مؤامرة الصمت
تحت المجهر

مؤامرة الصمت

تتناول الحلقة قضية الباكستانيين الذين خرجوا لنصرة حركة طالبان ضد الهجوم الأميركي على أفغانستان, ومصاعب البحث عن مصير هؤلاء.

– مأساة المجاهدين الباكستانيين المفقودين
– نداء الجهاد ونصرة الأشقاء

undefined

أحمد موفق زيدان: لماذا غيوم الحزن تلفنا كما يلف بياض البيض صفاره؟ لماذا طريقنا مليء بالأشواك؟ هكذا تختصر الأغنية الشعبية قصص مفقودي الحرب الأميركية على طالبان والقاعدة، عمر صادق في الستين من عمره، اعتاد منذ سنوات فقد نجله ملك زاده ابن الثمانية عشر ربيعا، اعتاد على الجلوس على هذا السرير الذي ودع عليه نجله مؤملا أن يفاجئه يوما ما بعودته من الطريق الذي غيبه، يروي لنا قصته والعبرة تخنق صوته، يروي لحظات الوداع الأخير.

مأساة المجاهدين الباكستانيين المفقودين

عمر صادق – والد المفقود ملك زاده: كان ذا شعر جذاب ولحية وكان نشطا، أنا حزين عليه جدا، الحمد لله لدي أبناء كثيرون، لكن في شيخوختي هذه ليس هناك ما يحزنني إلا فقدان هذا الولد، يلفني الحزن طوال الوقت، أضف إلى ذلك جذعي على أمه التي وافتها المنية كمدا عليه.

أحمد موفق زيدان: يتذكر عمر صادق ساعات لحظات مغادرة المتطوعين من أبناء منطقته الذين عبروا هذا الطريق الذي طالما داعب الكثيرين.. داعبهم شوقا إلى عبوره للوصول إلى أفغانستان.. ساحة التآمر العالمي، هكذا قالوا وهكذا قيل لهم، الطريق الذي اجتازه الآلاف من الباكستانيين استجابة كما جهروا لنداء نصرة أول حكومة مثلت حاضرهم ومستقبلهم في وجه عدو طالما غذوا بمعاداته في كتاتيبهم وما سواها، مصائر كثير منهم ظلت معلقة رغم مرور سنوات على المعركة، هنا كان العبور الكبير ذكرنا بعبور خط بارليف وذكرنا بعبور خطوط كثيرة غيرت وجه التاريخ.. هكذا يقول عابروه، ألم يكن الهجوم الأميركي عام 2001 على طالبان والقاعدة فاتحة حروب بوش – بلير بمثابة جرح ثغر فاه أو نار تنادي هل من مزيد؟ والمزيد هنا ضحايا وكراهية وغيرها وغيرها، رغم مرور خمس سنوات على غيبة المئات بل وربما الآلاف من الباكستانيين الذين عبروا هذا الطريق باتجاه أفغانستان للقتال إلى جانب قوات طالبان ضد القوات الأميركية لكن يبقى هذا الطريق الشاهد الأخير على رحلة غيبة هؤلاء وربما يكون الشاهد الأول على رحلة عودتهم بعد أن طال انتظار الأهل والأولاد والأصحاب، مناطق ملاكند البشتونية يُطلق عليها هنا مناطق الجهاد والنفرة، عنوانها العريض القلق والانتظار على مفقوديها.

محمد يعقوبي – المراقب الميداني في الصليب الأحمر ببيشاور: لدينا ستمائة مفقود مسجل في منطقة ملاكند وحدها والتي تم تسجيلها هنا، نتتبع هذه الحالات عن كثب لنحصل على معلومات بشأن المفقودين في أفغانستان.

عبد الرشيد غازي – إمام المسجد المركزي في إسلام أباد: أعتقد أن أعدادهم تبلغ الآلاف لأن الناس يأتون إلى هذا المسجد المركزي ويسألوننا عن مفقوديهم ولذا يمكنني القول إن آلاف ذهبوا إلى أفغانستان، ربما يكونون معتقلين لدي الاستخبارات هناك، فقد عرفنا فيما بعد أن عددا من الأفراد اعتقلتهم الاستخبارات بحجة التحقيق معهم.

