تحت المجهر

نيجيريا

كيف دخل الإسلام إلى نيجيريا وكيف انتشر؟ ما هي أشهر الطرق الصوفية في نيجيريا؟ ما هو دور المسلمين في الانتخابات النيجيرية؟ ولماذا اختار المسلمون أوباسانجو لرئاسة البلاد؟
مقدم الحلقة متغير
ضيوف الحلقة عدة ضيوف
تاريخ الحلقة 18/03/1999

undefined
undefined
undefined
undefined
undefined

حسن إبراهيم: أسوار مدينة (كانو) العتيقة تاريخ وتقاليد وقصة هوية إسلامية تجذرت على مدى القرون، قبيلة الهوسا الضخمة كانت ولا تزال تهيمن على القبائل الأخرى التي تسكن ولاية كانو من قبائل (الفولاني) و(البرقُ) و(القرعان) و(الطوارق)، كلها قبائل من غرب وشمال غرب إفريقيا، وكلها تدين بالإسلام. وعلى رأس القائمة البيت المالك في الهوسا، أو بيت "بييرو" ومنذ أن استوطنت قبيلة الهوسا مدينة كانو في القرن الرابع عشر الميلادي والقبائل كلها تدين بالولاء لهذا البيت.

كانو المعقل التاريخي للإسلام في نيجيريا، قلب هذا المعقل وأمير قبيلة الهوسا وأمير "كانو" الذي تؤدي له الملايين فروض الطاعة والولاء، ويُعتبر رقماً صعباً في حسابه السياسية النيجيرية، فهو إن شئت رمز ديني وسياسي وقبلي.. أهذه عبودية؟! وما هو السبب الذي يدفع أناساً على أعتاب الألفية الثالثة إلى السجود لرجل مهما ارتفع مقامه؟! يشرح هذه العلاقة الشيخ محمد ناصر محمد وزير أمير كانو وأقرب مستشاريه، وهو شيخ أزهري ودرس أيضاً بجامعة القاهرة وجامعة المدينة المنورة.

محمد ناصر محمد: في كل جمعة يأتون أهل البلد المسلمين كباراً وصغاراً، يأتون ويسلمون عليه ويجددون البيعة له بالولاء وبالسمع والطاعة وهو هكذا ديدنه دائماً كل جمعة يخرج من الساعة العاشرة ونصف حتى الساعة الحادية عشرة ونصف وفي بعض الأوقات إلى الثانية عشرة إلا ربع، يقبل جماعته ويستمع إلى تحياتهم وإلى دعواتهم.

حسن إبراهيم: وهذه العلاقة تتضح أكثر عندما نتعرف على عمق أثر الطرق الصوفية في مجتمع المسلمين في نيجيريا. والمشهد الصوفي رائع حقاً بحلقات الذكر التي تعقد في مختلف مساجد كانو، ما بين صلاتي العصر والمغرب من كل جمعة. ولباس المريدين الموَّحد الناصح البياض والذي يتوسطه شريط في الغالب أخضر اللون أو ملون بحسب درجة المُريد في سُلم الطريقة "العرفانية".

وهناك طريقتان صوفيتان غالبتان على أهل نيجيريا، أولهما وأكثرهما انتشاراً الطريقة "التيجانية" وهي التي يتبعها الأمير "آدوبييرو" أمير كانو، أما الثانية فهي الطريقة "القادرية" وتتسم الطريقتان بالاعتقاد الراسخ في كرامة الأولياء، وينسبون إليهم المعجزات والأعمال الخارقة. تعتبر الطريقة التيجانية أقل ممارسة لطقوس الصوفية المعقدة، وتجد التيجانية يوم الجمعة يكتفون بقراءة الأوراد وآيات القرآن الكريم، لكن تتفق الطريقتان في مبادئهما العامة، التي تقوم على محاولة إتباع القرآن والسَّنة وتراث السلف الصالح وإن خالفوا في العقائد بعض الاعتقادات الشاطحة في صوفيتها، غير أنه لا يوجد خلاف على مرجعية أمير كانو.

