة مات..


محمد : البركة فيك شد حيلك مستر جورج..


يورغوس سيذيريس: شكراً، شكراً كويس المحل حلو برضه دايماً زي ما هو نفس البانك كله نفس الشيء ممكن ندخل نشوف المكتب بتاع والدي؟


محمد: آه المكتب موجود تفضل.


يورغوس سيذيريس: شكراً.. في الواقع حتى عام 56 كنا من أول المتاجر في مصر، كنا أكبر متجر أقمشة في الشرق الأوسط، أستطيع أن أقول لكم إن أسرة آل سعود كانت تأتي إلى القاهرة كان المحل يقفل أبوابة خصيصاً لهم، كانت الأميرات يأتين ويشترين من المحل بشكل حصري، وهذا كان يحدث كل عام. ده والدي، وده والد مينوس والد اسطافيس وده بانوس اللي كان في القاهرة، ياه أيام قديمة، أنت فين؟


أحد أصدقاء يورغوس: ونفس الريون هو الريون، وأيام الملك فاروق.


يورغوس سيذيريس: سلامات وألف شكر سعيدة، سعيدة.


محمد: سلام مستر جورج.


يورغوس سيذيريس: أبوسك ده الوحيد اللي فاكر منه. أنا متأثر جداً لقد أثرت في نفسي المحبة التي لقيني بها الناس الذين استقبلوني لقد سروا كثيراً إذ رأوا من جديد ابن الرجل الذي كانوا يعملون لديه.

اليونانيون في مصر


تعليق صوتي: يعود الوجود الحديث لليونانيين في مصر إلى شخص بعينه محمد علي.


خاريس تازالاس: محمد علي كان أقوى زعيمٍ في الشرق الأوسط، طالب السلطان بأمور وحصل عليها، قرر محمد علي بشكل جيد أو سيء، أن يكون مدينة أوروبية وأن يحيي الموانئ التي أقفرت وأن يحضر أشخاص يقومون بعمل محدد أن يعملوا، الإنجليز كانوا يأتون لتنظيم الجيش والشرطة، الفرنسيون لتنظيم الأسطول الذي فقد في معركة نفارينو والموانئ، الإيطاليون كانوا مهندسين، اليونانيون تجار.


تعليق صوتي: ولد محمد علي عام 1769 في مدينة كافالا اليونانية جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، قبل أن يصبح عسكرياً كان تاجر تبغ وكانت له علاقات اقتصادية وعلاقات صداقةٍ مع التاجرين اليونانيين كوستانديونس وميخائيل توسيتساس عندما أًصبح نائب حاكم مصر عام 1805 لم ينس جذوره، دعا اليونانيين للذهاب إلى الإسكندرية لكي يخدموا طموحه.


إيمفثيميوس سولويانيس/مؤرخ: كان طموحه أن يمنح الازدهار للاقتصاد المصري خاصةً للعالم الزراعي وقد كان يرى أن اليونانيين هم الذين سيستطيعون مساعدته.


خريستوس كافاليس/رئيس الجالية اليونانية في القاهرة: اليونانيون الذين كانوا في مصر حينما رأوا أن أميركا التي كانت المصنع الرئيسي للقطن لإنجلترا قد احترقت مزروعاتها بسبب الحرب الأهلية، وأصبح تزويد إنجلترا بالقطن صعب للغاية أرادوا بذكائهم أن يستغلوا علاقاتهم الدولية، لأنهم كانوا تجاراً كباراً، استطاعوا أن يوفروا بضائعهم وأن يعوضوا القطن الأميركي عبر القطن المصري، وهكذا نشأت بنية مصرية اقتصادية جديدة عبر هؤلاء اليونانيين المقدامين.


إيمفثيميوس سولويانيس: جاء يونانيون من شرق وغرب فيسليه من فولوس حتى كرغيتسا إلى مصر وزرعوا القطن الذي كان كنز البلد، سأقول ببساطةٍ أنه كان هناك بورصة للقطن في مصر كانت تحدد أسعار القطن الموجود في العالم.


أليكساندرا باباذيميتريو/ من يونان مصر: اليونانيون الذين أثروا في البداية مايكل كانجولس، بيناكس خوريمس، وغيرهم كثيرون، هؤلاء ربحوا أول أموالهم من إنتاج القطن.


