تحت المجهر

اللاجئون الفلسطينيون في الأردن

اللاجئون الفلسطينيون في الأردن
أغنية فيروز [مقدمة]:
undefined

سنرجع يومًا إلى حيِّنا

ونغرق في دافئات المنى

سنرجع مهما يمر الزمان

وتنأى المسافات ما بيننا

ياسر أبو هلالة:
undefined

مخيم البقعة أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، لا  يزال يحتفظ بملامح المأساة الفلسطينية، فساكنوه هُجِّروا أكثر من مرة، كان آخرها عام 68 إثر معركة الكرامة التي استهدفت فيما استهدفت القواتُ الإسرائيلية من ورائها إبعادَ اللاجئين الذين تحولوا إلى مقاتلين من غور الأردن على تخوم فلسطين إلى عمق الأراضي الأردنية.
undefined

وتختلف أعداد المخيمات وإحصاءات ساكنيها بين تقديرات دائرة الشؤون الفلسطينية التابعة للحكومة الأردنية، و بين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، فالحكومة  الأردنية تقر بوجود ثلاثة عشر مخيمًا، فيما لا تعترف الوكالة رسميًا إلا بعشر فقط، هي تلك التي أقيمت بإشرافها.

undefined

هذا الاختلاف في التقديرات لا يقتصر على الأردن، فالعدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين يصل إلى خمسة ملايين يشكلون 70% من الشعب الفلسطيني، فيما يبلغ عددهم في قيود وكالة الغوث زهاء ثلاثة ملايين ونصف فقط. ويعود الاختلاف إلى أن الوكالة تعتمد اللاجئ الذي يسجل أو سجل لديها، فيما نسبة كبيرة ظلت خارج السجلات.

حسب إحصاءات الوكالة يصل عدد اللاجئين المسجَّلين في

undefined

الأردن إلى نحو مليون ونصف المليون لاجئ، يتزايدون بنسبة 3.5% سنويًّا. ولا يقيم من هؤلاء في المخيمات سوى نسبة 18% حسب آخر إحصائية للوكالة.

يختلط في المخيمات اللاجئون الذين هُجِّروا عام 48 والنازحون الذين هُجِّروا عام 67، ولا يوجد حتى الآن رقم دقيق للنازحين في الأردن، والذين لا تتعامل معهم وكالة الغوث. على جميع الأحوال فإن الوكالة لا تعتبر الإحصاءات الصادرة عنها مسحًا سكانيًّا، وبموازاة ذلك تتكتم دائرة الإحصاءات الأردنية على نسبة الأردنيين من أصل فلسطيني أي: اللاجئون والنازحون، لكن باحثين مستقلين يُقدِّرون أن نسبتهم تتراوح بين 45% إلى 55%. بعد نصف قرن من التهجير لا يزال سكان مخيم البقعة يقبضون على جمر العودة، ويحلمون بوطنهم، لكنَّ حقهم في العودة لا يتعارض مع حقهم في المواطنة الذي حصلوا عليه بعد عام من النكبة.

أبو يوسف من أبرز ملامح مخيم البقعة، غادر قريته في قضاء الخليل يافعًا عام 48، وتشرَّد في قرى ومخيمات كثيرة إلى أن وصل إلى مخيم البقعة، انضم مبكرًا إلى صفوف المقاومة الفلسطينية، وقاتل معها زهاء ثلاثة عقود. يجمع أبو يوسف بين اللاجئ والمقاتل والمواطن، وهو يحتفظ بمستندات أرضه في فلسطين، ولا يرى أن الجنسية الأردنية تحول دون حقه في العودة.

أبو يوسف: أنا قومي، أنا مستعد أدافع عن أي بلد عربي، من حقي أحمل أي جنسية عربية، لكن لا يعني إني أنسى هوية الوطن، هويتي الوطن أنا، هوية عربية مستعد منشان أتحرك فيها، منشان أعيش، منشان أروح وآجي، شايف؟ مش من شان أنا تحط فاصل بينيوبين وطني، باقبلش، وأنا قلت لك: أنا بأحب كل البلدان العربية.

ياسر أبو هلالة: يعلِّم هذا اللاجئ أحفاده طريق العودة، ويروي لهم قصصًا لا تنتهي عن الوطن، وعن غلال وثمار أرض قريتهم المحتلة.

أحد الأحفاد: فيها تفاح والعنب والبطيخ والشمام والأسكدنية والزيت والزعتر.

ياسر أبو هلالة: ولكن هل بقي المخيم مخيمًا كما كان؟ وماذا تبقى منه؟ أين الخيام؟ وهل يتكفل الزمن بمحو الذاكرة بعدما تبدل العمران؟ يختلف واقع المخيمات من مخيم إلى آخر، لكنها جميعًا في الأردن تحولت إلى أحياء شعبية تأسست فيها بنية تحتية معقولة مقارنة بالماضي بفعل التطور التنموي والعمراني والاقتصادي الذي كفلته الدولة لمواطنيها. وتواصل الحكومة الأردنية مشاريعها لرفع سوية المخيمات من خلال حزمة الأمان الاجتماعي التي تُقدر كلفتها بعشرات الملايين من الدولارات، لكن مساحة المخيم الجغرافية محصورة منذ تأسيسه ولا تزيد، فهو أرض مستأجرة لحساب وكالة الغوث الدولية، أما السكان فهم يزيدون، وبعدما ضاقت بهم الأرض توسعوا خارج حدود المخيم، وبعضهم أعاد بناء وحدته السكنية لتصل إلى أربعة طوابق، مع أن الأنظمة لا تسمح بأكثر من طابقين.