محمد ناصر محمد: الحمد لله شاهدتم بأم أعينكم ما هي التقاليد الإسلامية في ولاية كانو وخاصة في قصر الإمارة بولاية كانو، كما قلتم أو -كما سألتم- أن سكان كانو أغلبنا كلنا مسلمين لأن 99% من سكان كانو كلهم مسلمين، فكلنا نعتنق الديانة الإسلامية، غير الواحد فقط هم الأقل الأقلية الذين يعتنقون ديناً غير دين الإسلام، فلذلك حتى أميرنا نسميه "بأمير الإسلام والمسلمين" لأن أغلب السكان كلهم مسلمين، ودائماً إذا جلس في مجلسه كان يتقاضى بين المسلمين بما أمر الله به في القرآن والسنة، وبما أفتى به كبار الصحابة وبما أفتى به كبار الأئمة، فهذا ديدننا وهذا طريق أميرنا، هنا في كانو وهذا طريق جماعتنا هنا في كانو.


undefinedحسن إبراهيم: نيجيريا، البلد الضخم، عدد سكانها حسب إحصائية عام 93م بلغ 120 مليون نسمة، ولم يحتو الإحصاء على نسبة للمسلمين في نيجيريا، لكن يُزعم المسلمون أن نسبتهم تزيد على الـ70%، وهو ما يجعل نيجيريا إحدى أضخم البلاد الإسلامية قاطبة، فكيف انتشر الإسلام في هذا القطر الغرب إفريقي بهذه الصورة الكبيرة؟
انتشر الإسلام في نيجيريا فعلياً في أواسط القرن العاشر الميلادي على أيدي الفقهاء الأندلسيين المالكيين من أمثال ابن محمد الأندلسي وابن سحنون وغيرهما، ثم أتي الإسلام عبر الطريق التجاري الذي يبدأ من شمال السودان وينتهي بكانو منذ القرن الثاني عشر الميلادي وحتى يومنا هذا، كانت المقاومة لانتشار الإسلام واهية وعلى يد بعض القبائل التي نزحت جنوباً في القرنين الثالث عشر والرابع عشر من قبائل "الأُوجنّ" و "اليوربا" وبدأ نفوذ "بيت بييرو" الذي يحكم قبيلة الهوسا في الانتشار ليس فقط في كانو بل في جميع أنحاء شمال نيجيريا وبعض جنوبها.

لإيضاح تاريخ انتشار الإسلام في نيجيريا ذهبنا إلى أحد خبراء التاريخ الإسلامي في نيجيريا وعميد كلية الآداب في جامعة "عبد الله بييرو" في كانو الدكتور عبد القادر دانغامبو.

د.عبد القادر دانغامبو: تقول المصادر التاريخية المكتوبة إن الإسلام وصل إلى ولاية (ألبرنو) في القرن العاشر الميلادي، ومن ولاية ألبرنو انتشر المُّد الإسلامي والدعوة الإسلامية إلى أنحاء أخرى مما يسمى الآن بنيجيريا -وكما تعلم- فإنه في ذلك الوقت لم تكن نيجيريا بحدودها الجغرافية التي نعرفها اليوم موجودة، لكن وبسبب العلاقات والصلات التجارية بين أقطار شمال إفريقيا والسودان وبين نيجيريا القديمة وصلت بشائر الدعوة الإسلامية إلى أرض قبيلة الهوسا منذ القرن الثاني عشر الميلادي، لكن الإسلام لم ينتشر بقوة في ذلك الوقت، وعندما أتى القرن الثالث عشر الميلادي وبدأ التُجار في التوافد على أرض الهوسا من شمال إفريقيا، فإن الإسلام بدأ في الانتشار على يد كثير من الهوساويين.