ميكس بناكيس: هذا حظ سعيد واضح أن مصر كان لديها قطن ولم يكن المصريون يديرونه كما يجب لكي يجري ما جرى فيما بعد في مصر.


تعليق صوتي: ميكس بيناكس هو سليل أسرةٍ يونانيةٍ مصرية كبيرة أثرت من تجارة القطن، أسرته أهدت اليونان وزراء ورؤساء بلدية هناك شوارع ومبانٍ في أثينا تحمل اسمها، إسهامات عائلة بيناكس في دعم الجالية اليونانية في مصر وهباتها لليونان الفقيرة جعل الدولة اليونانية تعلنها من المانحين الوطنيين. كان هذا هو التيار الذي بدأ باتجاه مصر، كانت الحالة في اليونان صعبةً للغاية خاصةً في الجزر حيث كان الناس بلا عملٍ وكانوا جائعين، كل الذين استطاعوا أن يرحلوا وكل الذين تعلموا في الخارج كانوا يعتبرون أنه لكي يحققوا شيئاً ما فالأسهل أن يحققوه في أماكن يمكن أن يظهروا فيها. جلب بدء العمل في قناة السويس المزيد من اليونانيين إلى مصر دعاهم المهندس الفرنسي للمشروع فرناند ديلاسيبس، كانوا من أبناء الجزر اليونانية ولديهم خبرة بالبحر والأعمال والبحرية.


ضياء الذين القاضي/مؤرخ: ديلاسيبس عاوز يشغل القناة وعاوز يحفر القناة، استعان بمن؟! أبناء الجزر اليونانية وعلى رأسهم كان أكبر مجموعة من تجمعات اليونانيين أبناء جزيرة إيه كاسوس اللي إحنا بنقول عليهم في بورسعيد الكاشوكية.


تعليق صوتي: الدكتورة بوبي فيلي يوري طبيبة أطفال تبلغ اليوم 81 عاماً، إنها سليلة أولائك السابقين.


بوبي فيلي يوري: جاء إلى هنا سكان جزر فيفاكنيس خاصةً من جزر كاستالوزو وكاسوس وكامينوس لكي يعملوا مع المصريين ليفتحوا قناة السويس، هؤلاء الناس عملوا بشكلٍ قاسٍ جداً، يجب أن لا ننسى أنها كانت صحراء وكانت مليئة بالصخور وبعد عشرة سنوات أي 1869 انتهت القناة حينها أحضروا أسرهم شيئاً فشيئاً وبدأت أولى الزيجات تتم هنا.


تعليق صوتي: بيكاس كابايزيس ينحدر من أسرة صانعي تبغ، كان مصنع بابا ثيولوغو من أحسن مصانع الإسكندرية.


بيكاس كابايزيس: إحدى أنجح الصناعات كانت صناعة السجائر جاء زيناكليس في نهاية عام 1880 وبدأ بصناعة السجائر المصرية، السيجارة هي اختراع مصري اخترعه جيش ابراهيم باشا، لكن ليس في اليونان بل في سوريا حيث قام بحملة عسكريةٍ كبرى ضد العثمانيين ما بين أعوام 1830 و1840، هناك لأن جنود مدفعيته لم يعد لديهم غلايين للتدخين، كانوا يأخذون التبغ كمكافأة على عملهم الجيد وكانوا يلفونه في ورقٍ كما يلفون البارود للمدافع وهكذا نشأت السيجارة.


تعليق صوتي: صناعة الدخان أصبحت في نهايات القرن التاسع عشرة أكبر صناعةٍ في مصر، كانت المرة الأولى التي لا تصدر فيها البلد مواد أوليةً بل منتجاً صناعياً جاهزاً، لقد غزت السجائر التي كان اليونانيون يصنعونها في الإسكندرية أوروبا وأميركا وبلغت شعبيتها أن ورد ذكرها عام 1904 في مغامرات شارلوك هولمز للمؤلف الاسكتلندي آرثر كونان دويل.


