صورة عامة - تحت المجهر
تحت المجهر

أشياء لا تشترى ج1

تتناول الحلقة المعركة بين أنصار التطبيع ومعارضيه، فبرغم مرور ثلاثين عاما على توقيع السادات معاهدة السلام مع الإسرائيليين فلا تزال صورة الإسرائيليين في العقل الجمعي المصري مرادفة لصورة العدو.

المعركة بين أنصار التطبيع ومعارضيه
مجنون مصر الجميل وفيلم العصابة
تنظيم ثورة مصر

سمير عمر
سمير عمر
طلعت السادات
طلعت السادات
أحمد ناصر
أحمد ناصر
شفيق أحمد علي
شفيق أحمد علي
هشام أبو النصر
هشام أبو النصر
ممدوح زخاري
ممدوح زخاري

المعركة بين أنصار التطبيع ومعارضيه

سمير عمر: "التسوية في رأيي هي أن نذهب لنتسوق من الموسكي في القاهرة أو سوق الحميدية في دمشق دون أن يبدو الأمر مستغربا" هكذا تحدثت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير حين سئلت عن تصورها للسلام مع العرب. كان هذا في أعقاب هزيمة يونيو عام 1967، بعد ذلك بنحو عشر سنوات هبطت طائرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات في مطار بن غوريون في قفزة هائلة على طريق التسوية وبعدها بنحو عامين وقع السادات معاهدة سلام مع الإسرائيليين، الآن مضى ثلاثون عاما على هذه المعاهدة ترى هل تحققت أمنية غولدا؟ حتى الآن تبدو أمنية غولدا مائير عصية على التحقق فما تزال صورة الإسرائيليين في العقل الجمعي المصري مرادفة لصورة العدو وإن اختلفت طرق التعامل معه، غير أن هذا لم يمنع بعض المعارضين القدامى للتطبيع مع إسرائيل من تغيير طريقة تعاملهم مع من كانوا ينعتونهم بالمجرمين وسفاكي دماء الأطفال. فنان الكاريكاتير المصري جورج بهجوري واحد من هؤلاء، بهجوري كان واحدا من أشهر الذين قاوموا التطبيع بريشة فنان الكاريكاتير التي لا تقبل أنصاف الحلول لكنه في العام الماضي شارك في معرض فني في قلب إسرائيل بدعوة من الأمم المتحدة تحت شعار الرسم للسلام، ففتحت عليه زيارته القصيرة لإسرائيل أبواب الهجوم من أصدقائه قبل أعدائه.

جورج بهجوري: أولا، أولا نحن لا نعتبرها زيارة لأنني قضيت ساعة أو ساعتين في متحف إسرائيلي فيه رسوماتنا معلقة بفخر وبشرف لأنها تدافع عن القضية الفلسطينية، وبرئيسنا الرسام الألمعي في فرنسا بلانتوي ومعنا 15 أهم رسامي العالم، المجموعة دي اسمها الـ cartooning for peace الكاريكاتير من أجل السلام.


سمير عمر: لا يبدو بهجوري نادما على زيارته لإسرائيل لكنه لا يعتزم تكرارها ولا يدعو أحدا للسير في الطريق الذي سلكه، لكنه أيضا يعترف بأن الزيارة قد أحدثت تغييرا في ذاته الفنية والإنسانية.

جورج بهجوري: تجربة وانتهت وأنا سعيد بها وطلعت بفائدة قلت لك انبهار والرسم أقوى والريشة أقوى وكمان تغلبي أنا يعني زي كسبتهم ثلاثة صفر مثلا حاجة زي كده يعني هزمتهم بالريشة.


سمير عمر: ويعتز بهجوري بصداقته لفنان الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي الذي عاش ومات وهو يرفض التطبيع ويناصب إسرائيل ومن دار في فلكها العداء.

[مقاطع من فيلم ناجي العلي للمخرج عاطف الطيب]

سمير عمر: وناجي العلي كان موضوعا لواحدة من أشرس المعارك بين أنصار التطبيع ومعارضيه في مصر، فحين عرض الفيلم الذي يروي قصته عام 1993 ثارت ثائرة أنصار التطبيع وهاجموا صناع الفيلم لتقديمهم نموذجا كان يهاجم الرئيس السادات بعد إبرامه معاهدة الصلح مع إسرائيل، وشكلت رسوماته سيفا مشهرا في وجه مصر على حد تعبيرهم فيما رفض معارضو التطبيع من شأن الفيلم وصناعه واعتبروه صرخة مدوية في وجه إسرائيل وأصدقائه في عام دخول الفلسطينيين نفق التسوية السياسية باتفاقات أوسلو. غير أن جواد الشعر كان الأسبق في ميدان رفض التطبيع حتى قبل أن تقتحم تلك الكلمة قاموس الحياة اليومية للمصريين، إذ جلجل بها صوت شاعر الرفض أمل دنقل بالرفض عام 1976 حين أدرك بعقل المثقف المهموم بقضايا أمته ورأى بعين الشاعر العاشق لتراب وطنه أن نية الرئيس السادات تتجه نحو الصلح مع إسرائيل فأنشد في وصاياه العشر يقول:

" لا تصالح

ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام

وارو قلبك بالدم

وارو التراب المقدس

وارو أسلافك الراقدين

إلى أن ترد عليك العظام

لا تصالح ولو ناشدتك القبيلة

باسم حزن الجليلة

أن تسوق الدهاء

وتبدي لمن قصدوك القبول

سيقولون ها أنت تطلب ثأرا يطول

فخذ الآن ما تستطيع

قليلا من الحق

في هذه السنوات القليلة

إنه ليس ثأرك وحدك

لكنه ثأر جيل فجيل

وغدا

سوف يولد من يلبس الدرع كاملة

يوقد النار شاملة

يطلب الثأر

يستولد الحق

من أضلع المستحيل

لا تصالح

لا تصالح

لا تصالح"

أنور السادات/ الرئيس المصري السابق: وستدهش إسرائيل حينما تسمعني الآن أقول أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم.


سمير عمر: بعد أقل من عام سار الرئيس السادات في الطريق الذي تمنى عليه أمل دنقل عدم السير فيه، فالفرق كبير كما قال أنصار السادات بين أمنيات الشعراء الذين يتبعهم الحالمون وواقعية الساسة المحكومة قراراتهم بموازين القوى واستحقاقات الأمن القومي. عاد السادات من القدس واستقبل استقبالا شعبيا حاشدا لكن المعارضين كانوا أيضا في استقباله، معارضة برزت القوى الناصرية واليسارية في طليعتها، كانوا قلة هذا صحيح، لكنهم كانوا أكثر ثباتا في مواجهة الرئيس السادات.

حسين عبد الرازق/ الأمين العام السابق لحزب التجمع اليساري: إحنا قلة منعزلون حتى عن الناس لأن جهاز الدعاية والإعلام بتاع السادات والسادات شخصية ماهرة وذكية ومتآمرة قدرت تروج لهذا الصلح وتشيع إن هذا الصلح هو بداية الرخاء وأن مصر يعني حتعيش في بحبوحة نتيجة لهذا الصلح مع إسرائيل.

طلعت السادات/ نائب في البرلمان ونجل شقيق الرئيس السادات: السادات كان بيعمل الكلام ده وقت هو مؤمن به وعارف أن دي بوابته لدخول التاريخ، هو عارف كان له هدف ثاني وعاوز يخدم بلده ويخدم أمته يقوم عن طريق هذا الشغل يخش التاريخ.


سمير عمر: لم يلتفت الرئيس السادات للأصوات المعارضة رغم انضمام أربعة من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين كانوا ما زالوا على قيد الحياة للمطالبة بوقف عجلة الصلح مع إسرائيل، عبد اللطيف البغدادي، حسين الشافعي، زكريا محي الدين، وكمال الدين حسين، وبلغ الأمر إلى حد المطالبة بمحاكمة الرئيس السادات تحت قبة البرلمان بتهمة الخيانة العظمى، إنه النائب الليبرالي أحمد ناصر.

أحمد ناصر/ نائب ليبرالي في البرلمان: الدستور بينص على أن خمس أعضاء المجلس يجب أن هم اللي يوجهوا تهمة الخيانة العظمى، لكن أنا قلت يعني على قد ما أقدر أنني حأجمع مجموعة من النواب ونوجه لرئيس الجمهورية تهمة الخيانة العظمى ودي يعني اعتبرتها أمانة تاريخية لا بد أن إحنا نواجه بها حجم الخيانة اللي عمله أنور السادات في نوفمبر سنة 1977، وللأسف الشديد أنا ما أعرفش إزاي الفكرة دي انتقلت للأمن القومي أو للمخابرات وفوجئت وأنا داخل القرية بطلقة رصاص بتنطلق، أنا طبعا ما أعرفش أن دي إشارة للاعتداء علي وبعدين فوجئت بقى بضرب النار بالبنادق الآلية من كل الاتجاهات من وراء ومن قدام ومن فوق ففعلا أصيب ابن عمي المرحوم علي، كان يوم الأربعاء وجئت يوم الخميس عملت مؤتمرا صحفيا وقلت فيه إنه بدأت حكاية الاغتيالات السياسية للرد على معارضة الصلح مع الكيان الصهيوني.