أرض المخيم ليست جزءًا من البلديات الأردنية، ولكنها تحصل على خدمات الدولة من طرق وإنارة وصرف صحي عبر دائرة الشؤون الفلسطينية، فيما تُؤمِّن وكالة الغوث التعليم الأساسي والرعاية الصحية، أما النظافة فهي في مخيمات عَمَّان تتبع أمانة عمان، وخارجها تتبع الوكالة، لكنها سياسيًّا جزء من الدوائر الانتخابية للمحافظات الأردنية.

هذا الشارع الذي يشق مخيم الحسين إلى نصفين يربط بين شمال العاصمة الأردنية وجنوبها، وهذا المخيم الذي يتداخل مع محيطه إلى حدِّ التماهي يشير إلى أن المخيمات تحولت إلى مجرد رموز لحق العودة بعد الاندماج السياسي والاقتصادي والاجتماعي. والسؤال: هل يُعتبر ذلك توطينًا؟ واقع المواطنة لا يحتاج إلى توطين.

أمين العاصمة الأردنية السابق كان قد واجه انتقادات من أحزاب المعارضة بعد أن أجريت إصلاحات على صعيد البنية التحتية لمخيمات عمَّان في عهده، وانطلقت المعارضة في انتقاداتها من الخشية على مستقبل اللاجئين، وما يشاع عن خطط لتوطينهم.

د. ممدوح عبادي: كانت واضحة المعادلة -أيضًا- بذهننا لما كنت في أمانة عمَّان الكبرى، كانت الوحدة وحدة اللاجئين في المخيمات، في المراكز، مخيمات اللاجئين المعترف بها، هو أن هذه الوحدات هي جزء من مدينة عمَّان كاملاً، ويجب أن تأخذ حقها، ويُؤخذ منها الحق في المعاملة مثل أي حي من أحياء عمَّان، من جميع الخدمات والإشراف المباشر من الناحية الصحية، من ناحية نظافة، من ناحية إعمار، لكن هذه الوحدات هي عبارة عن رمز سياسي لهؤلاء اللاجئين اللي صار لهم خمسين سنة موجودين بهذه المدينة، ونعاملهم سياسيًّا، وكأنهم وحدة خارج نطاق الأردن وخارج نطاق عَمَّان كوحدة سياسية لها الحق في العودة، لكن من ناحية الخدمات نعاملهم كأي جزء من أجزاء مدينة عمَّان.

ياسر أبو هلالة: حزمة الأمان الاجتماعي التي ينفذها الأردن، وتشمل البنى التحتية في جميع مناطق البلاد بما فيها المخيمات، واجهت بدورها بعض الانتقادات بخصوص التوطين، إلاَّ أن الحكومة الأردنية تفرق بين التنمية الشاملة في البلاد، وبين حق عودة اللاجئين بناء على رغبتهم.

عبد الكريم أبو الهيجاء: حزمة الأمان الاجتماعي ليس لها علاقة بموضوع التوطين، أنا لا أدري ما هو يعني مفهوم التوطين الذي يُشاع كثيرًا في هذه المنطقة، وفي هذه الفترة بالذات، اللاجئون في المخيمات هم مواطنون أردنيون، ويقع على عاتق الحكومة إضافة إلى وكالة الغوث الدولية تحسين مستوى حياتهم بكل الظروف، وهذا التزام من الحكومة، كما أنه التزام من وكالة الغوث الدولية، فلا أفهم ما هو هذا المفهوم؟ ومَنْ يطرحه؟ وما وراء ذلك من هذا الحديث؟

ياسر أبو هلالة: الأكثرية من اللاجئين والنازحين لا تقيم في المخيمات، بل إن الأردنيين من أصل فلسطيني يُشكِّلون عماد القطاع الخاص الأردني: شركات ومصارف ومصانع، وتعتبر الدائرة الثالثة الانتخابية في عمَّان مثالاً على ذلك، فهي تضم الأحياء الراقية في العاصمة، ويشكل الأردنيون من أصل فلسطيني أكثرية سكانها، وهو ما يطرح سؤالاً حول التناقض بين الطبيعة المؤقتة للمخيمات، وواقع الفلسطينيين خارجها وفيما إذا كان ذلك توطينًا؟!

طاهر المصري وهو من مدينة نابلس تدرج في المواقع الرسمية إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة ثم رئاسة مجلس النوَّاب الأردني، وفاز مرتين نائبًا عن تلك الدائرة.

طاهر المصري: ليست فقط وجود المخيمات كوحدة سكنية هو الرمز الوحيد والأمل الوحيد للفلسطينيين أو اللاجئين بالعودة، هناك الثقافة، التعليم، الرغبة، الاحتفاظ بالحقوق.. إلى آخره. أنا باعتقد هي الأساس، إما إنه نبقى بهذا الوضع، مخيمات داخل المدن بهذه الطريقة يعني عدم وجود خدمات كافية، أعتقد إنه أمر غير مقبول لكل السكان داخل المخيم وخارج المخيم. مرة أخرى باقول: هذا لا يتناقض بتاتًا، وليس هو تمويه لموضوع توطين اللاجئين في الأردن، لأنهم همّ أردنيين عايشين في الأردن أي توطين نقصد؟ أي معنى للتوطين؟ هم مواطنين بمارسوا حقوقهم السياسية. رفضهم للتوطين بالمعنى السياسي أي التنازل عن فلسطين، واحتفاظهم بحق العودة هو اللي بيحفظ هذه الحقوق في المستقبل للفلسطينيين.

