صورة عامة - تحت المجهر
تحت المجهر

موالد المحروسة ج1

تتناول الحلقة موالد المحروسة والتي تعتبر مصنع كامل للبهجة والفرح أنتجته العبقرية الشعبية لكي تدافع عن نفسها أو تدفع عنها الانسحاق أمام البؤس والفقر وظلم الحكام وقهر الحاجة.

– مصنع للبهجة والفرح والنسيان
– تعايش وتشارك في الطقوس والأولياء

– مسرح مفتوح وفنون متشابهة

– مدن واقتصاد وأكل عيش

مصنع للبهجة والفرح والنسيان

حسين عبدالغني
حسين عبدالغني
سوزان السعيد
سوزان السعيد
فاروق مصطفى
فاروق مصطفى
أحمد عكاشة
أحمد عكاشة
أحمد كامل ياسين
أحمد كامل ياسين
علي جمعة
علي جمعة

حسين عبد الغني: هنا روح مصر الشعبية، هنا تختفي الأزمنة وتضيع الفترات التاريخية وتختصر المسافات بين الريف والحضر وتذوب الفوارق بين الأديان، لا يبقى هنا سوى المكان والمكانة، أما المكان فهو ضريح الولي أو القديس، وعن المكانة فلا تحدث، فهنا يندر الأغنياء ولا يبقى سوى الفلاحين والحرافيش وبسطاء الناس.


مشارك1: الصعيد عامة بينتمي أغلب جذوره لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والعائلة الهاشمية، وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كسفينة نوح من تعلق بها نجا ومن تخلف عنها غرق.


مشارك2: أساسي من الأقصى وعايش في كندا في جيبس 18 سنة وبآجي كل سنة لمار جرجس لأن مطلوبي بألقاه هنا، وطلبته لقيته، كل سنة بآجي له من آخر العالم.


حسين عبد الغني: مصنع كامل للبهجة والفرح أنتجته العبقرية الشعبية لكي تدافع عن نفسها أو تدفع عنها الانسحاق أمام البؤس والفقر وظلم الحكام وقهر الحاجة، حائط صد ضد الوقوع في بئر اليأس وكراهية الدنيا أو -العياذ بالله- القنوط من رحمة الله، رفض علني وربما احتقار علني لثقافة المؤسسة الرسمية، لا شيء فعلا مما تصنعونه يبهجنا، نحن نصنع فرحتنا بأنفسنا، يكفيكم أنكم تصنعون شقاءنا.


مشاركة1: فرحة ثانية طبعا، بنبقى أنا وأختي وزوجي كلنا مع بعض عيلة مع بعض.


مشاركة2: كلنا عيلة مع بعض كلنا وأولادي بنقوم عربية وبنيجي بنحضر ليلة واحدة وبنمشي الصبح، يعني بأحس بالفرحة أنا بأحس أنا وأولادي ما فيش بعد كده.


مشارك3: النفر بيفك عن نفسه يوم بالسنة، بالنظر يعني طول السنة يعني طحن وشغل وكده فهي عادة برضه بنحط اللي فيه النصيب وكده.


مشارك4: ليه بأبقى فرحان، بأحس يعني مثلا في دنيا ثانيا، بأبقى قاعد يعني فرحان؟ فرحان بكل حتة.


حسين عبد الغني: ولو عليك دين أو مشكلة بتنساها يعني؟


مشارك4: بأنساها من وراء ظهري، ليه؟ ما دام أنا هنا خلاص، ما دام أنا جئت هنا عند شيخ العرب خلاص.


سوزان السعيد/ أستاذ الفلكلور بأكاديمية الفنون: المولد احتفال ولكنه احتفال ديني وجميع الاحتفلات الشعبية هي احتفالات دينية ولكنه احتفال مرن، احتفال مليء بالبهجة نتيجة تنوع الألوان تنوع الأصوات في المولد تنوع الرموز فهذا الاحتفال وهذا التنوع الموجود في الاحتفال بيملأ الاحتفال بالبهجة الحقيقية لأنها بهجة في إطار الدين وهو لا يستطيع أن يتخيل أنه حيؤدي البهجة بتاعته دي وهو ما يقدرش الإنسان البسيط حيتخيل أنه هو حيرقص أو يروح صالة ديسكو أو رقص ولكن هو يستطيع أن يشارك في حلقة ذكر.


