ضيف وقضية

العودة إلى فلسطين

كيف يتحقق حلم ملايين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم؟ كيف تبدأ معركة الحفاظ على الهوية والذاكرة الفلسطينية في ظل عمليات التهويد والتزييف التي تجري بشكل منهجي؟ وكيف يتم كسر حاجز صعوبة العودة وبناء واقع جديد؟.
مقدم الحلقة محمد كريشان
ضيوف الحلقة – إبراهيم أبو اللغد، أستاذ بجامعة بيرزيت وعضو المجلس الوطني الفلسطيني سابقا
تاريخ الحلقة 27/07/1999

undefined
undefined

محمد كريشان: أهلاً وسهلاً بضيفنا الدكتور إبراهيم أبو اللغد، وسنتحدث معه في قضية قد تبدو فردية، ولكنها تعكس في العمق قضية شعب بأكمله، أهلاً وسهلاً.

د. إبراهيم أبو اللغد: شكراً يا سيدنا.

محمد كريشان: دكتور، غادرتم فلسطين عام 1949م، وعدتم إلى الاستقرار في 1992م.

د. إبراهيم أبو اللغد: صح.

محمد كريشان: بعد فترة طويلة من الغياب، من الإقامة في أميركا مع فترات متقطعة في مصر، وبيروت وباريس، لنبدأ بهذا السؤال العام -ربما- كمدخل للحديث- يعني هل اقتنعتم في النهاية بأنه حق العودة لن يكون إلا حق فردي؟

د. إبراهيم أبو اللغد: لا أعتقد أن هذا هو الموضوع، أنا نشأت وعندما هُجرت كنت أعتقد بأنني عائد إلى بلدي، في البداية -لجهل ولأسباب أخرى- اعتقدنا بأننا سنعود بعد أسبوعين، والأسبوعين امتدوا إلى أشهر، ثم إلى سنوات، والظروف في نهاية الأمر ساعدتني إلى .. لأن هذا كان هدفي هو الالتحاق بالتعليم العالي، وإنهاء دراستي، وتمكنت في ظروف صعبة وسوف نتكلم -فيما بعد- فيها.

لكن في كل هذه الفترة التي عشتها في كل العوالم أنا كنت مؤمن بحقي
بالعودة، ليس حقي الفردي، ولكنه حق الشعب الفلسطيني، لقد هُجرنا
قصراً، ولابد لنا أن نعود، وحياتنا منذ أن تركنا أوطاننا الصغيرة والوطن الفلسطيني، حياتنا كلها تدور على طريقة العودة، فكلنا عبأنا قوانا بكل ما يمكن للعودة، فالتحقنا بالعمل السياسي، والتحقنا بالعمل النضالي، وسلحنا أنفسنا بالعلم، كل ذلك لخدمة العودة.

ونحن اعتقدنا سابقاً، وأنا أعتقد إنه الاعتقاد هذا كان في مكانه -إلى حد- وأننا خسرنا المعركة الكبرى وهي معركة البقاء على أرض الوطن، والاستقلال السياسي اللي ما كنا نطالب به، فقدنا هذا لأننا لم نكن على مستوى من الكفاءة الذي يمكننا من التغلب على العدو الذي طمح، وتمكن من البقاء في فلسطين، وبالتالي علينا أن نجهز أنفسنا لمعركة فاصلة تمكننا من العودة إلى ما خسرناه.

فمن ها.. هذا المنطلق من هذا المنطلق هناك حق جماعي للشعب الفلسطيني، الشعب بأكمله اقتلع من الأرض، وهي الخبرة الأساسية للشعب الفلسطيني هي خبرة الاقتلاع، وبالتالي أنت لك آمال بالعودة، بالنضال، بالاستمرار، بالمطالبة.

ونحن كفلسطينيين لنا حق دولي بالعودة من 1949م.

وهنالك القرار رقم 194 يقول: إن الشعب الفلسطيني له الحق في أن يعود، ليعيش بسلام إلى آخره .. ولكن حق من حقوق الإنسان كذلك أن يترك الإنسان وطنه وأن يعود إليه، فهو حق جماعي، هلا، كيف يحقق الإنسان هذا الحق في أرض على أرض الواقع؟ هو هذا السؤال.

إحنا ارتبطنا تاريخيا كشعب فلسطيني ارتبطنا بنضال منظمة التحرير التي حددت الطموح الفلسطيني، ونحن اعتقدنا بأن ذلك ممكناً عبر الطريق الذي شقته منظمة التحرير في الميثاق الوطني إلى آخره، في 1991م وهي لأول مرة أنا أفكر بالعودة.

أنا فكرت وكان هنالك أسباب لزيارتي لأول مرة منذ 1948م، أنا لم أزر فلسطين 1948م وقبل ذلك، كانت ظروف مختلفة بما في ذلك ظروف تحرر إفريقيا .. جنوب إفريقيا.

وبدأت ألاحظ عودة الأفارقة الذين نفيوا من جنوب أفريقيا، فأنا تأثرت بهذا الحدث العالمي، وقررت أن أزور البلاد لأول مرة لأعرف على ماذا نناضل؟ أي وطن هذا؟ ما شكله؟ ما هي الأشياء التي تغيرت؟ فأتيت في زيارة لأول مرة، لم أدخل، لا أريد أن أخترق الحدود الإسرائيلية، الجيش الإسرائيلي لا أريد أن أراه، ولكن الظروف تغيرت.

وأذكر في أول زيارة في ديسمبر 1991م، أنا أتيت كزائر حصلت على فيزا من المطار -وأنا عندي جواز سفر أميركي- وأعطوني فيزا لمدة تلاتة أشهر، وأنا جاي تلات أسابيع، ولكن عندما رأيت المطار يقول: Welcome to Israel كان كانت صدمة كبيرة لي، أنا آت إلى مطار(الند) أنا أعرف الند منذ صغيري، أنا أعرف مطار الند عندما كان بأيدينا هو مطار فلسطيني، ولكنه -طبعاً- يختلف، وبدأت الصورة تتراكم.. حقيقة كانت مفاجأة.