أحمد موفق زيدان: مدينة سواك عاصمة ملاكند التي تستريح على ضفة نهر جميل تداعب تاريخا عريقا استعصى على الغزاة، الكلمة هنا للمشايخ وكبار قادة القبائل، من المتعذر أن تفرق هنا بين الدين والتقاليد فالتقاليد لبست لبوس الدين حالما دخل إلى هذه البلاد، تقاليدهم لا تسمح لهم أن يغادر الضيوف دون أن يجالسوهم وأن يأكلوا من طعامهم بل ويعرضوا عليهم المساعدة، حركة تطبيق الشريعة الإسلامية بزعامة صوفي محمد الأكثر انتشارا ونفوذا في هذه المنطقة تكفلت منذ بداية الحملة الأميركية على طالبان والقاعدة بتحريض الناس على القتال.

غلام فاروق – رئيس تحرير صحيفة شمال في ملاكند: عندما بلغ مسامع الناس إعلان صوفي محمد الجهاد تأهب نحو ثلاثين ألف رجل من منطقة ملاكند لوحدها، تولى قيادة هذا الجيش ملك محمد جان بأمر من صوفي محمد، هؤلاء جميعهم غادروا إلى أفغانستان للقتال في صفوف طالبان.

أحمد موفق زيدان: لم يعد الأسلوب التقليدي لجذب الأتباع ممثلا في المسجد هو الأسلوب الوحيد فقد استخدم المسلحون المحليون أساليب عصرية كإذاعات (FM) الخاصة غير المرخص لها حكوميا، لعبت هذه الإذاعات دورا هاما في تحريض من قُتلوا ومن فُقدوا أما التحريض الحقيقي فقد كان وسط النسوة اللواتي تبرعن بحليهن للمقاتلين، كان الكبار حينها منهمكين بالتدريب على السلاح، الكل يتبرع بما تجود به نفسه، فمنهم من قدم الأموال ومنهم من قدم الأسلحة وآخرون تبرعوا بمصدر رزقهم، القنصل الباكستاني السابق في هيرات الأفغانية أيام حكم طالبان العقيد إمام كسر صمته لأول مرة منذ سقوط الحركة محملا المسؤولية لسذاجة من حرض المفقودين، أما طالبان فمنهمكة في لملمة جراحها.

"
لم تكن أعداد المجاهدين الباكستانيين الذين قدموا لمساندة حركة طالبان بذلك الحجم الذي يرددونه، فبعض الباكستانيين الذين جاؤوا اعتقلوا والبعض الآخر نال الشهادة وهناك مفقودون لكن ليس لدينا معلومات عنهم
"
 داد الله

الملا داد الله – المسؤول العسكري في حركة طالبان: المجاهدون في شتى بقاع الأرض يد واحدة، لم تكن أعداد المجاهدين الباكستانيين الذين قدموا لمساندنا بذلك الحجم الذي يرددونه كما ينبغي أن نعرف أن الأمور في أفغانستان كانت في حالة فوضى، فبعض الباكستانيين الذين جاؤوا اُعتقلوا والبعض الآخر نال الشهادة وهناك مفقودون لكن ليس لدينا معلومات عنهم.

أحمد موفق زيدان: في سوات نفاجَأ بقصة بديع جان، نفر ثقالة، فقد تجاوز الستين عاما نفر لنصرة حركة طالبان، هكذا قال لأولاده مخلفا وراءه ثلاثة زوجات وأكثر من عشرين فردا، يقول نجله فتح جان خدعنا الكثيرون في الكشف عن مصير والدي.