حسين عبد الغني: ويحتار الكثير من الأجانب وحتى الكثير من المصريين المحدثين من هذا التعلق المتوارث للبسطاء بموالد القديسين وأولياء الله الصالحين لكن الحيرة تزول عندما نلاحظ أن الموالد هي الطقس الاجتماعي الرئيس، الذي يجمع بين جديلتين ضفرتا باستمرار شخصية المصري عبر التاريخ، الأولى هي تدينه الشديد والثانية هي حبه للحياة. هذه الموالد ليست بعيدة عن إحساس المصري الفقير بالحرية ففي هذه الموالد تسترخي يد الدولة القاسية وتترك الحرية لمواطنيها فيلعب من يلعب ويركب الحصان أو الحمار أو السيارة من يريد أو ينام أو يلهو أو يأكل أو فقط يجلس ليستذكر أورادا لمقام عارف بالله أو مجموعة من التراتيل لأحد القديسين، هنا يتحول حراس الدولة وعسسها الذين يلاحقونه أحيانا بدون احترام كبير لآدميته يتحولون إلى مرافقين ومساعدين له في إتمام طقوس تدينه أو فرحه في المولد، وفي الموالد أيضا يتحقق للمصريين خاصة منهم تحت خط الفقر ما يفتقدونه في معظم أيام السنة: الشبع الحقيقي، فمن طقوس الموالد الأكل والشراب للجميع والطعام في الخيمة وبجوار الضريح لمن يجلس أو يطلب.


مشارك5: طبعا اللي معه حاجة يجيبها اللي معه ذبيحة بأجيبها يعني مثلا نتعاون مع بعضها يعني بس نعمل بطاطس وملوخية واللحمة طبعا جاهزة وبتستنى الناس وطبعا مش بنأكل جماعتنا بس، كل اللي معدي في الشارع بيأكل.


مشارك6: لله في الله الحب، الحب في أهل البيت، أحب أهل البيت والسيدة عائشة وجدنا الحسين وأولياء الناس جميعا، بنوكل الأكل لله.


فاروق مصطفى/ أستاذ الأنثروبولجي بجامعة الإسكندرية: العشاء هنا بتبقى عشاء اجتماعي، يعني أنا النهارده جاي وقت ظهر وأنا مش تبع حضرتك الخليفة بتاع جماعة معينة، ممكن آجي وأحضر في الخيمة وأتناول طعام الغداء معك دون أن ترفضني أو تقول لي أنت مش تبعنا، لا، يعني الأكل هنا واحد لكل الناس والأكل هنا إحساس بالبركة أن الولي ده أو القديس إذا كان بالنسبة لإخواننا المسيحيين هو نوع من البركة، والأكل ده حيفيد وحيزيد وكل ما كان الناس بيتجمعوا حواليه كلما تحدث بركة بالنسبة لهم.


حسين عبد الغني: وحتى الديمقراطية التي لم يتمتع بها المصريون أبدا كاملة على الأقل تتحقق في الموالد، حتى القلة من الأغنياء الذين اجتذبتهم الطرق الصوفية إلى مواردها الرئيسية يتساوون مع الفقراء في حلقة الذكر وفي قماش العمامة.


أحمد عكاشة/ أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس: الواحد لما يجد أن آدميته واحترامه لذاته كرامته، واستخفاف الحكومة به دي بتصيبه باليأس والعجز وعدم وجود أي شيء، لما بيروح لهناك مع الجماعة دول بيجد في احترام له في نوع من أنواع الديمقراطية الشديدة جدا، الوزير اللي بيفقر زي الغفير اللي بيفقر كلهم زي بعض وكلهم متجهون لله زي الحج بالضبط، ما فيش حاجة، فبيحس بآدميته وإنسانيته، دي بتدي له نوعا من الكرامة يقدر يمشي بها شوية.


حسين عبد الغني: وفي الموالد توجد اللمة الحقيقية للمصريين خارج منازلهم فهي المكان الوحيد الذي لا يشعر المصريون المحافظون بطبعهم بخجل في جلب نسائهم إليه وهو المكان الذي يثقون بشكل مطلق أن أولادهم سيفرحون فيه لدرجة نسيان آبائهم.


طفلة1: بنركب مراجيح ومبسوطين قوي وكده.


طفلة2: بأشتري ترمس وغزل البنات وبأشتري لعب ومثلا بأشتري أي حاجة أنا عايزاها.


طفل1: بنيجي على طول وكل سنة والله وفرحان وكده يعني يعني إحنا زيارتنا برضه لها زهوة هناك برضه كده وفرحة وكده.


طفلة3: يعني بنقعد ونجيب حاجات ونزور ونقعد ونحن مع بعض نلعب ونروح المراجيح وكده.


طفل2: مع بعضنا كل حاجة يعني كل حاجة عاوزين نشتري حاجة، نلعب مع بعضنا، نركب مراجيح مثلا كله مع بعض يعني فرحة كبيرة قوي.