هشام مصطفى خليل/ نائب في البرلمان ونجل رئيس الوزراء المصري الأسبق: السادات رجل مؤمن رجل كان سبق عصره، الرئيس السادات رجل عظيم يعني كل البلاد العربية بيقولوا إن الرئيس السادات كان عنده حق، كل القادة العرب، يعني اللي عمله لمصر لا يقدر بثمن.


سمير عمر: لم يتمكن أحمد ناصر الليبرالي من توجيه تهمة الخيانة للرئيس السادات فناب عنه زميله الناصري كمال أحمد.

أحمد ناصر: يومها بقى وقف الله يرحمه كمال أحمد وقال دي خيانة -الله يمسيه بالخير كمال أحمد- وقال دي خيانة، خيانة، خاينة وشالوه واعتدوا عليه بالضرب، بالضرب المبرح.


سمير عمر: ورفعت جلسة البرلمان على هذا النحو لكن السادات وبعد أن وقع اتفاقية كامب ديفد ومن بعدها معاهدة السلام مع إسرائيل حمل وثائق الصلح وذهب مرة أخرى إلى البرلمان للحصول على موافقته.

أنور السادات: واتفقنا أخيرا ألا تكون هناك حرب بعد حرب أكتوبر.


سمير عمر: بالطبع صوتت الأغلبية لصالح السادات لكن 15 نائبا يمثلون قوى اليسار والناصريين والليبراليين والمستقلين صوتوا ضد الاتفاقية، 15 لا، في مواجهة 328 نعم، لكن السادات لم يقنع بذلك فقد كان يريدها موافقة بالإجماع فدعا المصريين في اليوم التالي لتلك الجلسة للاستفتاء على المعاهدة على حل البرلمان الذي وافق عليها وجاءت نتيجة الاستفتاء بالموافقة على الاثنين، فدعي المصريون مرة أخرى لانتخابات برلمانية جديدة فخسر جميع المعارضين مقاعدهم في البرلمان إلا واحدا هو رئيس نادي القضاة السابق ممتاز نصار.

حسين عبد الرازق: تم إسقاطهم جميعا ما عدا ممتاز نصار لوضع قبلي وانحياز القاضي الذي أشرف على إجراء الانتخابات لممتاز نصار وإعلانه النتيجة في الميكرفون في الدائرة قبل ما ترسل لوزارة الداخلية، كان وضعا خاصا.

مجنون مصر الجميل وفيلم العصابة

سمير عمر: الآن أمسك الرئيس السادات بخيوط اللعبة كاملة وآن أوان دفع عجلة التطبيع بأقصى سرعة وفتحت أبواب مصر للإسرائيليين لأول مرة، دخلوا مصر آمنين ومحميين بمعاهدة تعلو ولا يعلى عليها من اتفاقات أبرمتها مصر سابقا، وتوافد القادة الإسرائيليون لزيارة مصر.

هشام مصطفى خليل: ابن عزرا وايزمن جاء مع والده يمكن ثاني أو ثالث مرة عزرا وايزمن يصل فيها إلى مصر وقال لي أنا عايز أجيب ابني معي، قلت له بكل سرور ادعه يجي يقعد وأنا حأخرجه يخرج معي ويشوف أصدقائي، وجاء الولد ما كانش عايز ينزل من الطيارة كان بيعيط، خائف عنده خوف جامد جدا كان خائفا هو ماشي في الشارع ماشي معه حراسة وكده ومرعوب، يوم وراء الثاني قعد مع المصريين، اتخضوا، كان بينزل يقعد على القهوة في الحصين، نزلنا خان الخليلي وأخذناه ونزل قعد على القهوة، الناس كانت بتسلم عليه وعرفوا أن هو ده ابن عزرا وايزمن يعني فأحس بالأمان، كل مخه اتلخبط ما كانش عايز يسافر.


