ضيف وقضية

الفن التشكيلي الملتزم

ما هي خصائص الفن التشكيلي الملتزم؟ وكيف تخصص إبراهيم أبو الرُّب في الجداريات؟ وما هي فلسفة الجدارية؟ لماذا لا يهتم إبراهيم أبو الرب بالجانب التسويقي للوحاته؟ وأين يضع نفسه من الفن التشكيلي العربي المعاصر؟
مقدم الحلقة محمد كريشان
ضيف الحلقة – إبراهيم أبو الرُّب، فنان تشكيلي فلسطيني، أستاذ في جامعة قطر
تاريخ الحلقة 23/02/1999

undefined
undefined

محمد كريشان:

دكتور إبراهيم أبو الرُّب، أهلاً وسهلاً.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

أهلاً بك.

محمد كريشان:

يعني الإنسان يسمع عن شعر ملتزم، عن غناء ملتزم في قضايا عربية بالقضية الفلسطينية، بقضايا عديدة تهم المواطن العربي، لكن ما معنى أن يكون الفن التشكيلي فناً ملتزماً؟ ما هي خصائص ذلك؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

الفن التشكيلي طول عمره ملتزم، لأنه جزء من حياة الإنسان، وجزء من فعالياته اليومية والتاريخية، فبطبيعة الحال راح يطلع ملتزم، خاصة أنه هو أكثر الفنون اللي سجل مراحل الإنسان، ومراحل البشرية، ومن طبيعة الحال أن الفن التشكيلي قريب من الإنسان فما بالك تكون فيه حالة غير عادية، غير الحالة الحياتية الاعتيادية، فيه حالة مثلاً، القضية الفلسطينية أو الحالة العربية، فراح يكون للفن فيه جزء كبير منه ملتزم يعني.

محمد كريشان:

كونك أحد مواليد مدينة القدس، وخرجت من فلسطين في 67، يعني بطبيعة الحال كفلسطيني يحمل معاناة شعب كامل وإرث كامل من الاحتلال والقهر يعني، هذا بطبيعة الحال هو الذي حدد هذا الاختيار بالنسبة إليك؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

أنا بالنسبة إليَّ كنت بأرسم من وأنا صغير يعني أطلع في قريتي إحدى قرى القدس قرية (يالو) قرى النطرون، أطلع وأتأمل فلسطين وجمالها وأرسم يعني أعشق المكان، ولما غادرتها في 67 وتم هدمها بعد الحرب على طول، ظل الانتماء عندي موجود وظل الفن موجود، فكلاهما كانوا أساس مسيرتي الفنية.

محمد كريشان:

نعم. يعني بالنسبة.. ولو أردنا أن ندخل في تفاصيل أكثر يعني لما بدأت الرسم في البداية. يعني كانت فقط كأي شاب ممكن يعني يبدأ الرسم التقليدي، التصويري، العادي؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

إلى حد ما بيسموها الأسس الأكاديمية اللي هي يعني بتكون أسس للتعليم، الموضوع واضح، مقروء والعناصر الفنية واضحة مقروءة لدى المشاهد، إنما كان عندي تصريع وتصعيد.. تسريع وتصعيد للجانب الانفعالي والجانب التعبيري والجانب الالتزامي من وأنا حتى وأنا طالب يعني.

محمد كريشان:

يعني دكتور هذا الخط الملتزم يعني كان هاجساً منذ البداية منذ التكوين الأكاديمي، يعني اخترته لنفسك منذ الانطلاقة؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم.. نعم حتى من الدراسة وما قبل الدراسة بمصر كنت دارس بالأردن سنتين دبلوم تربية فنية، وكنت عامل معارض ونهج.. نهج الالتزام، لأنك تعيش القضية، والقضية يعني هي من كبر حجمها تحس إنك يعني أنت يعني أن تكون أو لا تكون، أن تكون هو الأساس، هي القضية تفريغ أرض من شعب وإحلال شعب مطرح آخر، أنا بيتهيأ لي بالنسبة إلي يعني أهم حدث في تاريخ البشرية أن تفرغ أرض من شعب وتضع شعب آخر في هذه الأرض، يعني هاجسي وهاجس ببعده الجغرافي والتاريخي والإنساني، لذلك لي عبارة دائماً بأرددها: "لو أعطوني طول الكرة الأرضية وبعد التاريخ لكي أقول قضية شعبي فلن تكفي".

الواقع إنه فني كله في هذا المجال لا يتجاوز الشهيد والجريح والسجين، حتى بداياتي، يعني كنت أنا في الكلية بمصر، أعمل معارض أرسم المطلوب للكلية وأرسم وأعمل معارض كل فني ملتزم من بداية الفن، هذا جانب، جانب آخر أنه يعني لو جربت أرسم موضوع عادي بأكتشف نفسي وقد وجدت نفسي.. وقد.. في جانب الالتزام.

محمد كريشان:

نعم، أشرت إلى صور الشهيد، يعني يُلاحظ بأن الشهيد موضوع رئيسي ومحوري في عدد كبير من لوحاتك، أنتم تقولون بأن هذه شكلت مرحلة كاملة من الرسوم.. مرحلة..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

نعم، نعم من الثمانينات نعم.. هو على أساس إنه عندنا قضية، فيه قضية.. القضية بحاجة إلى حل، الحل هو في الشهادة، فهذا المبدأ اللي كنت قائم عليه في شغلي في مرحلة الثمانينات -المرحلة البيضاء- والشهادة يعني هي مشروع قائم لأي إنسان، يعني أي واحد فينا هو مشروع شهيد، فالشهادة قائمة يعني لإيجاد حل لهذه القضية.

محمد كريشان:

المرحلة البيضاء يعني نسبةً إلى الكفن يعني والـ..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

نعم، والشهيد.. الكفن، بعدين جموع الناس الكثيرة اللي هو الحل في التجمع يعني ليس الحل في الفرد، لوحاتي في المرحلة البيضاء كلها أعداد هائلة يعني تجد في الجدارية مئات الأشخاص توحي بالزحف يعني، رغم أنها مقيدة، رغم أنها مكبلة رغم أنها.. إنما هي تزحف نحو الهدف، نحو الأمل.

محمد كريشان:

ولكن يعني العدد الكبير من هذه اللوحات يعني ما الذي يُميز لوحة عن أخرى؟ يعني إذا كانت المرحلة هذه المرحلة البيضاء مرحلة الشهيد عدد كبير من اللوحات ومن الجداريات على فكرة سنعود إلى ما معني..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

جدارية.

محمد كريشان[مستأنفاً]:

جدارية يعني لمزيد من التوضيح، يعني ما الذي يجعل هذه اللوحة تتميز عن اللوحة الأخرى مع أنها تكاد تكون هي نفسها بالنسبة لمن يراها؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

فيه جانبين بدي أتحدث عنهم أنا في قضية اللوحات الشهيد و.. الجانب الفني المرئي والجانب الحسي المُعايش. الجانب الفني المرئي تقريباً كثير أعمالي شبيهة ببعض، ودي بتقوم على فلسفة إنه الكتل من البشر تمشي باتجاه اليسار اللي فيه القمر الهدف، دايماً أنا كل لوحاتي -لو بتتبه لهم- الكتل البشرية جاية من اليمين إلى اليسار أولاً اليسار لأن أنا بأرسم باليسار فاتجاه اللوحات كلها والـ Touches والتكوين والحركة والجموع كلها باتجاه الشمال اللي هو القمر، بأبدأ لوحتي من اليمين باتجاه الشمال.. سبحان الله!!

محمد كريشان:

ليس إنتماءً سياسياً يعني.. بمعنى..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

القضية قضية يعني تعوُّد إيدي الشمال تعود، القضية الثانية اللي هي أنا قلت اللي هي الجانب الحسي إن لوحاتي نعم، ممكن تشوفها أحياناً زي بعض، وكان بعض الزملاء يقولوا لي أنت بتكرر و..، الجانب الحسي إني أنقلك إلى الحدث تحسه وتتعايش معه في داخل اللوحة، ولا تقرأ فيه مواضيع مباشرة أو مواضيع مقروءة اللغة البصرية.

محمد كريشان:

يعني عُرفتم أساساً باختصاص الجداريات، لوحة كبيرة على جدار طولها ربما 10 أمتار، 15 متر..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

وفي آخر عمل وصل 50 متر.

محمد كريشان:

ما شاء الله.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

فحم.

محمد كريشان:

يعني ما فلسفة الجدارية؟ يعني هل أنتم تريدون أن تُعبروا عن مضمون من الصعب أن تضمه لوحة صغيرة، أم هو حرص على جعل الموضوع ملحمي وممتد وواسع؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

كذا عنصر بيتدخل في القضية هاي: العنصر الأول إني أنا لما بأقعد أرسم عادة بأسمع بعض الأشياء اللي تعطيني المؤثرات، يعني ما بأقعدش على اللوحة أرسمها على طول، بأتعايش معها يوم ويومين وثلاث، وبأقعد بأختلي بنفسي، وبأشغل فيروز بيصير عندي تصعيد في الوتيرة، قبل ما أبدأ أرسم يعني بأجهز الألوان وبأجهز المساحات، فبيصير عندي نوع من اللاشعور بيتدفق بشكل هائل، يعني نشبهها زي مثلاً بالسيارة اللي بتبقي ماشية بسرعة 120 كيلو متر في الساعة بأصير أمشى بسرعة 2000 كيلو متر في الساعة.

فالتدفق الهائل ها اللي هو ناتج عن وتيرة معينة اللي هي امتزاج الحالة والحدث وصوت فيروز والتدفق بتاعي ها أنا ما عندي إحساس إني ترضيني لوحة، وما بأقدرش أشتغل على لوحة صغيرة بتاتاً. وقضية ثانية مُعاكسة إنه كل ما رأيت اللوحة مساحتها أكبر أزداد توتراً وأزداد تحدياً، لأني أنا بأمثل في شغلي حدث كبير، الحدث الكبير هون بأحس إنه بيحقق بعض النتائج المتميزة على المساحة الكبيرة.

محمد كريشان:

على ذِكر التوتر والانفعال، يعني عندما تابعناك في رسم إحدى الجداريات كانت ملامح الوجه ملامح منفعلة تماماً وكأنه نوع من التجلي الصوفي أو نوع من التخميرة أو نوع من الحالة غير العادية، يعني سؤالي بصراحة: أين يقف الاندماج مع اللوحة؟ وأين يصبح نوع.. هل هو نوع من التكلف، من التصنع؟!

د. إبراهيم أبو الرُّب:

لا، لا، الحقيقة أنا لما بأقعد أرسم أصلاً بأقفل على نفسي الباب.

واثنين: بأكون غير صاحي. حضوري العقلي مش موجود بتاتاً، اللاشعور هو اللي واضح وانفجار العقل الباطن.

ثلاث: أنا واللوحة والحدث نلتقي والانفجار الهائل ها، الانفجار اللي في الحركة وفي التعبير وفي الحس وفي الرؤية وفي اللون وفي المساحات أنا ما بأكون صاحي عليه بتاتاً. لذلك الزملاء بيعرفوني كإنسان عادي، نادر ما حد يشوفني وأنا أرسم، لما بيشوفوني بيقولوا أنت يا إبراهيم بتمثل أو.. ما بيصدقوش.. بيستغربوا يعني.. إن إبراهيم اللي بنعرفه غير إبراهيم اللي.. أثناء الرسم..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

حالة ذهنية وفنية..

د. إبراهيم أبو الرُّب [مستأنفاً]:

أثناء الرسم أنا ما بأعرف يعني، حتى يعني ما بأقدر أعبر عن ذاتي إني أري نفسي شيئاً ما إنه فيه انفجار الحدث، انفجار الألم، انفجار المعاناة.. يلتقي مع الفن، يلتقي مع المساحة.

محمد كريشان:

أشرت إلى فيروز، وفيروز مرتبطة بحالة التجلي هذه والاندماج، يعني ممكن السؤال إنه طالما أنت ترسم فناً تصفه بالملتزم وهناك معاناة، يعني ربما لإنسان أن يتساءل لماذا الدكتور إبراهيم لا يستمع للشيخ إمام وهو يغني، لمارسيل خليفة وهو يغني.. لماذا فيروز تحديداً؟

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

بأسمع بأسمع، بأسمع أغاني فلسطينية بأسمع.. بأسمع لمظفَّر النواب مرات، إنما فيروز ما بأعرف حالة غريبة عندي، صار عندي نوع من الترابط ما بين الفن وفيروز، إذا سمعت فيروز لازم أرسم، إذا بأرسم مش سامع صوت فيروز بأحس حالي مش عم بأشتغل مظبوط، مش عم بأشتغل في الصح..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

وفيروز لا تسمعها إلا..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

وهذا الكلام صار له أكثر من ثلاثين عام.

