من واشنطن

أهم حلقات العام 2012

من واشنطن هذا الأسبوع حلقة خاصة تعرض فيها أهم القضايا التي نوقشت في العام 2012، فترصد المواقف الأميركية تجاه تفاعلات الربيع العربي، وتطورات الثورة السورية، والمشهد المصري تحت حكم الرئيس محمد مرسي.

– دور الفن في الثورة السورية
– الوجه غير المكتشف لحضارة شبه الجزيرة العربية

– القلق الأميركي من النفوذ الصيني

– الغرب والقوى الصاعدة

– عملية الانتقال الديمقراطي في أميركا اللاتينية

– موقف اليهود الأميركيين إزاء الملف الفلسطيني الإسرائيلي

– الموقف الإيراني من الأزمة السورية

– القضية الفلسطينية في زمن الثورات العربية

‪عبد الرحيم فقرا‬ عبد الرحيم فقرا
‪عبد الرحيم فقرا‬ عبد الرحيم فقرا

عبد الرحيم فقرا: مشاهدينا في كل مكان أهلا بكم جميعا في حلقة جديدة من برنامج من واشنطن كما جرت العادة في نهاية كل عام نستذكر بعض محطات العام الذي سبقه، وقد حاول البرنامج خلال عام 2012 متابعة أحداث إما ملئت عيون الناس بالدموع والأحزان أو بالبسمة والمسرات، رغم أن دموع 2012 وأحزانه ربما غلبت على بسمته ومسراته في المنطقة العربية وفي العديد من مناطق العالم الأخرى.

حتى وهو يتحدث عن المستقبل أو يغني له ولا تكاد كلمات مالك جندلي أو ألحانه تخلو من أصداء الماضي فلا غرابة في ذلك، يقول الملحن وعازف البيانو السوري فتاريخ الحضارة الإنسانية في موطنه سوريا يمتد على مدى آلاف السنين، جندلي عالم تلتقي فيه عدة عوالم فألحانه تعانق الشرق والغرب، وإذا كانت سوريا أرض حضارة موغلة في التاريخ فإن الولايات المتحدة كما اكتشف أجداد جندلي ممن توافدوا على نيويورك هرباً من بطش العثمانيين قبل أكثر من قرن بمثابة بوصلة إلى مستقبل أفضل يغذي حبهم وحنينهم لموطنهم الأصلي. بعد مئة وثلاثين سنة من وصول العديد من أسلافك مما كان يسمى بسوريا الكبرى لبنان وسوريا، أنت الآن موجود في نفس الحي الذي استقروا فيه آنذاك في ظرف تاريخي مختلف طبعاً، كيف تشعر؟

دور الفن في الثورة السورية

مالك جندلي: أشعر بمزيج من المشاعر، أول شيء أشعر كيف كان أسلافي يقدرون معنى المؤسسات، يعني عندما جاءوا أمين الريحاني وخليل جبران وكل هالمفكرين حرروا العقل العربي السوري وقاموا بإنشاء الرابطة القلمية، كانوا يعملون مثل المناظرات مع إخوانهم الأميركان في الثقافة وفي الأدب، في السياسة،  ما أشعر به  أين نحن الآن من هذا؟ أين المؤسسات أين سوريا الكبرى أو سوريا الصغرى حتى؟ هذا هو شعوري، يجب أن نحتضن هذه الأفكار العربية في الوقت الراهن في اللحظة التاريخية اليوم.

عبد الرحيم فقرا: في هذا الحي، حي سوريا الصغيرة حيث دك المستقبل بناطحات سحابه أثر أقدام من وفدوا من سوريا الكبرى قبل أكثر من قرن، عاشت أعلام شهيرة كخليل جبران الذي رفض أي دور سياسي للفن، وأمين الريحاني الذي رفض الفصل بين الفن والسياسة، وبعد عقود طويلة جاء مالك جندلي ليعرب بالموسيقى عما يصفه بتعطش السوريين للحرية حتى وإن كلفهم عطشهم ذلك الموت كما يقول، كما حصل لإبراهيم القاشوش الذي وجد مقتولاُ وبلا حنجرة بعد أن غنى شعارات ضد الرئيس السوري بشار الأسد.

معرض ساكلير بمتحف سميثسونيان بواشنطن يحتضن وجها غير معروف من أوجه تاريخ شبه الجزيرة العربية في فترة ما قبل الإسلام على مدى آلاف السنين.

محطة الولايات المتحدة لمعرض طرق الجزيرة العربية جاءت بعد محطة فرنسا وستعقبها محطات دولية أخرى وبصرف النظر عن الدوافع وراء إقامة هذا المعرض وعن الآثار التي قد يخلّفها أميركيا وإسلاميا وحتى سعوديا فإنه يكشف عن جوانب مثيرة في تاريخ وحضارات شبه الجزيرة العربية على مدى آلاف السنين كما يقول خريج جامعة اكس آن بروفانس الفرنسية ونائب الرئيس للآثار والمتاحف السعودية البروفسور علي بن إبراهيم الغبّان.

الوجه غير المكتشف لحضارة شبه الجزيرة العربية

علي بن إبراهيم الغبان: طبعا نحن نعرف الآن أن الدراسات الحديثة تقول أن الإنسان لما هاجر الهوموسابيان الذي هو الإنسان العاقل لما هاجر من حوالي 200 ألف سنة هاجر من إفريقيا إنه عبر من الجزيرة العربية إلى بقية العالم، الآن الدراسات الحديثة تؤكد أن الجزيرة العربية المكان اللي عبر منه الإنسان إلى بقية العالم ما نعتقد أنه عبر بسرعة الصاروخ يعني لابد أنه بقي وكوّن حضارة وثقافة ثم انتقل ونقل معه ثقافته إذن ما هو دور الجزيرة العربية في صناعة الحضارة الإنسانية الأولى هنا السؤال الكبير المطروح وهو اللي لازم نجيب عليه من خلال البحث  والتنقيب الأثري.