ياسر أبو هلالة: لكن مصطلح التوطين ليس الوحيد المتداول على الساحة الأردنية، فمصطلح الوطن البديل، الذي تبناه حزب (الليكود) الإسرائيلي في مطلع الثمانينات لا يزال يثير هواجس الشارع الأردني، خصوصًا في ظل تعثر المفاوضات المتعلقة بموضوعي اللاجئين والنازحين، لكن الواقع يؤكد -أيضًا- أن أجيالاً من الفلسطينيين في الأردن نشأت وتوارثت حق المواطنة الدستورية. ويرى باحثون أن عام 48 كان بداية لمسلسل من وعود بالعودة قد لا يتحقق إلا لقسم محدود من الفلسطينيين.

فالح الطويل: أنا أعتقد أنه تحت الظروف الحالية، لن يستطيع عدد كبير من اللاجئين أن يعود، وإنما سيعود عدد قليل منهم، وإلى الضفة الغربية وقطاع غزة، بالنسبة لإسرائيل يجب على إسرائيل أن تعيد هؤلاء اللاجئين. أما الجواب على السؤال: هل نستطيع إجبار إسرائيل؟ في الظروف الحالية لا نستطيع إجبار إسرائيل على القبول، يجب أن تتغير الظروف بعامل دولي أو بعامل محلي أو بقناعة إسرائيلية.

ياسر أبو هلالة: ولكن هل استقرار اللاجئين الفلسطينيين في الأردن يعني بالفعل تحقيق فكرة الوطن البديل؟

طاهر المصري: الوطن البديل يتحقق عندما يتخلى الفلسطينيون عن حق العودة، أو عن قرارهم بأن أرض فلسطين هي وطنهم، وفي تقديري أن الفلسطينيين لم يتخلوا ولن يتخلوا عن هذا الأمر.

هناك مبادئ مهمة يجب التعامل معها، وهي الحق الدستوري للإنسان، طالما أن الإنسان اكتسب حقه في المواطنة بشكل قانوني وشرعي، ومارسها لفترة طويلة، هذا المبدأ يجب أن يبقى بدون أي تلاعب، لا أعتقد أن هناك مخاوف حقيقية من وجود هذا العدد من اللاجئين أو من الفلسطينيين في هذا البلد.

ياسر أبو هلالة: ظل الأردنيون والفلسطينيون ينتخبون نوابهم مناصفة منذ إعلان الوحدة إلى أن وقع الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية عام 67.

في هذا المبنى أقر النواب الأردنيين عام 1950 وحدة الضفتين في إطار المملكة الأردنية الهاشمية، ولكن هذه الوحدة انتهت رسميًّا بإعلان العاهل الأردني الراحل الملك حسين فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية. هذا المبنى تحول إلى متحف، ولكن: ماذا عن أبناء الضفة الغربية؟

قرار فك الارتباط استثنى الأردنيين من أصل فلسطيني على أرض الأردن، وهو ما أكد عليه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عندما قال: إن قرار فك الارتباط لم يكن يعني فك ارتباط أبناء الأسرة الأردنية الواحدة.

حكومة علي أبو الراغب، وهي ثاني حكومة في عهد الملك عبد الله، والتي تشكلت في غضون الشروع بمباحثات الوضع النهائي أكدت في برنامجها التي نالت عليه ثقة مجلس النواب على حقي العودة والمواطنة معًا.

علي أبو الراغب: إن الأردن يعتبر اللاجئين مواطنين أردنيين لهم حقوق المواطنة الكاملة، وهذا لا يؤثر بأي شكل من الأشكال، ولا ينتقص من حقهم في العودة والتعويض، حيث أن قرار الوحدة عام 1950 أكد على المحافظة على كامل الحقوق العربية في فلسطين، والدفاع عن تلك الحقوق بكل الوسائل المشروعة، وعدم المساس بالتسوية النهائية لقضيتهم العادلة. ويعتبر الأردن حق العودة والتعويض مبدأ ثابتًا لحل مشكلة اللاجئين في الأردن، وسيدافع عنه بصلابة، وسيسعى بكل السبل لتحقيقه من منطلق الإيمان بأن أي حل تاريخي للقضية الفلسطينية يجب أن يكون عادلاً وشاملاً، بما في ذلك حل قضية اللاجئين.

ياسر أبو هلالة: لكنَّ مناقشة البيان الوزاري للحكومة شهد طرحًا يمينيًّا متطرفًا لدى أقلية من النواب، سواء من أصول أردنية أم فلسطينية، فبينما طالب أحد النواب بنزع الجنسية الأردنية عن اللاجئين الفلسطينيين، دعا آخر إلى مناصفة الوظائف العامة بين الأردنيين والفلسطينيين، بيد أن نتيجة التصويت أظهرت أن تلك الأصوات معزولة، ولا تجد تأييدًا، سواء لدى الشارع الأردني أم القيادة الأردنية.

لكن الأسئلة تبقى قائمة حول مستقبل العلاقة الأردنية الفلسطينية داخل الأردن بعد اتضاح صورة الحل النهائي، مع الإشارة إلى ما يوصف بازدواج الولاء السياسي.