محمد كريشان[مستأنفاً]:

وفيروز لا تسمعها إلا وأنت ترسم؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

وأنا بأرسم.

محمد كريشان:

خارج الرسم لأ؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

ممكن أسمعها وبأصيرRelax ، وبأصير هادي، يعني تعطيني راحة، إنما في الرسم تعطيني توتر بطريقة غير…

محمد كريشان[مقاطعاً]:

وهذا من ثلاثين سنة، يعني كانت مرتبطة في ذهنك بـ..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

نعم، نعم، أسمع فيروز أرسم، بأرسم، مش سامع بأحس حالي فيه شيء غلط بيحصل معي، مش عم تمشي الأمور مظبوطة.

محمد كريشان:

يعني مع إنه مثلما قلت يعني أغاني فيروز المعبرة عن المعاناة بمفهومها -على الأقل- معاناة الشعب الفلسطيني.. بغض النظر عن أي…

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

أغاني فيروز اللي ملتزمة وغير ملتزمة.. الأقرب إلي الأكثر شعبية اللي فيها تدفق وتسريع وتيرة، بأحس إن فيها عملقة ها الفنانة هاي، بأحس فيها إنها -يعني- شيء متين فأنا بأتعامل معه. حتى تلاحظ إنه فيه علاقة بين ضربة الفرشة والحركة والتفعيل والمعالجات مع الصوت والنغم والتعبيرات، حتى مرات تكون الأغنية أو الموسيقي مش مناسبة للوضع بأبحث عن شريط بسرعة، لأن التدفق بيكون في أعلى وتيرة.

محمد كريشان:

يعني ممكن أن نشبه ضربة الفرشاة بضربة قائد الأوركسترا أو العازف..؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم، نعم، آه فيه.. آه ومرات أنا بأضرب الفرشة وبتطير مني الفرشة وبأمزِّع اللوحة وبأكسر وبأبكي وبيصير حاجات غير طبيعية أنا ما أكونش صاحي عليها، وما بأترك اللوحة إلا تكون انتهت وبأغادرها.. بأبعد عنها.

محمد كريشان:

هذه الحالة الذهنية الخاصة -يعني- صاحبتك منذ البداية أم ازدادت عمقاً مع السنوات؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم، نعم، مع البداية وازدادت بشكل أنا الآن لا أستطيع أنفصل عنه.

محمد كريشان:

وهذه كانت حالة حتى في الجامعة يعني كنت معروف بها أيضاً حتى..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

وكنت متعب زمايلي وزميلاتي بفيروز، ما بأعرف أرسم إلا مع فيروز يعني.

محمد كريشان:

نعم، موضوع مرحلة الشهيد، ونبقي في مرحلة الشهيد قبل أن نمر إلى مراحل أخرى في الرسم التشكيلي كما تابعته، يعني الشهيد هل كان هاجس يومي في الرسم، أم كنت تنتظر الحدث؟ أشرت إلى الحدث، يعني معروف مثلاً أن الصحفي يكتب ارتباطاً بالحدث أو الكاتب ولكن أن يكون الرسام مرتبط بالحدث؟ هذه يعني..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

والله ما بأعرفش الحدث له دور كبير في شغلي، يعني دايماً إحنا نسامع الأخبار ونتابع الأخبار، وللأسف إحنا نرى الحدث، لا نصنعه، ها يعني تؤلمني يعني تؤرقني من الداخل، إنما الحدث دايماً بيغذي شغلي، ويومياً عندنا أحداث، إذا لم يكن الحدث فلسطينياً فهو عربياً، إن لم يكن عربياً فهو إسلامياً، فيه حدث مؤلم.. إلا تشوف حدث، تشوف دولة إسلامية شعب مسلم في بلد معين يُضرب وكل الأخبار..

على فكرة يعني بتكون يا إما شعب مسلم بيضرب، أو شعب عربي يضرب أو الشعب الفلسطيني يضرب، فهو الحدث قائم وبيظل فيه استمرارية، ما أظنش إحنا يعني صرنا ما نستغني عن الحدث.

محمد كريشان:

نعم، مرحلة الشهيد تابعتها سواء في العمليات الفدائية داخل الوطن المحتل أو في مرحلة الأردن، أو في مرحلة لبنان.. صبرا وشاتيلا وغيرها..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

كل مراحلها.. كل مراحلها.. نعم كل مراحلها أينما كان حدثاً، تلاقينا نرسم نتدفق، حتى في الثمانينات شكلنا مجموعة فنية في الأردن.. مجموعة الفنانين الشباب، في أحداث صبرا وشاتيلا، كنا عاملين في الأستوديو في جاليري وشغالين على الحدث بنرسم على الحدث وعملنا معرض في حينه..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

كيف على الحدث؟ يعني متابعين للأخبار؟

د. إبراهيم أبو الرُّب[مستأنفاً]:

بنسمع الأخبار، نشوف الأخبار ونرسم على طول، نتعايش مع الحدث.

محمد كريشان:

على ذكر صبرا وشاتيلا، الشهيد هو يبقي شهيد بطبيعة الحال، ولكن الشهيد في صبرا وشاتيلا أو في تل الزعتر أو في حصار طرابلس في 83، هو نفسه هو الشهيد الذي يستشهد في جنوب لبنان في عملية فدائية..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

هو أنا الشهيد.. عفواً.. هو الشهيد أنا اللي بأطرحه غير عن الحدث، الحدث المرة دي أنت ممكن يعني بيجوا يصير قتل في مكان ما، وممكن الإنسان هذا قتل شهيد مش شهيد.. هاي مؤثرات حدث، إنما أنا اللي دايماً بأتداوله في شغلي ثلاثي اللي هو الشهيد والسجين والجريح ها دول الثلاثة، إنما إذا كان هو قُتل، أو قَتل، أو ناضل أو جاهد، هاي قضايا، إنما أنا الشهيد أنا بأطرحه كحل للحدث وللقضية.

محمد كريشان:

الشهيد، والسجين، والجريح، ولكن يبدو أنه الشهيد أخذ حظ أكثر من السجين..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

لأنه الحل في الشهادة.. أنا وجهة نظري يعني ما بأعرف..

محمد كريشان:

الجريح والسجين ماذا كان…

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

تسجيل للأحداث، متابعة للأحداث.

محمد كريشان:

لأ، يعني نصيبهم كيف كان في خضم هذه..

د.إبراهيم أبو الرُّب:

تقريباً.. لا لا.. الشهيد.. لأنه أنا بأرسم الموت وبأرسم الجرح وبأرسم السجن، بأعبر عنهم بالأحرى ما بأرسم، إنما أنت كرسام أو كفنان تطرح شيء هاي عادي، إنما تطرح حل، أنا الشهيد بأطرحه كحل، عشان بيجوز ترى الأعمال أكثر هي الشهادة، لأني أنا أري أن كل إنسان يجب أن يكون مشروع شهيد.

محمد كريشان:

وهذا الموضوع متواصل معك إلى حد الآن أم أنت تقول دخلت مرحلة أخرى في الممارسة، ولكن الشهادة لم.. لم..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

هو للأسف بعد حرب الخليج بعد الـ90 يعني صار فيه صدمة لدى الحس العربي، ولدى الشارع العربي، ولدى الرؤية العربية، فأنا جزء من ها الحال هاي صار عندي زي ردة فعل اللي هي نقدر نسميها نوع من الردة، الردة العربية أو الردة الحديثة، أو أنا بأسميها التهافت، يعني الإنسان العربي اللي أنا حاطه في بالي إنه هو ممكن يكون مشروع شهيد هو الآن مشروع تهافت شخص يؤثر على اثنين، يصيروا تهافت واثنين يؤثروا على أربعة وأربعة.. فيعني في حالة ردة إحنا الآن.

محمد كريشان:

ولكن الشهادة متواصلة يعني في الضفة الغربية.. في غزة يكاد لا يمر يوم دون أن يسقط شهيد.. في جنوب لبنان.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم.. بس أنا صار عندي، نعم هذا قائم موجود، صار عندي حتى في الفن، في اللون وفي التشكيل وفي المعالجة صار عندي هذه التأثيرات، إنه يعني.. يعني أرسم وأرى الأمة متألم لحالها، في الأول كنت أرسم وأرى الأمل، المستقبل، كنت تشوف أعمالي بيجوز الأفق في خلفية اللوحة واسع عالي، في مرحلة التسعينات صار الأفق يصغر.

محمد كريشان:

يعني بين أسفل اللوحة والامتداد والسماء.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم، نعم تلاقي الأفق صغر، تضيق المساحة.

محمد كريشان:

ولكن ألا تشعر بأنك ربما الآن تظلم الشهيد بعدما خدمته لسنوات يعني..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

ما تخليت عنه، لا. ما تخليت عنه..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

لم تتخلَّى عنه في رسومك؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

الشهيد قائم ليوم القيامة، الشهيد قائم.

محمد كريشان:

وإلى الآن ترسم الشهيد.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

أنا أرسم الحالة اللي هي ما وراء الشهيد وإن مقوماته، مكوناته، وعناصر تدفع للأمام، يعني الإنسان يكون أمنيته يصير شهيد، إنما الآن أنا أري الناس، يعني ما عادت بدها طموح شهيد، الناس صارت يعني عكس الشهيد.

محمد كريشان:

ولكن ربما الشهيد الآن أصبح..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

تشرذم -لا مؤاخذة- مثلاً.

محمد كريشان[مستأنفاً]:

يعني الشهيد الآن أصبح وزنه ربما أكبر في ظل الظروف هذه، يعني الآن من يقدم على الشهادة في ظل جو الإحباط هذا..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

التراجع.

محمد كريشان[مستأنفاً]:

والتهافت والتراجع كما تسميه، يعني أصبح شخص يُفترض أن تقدر تضحيته بشكل أكبر حتى من السابق..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم.. نعم، فيه شهداء وفيه أحداث، بس يعني في الأول كان مشكلة الشهيد، باستمرار يومياً فيه شهيد، يومياً فيه حدث عن الشهادة يومياً.. يعني كان التدفق إلى الأمام، الآن فيه تراجع إلى الخلف، في الحالة العامة، حالة حسية، ما أعرفش، ما بأقدرش أفسرها أو أحللها كبعد فني إنما أنا بأقول لك ما أتعايش مع اللوحة..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

تتعايش مع..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

مع اللوحة.

محمد كريشان:

يعني حتى مثلاً بالنسبة للسجناء في السنوات..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

عفواً يعني.

محمد كريشان:

تفضل.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

حتى في اللوحة بتاعتي نعم فيه تهافت في مرحلة التسعينات إنما بتحس فيه ثورية وفيه حدة وفيه ألم وفيه معاناة وفيه توتر ووتيرة عالية برضو. يعني المرحلة البيضاء كان فيه نسيج وفكر ورؤية وفلسفة، إنما هون صار فيه تمرد أو ثورة على الواقع أو ثورة على الحالة اللي.. كان عندنا أحلام وطموحات، في التسعينات ما بأعرف يعني صار فيه ارتداد.

محمد كريشان:

دكتور إبراهيم، هل لهذه السوداوية للنظرة في الأشياء وما تعكسه في لوحاتك، هل هو الذي جعلك الفحم لرسم هذه الجداريات الكبيرة؟يعني الفحم كان اختياراً فيه نوع من القتامة؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

بالعكس، الفحم كخامة مطيعة يعني، خامة بتخدم، في مرحلة التسعينات وجدت نفسي في الفحم يعني في Black and white أو بلاش تسميه. Black and white سميه Drawing، الفحم بيشكل هون Drawing، وفي الجانب الآخر وجدت نفسي في خامة (الأجريليك) على الأقمشة الطويلة..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

اللي هي..؟

د. إبراهيم أبو الرُّب[مستأنفاً]:

الأجريليك خامة تنشف بسرعة فبتخدم التعبير بسرعة مش زي الزيت في مرحلة الثمانينات، الزيت بده وقت طويل ينشف وتنسج و..، إنما التعبير القوى المتدفق اللي بوتيرة عالية ستجده في الأجريليك وفي الفحم، مثلاً في الفحم في الأول كنت أشتغل بأصابع مشتراة يعني وأقلام..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

رصاص.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

تذوب.. لأ أقلام فحم..