حسين عبد الغني: وفي حين لا يعرف البسطاء سوى أنهم يسعدون في المولد فإن علماء الأنثروبولوجي والطب النفسي وتاريخ الفترات المصرية القديمة والوسيطة وباحثوا الفلوكلور يحللون أسباب ذلك فيصفون مراحل انتقال يتدرج فيه من الخروج من حالة الشقاق والروتين اليومي حتى يصل إلى حالة من الراحة النفسية.


فاروق مصطفى: والجماعات جماعات شعبية اللي بتحتفل بالمولد اختارت هذا الوقت اللي هو بعد الحصاد، الوقت اللي بنريح فيه الأرض، بتستريح الأرض الفلاح نفسه أو الجماعات دي الشعبية عاوزة تستريح، تستريح تقوم تغير من نمط حياتها اليومي، علشان تغير من نمط حياتها اليومي تسيب الأرض وتبدأ تنتقل من المولد الفلاني، مثلا زي ما قلنا في طنطا السيد البدوي، فالأرض كلها بتستريح وهو كان بيريح نفسه يعمل نوع من الترويح تعد لدورة زراعية جديدة.


أحمد عكاشة: تمتص نوعا من الكبت والغضب والحزن وعدم إحساس المصري بالآدمية بتاعته بيتمايل بجسده بيبقى في إجهاد جسدي في إجهاد روحي في إجهاد من الموسيقى بحيث أن مخ الإنسان لما بيبقى في نوع من أنواع الكرابيج عليه بيصحل حاجة اسمها الكف الوقائي، يعني إيه؟ يتوقف عن العمل، فبيغمى عليهم بعضهم، بعد الإغماء ده بيبقى في قابلية للإيحاء شديدة جدا، يقوم يقول له قبلت الشفاعة، أنت حتبقى تحس أنت صحتك حتتحسن، أمك  مش عارف حيصحل لها إيه، أنت حتخش.. يصدق هذا الكلام ويقوم نوع من الراحة الشديدة، إذاً هو نوع من العلاج النفسي الجمعي.


سوزان السعيد: نجحت الممارسات الشعبية في الوقت اللي أصبح الطب النفسي أو الرسمي ما يقدرش يحقق هذا النجاح لأنه مش في إطار الدين أو العقيدة الدينية الشعبية العميقة المؤمنة إيمانا كاملا بأن هذه الممارسات تقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

تعايش وتشارك في الطقوس والأولياء


حسين عبد الغني: شعبية ومرونة المولد واجتماع الفن مع الحياة الاجتماعية فيه لا يجب أن ينسينا أبدا أن المولد في الأساس هو احتفال ديني يحركه ما يعرف بالمعتقد الشعبي، فالمصريون البسطاء يعتقدون أن الذهاب إلى الولي أو القديس هو نوع من أنواع التعبد وسيلة لإظهار التقوى بل هو نوع من الاتصال بالله عن طريق الاتصال بأحبائه.


مشارك7: الذكر روح، والروح إذا صعدت للعلي البارئ لا يملكها شيء إلا.. أنها تهيم في الذات العلية والذات العلية سبحانه وتعالى جعل لنا مولانا سيدنا الرسول وأهل البيت هم الباب وهم الطريق وما دون ذلك همج.


أحمد كامل ياسين/ شيخ مشايخ الطرق الصوفية السابق: دي أهمية كل هذه الاحتفالات، يعني الناس علشان الرجوع إلى الله وذكر الله والحاجة اللي تايه عن الحاجات دي يفوق ويشعر فيها لأن دي لازم تكون موجودة، فاهم، ما هو رببنا بيقول لك {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ..}[البقرة:152] فيعني بنذكره.


حسين عبد الغني: وبغض النظر عما إذا كان هذا المفهوم يقترب من صحيح الدين أو يبتعد عنه خاصة مع استقرار فقه أهل السنة على رفض الواسطة بين العبد وربه إلا أن البسطاء لا يشركون بالله في أثناء الموالد كما يقول معارضوهم، فهم يعرفون بل ويذكرون الله أولا وهم يغنون للأصل ثم الفرع ويعرفون تمام الفارق بين الله في عليائه وبين أصفياءه من عباده.


مشارك8: حسن الشاذلي ده هو ولي وله كرامات بس دي بأقول لله أولا، بس لا زم نقول إيه عادة سنوية لأن هو عمل خير يعني بدعة حسنة، ليه؟ لأنه نابع من بأطعم الطعام، لأن الرسول صلى الله وسلم يقول أي الإسلام خير؟ قال إطعام الطعام وإقراء السلام، فأنا بأروح إيه بأعمل؟ بأطعم الطعام وبأؤكل الناس وبأشرب زي خدمة ودي كله بثوابه يعني.