نصوح المجالي: هو يحمل الجنسية الأردنية، إذا كان يريد أن يكون غير أردني أيضًا هذا خياره، بمعنى آخر أنه لن يضار في حقه في أن يكون أردنيًّا، لكن بعد التعويض وبعد حل القضية، اللي بيحكم هذه المسألة ليست الأصول والمنابت، وإنما التجنس. الطلياني  عندما يتجنس في أمريكا ما بيقولوا له: أنت طلياني يقولوا له: أنت أمريكاني، واليوناني بيقولوا له: أنت أمريكاني، وأيضًا الذي يود أن يبقى أردنيًّا بحكم وضعه أنه أردني عليه كامل الالتزامات أيضًا وشروط المواطنة، بمعنى آخر أنه ليس امتدادًا لدولة أخرى داخل الأردن، وإنما هو جزء أصيل من الأردن.

ياسر أبو هلالة: المعادلة لا تبدو صعبة بين حق العودة وحق المواطنة، وللموضوع بُعدان في رأي باحثين.

هاني حوراني: في بُعد سياسي، كون اللاجئين جزء من الشعب الفلسطيني ولهم حق في العودة، ومن أن هناك بُعد قانوني واقعي، أنهم مواطنون أردنيون، فلذلك لا يجب تأجيل أو اعتبار أن تأمين حق من هذين الحقين هو على حساب الحق الآخر، الحق في المواطنة هو تمامًا مثل حقهم في العودة، طالما أنهم اكتسبوا هذه الحقوق بالمواطنة منذ نصف قرن.

ياسر أبو هلالة: ويعتقد سياسيون أردنيون من أصل فلسطيني أن مصلحة الأردن تتطلب ترسيخ الوحدة الوطنية، وحشد الطاقات لمواجهة تحديات المستقبل بعيدًا عن افتعال قضايا قد تؤدي إلى التفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

طاهر المصري: إثارة هذا الموضوع باستمرار بأنه إشي أردني واشي من أصل فلسطيني وربما شامي وربما حجازي، هذا هذا يجب ألا يثور هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات. الخطر اللي قادم من إسرائيل لم ينته بعد، وتداعيات حل القضية الفلسطينية لم تنته بعد، لذلك إلهاء المجتمع الأردني بقضايا حساسة، لا أنكر ذلك، ومهمة لا أنكر ذلك، لكن إلهاء المجتمع الأردني بهذه الأمور لا تخدم لا صالح الأردن والشعب الأردني والمجتمع الأردني، ولا تخدم حل القضية الفلسطينية بالطريقة المناسبة التي نتأملها.

الكلام الكثير والتخوفات والشكوك أنا بعتقد أنها مبالغ فيها، ولا يجب أن تكون مثار مثل هذه الضجات الإعلامية والتحركات والمحاضرات إلى آخره.

ياسر أبو هلالة: ولكن ما علاقة الديمقراطية الأردنية بحق المواطنة؟ وما هو المدخل إلى تجاوز ما يثار في بعض الأوساط التي يعتبرها المراقبون ضيقة ولا تمثل وجهات النظر الحقيقية للمواطنين الأردنيين من مختلف الأصول؟

هاني الحوراني: أعتقد إنه المدخل إلى ذلك هو تفعيل العملية الديمقراطية، المدخل الديمقراطي، مدخل ممارسة الفلسطينيين لحقهم في المواطنة، في الانتخاب، في الترشيح، في الحصول على فرص عادلة في العمل بأجهزة الدولة، القضية ليست حصص أو قتات، وإنما هي محاولة لتصحيح ظروف وأوضاع كانت قائمة، ويجب أن يعالج الأمر بهدوء، ومن منطلق وحدوي، ومن منطلق غير فئوي، ويجب ألا ترافقه ردود فعل صاخبة.

نحن نعيش في مرحلة ديمقراطية من حق المواطنين بمختلف الفئات والآراء والأصول أن تعبر عن نفسها، إذا كانت تشعر أنه هناك ظلم، لتعبر عن هذا الظلم ولتقول ذلك بصريح العبارة، ويجب أن تناقش هذه الآراء -أيضًا- بموضوعية وبهدوء ودون انفعالات مقابلة.

ياسر أبو هلالة: للتيار الإسلامي في الأردن حضور قوي في المخيمات، في انتخابات عام 89 و93 صوتت الأكثرية في المخيمات لمرشحي التيار الإسلامي، بغض النظر عن أصولهم فلسطينية أم أردنية.

عبد اللطيف عربيات الذي فاز بعضوية مجلس النواب عام 89، واُنتخب بعدها رئيسًا للمجلس، كان لمخيم البقعة دور حاسم في فوزه مع أنه أصل أردني، له رؤية مختلفة تعبر عن الهوية الإسلامية التي تتجاوز الحدود القطرية.

عبد اللطيف عربيات: فلسطين التي احتلت، احتلت من أرض العرب والمسلمين، ونحن شرقي النهر وإخواننا غربي النهر، جميعًا فقدنا الذي احتل، وجميعًا مسؤولون مسؤولية كاملة لاسترداد ما احتل من الأرض، فنحن في ميزاننا كمسلمين، السؤال غير وارد، ولكن بنفس الوقت المساواة وعدم انتقاص أي حق قضية مُسَلَّمة من المسلمات التي لا تحتاج إلى دليل ولا برهان، فنحن شعب واحد، أسرة واحدة، بيت واحد، لا نفرق، لكن الذي حصل أن هناك أصحاب مصالح، قد يكون هناك إساءة في إدارة شخصية ليست منهجية، ولا جزء من مشروعنا الإسلامي الحضاري، الذي نقدمه لاسترداد الأرض وعزة الأمة وكرامتها، هذه قضية يجب أن ينظر إليها بهذا المنظار.