ونذكر -على سبيل- المثال "آياجي كونسياميا" الذي كان زعيم قبيلة الهوسا وأميراً لكانو في ذلك الوقت. وعلى يديه وبسبب جهوده بدأ الانتشار الحقيقي للإسلام إلى ولاية كانو وما حولها من ولايات الشمال النيجيري، وبدأ الناس في اعتناق الإسلام بأعداد ضخمة في كانو ثم خارجها. وكان "إياجي" في الحقيقة أول من أعتنق الإسلام غير أن هذا لا يعني أبداً أن الإسلام لم يصل إلى كانو قبل ذلك التاريخ، لأنه كان هناك تجار من الذين يعتنقون الإسلام في كانو قبل ذلك وكان بعضهم من العلماء والدعاة، والفقهاء، فإذن نستطيع القول -وحسب المصادر المكتوبة- إن الإسلام وصل رسمياً إلى أرض الهوسا ثم بقية نيجيريا في القرن الثالث عشر الميلادي.


undefinedحسن إبراهيم: لكن انتشار الإسلام في نيجيريا لم يقتصر على الشمال النيجيري، بل انتشر الإسلام كذلك بقوة حتى في الجنوب النيجيري، وعلى الرغم من سنين الاستعمار الطويلة والنفوذ الطاغي للكنيسة الإنجليناكية إبان الحكم البريطاني، وكانت بريطانيا تحسب أنها أوقفت المد الإسلامي بسحق الدولة الإسلامية التي أنشأها الشيخ الإمام "عثمان دانفوديو" الذي يوصف بمجدد الإسلام في غرب إفريقيا.

د.عبد القادر دانغامبو: عثمان دانفوديو كان أجداده -كما يقول التاريخ- من أبناء قبيلة (الفولانى) الذين هاجروا إلى نيجيريا منذ قديم الزمان، وكانوا قبل ذلك يسكنون منطقة (فوتاتورى) أو (فوتاجلو) ثم استقروا في الأراضي التي تقطنها وتسيطر عليها قبيلة الهوسا منذ القدم، كان كثير من أبناء قبيلة (الفولاي) من المتعلمين، والمتفقهين في أصول الدين الإسلامي واللغة العربية لذا فقد كانوا تاريخياً يُمنحون وظائف في القصور الحاكمة، وكان عثمان دانفوديو نفسه من الذين نشأؤا وترعرعوا في البيت الحاكم في كانو، وكان والده أي والد الشيخ عثمان دانفوديو نفسه من العلماء الذين يُعلمون في القصر.

وكانت ولادة عثمان دانفوديو في عام 1754م في أغلب الرواية التاريخية. وعندما شب أخذ طريقة والده وتفوق عليه وأصبح من العلماء، وعُين أستاذاً يُعلم أبناء البيت الحاكم في القصر الملكي بكانو، وكان يُعلم غيرهم من أبناء الشعب. لكن الشيخ دانفوديو لاحظ أن حكام كانو وكثيراً من الأمراء لا يمارسون الإسلام الصحيح وكانت له مآخذ كثيرة على ممارستهم وطريقة معيشتهم، وبدأ في انتقادهم جهاراً نهاراً. لهذا، بدأ العداء ما بين الشيح عثمان دانفوديو وأمراء البيت الحاكم في قبيلة الهوسا بالتنامي، وكان الشيخ مُصراً على موقفه، ولما لم يطيعه الحكام اضطر إلى إعلان الجهاد في عام 1804م وكان جهاده شاملاً، فقد شمل الجهاد كل المدن الرئيسية في الشمال النيجيري، وانتصر الشيخ ومجاهدوه وتمكنوا من توحيد كامل الشمال النيجيري تحت راية الإسلام.

أما عامة الشعب فقد التفوا حول الشيخ منذ البداية وقبلوا بدعوته واتبعوها بقوة، وسبب عداء الحكام له، ظنهم أنه كان يريد استلاب مقاليد السلطة من أيديهم، ولعل هذا كان السبب الأساسي في حدة المواجهة الجارية كان من نتائج انتصار الشيخ عثمان دانفوديو في جهاده تكوين إمبراطورية كبيرة شملت كل الشمال النيجيري وسُميت الإمبراطورية العثمانية، نسبة إلى الشيخ نفسه وقامت هذه الإمبراطورية وترسخت عام 1812م وبقيت تحكم نيجيريا حتى وصول الاستعمار البريطاني إليها في عام 1904م، غير أنه ما من شك في أنه من الآثار المباشرة لقيام هذه الإمبراطورية ومن إنجازاتها نشر الإسلام في الجنوب النيجيري، ووصل نفوذ هذه الإمبراطورية إلى ما يسمى الآن بالنيجر وفلوري وبنين.