بيكاس كابايزيس: ما بين الأعوام 1925 و1930 تم شراء معظم مصانع التبغ اليونانية من قبل إنجليزا وأمريكيين، رأيت مصنعنا قبل عشرة سنوات كان لم يزل في مكانه الآن لأن المنطقة بنيت بأكملها بحثنا عنه مراراً لكن لم نجده، لا أدري ربما تم تهديمه، انظر يا ستافيز غير معقول، لا أكاد أصدق، هذا بيتنا، كل هذا كان حديقة، انظر ماذا جرى هنا، لقد بنو مباني من أمامه ومن خلفه، ستقول لي أنهم الآن خمسة أو ستة ملايين حينها كان عدد سكان الإسكندرية مليون، هؤلاء الناس كان عليهم أن يجدوا مكاناً يقيمون فيه لكن انظر إلى هذا الأمر المؤسف، الزمان يتغير.


بيكاس كابايزيس: كيف حالك يا محمد..


محمد عوض: يا معلم إزيك.


بيكاس كابايزيس: كيف حالك؟


محمد عوض: بخير وأنت؟


بيكاس كابايزيس: بخير شكراً.


محمد عوض: كيف أخبارك يا صديقي الرائع؟


بيكاس كابايزيس: منذ متى لم نتقابل؟


تعليق صوتي: محمد عوض من الشخصيات المعروفة في الإسكندرية، مجموعاته النادرة التي تعرض في مكتبة الإسكندرية جعلته معروفاً عالمياً.


محمد عوض: هيا بنا أجول بك في المكتبة، أريد أن أريك مجموعاتنا والإضافات الجديدة التي قمنا بها.


تعليق صوتي: هو مهندس كما كان والده وجده يدرس في جامعة الإسكندرية وقد وهب حياته لحماية التراث الهندسي للمدينة.


محمد عوض: هذا مسرح زيزينيا.


بيكاس كابايزيس: مسرح زيزينيا، نعم.


محمد عوض: مسرح زيزينيا وهذه صورة لسارة برنار يوم ظهرت على المسرح، تعلم أن أصحاب زيزينيا من أصل يوناني، نعم يونانيون من جزيرة تيوس، زيزينيا كان أول مسرح في الإسكندرية وأول مسرح في مصر.


أليكساندرا باباذيميتريو: كانت بالفعل مدينة ضخمة رائعةً جداً، الإسكندرية كانت رائعة للغاية، كانت تقارن بباريس ولندن.


بيكاس كابايزيس: كانت مركز تنوع عالمي مثل ما قالوا بعد الحرب العالمية الثانية إن بيروت كانت باريس الشرق الأوسط هنا كانت باريس قبل الحرب العالمية الثانية وربما قبل الأولى.

الإسكندرية مدينة متعددة الثقافات


تعليق صوتي: كانت فرق البولشوي وفرق البالية الأخرى من روسيا، كانوا يذهبون إلى باريس بعد ذلك كانوا يأتون إلى الإسكندرية، البولشوي كانت في باريس وبعد ذلك جاءت إلى الإسكندرية.


محمد عوض: هذا منزل زلفوفاكس إحدى أهم الأسر اليونانية في الإسكندرية، هذا منزل آل كازول.


أليكساندرا باباذيميتريو: الأعياد التي كانوا يقومون بها كانت رسمية جداً، ملابس النساء الليلية الطويلة والرجال بملابس السموكن، هذا كان ضرورياً، لم يكن أي رجل يستطيع الذهاب إلى هكذا مناسبة دون ارتداء ملابس السموكن، أغلب مراكز التسلية كانت يونانية وربما كلها كانت كذلك أنا لا أعرف أي مركز تسلية غير اليونانيين في الإسكندرية .


بيكاس كابايزيس: زوج أخت جدتي كان لديه سينما، إحدى أكبر دور السينما في مصر، كانت تسمى سينما ايريس كانت من أول دور السينما في مصر واعتقد في العالم كله، شارع شريف كان أكثر شارع أرستقراطي في الإسكندرية، كانت هناك كل محلات بيع المجوهرات قرب المصف، كان السوق الأوروبي للإسكندرية.


أليكساندرا باباذيميتريو: كنت تخرج بين بيتك ترى إيطالياً فيحييك بنجوريو سنيوره، فتجيب بنجوريو، كان الآخرون يتكلمون المصرية وآخرون يتكلمون لغة مصرية فرنسية، كان هناك خليط من الشعوب هذا الذي أفتقده الآن.