ياسر أبو هلالة: ثمة مآخذ على قانون الانتخابات الأردني، من حيث توزيع المقاعد النيابية بعدالة وفق تعداد السكان، وتظهر الإحصاءات تفاوتًا كبيرًا بين الدوائر الانتخابية، إذ يزيد تمثيل المواطنين من أصل أردني، وينقص تمثيل الأردنيين من أصل فلسطيني.

طاهر المصري: موضوع قانون الانتخاب موضوع مهم، لأنه هو الذي يعبر يعني أكبر أو أحسن تعبير عن الحقوق السياسية للمواطن، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار موضوع السكان لا شك، لكن أيضًا هناك اعتبارات أخرى لا نستطيع تجاهلها، وفي مجتمع كالأردن وفي الظروف الحالية، لا نستطيع كما يقال بالعامية: نمشي على المسطرة، أو نمشي على الملي، في تحديد الدوائر وفي تحديد عدد المقاعد في الدوائر، لكن أيضًا يجب أن نكون عادلين بقدر الإمكان ومنطقيين بقدر الإمكان، لكن هاي برأيي أحد التفاصيل المهمة لكنها ليست الأساس، الأساس هو القبول بالمواطنة بدون شروط وبدون اشتراطات.

ياسر أبو هلالة: تعتبر المخيمات جزءًا من الدوائر الانتخابية، ويمارس أبناؤها الترشيح والانتخاب، مثل سائر المناطق، ولكن تظل نسبة المشاركة في الاقتراع فيها متدنية، في ظاهرات يراها المراقبون سلبية، وتمتد لتشمل المدن والتجمعات ذات الأكثرية من الأصول الفلسطينية، فما أسباب ذلك؟

هاني الحوارني: لا يعود ذلك فقط لأسباب أنه بعض الأحزاب أو الاتجاهات أو القوى قاطعت الانتخابات، لكن هناك مواقف لم تكن تشجع الفلسطينيين على المشاركة السياسية، في ظل الديمقراطية أنا أعتقد إنه لم يعد هناك مبرر لمثل هذه العوائق، ومطلوب إرسال الرسائل من جانب الدولة الأردنية، تشجع المواطنين الفلسطينيين على المشاركة السياسية، وأن هذه المشاركة ليس بالضرورة أن تكون على حساب حقهم في العودة.

ياسر أبو هلالة: الجدل الذي تشهده الأوساط السياسية الأردنية وصل إلى درجة الحديث عن حقوق منقوصة للمواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني، تتعلق بمشاركتهم السياسية، وتحديدًا في توزيع مقاعد مجلس الأمة والحكومة، إضافة إلى نسبة عملهم في القطاع الحكومي العام.

نصوح المجالي: أنا بعتقد أنه عدد رؤساء الحكومات الفلسطينيين اللي يعني قادوا البلاد أكثر من الأردنيين، وباعتقد أنه الفعاليات الثقافية والفكرية والاقتصادية الفلسطينية اللي لها أثر كبير في مجريات الأمور في الأردن -أيضًا- يمكن يكون أكثر من الأردنيين. الآن، السلطة مش بس يعني العسكري اللي بالجيش والضابط اللي في الجيش، السلطة في الاقتصاد أيضًا، القوة المالية، فهناك نوع آخر من السلطة يعني إذا انتقصت كما يقولون: إنه والله ما كانش في عدد من الضباط في الجهة الفلانية قد [قدر] ما هم من الأردنيين، أو ما كانش فيه موظفين، الحقيقة هاذي لا تقاس المسائل بهذا الشكل، في فترة من الفترات كان الحفاظ على الدولة وعلى وجودها وعلى استمراريتها هو العامل الأول في اختيار الناس لإدارة الدولة، يعني قصة الحقوق المنقوصة الآن نكتة سياسية أكثر مما هي حقيقة يعني حقيقة.

ياسر أبو هلالة: أسباب أخرى يراها سياسيون أردنيون تقف وراء الجدل حول الحقوق المنقوصة، من بينها الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد منذ سنوات، والذي يطال جميع المواطنين دون تمييز.

نصوح المجالي: مثل ما في أردنيين مظلومين مثل ما في كمان أيضًا فلسطينيين طبعا في -لا أقصد في حقوقهم- إنما في قضايا العيش، هنا في فقراء وهنا فقراء، هنا في أصحاب حاجة وهنا أصحاب حاجة، طبعًا تأتي بعض الأحيان حكومات صغيرة العقل فتخلق (عنعنات) بين الناس، أو (عنعنات) بين جزء من المواطنين، وجزء آخر من المواطنين، هذا يعني للأسف إنه هذا يعني إعاقة، يعني أصحابه يمثلون إعاقة سياسية لا أكثر ولا أقل.

ياسر أبو هلالة: وفي هذا الإطار تبرز دعوات تطالب بإحقاق حقوق جميع المواطنين في البلاد من مختلف الأصول، ولكن بعد اتضاح صورة الحل النهائي على مسار التفاوض الفلسطيني، واتضاح خيارات العودة أو البقاء بحرية كاملة.

د. ممدوح العبادي: أنا أقول أن هناك حقوق منقوصة، وأقول: يجب أن تعود الأمور في الأردن كما كانت قبل الـ 67، أن يأخذ المواطن هنا المتواجد عندنا حقه كاملاً بهوية سياسية أردنية، لأنه أصبحت هناك على بعد قريب أن هناك هوية فلسطينية وكيان فلسطينيّ موجود، ومن يريد أن تكون هويته السياسية الكيان الفلسطيني الجديد له الحق، ويبقى بعمان ويمارس كل حقوقه غير السياسية، مثل أي شخص صار له أربعين، وخمسين، وستين سنة في عمان، ولا يزال يحمل الهوية السورية.