محمد كريشان:

آه أقلام فحم.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

تذوب أثناء الرسم، وماتخدمش مترين ثلاثة، فصرت أعمل فحم على إيديه يعني أحرق كميات كبيرة.

محمد كريشان:

صناعة وطنية يعني.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

صناعة محلية، أحرق كميات كبيرة وأمد رولت كبيرة وأشتغل عليها بكم هائل، لأنه عشان يُشترى عملية صعبة، عشان يستهلك رائع إنك تعمل على إيديك، يعني تستهلك بـ.. يعني أقصد التدفق… يخدم سرعة التدفق بوتيرة عالية، فبيكون طري.. خشب طري أبيض، وبتحرقه وبأطفيه أنا وبأعمله على يدي..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

عنده أصول يعني.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

آه عنده أصول بحيث إنه أنت أول ما بيجرحش الورقة، اثنين حجمه عريض وبيعطي المساحة اللي أنت عايزها من الظل ومن الغامق فأثناء التنفيذ يعني أنا بأغيب عن الوعي زي قلت لك، فبيخدمني، بيعطيني تصعيد وتفعيل وشغل مريح، فأنا بالنسبة إلي بأعتبر إنه هاي Drawing تخطيط التسليم بتسميه.. إسكتشات، بيجوز أنت خدتها بمفهوم إنه Black and white والأسود بيعطي القتامة، لأ. أنا في شغلة القتامة هاي تطرقت لها في شغلي فترة صبرا وشاتيلا، وفترة الردة العربية عملت شغلات الأقرب إلى (داديزم) عملت أشياء سواداوية وزبالة ومرايه وحمامة ورغيف عيش وشغلات هاي، إنما الأسود بأجيبه كلون، إنما كإسكتش هو فحم مش كأسود يعني..

محمد كريشان:

ولكن يا دكتور الفحم.. اللوحة بعد ما ترسمها أو الجدارية، يعني هل هذه المادة قابلة للـ..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

نعم تحفظ.. تحفظ.

محمد كريشان[مستأنفاً]:

للاستمرار؟يعني تحفظ؟يعني ممكن أن نرى لوحة لإبراهيم أبو الرُّب عندها عشرين سنة مثلاً وهي مرسومة..؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

ومائة ومائتين وألف.. الفحم مادة محفوظة، أنا بعدما أنفذ الجدارية بأعملها مبدئياً إسبراي spray مثبت رش fixative بعدين بأقوم بأفردها على الأرض وبأرشها على الـ Compressor بأرشها بأجريليك، الأجريليك مادة شفافة مثبته رائعة نعم الورقة خامة حنينة، وبتكون يعني قابلة لإنها تهتري أو تدوب أو تتمزع، إنما بأحافظها بقدر الإمكان بأعطيها لاصق من الخلف، وبأعطيها نظام حفظ رولات، يعني آخر جدارية نفذتها في الفحم وأنا في الأردن قبل ما آجي هون لوحة اسمها (يالو جرني كابيلستاين) بحدود 50 متر × مترين..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

(يالو) اسم القرية اللي..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

قريتي آه، على غرار (جرني) كان رسمها بيكاسو. لأن قريتي هُدمت ودفن فوق المباني تراب وزُرع شجر وأخفيت.

محمد كريشان:

مسحت من الخريطة!!

د. إبراهيم أبو الرُّب:

آه.. أخفيت.. آه.. فبأسميها يالو جرني كابيلستاين، وكلاهما نفس القضية يعني، قرية (جرني) كبلدة (جرني) عندما أبيدت من قبل النازيين في أسبانيا بيكاسو خلَّدها وأنا على نفس الوتيرة. 50 متر × مترين فحم، خدت مني شغل هائل كم هائل من الشغل.

محمد كريشان:

هذه شاركت بها في معرض في أسبانيا على ما أعتقد.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

لا، أنا شاركت فيها في مسابقة جائزة فلسطين في السلطة الوطنية الفلسطينية، وأنا بأعملها لي، بأعمل فني للفن، يعني مش لمسابقة أو لبيع أو لفكرة أو تسويق إعلاني، لا، أنا أعمل الفن إلى للفن.

محمد كريشان:

ولكن مع ذلك دكتور يعني حصلت على عدد من الجوائز منهم جائزة الدولة التقديرية في الأردن عام 95 وعديد من الجوائز الأخرى في مسابقات أخرى. يعني مع ذلك يعني.. سؤالي ربما إنك لما ترسم جدارية بالفحم على..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

مساحة. أنا عارف اللي في بالك، عارف القضية..

محمد كريشان[مستأنفاً]:

من الذي سيشتري.. من الذي سيشتريها؟!

د. إبراهيم أبو الرُّب:

أنا لا أرسم.. أنا لا أرسم للبيت، عشان (تبقى) على حائط، ولا أرسم حتى للمتحف، المتحف.. أقصى متحف يعني تكون اللوحة مترين ثلاثة، أنا بأرسم للفن. يعني أعمالي في الفترة الأخيرة صارت تتجاوز العشرة متر. يعني أصغر لوحة عندي سبعة، ثمانية متر، ما بأعرفش أشتغل أقل..

محمد كريشان:

من يأخذها في النهاية؟!

د. إبراهيم أبو الرُّب:

مش قلق في عملية من يأخذ اللوحة ومن يقتني، في أوروبا، في أميركا تلك القاعات المساحات الضخمة، رؤياي في الفن وطموحي في الفن أكبر من قضية التسويق أو قضية حتى نسميه القبول، يعني فيه ناس مسكون في ذاكرتهم إنه الفن هو لوحة متر × 70، ومواصفات معينة في العرض والشراء، لأ أنا أرسم حالة، أرسم حالة عربية أرسم حدث، فمش قلق يعني، أنا يعني أعطيني مزيد من المساحات، أعطيك مزيد من الإنتاج ومزيد من الإبداع هاي واحدة.

اتنين: ممكن الأعمال تقلب، يعني ليش إحنا بنفكر في اللوحة كلوحة، يعني الجدارية هاي اللي بأكلمك عنها أنا في ذهني إن يوماً ما لو رجعت قريتي تقلب إلى جدارية نحت بارز، ويمكن تنفيذ معها نحت ميداني، يعني الجدارية يجب أن تبقي هي اسكتش أصلاً هو اسكتش 50 متر × مترين، ممكن تقلب إلى نحت بارز واجهة، يعني أي لوحة ممكن قلبها إلى نحت بارز، إلى نصب ميداني، إلى فسيفساء إلى موزاييك..

محمد كريشان:

ولكن هل يمكن تشبيهك مثلاً بشاعر ينظم قصائد ثم يتركها لا يهمه إن نُشرت في ديوان أم ألقيت في ندوات..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

لأ، هذه قضية أخرى، فالإعلام والبيع والتسويق، القبول والرفض هاي قضية أخرى، بيجوز في هذا الزمن غير مقبولة، بيجوز في زمن آخر مقبولة، أنا عندي يعني.. عندي إيمان كامل إن أنا أوثق للمستقبل.

محمد كريشان:

ولكن مع ذلك ربما يثلج صدرك أن تجد جدارية رسمتها أنت موجودة في بهو جامعة أو في مدخل لمركز.. متاحف..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

متاحف.. آه أعمالي متحفية تقريباً أكثر من..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

ولكن ضمن هذه الرؤية ربما من الصعب أن تجد تسويقاً لها.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

هذا يعمل لي مشاكل كتير مع الزملاء في عَمَّان لما نيجي نعرض، لأنه يقول لك كل فنان مسموح له مترين ثلاتة..

محمد كريشان:

وأنت تأخذهم الكل يعني!!

د. إبراهيم أبو الرُّب:

لا مفيش، أحياناً ممكن نعلق اللوحة يعني رول من هون، ورول من هون، ونعرض جزء منها.

محمد كريشان:

وربما لها السبب بعض الجداريات صورتهم في صور شمسية صغيرة مثل التي نجدها الآن على الخلفية وراءك تماماً يعني ربما هذا يساعد على أخذ فكرة عن الجدارية..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

طرح ثقافي هو والإعلامي..

محمد كريشان:

على الأقل يعني يمكن للمرء أن تتضح بالنسبة إليه معالم الجدارية ربما لأنه من الصعب أن يراها بهذا الشكل الذي تتحدث عنه.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

هو يعني إذا مثلاً فيه معرض جماعي أو معرضين ممكن نعرض جزء من الجدارية رولين وجزء من هون وجزء من هون تبقى العملية مقبولة، يعني ترى جزء من اللوحة، وممكن نعرض جنبها أشرطة فيديو أثناء التنفيذ أو


slide هادول الجمهور كيف يتلقي اللوحة سهلة، إنما القضية اللي تطرحها أين تُعرض اللوحة لاحقاً في مكان دائم، هاي مش قلق فيها، يعني لوحاتي الآن كلها عندي محفوظة في البيت، في المرسم رولات.

محمد كريشان:

ولكن دكتور.. يعني هذا التصور الذي يقودك ألا يمثل عائق في سبيل انتشارك يعني مثلاً إذا نظم معرض في تونس أو في المغرب أو في العراق وأصبح من الصعب أن تحمل كل هذه الجداريات، وأن تفرد لها مساحة واسعة مثلما تفضلت يعني، هل هذا عائق؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

هي هاي قضية، بس ممكن التحايل عليها، دائماً نبحث عن حل بديل، بالنسبة للشحن سهلة، الأعمال رولات سهلة، يعني بالنسبة للعرض ممكن نعرض من اللوحة جزء يعني، يعني السنة اللي فاتت كان فيه معرض "بينالي الشارقة" فيه لوحة انعرضت بحدود 9 متر، أو عشرة متر، 12، رولة اتعرضت بسهولة، وشحنها كانت أخف لوحة في الشحن، إنما إذا بدك تعمل معرض خاص، بدك تشوف قاعة معينة أو مكان معين أو ساحة عامة أحياناً.

إنما القضية هاي، هاي القضايا لا تؤرقني قضايا العرض أو قضايا التعريف، ما يؤرقني كيف أكون سيد الموقف أثناء الإبداع لحظة التجلي، لأن اللوحة كائن حي ممكن أن يغلبك، إذا ما سيطرت عليه بقواك.. بأدوات الفنية وقواك الذهنية ممكن يفلت منك، لذلك فيه لحظة معينة إذا ما بتفلت مني لوحة بأمزعها على طول، أو إذا ما طوعتهاش أمزعها، وأكون في حاله أنا وتيرة عالية مش قلق اتمزعت، كلفت مبلغ من الفلوس، كلفت إيه، ما..

محمد كريشان:

يعني الميل إلى التمزيق تصبح إلى درجة غير..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

هو يمكن التمزيق نوع من حالة الغضب مش حالة.. اللوحة ممتازة..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

مش عدم الرضا عنها..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

ممكن عدم الرضا، وممكن فيه خلاص حالة فلتت الأمور كلها من إيدنا يعني.

محمد كريشان:

طالما أنك تقسم أعمالك إلى مرحلة الشهيد ومرحلة التهافت..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

التهافت.

محمد كريشان:

أو الردة أو الإحباط، يعني إذا كانت مرحلة الشهيد هي المرحلة البيضاء مرحلة الردة والإحباط والتهافت كيف كانت ملامحها؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

فيها ثورة.. فيها ثورة لونية، يعني أنا بديت إما -زي ما حكينا بالسابق- عن الفحم وقطع الخشبية العريضة، الفحم وإما بالألوان (الأجريليك)، الأجريليك مادة سريعة الجفاف، وبتخدم يعني قوة التعبير..

محمد كريشان:

كيف تقام عملية الأجريليك؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

هي ألوان أقرب إلى (الإمينشن) إن فيها نسبة بلاستيك يعني تجف بسرعة، وبأشتغل بفرشة عريضة يعني أقرب.. أصغر فرشة عندي بتكون بحدود مثلاً 2 إنش، 3 إنش تكون بأحجام كبيرة وعريضة، وأبدأ اشتغل بتدفق هائل بحيث إنه يعني الألوان مرات الطاولة بتكون عندي البالتة طاولة متحركة بحدود

مترين × متر البالتة (pallette) ما بتعود تنفع، بأصير استعمل صحون وأطباق بأصير أوزع الألوان على اللوحة وأتحكم فيها.