عبد الرحيم فقرا: فحوى المعرض هو أن شبه الجزيرة العربية التي تحتل موقعا بارزا في الحسابات الإستراتيجية العالمية اليوم كانت كذلك منذ آلاف السنين ويجادل القائمون على المعرض بأنه ليس دعاية للمملكة العربية السعودية التي ينظر إليها في كثير من الأحيان أسوة ببقية دول شبه الجزيرة العربية على أنها صحراء معزولة ترتبط صورتها بإنتاج النفط أكثر من ارتباطها بأي شيء آخر.

علي بن إبراهيم الغبان: وجدنا أشكال عدة من المساحيق ومساحة الحبوب.

عبد الرحيم فقرا: هذه 7000 سنة قبل الميلاد.

علي بن إبراهيم الغبان: حوالي 7000 سنة، أيضا وجدنا هنا وهذه نقطة مهمة جدا استئناس الخيل وهذا ما عمره وجد ما قبل التاريخ حتى الآن.

عبد الرحيم فقرا: قد يعرض تاريخ الجزيرة العربية القديم والحديث بطرق تختلف من دولة إلى أخرى هناك حسب التوجه السياسي لكل واحدة منها، ولكن من الواضح في العديد من جوانب المعرض أن مختلف مناطق شبه الجزيرة العربية قد تقاسمت ولا تزال موروثا تاريخيا وحضاريا لا يعرف عنها كثيرا خارج حدودها بل ربما أيضا حتى داخل تلك الحدود.

علي بن إبراهيم الغبان: وهنا تلاحظ وضع مثلا القلادة هنا تلاحظ هذا مثلا الوجه عليه قلادة وعليه حزام وهذا حزام من الجلد على القلادة وهذا حزام في الوسط وهذا خنجر لو تصورت الآن الزي اللي يلبسوه بعض سكان في الجزيرة العربية إلى الآن مثلا في اليمن في عُمان لازالوا حتى الآن يلبسون بنفس الطريقة.

سلطان بن سلمان بن عبد العزيز: الجزيرة العربية حظيت عبر التاريخ لكون موقعها الجغرافي مهم بأنها أصبحت مكان لتقاطع كثير من الحضارات التي استقر كثير منها في الجزيرة العربية ولأول مرة حقيقة يمكن العالم يرى هذا التقاطع الحضاري وهذه الأحداث الكبرى التي حدثت عبر آلاف السنين من التاريخ تتكون ضمن رحلة موحّدة في أحد أهم المتاحف العالمية، ولكن أهميته أن المملكة العربية السعودية معروفة وتعرف بلا شك بأنها بلد الحرمين ومهد الإسلام والحمد الله وهذا مكون أساسي لنا والذي نحن نعتبره هو المكون الأول والأخير بالنسبة لنا فنحن نعمل بالمملكة العربية السعودية الآن لتطوير عشرات المتاحف الجديدة والمواقع التاريخية وفي حركة نهضة شاملة جدا لاستعادة التاريخ الوطني وجعله متاحا للجمهور والزوار والشباب خاصة وأن يخرج التاريخ من كتب التاريخ حتى يصبح تاريخ معاش.

عبد الرحيم فقرا: يعني هل ما هو معروض في هذا المعرض هل يجب أن يقرأ فيه الماضي ماضي المنطقة أم يجب أن يقرأ فيه مستقبل المنطقة بشكل من الأشكال؟

سلطان بن سلمان بن عبد العزيز: هذه نقطة مهمة جدا أنا باعتقادي انك وضعت يدك على نقطة أساسية، أنا قلت مثلا في أحد المرات أو يمكن في كلمة اليوم أو قبلها أن نحن في الجزيرة العربية نشعر عندما ننظر لهذا التعاقب الحضاري والتاريخي إننا تقريبا وراثيا أصبحنا مبرمجين ومهيئين للتعامل مثلا مع تقاطع الأحداث السياسية بلادنا كما تعرف منطقة الجزيرة العربية بالكامل وعموما والخليج والمنطقة العربية لم يأت سنة أنا في حياتي رأيتها إلى وهناك أحداث وتعاقب أحداث وقضايا حرجة، ولكن قيادتنا في المملكة العربية السعودية أتكلم باسم السعودية والمواطن السعودي أصبحت وجبُلت  على أنها تتعامل مع الأحداث بنوع من الحكمة كما أننا نحن منطلقين للمستقبل المملكة اليوم عندها نشاطات ضخمة جدا على مستوى المستقبل سواء في التنمية الداخلية أو سواء في تنمية المواطن السعودي اليوم، لازم يكون في منظور تاريخي حتى تعرف وتربط بأنه هذا الحراك الذي تمارسه السعودية على مستوى العالم أنه حراك ممتد عبر التاريخ يأتي من أصول.

القلق الأميركي من النفوذ الصيني

عبد الرحيم فقرا: اطلبوا العلم لو في الصين هذا الكلام قيل عندما كانت المسافة الجغرافية بين العرب والصين يستغرق طيها أشهرا طويلة، أما اليوم فقد اقتربت الصين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبقية مناطق العالم أكثر من أي وقت مضى، اقتربت بصادراتها وورداتها وكذلك بنفوذها السياسي حتى أن الولايات المتحدة أصبحت تحسب للصين ألف حساب.

ناصر الحسيني: جيوش وصواريخ واقتصاد قوي تلك هي الصين التي تقلق أميركا رغم العلاقات الاقتصادية المتينة، توقعات أميركية تتنبأ بأن الصين ستستثمر ما لا يقل عن 400 مليار دولار في السنوات المقبلة في أسواق أميركا ومع ذلك تشكك الولايات المتحدة في نوايا الصين، خبير الشؤون الصينية بواشنطن السيد مازا يقول أن العلاقات الاقتصادية المتينة لا تحل ولا تخفي تلك الخلافات العميقة مع بكين.