علي جمعة/ مفتي الديار المصرية: لسنا الآن وبعد مضي ثمانمائة سنة من الملك المظفر الذي أحيا المولد وليس ونحن بعد خمسمائة سنة أو يزيد من الإمام السيوطي الذي ألف كتابا سماه "المقصد في عمل المولد" ولسنا بعد ابن دحية الذي ألف أول ما ألف كل هذه المؤلفات لعلماء الإسلام ولم يكونوا لا علماء سلطة ولا علماء حكومة ولا علماء غربيين علمانيين ولا كل هذه الدعاوى الفاشلة الباطلة التي يرفض بعضها بعضها، لم يكونوا كذلك وأتوا بأدلة من الكتاب ومن السنة.


أحمد مرسي/ أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة: وأتحدى أن واحدا من اللي بيرفضوا هذا الكلام ويتهموا الناس بأنهم حيخرجوا عن الإسلام أن ينزل ويسأل الناس هل هذا شريك لله في شيء؟ حيضربه، يعني ممكن الرجل يقول له جرى إيه يا افندم أو جرى إيه يا أستاذ الكلام الفارغ اللي أنت بتقوله ده؟! ده ربنا واحد هو القادر على كل شيء.


حسين عبد الغني: دين شعبي كامل يعتمد على تناقل الروايات الشفهية من فم لفم ومن جيل لجيل عن آل البيت والقديسين أكثر مما يعتمد على النص المقدس في القرآن والإنجيل ويزيد على ذلك بربط هذا الدين الشفهي بحياته المعاصرة.


مشارك9: سيدنا الحسين، سيدنا الإمام علي، قال له يا حسين قبل ثلاث واستحي من ثلاث ووافق ثلاث وفر من ثلاث، فر من الغضب والكبر والطمع، وافق ثلاث، وافق الكتاب والسنة ومن يوافق الكتاب والسنة، خف من ثلاث، خف من الله وخف من الذي لا يخاف الله وخف من عثرة لسانك وخف من أمن الدولة.


حسين عبد الغني: مواكب السفن تخترق النيل في عيد الإله آمون استبدلت بمواكب المحمل تخترق شوارع الأقصر في عيد مولد أبي الحجاج، القرابين التي كان يقدمها المصريون لإلههم القديم استبدلت بمواكب رمزية تمثل أولياء الله الصالحين تكريما لشيخ مشايخ الأقصر العارف بالله أبي الحجاج ومن هؤلاء الشيوخ الشيخ إسماعيل الذي يرى المسيحيون أنه قديس ويرى المسلمون أنه قطب صالح من أولياء الله ولكن الجميع يذهبون إليه تبركا والتماسا للشفاء من داء عضال يقال إن إسماعيل يساعد للشفاء منه.


مشاركة3: بيتكحرتوا في العصر أو في الصبح، مثل ما يجوا اللي عاوز يتكحرت يتكحرت، المرأة اللي عاوزة تحبل، اللي رجليه واجعاه، اللي  ظهره واجعه، اللي ركبها واجعاها اللي رأسه واجع وربنا بيأخذ باليد، كل واحد على قده، اللي بيجيب له ثوب، اللي بيجيب له ذبيحة، اللي بيجيب له نفحة.


مشارك10: لأنه كنت برضه تعبت بقى لي سبع ثماني سنوات وجئت زرت الشيخ السيد وبعدين..


حسين عبد الغني: بتزور السيد بتدعي عنده بتقول إيه.


مشارك10: بأقول يا رب اشفيني يا رب خلي أولادي يعني بأدعي له وبأحط الندر وبأروح 100% يعني، ما فيش أي حاجة، وهو رجل بركه برضه يعني الواحد لو كان تعبان ودعا برضه دعوة وهو عنده برضه ربنا بيشيل عنه يعني، حصلت معي أنا يعني.


مشارك11: ما فيش أي إنسان بيجي فرح سيدي أبو الحسن بمزاجه، لازم يكون سيدي أبو الحسن هو اللي داعيه علشان ييجي يحضر الفرح بتاعه هنا، وطبعا بيجي له من أنحاء البلاد بيجي من الإسكندرية بيجي من المغرب بيجي من جميع البلاد اللي خلقها ربنا كلها، وكان بيجي له ناس من أميركا، أسلموا مخصوص علشان يجوا يزوروا سيدي أبو الحسن.


حسين عبد الغني: في حب البتول مريم ووليدها المسيح عليه السلام تتقاطر عشرات بل مئات الآلاف تتقطر منهم المحبة أغلبهم من الفقراء ملح الأرض الذين ليس لديهم من مباهج الدنيا ربما سوى حضور أعياء القديسين وأولياء الله.