سمير عمر: وبينما كانت الوفود الإسرائيلية تتوالى لزيارة مصر كانت قوات الاحتلال تبدأ انسحابها من سيناء ليرتفع علم مصر مجددا في سماءها، فرح المصريون بعودة الأرض لكن حركة مقاومة التطبيع والتي اشتد عودها كانت تجهز لمعركة جديدة ضد الرئيس السادات. القاهرة في 26 فبراير عام 1980، الرئيس السادات يستعد لاستقبال إلياهو بن أليسار أول سفير إسرائيلي بالقاهرة وأحزاب معارضة وبدعوة من رئيس حزب العمل إبراهيم شكري تعلن رفع مليون علم فلسطيني في شوارع مصر ردا على رفع علم إسرائيل فوق بناية في شارع محي الدين أبو العز بحي المهندسين، والكاتب بصحيفة الأهرام أحمد بهجت يعلن رفع علم فلسطيني آخر في ميدان قلبه الواسع ردا على هذا المغروس حديثا في قلب مصر. لكن مهلا فالمشهد لم يكتمل بعد، فهناك وعلى بعد أقل من مائة كليو متر من قلب العاصمة من يتهيأ لشيء آخر، إنه سعد إدريس حلاوة فلاح قرية أجهور الكبرى بمحافظة القليوبية والمولود قبل انتصاف القرن العشرين والمنتمي لثورة يوليو وزعيمها جمال عبد الناصر.

جمال عبد الناصر/ الرئيس المصري الراحل: لن نكون ذيلا لكتلة من الكتل، سياستنا بتنبع من بلدنا.


سمير عمر: ركب سعد دراجة بخارية وتوجه صوب الوحدة المجمعة بوسط قريته الصغيرة واحتجز عددا من الموظفين كرهائن مطالبا الرئيس السادات بإلغاء معاهدة الصلح مع إسرائيل وطرد سفيرها إلياهو بن أليسار الذي كان أحد المخططين للعدوان على مصر عام 1956.

شفيق أحمد علي/ كاتب صحفي وحقق في حادثة سعد حلاوة: كان عاوز يعبر عن رفضه أنه ضد التطبيع أنه ضد التعاون مع إسرائيل قبل حقوقنا أو التطبيع معها قبل ما نحصل على حقوقنا، ما نقدمش ورقة الضغط اللي معنا كرتا على بياض، فدخل على موظفي الوحدة المجمعة احتجزهم لغاية ما الناس اتلمت وبدأ يقولهم إنه يا جماعة اللي بيحصل في مصر النهارده جريمة، السادات بيستقبل جاسوسا دلوقت علشان يبقى سفيرا للكيان الصهيوني في مصر وأنا عندي اثنين رهائن مش حأفرج عنهم إلا لما أسمع في الراديو بيانا بيقول إن السفير الإسرئيلي طرد من مصر.


سمير عمر: تسلم السادات أوراق اعتماد بن أليسار وبعدها بقليل كان صوت عبد الناصر ينطلق من الحجرة التي يحتجز فيها سعد حلاوة اثنين من الموظفين.

جمال عبد الناصر: إن الموت أيها المواطنون حق على كل فرد منا ولكن إذا متنا يجب أن نموت بشرف ويجب أن نموت بكرامة.


سمير عمر: وكان صوت عبد الحليم حافظ ينشد..

[أغنية فدائي لعبد الحليم]

سمير عمر: وكان صوت سعد حلاوة يردد اطردوا الصهاينة من مصر. تحركت قوات الأمن من قلب العاصمة لإسكات الأصوات الثلاثة واحتشد أهل القرية لمتابعة ما يدور، وقبل أن تشرق شمس اليوم التالي على القرية الصغيرة كانت المهمة قد انتهت.

شفيق أحمد علي: مدير الأمن قال لي إنه كان القرار لما اللواء وزير الداخلية اللواء النبوي إسماعيل وصل كان القرار من الرئيس السادات بتصفيته فورا، ليه يا سيادة اللواء؟ مدير الأمن قال لي لأن ده على بعد خطوات من القاهرة، نصف ساعة، فكان من الممكن أي حد في مصر يفكر يعمل نفس العملية دي وده إحنا شعب مصر شعب مصر في حاله مش من حقه يقول الكلام ده، هو سعد ولا غير سعد حيعرف أحسن من السادات؟


سمير عمر: رحل سعد ووصفته الصحف القومية صباح اليوم التالي بالمجنون، فكتب الشاعر العربي نزار قباني يرثي مجنون مصر الجميل كما سماه.