 مايكل مازا: إن الصين مشكلة حقيقية بالطبع، إن علاقاتها الاقتصادية متينة جدا وذلك أمر ايجابي، لكن هناك خلافات سياسية عميقة حول القضايا الأمنية والسياسية وحقوق الإنسان وتحول هذه القضايا دون قيام علاقات متينة مبنية على الثقة.

ناصر الحسيني: صحيح يقول الخبير الأميركي أن الصين قوة أسيوية لكنها أميركا تطوقها الآن.

مايكل مازا: تمثل الصين قوة في المنطقة وهي تصبح الآن قوة بحرية وترى من حولها أنها محاطة بحلفاء وشركاء للولايات المتحدة كاليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايوان وهذه المجموعة من الجزر، لذا تجد الصين نفسها مطوقة وهي تسعى للخروج من عنق الزجاجة.

ناصر الحسيني: من مكتبه من واشنطن أيضا يقول البروفسور وانغ وأنه بعد كل السنوات التي قضاها بأميركا ما زال لا يدرك أسباب التخوفات الأميركية، بالنسبة إلى البروفسور وانغ تعود أسباب العلاقات الفاترة بين واشنطن وبكين ربما إلى عقلية الحرب الباردة التي برأيه ما زالت تسيطر على صانعي القرار الأميركيين.

تشي وانغ: لقد تغيرت الصين كثيرا فهذا هو الجيل الخامس من القيادات تعد الصين الآن قوة اقتصادية كبرى ولم تعود لعقلية الخمسينات والستينات وعلى أميركا أن تواجه هذا الواقع فالصين ستستمر لديها تاريخ لديها يبلغ 5000 آلاف عام ولا يمكن القول إن بإمكان الولايات المتحدة احتواء الصين إن هذا أمر لن يتحقق.

ناصر الحسيني: كثيرون في العاصمة الأميركية- عزت شحرور- يعتبرون العلاقة مع الصين بمثابة الزواج الصعب، الزواج الذي يعتبر فيه الزوجان أنه يجب أن يستمر في العلاقة نظرا للمصالح المشتركة بين الطرفين لكن لا سعادة حقيقية في ذلك الزواج.

عزت شحرور: حقا هو كذلك ناصر هو زواج منفعة متبادلة بلا شك لكن العلاقة بين أكبر اقتصاديين في العالم وما تحتويه من شهد لا بد دونه من غبار النحل ولا بد من غض الطرف أحيانا عن نكد الزوجة أو عن سلط الزوج.

لقد أبدت الصين ارتياحا لبقاء أوباما في البيت الأبيض لفترة رئاسية أخرى لاسيما أن الرجل استطاع أن يدخل إلى قلوب وعقول الصينيين كما لم يفعله أي رئيس أميركي وأن يمنحوه اسما صينيا هو " Oba Mao "، يد سيد البيت الأبيض ستبقى على قلبه لإنقاذ الاقتصاد بلاده المتدهور ومفتاح الحل لذلك في بيجين والطريق إليها يبدو سالكا بعد تحرر أوباما من جماعات الضغط وما كانت تثيره من قضايا ومنغصات كتايوان والتبت وحقوق الإنسان.

جيا شو دونغ: لدينا الآن أكثر من 90 آلية للحوار تشمل جميع القضايا الخلافية والتوافقية بين الجانبين وتهدف إلى تعزيز التعاون في القضايا التوافقية وتقليص فجوة الخلافات.

عزت شحرور: لا ترى الصين فروقات جوهرية بين الحزبين الأميركيين لكنها لا ترتاح كثيرا للتعامل مع الجمهوريين وكادت العلاقة معهم أن تصل إلى طريق مسدود، لكن انخراط بيجين الفعال في الحرب على ما سمي الإرهاب أعاد التوازن إلى العلاقات التي توصف بأنها الأكثر تعقيدا وتشابكا في العلاقات الدولية، لم يكن الشرق الأوسط مسرح تنافس بين الجانبين وظلت الصين ترى التخبط الأميركي في رمال المنطقة متنفسا يمنحها مزيدا من الوقت لبناء قدراتها الاقتصادية والعسكرية، لكن قرار الإدارة الأميركية الانسحاب من العراق وتعزيز وجودها في منطقة آسيا والباسيفيك أربك بيجين وأثار هواجسها وحرك المياه الراكدة في المحيط الهادئ الذي سيقرر بلا شك مستقبل العلاقات بينهما، فإما أن يكون حوضا لدلافين وادعة تتعايش بوئام وإما أن يكون ميدان صراع بين أسماك قرش البقاء فيه للأقوى.

الغرب والقوى الصاعدة

عبد الرحيم فقرا: صدر لتشارلز كابشن كتاب جديد تحت عنوان " عالم لا يتحكم فيه أحد" الغرب والبقية الصاعدة والتحول العالمي، وكان كابش أحد كبار الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية قد تقلد في عدة مناصب حكومية من بينها عضوية مجلس الأمن القومي إبان إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون.

تشارلز كابشن: أنا أعرف الغرب بالمعنى الجغرافي بداية ثم كمنظومة قيم تبلورت على امتداد مدة زمنية طويلة بدأت مع بداية القرن السادس عشر وواصلت إلى ذروتها مع بداية القرن التاسع عشر وهي تمثل منطقة أميركا الشمالية وأوروبا الغربية وتتمحور حول ثلاث سمات جوهرية وهي: الديمقراطية الليبرالية ورأس المال الصناعي والقومية العلمانية، وأعتقد هذه هي الصفات المميزة للغرب ونحن نعيش منذ منتصف القرن التاسع عشر أي منذ نهاية حقبة نابليون في عالم كان الغرب فيه مسيطراً أي أنه تقدم على الإمبراطوريات العثمانية والمغولية وغيرهم من المتنافسين على السلطة وبعد ذلك تعولمت أي أنها أي أن الحضارة الغربية انتشرت لتصل إلى كافة أرجاء المعمورة وما أطرحه في كتابي هذا هو أن تلك الفترة التي امتدت لـ 200 سنة تشرف على الانتهاء ونحن نتحول إلى عالم جديد نشهد فيه نهاية النفوذ المادي والأيديولوجي للغرب.

