قضايا الساعة - رسالة بن لادن الأخيرة - عبد الباري عطوان: رئيس تحرير صحيفة القدس العربي
قضايا الساعة

رسالة بن لادن الأخيرة

أسامة بن لادن يحذر من الاستعداد الحالي للهجوم على العراق، نص رسالة بن لادن الأخيرة، رؤية بن لادن لاتفاقية بلير بوش، تشخيص بن لادن لشرعية الحكام في المنطقة العربية، بداية النهاية لأميركا من خلال المستنقع الأفغاني.

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيوف الحلقة:

عبد الباري عطوان/ رئيس تحرير صحيفة القدس العربي
عزام التميمي/ مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي في لندن
د.عايد المناع/ مستشار جمعية الصحفيين الكويتية
عبد العزيز القاسم/ كاتب وداعية إسلامي–الرياض

تاريخ الحلقة:

16/02/2003

– نص رسالة بن لادن الأخيرة
– رؤية بن لادن لاتفاقية بلير بوش

– تشخيص بن لادن لشرعية الحكام في المنطقة العربية

– بداية النهاية لأميركا من خلال المستنقع الأفغاني


undefinedمحمد كريشان: أسامة بن لادن في تسجيل جديد يحذر من الاستعداد الحالي للهجوم على العراق ويقول إن ما سماها الحملة الصليبية الجديدة تستهدف تهيئة الأجواء في المنطقة لقيام إسرائيل الكبرى.

السلام عليكم.. لم تكد تمر أيام قليلة على الشريط الصوتي الأخير لزعيم القاعدة أسامة بن لادن الذي كرَّسه للمسألة العراقية، حتى أطل علينا برسالة جديدة عبر الإنترنت في شكل خطبة بمناسبة عيد الأضحى.

لم نكن أول من يذيع الخطبة التي بدأ بثها اعتباراً من اليوم عبر الشبكة الدولية الإنترنت، لكننا أول من يذيعها كاملة دون أي حذف، التزاماً بسياسة (الجزيرة) المنحازة دائماً لحق المشاهد في الحصول على الحدث كاملاً دون تلوين أياً كان مصدره، ومهما تعارض مع سياسات بعينها.

وبعد الاستماع للشريط سنخضعه للتحاليل الموضوعي قدر الإمكان بطبيعة الحال عبر ضيوفنا الذين يشاركوننا الاستماع إلى الشريط، مدة الشريط كاملة -كما حصلنا عليها من الإنترنت 53 دقيقة و21 ثانية، ويتعرض فيها بن لادن لقضايا عدة من الواضح أنه أراد تأكيد رأي تنظيمه فيها، إذاً لنتابع معاً هذا الشريط.


نص رسالة بن لادن الأخيرة

أسامة بن لادن: الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد الذي أنزل على عبده ورسوله آية السيف ليحق الحق ويبطل الباطل، فالحمد لله القائل: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) والحمد الله القائل: (قَاتِلُوَهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ)، والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له وجُعل رزقي تحت ظل رمحي وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم". والقائل: "أخرِجوا المشركين من جزيرة العرب".

أما بعد: ففي الوقت الذي تسيل فيه دماء المسلمين وتهدر في فلسطين والشيشان والفلبين، وكشمير والسودان، ويموت أطفالنا بسب الحصار الأميركي في العراق وفي الوقت الذي لم تلتئم جراحنا بعد، منذ الحروب الصليبية على العالم الإسلامي في القرن الماضي، ونتيجة لاتفاقية (سايكس بيكو) بين بريطانيا وفرنسا، والتي أدت إلى تقسيم العالم الإسلامي إلى قطع وأشلاء، ومازال عملاء الصليبيين يحكمونها إلى اليوم، إذ بأجواء اتفاقية سايكس بيكو تطل علينا من جديد، إنها اتفاقية بوش – بلير ولكنها تحت نفس الراية ولنفس الغاية، إنها راية الصليب، وغايتها تحطيم ونهب أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