مشاركة4: أنا ما بأشوفش كويس وبأمشي بالليل و.. برجليه وجئت في يوم عندي إيمان أن ربي حيشفيني ومش حألبس نظارة نظر، وجئت في يوم وابنتي قالت لي البسي نظارتي قلت لا لا أنا عندي إيمان أن ربنا حيشفيني، لقيت العذراء في يوم واقفة قدامي وبصيت لها كده في ثوبها، بافتح عيني كده لقيت عيني نورت، بقيت زي الطفلة اللي عندها سبع سنين ولحد دلوقت قدستني من جواي.


حسين عبد الغني: ولعل الفكرة الأخيرة الخاصة بالحماية من الشر والكوارث هي التي تفسر هذا المشهد الأسطوري المثير الذي يتكرر إلى اليوم في مولد أبي الحجاج. آمون وأبو الحجاج في نفس المعبد وبنفس المكان يوجد مقام الولي والعارف بالله، هو استمرار لتقديس المصريين للإله ولحبهم للحياة وولعهم بلحظة فرح مسروقة.


أحمد شمس الدين/ باحث متخصص في التراث الإسلامي: الاحتفالات في مصر كلها وراثة يعني من مصر القديمة للحديثة سواء أكانت مسيحية إسلامية مصرية قديمة، أهل الأقصر المسلمون مرتبطون بآمون وحتى شيخهم في معبد آمون والمسيحيون مرتبطون بأوزيريس فتلاقي مار جرجس بيرتبط بالمياه والحمامة، أبو الحجاج بقى بيرتبط بالوحدانية آمون الواحد الأحد القائم بذاته.


محمد نوح/ ملحن ومطرب: مصر جدتكم تبقى مسيحية أرثوذوكسية تبقى مصر، تبقى كاثوليكية تبقى مصر، تبقى إسلامية شيعية في العصر الفاطمي تفضل مصر ويفضل الموروث بتاعي أنا هو هو.


حسين عبد الغني: وبسبب هذا الجذر العميق في الحضارة المصرية لا نجد طقسا اجتماعيا بقدر الموالد يجسد شعبيا وحدة المصريين مسلمين ومسيحيين ويسخر بصوت عال من فكرة حدوث فتنة طائفية حقيقية في هذا البلد.

[فاصل إعلاني]

مسرح مفتوح وفنون متشابهة


حسين عبد الغني: حتى العبادات لا يجد رواد الموالد عنتا في أداء شعائرهم الدينية فسواء كانوا مسلمين يذهبون لموالد مسيحية أو مسيحيين يذهبون لموالد إسلامية فإن الجامع بجوار الكنيسة وأذان العشاء مع تراتيل صلاة المساء في الكنائس يجمع بين المصريين الجامع والكنيسة والمولد لولي الله من عترة رسول الله أو من القديسين أو في مواضع العائلة المقدسة.


مشارك1: لا ما فيش فرق بيننا وبينهم ما نعملش فارق، لما نعمل فرق زي الجماعة الجاهلين مش حنيجي.


حسين عبد الغني: أنت بتعملي ندر للعذراء ولا بس كده بتخشي؟


مشاركة1: عادي بإذن الله، إذا ربنا إداني بإذن الله، أيوه بإذن الله أجي أنا والمولود بإذن الله.


مشاركة2: بأحبها، بأحس بروحها وبأحبها وبأفتكر أيام زمان اللي كانت بتعمله والمجهود اللي عملته وستي -ربنا سبحانه وتعالى- أفضالها على نساء العالم كله، يعني بأحبها.


حسين عبد الغني: طيب بتدعي لها دعاء معينا لو كنت تعبانة نفسيا لو عايزة حاجة؟


مشاركة2: آه، بأوكلها في حاجات كثيرة قوي والحمد لله يعني بألاقيها.


حسين عبد الغني: بتحسي بمحبتها واصلة لك؟


مشاركة2: جدا، ويعني كذا مرة أحلم بها وكده وبتيجي لي بصراحة علشان أنا متابعاها على طول.


حسين عبد الغني: طيب توصفي لي لما تيجي لك بالحلم بتبقى مبتسمة؟ بتقول إيه؟


مشاركة2: آه بتضحك وبتعمل لي كده وتطبطب علي وبتاع وكلام من ده.