عبد الرحيم فقرا: سنعود إلى هذه النقطة بعد قليل لكن عودة إلى ما قلته عن نابليون مثلاً في مسألة تعريف ماهية الغرب معروف أن هذه المنطقة أو هذا الحيز الذي تصفه بالغرب قد تحارب وتقاتل وتقاتلت عناصره فيما بينها في السابق سواء في أوروبا أو حرب الاستقلال هنا في الولايات المتحدة ضد بريطانيا، تخاصمت الولايات المتحدة وفرنسا في الملف العراقي قبل غزو العراق في 2003 في ظل هذه التناقضات هل فعلاً هناك شيء يسمى غرب؟

تشارلز كابشن: أنت تطرح نقطة في غاية الأهمية حيث أن الغرب ينظر إليه اليوم كمنطقة تنعم بالسلام في ظل الديمقراطية الليبرالية ولكن علينا أن لا ننسى أن الغرب أصبح غرباً من خلال فترة طويلة من عدم الاستقرار وسفك الدماء إلى حد ما يمكن اعتبار أن قوة أوروبا تكمن في نقاط ضعفها لقد كانت الإمبراطورية الرومانية المسيحية متشرذمة وكان النبلاء في صراع مع الملوك، والملوك في صراع مع الباباوات وقد اقتحمت طبقة التجار الصاعدة آنذاك تلك الثغرات ودفعت حركة التبادل التجاري إلى الأمام ومعها الليبرالية السياسية ولكن ذلك أدى إلى قدر كبير من سفك الدماء بدأ بدءا بركة الإصلاح الديني عندما تناحر الكاثوليك والبروتستانت على امتداد عقود وصولاً إلى النزاعات الجيوسياسية التي برزت في الحقبة الصناعية عندما تناحر الفرنسيون والإنجليز ثم الإنجليز ضد الأميركيين وصعود الألمان واقتحامهم مجال التصنيع ثم في النهاية سنة 1945 برز الغرب كفضاء متسق ينعم بالسلام ولكن العملية استغرقت بضع مئات من السنوات وعلينا أن نتذكر أنه في حالة بريطانيا والتي قد تعتبر قاطرة التحول الديمقراطي، بريطانيا تحولت إلى ملكية دستورية سنة 1668 عندما تصدى البرلمان إلى الملك وانتصر عليه لكن الأمر استغرق 200 عام لتصبح بريطانيا ديمقراطية ليبرالية يعني أن هذه المسارات تستغرق وقتاً طويلاً.

عملية الانتقال الديمقراطي في أميركا اللاتينية

عبد الرحيم فقرا: كيف تمت عملية الانتقال الديمقراطي في أميركا اللاتينية في أعقاب نهاية حكم العسكر هناك، الأرجنتين مثلا شهدت محاكمات لكبار القادة العسكريين الذين حكموا البلاد بالحديد والنار على مدى عقد من الزمن تقريبا ابتداء من عام 1976.

هذا الجزء من البرنامج نستعرض مزيدا من أوجه ما حصل في الأرجنتين خلال العقود الأربعة الأخيرة. هذا ميدان 25 مايو 1810 تاريخ بدء الثورة الأرجنتينية التي أفضت إلى استقلال الأرجنتين عن اسبانيا عام 1816 هذه مظاهرة من المظاهرات التي تشهدها العاصمة كل يوم خميس منذ عقود وهي لجدات وأمهات وأسر من اختفوا خلال حكم العسكر ويقدر عددهم بحوالي ثلاثين ألف شخص.

إذا كانت مختلف الحركات والتيارات السياسية بما فيها الإسلام السياسي قد لعبت ولا تزال تلعب دورا هاما فيما يوصف بالربيع العربي، فأي دور لعبته التيارات المسيحية والكنيسة الكاثوليكية في التحول الديمقراطي في الأرجنتين؟ روبن دري فيلسوف يساري كان قساً في الكنيسة الكاثوليكية قبل أن ينسلخ عنها في نهاية المطاف.

روبن دري: كانت الكنيسة الكاثوليكية عمليا شريكة في الدكتاتورية العسكرية، ما أريد قوله هو أنه دون الدكتاتورية العسكرية لم يكن ليحدث كل ذلك لم تكن أعمال القتل الجماعي ممكنة وقد وقعت دون موافقة الكنيسة الكاثوليكية، لقد قامت الكنيسة بمنح الشرعية عمليا وفي العلن بل وأكثر من ذلك لقد قدمت أفكارها ونظرياتها اللاهوتية لإطغاء الشرعية على نظرية الأمن القومي والتي بناء عليها كانت الدكتاتورية العسكرية تعطي شرعية لممارساتها.

عبد الرحيم فقرا: إنما يقال كذلك إن الكنيسة الكاثوليكية أو على الأقل بعض أعضاء الكنيسة الكاثوليكية قد لعبوا دورا في فترات مختلفة من تاريخ الأرجنتين إسهاما في التحرير.

روبن دري: نعم، علينا أن نميز في الكنيسة بين مستويين رئيسيين: من يملكون السلطة وهم هيئة ومجموع الأساقفة الذين لهم الهيمنة؛ بمعنى أننا نتحدث عن كنيستين كنيسة مؤسساتية رسمية وهي الكنيسة المؤسساتية التي كانت مع الدكتاتورية العسكرية والكنيسة الأخرى التي ليست من المؤسسة الرسمية ولكنها جزء من الكنيسة ككل وكانت عمليا ضد الدكتاتورية العسكرية، كانت مع القطاعات الشعبية وقد تمت ملاحقتها.