ياسر أبو هلالة: ويرى آخرون أن معالجة أي خلل بشأن حقوق المواطنين الدستورية يقع على كاهل الدولة، من خلال إعلاء قيمة المواطنة، في ظل مجتمع الحق والعدل والمساواة.

هاني الحوراني: هذا يعكس في جانب منه مسؤولية الدولة الأردنية أو الحكومة، ولكن أيضًا هناك مسؤولية أخرى، كما أنه الدولة أو كما الدولة أرست ثقافة سياسية خاصة بها، أيضًا المعارضة والفئات السياسية الأخرى، وكل من يشعر بأنه في موقع تنافس أو المعارضة مع الحكومة، أو السلطات التنفيذية، أنا باعتقد أنه مطلوب تطوير الخطاب  بشكل يشجع المواطن الأردني من أصل فلسطيني على المشاركة السياسية، لأنه خلال العقود الثلاثة الأخيرة سادت ثقافة سياسية أيضًا لدى المعارضة، وفي الأوساط الفلسطينية بشكل خاص، تنمي لديهم حس المقاطعة أو حس الإحجام وعدم المشاركة السياسية.

ياسر أبو هلالة: بعيدًا عن السياسيين والباحثين والمراقبين، ماذا يقول المواطنون في المخيمات الفلسطينية في هذا الشأن؟ دون الالتفات إلى أي اعتبارات.

لاجئ فلسطيني: بناخذ حقنا وزيادة كمان، باقول لك زيادة كمان، إحنا عايشين زي بلادنا وزيادة -الله وكيلك- ما هو خاس [ينقص] علينا إشي إلا البلاد -إلا وطننا- إلا فلسطين خاس علينا، ولا هناك واكلين شاربين وهون واكلين شاربين.

ياسر أبو هلالة: آخرون منهم يرون غير ذلك.

لاجئ فلسطيني: والله، هو صحيح إنو يعني إحنا زي بعض، لكن مثل ما تقول: في تفاوت، لا بد إلا في تفاوت، في تفاوت في الوظائف، في تفاوت في الشغل، يعني لا تآخذنيش لما يبقى [يكون] وزير من بلد ما، بيشغلني أنا وبيترك أهل بلده؟‍! مش معقول، إلا إذا زاد، بيصير يجيب ويشغل يعني هاي الصحيح.

ياسر أبو هلالة: وعلى الرغم من اندماج المخيمات في محيطها سياسيًّا، إلا أنها تظل لها ملامحها الخاصة، فالنوادي الرياضية في المخيمات، ظلت ساحة التنافس النضالي بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية قبل الشروع في العملية السلمية، وهي اليوم تشكل حلبة صراع بين التيارات السياسية، على خلفية الموقف من عملية السلام، إضافة إلى كونها جسرًا للتواصل مع خارج المخَيم. في آخر انتخابات لنادي مخيم البقعة فاز تحالف بين الإسلاميين وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية الرافضة للعملية السلمية.

محمد عقل: غالبية شباب المخيم يميلون إلى توجه سياسي معين، حيث أن أهل المخيم هم مسيسون بطبعهم، ولا يستطيع الطفل منذ نعومة أظافره أن ينفك عن الهم السياسي، إذا كانت السياسة تعني الاهتمام بشؤون الأمة والحلم بالعودة، ويعني توجيه الأنظار نحو فلسطين الذي، التي خلعوا منها وألقوا في هذه الأمكنة.

ياسر أبو هلالة: ويرى مراقبون أن التيار الإسلامي يشكل واحدة من ضمانات الوحدة الوطنية، فهو ينظر إلى الأردن باعتباره أرض حشد ورباط لتحرير الوطن المغتصب، وكان الإسلاميون قد عارضوا قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية.

محمد عقل: كأردنيين نتمتع بكل الحقوق، ونحن كإسلاميين أيضًا كنا الضمانة التي استوعبت وكانت الوعاء الذي ساهم في توطيد الوحدة الوطنية، ونزعم أننا الآن نعيش في حالة إيجابية جدًّا من الإخاء الوطني المتميز، والذي من خلاله سوف نرنو سويًّا إلى مآذن الأقصى وإلى شاطئ يافا وحيفا، ولن نتخلى عن ذرة تراب في 48 أو في 67.

ياسر أبو هلالة: عملية السلام التي انطلقت في مدريد قبل نحو 8 سنوات، وبشرت بمستقبل مشرق للأجيال المقبلة، ولاقت اهتمامًا كبيرًا في أوساط اللاجئين والنازحين في حينه، تراجعت إلى مراتب دنيا في جدول اهتماماتهم أمام المصاعب الاقتصادية وغيرها، كما أطفأ التراجع على المسار الفلسطيني جذوة الأمل التي تجددت بالعودة وبالثقة كما يبدو بالمفاوض الفلسطيني والعربي، بشأن تحقيق طموحاتهم، فباتوا لا يصدقون ما يسمعون.

لاجئة فلسطينية: يعني بنرجع، ليش ما بنرجع؟ بس هم باعوها، يعني خلاص نباعت البلد، كل البلاد نباعت، ما في إلنا رجعة، والله يعني هلكيت السلام إله من كم سنة؟ من التسعين وهم يقولوا في سلام، في سلام، واليهود بتذبح فينا قاعدة، هاي كل شبابنا راحوا.