فالردة عندما حققتها بالخط بالفحم أحققها باللون هي أقرب إلى الصراع، صراع الأزرق مع الأحمر، أنا لوحاتي كلها أربع خمس ألوان بس، الأزرق مع الأحمر، الأسود مع الأبيض، فصراع ما بين الحار والبارد، صراع ما بين الخير والشر، صراع ما بين السماء والأرض في اللوحة، صراع ما بين الأسود والأبيض، يعني صراع المتضادات أو الضديات.

محمد كريشان:

يعني المضادات هذه أو التضاد في الألوان يعني انعكاس للتضاد الواقع رغم إنك تراه؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

ما نطمح إليه عكس ما يجري، فهي هاي المشكلة يعني تعبر عن الحالة، الحالة العربية أو القضية العربية، أو الواقع العربي.

محمد كريشان:

وأيضاً هذا تم من خلال جداريات أيضاً بنفس التصور أم صار ربما بلوحات أو لا؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

لأ هو ازداد، على العكس ازداد يعني في مرحلة التسعينات ازداد، في الأول كنت في الزيت أعمل لوحة المحارة البيضاء مترين في 3 متر في 4 متر في بعض المشاريع 10 متر، إنما في مرحلة التسعينات أقل لوحة 10 متر.

محمد كريشان:

يعني هو حجم الإحباط كبير؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

آه.. آه أنا ما بأعرف إحباط في القضية الفلسطينية، إحباط في الحالة العربية، إحباط هائل يعني، فالتمرد يعني وعناد نحو الهدف، مش استسلام.

محمد كريشان:

يعني ربما إذا تحسنت الأوضاع اللوحات يكثر امتدادها؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

إن شاء الله.. إن شاء الله.

محمد كريشان:

يصير هذا المعيار.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

ما بأعرف يعني، بتعرف الفنان وتيرته… بتطلع بس عملياً يعني فيه حالة، فيه حدث، فيه معاناة، فيه هم عربي، فيه رؤية معينة، لا تتحقق بعض الأماني فإنت بتعبر عنها.

محمد كريشان:

إذا أردنا أن نسأل: أين يضع إبراهيم أبو الرُّب نفسه في الفن التشكيلي العربي المعاصر؟ هل تمثل تياراً منفرداً متميزاً لشخصك، أين تضع نفسك؟ ضمن سياق مدرسة معينة؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

القضية يعني مش قضية إن أنا متميز أو أن أنا حالة معينة، لا يعني هنا فيه يعني أي مدرسة فنية إذا تصير إلها أسس، فإحنا عندنا قضية الفن العربي المعاصر واضحة إلها ثلاث أسس تقوم عليه اللي هو الأساس الأول التراث، كثير من الفنانين بيهتموا بالتراث، سواء التراث شكلاً أو مضموناً فكراً، وفيه الجانب التاني اللي هو المعاناة التعبير عن واقع الإنسان العربي المعاصر، والجانب الثالث اللي هو المعاصرة يعني إنه الفنان يجب أن يكون معاصر، الفنان العربي يعيش الحالة العصرية في الفن يعني اتجاهات نحو العمل فيه بالنسبة إلى أنا يعني بأضع نفسي ضمن التيار العربي الملتزم يعني، كتير فيه فنانين عرب ملتزمين بقضايا الأمة العربية أو الشعب اللي هو بيعبر عن حالته، إنما لا أقول عن نفسي إن أنا فنان لي حالة خاصة.. لأ.

محمد كريشان:

مَنْ مثلاً مِنَ الفنانين التشكيليين يمكن أن تجد نفسك أقرب إليه؟أو تجد نفسك وإياه في..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

كأسلوب يعني التعبيري التجريبي، التعبيري، التجريدي، الرمزي يعني.

محمد كريشان:

يعني هل هناك بعض الأمثلة؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

الآن في الفن الحديث ما عاد يقولوا هذا الفن أو بالأحرى في الفن المعاصر ما عاد يقولوا هذا الفنان تجريدي أو هذا تعبيري أو هذا سريالي، الآن صار الفنان يجمع عدة اتجاهات ويبني ملامح خاصة له يعني هذا هو الفنان الفلاني هذا هو، عالمياً أو محلياً، يُعرف من أسلوبه من شغله، معروف إنما في شغله واضح فيه تعبيرية، وفيه تجريبة، فيه رمزية، فيه سريالية.

محمد كريشان:

هذا التيار، هل هو التيار الغالب في الرسم التشكيلي الآن العربي أم هو تيار أقلية؟ تيار المعاناة يعني.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

لا التيار اللي في الوطن العربي اللي ساد.. اللي ساد فترة طويلة اللي هو الحروفية من جانب والتراث من جانب الاهتمام بالتراث أنا أؤمن بالتراث ومدخل في شغلي تراث فكراً وشكلاً يعني عندي أعمال فيها أشكال أقرب إلى الحروفية، وعندي تراث بأخده من جانبه الأعمق -بأسميه- يعني باخد من فكر الكنعانيين اللي هي فكرة المكان المقدس.. العمود المقدس على المكان العالي العمود المقدس على المكان العالي، القرابين للمكان المقدس أو العمود المقدس، فباخد فكرة القربان ووظفتها لفكرة الشهيد لقضية الشهيد، أجمع ما بين رموز الكنعانية والفكر الكنعاني وأدخله بتأثيرات إسلامية الكيرفات والتكرار الغير.. التكرار الغير ثابت، التكرار الغير منتظم، يعني بأعطيه تأثيرات إسلامية واضحة، وفكرة الشهيد وفكرة الصوفية و..

محمد كريشان:

يعني يمكن أن تعبر على نفس المضامين بأسلوب أخرى غير هذا الأسلوب الساخط اللي فيه نوع من سيمفونية الغضب.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

هذا اللي تقول عنه إنه هو أنا أنقل لك حالة إنما الصيغة اللي بأقدم فيها الحالة هاي هي تجريدية، تعبيرية، هي إبراهيم أبو الرُّب في الآخر.

محمد كريشان:

نعم. نعم. المعاناة المعبر عنها في اللوحات ذكرت قبل قليل هذه أشعة الشمس الحمراء الفوق الموجودة في الزاوية..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

القمر.. ده يرمز إلى..

محمد كريشان[مستأنفاً]:

القمر.. عفواً.. القمر الموجود في أعلى الصورة إلى اليسار دائماً.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

في الزاوية شمال.

محمد كريشان:

يعني هل هذا هو نوع من توقيع إبراهيم أبو الرُّب هذا، هل هو رمز إلى أن الأمل يظل دائماً قائم، يعني رغم كل هذا الإحباط يجب ألا نستسلم؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم. نعم كل فنان له أدواته وله رموزه، وله عناصره، وله أساليب في تحقيق العمل الفني، ما بأعرفش صارت ظاهرة عندي إنه القمر في الشمال، والجموع ماشية باتجاه القمر، حتى إذا مافيش جموع، إذا اللوحة مجردة حركاتها وتطشاتها ماشية إلى الشمال، أنا بأرسم بالشمال والضربات والتأثيرات وسيكولوجية العين والخط واللون والاتجاه بيوصل للقمر، ما بأعرف هي الربط بين جانب سيكولوجي جانب تعبيري، جانب وطني، فكري كله بيتجه نحو القمر يعني، الجموع، الكتلة، الفراغ توصل للقمر وهو الهدف في النهاية.

محمد كريشان:

دكتور إبراهيم، المعروف أن الرسم التشكيلي رسم إلى حد ما نخبوي، و.. على الأقل هكذا..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

أيوه مضبوط، هذا كلام سليم.. نعم.. نعم.

محمد كريشان:

هكذا يروج يعني، ممكن أن يرى الإنسان العادي، فيقول ما هذا التخبيص أو ما هذه الفوضى؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

عندنا عنصرين، العنصر المرسل اللي هو الفنان المنتج، وفيه عنصر المستقبل المتلقي، النمط السائد يعني صار، وللأسف يبدو لتراجعات مالية مادية لدى الناس إنه صار يرسموا الموضوع عشان يحققوا ما يطلبه المستمعون أن أسميه وبأسميه مرات لتجاوزات أخرى الفن الحلو كثير كثير كثير هيك بيسموه وفيه الفن الثاني أنا اللي بأومن فيه إن هو الفن العظيم، الفن العملاق يعني، وراء كل عمل عظيم قلم أعظم هاي المقولة اللي بأؤمن فيها، فما يطلبوه المستمعون الجمل والحصان والبدوي والفلاحة، والمواضيع المباشرة، القراءة البصرية المباشرة، بالنسبة إلي، يعني عادية جداً بالنسبة لي. أنا أؤمن بحالة. وقديش أنا بأكون ناجح في عملي الفني إذا نقلتك إلى هذه الحالة، صرت أنت جزء منها وهاي الحمد لله، كل من يشاهد فني بيتعايش مع الحالة، جزء منها بيصير.

محمد كريشان:

هل تشعر بنفسك بأنك ضمن أقلية في هذا، يعني مثلاً مثل ما أصبح الفن، مثل أصبح الفن الموسيقى الملتزمة منحسرة جداً أو تكاد تكون غائبة، أصبح الفن ما يوصف بالفن الهابط والفن..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

هي قضية إعلام، وقضية تسويق. الإعلام تعرف دائماً بيميل إلى ما يطلبه الناس، يعني الناس بدها الحاجة الحقيقية الحاجة الحلوة، الحاجة الطعمة، وفي نفس الوقت الناس بدها الحاجة الرخيصة. رخيصة فنياً، ورخيصة مادياً يعني، إنما مين عايز يشتري لوحة جداريه ويتنكد فيها يعني، يتنكد مش يستمتع، يحطها جزء من الديكور، جزء من الإطار، جزء من..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

يقول لك أنا مش ناقص غم، يقول لك.

د. إبراهيم أبو الرُّب[مستأنفاً]:

أنا مش داخل هذا الإطار بتاتاً، أنا في عملية ثانية فنية خالصة، ربما تأتي الأجيال، ربما تفهم في مكان آخر، في أوروبا، في أميركا كتير من الأجانب شافوا شغلي يعني اتبسطوا منه، حتى مرة بألتقي مع فنان روسي في عمان بيقول لي: أنا لو أشوف شغلك في استراليا أو في أميركا بأقول هذا فنان فلسطيني.

محمد كريشان:

هذه ملاحظة رائعة، هل لأنه هو حسه الفني متميز أم..

د. إبراهيم أبو الرُّب [مقاطعاً]:

لأ. يقرأ يقرأ العمل الفني. برؤية خاصة يعني، برؤية ذات وتيرة عالية يعني.

محمد كريشان:

وقراءة العمل الفني هذا هل هو متاح لجماهير واسعة يعني، هل تشعر بأنك تتجه في الحقيقة..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

نعم. بس اللي متعود عليه الجماهير من خلال التلفزيون، والجريدة والكتاب والنمط الثقافي السائد، إنه هو الرسام هو الذي يبدع شيئاً مقروء يعني يرسم فلانة..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

من أول وهلة.

د. إبراهيم أبو الرُّب[مستأنفاً]:

وكأن الناس في ذاكرتها هو أن الرسم، هو أن تجيد رسم بورتريه معين، أو تجيد رسم موضع معين، لأ الفن أعلى يعني، حتى الآن اتلغت حاجة أسمها لوحة، وأتلغت حاجة أسمها تمثال الآن فكرة العمل الفني، حتى أنا أؤمن بالأعمال العملاقة، يعني أؤمن بنحت جبل، أؤمن أن نأخذ مساحة من (السيكراب)


Scrap، نلحمها ونعمل منها تكوين حديد، أؤمن بمعالجة بعض الجوانب الطبيعية مثلاً صخور معينة نكمل وتيرتها، رمل معين نعمله.. جمال الطبيعة ويسموه الآن فن العينة ولِمَ لا؟ ليش نظل مرتبطين باللوحة والمتر × 70 والفلاحة والبدوي، ليش يعني هاي القضايا تجاوزها العصر بيجوز بحدود مائة عام يعني؟ طرحها المستشرقين قبل 1900م ليش نظل إحنا مقبلين على عام 2000م متمسكين فيها هي ممكن تكون مواضيع تعليمية، مواضيع أكاديمية، لفنان مبتدئ إنما مش لفنان يحمل هم أمته على كتفيه وبيجي يعبر عنه بأدوات بسيطة.