عبد الرحيم فقرا: تاتي آلميدا تعرف هذه الساحة جيدا لأنها تتظاهر فيها مع مئات من الأمهات ممن  اختفى أبناؤهم وبناتهم خلال دكتاتورية العسكر الأخيرة وبرغم طول المدة تقول آلميدا التي اختفى ثلاثة من أبنائها أنها واثقة من أن حكم العسكر لن يعود إلى الأرجنتين.

تاتي آلميدا: قبل خمسة وثلاثين عاما قمنا بتشكيل تجمع الأمهات، خمسة وثلاثين عاما من الكفاح لإحياء الذكرى والحقيقة والعدالة ونحن مدينون في ذلك كله إلى الكفاح اللامحدود الذي قامت به المنظمات ومن بقي على قيد الحياة والسجناء السياسيون السابقون وإلى تلك الأعداد الغفيرة من الذين يشكل ما حدث جزءا من ذاكرتهم، وقد توصلنا إلى العدالة بعد خمس وثلاثين سنة لقد توصلنا إلى العدالة القانونية الشرعية ولم نأخذ أبدا حقنا بأيدينا كنا على مدى سنوات نطالب بإجراء تلك المحاكمات، محاكمة أولئك الذين اقترفوا القتل الجماعي والعسكريين ومدنيين آخرين ورجال دين أيضا لأن علينا أن لا ننسى أن السلطات الكنائسية كانت شريكة مع الذين اقترفوا القتل الجماعي بعد كل تلك السنوات وصلنا إلى العدالة المشروعة.

عبد الرحيم فقرا: نحن الآن في مدرسة سابقة للبحرية الحربية في الأرجنتين في قلب العاصمة بوينس آيرس أهمية هذا الموقع بالنسبة للتحول الديمقراطي في الأرجنتين هو انه كان واحد من حوالي 500 معتقل كانت هذه المعتقلات منتشرة في أرجاء الأرجنتين، حوالي ثلاثين ألف شخص حسب تقارير حقوق الإنسان اختفوا خلال الحكم العسكري ما بين 1976 و1983 هذا الموقع كان كما تشاهدون يمتد على مسافة سبعة عشر هكتار معي الآن المنسقة منسقة العلاقات العامة في هذا الموقع ليلي فيكتوريا، ليلي مرحبا بك أولا في الجزيرة، ما أهمية هذا الموقع بالنسبة لك بالنسبة للتحول الديمقراطي الذي حصل في الأرجنتين؟

ليلي فيكتوريا: إن هذا الموقع هو موقع رمزي إلى حد بعيد حول ما جرى حيث علاقة بما جرى في المرحلة الأخيرة من تاريخ هذا البلد، حيث كان قام الذي تمارسه الدولة على المكافحين ونشطاء الشعبيين والذي كانت نتيجته موت واختفاء عشرات آلاف منهم، كان هذا المكان احد المحال الرئيسية الظاهرة والمعروفة جيدا نظرا لموقعها الجغرافي والذي عرفه الناس بأن فيه قد جرت أحداث تعيد الرعب إلى الأذهان وتزرعه أيضا.

موقف اليهود الأميركيين إزاء الملف الفلسطيني الإسرائيلي

عبد الرحيم فقرا: من الواضح  أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه تحديات كبيرة بعضها جديد بدأ مع فرار الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وبعضها قديم كالصراع العربي الإسرائيلي، في كتابه تحت عنوان " أزمة الصهيونية" يجادل بيتر باينارت الأزمة القادمة التي ستواجهها إسرائيل ستأتي ليس من الفلسطينيين أو حتى من إيران التي تتهم بمحاولة تطوير سلاح نووي بل من الشباب اليهود الأميركيين.

بيتر باينارت: لقد وضعت هذا الكتاب لأني صهيوني وأحب دولة إسرائيل وفي نظري إن ما يجعل إسرائيل عزيزة علينا هو أنها أنشأت لتكون ديمقراطية. وأن إعلان استقلالها يعد بمساواة تامة في الحقوق السياسية والاجتماعية لجميع سكانها بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس، وأعتقد أن احتلال الضفة الغربية يهدد هذه الرؤية حيث يحمل اليهود جنسية الدولة أما الفلسطينيون فلا، وإني أخشى أن نصل في السنوات القادمة إلى وضع يكون فيه الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية مستحكما لدرجة تستحيل معها إقامة الدولة الفلسطينية التي يستحقها ويحتاجها الفلسطينيون.

عبد الرحيم فقرا: هناك واقعة معينة تقول إنها أثرت ليس فقط في وجدانك بل كذلك في ذهنك، في عقلك، وهي واقعة الطفل الفلسطيني الذي كان يحتج على الجيش الإسرائيلي بينما كان يأخذ، يعتقل أباه، هل يمكن أن تقرأ لنا الجزء من كتابك الذي يتعلق بهذه الواقعة؟