أنا أقدمت على شيء أنا في حياتي لم أتصور سأقدم عليه، ولكنني قدمت نفسي ولكن أنا أميركي، فأنا قدمت نفسي كأميركي، وهم سألوني في المطار أين ولدت؟ وهو مكتوب في جواز سفري أنا من مواليد فلسطين، متى تركت؟ قلت لهم تركت 1948م، لم أذكر الظروف التي .. وهي بنت صغيرة يعني ما كانتش موجودة، لكن المهم وأتيت إلى القدس.

أنا بس بدي أذكر الحادثة: في.. كان هنالك احتفالاً في المسرح الوطني في القدس، وطلب إلي أن أقول كلمة ولم أكن مجدولاً للكلام، وقتها أنا قلت ما يلي بالحرف: إن حق الشعب الفلسطيني بالعودة هو حق مقدس، سنحققه بوسائل مختلفة، كل له طريقته في العودة، والفلسطيني له حق التواجد، التواجد على أرض وطنه، وهو يجد الطريقة المناسبة.

أنا عندي طريقة مناسبة أنا أتيت، وهذا من حقي، من حقي كفلسطيني، من حقي كأميركي، لكنني المهم فيها أن أكون على هذه الأرض، فأنا احتفظت بحقي كجزء من الشعب الفلسطيني، وأنا أمارسه كفرد.

وأنا أعتقد من حق الشعب الفلسطيني كتجمع العودة، وكل فرد منهم عليه أن يحاول بقدر الإمكان أن يعود، ويجد الوسائل المناسبة مهما كانت صعبة، لأن الالتصاق بالأرض، تحقيق الهدف هو أهم من الوسائل التي.. المتاحة فإذا تمكنا
من ذلك.. أنا أعتقد إنه طريق طويل ولكنه ممكن.

محمد كريشان: نعم، دكتور أنت من (يافا)؟

د. إبراهيم أبو اللغد: صح.

محمد كريشان: ونحن الآن في رام الله وتقيم في رام الله، نحن الآن في بيتك في رام الله، يعني سؤال -ربما- لماذا لم تحاول بفعل الظروف المتاحة لك -كأميركي على الأقل- أن تعود إلى يافا تحديداً؟ أم تعتبر محطة رام الله محطة مؤقتة؟

د. إبراهيم أبو اللغد: يمكن أن تكون محطة انتقالية، ولكن الإنسان بالأمور العادية هو ليس من الضروري أن يعيش في البلد التي ولد فيها، ليس من الضروري لأن هذا وطنه الفلسطيني، هذا أولاً، فأينما أكون فأنا في فلسطين.

وأنا أقول هذا على أرض الواقع -حقيقة- أنا أشعر بأنني فلسطيني أينما أذهب، وأنا أذهب إلى الجليل، وأذهب إلى غزة، وأذهب إلى خان يونس، وأينما أذهب في نابلس، أو جنين، أو الخليل، أنا أشعر أنني بين أهلي.

الوطن هو الأرض والأهل، وأنا بين أهلي .. هذا هو الشيء الأول .. الشيء الثاني طبعاً أنا أشتغل فأنا أشتغل في جامعة، وظيفتي العملية أستاذ جامعي، الجامعة التي دعتني للتعليم بها هي جامعة (بيرزيت)، أنا علمت في أميركا في جامعات مختلفة لم أولد فيها.

ولكن الإنسان كذلك يرتبط بعمله، وأنا سعيد بالعمل الذي أقوم به في
الجامعة، وأتيت لكي أمارسه، والجامعة متوافرة هنا، لا يوجد جامعة أولاً في يافا لا يوجد جامعة عربية في يافا، لا يوجد ما يمكن أن يشغلني عمليا في يافا هذا الشيء الأول.

لكن الشيء الثاني: إن حقيقة أنا أذهب إلى يافا بشكل مستمر، وأول شيء عملته عندما عدت إلى.. إلى فلسطين، أنا ذهبت إلى يافا لأعرف أماكن الطفولة، أين درست.. الشوارع .. البيوت التي بقيت من كان يسكن بها، هم أصدقائي، أبناء بلدي، أنا أعرفها شبراً شبراً.

محمد كريشان: تغيرت كثيراً؟

د. إبراهيم أبو اللغد: تغيرت كثيراً ولكنني أعرفها، لأن هي مرسومة في ذهني، حتى عندما يمسح الأماكن كما مسح بيتي، أنا أعرف بالظبط موقع بيتي، أعرفه وأعرف كيف أصله، وكيف أرشد الناس إليه، أعرف المصنع الذي ساهم والدي في صنعه، وهو.. وهو مصنع فلسطيني ساهم في الصناعة الفلسطينية اسمها شركة (السكب الفلسطينية المحدودة الأسهم)، مازلت آخذ كل شخص يأتي إلى هنا إلى
الشركة، اسمها الشركة، كانت شركة صناعية تقاوم الصناعات اليهودية،
وكانت ناجحة.

فهنالك أماكن مهمة في حياتي وفي تاريخي، وعندما أكتب أنا أكتب عن تطور النضال الفلسطيني الحقيقي الذي رأيته بعيني، وساهمت به، الشركة، العلم، وأنا تعلمت في مدرسة اسمها المدرسة (العامرية)، أنا مازلت أذهب إليها كل ما أذهب إلى يافا، لابد أن أحيي هذه المدرسة.