فرانسيس أمين/ باحث متخصص في الموالد الشعبية: أنا أتمنى أنكم تتابعوا الدورة بتاعة أبو الحجاج لما بتمر عند منازل كثير من المسيحيين بيرموا الحلوى، بيرموا الحلوى على الناس المشاركين، أنت ترى في القاهرة وترى في مصر الوسطى وفي كل مكان مسيحيين بيتبركوا بمسلمين ومسلمين بيتبركوا بمسيحيين، أنا يعني لنقل مثلا إن هناك شيخا أو قديسا يأتي بمعجزات في شيء معين، لنقل المقشقش، المقشقش لفظ اسمه كطبيب وجامعه على بعد أمتار من هنا فالناس بيقولوا إنه هو بيشفي من الشلل فمسلم وقبطي يبحث عن العلاج ولا يهتم بإذا كان هذا الشيخ أو هذا القديس يختلف عنه دينا، هذا شيء متواجد في كل مكان وأقسم بأنني بعض المسيحيين الأجانب أعطوني دولارات قالوا روح حطها عند أبو الحجاج.


حسين عبد الغني: محمد وجرجس لا يحتاجان لإثبات تعايشهما المشترك إلى توجيه السلطات الأمنية أو رموز الحزب الحاكم لكي تدفعهما كما تدفع القساوسة والمشايخ لتقبيل لحى بعضهم البعض أمام كاميرات التلفزيون للدلالة على وحدة وطنية في الوقت الذي ينفث بعضهم سما أو على الأصح تشددا في الكنائس والمساجد ضد هذه الوحدة، لكنهما البسيطان محمد وجرجس يجتمعان في المولد يربط بينهما انتماؤهما لنفس القوة الاجتماعية للموالد. مدح نبوي وصوفي للمصطفى هنا وترانيم للبتول العذراء ولوليدها المخلص هناك، صلبان وتماثيل هنا وقصار للسور وكتب للتفسير هناك لكن الشمع والنذور والحمص والحلاوة ولمة الأهل والأصدقاء والمكوث في العراء لساعات طويلة بل لأيام طويلة محبة في القديسين وأولياء الله هي هي لا تتغير. الأهم من ذلك جميعا هو التطابق التام بين طقوس كل منهما في ممارسة الطقوس الدينية أو في ممارسة الفلكلور الشعبي وهم فلكلوريا من غنى ويغني للولي أو القديس والمذهب بنفس الكلمات تقريبا، تركب تارة على أبي الحسن الشاذلي قطب الصوفية الكبير وتركب تارة أخرى على شهيد الكنيسة الكبير مار جرجس.

أغنية:

يا مار جرجس يا مجلع وعلى حصانك ادلع

وكلوبة في الدير ولع وادعي لي وأنا أجي لك

عجلين وأربع دبايح عجلين والدم سايح

يا زين يللي ع الجبل يا زين ندرا عليا

يا زين لاجي وأزورك وبعودة

أغنية:

أبو الحسن يا أبو الحسن

رجلي يا أبو الحسن

يا شيخ يللي ع الجبل يا شيخ ندرك علي

عجلين وأربع دبايح عجلين والدم سايح


محمد نوح: تروح الكنيسة، كريالايسون، نفس اللحن وإحنا بقينا إسلاميين، يعني ده.. بقينا في الإسلام، رايحين نحنن، نحنن غير نهنن، نحنن يعني رايحين نحج، يقول نوينا نوينا ع زيارة الحبيب نوينا نوينا.


أحمد مرسي: معتقد الشعب المصري أن أي إنسان أي مسلم حيروح يحج سيفضل صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام على أن يعود لأهله فهي بتغني له أمه أخته مراته ده يحننوا قلبه علشان يرجع، كويس؟ هذه الأغاني هي نفس الأغاني التي تغنيها النساء القبطيات في مصر للذين كانوا يذهبون إلى القدس عندما كان الأقباط المصريون يحجون إلى القدس واسمها أغاني التقديس، من القدس، في مقابل حنون الحجاج، نفس الكلام نفس طريقة الأداء، كويس؟ إلا اختلاف في كلمتين اثنين، هنا يقول طريقك يا نبي زانوه الملائكة، ده الست المسلمة بتغنيه، والست القبطية بتقول طريقك يا عذراء أو طريقك يا مسيح زانوه الملائكة.