بيتر باينارت: بالتأكيد، لقد وضعت هذا الكتاب من أجل جدتي التي جعلت مني صهيونيا ومن أجل خالد جباري الذي كان يمكن أن يكون ابنا لي، أذكر يوما كنت عائدا مع جدتي من الكنيس في كيت تاون بجنوب إفريقيا، كنت طفلا وأتحدث باعتزاز عن الولايات المتحدة البلد الذي هاجرت إليه ابنتها التي هي والدتي، واغتاظت جدتي وقالت لا تتعلق ببلد ما، إن اليهود كالفئران إننا نترك السفينة الغارقة، وإني أرجو الله أن نلتحق يوما بأبناء إسحق في إسرائيل. كان إسحق هذا شقيقها وقد افترقا قبل أربعة عقود حين تفرقت الجالية اليهودية القديمة في الإسكندرية بمصر، كانت عائلة أمي من اليهود الشرقيين. وقد اتخذوا اسم العائلة "البلداش"، وهي بلدة إسبانية تم طرد اليهود منها قبل 500 عام، ومن إسبانيا عبر أجدادها البحر المتوسط وعندما انهارت الجالية اليهودية في الإسكندرية انتقل أفراد العائلة إلى الكونغو البلجيكي، حيث كان يتجمع هناك يهود جزيرة رودس، ذهبوا جميعا إلى رودس ما عدا إسحق، وبعد سنوات قليلة وجد اليهود في رودس أنفسهم تحت حكم نازيّ، وقام النازيون باعتقالهم وسرقة ممتلكاتهم. وقبل حوالي ثمانية عشر شهرا أرسل لي صديق إسرائيلي شريط فيديو، هو قصة فلسطيني اسمه فاضل جباري تم اعتقاله بتهمة سرقة المياه وكانت عائلته قد طلبت مرارا من السلطات الإسرائيلية السماح لهم بأخذ ما يحتاجونه من الماء من أنابيب مياه تزود مستوطنة يهودية قريبة، ولذا فإن الفرد الفلسطيني في الضفة الغربية يستهلك خمس كمية المياه التي يستهلكها المستوطن اليهودي، وهكذا ترى برك السباحة وريّ المزروعات في المستوطنات اليهودية، أما الفلسطينيون فهم دون مستوى استهلاك المياه اليومي الذي توصي به منظمة الصحة العالمية، وفي شريط الفيديو تقوم الشرطة الإسرائيلية بربط فاضل إلى عربة مقفلة لنقل السجناء ثم تتجه الكاميرا إلى طفل صغير في الخامسة خالد وهو يصرخ بابا بابا، وهنا أرى أني كالكثير من اليهود الأميركيين تغيرت أفكارهم، لقد تركتني صرخات الطفل خالد واقفا في رعب صامت أنظر إلى شاشة الكمبيوتر وربما كان ذلك لأن خالد في عمر ابني الذي يدرس في مدرسة يهودية، ويضع علم إسرائيل في غرفته، ويسرد قصصا من التوراة حول ارتباطنا القديم بالأرض، وفي سنوات عمره الأولى كنا نعتقد بأنه سيدعونني أب وهي كلمة الأب بالعبرية، ولكنه لم يستطع نطق أب فكان يدعوني بابا كما كان خالد يصرخ مناديا أباه.

عبد الرحيم فقرا: استراحة قصيرة ثم نعود.

[فاصل إعلاني]

الموقف الإيراني من الأزمة السورية

عبد الرحيم فقرا: أهلا بكم في الجزء الثاني من هذه الحلقة من برنامج من واشنطن التي نخصصها بالعودة إلى بعض الملفات التي تناولها البرنامج خلال عام 2012 خلال زيارته لنيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر، أيلول الماضي تحدث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الجزيرة عن منظوره لعدة قضايا من بينها طبعا سوريا.

محمود أحمدي نجاد: كما أشرتم بأن سوريا قضيتها هي قضية معقدة وهي أيضا مسألة مهمة ونحن أبلغنا عن وجهة نظرنا مرارا، وأنا اعتقد أن كافة الشعوب محترمة وجميع الشعوب لا بد أن يكون لهم حق الانتخاب الحر، لا بد أن يحظى جميع الشعوب بالعدالة بالسلام، ليس فقط الشعوب العربية بحاجة إلى هذا النوع من الإصلاحات، بل أن كافة شعوب العالم بأمس الحاجة إلى الإصلاحات حتى تلك الدول والشعوب التي ترى أنها هي في قمة مستوى الحضارة وما شابه ذلك، ولكن أن موضوعي يتعلق على الطريقة  على نمط الطريقة، أي شخص يُقتل في سوريا أنا أتألم كثيرا، الشعب السوري يعرف جيدا بأنني شخصيا أحبهم حقيقة كما أحب سائر الشعوب، إذن أن في سوريا الشيء الذي الآن مطروح هناك كيفية الوصول إلى حل إلى وفاق في سوريا، ربما هناك طريقتان ولكن لا بد أن يكون هناك طريقة جديدة لحل وفض الخلاف، البعض ربما يعتقد أن هذه الطريقة لا بد أن تصل إلى نهايتها عبر الحرب عبر الإطاحة مثلا بالرئيس السوري، مثلا هناك من يجهز الحكومة وهناك من يجهز بالعتاد والمال للمعارضة، وهناك من يشجع حقيقة المعارضة على المضي قدما في النمط الحربي، ولكن هناك الآن من يتبع طريقة يشجع الجانبان على المضي قدما في الحرب، ولكن هناك طريقة ثانية لا بد أن ننتبه إليه هو التفاهم الوطني، ونحن نجري تفاهما وطنيا من أجل خوض الانتخابات في المستقبل، أنا اعتقد أن الطريقة الثانية هي الأجدر وهي الأمثل وهذه الطريقة هي المثلى لسوريا، أنا لا أريد أن أقرر ماذا يجب أن يسير عليه الشعب السوري، الشعب السوري هو الذي يجب أن يختار مصيره ومستقبله بنفسه، وكلما أتى به الشعب نحن نقبله في أي انتخاب حر في المستقبل.

عبد الرحيم فقرا: فخامة الرئيس تقولون أنه لا يمكن للوضع الحالي في سوريا أن يستمر على ما هو عليه، تتحدثون عن انتخابات، بالنسبة للعديد من الشرائح ليس فقط المجتمع السوري شرائح المجتمعات العربية التي تنظر إلى ما يدور في سوريا تقول: هل يعقل أن رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران لا يزال يتحدث عن الانتخابات في سوريا بعد كل الدم الذي سفك وبعد الدمار الذي لحق بالبلاد، بعد التشرد لمئات الآلاف من اللاجئين النازحين، كيف يعقل أن الرئيس أحمدي نجاد يتحدث عن الانتخابات في المستقبل في سوريا؟

محمود أحمدي نجاد: إذن إذا نحن نريد أن نتكلم، عن ماذا يجب أن نتكلم؟ هل أنا يعني التحق بطلاب الحرب؟ أنا لا اعتقد أن لسان الحرب يكون لغة جيدة، أنا منذ البداية عارضت الحرب ولكن الذين يريدون أن تسوى الأمور  بالحوار هم في الأقلية وربما الغالبية هي التي تريد أن تنطلق في إطار الحرب، وربما أحمدي نجاد يكون في الأقلية هنا الذي يطالب بالحوار الوطني، أنا عموما أعتقد حتى منذ البداية بأن الحرب لن تأتي بشيء لأن حقيقة كلا الجانبين هم إخوان لبعضهم البعض، ولماذا يجب أن يقتل من هذا الجانب شخص ومن ذاك الجانب شخص آخر، ماذا في القوة وفي السلطة هؤلاء هكذا يتناحرون.