محمد كريشان:

دكتور إبراهيم أبو الرُّب شكراً جزيلاً.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

باراك الله فيك، أهلاً وسهلاً.

محمد كريشان:

دكتور إبراهيم أبو الرُّب، أهلاً وسهلاً.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

أهلاً بك.

محمد كريشان:

يعني الإنسان يسمع عن شعر ملتزم، عن غناء ملتزم في قضايا عربية بالقضية الفلسطينية، بقضايا عديدة تهم المواطن العربي، لكن ما معنى أن يكون الفن التشكيلي فناً ملتزماً؟ ما هي خصائص ذلك؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

الفن التشكيلي طول عمره ملتزم، لأنه جزء من حياة الإنسان، وجزء من فعالياته اليومية والتاريخية، فبطبيعة الحال راح يطلع ملتزم، خاصة أنه هو أكثر الفنون اللي سجل مراحل الإنسان، ومراحل البشرية، ومن طبيعة الحال أن الفن التشكيلي قريب من الإنسان فما بالك تكون فيه حالة غير عادية، غير الحالة الحياتية الاعتيادية، فيه حالة مثلاً، القضية الفلسطينية أو الحالة العربية، فراح يكون للفن فيه جزء كبير منه ملتزم يعني.

محمد كريشان:

كونك أحد مواليد مدينة القدس، وخرجت من فلسطين في 67، يعني بطبيعة الحال كفلسطيني يحمل معاناة شعب كامل وإرث كامل من الاحتلال والقهر يعني، هذا بطبيعة الحال هو الذي حدد هذا الاختيار بالنسبة إليك؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

أنا بالنسبة إليَّ كنت بأرسم من وأنا صغير يعني أطلع في قريتي إحدى قرى القدس قرية (يالو) قرى النطرون، أطلع وأتأمل فلسطين وجمالها وأرسم يعني أعشق المكان، ولما غادرتها في 67 وتم هدمها بعد الحرب على طول، ظل الانتماء عندي موجود وظل الفن موجود، فكلاهما كانوا أساس مسيرتي الفنية.

محمد كريشان:

نعم. يعني بالنسبة.. ولو أردنا أن ندخل في تفاصيل أكثر يعني لما بدأت الرسم في البداية. يعني كانت فقط كأي شاب ممكن يعني يبدأ الرسم التقليدي، التصويري، العادي؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

إلى حد ما بيسموها الأسس الأكاديمية اللي هي يعني بتكون أسس للتعليم، الموضوع واضح، مقروء والعناصر الفنية واضحة مقروءة لدى المشاهد، إنما كان عندي تصريع وتصعيد.. تسريع وتصعيد للجانب الانفعالي والجانب التعبيري والجانب الالتزامي من وأنا حتى وأنا طالب يعني.

محمد كريشان:

يعني دكتور هذا الخط الملتزم يعني كان هاجساً منذ البداية منذ التكوين الأكاديمي، يعني اخترته لنفسك منذ الانطلاقة؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم.. نعم حتى من الدراسة وما قبل الدراسة بمصر كنت دارس بالأردن سنتين دبلوم تربية فنية، وكنت عامل معارض ونهج.. نهج الالتزام، لأنك تعيش القضية، والقضية يعني هي من كبر حجمها تحس إنك يعني أنت يعني أن تكون أو لا تكون، أن تكون هو الأساس، هي القضية تفريغ أرض من شعب وإحلال شعب مطرح آخر، أنا بيتهيأ لي بالنسبة إلي يعني أهم حدث في تاريخ البشرية أن تفرغ أرض من شعب وتضع شعب آخر في هذه الأرض، يعني هاجسي وهاجس ببعده الجغرافي والتاريخي والإنساني، لذلك لي عبارة دائماً بأرددها: "لو أعطوني طول الكرة الأرضية وبعد التاريخ لكي أقول قضية شعبي فلن تكفي".

الواقع إنه فني كله في هذا المجال لا يتجاوز الشهيد والجريح والسجين، حتى بداياتي، يعني كنت أنا في الكلية بمصر، أعمل معارض أرسم المطلوب للكلية وأرسم وأعمل معارض كل فني ملتزم من بداية الفن، هذا جانب، جانب آخر أنه يعني لو جربت أرسم موضوع عادي بأكتشف نفسي وقد وجدت نفسي.. وقد.. في جانب الالتزام.

محمد كريشان:

نعم، أشرت إلى صور الشهيد، يعني يُلاحظ بأن الشهيد موضوع رئيسي ومحوري في عدد كبير من لوحاتك، أنتم تقولون بأن هذه شكلت مرحلة كاملة من الرسوم.. مرحلة..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

نعم، نعم من الثمانينات نعم.. هو على أساس إنه عندنا قضية، فيه قضية.. القضية بحاجة إلى حل، الحل هو في الشهادة، فهذا المبدأ اللي كنت قائم عليه في شغلي في مرحلة الثمانينات -المرحلة البيضاء- والشهادة يعني هي مشروع قائم لأي إنسان، يعني أي واحد فينا هو مشروع شهيد، فالشهادة قائمة يعني لإيجاد حل لهذه القضية.

محمد كريشان:

المرحلة البيضاء يعني نسبةً إلى الكفن يعني والـ..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

نعم، والشهيد.. الكفن، بعدين جموع الناس الكثيرة اللي هو الحل في التجمع يعني ليس الحل في الفرد، لوحاتي في المرحلة البيضاء كلها أعداد هائلة يعني تجد في الجدارية مئات الأشخاص توحي بالزحف يعني، رغم أنها مقيدة، رغم أنها مكبلة رغم أنها.. إنما هي تزحف نحو الهدف، نحو الأمل.

محمد كريشان:

ولكن يعني العدد الكبير من هذه اللوحات يعني ما الذي يُميز لوحة عن أخرى؟ يعني إذا كانت المرحلة هذه المرحلة البيضاء مرحلة الشهيد عدد كبير من اللوحات ومن الجداريات على فكرة سنعود إلى ما معني..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

جدارية.

محمد كريشان[مستأنفاً]:

جدارية يعني لمزيد من التوضيح، يعني ما الذي يجعل هذه اللوحة تتميز عن اللوحة الأخرى مع أنها تكاد تكون هي نفسها بالنسبة لمن يراها؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

فيه جانبين بدي أتحدث عنهم أنا في قضية اللوحات الشهيد و.. الجانب الفني المرئي والجانب الحسي المُعايش. الجانب الفني المرئي تقريباً كثير أعمالي شبيهة ببعض، ودي بتقوم على فلسفة إنه الكتل من البشر تمشي باتجاه اليسار اللي فيه القمر الهدف، دايماً أنا كل لوحاتي -لو بتتبه لهم- الكتل البشرية جاية من اليمين إلى اليسار أولاً اليسار لأن أنا بأرسم باليسار فاتجاه اللوحات كلها والـ Touches والتكوين والحركة والجموع كلها باتجاه الشمال اللي هو القمر، بأبدأ لوحتي من اليمين باتجاه الشمال.. سبحان الله!!

محمد كريشان:

ليس إنتماءً سياسياً يعني.. بمعنى..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

القضية قضية يعني تعوُّد إيدي الشمال تعود، القضية الثانية اللي هي أنا قلت اللي هي الجانب الحسي إن لوحاتي نعم، ممكن تشوفها أحياناً زي بعض، وكان بعض الزملاء يقولوا لي أنت بتكرر و..، الجانب الحسي إني أنقلك إلى الحدث تحسه وتتعايش معه في داخل اللوحة، ولا تقرأ فيه مواضيع مباشرة أو مواضيع مقروءة اللغة البصرية.

محمد كريشان:

يعني عُرفتم أساساً باختصاص الجداريات، لوحة كبيرة على جدار طولها ربما 10 أمتار، 15 متر..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

وفي آخر عمل وصل 50 متر.

محمد كريشان:

ما شاء الله.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

فحم.

محمد كريشان:

يعني ما فلسفة الجدارية؟ يعني هل أنتم تريدون أن تُعبروا عن مضمون من الصعب أن تضمه لوحة صغيرة، أم هو حرص على جعل الموضوع ملحمي وممتد وواسع؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

كذا عنصر بيتدخل في القضية هاي: العنصر الأول إني أنا لما بأقعد أرسم عادة بأسمع بعض الأشياء اللي تعطيني المؤثرات، يعني ما بأقعدش على اللوحة أرسمها على طول، بأتعايش معها يوم ويومين وثلاث، وبأقعد بأختلي بنفسي، وبأشغل فيروز بيصير عندي تصعيد في الوتيرة، قبل ما أبدأ أرسم يعني بأجهز الألوان وبأجهز المساحات، فبيصير عندي نوع من اللاشعور بيتدفق بشكل هائل، يعني نشبهها زي مثلاً بالسيارة اللي بتبقي ماشية بسرعة 120 كيلو متر في الساعة بأصير أمشى بسرعة 2000 كيلو متر في الساعة.

فالتدفق الهائل ها اللي هو ناتج عن وتيرة معينة اللي هي امتزاج الحالة والحدث وصوت فيروز والتدفق بتاعي ها أنا ما عندي إحساس إني ترضيني لوحة، وما بأقدرش أشتغل على لوحة صغيرة بتاتاً. وقضية ثانية مُعاكسة إنه كل ما رأيت اللوحة مساحتها أكبر أزداد توتراً وأزداد تحدياً، لأني أنا بأمثل في شغلي حدث كبير، الحدث الكبير هون بأحس إنه بيحقق بعض النتائج المتميزة على المساحة الكبيرة.

محمد كريشان:

على ذِكر التوتر والانفعال، يعني عندما تابعناك في رسم إحدى الجداريات كانت ملامح الوجه ملامح منفعلة تماماً وكأنه نوع من التجلي الصوفي أو نوع من التخميرة أو نوع من الحالة غير العادية، يعني سؤالي بصراحة: أين يقف الاندماج مع اللوحة؟ وأين يصبح نوع.. هل هو نوع من التكلف، من التصنع؟!

د. إبراهيم أبو الرُّب:

لا، لا، الحقيقة أنا لما بأقعد أرسم أصلاً بأقفل على نفسي الباب.

واثنين: بأكون غير صاحي. حضوري العقلي مش موجود بتاتاً، اللاشعور هو اللي واضح وانفجار العقل الباطن.

ثلاث: أنا واللوحة والحدث نلتقي والانفجار الهائل ها، الانفجار اللي في الحركة وفي التعبير وفي الحس وفي الرؤية وفي اللون وفي المساحات أنا ما بأكون صاحي عليه بتاتاً. لذلك الزملاء بيعرفوني كإنسان عادي، نادر ما حد يشوفني وأنا أرسم، لما بيشوفوني بيقولوا أنت يا إبراهيم بتمثل أو.. ما بيصدقوش.. بيستغربوا يعني.. إن إبراهيم اللي بنعرفه غير إبراهيم اللي.. أثناء الرسم..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

حالة ذهنية وفنية..

د. إبراهيم أبو الرُّب [مستأنفاً]:

أثناء الرسم أنا ما بأعرف يعني، حتى يعني ما بأقدر أعبر عن ذاتي إني أري نفسي شيئاً ما إنه فيه انفجار الحدث، انفجار الألم، انفجار المعاناة.. يلتقي مع الفن، يلتقي مع المساحة.

محمد كريشان:

أشرت إلى فيروز، وفيروز مرتبطة بحالة التجلي هذه والاندماج، يعني ممكن السؤال إنه طالما أنت ترسم فناً تصفه بالملتزم وهناك معاناة، يعني ربما لإنسان أن يتساءل لماذا الدكتور إبراهيم لا يستمع للشيخ إمام وهو يغني، لمارسيل خليفة وهو يغني.. لماذا فيروز تحديداً؟

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

بأسمع بأسمع، بأسمع أغاني فلسطينية بأسمع.. بأسمع لمظفَّر النواب مرات، إنما فيروز ما بأعرف حالة غريبة عندي، صار عندي نوع من الترابط ما بين الفن وفيروز، إذا سمعت فيروز لازم أرسم، إذا بأرسم مش سامع صوت فيروز بأحس حالي مش عم بأشتغل مظبوط، مش عم بأشتغل في الصح..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

وفيروز لا تسمعها إلا..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

وهذا الكلام صار له أكثر من ثلاثين عام.