حسين عبد الغني: انظر لهذا المخيم الصغير الذي أقامته هيئة قصور الثقافة على هامش مولد السيد البدوي، إلى هؤلاء الأجيال الشابة من الفنانين المحليين من الهواة الذين يمارسون رقصات وألعابا شعبية طورتها الموالد منذ آلاف السنين والأهم من ذلك صانتها وحافظت عليها ضد الزمن ضد الغزاة والأكثر من ذلك ضد طوفان الثقافة الغربية. المولد أيضا هو عمل درامي متكامل، مسرح مفتوح ممثلوه هم جمهوره وهم رواده، الكل بطل الكل مشارك لا غنى عن دوره وضريح المقام وساحته ومخيم الإنشاد والتراتيل والطعام والألعاب ومناطق البيع والشراء كلها هي خشبته المفتوحة التي تهدمت معها حوائطه جميعا وليس فقط حائطه الرابع. أين كنا سنجد لعبة التحطيب المصرية القديمة كما كانت تمارس بالضبط قبل خمسة آلاف سنة وفي نفس المكان لولا أن الموالد حفظتها من مولد آمون إلى موالد العارفين بالله، وحتى ما اندثر من فنون مصر الشعبية في الموالد بفعل الاتساع العمراني أو تعليمات الأمن أو المرور أو التزمت والخضوع للدعاة المتشددين من تمثيل مسرحي يحاكي القصص الديني أو يحاكي الواقع ويسخر من الهموم وضيق ذات اليد فقد بقيت له جيوب مقاومة صغيرة في الموالد المحلية.


مشارك2: كل سنة لازم أحتفل لو حتى بأموت، لو حتى بأموت وأطلع في الروح، أنا رجل عندي القلب بس علشان العادة بتاعتي ما بأقطعهاش من صغري من أيام أمي وأبوي، وبعدين أنا بأقول لك الصراحة -أنت مش حتقطع رقبتي- أنا رجل عندي القلب وعندي جلطة حصلت لي بس أنا بأجي على نفسي علشان الليلة الكبيرة بتاعة الست دي أنا بأعملها من نفسي لا بأخذ فلوس من حد ولا حد بيدي لي فلوس أنا مدد يا ست بأمسك أنا مدد يا رب مدد يا رب.


حسين عبد الغني: أما ما اندثر نهائيا من طقوس الموالد فقد حفظه صناع المسرح والسينما المصرية وتحول لفن شعبي مستقر له قواعده الأكاديمية يجذب الأجانب وترعاه الدولة فمن "تمر حنة" إلى "المولد" ومن "قنديل أم هاشم" إلى "الليلة الكبيرة" مئات الأفلام والمسرحيات واللوحات التشكيلية التي كان المولد وفنونه مركزها الذي تدور حوله، وحتى أشهر الأناشيد الوطنية والأغاني العاطفية جاءت من الموالد، نبع صاف متجدد تنهل منه تراتيل الكنيسة وينهل منه الإنشاد الديني ينهل منه مطربو مصر البارزين من أم كلثوم التي لن تتكرر إلى منير والحجار مرورا بمحمد نوح الذي أخرج من أغاني وذكر الموالد الصوفية الدندراوية أغنيتين الأولى وطنية حماسية والثانية عاطفية ورقيقة.

محمد نوح:

من مكان في أرضك بات شهيد

في ألف غيره بيتولد

مدد مدد

الله الله الله

بأعشق حبيب الله يللي ما ليش غيرك

أنا طيري منذ رآك لايف على طيرك

لايف على طيرك يللي ما ليش غيرك

ما أعشق حبيب إلاك يللي ما ليش غيرك

أنا طيري منذ رآك لايف على طيرك

مدن واقتصاد وأكل عيش


حسين عبد الغني: المولد الذي يحضره ثلاثة ملايين من المصريين ليس فقط ميقاتا لحجم الجماعات الصوفية وليس موعدا للفلاحين والبسطاء الذين يحصلون فيه على متعة بريئة يفارقون فيه همومهم ولكنه أيضا سوق تجاري يأتي فيه بسطاء آخرون ليبيعوا سلعهم ليس بمنطق الربح والخسارة ولكن أيضا بمنطق أنها بركة من الملثم وهو الاسم الآخر للسيد البدوي. نتحدث هنا عن مدن ومراكز حضرية بأكملها نشأت واستقرت وازدهرت حول مقام الولي أو القديس، عن طنطا حول مقام السيد البدوي وعن دسوق حول مقام إبراهيم الدسوقي وفي وسط القاهرة حول مقام حفيدي سيدنا رسول الله سيد الشهداء الحسين ورئيسة الديوان السيدة زينب كما نتحدث عن المحرق ودرونكة حول الموضع المقدس الذي أوى العذراء البتول والسيد المسيح. لكن الأهم من التجار وأصحاب مصانع الحلوى والشمع والأسماك المملحة وأغطية الرأس هو أرزاق هؤلاء من الباعة الجائلين وأصحاب الحرف الذين يتحركون من مولد إلى آخر لا وسيلة لهم للعيش غير ذلك.


مشارك3: بنطلع الموالد بحمص وحلاوة ونواشف ومقشر وتشكيلة يعني تشكيلة الحلاوة تشكيلة الحمص، بنطلع الموالد رزقنا كله يعني معتمد على الموالد، بنطلع من مولد لمولد كده يعني.