محمد كريشان: مازالت قائمة؟

د. إبراهيم أبو اللغد: مازالت قائمة، ولكنها مدرسة يهودية اسمها مدرسة (فايتسمان)، وأنا دخلتها، وحاولت جهدي أن أدخل إلى الصف الذي كنت اتبعه ومنعوني، لكن رأيت بقية المدرسة.

وأنا أحرص عندما يأتي زوار وآخر الزوار الذين أخذتهم إلى ذلك هو سفير الجزائر السابق في عمان وفي لندن أنا آخذتهم، هذه هنا تعلمنا، الأخ فاروق قدومي تعلم بها، الأخ شفيق الحوت تعلم بها، كثيرين من المناضلين الفلسطينيين هم من خريجي هذه المدرسة.

ارتباطي بيافا ارتباط قوي جداً، لكن أريد أن أضيف شيء آخر أن يافا هي مازالت يافا، هنالك تجمع يافي.. يافي له نفس الولاء إلى هذه المدينة -الذي كنت أعرفه بنفسي- وهو هو تجمع قوي يناضل في سبيل المحافظة على عروبة يافا، ويناضل اعتداءات بلدية (تل أبيب) على الأرض اليافية، على الأماكن اليافية كما كنا نناضل في 1948م، وقبل ذلك..فارتباطي.. وأنا عندي أصدقاء من هؤلاء الناس، أذهب لزيارتهم في بيوتهم، وأستضيفهم هنا، وهم يعلمون جيداً أنني يافي، هذا الشيء الثاني.

أما الشيء الثالث: أنني أذهب إلى يافا لكي أسبح، أنا تعلمت السباحة في يافا، ومازالت شواطئ يافا هي الشواطئ المفضلة عندي، وأنا أخذت كل أسرتي، كل من يزورني آخذه في الصيف للسباحة في يافا، تعلمت هناك، وتعلمت كيف أصل المسافات البعيدة، وأحب البحر، أحبه منذ الطفولة، ولازلت أمارسه.

فأنا أشعر بأنني في يافا لكن ليس هنالك ما يدفعني للعيش هناك الآن، أولاً: لعدم ارتباطي بعمل، ولكن الشيء الثاني إنها مدينة غالية، لا أستطيع أن أشتري البيت المناسب كما أستطيع هنا، ثم جامعة أخرى في هذا البلد، ولكنني أشعر بأنني في فلسطين، وهذا -أعتقد- هو الأهم.

محمد كريشان: يعني دكتور، هل تشعرون ببعض المرارة يعني عندما ترك الفلسطيني وطنه، وامتدت السنوات تباعاً، كان دائماً يحلم بعودة تكرس حق طبيعي ومشروع للشعب الفلسطيني المشرد، أن يعود الدكتور إبراهيم أبو اللغد ويستقر في رام الله، وحتى عندما يريد التنقل داخل الضفة الغربية نفسها .. حواجز ثم حواجز، ومنطقة (أ)، ومنطقة (ب)، ومنطقة (ج)، وكل هذه الإشكالات اليومية.

يعني هل تشعرون ببعض المرارة لم تكن هذه صورة العودة كما أرادها الدكتور إبراهيم أبو اللغد، وكما أرادها فلسطينيون عديدون في الخارج.

د. إبراهيم أبو اللغد: صح أعتقد إن السؤال كتير وجيه، وحتى أكون أميناً في جوابي أنا لا أشعر بمرارة مطلقاً، أنا أشعر بأن الوجود الإسرائيلي هو تحد لنا، ولا يمكن أن نتجاوز هذا التحدي بالمرارة، هو حاجز أنا أناضل ضده، أنا أطالب بالمساواة، أنا أطالب بإلغاء جميع هذه الحواجز، أنا أتمكن من إلغاء قسم منها لأنني أحمل جواز سفر أميركي.

أنا أعرف أن المواطن الفلسطيني لا يستطيع أن يفعل ذلك، وبالتالي مهمتنا.. مهمتنا أن نناضل معاً لتغيير هذا الواقع، مجيئي إلى هنا هو -جزء كبير منه- هو محاولة لتغيير هذا الواقع، لأنه لا تستطيع أن.. أن.. أن تناضل بعيداً عن ميدان النضال، الشيء الأساسي اللي تعلمته أنا في أول زيارة في.. أول زيارة هو مقدار الخطأ التاريخي الذي ارتكبناه نحن في سنة 1948م عندما تركنا أوطاننا.

حقيقة إحنا كنا.. طبعاً أنا كنت صغير السن، واعي لكن صغير، وكان هناك قيادة، أنا أعتقد أنها قيادة كانت قاصرة، غير مدركة لأبعاد المعركة التي دخلناها، بغض النظر هي حدثت، ولكنه كان خطأ جسيم، كان يجب ألا يحدث، كان.. كان علينا أن نبقى على الأرض -حتى لو انتصرت إسرائيل علينا- كان علينا أن نبقى، لأن النضال يتطلب المواجهة مع الشخص المقاوم.

إحنا اعتقدنا بأن العرب سيقومون بهذا العمل نيابة عنا، وهم لم يفعلوا ذلك، هم أوطانهم كانت محتلة من الأجانب، البريطانيون كانوا في مصر، البريطانيون كانوا الأردن، الفرنسيين في تونس، هو الوطن العربي نفسه لم يكن محرراً، فكيف يمكن للجيوش العربية الخاضعة، كيف يمكن لها أن تحقق التحرر في فلسطين؟ بس لم نكن نفهم هذا في ذلك الوقت.