نزار قباني/ شاعر سوري راحل: أنا شخصيا أحب المجانين وأعتبر نفسي عضوا طبيعيا في حركتهم وأعتبرهم أشجع وأصدق حزب سياسي يمكن أن ينضم إليه الإنسان العربي، سعد حلاوة هو الأصدق والأصفى والأنقى، سعد حلاوة هو مجنون مصر الجميل الذي كان  أجمل منا جميعا، إنه خنجر سليمان الحلبي المسافر في رئتي الجنرال كليبر، هو كلام مصر الممنوعة من الكلام وصحافة مصر التي لا تصدر وكتاب مصر الذين لا يكتبون وطلاب مصر الذين لا يتظاهرون ودموع مصر الممنوعة من الانحدار وأحزانها الممنوعة من الانفجار.


سمير عمر: وبقيت سيرة سعد حلاوة الذي يرقد جثمانه في هذا القبر دون أي علامة على أن الراقد تحت هذا الثرى هو أول من دفع عمره ثمنا لمقاومة التطبيع، بقيت سيرته ملهمة لمعارضي الصلح مع إسرائيل وتمنى المخرج هشام أبو النصر أن يقدم قصة سعد في فيلم سينمائي لكن الحلم لم يتحقق، غير أنه أطلق بعد رحيل سعد بسبع سنوات أول رصاصة سينمائية في وجه التطبيع، فيلم" العصابة"

[مشاهد من فيلم العصابة للمخرج هشام أبو النصر]

هشام أبو النصر/ مخرج سينمائي: العصابة هي إسرائيل وأميركا، ده بلا شك ده السهل الذي تستنتجه، وماذا عن أعوانهم؟ وهو حد يقدر يخترق بيتك أو بيتي من غير حد يساعده؟ إن ما كانش أهل بيتك يبقى حارس العمارة يبقى الجيران يبقى يعني ناس من أهل بلدك، فطبعا العصابة التي تتكون من إسرائيل وأميركا أولا ومن عملائها في مصر ثانية، ودي واضحة بقى.


سمير عمر: حورب الفيلم ومنعت الرقابة على المصنفات الفنية عرضه فدافع عنه رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي آنذاك سعد الدين وهبة والذي كان حائط صد قوي في وجه التطبيع وعرض الفيلم في إحدى حفلات المهرجان دون حذف رغم أنف مقص الرقيب.

هشام أبو النصر: الرقيبة التي كانوا يلقبونها المرأة الحديدية نزلت على السلم ترتعش وتنتفض دي ست أنا عارف أنها رقيقة من أيام حتى الأفلام الأجنبية. دخلت لها قلت لها طيب في لقطات نتفاوض عليها في.. قالت لي لا، بصراحة أعترف، عداك العيب، الفيلم ما يتشالش منه لقطة بس بصراحة أنا حأوقفه كله أمنعه كله لأن حرام أشيل منه لقطة، ده هو كله يتشال. اتعرض الفيلم سعد بقى أصر لأن كان عندي نسخة أخرى وعرضها في منتصف الليل يعني الرجل كان عظيما -مش محتاج شهادتي أنا- في المهرجان بس، فأصدرت قرارا بمنعه، عملت لجنة تظلمات فلجنة التظلمات بالإجماع قالت يعرض كاملا وليس يمنع كاملا.


سمير عمر: مباشرا كان الفيلم وصادما أيضا لكنه حفظ لصاحبه موقع الريادة في سينما مقاومة التطبيع، تعرض الفيلم بشكل مباشر بدعاوى أن السبب في العداء للتطبيع هو الحاجز النفسي الذي يفصل بين المصريين والإسرائيليين.

[مشاهد من فيلم العصابة]

سمير عمر: البعض كان يؤمن بذلك ونجح أيضا في تجاوز هذا الحاجز النفسي.

هشام مصطفى خليل: في حاجز نفسي موجود لدى الشعب المصري، في حاجز نفسي موجود لدى الشعب الإسرائيلي.


سمير عمر: أنت شفيت تماما من الحاجز النفسي..؟

هشام مصطفى خليل (مقاطعا): أنا خالص، أنا شفيت تماما من الحاجز النفسي أنا ما عنديش حاجز نفسي على الإطلاق.

[فاصل إعلاني]

[أغنية يا اسكندرية لمحمد منير]

سمير عمر: بل إن هناك من تجاوز هذا الطرح وسافر إلى إسرائيل وأبرم مع رجال أعمال فيها صفقات تجارية بل ودافع عنها، إنه المحامي السكندري ممدوح زخاري.

ممدوح زخاري/ محامي ورجل أعمال: والله إسرائيل دول أولاد عمنا، دي بالتاريخ والدين، وليه ما نتقبلهمش؟ إذا كانت النية صافية إحنا نتقبلهم، فيها إيه لما نحترم إسرائيل؟ ما هي بتحترمنا. فيها إيه لما نطبع مصريين عن طريق الشعب مش عن طريق المسؤولين؟


سمير عمر: يمثل زخاري من وجهة نظر صناع الفيلم أحد أفراد العصابة التي يجب على المصريين التصدي لها.