إيمفثيميوس سولويانيس: كان عالماً رائعاً من تعدد اللغات والتناقضات وفي حالات كثيرة كان الناس يتبادلون الأشياء الجيدة التي كان يمكنهم نقلها من واحد إلى آخر، كانت حياة جميلة بمعنى أن الناس كانوا يتعلمون من بعضهم البعض أموراًً كثيرة.


خاريس تازالاس: هذه المدينة بكل هذه المشاعر بهذا الماضي الحاضر في كل خطوة بهذه المباني المتهالكة ألهمت أدباء وعظماء بدءاً من كافافيس العظيم أكبر شاعر في القرن العشرين، سيركس، أيرين فوستر، لورانس دوريل، فوستر شالينتيه، إدوارد خراط وغيرهم كثيرين، الإسكندرية لديها حضارة إنها شيءٌ متميز.


إبراهيم عبد المجيد/أديب: كما قال الشاعر كوستانديونس كافافيس:

سأذهب إلى أرض ثانية وبحر أخر.

إلى مدينة أخرى تكون أفضل من تلك المدينة.

كل محاولاتي مقضٍ عليها بالفشل

وقلبي دفن كالميت.

وكتبت عنه أكثر من مقال، وكتبت مقال عن قصيدته الشهيرة في انتظار البرابرة قمن بتفسيرها تفسير ثاني، كوستانديونس كافافيس كتب في انتظار البرابرة، الملك والشعب ورجال السلطة التشريعية والبرلمان كله يخرج من المدينة لاستقبال البرابرة ولكن البرابرة لا يأتون، فأنا فسرتها تفسيرا سياسيا على العصر الذي نعيشه في مصر وهو عصر حسني مبارك الذي تخلصنا منه والحمد لله أخيراً يعني، إن إحنا حتى البرابرة يرفضون أن يأتوا إلينا، لان حتى البرابرة يرفضون أن يأتوا إلينا في مصر.


تعليق صوتي: لم يكن جميع اليونانيين في مصر موسرين، أغلبيتهم كانوا باعة متجولين وكانوا يعيشون في توائم مع المصريين في نفس الأحياء الشعبية، فافياذيس صاحب مطبعة وما زال يمارس مهنته التي تعلمها من والده، إنه واحد من اليونانيون القلائل الذي لم يغادروا مصر أبداً، عاش حياته كلها في الإسكندرية.


فيرون فافياذيس/ صاحب مطبعة مقيم في الإسكندرية: طبعاً نحن أقرب جداً إلى الشعب، الجنسيات الأخرى كان أغلبها من رجال الأعمال، الذين عاشوا أبعد عن المجتمع المصري، 90 % من الجالية اليونانية كانوا يعملون بالأجر اليومي، كانوا أشخاصا لديهم محلات بقاله وأفران، كانوا موظفين وفنيين ونجارين.


إيمفثيميوس سولويانيس: اعتادت جدتي أن تقول لي أنه كان لديها ذات يوم ثوب واحد لم يكن لديها المال لشراء ثوب أخر، وكان عليها أن تغسله في المساء وتتركه ليجف في الليل وتلبسه من جديد في اليوم التالي.


تعليق صوتي: جدة محمد عوض كانت يونانية، يونانية تجرأت أن تتحدى تقاليد تلك الحقبة، عندما قررت أن تتزوج مصرياً مسلماً.


محمد عوض: تعرف لقد تعرف جدي على جدتك من خلال جدك، نحن أسرةٌ واحدة، نحن أسرةٌ واحدة، واستدعاها البطريرك وقال لها، ماذا تريدين أن تفعلي، هل ستتزوجين مصرياً مسلماً، لم يكن سهلاً جداً أن يتزوج مصرياً من يونانية أرثوذوكسية، قال لها البطريرك لو فعلت هذا سوف نحرمك من الكنيسة، نعم، هددها بالحرمان من الكنيسة، وقالت له أيها المحترم يجب أن تفعل ما يمليه واجبك عليك، لكن أنا سأتبع قلبي.