فتح جان – نجل المفقود بديع جان: بعض الأفغان من كابل كانوا يأتون إلى هنا ويدعون قدرتهم على اقتفاء أثار المفقودين، كنا ندفع لهم بعض الأموال ليخبرونا عن مصير والدي ولكن فيما بعد ظهر لنا أنهم كانوا كاذبين في دعواهم، لم نسمع أي خبرا موثوق من أحد ولا نعرف أي شيء عن والدي، في بعض الأحيان كنا نجري هنا وهناك دون جدوى، نحاول عبثا اقتفاء أثره بعد أن كان يدعي البعض أنهم رأوه في هذه المنطقة أو تلك أو أنه كان مجروحا هناك ولكن بعد البحث والتحري تبين لنا أن ذلك لم يكن صحيحا، في هذه الأيام يسرد البعض قصصا متنوعة يقصدون من وراءها جرح مشاعرنا لكن نلتزم الصمت.

أحمد موفق زيدان: طرقنا بيت جاره الذي تجاوز الستين عاما أيضا فحين سمع كما يقول أهل حيه إن الإنجليز غزوا أفغانستان هب لنجدة أبناء عمومته كما فعل أجداده من قبل، كانت جملة صوب إلى الشمال هي من أوائل الجمل التي تعلمها من أبيه والشمال هنا أفغانستان التي عادة ما كانت مطمح المستعمرين، دار الزمان دورته وعاد الأجنبي من جديد وعادت معه مقولة مقاوميه من أمثال هؤلاء المفقودين وإن عدتم عدنا، شروق الشمس لا يعني للعائلة شيئا فيومهم وغدهم سيان مادام الانتظار هو هو الانتظار، لم يعد أمام نجلي المفقود اللذين يعيلان العائلة من كبير سوى جدهما الذي يخفف عنهم المعاناة.

محبوب عالم- نجل المفقود فضل غني: بعد ذهاب والدي مرضت والدتي وأصابها مرض السكري نتيجة الكآبة وكلما تتذكره يرتفع السكر عندها، غالبا ما نراه في الأحلام وقد حزم أمتعته للعودة إلينا، دائما نراه في الحلم وكأنه في طريق عودته.

أحمد موفق زيدان: محبوب ترك دراسته ليحل محل والده كمصلح للمذياع والمسجلات، لم يعد ما يذكره بوالده سوى هذه النظارة بعد أن مزق صور والده لتحريم بعض علماء المنطقة للصور والتصوير، ناصر خان جار لمحبوب.. يتشاطران مأساة واحدة وهي ما تجمع أهالي سواك، يتذكر ناصر والده محمد شاه الذي تركهم في ليلة قال لهم أنه غائب لأيام فقط.

ناصر خان – نجل المفقود محمد شاه خان: لم نكن نعرف نواياه، فعندما كان يريد السفر اشترى لنفسه حذاء.. طلبت منه ذلك الحذاء لكنه رفض، قال لي إنه ماض إلى الجهاد، في تلك الليلة لم يعد إلى المنزل، يوجد هناك شيخ بات معه وفي صبيحة اليوم التالي ذهبت برفقة عمي إليه لكنه طلب مني مواصلة الدراسة ووعدني أنه سيعود بعد عشرين يوم، للأسف مضت خمس سنوات عوضا عن العشرين يوما التي وعدني بها.

أحمد موفق زيدان: نجله الآخر رغم قناعته بفرضية الجهاد كما يقول إلا أنه يأخذ على زعيم الحركة صوفي محمد سذاجته في التعاطي مع الأحداث.

حيدر علي- نجل المفقود محمد شاه خان: بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر انفجرت الأوضاع في أفغانستان وأعلنت حركة صوفي محمد هنا بأن الجهاد فرض وألتحق به الكثير من الناس، الشباب والمسنون السذج ناقصو العقل إذ لم يكن في حوزة الحركة أية وسائل اتصالات حديثة أو أسلحة متطورة وانضم إليهم أيضا العمال وأصحاب العاهات وصغار السن.

أحمد موفق زيدان: شقيق المفقود الذي يتفق مع ذهاب شقيقه محمد شاه يشرح علاقة شقيقه مع صوفي محمد التي تمتد إلى بداية ظهور الحركة.