[مشاهد من فيلم العصابة]

ممدوح زخاري: ..يللا خذها بشرط ما تتدخلش في حريتي الخاصة. مع احترامي لرجال الداخلية كلهم يعني أنا حبي لإسرائيل دي أكثر من حبي لوزارة الداخلية.

تنظيم ثورة مصر

سمير عمر: عرض العصابة عام 1987 وهو العام الذي شهد أيضا آخر عمليات تنظيم ثورة مصر والتي كان شارع كورنيش النيل قرب حي مصر القديمة مسرحا لوقائعها.

نظمي شاهين/ أحد أعضاء تنظيم ثورة مصر: سنة 1987 كانت العملية كانت ضد الأميركان اشتركت وزملائي في.. ودي كانت العملية دي شروع في قتل، إصابات، تم إصابة كل من جون هونك، جون فورد، دنيس وليام وده يعتبر مسؤول الأمن في الشرق الأوسط في المخابرات الأميركية CIA .


سمير عمر: قبل هذه العملية نفذ التنظيم ثلاث عمليات، الأولى ضد زيفي كادار مسؤول الأمن بالسفارة الإسرائيلية بالقاهرة، أصيب كادار في العملية لكنه أصاب زعيم التنظيم محمود نور الدين أيضا. ثم أسل تنظيم ثورة مصر جثة أحد رجال الموساد العاملين بالسفارة الإسرائيلية بالقاهرة ألبرت أتراكشي أرسلوا جثته إلى الجحيم على حد تعبير بيان التنظيم آنذاك. العمليتان نفذتا في منطقة المعادي التي يقطنها غالبية موظفي السفارة الإسرائيلية بالقاهرة.

نظمي شاهين: العملية الأولى كان تم فيها تبادل إطلاق نار مع مسؤول أمني في المخابرات الإسرائيلية زيفي كادار دي اشترك فيها محمود نور الدين وأحمد عصام ومحي الدين عدلي والمقدم أحمد علي.


سمير عمر: أما العملية الأكثر نجاحا وتنظيما من بين عمليات التنظيم فقد كانت عملية معرض القاهرة الصناعي في 19 مارس عام 1986.

نظمي شاهين: العملية دي تم فيها اغتيال إيلي تاور ودي إحدى المسؤولات الهامة في المخابرات الإسرائيلية.


سمير عمر: تجلت في عمليات ثورة مصر قدرة معارضي التطبيع على إلحاق الهزيمة بالمعسكر التطبيعي بالسلاح هذه المرة. تأسس التنظيم على يد محمود نور الدين مسؤول الأمن بالسفارة المصرية بلندن قبل أن يستقيل احتجاجا على الصلح مع إسرائيل، عاد نور الدين إلى القاهرة بعد رحيل الرئيس السادات وشرع في بناء التنظيم الذي ضم في البداية عددا من رجال القوات المسلحة المصرية لكن سرعان ما اتسعت دائرة التجنيد لتضم آخرين من مختلف الفئات لكنهم ينتمون في غالبيتهم للطبقة الشعبية، لم يلتحق أي منهم بأي حزب سياسي لكنهم جميعا كانوا ينتمون للتجربة الناصرية وينتمون قبل ذلك لمزاج مصري عام يرفض التطبيع مع إسرائيل، وحمل التنظيم اسم ثورة مصر الناصرية.

نظمي شاهين: احنا ما لناش علاقة خالص كانت بالسياسة ولا بأي شيء ولكن نحن لنا علاقة في تكويننا في الجذور، ولكن أوضح في الأول أن محمود نور الدين زعيم التنظيم هو ناصري، لكن دعني أجاوب على حتة أنا ناصري أو في آخر زي حمادة شافعي ناصري وإلا لا، أو سامي، أنا بأعتبر نفسي ناصري بالفطرة، اللي زرع فينا الكراهة للصهيونية، اللي أحيا -زي ما قلت لك- كراهيتنا للصهيونية جمال عبد الناصر، اللي علمنا "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" جمال عبد الناصر.


سمير عمر: أربع سنوات فشلت أجهزة الأمن المصرية خلالها في القبض على أعضاء التنظيم الذي كانت قوته الضاربة تسكن حي عابدين القريب جدا من مبنى جهاز مباحث أمن الدولة، وكسب التنظيم خلال السنوات الأربع تعاطفا شعبيا غير محدود ليس فقط لأنه كان يستهدف رجال الموساد الإسرائيلي لكن أيضا لحرص عناصره على عدم إصابة أي مصري أثناء تنفيذ العمليات.