[فاصل إعلاني]

تعليق صوتي: في يوليو عام 52 هبت ريح جديدة على مصر أنهى جمال عبد الناصر تنظيم الضباط الأحرار حكم الملك فاروق وأسسوا للمرة الأولى جمهورية في مصر.


خاريس تازالاس: عبد الناصر كان ثورياً شريفاً أعطى الكرامة التي هي أمر مهم جداً، لشعب لم يحظ بالتقدير منذ أيام الفراعنة، لأنهم كان لديهم دائماً محتلون.

اليونانيون وسياسة عبد الناصر


تعليق صوتي: سياسة ناصر المحايدة والمعادية للاستعمار أزعجت القوة الغربية الكبرى وإسرائيل لكن الشعب كان يقف مع الثوار، فأسرع الكثير من الشباب للتطوع في الحرس الوطني الذي أنشئ حديثاً لحماية وطنهم وقيمهم.


بوبي فيلي يوري: جاء إلى كلية الطب أنا ذهبت وسألت أستاذي أتذكر أنه كان جراحاً الدكتور حافظ، قلت له ماذا علي أن أفعل، أجابني بالانجليزية اسألي قلبك وافعلي ما يقول لك وذهب، ولأنني كنت أحب مصر كثيراً ولا أزال، ذهبت وكنت أول المتطوعات، وبعد عشرين يوماً كنت في الكلية قال لي زملائي، بوبي، بوبي أسرعي، أسرعي ذهبت إلى محطة الرملة وماذا رأيت في جميع الأكشاك في المجلات المصرية، كانت صورتي مع السلاح مع تعليق، الشابات المصريات في الحرس الوطني وتلك المصرية كانت يونانية وكنت أنا.


خاريس تزالاس: في صيف عام 1956 تراجعت الولايات المتحدة وبريطانيا عن تعهدهما بتمويل السد العالي الذي حلم به عبد الناصر ليخرج شعبه من الفقر، وعده البنك الدولي برئاسة بلاك إعطاءه المال، ويبدو أن إصبعاً يهودياً تدخل في الولايات المتحدة وفي لحظة ما من عام 56 قال بلاك لن أعطيك المال، وبدلاً من أن يحاول ناصر إيجاد طريقة للتفاوض، فهو كعسكري ورجل مطلق معتقداً أن هذا السد وحده كان يمكن أن يساعد شعبه، قام بتأميم القناة في 23 من يوليو عام 1956، في ساحة محمد علي حيث كنت حاضراً هناك، ربما كنت الأوروبي الوحيد في تلك الساحة.


تعليق صوتي: اندلعت أزمة جدية في الشرق الأوسط حيث أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر أعلن خلال حديث له أمام حشد متحمس في الإسكندرية أن مصر استلمت السيطرة الدولية على قناة السويس، منوليس استاماتيو يبلغ اليوم 91 عاماً كان يعمل في ذلك الوقت قبطاناً مرشداً في قناة السويس.


منوليس استاماتيو/ قبطان مرشد سابق في قناة السويس: كنت حينها في الشركة، وحين علمت ذلك قلت إنهم يستحقونه، الفرنسيون كانوا أسيادا داخل القناة، لم تكن مصر هناك، كانت فرنسا، كانوا فظين جدا، لم يكن مصري يدخل بسهولة إلى المكاتب هناك.


تعليق صوتي: مع اشتداد الأزمة سحبت الدول الأجنبية في سبتمبر من عام 1656، جميع المرشدين الأجانب العاملين في القناة.


ضياء الدين القاضي: عايزين يبينوا قدام العالم كله إن مصر ليست مؤهلة إنها تدير هذا المرفق الحيوي، وإن عملية التأميم عملية فاشلة، عاوزين يربكوا القيادة المصرية.


تعليق صوتي: الإنجليز والفرنسيون رحلوا يومها، أجبرتهم حكوماتهم أن يرحلوا، اليونانيون قالوا إنهم يريدون البقاء، كما جاء يونانيون كثيرون من اليونان.


ضياء الدين القاضي: الشيء الجميل مش أول مرة اليونانيين واقفة، وفي وقفات ووقفات للشعب اليوناني بجانب الشعب المصري.