لكنه خطأ، اللي اكتشفته في الـ 1991م، في أول زيارة عندما ذهبت إلى الجليل، وعندما ذهبت إلى يافا، أن هنالك إمكانية.. إمكانية للنمو والتقدم حتى في ظل الخضوع السياسي لإسرائيل، أنا وجدت ذلك في الجليل .. الجليل وجدته، رغم أن العرب والفلسطينيين في الجليل هم أقلية، إلا أن الحضارة الثقافة المنتشرة.. النمط العمراني المنتشر هو حقيقة النمط الفلسطيني العربي.

الوجود العربي على الأرض هو يعطي الأرض صورة معينة، وبالتالي.. وبالتالي هو يمكن الشعب الأجيال القادمة يمكنها من الانتماء.. الصمود، ومن معرفة الطرف الآخر، والتعامل معه بشكل أفضل مما تعاملنا نحن معه.

فأنا كان انطباعي القوي وهو الذي حفزني، وذكرني بالخطأ الذي ارتكبناه أن الوجود على الأرض له أبعاده، وأن النضال هو أفضل على الأرض من النضال الغيابي وبالتالي هي حدثت،والتلاحم بين الخارج والداخل هو شيء أساسي في استمرار النضال.

أنا أعتقد وأنا أبشر بهذا -حقيقة- أينما أذهب أنا أبشر بأن كل فلسطيني قادر على أن يعود، عليه أن يعود إذا أراد للزيارة، لأن هذا التواصل مهم جداً، لأن.. لكي نلغي العزلة القسرية التي يفرضها.. تفرضها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في الداخل، هنالك عزلة حقيقة عن بقية الشعب الفلسطيني، وعند الدول العربية كذلك، رغم.. رغم الاتصال البسيط المتوفر.

حقيقة هنالك عزلة ثقافية، هنالك عزلة حضارية، هنالك عزلة عملية، على صعيد الاقتصاد فيه عزلة، وإسرائيل تريد أن تجذر هذه العزلة، فأنا من أنصار أولاً: مجيء أبناء فلسطين إلى فلسطين للزيارة زيارة الأهل مهما كان.. مهما كانت الصعوبات.

نحن في نضال، والنضال يتطلب نضال، عملية سهلة، ولا يجب أن نخشى نتيجة هذا النضال، لأننا قادرون على إيجاد الحل المناسب للعودة، سواء لمدة
تلات أشهر، أو ستة أشهر، أو سنة، أو سنتين، أنا أعتقد أن هذا ممكن، وبالتالي الوجود له آثاره.

أنا.. أنا.. أنا سعيد جداً عندما أذهب إلى يافا، كانت هنالك جالية من خمسة آلاف شخص الذين بقوا في يافا، الآن هم 20 ألف.. 20 ألف، واحد منهم صار في البلدية، في .. لهم توجه سياسي، لهم انتماء ثقافي عالي، أنا ساهمت في أنشطتهم الثقافية، لولا هذا الوجود لذهبت الهوية الفلسطينية في هذا البلد، هم الذين حافظوا على الوجود الفلسطيني، الذاكرة الفلسطينية في هذا البلد.

فيه اقتصاد فلسطيني، فيه حياة فلسطينية، المحافظة على المساجد في كل أماكن فلسطين، يعود الفضل في ذلك إلى الوجود الفلسطيني هنا، وبالتالي حتى في الظروف الصعبة يجب أن نفترض أنها صعبة، لأن الشخص أراد أن يأخذ الأرض منك، وبالتالي ماذا تنتظر؟ ومن هنا أنا أعتقد إنه إحنا بإمكاننا أن نتجاوز هذه الحدود القصية.

محمد كريشان: دكتور ذكرتم أن النضال يستدعي النضال، يعني هل هناك ربما بعض الرومانسية لدى الفلسطينيين الذين مازالوا في الشتات، بعضهم لا يستطيع عمليا أن يعود، حتى ولو أراد.

د. إبراهيم أبو اللغد: صح هذا صحيح.

محمد كريشان: وبعضهم يستطيع إن هو أراد، يعني هل لابد من القضاء على هذه الرومانسية التي عششت في خيالنا، وهي ربما مشروعة، أن يعود الإنسان إلى وطنه معززاً مكرماً، وأن يقف العالم كله لمباركة هذا الحق.

د. إبراهيم أبو اللغد: صح، أنا لا ألوم أي إنسان إذا امتنع لأنني أنا كنت ممتنع كذلك، لكن أنا أعتقد جازماً بأن الأفضل أن يعود الإنسان إذا تمكن من التغلب.. إذا لم تكن رومانسية فهي أيضاً عقيدة، أننا أن هنالك ذاكرة، أنا أعرف يافا كما كانت في الـ 1948م ولم أشأ أن أصدم بما هي عليه اليوم، ولكنني قبلتها ولم أصدم -حقيقة- هي تغيرت كثيراً، ولكن العالم كله يتغير ليس بالإرادة.

أحياناً التغير الذي حدث في فلسطين لم يكن بإرادتنا، ولكن الواقع يتغير دائماً، وبالتالي علينا أن ننظر إلى المستقبل، ماذا نستطيع أن نفعل على هذه الأرض إذا تواجدنا، أنا أعتقد إنه.. أنا كنت من هؤلاء الناس، أنا 40 سنة وأنا غايب عن فلسطين، وكان عندي رؤية معنية لهذا، للوجود الفلسطيني، ولكن كذلك للتعامل مع إسرائيل.

أنا أعتقد أن تعاملي مع إسرائيل مازال كما هو، أنا في مواجهة مستمرة يوميا عندما أخترق الحدود، أنا في مواجهة مستمرة معهم، وأنا أعتقد إن أنا أستطيع عندما ألقي محاضرة في الناصرة، أو في حيفا، أو في يافا، وأنا أساهم في عملية التوعية والتواصل الفكري مع شعبي، وبالتالي هم يعرفون ماذا أكتب، ماذا يكتب زميلي إدوارد سعيد وآخرون.