محمد حسين – شقيق المفقود محمد شاه خان: بداية حركة صوفي محمد حين طالب الحكومة بتنفيذ الشريعة، كانوا عبارة عن مجموعة صغيرة تضم بعض الأفراد بما فيهم أخي، فيما بعد ازداد عدد أعضائها تدريجيا وحين اشتد ساعدهم نظموا مظاهرة جماهيرية في منتزه المنطقة اعتقلتهم الحكومة ونقلتهم إلى سجن سيدي شريف ومن ثم إلى سجن ديرا إسماعيل خان، حاولنا البحث عنهم بعدها.. لم نستطع معرفة أماكنهم، هناك التقى أخي بعدد من المشايخ، درس تفسير القرآن مركزا على المواضيع الجهادية وعندما أفرج عنه لم يكن يريد المكوث هنا.

[موجز الأنباء]

نداء الجهاد ونصرة الأشقاء

أحمد موفق زيدان: مئات بل وربما الآلاف من الرجال نفروا من هذه المنطقة استجابة لما يصفونه بداعي الجهاد ضد القوات الأميركية التي غزت إخوانهم الطالبان، إخوانهم في العقيدة وفي العرقية عام 2001، كان هؤلاء يرددون مع الشاعر البشتوني الذي طالما قال إنما حدودنا جروحنا وكانوا يرددون أيضا المثل البشتوني الذائع الصيت هنا بأن الماء لا يمكن فصله بالعصا والماء هنا البشتون والعصا عصا مورتي موردورنك الذي فصل البشتون إلى بشتونين، بشتون أفغانستان وبشتون باكستان، للحروب ضحاياها البريؤون ففي أحد بيوتات بنو شمال وزيرستان يقضى الطبيب عيسى وقته وهو القافل من غوانتانامو دون زوجه أو نجله الوحيد.

محمد عيسى- معتقل سابق بسجن غوانتانامو: عندما رجعت إلى هنا لم أعثر على ابني وزوجتي، الحكومة أخبرتني أن والد زوجتي وزوجتي لقيا حتفهما في الهجوم الأميركي في أفغانستان دون دليل، أما ولدي فلا أعرف عنه شيئا ولا الحكومة تعرف عنه، أمنيتي الوحيدة أن أراهم وأقضى معهم حياتي.

أحمد موفق زيدان: قصة الطبيب عيسى فريدة من نوعها فهو متزوج من سيدة أفغانية، توجه إلى مزار الشريف شمال أفغانستان أيام حكم طالبان للقمة العيش، ما أقساها من لقمة، فتح مستوصفا لمعالجة الناس مقابل المال وحين دخلت القوات الأميركية المدينة اعتقلته قوات التحالف الشمالي بتهمة تمويل القاعدة وطالبان لينقل إلى غوانتانامو، يتحدث عيسى عن قاسم مشترك للمفقودين فيقول إن سوق النخاسة وبيع الأحرار على أشده في أفغانستان بعد سقوط طالبان.

محمد عيسى: الشيء الذي انتشر هناك بعد انهيار طالبان هو أن أي فرد يوصم بأنه من طالبان أو القاعدة وكان الكل في حالة بيع وشراء مثل البزار، فقد أبلغني المحققون الأميركيون في غوانتانامو إنهم اشتروني بمائة ألف دولار، فكيف لهم بعد هذا أن يخلوا سبيلي؟ وعندما قلت لهم إنني طبيب ولدي عائلة وولد قالوا لي إنهم ليسوا مجانين بأن يدفعوا مائة ألف دولار هكذا هباء، أدركت فيما بعد أن أحد القادة العسكريين الأفغان باعني لقائد آخر بمبلغ عشرين ألف دولار، الأفغان أروني رزمة من الدولارات وقالوا لي إذا كنت تستطيع أن تدفع مثل هذا المبلغ فسنتركك ولكن لم يكن معي شيء.