ياسر أبو هلالة: في ظل هذا الوضع المليء بالإحباط والشعور بالغبن والظلم يقف لاجئون كهذه العجوز أمام خيارين لا ثالث لهما.

لاجئة فلسطينية: إذا بيصحنا [يسمح لنا] بنرجع نرجع، بيصحلناش هذي بلدنا، وهذيك بلدنا، يعني على الجهتين بلدنا ومقعدنا.

ياسر أبو هلالة: ولكن إذا لم يكن أمام هؤلاء من خيار، فهل يقبلون بالتعويض المادي بديلاً عن العودة إلى فلسطين؟

أبو يوسف: أنا يعني هلحين شو بدي شو أقول لك: بتعرف يعني أنا مستعد أطخ حالي ولا آخذ تعويض، لأنه أنا لما بدي آخذ تعويض معناته بعت يا ابن عم، وأنا بديش أبيع، يعني هذا في وفد برلماني فرنسي إيجا عنا واحنا في المستشفى، واحنا جرحى، وفد برلماني فرنسي، وسألوا إنه طيب، إنت وين تصاوبت؟ قلت له: في إسرائيل، من إسرائيل. قال لي: طيب، إنت على استعداد تموت من أجل فلسطين؟ قلت له: الله أكبر، قلت له: أنا خاطري [أملي] أموت في أرض فلسطين ودمى ولحمي يتخلط في تراب فلسطين، وأموت من أجل فلسطين، قلت له مستعد. عندك أولاد؟ قلت له: عندي ولاد، قال: طيب وولادك؟ قلت له: بيتربوا يا زلمة [رجل] أولادي، كثير في شهداء ماتوا وولادهم تربوا، وبيطلعوا فدائيين كمان عشان أبوهم فدائي.

أغنية:

منتصب القامة أمشي

مرفوع الهامة أمشي

منتصب القامة أمشي

مرفوع الهامة أمشي

في كفي قصفة زيتون

وعلى كتفي نعشي

وأنا أمشي وآنا أمشي..

ياسر أبو هلالة: لكن ثمة من تخلى عن حلم العودة، ويصرح باستعداده للقبول بالتعويض المادي.

لاجئ فلسطيني: والله، يا حبذا، التعويض أفضل، لا ما فكرش أرجع غاد، لأنو هنا بلدنا وهناك بلدنا، والحمد لله، هنا نعيش، والحمد لله.

ياسر أبو هلالة: شريحة أخرى من الأردنيين من أصل فلسطيني، تنظر إلى العودة والتعويض من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

لاجئ فلسطيني: شو التعويض؟ أنا مش فاهم شو التعويض المطلوب منا؟ شو التعويض؟! التعويض بدو يعطي لكل واحد ألف ليرة لكل ولد؟! 10 آلاف ليرة؟! طيب شو بيشترن هذول؟ طيب الـ 10 آلاف بيجيبنش ربع دونم، ربع دونم حاف هيك في الصحراء بيجيبنش، طيب يعني شو بس ضحك علينا؟ إحنا بنطالب بدولة فلسطينية كاملة، وعلى شرط القدس قبل كل إشي، والبعدين الدولة هي بتتبنانا، يا بيصير رجوع، بترجع اللي قدمته واللي باقي بتعوض عليه مش مشكلة، ما في عندنا مشكلة، بس أهم إشي الدولة.

ياسر أبو هلالة: ثمة هواجس لدى أبناء المخيمات تتعلق بتقليص خدمات وكالة الغوث الدولية بسبب نقص مواردها التي تتكفل بها الدول المانحة، وهذه الهواجس موجودة أيضًا لدى العاملين في الوكالة، لكنها مع ذلك تقدم خدمات معقولة، أبرزها التعليم الأساسي الذي يشمل زهاء مائة وأربعين ألف طالب وطالبة.

وفي مدارس الوكالة كما في شوارع المخيمات تنتعش الذاكرة الفلسطينية، ولا يزال التغني بالأرض والمقاومة ملمحًا بارزًا في المناهج الأردنية التي تدرس في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين.

إحدى المدرسات:

حين تراب الركب يصبح مرقدا

لكنما الحجر المقاتل لا ينام

لكنما الحجر المقاتل لا ينام

لا ينام ولا يضام، ولا يضام

ولا يداخله الصدى

ولا يداخله الصدى

أنشودة:

إني اخترتك يا وطني حبًا وطواعية  

إني اخترتك يا وطني سرًا وعلانية

إني اخترتك يا وطني حبًا وطواعية  

إني اخترتك يا وطني سرًا وعلانية

إني اخترتك يا وطني  فليتنكر لي زمني

إني اخترتك يا وطني..

ياسر أبو هلالة: وبموازاة تدريس المناهج التي تؤكد على الحق التاريخي في فلسطين، يستمر التفاوض على مصير اللاجئين والنازحين على مستويات ثلاثة: اللجنة المتعددة الأطراف التي تبحث موضوع اللاجئين، واللجنة الرباعية التي تبحث موضوع النازحين، وهي تضم فلسطين والأردن ومصر وإسرائيل، إضافة إلى التفاوض الثنائي بين الفلسطينيين وإسرائيل.