حسن إبراهيم: لكن الإسلام موجود وبقوة في الجنوب النيجيري، من المفارقات أن أسرع انتشار للإسلام في نيجيريا يتركز في لاجوس التي تعتبر العاصمة الاقتصادية لنيجيريا وإحدى أكبر المعاقل المسيحية فيها. من قصص النجاح في النشاط الدعوي الإسلامي الشيخ المُقدم محمد الرابع أديبايو عبد المالك، الذي أسس مدرسة الرحمة عام 63 وكانت البداية بعشرة تلامذة فقط، ثم أنشأ معهد النجاة والإفتاء عام 92، وها هو الآن المعهد يكتظ بتلاميذه "500" طالب و"150″ طالبة يدرسون إلى جانب المقرر النيجيري باللغة الإنجليزية، المقرر الأزهري في القرآن واللغة العربية والفقه والتجويد والتفسير.

خديجة عبد الله: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. آمين.

حسن إبراهيم: والشيخ محمد الرابع متفائل جداً بمستقبل الإسلام في الجنوب النيجيري ويدلل على هذا بمسجده ومعهده الذي أنشئ بجهود ذاتية خالصة وقصته جديرة بالإعجاب.

محمد الرابع أديبايو عبد المالك: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله، بعون الله لنا مدرسة يعني منذ قديم قبل انتقالنا في هذه المنطقة وقتئذ سمينا "مهد رووم" الإسلام، ولكن عندما انتقلنا عن ذاك المنطقة إلى هذه، رأينا تلقينا مشاكل كثيرة لأن هذه المنطقة هي المنطقة المسيحي 90%، ولكن الحمد لله بعد ما أسسنا المعهد في سنة 1992م بدأنا دراسة.. افتتحنا المعهد، منذ ذلك -الحمد لله- كل شيء يتقدم ولكن قبل مجيئنا هنا الإسلام في هذه المنطقة ضعيف جداً، ضعيف، تقريباً 90% مسيحي، ولكن بافتتاحنا هذا المعهد المباركة كثير من أبنائه يأتوا للإسلام، أكثر هم (…) في المعهد يتعلموا، كثير من رؤسائه أسلموا، يتعلموا اللغة العربية، يتكلموا العربية الفصحى، أكثر منهم (…) كان في جامع الأزهر في القاهرة ومنهم من كان في الكويت من الذين يعني تخرجوا من هذا المعهد ولكن بدأنا سنة 1992م.


undefinedحسن إبراهيم: وهذا المعهد الذي أقيم بجهود ذاتية يحتاج إلى دعم ضخم كي يتمكن من الاستمرار في أداء رسالته ولولا الدعم الذي يقدمه الأزهر سنوياً إلى المعهد لتعثرت مسيرته أو لاضطر إلى رفع تكاليفه السنوية التي لا تزيد الآن على ما يساوي 25 دولاراً فقط. وجود نشط لمسلمي لاجوس وذكي للغاية فهم لا يجاهرون بأي نشاط سياسي يستفز الطبقة الحاكمة بل يتحركون وسط كانتونات الفقر يُنئئون المدارس والمعاهد ويخلقون فرص العمل، والنتيجة اختراق إسلامي مذهل لمعاقل المسيحية في الجنوب النيجيري. من إنجازات المعهد أنه اجتذب حتى الجامعيين الذين يُريدون دراسة اللغة العربية ويعتبرونها لغة الهوية والانتماء.

خديجة عبد الله: أنا أدرس اللغات في جامعة فلوري وأتعلم الألمانية أيضاً لأنني مسلمة أشعر بأنني يجب أن أتعلم العربية. ما يجمع النيجيريين عامة هو الفقر المدقع الذي يعيشونه، أحياء بأكملها تقبع تحت أي خط فقر في العالم، تتفشى فيها الجريمة وتغلب عليها الأمَّية مثال ذلك حي (أكو بابا) الفقير..