محمد كريشان[مستأنفاً]:

وفيروز لا تسمعها إلا وأنت ترسم؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

وأنا بأرسم.

محمد كريشان:

خارج الرسم لأ؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

ممكن أسمعها وبأصيرRelax ، وبأصير هادي، يعني تعطيني راحة، إنما في الرسم تعطيني توتر بطريقة غير…

محمد كريشان[مقاطعاً]:

وهذا من ثلاثين سنة، يعني كانت مرتبطة في ذهنك بـ..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

نعم، نعم، أسمع فيروز أرسم، بأرسم، مش سامع بأحس حالي فيه شيء غلط بيحصل معي، مش عم تمشي الأمور مظبوطة.

محمد كريشان:

يعني مع إنه مثلما قلت يعني أغاني فيروز المعبرة عن المعاناة بمفهومها -على الأقل- معاناة الشعب الفلسطيني.. بغض النظر عن أي…

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

أغاني فيروز اللي ملتزمة وغير ملتزمة.. الأقرب إلي الأكثر شعبية اللي فيها تدفق وتسريع وتيرة، بأحس إن فيها عملقة ها الفنانة هاي، بأحس فيها إنها -يعني- شيء متين فأنا بأتعامل معه. حتى تلاحظ إنه فيه علاقة بين ضربة الفرشة والحركة والتفعيل والمعالجات مع الصوت والنغم والتعبيرات، حتى مرات تكون الأغنية أو الموسيقي مش مناسبة للوضع بأبحث عن شريط بسرعة، لأن التدفق بيكون في أعلى وتيرة.

محمد كريشان:

يعني ممكن أن نشبه ضربة الفرشاة بضربة قائد الأوركسترا أو العازف..؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم، نعم، آه فيه.. آه ومرات أنا بأضرب الفرشة وبتطير مني الفرشة وبأمزِّع اللوحة وبأكسر وبأبكي وبيصير حاجات غير طبيعية أنا ما أكونش صاحي عليها، وما بأترك اللوحة إلا تكون انتهت وبأغادرها.. بأبعد عنها.

محمد كريشان:

هذه الحالة الذهنية الخاصة -يعني- صاحبتك منذ البداية أم ازدادت عمقاً مع السنوات؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم، نعم، مع البداية وازدادت بشكل أنا الآن لا أستطيع أنفصل عنه.

محمد كريشان:

وهذه كانت حالة حتى في الجامعة يعني كنت معروف بها أيضاً حتى..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

وكنت متعب زمايلي وزميلاتي بفيروز، ما بأعرف أرسم إلا مع فيروز يعني.

محمد كريشان:

نعم، موضوع مرحلة الشهيد، ونبقي في مرحلة الشهيد قبل أن نمر إلى مراحل أخرى في الرسم التشكيلي كما تابعته، يعني الشهيد هل كان هاجس يومي في الرسم، أم كنت تنتظر الحدث؟ أشرت إلى الحدث، يعني معروف مثلاً أن الصحفي يكتب ارتباطاً بالحدث أو الكاتب ولكن أن يكون الرسام مرتبط بالحدث؟ هذه يعني..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

والله ما بأعرفش الحدث له دور كبير في شغلي، يعني دايماً إحنا نسامع الأخبار ونتابع الأخبار، وللأسف إحنا نرى الحدث، لا نصنعه، ها يعني تؤلمني يعني تؤرقني من الداخل، إنما الحدث دايماً بيغذي شغلي، ويومياً عندنا أحداث، إذا لم يكن الحدث فلسطينياً فهو عربياً، إن لم يكن عربياً فهو إسلامياً، فيه حدث مؤلم.. إلا تشوف حدث، تشوف دولة إسلامية شعب مسلم في بلد معين يُضرب وكل الأخبار..

على فكرة يعني بتكون يا إما شعب مسلم بيضرب، أو شعب عربي يضرب أو الشعب الفلسطيني يضرب، فهو الحدث قائم وبيظل فيه استمرارية، ما أظنش إحنا يعني صرنا ما نستغني عن الحدث.

محمد كريشان:

نعم، مرحلة الشهيد تابعتها سواء في العمليات الفدائية داخل الوطن المحتل أو في مرحلة الأردن، أو في مرحلة لبنان.. صبرا وشاتيلا وغيرها..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

كل مراحلها.. كل مراحلها.. نعم كل مراحلها أينما كان حدثاً، تلاقينا نرسم نتدفق، حتى في الثمانينات شكلنا مجموعة فنية في الأردن.. مجموعة الفنانين الشباب، في أحداث صبرا وشاتيلا، كنا عاملين في الأستوديو في جاليري وشغالين على الحدث بنرسم على الحدث وعملنا معرض في حينه..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

كيف على الحدث؟ يعني متابعين للأخبار؟

د. إبراهيم أبو الرُّب[مستأنفاً]:

بنسمع الأخبار، نشوف الأخبار ونرسم على طول، نتعايش مع الحدث.

محمد كريشان:

على ذكر صبرا وشاتيلا، الشهيد هو يبقي شهيد بطبيعة الحال، ولكن الشهيد في صبرا وشاتيلا أو في تل الزعتر أو في حصار طرابلس في 83، هو نفسه هو الشهيد الذي يستشهد في جنوب لبنان في عملية فدائية..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

هو أنا الشهيد.. عفواً.. هو الشهيد أنا اللي بأطرحه غير عن الحدث، الحدث المرة دي أنت ممكن يعني بيجوا يصير قتل في مكان ما، وممكن الإنسان هذا قتل شهيد مش شهيد.. هاي مؤثرات حدث، إنما أنا اللي دايماً بأتداوله في شغلي ثلاثي اللي هو الشهيد والسجين والجريح ها دول الثلاثة، إنما إذا كان هو قُتل، أو قَتل، أو ناضل أو جاهد، هاي قضايا، إنما أنا الشهيد أنا بأطرحه كحل للحدث وللقضية.

محمد كريشان:

الشهيد، والسجين، والجريح، ولكن يبدو أنه الشهيد أخذ حظ أكثر من السجين..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

لأنه الحل في الشهادة.. أنا وجهة نظري يعني ما بأعرف..

محمد كريشان:

الجريح والسجين ماذا كان…

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

تسجيل للأحداث، متابعة للأحداث.

محمد كريشان:

لأ، يعني نصيبهم كيف كان في خضم هذه..

د.إبراهيم أبو الرُّب:

تقريباً.. لا لا.. الشهيد.. لأنه أنا بأرسم الموت وبأرسم الجرح وبأرسم السجن، بأعبر عنهم بالأحرى ما بأرسم، إنما أنت كرسام أو كفنان تطرح شيء هاي عادي، إنما تطرح حل، أنا الشهيد بأطرحه كحل، عشان بيجوز ترى الأعمال أكثر هي الشهادة، لأني أنا أري أن كل إنسان يجب أن يكون مشروع شهيد.

محمد كريشان:

وهذا الموضوع متواصل معك إلى حد الآن أم أنت تقول دخلت مرحلة أخرى في الممارسة، ولكن الشهادة لم.. لم..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

هو للأسف بعد حرب الخليج بعد الـ90 يعني صار فيه صدمة لدى الحس العربي، ولدى الشارع العربي، ولدى الرؤية العربية، فأنا جزء من ها الحال هاي صار عندي زي ردة فعل اللي هي نقدر نسميها نوع من الردة، الردة العربية أو الردة الحديثة، أو أنا بأسميها التهافت، يعني الإنسان العربي اللي أنا حاطه في بالي إنه هو ممكن يكون مشروع شهيد هو الآن مشروع تهافت شخص يؤثر على اثنين، يصيروا تهافت واثنين يؤثروا على أربعة وأربعة.. فيعني في حالة ردة إحنا الآن.

محمد كريشان:

ولكن الشهادة متواصلة يعني في الضفة الغربية.. في غزة يكاد لا يمر يوم دون أن يسقط شهيد.. في جنوب لبنان.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم.. بس أنا صار عندي، نعم هذا قائم موجود، صار عندي حتى في الفن، في اللون وفي التشكيل وفي المعالجة صار عندي هذه التأثيرات، إنه يعني.. يعني أرسم وأرى الأمة متألم لحالها، في الأول كنت أرسم وأرى الأمل، المستقبل، كنت تشوف أعمالي بيجوز الأفق في خلفية اللوحة واسع عالي، في مرحلة التسعينات صار الأفق يصغر.

محمد كريشان:

يعني بين أسفل اللوحة والامتداد والسماء.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم، نعم تلاقي الأفق صغر، تضيق المساحة.

محمد كريشان:

ولكن ألا تشعر بأنك ربما الآن تظلم الشهيد بعدما خدمته لسنوات يعني..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

ما تخليت عنه، لا. ما تخليت عنه..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

لم تتخلَّى عنه في رسومك؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

الشهيد قائم ليوم القيامة، الشهيد قائم.

محمد كريشان:

وإلى الآن ترسم الشهيد.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

أنا أرسم الحالة اللي هي ما وراء الشهيد وإن مقوماته، مكوناته، وعناصر تدفع للأمام، يعني الإنسان يكون أمنيته يصير شهيد، إنما الآن أنا أري الناس، يعني ما عادت بدها طموح شهيد، الناس صارت يعني عكس الشهيد.

محمد كريشان:

ولكن ربما الشهيد الآن أصبح..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

تشرذم -لا مؤاخذة- مثلاً.

محمد كريشان[مستأنفاً]:

يعني الشهيد الآن أصبح وزنه ربما أكبر في ظل الظروف هذه، يعني الآن من يقدم على الشهادة في ظل جو الإحباط هذا..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

التراجع.

محمد كريشان[مستأنفاً]:

والتهافت والتراجع كما تسميه، يعني أصبح شخص يُفترض أن تقدر تضحيته بشكل أكبر حتى من السابق..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم.. نعم، فيه شهداء وفيه أحداث، بس يعني في الأول كان مشكلة الشهيد، باستمرار يومياً فيه شهيد، يومياً فيه حدث عن الشهادة يومياً.. يعني كان التدفق إلى الأمام، الآن فيه تراجع إلى الخلف، في الحالة العامة، حالة حسية، ما أعرفش، ما بأقدرش أفسرها أو أحللها كبعد فني إنما أنا بأقول لك ما أتعايش مع اللوحة..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

تتعايش مع..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

مع اللوحة.

محمد كريشان:

يعني حتى مثلاً بالنسبة للسجناء في السنوات..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

عفواً يعني.

محمد كريشان:

تفضل.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

حتى في اللوحة بتاعتي نعم فيه تهافت في مرحلة التسعينات إنما بتحس فيه ثورية وفيه حدة وفيه ألم وفيه معاناة وفيه توتر ووتيرة عالية برضو. يعني المرحلة البيضاء كان فيه نسيج وفكر ورؤية وفلسفة، إنما هون صار فيه تمرد أو ثورة على الواقع أو ثورة على الحالة اللي.. كان عندنا أحلام وطموحات، في التسعينات ما بأعرف يعني صار فيه ارتداد.

محمد كريشان:

دكتور إبراهيم، هل لهذه السوداوية للنظرة في الأشياء وما تعكسه في لوحاتك، هل هو الذي جعلك الفحم لرسم هذه الجداريات الكبيرة؟يعني الفحم كان اختياراً فيه نوع من القتامة؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

بالعكس، الفحم كخامة مطيعة يعني، خامة بتخدم، في مرحلة التسعينات وجدت نفسي في الفحم يعني في Black and white أو بلاش تسميه. Black and white سميه Drawing، الفحم بيشكل هون Drawing، وفي الجانب الآخر وجدت نفسي في خامة (الأجريليك) على الأقمشة الطويلة..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

اللي هي..؟

د. إبراهيم أبو الرُّب[مستأنفاً]:

الأجريليك خامة تنشف بسرعة فبتخدم التعبير بسرعة مش زي الزيت في مرحلة الثمانينات، الزيت بده وقت طويل ينشف وتنسج و..، إنما التعبير القوى المتدفق اللي بوتيرة عالية ستجده في الأجريليك وفي الفحم، مثلاً في الفحم في الأول كنت أشتغل بأصابع مشتراة يعني وأقلام..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

رصاص.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

تذوب.. لأ أقلام فحم..

محمد كريشان:

آه أقلام فحم.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

تذوب أثناء الرسم، وماتخدمش مترين ثلاثة، فصرت أعمل فحم على إيديه يعني أحرق كميات كبيرة.