ويتمسك المفاوضون العرب بحقي العودة والتعويض، فقرار حق العودة اعتمد على قرار التقسيم الذي أعطى مناطق عربية لإسرائيل، بحيث يحصل أبناؤها على التعويض، وتتراوح أرقام التعويضات بين ستة مليارات دولار حسب التقديرات الإسرائيلية، وستمائة مليار دولار حسب تقديرات فلسطينية، إذ يحتسب الفلسطينيون الأملاك والمعاناة وعائدات إسرائيل من الاحتلال، وكانت الأمم المتحدة قدرت أملاك الفلسطينيين عام 51 بما يعادل الآن 3,4 مليار دولار، ولكن من الواضح أن حلاًّ بالعودة أو التعويض أحدهما أو كلاهما لا يبدو قريبًا، خصوصًا أن اللجان المعنية بالتفاوض قلما تجتمع، وإن اجتمعت لا تخرج بنتيجة.

يستمر زخم الحياة في المخيمات دون اكتراث بنتائج مفاوضات اللجان المتعددة أو ثنائية أو رباعية، لكن يظل العيش ضيقًا لولا فسحة الأمل.. الأمل بالعودة.

وعلى ضوء ذلك يتجدد السؤال: هل ستبقى المخيمات الفلسطينية في الأردن قائمة بهيكلها وحدودها، أم ستكون عرضة للتفكيك؟

دائرة الشؤون الفلسطينية المسؤولة عن إدارة المخيمات بالتنسيق مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لها رأي في ذلك.

عبد الكريم أبو الهيجاء: المخيمات قائمة بهيكليتها، وستبقى مخدومة من جانب الحكومة، ومن جانب الوكالة أيضًا، ونحن نصر ونؤكد في هذا المقام على ضرورة استمرار وكالة الغوث الدولية لحين إيجاد الحل العادل لقضية اللاجئين، وتطبيق الحل أيضًا، وندعو الدول المانحة أيضًا -ومن هذا المكان- بأن تزيد من تبرعاتها ودعمها لوكالة الغوث الدولية لتمكينها من القيام بواجباتها تجاه اللاجئين في المخيمات بمختلف صنوف الخدمات التي تقدمها على مستوى التعليم أو الصحي أو الشؤون الاجتماعية.

نحن ومن جانبنا نعتبر في الأردن أكبر دولة مانحة وأكبر دولة مضيفة للاجئين في آن معًا، ولكن نريد أن يثاب الأردن على هذا الموقف وهذا الدعم للاجئين ولوكالة الغوث الدولية من خلال المجتمع الدولي، ولا بد من إنو الجهود تتكثف في هذا الاتجاه، لأنه هناك تقليص في الخدمات من جانب الوكالة، والذنب لا يقع على وكالة الغوث الدولية في الحقيقة، إنما هناك تراجع في المساعدات المقدمة من الدول المانحة، الأمر الذي لا يمكِّن الوكالة من مواكبة الأعداد الطبيعية والزيادة الطبيعية للسكان في المخيمات.

ياسر أبو هلالة: مهما يكن، يرى متابعون أن المواقف الإسرائيلية المتشددة على مسارات التفاوض -لا سيما في موضوع اللاجئين والنازحين- قد تكون قابلة للتبدل النسبي.

د. ممدوح العبادي: كانت إسرائيل لا تقبل الجلوس مع منظمة التحرير الفلسطينية، وتغيرت المواقف الإسرائيلية خلال العشرين سنة الماضية، أنا سامع (غولدا مائير) بالسبعين بالتلفزيون البريطاني بأنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني، ولا يمكن إقامة دولة بين البحر والصحراء إلا لدولتين، سيصبح ثلاث دول، وبدؤوا يعترفوا أنه هناك شعب فلسطينيّ، وأنه الشعب الفلسطيني له حق، وبالمطالبة الحثيثة والمتابعة الحثيثة سيتغير رأي الشارع الإسرائيلي بأن هناك دولة فلسطينية ستحصل، وأن هناك عودة للاجئين والنازحين سيحصل، ومع الأيام سنصل إلى هذه النتيجة رغم التصريحات التي تراها والمواقف، لكنها مواقف غير ثابتة نتيجة شيء مهم، مواجهة الواقع الحقيقي، لأن هناك لاجئين موجودين في الأردن، موجودين في سوريا، موجودين في لبنان يجب عودتهم، وسيعودون يومًا ما، مهما كانت التصريحات الإسرائيلية الاستباقية، لكن في النهاية يجب أن يواجهوا الحقيقة الإسرائيليين، ويعرفوا بأن هناك لاجئين وأن هناك نازحين يجب أن يعودوا إلى وطنهم، ولا يمكن أن يكون حل شامل وكامل وسلام للأجيال الإسرائيلية أو الأجيال اليهودية، لا يمكن أن يكون حل إلا بعودة اللاجئين إلى ديارهم مهما طال الزمان إذا أرادوا السلام، وإلا ستبقى المنطقة وإسرائيل تحديدًا تعيش بالتهديد، وتعيش تحت الحراب، وتعيش تحت القوة المسلحة، والتي لا يعلم متى ستتغير هذه القوة في المستقبل.

ياسر أبو هلالة: وتبقى الأعلام الزرقاء لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الملمح البارز في المخيمات، إذ تواصل الوكالة تقديم خدماتها منذ ما يزيد على خمسين عامًا، ولولا تلك الأعلام لما كان فرق بين المخيمات وسواها من الأحياء الشعبية، هذا على صعيد المكان، أما على صعيد الإنسان فيستحيل أن تميز الوجوه اللاجئة عن غيرها، فالدولة الأردنية الحديثة كانت محصلة اندماج أردني فلسطيني يستحيل تفكيكه بحكم التداخل والانصهار عبر نصف قرن.