نظمي شاهين: ده كان يعني من أولويات أولويات عمليات تنظيم ثورة مصر عدم إصابة أي مصري، حتى الطلقة لو جاءت في الصاغ وعلشان تعمل ستيكرم تصيب حد بفضل الله سبحانه تعالى كنا بنعمل حسابها كويس جدا لأنه كنا بنخلي المدافع بتاعتنا الفوهات بتاعتنا داخل السيارة من جوه البريز من جوه وبكده كنا بنتفادى إصابة أي مواطن مصري، الكلام ده حيتضح في عملية الأميركان لأن عملية الأميركان إحنا عملناها كثير ونفس الـ system بتاعنا في المراقبة، السيارات اللي عليها رقم 57 هيئة سياسية، فوجئنا في مرة في عملية إحنا رايحين نعمل عملية ضد مسؤول ففوجئنا أن السواق مصري، واخد بال حضرتك، فألغينا العملية.

ضياء رشوان/ الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية: اتسمت عمليات ثورة مصر بطابع خاص من دقة التنفيذ دقة الإعداد استهداف الأشخاص المطلوبين بدون الإضرار بأي أشخاص آخرين بجانبهم، واتسمت هذه العمليات كما نعرف بطابع شخصي بمعنى إنها لم تكن تفجيرات تروع أو تصيب أشخاصا عديدين، كانت تستهدف أشخاصا محددين من قبل التنظيم معروفين للتنظيم تراقب خطواتهم جيدا من قبل التنظيم ثم يتم التنفيذ والذي تم في كل المرات بدقة متناهية بقتل أو إصابة الأشخاص المستهدفين وكانت هذه العمليات بهذه الطريقة لا تقترب مما يسمى بالعمليات الإرهابية بالطابع الواسع والتي كانت تستهدف شخصا أو اثنين ولكنها تصيب عددا أكبر من الأشخاص، وكانت أيضا هذه العمليات ذات الطابع الإرهابي الأوسع لا يتم الإعداد لها كما كانت عمليات ثورة مصر بطريقة دقيقة وبمراقبة المستهدف وبإصابته من ثم مقتل ثم بعد ذلك وهو الأهم الهروب بدون أن يكتشف أي أثر للتنظيم.


سمير عمر: لكن خلافا دب بين زعيم التنظيم وشقيقه أحمد عصام دفع الأخير الذي كان القائد الميداني للتنظيم إلى الإبلاغ عن التنظيم، لكنه لم يبلغ سلطات الأمن المصرية بل رأى أن السفارة الأميركية هي الجهة التي يجب أن يطرق أبوابها طلبا للحماية والمكافأة نظير الإيقاع برفقاء السلاح.

طلعت السادات: هو معروف أن هم تخانقوا مع بعض على الفلوس، محمود وأخوه، وأخوه راح بلغ السفارة الأميركانية واتشحن في صندوق من هنا من مصر راح أميركا اتحط تحت جهاز كشف الكذب والولد أقر بكل حاجة ورجعوه ثاني مصر.

نظمي شاهين: يعني أنا ما عنديش سبب أقوله يعني هي الخيانة خيانة مالهاش مبررات مالهاش أسباب عندي الخائن خائن يعني.


سمير عمر: وسقط التنظيم في قبضة سلطات الأمن المصرية ومثل الجميع أمام المحكمة إلا واحدا قال عنه المبلغ أحمد عصام إنه شريك شقيقه في قيادة التنظيم، وكان المتهم رقم اثنين في قائمة المتهمين، إنه خالد جمال عبد الناصر نجل الرئيس المصري جمال عبد الناصر.

نظمي شاهين: الدكتور خالد عبد الناصر كان بيتردد علينا في شقة التنظيم في شارع مصطفى حلمي المتفرع لشارع الثورة بألماظة، كان دائما يتردد على التنظيم يطمئن عليه بعد العملية أو قبل العمليات اللي بنقوم بها.