محمد كريشان:

صناعة وطنية يعني.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

صناعة محلية، أحرق كميات كبيرة وأمد رولت كبيرة وأشتغل عليها بكم هائل، لأنه عشان يُشترى عملية صعبة، عشان يستهلك رائع إنك تعمل على إيديك، يعني تستهلك بـ.. يعني أقصد التدفق… يخدم سرعة التدفق بوتيرة عالية، فبيكون طري.. خشب طري أبيض، وبتحرقه وبأطفيه أنا وبأعمله على يدي..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

عنده أصول يعني.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

آه عنده أصول بحيث إنه أنت أول ما بيجرحش الورقة، اثنين حجمه عريض وبيعطي المساحة اللي أنت عايزها من الظل ومن الغامق فأثناء التنفيذ يعني أنا بأغيب عن الوعي زي قلت لك، فبيخدمني، بيعطيني تصعيد وتفعيل وشغل مريح، فأنا بالنسبة إلي بأعتبر إنه هاي Drawing تخطيط التسليم بتسميه.. إسكتشات، بيجوز أنت خدتها بمفهوم إنه Black and white والأسود بيعطي القتامة، لأ. أنا في شغلة القتامة هاي تطرقت لها في شغلي فترة صبرا وشاتيلا، وفترة الردة العربية عملت شغلات الأقرب إلى (داديزم) عملت أشياء سواداوية وزبالة ومرايه وحمامة ورغيف عيش وشغلات هاي، إنما الأسود بأجيبه كلون، إنما كإسكتش هو فحم مش كأسود يعني..

محمد كريشان:

ولكن يا دكتور الفحم.. اللوحة بعد ما ترسمها أو الجدارية، يعني هل هذه المادة قابلة للـ..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

نعم تحفظ.. تحفظ.

محمد كريشان[مستأنفاً]:

للاستمرار؟يعني تحفظ؟يعني ممكن أن نرى لوحة لإبراهيم أبو الرُّب عندها عشرين سنة مثلاً وهي مرسومة..؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

ومائة ومائتين وألف.. الفحم مادة محفوظة، أنا بعدما أنفذ الجدارية بأعملها مبدئياً إسبراي spray مثبت رش fixative بعدين بأقوم بأفردها على الأرض وبأرشها على الـ Compressor بأرشها بأجريليك، الأجريليك مادة شفافة مثبته رائعة نعم الورقة خامة حنينة، وبتكون يعني قابلة لإنها تهتري أو تدوب أو تتمزع، إنما بأحافظها بقدر الإمكان بأعطيها لاصق من الخلف، وبأعطيها نظام حفظ رولات، يعني آخر جدارية نفذتها في الفحم وأنا في الأردن قبل ما آجي هون لوحة اسمها (يالو جرني كابيلستاين) بحدود 50 متر × مترين..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

(يالو) اسم القرية اللي..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

قريتي آه، على غرار (جرني) كان رسمها بيكاسو. لأن قريتي هُدمت ودفن فوق المباني تراب وزُرع شجر وأخفيت.

محمد كريشان:

مسحت من الخريطة!!

د. إبراهيم أبو الرُّب:

آه.. أخفيت.. آه.. فبأسميها يالو جرني كابيلستاين، وكلاهما نفس القضية يعني، قرية (جرني) كبلدة (جرني) عندما أبيدت من قبل النازيين في أسبانيا بيكاسو خلَّدها وأنا على نفس الوتيرة. 50 متر × مترين فحم، خدت مني شغل هائل كم هائل من الشغل.

محمد كريشان:

هذه شاركت بها في معرض في أسبانيا على ما أعتقد.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

لا، أنا شاركت فيها في مسابقة جائزة فلسطين في السلطة الوطنية الفلسطينية، وأنا بأعملها لي، بأعمل فني للفن، يعني مش لمسابقة أو لبيع أو لفكرة أو تسويق إعلاني، لا، أنا أعمل الفن إلى للفن.

محمد كريشان:

ولكن مع ذلك دكتور يعني حصلت على عدد من الجوائز منهم جائزة الدولة التقديرية في الأردن عام 95 وعديد من الجوائز الأخرى في مسابقات أخرى. يعني مع ذلك يعني.. سؤالي ربما إنك لما ترسم جدارية بالفحم على..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

مساحة. أنا عارف اللي في بالك، عارف القضية..

محمد كريشان[مستأنفاً]:

من الذي سيشتري.. من الذي سيشتريها؟!

د. إبراهيم أبو الرُّب:

أنا لا أرسم.. أنا لا أرسم للبيت، عشان (تبقى) على حائط، ولا أرسم حتى للمتحف، المتحف.. أقصى متحف يعني تكون اللوحة مترين ثلاثة، أنا بأرسم للفن. يعني أعمالي في الفترة الأخيرة صارت تتجاوز العشرة متر. يعني أصغر لوحة عندي سبعة، ثمانية متر، ما بأعرفش أشتغل أقل..

محمد كريشان:

من يأخذها في النهاية؟!

د. إبراهيم أبو الرُّب:

مش قلق في عملية من يأخذ اللوحة ومن يقتني، في أوروبا، في أميركا تلك القاعات المساحات الضخمة، رؤياي في الفن وطموحي في الفن أكبر من قضية التسويق أو قضية حتى نسميه القبول، يعني فيه ناس مسكون في ذاكرتهم إنه الفن هو لوحة متر × 70، ومواصفات معينة في العرض والشراء، لأ أنا أرسم حالة، أرسم حالة عربية أرسم حدث، فمش قلق يعني، أنا يعني أعطيني مزيد من المساحات، أعطيك مزيد من الإنتاج ومزيد من الإبداع هاي واحدة.

اتنين: ممكن الأعمال تقلب، يعني ليش إحنا بنفكر في اللوحة كلوحة، يعني الجدارية هاي اللي بأكلمك عنها أنا في ذهني إن يوماً ما لو رجعت قريتي تقلب إلى جدارية نحت بارز، ويمكن تنفيذ معها نحت ميداني، يعني الجدارية يجب أن تبقي هي اسكتش أصلاً هو اسكتش 50 متر × مترين، ممكن تقلب إلى نحت بارز واجهة، يعني أي لوحة ممكن قلبها إلى نحت بارز، إلى نصب ميداني، إلى فسيفساء إلى موزاييك..

محمد كريشان:

ولكن هل يمكن تشبيهك مثلاً بشاعر ينظم قصائد ثم يتركها لا يهمه إن نُشرت في ديوان أم ألقيت في ندوات..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

لأ، هذه قضية أخرى، فالإعلام والبيع والتسويق، القبول والرفض هاي قضية أخرى، بيجوز في هذا الزمن غير مقبولة، بيجوز في زمن آخر مقبولة، أنا عندي يعني.. عندي إيمان كامل إن أنا أوثق للمستقبل.

محمد كريشان:

ولكن مع ذلك ربما يثلج صدرك أن تجد جدارية رسمتها أنت موجودة في بهو جامعة أو في مدخل لمركز.. متاحف..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

متاحف.. آه أعمالي متحفية تقريباً أكثر من..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

ولكن ضمن هذه الرؤية ربما من الصعب أن تجد تسويقاً لها.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

هذا يعمل لي مشاكل كتير مع الزملاء في عَمَّان لما نيجي نعرض، لأنه يقول لك كل فنان مسموح له مترين ثلاتة..

محمد كريشان:

وأنت تأخذهم الكل يعني!!

د. إبراهيم أبو الرُّب:

لا مفيش، أحياناً ممكن نعلق اللوحة يعني رول من هون، ورول من هون، ونعرض جزء منها.

محمد كريشان:

وربما لها السبب بعض الجداريات صورتهم في صور شمسية صغيرة مثل التي نجدها الآن على الخلفية وراءك تماماً يعني ربما هذا يساعد على أخذ فكرة عن الجدارية..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

طرح ثقافي هو والإعلامي..

محمد كريشان:

على الأقل يعني يمكن للمرء أن تتضح بالنسبة إليه معالم الجدارية ربما لأنه من الصعب أن يراها بهذا الشكل الذي تتحدث عنه.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

هو يعني إذا مثلاً فيه معرض جماعي أو معرضين ممكن نعرض جزء من الجدارية رولين وجزء من هون وجزء من هون تبقى العملية مقبولة، يعني ترى جزء من اللوحة، وممكن نعرض جنبها أشرطة فيديو أثناء التنفيذ أو slide هادول الجمهور كيف يتلقي اللوحة سهلة، إنما القضية اللي تطرحها أين تُعرض اللوحة لاحقاً في مكان دائم، هاي مش قلق فيها، يعني لوحاتي الآن كلها عندي محفوظة في البيت، في المرسم رولات.

محمد كريشان:

ولكن دكتور.. يعني هذا التصور الذي يقودك ألا يمثل عائق في سبيل انتشارك يعني مثلاً إذا نظم معرض في تونس أو في المغرب أو في العراق وأصبح من الصعب أن تحمل كل هذه الجداريات، وأن تفرد لها مساحة واسعة مثلما تفضلت يعني، هل هذا عائق؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

هي هاي قضية، بس ممكن التحايل عليها، دائماً نبحث عن حل بديل، بالنسبة للشحن سهلة، الأعمال رولات سهلة، يعني بالنسبة للعرض ممكن نعرض من اللوحة جزء يعني، يعني السنة اللي فاتت كان فيه معرض "بينالي الشارقة" فيه لوحة انعرضت بحدود 9 متر، أو عشرة متر، 12، رولة اتعرضت بسهولة، وشحنها كانت أخف لوحة في الشحن، إنما إذا بدك تعمل معرض خاص، بدك تشوف قاعة معينة أو مكان معين أو ساحة عامة أحياناً.

إنما القضية هاي، هاي القضايا لا تؤرقني قضايا العرض أو قضايا التعريف، ما يؤرقني كيف أكون سيد الموقف أثناء الإبداع لحظة التجلي، لأن اللوحة كائن حي ممكن أن يغلبك، إذا ما سيطرت عليه بقواك.. بأدوات الفنية وقواك الذهنية ممكن يفلت منك، لذلك فيه لحظة معينة إذا ما بتفلت مني لوحة بأمزعها على طول، أو إذا ما طوعتهاش أمزعها، وأكون في حاله أنا وتيرة عالية مش قلق اتمزعت، كلفت مبلغ من الفلوس، كلفت إيه، ما..

محمد كريشان:

يعني الميل إلى التمزيق تصبح إلى درجة غير..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

هو يمكن التمزيق نوع من حالة الغضب مش حالة.. اللوحة ممتازة..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

مش عدم الرضا عنها..

د. إبراهيم أبو الرُّب:

ممكن عدم الرضا، وممكن فيه خلاص حالة فلتت الأمور كلها من إيدنا يعني.

محمد كريشان:

طالما أنك تقسم أعمالك إلى مرحلة الشهيد ومرحلة التهافت..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

التهافت.

محمد كريشان:

أو الردة أو الإحباط، يعني إذا كانت مرحلة الشهيد هي المرحلة البيضاء مرحلة الردة والإحباط والتهافت كيف كانت ملامحها؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

فيها ثورة.. فيها ثورة لونية، يعني أنا بديت إما -زي ما حكينا بالسابق- عن الفحم وقطع الخشبية العريضة، الفحم وإما بالألوان (الأجريليك)، الأجريليك مادة سريعة الجفاف، وبتخدم يعني قوة التعبير..

محمد كريشان:

كيف تقام عملية الأجريليك؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

هي ألوان أقرب إلى (الإمينشن) إن فيها نسبة بلاستيك يعني تجف بسرعة، وبأشتغل بفرشة عريضة يعني أقرب.. أصغر فرشة عندي بتكون بحدود مثلاً 2 إنش، 3 إنش تكون بأحجام كبيرة وعريضة، وأبدأ اشتغل بتدفق هائل بحيث إنه يعني الألوان مرات الطاولة بتكون عندي البالتة طاولة متحركة بحدود

مترين × متر البالتة (pallette) ما بتعود تنفع، بأصير استعمل صحون وأطباق بأصير أوزع الألوان على اللوحة وأتحكم فيها.

فالردة عندما حققتها بالخط بالفحم أحققها باللون هي أقرب إلى الصراع، صراع الأزرق مع الأحمر، أنا لوحاتي كلها أربع خمس ألوان بس، الأزرق مع الأحمر، الأسود مع الأبيض، فصراع ما بين الحار والبارد، صراع ما بين الخير والشر، صراع ما بين السماء والأرض في اللوحة، صراع ما بين الأسود والأبيض، يعني صراع المتضادات أو الضديات.