عبد الرحيم فقرا: إذا تنحى الرئيس بشار الأسد كما تطالبه العديد من الجهات الإقليمية والدولية بالتنحي، إذا تنحى هل يكون ذلك مسار مقبول لديكم أنتم الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

محمود أحمدي نجاد: هل أن السيد بشار الأسد عندما يريد أن يخوض عملا ما يعني يأخذ كلامنا هو يعني مستقل يقرر له حكومة له نظام، هل أنا يجب أن أقول للسيد بشار الأسد ماذا يجب أن تفعل وماذا يجب أن لا تفعل! أنا بصفتي كمسؤول وكإنسان وكمسلم أعتقد أن الطريقة المثلى تأتي عبر الحوار والتفاهم، هناك من يصر على تنحي بشار الأسد وهناك أيضا جهة أخرى تقول المعارضة يجب أن تندثر، وهذا يعني يجعل من الأمور يعني أن تأخذ وقتا طويلا يعني وشهورا طويلة، وخلال هذه الشهور كم سيقتل أيضا وكم ستدمر المناطق السورية، هل يعني الحرب سيضع أوزارها؟ وهل إراقة الدماء ستنتهي؟ أنا اعتقد حقيقة أن هذه الطريقة هي طريقة خاطئة.

عبد الرحيم فقرا: كيف تنظر إدارة الرئيس أوباما إلى الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نائب وزير الخارجية الأميركية وليام بيرنز تحدث إلى الجزيرة في شهر سبتمبر أيلول الماضي عن جملة من القضايا من بينها ليبيا في أعقاب مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز في بنغازي.

وليام بيرنز: كانت تلك فترة صعبة، وقد عدت من ليبيا التي ذهبت إليها بعد الجريمة المأساوية بحق أربعة من زملائي، وحقيقة الأمر أن هذه فترة صعبة لنا جميعا، لقد فقدت الولايات المتحدة سفيرا ممتازا وثلاثة من الزملاء وفقدت ليبيا أيضا صديقا كبيرا وقد شعرت بهذا الفقد المشترك خلال زيارتي الأخيرة هذه لليبيا، وقد شهدت شعور الفقد هذا من خلال مشاعر التعاطف الجياشة التي أظهرها الليبيون بجميع مشاربهم، وفيما قاله الزعماء والقادة الليبيون الجدد في حفل تأبين أقيم في طرابلس مساء الخميس الماضي، شهدته أيضا في عيون الأطباء والممرضات الذين حاولوا إنقاذ حياة كريس ستيفنز في تلك الليلة المشؤومة، وكنت ترى كل ذلك أيضا في تصرفات المواطنين الليبيين العاديين الذين كانوا يرفعون اللافتات التي كتب عليها رجاءهم إلى العالم بأن لا يضيعهم مع المتطرفين الذين اقترفوا تلك الجرائم، وقد رأيت ذلك في شوارع بنغازي التي اكتظت بالآلاف من السكان كي يعلنوا بوضوح إنهم لن يسمحوا للمتطرفين بخطف وعود وآمال ثورتهم، ومن هذا الفقد يأتي أيضا أمل مشترك ومسؤولية مشتركة، أعتقد أن الناس في ليبيا والمنطقة أيضا يعلمون أكثر من الأميركيين ما يعنيه ذلك كله، وهو أن الثورات التي حدثت في ليبيا وتونس ومصر واليمن هي ثورات البحث عن الكرامة، واليوم هناك الواجب الأهم وهو حماية هذه الكرامة ببناء المؤسسات، بناء المؤسسات الديمقراطية لحماية الحقوق، المؤسسات الأمنية لضمان سلامة المواطنين وإنعاش الاقتصاد كي يتمكن الجميع وليس القلة المتميزة فقط كي يتمكنوا من الاستفادة من الفرص الاقتصادية وكي يكون لهم ولأبنائهم مستقبل أفضل، واعتقد أن احد المواضيع الرئيسة في كلمة الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هو أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن مسؤولياتها، نحن لنا مصلحة كبرى في نجاح المراحل الانتقالية في العالم العربي اليوم ولدينا ما يمكن تقديمه الآن في المساعدة في إحياء الاقتصاد، إن هذه أوقات صعبة.

عبد الرحيم فقرا: إذا كان الرئيس الليبي يقول أنه لا علاقة لمقتل السفير كريس ستيفنز بالمظاهرات في بنغازي وأنت تقول أنكم لا زلتم تحققون في ذلك، ماذا يعني ذلك بالنسبة لمستقبل هذه الشراكة التي تتحدثون عنها بين الولايات المتحدة وليبيا؟

وليام بيرنز: لا اعتقد أن ذلك يشير إلى إننا بحاجة إلى تحقيق شامل نعمل من خلاله كشركاء للتوصل إلى معرفة كل ما حدث وعندها نصل إلى معرفة المسؤولين عما جرى وكيف جرى تسلسل الأحداث، ومن الواضح أن الهجوم الذي أودى بحياة كريس ستيفنر والزملاء الآخرين الثلاثة كان قد تم الإعداد له وكان في قدر كبير من قوة النيران ولكن ما لا نعلمه الآن هو كيف تم التخطيط لذلك كله وكيف تم تنفيذه في تلك الليلة المشؤومة؟ ولكنني واثق من إننا سنتوصل إلى معرفة التفاصيل.