إدوارد سعيد كنا معاً في مؤتمر في.. في.. في الناصرة قبل فترة، أنا أعتقد كان مؤتمراً ناجحاً جداً، وأنا أعتقد أنه كان له تأثير جيد في.. في الأوساط الفلسطينية في.. في الداخل، وأنا أعتقد كثرة هذه الأمور مجيء ناس من غزة إلى هذا المؤتمر -كما جاء النائب (راوية الشوا)، مجيء ناس من جامعة بيرزيت، من جامعة النجاح، تواجدوا كلهم، هذه إعادة تجميع للشعب الفلسطيني، وإعادة النسيج الفلسطيني، وإعادة الوحدة، أو إذ كان لم تكن وحدة، اندماج فلسطيني جديد، وبالتالي مهم جداً أن نفكر فيها.

الناس الذين لا يستطيعون لا يستطيعون، لكن هنالك كثيرون، وأنا شخصيا أشجع لأنني أدرك الطاقات الفلسطينية الهامة في الشتات كم لها أن تساهم في بناء الوطن الفلسطيني، والوطن الفلسطيني -ويجوز هذا اللي بده أقوله فيها- الوطن الفلسطيني يرحب بهؤلاء.

أنا شعرت -حقيقة- منذ أن آتيت إلى هنا بالترحاب الكامل، وعدت بين شعبي معززاً مكرماً، وهذا الشعب معطاء كبير، وأنا لا أشعر أنني غبت عن فلسطين هذه الأربعين سنة، وهذا يعود الفضل فيه إلى الشعب هنا، لأنه -الحقيقة- يرحب بك، ويعطيك قدرك، ويمكنك من المساهمة معهم في التغلب على هذا الواقع الصعب.

محمد كريشان: يعني على ذكر الدكتور إدوارد سعيد، أنا لم أكن أشاء أن أثير الموضوع، ولكن طالما أن أثرت اسم الدكتور إدوارد سعيد ذات مرة أحد الأساتذة الجامعيين الفلسطينيين ذكر لي الدكتور إدوار سعيد والدكتور إبراهيم اللغد كنموذجين مختلفين في التعامل مع الوضع السياسي الراهن.

قال لي انظر الدكتور إبراهيم أبو اللغد قرر أن يعود، وأن يتخذ شكلاً نضاليا جديداً يوميا على الأرض الفلسطينية، فيما كان رد الدكتور إدوارد سعيد ردا متطرفاً -بين قوسين- بالاكتفاء فقط بالإعراب عن هذا الاشمئزاز وهذا السخط على الخط السياسي الفلسطيني الحالي، هل تعتبر فعلاً بأن هناك نموذجين في التعامل مع الواقع السياسي؟

د. إبراهيم أبو اللغد: أنا لا أعتقد ذلك مطلقاً، أنا أعتقد إن إحنا.. إحنا أصدقاء عُمْر، أنا والدكتور إدوارد يعني من أكثر من خمسين سنة .. لكننا كشخصين نحن مختلفان، أنا جدوري العربية وانتمائي العربي بقي مستمراً من حيث العمل فأنا ذهبت في أميركا ولكني عدت في أميركا، عملت في مصر، وعملت في بيروت، وفي.. في كل سنة كنت آتي إلى الوطن العربي.

إدوارد أنهى دراسته الثانوية في أميركا، ودرس في أميركا وأنهى دراسته في أميركا، ومارس كل عمله في أميركا، فهو اندمج في مجتمع آخر أكثر مني، ولم يأت هنا للعمل، أتى للبحث، لارتباطه الأسري إلى آخره، فهذا هذا الشيء الأول.

لكن الشيء الثاني: إن هو مازال يأتي إلى هذا الوطن، هو لا يرى لنفسه دوراً في العمل هنا، وهو أجاب على هذا السؤال في جامعة (بيرزيت)، سأله أحد الطلبة: لماذا لا تأتي مثل صديقك؟ قال أنا لي عمل هناك، وهذا من حق الفلسطيني
أينما تواجد، هذا البعد الدولي للشعب الفلسطيني أن.. أن هنالك دوراً هاما للشتات، إدوارد سعيد نموذج جيد جداً.. جداً، ومتميز لما يمكن أن يساهم به الشتات في دفع القضية الفلسطينية إلى الأمام.

أولاً في مواجهة إسرائيل، وهي التي تحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه، وهي التي اقتلعته، ولكنه كفلسطيني له الحق له الحق الكامل في أن يعرب عن رأيه فيما يجري سياسيا في أراضي السلطة الفلسطينية، هذا حق مقدس لكل فلسطيني، وهو يمارسه، ولكنه يمارسه في الخارج، لأنه يمارس كل حقوقه في الخارج، هو يعني وصل إلى سن.. هو لم يعش في هذا البلد في حياته، وهو ترك هنا وعمره تسع سنوات، لم يكن يعرف كثيراً، فمجمل حياته هي مجمل حياة الشتات.

وهنالك نماذج عالمية مثل إدوارد سعيد، و(كونراد) الشخص الذي كتب عنه، يعيشون في المنافي باختيارهم، هو يستطيع أن يعود، ويأتي هنا بشكل متقطع، وجاء إلى جامعة (بيرزيت)، وألقى عدة محاضرات، وفي رام الله وفي غزة، وفي الناصرة، فهو جزء من هذا الوطن كما أنا كنت جزءاً منه في السابق.

ولكن نحن لسنا نموذجين، فيه نماذج متعددة للشعب الفلسطيني، فيه أشخاص
مثلي، قسم منهم عاد مع السلطة، أنا لم أعد أنا عدت قبل السلطة،أنا حققت حقي منفرداً، لكن فيه ناس كثيرين عادوا مع السلطة، والشعب الفلسطيني يرحب بيهم، فيه أشخاص يأتون في زيارات عمل، تلاتة أشهر، ستة أشهر، أنا أعتقد الوطن الفلسطيني يستطيع أن يستفيد من كل هذه الطاقات بالشكل الذي يراه الإنسان لنفسه.