أحمد موفق زيدان: وكعادة دورة الحياة تمضى بين مسرور ومحزون، أما الأطفال فهم الأمراء يلعبون ويلهون في هذه المنطقة، ربما يسخرون من حرص الكبار على قضايا لا تمت إلى عالمهم بصلة، زاد الكبار هنا صلاة يؤدونها في مسجد صنع من العريش ليتماهى مع بساطة المكان وأهله لعل هذه البساطة وقود نفرتهم فماذا عساهم أن يخسروا؟ مولتان في وسط باكستان، مدينة المزارات والتصوف، تميز أهلها طوال قرون بمجاهدة النفس وتزكيتها غير أن أفغانستان دفعت بعضهم على الأقل إلى الجهاد بالنفس بعد أن شق الفكر الجهادي طريقه، لكن ظل التصوف والمزار جزء من حياتهم، شقيقة عبد الله يُطلق عليها هنا خولة مولتان تفتخر بإقناعها لشقيقها في النفرة.

سائرة بي بي – شقيقة المفقود محمد عبد الله: كانت أمنيتي منذ البداية هي أن يستشهد أخي في سبيل الله لأحظى بلقب أخت الشهيد، كنت أتمنى أن أشاهده وهو يجاهد لأرى بطولاته وبعدها لا ضير في أن يستشهد ويطلق علي أخت الشهيد.

أحمد موفق زيدان: لو كان الفقد موطنا لسعيت إلى محاربته.. هكذا تقول سائرة بعد توقف تختلط فيه الكلمات بحشرجة صوت، لم يبق أمامي إلا الريح لتكون حمام زاجل توصل شعري إليه إن كان حيا، شقيق عبد الله لا يقل حماسة عن شقيقته، يشدد على أن أمه شجعت شقيقه على الخروج إلى الجهاد.

حبيب الله صديقي – شقيق المفقود محمد عبد الله: حين كانت والدتي على فراش الموت قال لها بعض الأقرباء لو لم ترسلي ولدك للجهاد لما تحسرتي على ذلك الآن، فردت قائلة لست متأسفة بل مسرورة لأنه انطلق إلى الجهاد ولو نال الشهادة سأدعي أم الشهيد أو على الأقل سأكون أم المجاهد.

أحمد موفق زيدان: قصة عبد الله ليست الوحيدة هنا، فهناك عشرات الحالات من أمثالها وسط حارات وشوارع مدينة شديدة الصخب، ليست المرة الأولى التي تهرع أم آصف إلى الباب المطروق فقد خانها الباب غير مرة في أن يفتح ذراعه لمفقودها وهاهو الآن يثبت وفاءه لقساوة قلبه.

وزير النساء – والدة المفقود محمد آصف: كلما طُرق باب المنزل سواء في الليل أو النهار يطير قلبي فرحا في أن الطارق ربما يكون أبني آصف فأسعى إلى استباق الآخرين خاصة في الليل وإن لم أسارع إلى فتح الباب أطلب من أحد بأن يسرع لفتح الباب فلعل وعسى أن يكون فلذة كبدي آصف.

أحمد موفق زيدان: أم آصف لم يبق لها سوى هذه الصورة تداعبها وتحنو عليها، تحمل الأم مسؤولية اختفاء نجلها لمضلليه كما تقول، لم يعد لأهل المكان من يؤنس وحشتهم إلا حديث آصف فالوحشة غدت رفيقا غير مرغوب به للبيت منذ اختفائه.

سمينة بي بي – شقيقة المفقود محمد آصف: أنا أتذكره كثيرا، أحب أخواني لنا، لكنه فارقنا، نتذكره كثيرا وكلنا نبكي جذعا على فراقه.

أحمد موفق زيدان: على مبعدة كيلومترات من المنزل ثمة رفيق لآصف في رحلة الجهاد أو القتال عاد ليزاول العمل في محله، شعرة المال هي التي كتبت لهذا الحياة ولذاك الفقدان.