محمد كريشان:

يعني المضادات هذه أو التضاد في الألوان يعني انعكاس للتضاد الواقع رغم إنك تراه؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

ما نطمح إليه عكس ما يجري، فهي هاي المشكلة يعني تعبر عن الحالة، الحالة العربية أو القضية العربية، أو الواقع العربي.

محمد كريشان:

وأيضاً هذا تم من خلال جداريات أيضاً بنفس التصور أم صار ربما بلوحات أو لا؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

لأ هو ازداد، على العكس ازداد يعني في مرحلة التسعينات ازداد، في الأول كنت في الزيت أعمل لوحة المحارة البيضاء مترين في 3 متر في 4 متر في بعض المشاريع 10 متر، إنما في مرحلة التسعينات أقل لوحة 10 متر.

محمد كريشان:

يعني هو حجم الإحباط كبير؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

آه.. آه أنا ما بأعرف إحباط في القضية الفلسطينية، إحباط في الحالة العربية، إحباط هائل يعني، فالتمرد يعني وعناد نحو الهدف، مش استسلام.

محمد كريشان:

يعني ربما إذا تحسنت الأوضاع اللوحات يكثر امتدادها؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

إن شاء الله.. إن شاء الله.

محمد كريشان:

يصير هذا المعيار.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

ما بأعرف يعني، بتعرف الفنان وتيرته… بتطلع بس عملياً يعني فيه حالة، فيه حدث، فيه معاناة، فيه هم عربي، فيه رؤية معينة، لا تتحقق بعض الأماني فإنت بتعبر عنها.

محمد كريشان:

إذا أردنا أن نسأل: أين يضع إبراهيم أبو الرُّب نفسه في الفن التشكيلي العربي المعاصر؟ هل تمثل تياراً منفرداً متميزاً لشخصك، أين تضع نفسك؟ ضمن سياق مدرسة معينة؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

القضية يعني مش قضية إن أنا متميز أو أن أنا حالة معينة، لا يعني هنا فيه يعني أي مدرسة فنية إذا تصير إلها أسس، فإحنا عندنا قضية الفن العربي المعاصر واضحة إلها ثلاث أسس تقوم عليه اللي هو الأساس الأول التراث، كثير من الفنانين بيهتموا بالتراث، سواء التراث شكلاً أو مضموناً فكراً، وفيه الجانب التاني اللي هو المعاناة التعبير عن واقع الإنسان العربي المعاصر، والجانب الثالث اللي هو المعاصرة يعني إنه الفنان يجب أن يكون معاصر، الفنان العربي يعيش الحالة العصرية في الفن يعني اتجاهات نحو العمل فيه بالنسبة إلى أنا يعني بأضع نفسي ضمن التيار العربي الملتزم يعني، كتير فيه فنانين عرب ملتزمين بقضايا الأمة العربية أو الشعب اللي هو بيعبر عن حالته، إنما لا أقول عن نفسي إن أنا فنان لي حالة خاصة.. لأ.

محمد كريشان:

مَنْ مثلاً مِنَ الفنانين التشكيليين يمكن أن تجد نفسك أقرب إليه؟أو تجد نفسك وإياه في..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

كأسلوب يعني التعبيري التجريبي، التعبيري، التجريدي، الرمزي يعني.

محمد كريشان:

يعني هل هناك بعض الأمثلة؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

الآن في الفن الحديث ما عاد يقولوا هذا الفن أو بالأحرى في الفن المعاصر ما عاد يقولوا هذا الفنان تجريدي أو هذا تعبيري أو هذا سريالي، الآن صار الفنان يجمع عدة اتجاهات ويبني ملامح خاصة له يعني هذا هو الفنان الفلاني هذا هو، عالمياً أو محلياً، يُعرف من أسلوبه من شغله، معروف إنما في شغله واضح فيه تعبيرية، وفيه تجريبة، فيه رمزية، فيه سريالية.

محمد كريشان:

هذا التيار، هل هو التيار الغالب في الرسم التشكيلي الآن العربي أم هو تيار أقلية؟ تيار المعاناة يعني.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

لا التيار اللي في الوطن العربي اللي ساد.. اللي ساد فترة طويلة اللي هو الحروفية من جانب والتراث من جانب الاهتمام بالتراث أنا أؤمن بالتراث ومدخل في شغلي تراث فكراً وشكلاً يعني عندي أعمال فيها أشكال أقرب إلى الحروفية، وعندي تراث بأخده من جانبه الأعمق -بأسميه- يعني باخد من فكر الكنعانيين اللي هي فكرة المكان المقدس.. العمود المقدس على المكان العالي العمود المقدس على المكان العالي، القرابين للمكان المقدس أو العمود المقدس، فباخد فكرة القربان ووظفتها لفكرة الشهيد لقضية الشهيد، أجمع ما بين رموز الكنعانية والفكر الكنعاني وأدخله بتأثيرات إسلامية الكيرفات والتكرار الغير.. التكرار الغير ثابت، التكرار الغير منتظم، يعني بأعطيه تأثيرات إسلامية واضحة، وفكرة الشهيد وفكرة الصوفية و..

محمد كريشان:

يعني يمكن أن تعبر على نفس المضامين بأسلوب أخرى غير هذا الأسلوب الساخط اللي فيه نوع من سيمفونية الغضب.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

هذا اللي تقول عنه إنه هو أنا أنقل لك حالة إنما الصيغة اللي بأقدم فيها الحالة هاي هي تجريدية، تعبيرية، هي إبراهيم أبو الرُّب في الآخر.

محمد كريشان:

نعم. نعم. المعاناة المعبر عنها في اللوحات ذكرت قبل قليل هذه أشعة الشمس الحمراء الفوق الموجودة في الزاوية..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

القمر.. ده يرمز إلى..

محمد كريشان[مستأنفاً]:

القمر.. عفواً.. القمر الموجود في أعلى الصورة إلى اليسار دائماً.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

في الزاوية شمال.

محمد كريشان:

يعني هل هذا هو نوع من توقيع إبراهيم أبو الرُّب هذا، هل هو رمز إلى أن الأمل يظل دائماً قائم، يعني رغم كل هذا الإحباط يجب ألا نستسلم؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

نعم. نعم كل فنان له أدواته وله رموزه، وله عناصره، وله أساليب في تحقيق العمل الفني، ما بأعرفش صارت ظاهرة عندي إنه القمر في الشمال، والجموع ماشية باتجاه القمر، حتى إذا مافيش جموع، إذا اللوحة مجردة حركاتها وتطشاتها ماشية إلى الشمال، أنا بأرسم بالشمال والضربات والتأثيرات وسيكولوجية العين والخط واللون والاتجاه بيوصل للقمر، ما بأعرف هي الربط بين جانب سيكولوجي جانب تعبيري، جانب وطني، فكري كله بيتجه نحو القمر يعني، الجموع، الكتلة، الفراغ توصل للقمر وهو الهدف في النهاية.

محمد كريشان:

دكتور إبراهيم، المعروف أن الرسم التشكيلي رسم إلى حد ما نخبوي، و.. على الأقل هكذا..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

أيوه مضبوط، هذا كلام سليم.. نعم.. نعم.

محمد كريشان:

هكذا يروج يعني، ممكن أن يرى الإنسان العادي، فيقول ما هذا التخبيص أو ما هذه الفوضى؟

د. إبراهيم أبو الرُّب:

عندنا عنصرين، العنصر المرسل اللي هو الفنان المنتج، وفيه عنصر المستقبل المتلقي، النمط السائد يعني صار، وللأسف يبدو لتراجعات مالية مادية لدى الناس إنه صار يرسموا الموضوع عشان يحققوا ما يطلبه المستمعون أن أسميه وبأسميه مرات لتجاوزات أخرى الفن الحلو كثير كثير كثير هيك بيسموه وفيه الفن الثاني أنا اللي بأومن فيه إن هو الفن العظيم، الفن العملاق يعني، وراء كل عمل عظيم قلم أعظم هاي المقولة اللي بأؤمن فيها، فما يطلبوه المستمعون الجمل والحصان والبدوي والفلاحة، والمواضيع المباشرة، القراءة البصرية المباشرة، بالنسبة إلي، يعني عادية جداً بالنسبة لي. أنا أؤمن بحالة. وقديش أنا بأكون ناجح في عملي الفني إذا نقلتك إلى هذه الحالة، صرت أنت جزء منها وهاي الحمد لله، كل من يشاهد فني بيتعايش مع الحالة، جزء منها بيصير.

محمد كريشان:

هل تشعر بنفسك بأنك ضمن أقلية في هذا، يعني مثلاً مثل ما أصبح الفن، مثل أصبح الفن الموسيقى الملتزمة منحسرة جداً أو تكاد تكون غائبة، أصبح الفن ما يوصف بالفن الهابط والفن..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

هي قضية إعلام، وقضية تسويق. الإعلام تعرف دائماً بيميل إلى ما يطلبه الناس، يعني الناس بدها الحاجة الحقيقية الحاجة الحلوة، الحاجة الطعمة، وفي نفس الوقت الناس بدها الحاجة الرخيصة. رخيصة فنياً، ورخيصة مادياً يعني، إنما مين عايز يشتري لوحة جداريه ويتنكد فيها يعني، يتنكد مش يستمتع، يحطها جزء من الديكور، جزء من الإطار، جزء من..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

يقول لك أنا مش ناقص غم، يقول لك.

د. إبراهيم أبو الرُّب[مستأنفاً]:

أنا مش داخل هذا الإطار بتاتاً، أنا في عملية ثانية فنية خالصة، ربما تأتي الأجيال، ربما تفهم في مكان آخر، في أوروبا، في أميركا كتير من الأجانب شافوا شغلي يعني اتبسطوا منه، حتى مرة بألتقي مع فنان روسي في عمان بيقول لي: أنا لو أشوف شغلك في استراليا أو في أميركا بأقول هذا فنان فلسطيني.

محمد كريشان:

هذه ملاحظة رائعة، هل لأنه هو حسه الفني متميز أم..

د. إبراهيم أبو الرُّب [مقاطعاً]:

لأ. يقرأ يقرأ العمل الفني. برؤية خاصة يعني، برؤية ذات وتيرة عالية يعني.

محمد كريشان:

وقراءة العمل الفني هذا هل هو متاح لجماهير واسعة يعني، هل تشعر بأنك تتجه في الحقيقة..

د. إبراهيم أبو الرُّب[مقاطعاً]:

نعم. بس اللي متعود عليه الجماهير من خلال التلفزيون، والجريدة والكتاب والنمط الثقافي السائد، إنه هو الرسام هو الذي يبدع شيئاً مقروء يعني يرسم فلانة..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

من أول وهلة.

د. إبراهيم أبو الرُّب[مستأنفاً]:

وكأن الناس في ذاكرتها هو أن الرسم، هو أن تجيد رسم بورتريه معين، أو تجيد رسم موضع معين، لأ الفن أعلى يعني، حتى الآن اتلغت حاجة أسمها لوحة، وأتلغت حاجة أسمها تمثال الآن فكرة العمل الفني، حتى أنا أؤمن بالأعمال العملاقة، يعني أؤمن بنحت جبل، أؤمن أن نأخذ مساحة من (السيكراب)


Scrap، نلحمها ونعمل منها تكوين حديد، أؤمن بمعالجة بعض الجوانب الطبيعية مثلاً صخور معينة نكمل وتيرتها، رمل معين نعمله.. جمال الطبيعة ويسموه الآن فن العينة ولِمَ لا؟ ليش نظل مرتبطين باللوحة والمتر × 70 والفلاحة والبدوي، ليش يعني هاي القضايا تجاوزها العصر بيجوز بحدود مائة عام يعني؟ طرحها المستشرقين قبل 1900م ليش نظل إحنا مقبلين على عام 2000م متمسكين فيها هي ممكن تكون مواضيع تعليمية، مواضيع أكاديمية، لفنان مبتدئ إنما مش لفنان يحمل هم أمته على كتفيه وبيجي يعبر عنه بأدوات بسيطة.

محمد كريشان:

دكتور إبراهيم أبو الرُّب شكراً جزيلاً.

د. إبراهيم أبو الرُّب:

باراك الله فيك، أهلاً وسهلاً.