محمد كريشان: دكتور، يقيم معك هنا في رام الله حفيدك.

د. إبراهيم أبو اللغد: صح.

محمد كريشان: يعني هل هذا اختيار واعي؟ هل أردتم أن تنعش الذاكرة الفلسطينية باستمرار، لأن القضية قضية أجيال، وربما إذا اخترتم أنتم العودة فقد لا يختارها الجيل الثاني أو الثالث الذي عاش في الشتات لسنوات عديدة.

د. إبراهيم أبو اللغد: صح، أنا أعتقد في سلوكي الشخصي .. أولاً منذ أن عدت منذ أن زرت لأول مرة وأنا أشجع الناس إلى المجيء، جميع أسرتي أتوا إلى هنا ويأتون، لكن كل واحد له شغله، وأنا أرحب في إقامتهم بقدر ما يمكن، فيه لي أبناء يدرسون في الجامعة، فهم مرتبطون بجامعاتهم في أميركا، ويأتوا في الأوقات المناسبة.

ما فيه من حد من أسرتي لم يأت إلى هنا، وفيه صورة هنا لأحفادي، أتوا إلى هنا وأخذتهم إلى يافا، وأسبحهم في يافا، لكي يعرفوا من أين أنا، ماذا يفعلوا بهذه الذاكرة؟ هم أحرار لكن مسؤوليتي – حقيقة- أن أساهم في تغذيتهم
فكريا، وروحياً وهم يعرفوا بأنهم من نسل فلسطيني.

محمد كريشان: هل هذا يمكن أن يُنمى في المستقبل؟ أم -ربما- سيكون لديهم مجرد حنين، ومجرد ذكريات لجدهم في النهاية ليس.. ليس الذاكرة الجماعية الوطنية أو ذاكرة الأسرة؟

د. إبراهيم أبو اللغد: صح، أنا آمل أن يكون أكثر من ذلك، ابنتي الكبرى وهي أستاذة أنثربولوجي الآن أنا أشجعها، وأنا أعتقد أنها ستستجيب أن تأتي هنا للإقامة لكي تدرس المجتمع الفلسطيني كما أدرسه أنا، وهنالك استجابة، فأنا أعتقد أنهم هم يشقوا طريقهم لكيف.. كيف يجمعوا بين انتمائهم الروحي، بين موطنهم الجديد، وكيف وماذا يفعلوا بهذا المزيج.

بس مهم جداً ألا تتوقع بأنهم سيكونوا مثلي، لأن أنا مش مثل أبوي، والأولاد أنت لا تملكهم هم يملكوا أنفسهم ولهم مستقبل آخر، كيف سيشقوه أنا أطمح بأن يأتوا إلى هنا بشكل مستمر، ويساهموا معنا، ولكن هم أحرار.

محمد كريشان: نعم.. يعني عندما يتحدث المرء عن عودة رؤوس الأموال الفلسطينية هناك دائماً حديث عن ضرورة توفير ضمانات، والاستقرار، ورأس المال إلى آخره، رأس المال البشري، رأس المال العلمي، يعني الدكتور إدوارد سعيد أو الدكتور إبراهيم أبو اللغد كفاءة علمية وأكاديمية مشهود لها، هل عودة الكفاءة ورأس المال العلمي أسهل بكثير من رأس المال الاقتصادي؟

د. إبراهيم أبو اللغد: لا أعتقد ذلك مطلقاً، أنا أعتقد أنها في نفس الصعوبة، أولاً: لأنه لك.. لك رأس مالك في.. في المكان الذي تنتمي إليه، أنا كنت أستاذاً في جامعة محترمة جداً في أميركا، كتير أفضل من أي جامعة موجودة، وعندي ارتباطاتي التاريخية، ومعروف في أميركا إلى آخره، ولم يكن سهلاً علي أن أعود، أنا أتيت أولاً لكي أبقى لمدة سنة كأستاذ زائر في جامعة بيرزيت، التي طلبت إلي أن آتي إليها من أكثر من اثني عشر سنة، ولم أتمكن لأنني كنت متخذ موقفاً من عدم المجيء، ولكنني أتيت، وعندما أخذت إجازتي من أميركا أخذتها لمدة سنة، ولكنني استقلت من جامعتي بعد شهرين من مجيئي.

أنا اتخذت قرار إنه الجامعتين بيختلفوا، المجتمعين بيختلفوا، إلى آخره، أنا قررت أن أبقى، هذا قرار صعب بالنسبة إلى معظم الناس، نحن سنستقبل زميلاً آخر سيأتي إلينا لمدة سنتين من جامعة (تينسي) الدكتور فؤاد مغربي، له أسرة، وله أولاد ونشؤوا هم في أميركا، يعني أنت لا تستطيع سلفاً أن تطلب إليهم أن يقطعوا أوصالهم، ويفاوضوا مع أنفسهم، هو قرار صعب جداً، أن يعني يغير مجرى حياته الإنسان، خاصة في سن متقدم، خليني أعمل تعليق على صعوبة العودة كلها رأس مال المادي أو..