خالد أختر – زميل المفقود محمد آصف: الولايات المتحدة كانت تقوم بقصفنا، بعض الأصدقاء استعدوا للعودة إلى ديارهم وبعضهم رجع فعلا، أما آصف فقد بقى مع الآخرين، كان يقول أنه لو استطاع الحصول على بعض المال فسيرافقني في عودتي، لكنه لم يتمكن بسبب نفاذ نقوده.

أحمد موفق زيدان: كان يعشق أن يلعب في منطقة قريبة من مرور سكة القطار، هكذا يقول أهله، رحل ورحلت معه أشياء كثيرة كنا نجهلها، فهل يمحو الزمن الزمن؟ ألم يقولوا أغلى الناس الضائع حتى يعود إلى أهله، الأمل الوحيد أمام أهالي وذوي المفقودين لجنة الصليب الأحمر الدولي حيث يزرون المقر في بيشاور بشكل دوري، لا يمنع الحر ولا القر الأهالي من السعي إلى معرفة مصير فلذات أكبادهم، يتوجه بشكل شبه أسبوعي أقارب المفقودين في هذه السيارة، البعض يتداول الحديث القديم الجديد المتضمن أية معلومات جديدة عن مفقوديهم في حين يلف الصمت آخرين، سلاح قوي في وجه حياة قاسية، في مقر المنظمة في بيشاور يظهرون صور مفقوديهم رغم معرفتهم بالجواب السلبي.

محمد يعقوبي: عن طريق تحقيقاتنا وعلاقاتنا بمصادر مختلفة أدركنا أننا لا نستطيع الحصول على معلومات تخص هذا العدد المفقود في ملاكند، أقربائهم يقولون إن المفقودين ذهبوا لمساندة طالبان وأنهم شُوهدوا في مدرسة راضيا سلطانا بمزار شريف، بعد هذا وقعت حرب عنيفة مما أدى إلى اختفاء العديد من الأفراد وقتلهم، حاولنا أن نصور الجثث قبل دفنها لنحتفظ بالصور في سجلات ولنتعرف عليها فيما بعد.

أحمد موفق زيدان: مسؤولو المنظمة في إسلام أباد جوابهم الدبلوماسي لا يشفي غليل مكلوم أو صحفي.

ليلى بيرلمونت – الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر: هذا صعب أستطيع أن أجيب على هذا السؤال لأنه مثل ما حضرتك تعرف حالة الحرب حالة ضوضاء وهناك نوع من الارتباك، بالنسبة لي صعب أن أقول لك أو أجزم أن الدولية للصليب الأحمر عندها قوائم من الذين ماتوا أو قتلوا أثناء القتال أو بعد القتال، الشيء الوحيد الذي يوجد للجنة الدولية للصليب الأحمر هي قوائم بالأشخاص الذين الأسر يبلغوا عن افتقادهم مثلا، فبذلك نعلم هذا الشخص لم يرجع إلى عائلته ولكن ليس لدينا قوائم بمن توفوا وماتوا وفي أي ظروف وفي أي مكان.

أحمد موفق زيدان: تداعيات دينية واجتماعية وغيرهما ترتبت على حالة المفقودين هذه، فتيات مازلن مخطوبات وهناك من ينتظر تقسيم تركة المفقود.

عبد الرشيد غازي: الكارثة مؤلمة جدا ولا يمكن لأحد أن يقوم بوصفها لأنهم هم أنفسهم لا يعرفون مدى حجمها، في باكستان التقاليد لا تسمح للنساء بأن تبوح بما في أنفسهن بحيث يذهبن إلى المحكمة ليفسخن عقود الزواج مع المفقودين ولكنهن يواصلن معاناتهن ولا يمكنهن إخبار أحد بهذا.

أحمد موفق زيدان: محاكمة الأميركيين الذين أداروا سجنا سريا في كابل كانت بمثابة قمة جبل الجليد لسجون سرية أخرى كانت تديريها ال(CIA) وفي الجهات الأربع ربما كانت هذه المحاكمة بريق أمل لأهالي المفقودين، الأطراف المعنية في إيجاد حل لهذه الأزمة وهي أميركا وباكستان وأفغانستان منهمكة في الحرب على ما يوصف بالإرهاب، أما ضحاياها فلا بواكي لهم.