القضية الفلسطينية في زمن الثورات العربية

عبد الرحيم فقرا: في وقت تغطت فيه أخبار ما يوصف بالربيع العربي وخف فيه الاهتمام بالملف الفلسطيني قبل حوالي عام، قام الفنان مارسيل خليفة بجولة أميركية إحياء لذكرى صديقه الراحل الشاعر محمود درويش.

لماذا اضطررنا للهجرة في المقام الأول؟ هل ستواجه الأجيال القادمة نفس الظروف التي دفعتنا إلى الهجرة؟ هل سيخلق الربيع العربي في نهاية المطاف نهضة شاملة تحقق العيش الكريم والمواطنة لتلك الأجيال في مواطنها الأصلية؟ كيف سيؤثر الربيع العربي على علاقات المنطقة العربية مع الولايات المتحدة وعلى علاقاتنا مع بقية المجتمع الأميركي؟ هذه بعض الأسئلة التي تروج في أوساط العرب والمسلمين الأميركيين الذين وجد بعضهم ضالته ولو إلى حين في فن مارسيل خليفة.

مغتربة عربية: مارسيل خليفة طبعاً فنان عربي إحنا كلنا متحمسين له وبنحب دائماً نسمعه، بس كمان بترجع لنا القضايا العربية والفلسطينية، أنا كفلسطينية مثلاً كثير مهمة إلي وكنا حالمين فيها من ثلاثين أربعين سنة ويمكن فقدنا الحماس إلها وإنه نرجع نسمع: منتصب القامة، وريتا والبندقية يعني هذا برجع الحماس إلنا.

عبد الرحيم فقرا: إذن أهمية الجولة التي قام بها الفنان مارسيل خليفة في العديد من المدن الأميركية كواشنطن ونيويورك حيث قابلناه، تتمثل في مضمونها وكذلك أيضاً في توقيتها، فبطبيعة الحال يتابع العرب الأميركيون بمزيج من الأمل والقلق ما يدور في البلدان التي ينحدرون منها منذ أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده قبل أكثر من عام.

مغترب عربي: مارسيل خليفة أعطى رسالة نبيلة وأنا كنت أتكلم مع أصدقائي، يستحق جائزة نوبل للسلام، مارسيل خليفة بيغني لكل الشعوب، بيغني لكل الجنسيات، بيغني لكل الديانات.

عبد الرحيم فقرا: ذاكرة العرب والمسلمين بمن فيهم من يعيش في أميركا تتموج هذه الأيام بذكرى سقوط الأندلس الذي أصبح لاحقاً رمزاً لكل النكبات الأخرى التي يشعر العرب والمسلمون أنها حلت بعالمهم:

يا أُختَ أَندَلُسٍ عَلَيكِ سَلامُ    

هَوَتِ الخِلافَةُ عَنكِ وَالإِسلامُ

هكذا رثى المصري أحمد شوقي سقوط أدرنة العثمانية في أيدي المجر في مطلع القرن العشرين، ثم جاءت نكبة فلسطين التي رمت بمئات الآلاف من الفلسطينيين في مختلف المهاجر والمنافي بما فيها الولايات المتحدة حيث يحتل العديد منهم مقامات مرموقة الآن دون أن يمحي ذلك ذاكرة ما يصفونه بالفردوس المفقود من ذاكرتهم.

على مر عقود غنى مارسيل خليفة قصائد من صميم الوجدان العربي كما عكسه صديقه الراحل محمود درويش وقد جاءت الأقدار ويا للمفارقة أن يلفظ درويش أنفاسه الأخيرة عام 2008 في أميركا، عالم ينسب اكتشافه إلى كريستوفر كولومبس في نفس العام الذي سقطت فيه الأندلس. خليفة الذي يحتفي بالأندلس ليس دفاعاً عن فكرة استرجاعها جغرافياً بل كمصدر إلهام جمالي يؤسس لما يسميه نهضة عربية جديدة أهدى جولته الأميركية لمحمود درويش فغنى له قصائد ضمن اسطوانة جديدة تحت عنوان "سقوط القمر".

مارسيل خليفة: هو أكثر شيء الله ما وفقنا بالسياسة يعني الوضع صعب كثير، إذا عم تحكيني عن أميركا الولايات المتحدة الأميركية، الولايات المتحدة الأميركية عندها اليوم اللي عم أشوفه أنا في هذه المنطقة العربية ما عم أشوف إنه هي علاقتها مع هذا الحراك الشعبي علاقة سليمة عم تأخذ أحياناً فيه تكويع معين، بمحل معين تأخذ الاتجاهات اللي هي أحياناً تحط عصي في الدولاب يعني عشان ما يبرم الدولاب، وعشان تأخذه لمحل لازم تأخذه في، وهكذا حصل في البداية كان هناك تردد كبير عندما حصلت الثورة التونسية كان فيه تردد كبير بالبداية إنه شو عم بصير ما كانوا عارفين، بعدين لحقوا حالهم لحقوا حالهم بطريقة بس أنا ما بيهمني هذا الموضوع ما بدي إياه وما بعول عليك كثير على إنه يوديني لمحل لازم إحنا نعرف تماماً إنه نحنا شو بدنا شو بده منا الآخر أو لوين بده يأخذنا؟

عبد الرحيم فقرا: انتهت الحلقة، حلقة عدنا فيها إلى بعض الملفات التي تناولها برنامج من واشنطن خلال عام 2012 يمكننكم التواصل معنا كالمعتاد عبر بريدنا الالكتروني، كما يمكننكم التواصل معنا عبر كل من فيسبوك وتوتير، أذكر أن حلقات البرنامج الماضية ممكن مشاهدتها على موقع الجزيرة، إلى اللقاء.