أنا بدي أن أعطي نموذجين -حقيقة- أولاً من شان أظهر إنه من الممكن التغلب على الصعاب التي نعرفها، فيه مؤسسة فلسطينية مؤسسة تعاون، هي مؤسسة أسست في عام 1982م في.. بعد أحداث بيروت، هي مهتمة بتنمية المجتمع الفلسطيني، أسست بوقفية من مؤسسيها، بلغت الآن حوالي 30 مليون دولار، الفائدة من هذه الوقفية تصرف في تنمية المؤسسات والمشاريع الفلسطينية في فلسطين كلها، 48 الضفة، والقطاع، والتجمعات الفلسطينية في لبنان.. O K هي أول منظمة حقيقة أول مؤسسة فلسطينية بعد منظمة التحرير، لأن منظمة التحرير كذلك هي منظمة شتات، ما ننسى هذا، هي منظمة الشتات، منظمة التحرير هي لفلسطين، مؤسسة تعاون كذلك هي مؤسسة شتات.

رأس مال الفلسطيني الخارجي في الكويت، في قطر في.. من مؤسسيها في قطر صلاح أبو عيسى، أشخاص كثيرين، هم أسسوا هذه المؤسسة، انتماؤهم إلى فلسطين هو الذي شجعهم على مد اليد إلى المؤسسات الفلسطينية لدعمها، لتطويرها، لتمكنها من الاستمرار في النضال، هي مؤسسة قائمة، أعضاؤها هم أصحاب رؤوس الأموال، هم أصحاب عمل، شركات أسسوها، وشركاتهم ناجحة.

هؤلاء الأشخاص … كأفراد هم ساهموا بعد مجيء السلطة في إنماء الاقتصاد الفلسطيني البنك العربي، البنك فلسطين الدولي وهكذا مؤسسات كثيرة.. بل تيل، شركة التليفونات إلى آخره، كل هذا رأس مال فلسطيني، فيه مخاطرة، ولكنهم قبلوا المخاطرة، وأوضاعهم الآن أفضل مما كانت بالأمس، وأنا أعتقد بأن أوضاعهم ستكون أفضل غداً.

وبالتالي أنا أعتقد أن الشعب الفلسطيني يستطيع أن يقيم الموقف بشكل.. بشكل يشجعه -بالآخر- على Risk Taking (…) سواءً الرأسمال العلمي أم الرأسمال المادي، فأنا بلاقي كتير من الأشياء المشجعة، التي.. التي أراها يوميا تعود، مش بالضرورة تبقى إلى الأبد، ولكنها تعود، وتأخذ من فلسطين موقعاً هاماً لها، هذا وأنا لا أجد أي ضرر، لا أجد أي تعارض بين أنها تنتفع والشعب الفلسطيني ينتفع.

أنا أرى ذلك ممكناً، وبالتالي علينا أن نشجع كل الأطراف أن يستفيدوا من العودة، هي صعبة بالنسبة لرأس المال لأنه -أقول لك إياها بصراحة- أنت لا تستطيع أن توفر المتطلبات المادية لرأسمال العلم، يعنى ما يأخذ الأستاذ الفلاني في جامعة كذا، في أميركا لا يستطيع مطلقاً أن يحصل عليه في هذا البلد، لا يمكن.

فإذا أردت أن تعيش إما عليك أن توفر له هذا أو هو يساهم في هذا التوفير، وهذا قرار ليس بالسهل، لأنه فلسطين -كمعظم البلاد العربية- لا تستطيع أن توفر ما يلزم من الاحتياجات المادية التي تمكن هؤلاء الأشخاص من العيش
الكريم، أنا أجد الأساتذة في الجامعات الفلسطينية كل واحد بيشتغل شغلتين أو تلاتة حتى يقدر يعيش، وهذا صعب.

محمد كريشان: دكتور، في الثمانينات اجتمعتم مع الدكتور إدوارد سعيد، ومع (جورج شولنز) وزير الخارجية الأميركية آنذاك، وكان الحدث حدث كبير، كنتم عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، وكذلك دكتور إدوارد سعيد، وكان يعتبر كنوع من التوطئة لحوار فلسطيني أميركي.

الآن وقد سارت الأمور بشكل كبيرة وتجاوز وهناك تسوية على الأرض، طوال السنوات التي قضيتموها في الخارج، كان لديكم تصور معين عن الاحتلال الإسرائيلي، عن المستوطنات، عن غيرها من القضايا.

عندما عدت الآن ورأيتم كل هذه الأمور على الأرض، هل كانت كما تخيلتموها؟ أم لديكم الآن رؤية أخرى وتصور آخر أكثر عملية وأكثر قرب من هذه المسائل؟

د. إبراهيم أبو اللغد: أعتقد إنه سؤال مهم، حقيقة أنا لم أفاجأ كثيراً، لأنني كنت لأنني أكتب في هذا الموضوع، كتبت كثيراً حاضرت كثيراً في المجتمعات العالمية، مش بس في أميركا.

محمد كريشان: ولكن على الأرض ربما.

د. إبراهيم أبو اللغد: لكن لما تشوفه في الواقع أنا أعتقد أنك تتأثر أكثر في.. في.. في تقديرك لتعقيدات النضال، تقديرك يزداد واقعية، أن هذه عملية ليس لها حل سهل، المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع قوي، مجتمع منتج لا شك في ذلك هذا أنا أعرفه نظرياً كنت، لكن تراه هنا يختلف تقديرك، معنى ذلك مدى يتطلب ذلك منك المستوطنات هذه هي تحكمك، هي مسيطرة عليك، كيف يمكنك أن تتعامل معها، وبالتالي أنت في مفاوضات، أنا لا أعرف في المفاوضات ماشفتش المستوطنات هذه، لا أعرف كيف أفاوض، بفتكرها، بيتين أو تلاته أو كذا هلا بتشوفها الواقع.

محمد كريشان: مدن.. مدن لكاملها.