يعيش فقراء (أكو بابا) على بيع الخشب المتعفن الذي يرميه التجار، لذا فلا عجب أن تجد رائحة الحي تزكم الأنوف ولا يوجد نظام صرف صحي ولا كهرباء ورغم وجود مروحة سقف في مسجد الحي الخشبي لم تستخدم منذ أن بُني المسجد بأيدي المسلمين الفقراء في عام 90. هذا النداء تكرر على لسان السيدة (لطيفة أكونو) التي ترأس الاتحاد الفيدرالي للسيدات المسلمات في نيجيريا والتي كانت نائبة لحاكم ولاية لاجوس ومن الناشطات اللتي يرغبن في تطبيق الشريعة الإسلامية على كل نيجيريا.

الحاجة لطيفة أكونو: كنا نتلقى الدعم في الماضي لكنه توقف، لا أدري لماذا والآن علينا المرور عبر قنوات كثيرة، كانوا يهتمون في الماضي. السعودية مثلاً تُفضل الآن أن تعطى مساعداتها للحكومة فهي أيضاً تعاني أزمة اقتصادية نتيجة حرب الخليج، لذا فإن العون لا يأتي.


undefinedحسن إبراهيم: الفقر المدقع وتردي الخدمات الأساسية ظواهر تعم جميع أنحاء نيجيريا، فالفجوة بين مَنْ يملكون ومَنْ لا يملكون سحيقة للغاية وفي ظل هذه الظروف لا يُستغرب أن يعم الفساد والجريمة والرشوة، ولو تمعَّنا في الوجوه الحزينة التي تظهر عليها ملامح الفاقة والمعاناة لما استغربنا أن يحدث تزوير من الانتخابات الرئاسية مثلاً..، وكانت نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أُجريت مؤخراً مُحيرة للغاية فقد فاز بها (أوليشجون أوباسانجو) لفارق أصوات ضخم ناهز ثمانية ملايين صوت.
وعلى الرغم من أنه مسيحي وكذلك منافسة (أولو فلاير) فقد صَوت معظم المسلمين لصالح (أوبا سانجو) فهل كان هناك تنسيق ما بين المسلمين؟ ذهبنا بهذه الأسئلة إلى الشيخ محمد ناصر محمد وزير أمير كانو والذي ينقل رغباته وإشارته إلى الأتباع والمريدين وسألناه إن كان التصويت لصالح أوبا سانجو رغبة أميرية..

محمد ناصر محمد: لا.. الحمد لله بارك الله فيك -أنت فطن جداً- من ضمن منصبه على أنه منصب سياسي أن القانون الديني والقانون الأميري السلطاني الوراثي، حجزه من أن يتدخل نفسه في شئون السياسة.. السياسة العامة لا يتدخل فيها، جماعته يختارون مَنْ يريدون، هو غاية ما يقول: اخرجوا وصوتوا على جانب مَنْ تريدون، لكن فلان وفلان هم الذين يُرشحون أنفسهم لطلب الرياسة أو لطلب البرلمان أو غير ذلك ولكن هو بنفسه لا يقول محمد صوِّت لهذا، أبو بكر صوِّت لذاك.. لا يقول هذا.

حسن إبراهيم: ووجهت نفس السؤال إلى الأستاذ علي داوود أستاذ الشريعة الإسلامية والتربية بجامعة بييرو بكانو.


