سوريا.. المهمة الأخيرة

الفيلم الوثائقي “المهمة الأخيرة” يتتبع الأيام الثلاثة عشر للمصور الصحفي في سوريا والذي عمل مصورا مستقلا مع العديد من التلفزيونات العالمية ووكالات الأنباء، ثم انتهت حياته باغتياله.

لم تكن الكاميرا سلاح المصور الصحفي ياسر فيصل الجميلي كما درج القول الشائع. كانت هذه الأداة مجردة كالحقيقة المجردة التي سعى إليها الجميلي في خطوط القتال الأمامية في سوريا.

الفيلم الوثائقي "المهمة الأخيرة" الذي بثته الجزيرة مساء 18/1/2014 تتبع الأيام الثلاثة عشر التي قضاها الجميلي -ابن مدينة الفلوجة العراقية- في سوريا، لتصوير المقاتلين من الجيش السوري الحر ولواء التوحيد وجبهة النصرة وأحرار الشام، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.

جمعت مشاهد الفيلم زملاء الجميلي من مراسلي الجزيرة الذين تذكروا بأسى زميلهم الراحل، وأخلاقه ومهنيته التي عرفتها وسائل إعلام عالمية عديدة اشتغل معها الجميلي وأشادت به.

لكن الفيلم قام أساسا على الرواية التي طرحها زميل الجميلي المنتج الميداني جمعة القاسم الذي رافقه في الرحلة من باب الهوى على الحدود التركية السورية حتى أبعد المناطق التي تسيطر عليها التشكيلات المسلحة في الأراضي السورية.

سارت كاميرا الجميلي من منطقة إلى أخرى مع أخذ الإذن كل مرة من الجهة التي تسيطر عليها، وكانت البداية مع تنظيم "أحرار الشام" الذي يقول القاسم إنها ممتدة على 90% من المحافظات السورية لكونها إسلامية معتدلة.

لقاء ميداني
في اليوم الثاني تصل السيارة التي تقل فريق العمل إلى إدلب، إلى مناطق تسيطر عليها جبهة النصرة، واستطاع الجميلي تصوير مشاهد للقاء ميداني يوزع فيه القائد تعليماته على الأفراد.

كما التقط الجميلي العديد من المشاهد اليومية الإنسانية مع القائد الميداني أبو سعد الذي كان حذرا، لكنه في الخاتمة هو من حضر القهوة ودعا الجميلي ورفاقه إليها.

وحين بدأت عملية استنفار بسبب مرور طائرات النظام السوري في الأجواء، حاول الجميلي التقاط صورة للطائرة المقاتلة، لكنها غيرت مسارها فأبدى امتعاضه، ليبتسم القائد الميداني مستغربا، فيقول الجميلي معتذرا إن المصورين "مثل الغراب يأتون إلى الخراب".

ووصلت الرحلة إلى معرة النعمان ثم جبل الزاوية. وفي الزاوية ستدخل الكاميرا إلى كهف للجيش السوي الحر وفيه ثلاثة أشخاص، اثنان يتحدثان والثالث أخرس، وهذا الأخير سيتعاطف معه الجميلي وسيظهره في لقطة محتضنا سلاحه على تلة وينظر في الأفق.

تظهر صور قليلة للجميلي، ويبدو في واحدة منها مغطيا وجهه ويقول لزميله القاسم إن المصورين الصحفيين جنود مجهولون.

تصل الرحلة إلى طريق حلب في منطقة ينتشر فيها لواء التوحيد، وقضى الجميلي ورفاقه سهرة مع الثوار غنوا فيها الأناشيد الثورية والمدائح النبوية.

مشهد مؤثر
وفي إحدى اللقطات المؤثرة عند صلاة الظهر يصلي الثوار وأسلحتهم أمامهم، أما الشيء الوحيد الذي بينها والذي لا يشبه الأسلحة المصفوفة على الأرض فكان كاميرا ياسر الجميلي.

وصلت الرحلة إلى مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية على حدود حلب الشمالية، ويقول عمر القاسم إن الفريق انتابته مخاوف من أي خطأ قد يودي بحياتهم. وحين سألوا أفرادا من التنظيم عن عمليات الذبح بالسكاكين، قال إن الرد كان "هذه سياستنا".

وعلى طريق تفتناز حيث كان ثمة موعد مع قاض شرعي من جبهة النصرة، وكانت الطريق وعرة، وإذ بإطلاق نار يستهدف الجميلي من مسدس تلاه رشاش كلاشنيكوف، بينما سمع شخص يسأل آخر بالإنجليزية "لماذا قتلته داخل السيارة؟".

يضيف القاسم أنهم أخرجوا من جيب الجميلي هاتف الثريا وبعض النقود وأمروا الباقين أن ينزلوا من السيارة.

استجابت السيارة لأمر الرصاص مؤقتا واختار القتلة الجميلي حصرا من بين ركابها لينهوا رحلته في سوريا، لكن الصور التي دفع الجميلي ثمنها غاليا جرى تهريبها لاحقا.

كأن الصور المبثوثة من جديد تقول إن الكلمة الأخيرة ليست للرصاص.