د. إبراهيم أبو اللغد: مدن بكاملها، وتمتد وبيسمونها ويسلحونها .. إلى آخره. أنا أعتقد تقديرك لما يتطلبه النضال يختلف اختلافاً أساسيا عما كنت تعتقده، هذا لا يعني مطلقاً أنك لا تؤمن به، لأ، لكن أنت تعرف أقد أيش مهمتك شاقة، وأقد أيش أنت لازم تغير من.. من طريقة التعامل، طريقة التعامل، التجميع التنظيم الوعي، والإدراك، أنت اليوم نحن متخلفون -حقيقة-، ونحن لا نستطيع .. وظاهر جداً من المفاوضات ونتائج المفاوضات أننا نتعامل بعدم التكافؤ بين الطرفين -بغض النظر عن قوة السلاح- حتى قوة العقل، قوة التنظيم، قدرة.. قدرتنا على إنتاج الخرائط.

كل هذا نحن متخلفون منه، وتراه هنا،وهم متقدمون جداً عندما لا نستطيع أن ندفع نفقات الجامعات بتاعتنا بنا وهم يخصصوا أربعمائة مليون دولار للجامعات، فيه فرق أساسي في الإنتاج هم ينتجوا شخصاً قادراً، مفكراً، منتجاً يستطيعوا استخدامه غداً، ونحن لا نستطيع أن نضع أبسط الأمور التي تلزمنا في حياتنا، من هنا عليك أن تفكر في كيف تعيد بناء هذا الوطن وتبنيه على أسس علمية جديدة، وهي مهمة التعليم.

محمد كريشان: دكتور في نهاية هذا اللقاء يعني إذا أردنا أن نسأل هل كان لديكم تصور لطبيعة أي حل قد يكون، ليس بالضرورة في المدى القريب ربما في المدى في المدى المتوسط، أو المدى البعيد، هل لديكم تصور للحل أو -ربما- يكون أمنية أو حتى لرؤية حتى ولو..

د. إبراهيم أبو اللغد: شوف الشيء الوحيد اللي بده أن أقوله في هذا أنه لا فيه مشكلة تبقى إلى الأبد كل مشكلة ستحل، الشيء الأساسي الذي يجب أن تعرفه أنه لا يوجد حل عسكري فلسطيني -إسرائيلي لا يوجد، إسرائيل دولة قوية جداً، ولكنها لا تستطيع أن تهزم الشعب الفلسطيني.

الشعب الفلسطيني ضعيف جداً ضعيف جداً ولكنه قوي جداً،وبالتالي فيه إرادتين متجابهتين، وفي مواجهة مستمرة، لا يستطيع الواحد أن يتغلب على الآخر، هو يستطيع أن يحكم، ويستطيع أن يقمع، ويستطيع أن يضر، ولكنه في نهاية الأمر لا يستطيع أن يخضعك ويجعلك عبداً ok ، وهنا هنا التحدي أمامنا، علينا إذن أن نشق الطريق الآخر، أن نصل إلى تفاهم، وكل مشاكل الدنيا تنتهي بالمفاوضات.

علينا أن نتسلح بكل ما يمكننا الحصول على أكبر قدر من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني كما عرفها المجتمع الدولي، المجتمع الدولي، المرجعية
الدولية، ونصر عليها، ونجهز أنفسنا بكل ما يتوفر لدينا من قوة، بغض النظر عن هذه القوة؟ القوة المعنوية، والإعلامية، والثقافية، والعون الدولي والعربي وكتير مهم الدعم العربي لنا كتير مهم، بحيث إنه نحصل على ما وضعناه لأنفسنا من مطلب، وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة في الضفة والقطاع.

هكذا قلنا في 1974م قلناها، الأمم المتحدة أقرتها، علينا أن نصر على هذا، أنا أعتقد أننا نستطيع أن نصل إلى ذلك ok؟ عندئذ بيصير عندك دولتين متساويتين فيه حسب القانون الدولي لا مانع من المساواة.

أنا أعتقد النضال المشروع بعد ذلك هو نضال سلمي، وفي نهاية المطاف إذا بنيت الثقة بين المجتمعين، واكتشفنا بأن هذا المجتمع الصغير اللي اسمه فلسطين لا يصلح لدولتين أنا أعتقد أنه من الممكن أن نؤسس دولة واحدة بحقوق متساوية لكل فرد، بغض النظر عن دينه أو جنسه، الهدف النهائي هو لا يمكن أن يستمر هذا الوضع بالتميز العنصري الذي فرضته الصهيونية، لا يمكن.

في نهاية الأمر المجتمعات تصبو إلى إيجاد دولة ديمقراطية يتساوى فيها الأفراد على أساس حقوق مقدسة لهم كأفراد، هذا لا يعني أنك تعمل دولة يهودية، أو دولة إسلامية، أو دولة عربية، أنت بتعمل دولة فلسطين، المواطنين فيها هم مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات.

وأنا أعتقد أن هذا ممكن، إذا كان ذلك ممكناً في أميركا، وأنا أعتقد إنه أميركا حققت أشياء كثيرة بالنسبة لمواطنيها الأبيض، والأسود، والأحمر، والصيني، وكله أي دولة فصلت بين الدين والسياسة، أنت لابد أن تجد الحل الذي يناسبك أنت وهم، لكننا شعبان سنعيش على هذه الأرض، هم لو سوف لا يخرجونا ونحن سوف لا نخرجهم.

محمد كريشان: شكراً جزيلاً لضيفنا الدكتور إبراهيم أبو اللغد، وقد تحدثنا
بشكل مشوق، واستمعنا إليه بشكل مشوق عن تجربة العودة التي خاضها ويخوضها، ومدى ما يمكن أن تكون كنموذج لتجارب أخرى فلسطينية، دكتور إبراهيم أبو اللغد شكراً جزيلاً.

د. إبراهيم أبو اللغد: شكراً إلك يا أخ محمد، وأنا سعيد أنكم أنكم استضفتموني في هذه المناسبة.