undefinedالأستاذ على داوود: ينظر الناس هنا إلى أخف الضررين عندما يكون هناك خياران شيئان ينصحنا الإسلام باختيار الأخف ضرراً وأعتقد أن هذا يجيب على هذا السؤال. فالناس يرون أن المرشحيْن شريران والنظام الذي أتى بهما شرير فيبحثون على الأقل عن الأقل ضرراً من الاثنين. نحن نعرف أن (أوبا سانجو) منذ عام 75 عندما كان مع رفيقه قبل أن يُقتل وبعد أن قُتل رأينا طريقة إدارته للحكم وعندما أوفى بالعهد الذي قطعه رفيقه على نفسه بتسليم السلطة إلى المدنيين عام 79 قلنا إن هذا رجل.. وَعد رفيقه الأمة بأمر ثم أُغتيل بعد ستة أشهر من توليه السلطة وسلمه السلطة في الموعد المحدد دون تأخير، فقلنا أن هذا رجل، وعلى هذا الأساس وفي ظل غياب أي مرشح مسلم قررنا التصويت له رغم أن كثيراً من المسلمين يعتقدون أنه لا جدوى من التصويت.

حسن إبراهيم: إلا أن الحقيقة تكمن في أن القيادات العليا من الجيش النيجيري في غالبيتها من المسلمين ولكون (أوبا سانجو) جنرالاً سابقاً ويدعمه الجنرالات المسلمون في الجيش وعلى رأسهم الرئيس الأسبق إبراهيم بابنجدا فإن أغلبية المسلمين يدعمونه كذلك. وعلاقة المسلمين بالجيش النيجيري قديمة، تعود إلى أيام الاستعمار البريطاني، عندما شجع البريطانيون المسلمين على دخول الجيش. فهم كانوا يدركون أن نيجيريا بلد شديد الأهمية في غرب إفريقيا، وأن دخول المسلمين إلى الجيش يضمن لهم التفوق السياسي في المستقبل وهم كانوا يريدون نيجيريا مستقرة كي تشكل رأس حربة للنفوذ الأنجلوفونى في غرب إفريقيا التي يغلب عليها النفوذ الفرنسي. لذا فإن معظم حكام نيجيريا العسكريين كانوا من المسلمين.

من الأزمات المعاصرة التي يشكو منها الشباب النيجيري الإسلامي المتعلم والمسيَّس، هي ما يسمونه بأزمات الإسلام التقليدي، وطقوسه التي حولت الإسلام إلى مجرد شعائر ليس إلا. الأستاذ على داوود يمثل هذا الجيل إنهم شباب متعلمون وغاضبون على التردي الذي وصلت إليه أحوال بلادهم الغنية بالثروات الطبيعية.

على داوود: عندما يعاني الناس من انفصام في الشخصية يصبحون ملوثين وفاسدين ويمارسون إسلاماً من نوع آخر. نحن في الشمال النيجيري محظوظون من حيث إننا لم نستعمر ثقافياً، ولم يصل بنا الحد إلى درجة الانبهار بالاستعمار الثقافي الآتي من الغرب، ولسنا معجبين بما وصل إليه الحال خاصة في بعض أنحاء العالم الإسلامي، حيث تحول الناس إلى مستهلكين لكل ما يأتي من الغرب إنهم لا يعلمون، فهم إما أن يُستغربوا أو يفتنون في إسلامهم وأصبحوا شخصيات مضحكة. لا هم بالغربيين تماماً ولا هم بالمسلمين حقاً، ويصبح الإسلام الذي يحاولون ممارسته ملوثاً وهذا ما نحن منتبهون إليه تماماً في نيجيريا، ماذا يريد الغربيون؟ إنهم يريدون منا -ومن المسلمين- ممارسة إسلام البيت الأبيض.

حسن إبراهيم: فنيجيريا دولة نفطية تصدر حوالي مليوني برميل نفط يومياً. يفترض أن تكون بلداً غنياً، ونيجيريا بلد زراعي يُفترض أن تكون قد حققت الاكتفاء الغذائي على الأقل، وشواطئها على المحيط الأطلسي تعتبر الأطول في إفريقيا، وعدد سكانها يفوق الـ120 مليون نسمة إذن فما المشكلة؟

على داوود: هناك إسلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإسلام البيت الأبيض، وهذا ما فهمناه في نيجيريا، لذا لا نريد أن نربط أنفسنا بإسلام البيت الأبيض، وإسلام البيت الأبيض يقتصر على الأذكار، والتنمية الروحية ولا يهتم بالسياسة أو الاقتصاد ولا مشاكل المجتمع، اذهب إلى المسجد، اذهب إلى المسجد الإسلام ليس فقط في المسجد.. فهو في المسجد وعلى أرض المعركة، في المسجد وفي السوق. في المسجد وفي المنزل، وفي المدرسة.. كل موقع هو للإسلام وهذا هو الإسلام الذي لا أتوق إليه وحدي، بل كل مسلم متعلم في بلادي يتشوق لتطبيقه.