سمير عمر: كان خالد ونور الدين قد تعارفا في لندن حيث عمل نور الدين على تأمينه في العاصمة البريطانية، وتوطدت العلاقة بينهما بعد إصدار نور الدين صحيفة في لندن حملت اسم "23 يوليو"، لم تستمر الصحيفة أكثر من عام لنقص التمويل ورفض نور الدين عروض تمويل من عدة أقطار عربية كانت تناصب الرئيس السادات العداء. وفي الثمانينيات ظهر خالد على ساحة العمل السياسي دون الانخراط في أي من الأحزاب القائمة أو التي كانت ما زالت تحت التأسيس. ولكن كيف أفلت خالد عبد الناصر من الوقوع في قبضة سلطات الأمن رغم اعتراف أحمد عصام بأنه كان يقتسم قيادة التنظيم؟

نظمي شاهين: أقدر أقول، اللي أنا عرفته يعني، أن هو.. إحنا تم القبض عليه يوم 17/9/1987، هو 14/9/1987 الأمن راح له ومنعوه أن هو يتصل من أي حد من أفراد التنظيم علشان ما يبلغهمش وسفروه يوغسلافيا.


سمير عمر: وسافر خالد إلى يوغسلافيا التي كانت رغم رحيل زعيمها التاريخي تيتو تحتفظ بقدر كبير من التقدير لأسرة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ورفض عبد الناصر الابن عروضا من أقطار عربية عديدة للإقامة فيها. أثار ورود اسم عبد الناصر الابن في قائمة المتهمين ردات فعل واسعة في العديد من الأقطار العربية وتشكلت لجان عدة للدفاع عنه وعن أعضاء التنظيم، وبذلت جهود دبلوماسية من قبل دول عربية وغير عربية طالبت الرئيس مبارك بالعفو عنه والإفراج عن عناصر التنظيم. وبعد نحو عامين عاد خالد إلى مصر ليمثل أمام المحكمة التي برأته بعد أن نفى علمه بالتنظيم ونفى انخراطه فيه. أحدث الحكم ببراءة خالد تفاؤلا في أوساط المتهمين الـ 19 الآخرين والذي كان بينهم نجل عضو مجلس قيادة الثورة حسين الشافعي ونجل شقيق الرئيس جمال عبد الناصر، كانا طبيبين ساهما في علاج عضو التنظيم حمادة شرف حين أصيب في عملية مصر القديمة، وسادت أجواء التفاؤل ذاتها في صفوف هيئة الدفاع التي كانت تضم نقباء المحامين في كل الدول العربية بالإضافة إلى محامين مصريين من مختلف الاتجاهات، لكن الحكم جاء بالإدانة للجميع وإن بمدد متفاوتة. توفي نور الدين في محبسه ولف نعشه في علم مصر في جنازة أكدت أنه بات رمزا لحركة مقاومة التطبيع، وخرج أعضاء التنظيم من السجن بعض انقضاء مدة واستقبلوا أيضا بحفاوة بالغة كما نظمت لبعضهم لقاءات جماهيرية احتفالية، في اعتذار متأخر من وجهة نظر البعض عن حملة تشويه إعلامي تعرضوا لها بعد إلقاء القبض عليهم.

طلعت السادات: دي ناس بتلعب مع بعض، لا فكر ولا رأي ده الحكاية حكاية فلوس وكان منهم قضية مخدرات أظن برضه، يعني دول لا قيمة ولا وزن ولا، ولا، ولا أي حاجة، دول شوية مرتزقة أرزوقية يعني، مش دول التاريخ، مش دول. لا.

نظمي شاهين: الناس اللي بتقول كده يعني بأعتبرهم أنهم ناس تابعة للصهاينة ما اعتبرهمش مصريين يعني، حد أرزوقي، فالأرزوقي حيشوف كل الناس أرزوقية يعني، فصعب توصل لهم المفهوم الوطني الانتماء الوطني.


سمير عمر: تعرض تنظيم ثورة مصر لحملة شرسة من قبل كتاب الصحف القومية القريبين من الحكومة، تماما كما وصف سعد حلاوة بالمجنون، لكن الحملة ضد رجال ثورة مصر كانت أعنف إلى درجة أن السفارة الإسرائيلية بالقاهرة ووفقا لصحيفة الأهالي وجهت شكرا رسميا لأحد كبار الكتاب المصريين ونقيب الصحفيين الحالي مكرم محمد أحمد على أحد أعداد مجلة المصور الذي كان يرأس تحريرها آنذاك بسبب هجومه على تنظيم ثورة مصر. لم يكن تنظيم ثورة مصر هو الوحيد الذي نالته مدافع مكرم محمد أحمد الصحفية، فقبله كان سليمان خاطر الذي كان مكرم محمد أحمد آخر من التقاه في محبسه قبل أن تعلن السلطات المصرية خبر انتحاره داخل زنزانته، فمن هو سليمان خاطر؟


[نهاية الجزء الأول]