[نص مترجم مكتوب]

وجدت القوات الفرنسية والإنجليزية التي توغلت في المدن دمارا وفوضى، لكن كلما كان الاحتلال مستمرا، كلما كان الرأي العام الدولي مضادا له، اليونانيون يقاتلون إلى جانبنا.


تعليق صوتي: عندما بدأ التجنيد، كان بعض اليونانيين يذهبون ويتطوعون.

[نص مترجم مكتوب]

حشود من الجماعات القومية تحتج في الإسكندرية والقاهرة على الاحتلال البريطاني للسويس وغيرها من المناطق، ترفع شعارات معادية لبريطانيا من مجموعات مصرية وقطاعات كبيرة من السكان اليونانيين، رسميون وعمال يتركون أعمالهم مع البريطانيين في القناة.


ضياء الدين القاضي: حقولك من الشيء الجميل في سنة 1956، كان في مجموعة إن لما الانجليز احتلوا مدينة بورسعيد، كان في مجموعة عاشوا مجموعات مقاومة شعبية، عشان يتصدوا للقوات البريطانية والفرنسية، منهم مجموعة يونانية يرأسهم ألبا مالكسوس بمحافظة بور سعيد، إحنا عندنا حاجة كمسلمين اللي يقتل في الحرب يعتبر شهيدا، في شهيد يوناني وأطلقنا عليه اسم شهيد، في واحد اسمه بانايوكي ماسوماتش، ضرب الانجليز وفك حصار الفدائيين المصريين لكن الانجليز بالطيارات شافته، فسقط شهيدا تروي دمائه، وطنه الثاني أمه الثانية مصر بالإضافة لليونان.


تعليق صوتي: انتهت الحرب بتدخل المجتمع الدولي عام 1956، انهزم البريطانيون والفرنسيون حيث إنهم لم يحققوا أهدافهم، لم يسيطروا على القناة ولم يتخلصوا من عبد الناصر، ثم اكتمل سد أسوان الهيدروكهربائي بنجاح بمساعدة الاتحاد السوفييتي، وغدا زعيم مصر من أشهر الشخصيات السياسية للقرن العشرين، لقد قام بإصلاحات اشتراكية فاعلة، محاولا أن يضمن لكل مصري فرصة عمل وسكن وتعليما ورعاية صحية، وفي هذا الإطار بدأ في تأميم المشروعات الأجنبية والمحلية في كل البلد، ووضع قيودا على إقامة الأجانب بهدف العمل في مصر.


خاريس تازالاس: كانت قد أعطيت امتيازات للأجانب لم يعطوها في أي منطقة مستعمرة، بحيث لو أنك قتلت مصريا بقصد أو عن خطأ لم يكن يمكن للشرطي المصري اعتقالك، كانوا يدعون عليك ويأتي موظف من سفارتك ويأخذك، وكان يقول لك لماذا دهست الرجل، حسنا لقد دهسته، سوف تنتظر المحكمة بالتركيبة التي تريدها أنت، حيث لا يشترك فيها مصري واحد، بل بلجيكيون وإنجليز وفرنسيون ويونانيون، وهذه المحكمة تحاكمك،إذن لم يكن ممكنا أن تستمر هذه الحالة من الامتياز، الدور الذي قام به اليونانيون في أزمة السويس القريبة جعلهم يظنون أنه سوف يلقون معاملة أكثر تساهلا.


إيمفثيميوس سولويانيس: وعد عبد الناصر بأن يستثنى اليونانيون من هذه الإجراءات المقيدة التي كانت في مجال العمل والإقامة، لكن في الواقع منذ عام 1956 حتى عام 1960، ظهر أن عبد الناصر تراجع لتشمل الإجراءات اليونانيون كذلك.


فيرون فافياذيس: فلنقل مثلا أنهم بدؤوا من الموظفين العاملين في المصارف، لقد صدر قانون يمنع كل أجنبي من مواصلة العمل كموظف.