مشارك4: بتاع طراطير أبا عن جد، بأخلص المولد وبأطلع على البيت ومنه بأطلع على مولد ثاني أرجع أشتغل وأروح مولد ثاني وآخر المولد بأروح عالبيت.


مشارك5: برضه كل الفرشات دي بقى الناس دي مسيحية برضه، من ديننا برضه كده وإحنا برضه بنأكل عيش.


مشارك6: موسم الست العذراء بتراضي الكل وبيطلع كله منها مجبور الخاطر والحمد لله.

مشاركة3: بنبيع شرائط دينية عن الست العذراء وعن مار جرجس وجميع الأديرة كلها بنلف فيها إحنا وأكل عيشنا كده. أنا معي سبعة يتامى بأربيهم.

مشاركة4: معي ثلاثة أطفال يتامى فهي دي السبوبة اللي أنا بأبيع منها علشان آكل منها عيش وأربيهم.


حسين عبد الغني: هنا عمال المراجيح وعربات النيشان وحرفية دق الوشم ورسم الشخصيات خاصة من رموز الدين المسيحي الذين يسمح بتصويرهم خلافا للشخصيات الإسلامية من آل البيت التي يحظر السنة تصويرها.


مشارك7: منه كله الدقاقين بتوع الوشم في مسيحيين وفي مسلمين وفي بيدقوا قلوب وفي ناس بيدقوا أسامي وفي ناس بيدقوا الصليب وناس بيدقوا العذراء.

مشارك8: هو أن إحنا إيه بنشتغل المناظر الدينية المسيحية في الكنائس والأديرة والحاجات الوشم..


حسين عبد الغني: في إقبال بقى عليها؟

مشارك8: آه الحمد لله في إقبال كثير يعني في وجه قبلي وبحري.


حسين عبد الغني: أموال هائلة وتبادل منافع هائل ومصالح اقتصادية كبرى تقف وراء الموالد وتستفيد منها، لا نتحدث فقط عن الإنفاق المذهل على الذبائح أشهر صور النذر المسيحي والإسلامي في الموالد ولكن أيضا نتحدث عن أموال النذور والتبرعات المكدسة التي تمتلئ بها صناديق الأضرجة الإسلامية والمزارات المسيحية على السواء، نتحدث أيضا عن المستفيدين والقائمين على هذا التدفق المالي بمئات الملايين والذي لا يخضع عادة للرقابة أو المحاسبة.


الأنبا بوخوموس/ وكيل دير المحرق بأسيوط: اللي عنده ندر لو شحذ حيدفعه، اللي عنده ندر بيوفيه لربنا، إحنا شعبنا.. يمكن شفت الأعداد المسلمة الهائلة اللي بتدفع، أنت شايف الفلوس دي يعني دي ظاهرة أن إخواننا المسلمين يرموا من الشبابيك اعتقادا منهم أن ده مقام العذراء، يقولوا مقام العذراء، إحنا بنرمي على مقام العذراء..


حسين عبد الغني: تبركا بها.


الأنبا بوخوموس: تبركا بها، فتلاقي أبونا كل ماده يجي يلم الفلوس دي، ما يدفعوش في دفاتر وإيصالات، يقولون لك لا، إحنا بندفع على مقام العذراء.


حسين عبد الغني: وما دمنا نتحدث عن المال فقد وصلنا للسياسة لنكتشف أن وراء الموالد خاصة الإسلامية تنظيم هرمي محكم كان وراء قيام الموالد واستمرارها منذ عشرة قرون وتمكن من الاستمرار في جذب الملايين من البسطاء إليها حتى يومنا هذا، هذا التنظيم هو تنظيم الطرق الصوفية فعلى العكس من الموالد المسيحية التي تسيطر عليها الكنيسة المؤسسة الدينية المسيحية الرسمية وهي قوة محددة فإن الموالد الإسلامية تقف وراءها قوة شعبية أهلية غامضة يقدر البعض أتباعها بعشرة ملايين وهي قوة تعتبر الموالد مسرح حركتها الرئيسي وتعتبر الموالد مصدر تحالفاتها السياسية كما تعتبر أن الموالد بحشودها الغفيرة المسيطر عليهم هي الأخرى السبب الرئيسي لتحول القوى الكبرى في العالم خاصة بعد 11 سبتمبر للتقرب من الصوفية وإظهار دعمهم للتيار الصوفي المعتدل في العالم الإسلامي. في الجزء الثاني من هذا الفيلم سنرى كيف أن الموالد هي مولد سياسي كبير وأن علاقة الموالد بالسياسة وبمصالح الداخل والخارج لا تقل أهمية -إن لم تزد- عن طابعها الديني والفلكلوري والتجاري الذي يقف عنده المواطن البسيط.