نحن نريد تطبيق إسلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي طبقه على المدينة المنورة هو وأصحابه، هذا هو مثالنا، ونحن نسعى إلى تطبيق ما قاله الله (كنتم خير أمه أُخرجت للناس) ونحن نريد إثبات هذا لكل العالم، لكننا الآن للأسف لسنا الأفضل، ولماذا لسنا نحن الأفضل لأننا لوثنا أنفسنا بالاستعمار الثقافي الإمبريالي الغربي. قال الله (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة…. إلى آخر الآية). وللأسف لا يأخذ المسلمون كلام الله كمثال يحتذونه.

ونحن نجاهد في نيجيريا كي نتبع ونحتذى بكلام الله، ونريد تقليد ما فعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، ونريد جعل حياتنا كحياته ورسالتي إليكم هي التالي ما عدا مصر والقاهرة لم أزر كثيراً من بلاد العالم العربي الإسلامي، وحسب ما نسمعه من أخبار عن تلك البلاد فنحن قلقون وننظر إليهم كأناس نزلت عليهم الرسالة، وأتانا الإسلام عبرهم، وكل المجددين الذين نتبعهم مثل: حسن البنا، وحسن الترابي وسيد قطب، هم الذين تبنوا حركة التغيير في العالم العربي والإسلامي لكننا نُصاب بالإحباط لما آل إليه حال العرب والمسلمين هناك.

حسن إبراهيم: لكن مادام الفقر ضارباً أطنابه والولاءات القبلية والطائفية مسيطرة على المعادلة السياسية النيجيرية، والفساد مستشرياً في جميع مرافق الحياة فإن الشباب المسلم من أمثال على داوود قد يصبحون أكثر تطرفاً..

الأستاذ على داوود: إذا سنحت لكم الفرصة يا أهل الشرق الأوسط وأنتم تملكون المال والإمكانات تواصلوا مع إخوانكم وأخواتكم في إفريقيا، وفي كل مكان في العالم الإسلامي اذهبوا إليهم، اعرفوا أحوالهم، ما هي التطورات في شأنهم؟ وما هي مشاكلهم؟ وإن استطعتم الجهاد فجاهدوا هناك وليس الجهاد فقط بالقوة الجسدية أو بالبندقية، أو الصاروخ، أو بالقذيفة فقد قال الله (جاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) إذن الواجب الملقى على عاتق كل المسلمين والمسلمات هو التعارف والتواصل، ونحن هنا في إفريقيا قد دمرنا الفقر المصطنع، مصطنع لأن مواردنا ليست فقيرة، فبلادنا ثرية للغاية وقد نهبت الصفوة هذه الثروات بصورة تقترب من الجنون. إذن نحن نحتاج لأخوتنا… أي أن الله يحضنا على التعاون في الخير لا في الشر.

حسن إبراهيم: ومن الجانب الآخر فإن التيارات الإصلاحية بشقيها التقليدي مثل تيار الشيخ محمد الرابع مؤسس مدرسة النجاة والإفتاء في لاجوس، وشقها الحديث من أمثال تيار لطيفة أكونو رئيسة الاتحاد الفيدرالي للسيدات المسلمات ستستمر تقديم الكثير إلى الإسلام والمسلمين في نيجيريا.. لكن لا يسع المرؤ إلا أن ينظر بعين الإعجاب إلى مريدي الطرق الصوفية في طقوسهم المبهرة.. كذلك إلى بيت عبد الله بييرو الذي كان حصناً منيعاً للإسلام في غرب إفريقيا، ومازال حتى اليوم رمزاً لذلك التاريخ التليد.