إيمفثيميوس سولويانيس: الإجراءات طالت جميع السكان وحتى المصريين أي العرب، الذين امتلكوا كما قال أموالا كثيرة بشكل غير مشروع، وهكذا اعتذر وقال لا أستطيع أن أستثني اليونانيين، حين ذاك بدأ اليونانيون بالرحيل وما بين أعوام 1956 و 1966، كان ثمانون بالمئة منهم قد رحلوا وبقي عشرون ألفا من أصل مئتي ألف. كانت زعامات الجالية اليونانية واليونانيون المتنفذون الذين أثروا في مصر قد انسحبوا منها، الإسكندرية أصبحت بغير قيادة لليونانيين، وتفرقوا بمساعدة الدولة اليونانية التي شجعتهم على الهجرة إلى جنوب أفريقيا وأستراليا وكندا والبرازيل، وهكذا تفرقوا.


ستاثيس أثاناسوغلو: تم تأميم المحل عام 1962، كان ذلك في شهر يناير لو تذكرت جيدا، كانت تجربة مؤلمة حيث ظهر عسكري ومحاسب، وأول ما قالاه هو: أعطنا مفتاح الصندوق، وأين هو مكتبك، هذا هو مكتبك، لقد أصبح الآن مكتبي أنا. خاليانس بقي كمستشار، وكانوا يحتاجونه جدا ويقدرونه كثيرا، لأنه كان مختصا كبيرا بالأقمشة النسائية والأزياء، تعلمون أن الأزياء أمر يجب أن تتنفسه مع الهواء، لا يفهمه محاسب ولا جندي، الأزياء هي الأزياء. المصريون أناس بقلوب، احترموه وكان يتعاملون معه كأنه مدير، كأن شيئا لم يتغير، وهذه صفة أخرى رائعة من الروح المصرية، لم يكن هناك حقد أبدا، أولا لأننا لم نشعر إطلاقا بالخوف، إذا كنا اضطررنا للرحيل فذلك لأننا لم نعد قادرين على تأمين ضرورياتنا، فمع البيروقراطية المختلفة، لم نعد قادرين على العمل، لم نعد قادرين على كسب رزقنا.


بوبي ذيلى يوريي: لقد كان قاسيا جدا حتى قررنا، لكننا اتخذنا القرار، اضطررنا للرحيل لأننا كنا نرى على المدى البعيد، أولادنا لم يكن لهم مستقبل، بدأ التلاميذ يرحلون، المعلمون أصبحوا قلة، كنت ترى المستقبل يرحل. رحلنا مع حاوياتنا وكان فيها كل شيء يخصنا، كان يمكنك أن تاخذ آخر شوكة طعام لو أردت، لم نشعر أننا رحلنا في الليل، كما اضطر الانجليز والفرنسيون والإيطاليون للرحيل بعد التأميم. يا إلهي إنه مقفل، لا أحد هنا، أقفلت عيادتي كان علينا أن نرحل بعد أسبوع، كانت اللحظة الأكبر والأسوأ حينما كنت أقفل الباب بالمفتاح، وفي تلك اللحظة قال مالك المبنى لماذا تقفلينه يا دكتورة، أنا سأدخل الآن حالا، تلك اللحظة كانت قاسية جدا، وحينها فهمت أننا نرحل فعلا، في البداية بدا لي كأنني أسافر إلى اليونان، وسوف أعود، وهكذا اضطررنا بعد 31 عاما عشناها هنا أن نرحل، لم يكن كأنني تركت وطنا آخر، لقد كان كأنني تركت وطني.


فيرون فافياذيس: لدينا طبيعة خاصة، نحن نحب كلا المكانين كثيرا، لأننا عشنا هذا الشعور المعقد، بأننا نصف مصريين ونصف يونانيين.


خاريس تازالاس: الذي يبكي عليه الإسكندرانيون ليس المدينة، المدينة لا تزال هناك، المباني لا تزال موجودة، إنه الشباب الذي عاشوه، هذا هو الحنين.

[المدينة- قصيدة كوستانديونس كافافيس- 1910]

لم تجد بلدانا ولا بحوراً أخرى..

سوف تلاحقك المدينة

تلاحقك المدينة

ستهيم في الشوارع ذاتها..

وستدركك الشيخوخة..

في هذه الأحياء نفسها وفي البيوت نفسها..

سيدب الشيب إلى رأسك..

وستصل دوما إلى هذه المدينة..

لا تأمل في بقاع أخرى

ما من سفين من أجلك ولا من سبيل

ما دمت قد خربت حياتك هنا

في هذا الركن الصغير، فهي خراب

أينما كنت في الوجود..