تسنيم أسلم- الناطقة باسم الخارجية الباكستانية: اللجنة الثلاثية غالبا ما تناقش القضايا المتعلقة بالتعاون الأمني، أما هذه القضية فقد ناقشناها مع الحكومة الأفغانية على مستوى رفيع ورسمي، مازلنا نتابع القضية ويهمنا مصير المواطنين ونريد أن يُفرَج عنهم وينضموا لأسرهم.

أحمد موفق زيدان: وزارة الداخلية الأفغانية رفضت الرد على استفساراتنا وحينها ماذا بإمكان شخصية حقوقية دولية مرموقة مثل أسماء جهانكير أن تفعل؟

"
هناك ما أسميه مؤامرة الصمت وذلك في عدم البوح بالأرقام الصحيحة لهؤلاء المفقودين، والحكومات بالتعاون مع الولايات المتحدة تخفي انتهاكاتها لحقوق الإنسان في حق مواطنيها
"
أسماء جهانكير

أسماء جهانكير – رئيسة منظمة حقوق الإنسان الباكستانية: أنا حزينة جدا لأن أقول بأن هناك ما أدعوه مؤامرة الصمت وذلك في عدم البوح بالأرقام الصحيحة لهؤلاء المفقودين وإعلان ذلك بكامل الشفافية، الحكومات بالتعاون مع الولايات المتحدة تخفي انتهاكاتها لحقوق الإنسان في حق مواطنيها وهذا ما قيل لي عبر اللقاءات الخاصة.

أحمد موفق زيدان: مئات الباكستانيين المفرج عنهم من سجون أفغانستان معلومة ومكتومة، لم يكن لديهم جواب عن اختفاء زملائهم، اختفاء وسط غابة اسمها أمراء الحرب، مؤسسة باكستانية خاصة نجحت في استعادة المئات منهم.

ظاهر أشرفي – منظمة المجلس العالمي الإسلامي لحقوق الإنسان: لم يتمكن أحد من النجاة إلى من شاء الله وقدر له ذلك وإلا فإن الآلاف زج بهم في الحاويات واستشهد البعض في حافلات إعدام جماعية، لم نملك القدرات الكافية للبحث عنهم، الرئيس مشرف وعبر محاولاته الحثيثة وحديثه معنا ومع الرئيس كرزاي والرئيس بوش أيضا أُطلق سراح المئات من أفغانستان وغوانتانامو، الرقم بالضبط هو ما بين ألفين ومائتين وألفين وثلاثمائة من الذين أُفرج عنهم وعادوا ولكن هناك من لا نعرف عنه شيئا.

رحيم الله يوسف زي – باحث في الشؤون الأفغانية: يجب على الحكومة الباكستانية أن تلعب دورا أكثر فاعلية وتحاول العثور على هؤلاء المفقودين ومن ثم إطلاق سراحهم، الحكومة الباكستانية لم تقم بواجبها على الوجه المطلوب، كما أن الحكومة الأفغانية لم تكن تبدي مساعدة كافية في هذا المجال، في الحقيقة الحكومة الأفغانية كانت عاجزة عن إرغام أمراء الحرب على إطلاق سراح المحتجزين في سجونهم الخاصة، القوات الأميركية وقوات الناتو تلقي علينا مسؤولية تتبع أثر المفقودين وإطلاق سراحهم أيضا.

أحمد موفق زيدان: الأمل المفقود يظل يلاحق عائلات الضحايا، يحدوهم سراب أملا في معرفة مصيرهم، لكن يبدو أن مجازر قلعة جنكي في مزار الشريف والتي راح ضحيتها المئات من المجهولين ربما تكون الجواب الشافي، القاتل انشغل بسلب ضحيته عن الاحتفاظ بصورها فضلا عن فحص حمضها النووي، سعى القاتل إلى تسوية مقبرة ضحاياه الذين استسلموا له ظنا منه أنه بذلك يخفي آثار جريمته.