إن اتفاقية بوش -بلير تزعم أنها تريد القضاء على الإرهاب فلم يعد يخفى -حتى على العوام- أنها تريد القضاء على الإسلام، ومع ذلك يؤكد حكام المنطقة في الخطابات والخطب تأييدهم لبوش في محاربة الإرهاب أي في محاربة الإسلام والمسلمين، في خيانة واضحة للملة والأمة معتمدين على مباركة علماء السلاطين ووزراء البلاط، فكما أنه لا يخفى أن الاستعداد الحالي للهجوم على العراق ما هو إلا حلقة في سلسلة الاعتداءات المعدة لدول المنطقة بما فيها سوريا وإيران، ومصر والسودان، إلا أن التركيز لتقسيم بلاد الحرمين يأخذ نصيب الأسد في خطتهم مع العلم أنه هدف استراتيجي قديم، منذ أن نقل ولاؤها من بريطانيا إلى الولايات المتحدة منذ ستة عقود، وقد حاولت أميركا قبل ثلاثة عقود تنفيذ هدفها هذا في أعقاب حرب العاشر من رمضان، يوم هدَّد رئيسها (نيكسون) بغزو بلاد الحرمين على الملأ، ولم يتيسر له ذلك في وقتها بفضل الله، ولكن مع بداية حرب الخليج الثانية أنشأت أميركا قواعد عسكرية مهمة وخطيرة، منتشرة في بلاد الحرمين، وخاصة قرب العاصمة، ولم يبق لهم إلا التقسيم، واليوم يبدو أن الوقت المناسب للتقسيم قد حان في نظرهم، فحسبنا الله ونعم الوكيل، فخلاصة الأمر أن استهداف أميركا للمنطقة عموماً وتقسيم بلاد الحرمين خصوصاً ليس سحابة صيف عابرة، وإنما هو هدف استراتيجي لا يغيب عن نظر السياسة الأميركية الماكرة، فماذا أعدت الحكومات في المنطقة لمقاومة هذا الهدف الاستراتيجي العدواني؟ لا شيء يذكر سوى زيادة في الولاء للصليبيين أضف إلى ذلك اجتماع وزراء الداخلية العرب المنتظم لمحاربة المجاهدين والتضييق على الدعاة والعلماء الصادقين الذين يسعون لتنبيه الأمة وإيقاظها للدفاع عن نفسها، وإن من أهم أهداف هذه الحملة الصليبية الجديدة تهيئة الأجواء وتمهيد المنطقة بعد التقسيم لقيام ما يسمى بدولة إسرائيل الكبرى، التي تضم داخل حدودها أجزاء كبيرة من العراق ومصر مروراً بسوريا ولبنان والأردن وكامل فلسطين وأجزاء كبيرة من بلاد الحرمين، وما أدراك ما إسرائيل الكبرى، وما سيصيب المنطقة من ويل وثبور، إن ما يجري لأهلنا في فلسطين ما هو إلا نموذج يراد تكراره في سائر المنطقة على يد التحالف الصهيوأميركي، قتل للرجال والنساء والولدان، وسجون وإرهاب وتهديم للبيوت وتجريف للمزارع، ونسف للمصانع والناس في خوف دائم ورعب جاثم ينتظرون الموت في كل لحظة من صاروخ أو قذيفة تهدم بيتاً وتقتل أختاً وتئد رضيعة، فماذا نجيب ربنا غداً؟

إن ما يجري هناك لا يحتمله أولو البأس من الرجال، فكيف بحال الأمهات المستضعفات وهن يرين أطفالهن يقتلون بين أيديهن؟ إنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم إني أبرأ إليك من فعل هؤلاء من اليهود والنصارى والحكام الخائنين ومن كان في حكمهم وأعتذر إليك من فعل هؤلاء القاعدون عن نصرة الدين، وإن مما يعنيه قيام إسرائيل الكبرى هو خضوع دول المنطقة لليهود وما أدراك ما يهود، يهود افتروا على الخالق فما بالك بالمخلوق؟ يهود قتلة الأنبياء ونقضة العهود، قال الله عنهم: (أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) إنهم يهود أرباب الربا وأئمة الخنا، لن يبقوا لكم شيئاً لا دنيا ولا دين، قال الله عنهم: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) إنهم يهود يعتقدون ديانة أن الناس عبيد لهم ومن أبى فحده القتل، قال الله تعالى عنهم: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) هذه بعض صفات اليهود فاحذروهم وهذه بعض ملامح المخطط الصليبي فقاوموه، والآن كيف السبيل لكف بأس الكفار وإنقاذ بلاد المسلمين؟ فللإجابة على هذا السؤال أقول -وبالله التوفيق- كما قال العبد الصالح نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) فالسبيل لكف بأس الكفار هو الجهاد في سبيل الله كما قال تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً) وابتداءً أبشركم بفضل الله أن الأمة اليوم عندها من الطاقات الهائلة ما يكفي لإنقاذ فلسطين وإنقاذ باقي بلاد المسلمين، ولكن هذه الطاقات مقيدة فيجب العمل على إطلاقها، كما وأن الأمة موعودة بالنصر، لكن إذا تأخر النصر فبسبب ذنوبنا وقعودنا عن نصرة الله، قال تعالى (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) والأمة موعودة بالنصر أيضاً على اليهود كما أخبرنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر:يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعالَ فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود".

ففي هذا الحديث تنبيه أيضاً إلى أن حسم الصراع مع الاعداء إنما يكون بالقتل والقتال لا بتعطيل طاقات الأمة لعشرات السنين عبر طرق أخرى كخدعة الديمقراطية وغيرها، وبعد هذه المبشرات أتحدث إليكم عن بعض الامور التي تساعدنا على الجهاد في سبيل الله ومنها ذكر بعض الوقائع والحروب التي انتصر فيها المسلمون خلال العقدين الماضيين مما يزيد من ثقة أبناء الأمة بأنفسهم لما لذلك من أهمية في تعبئة الأمة لتدافع عن نفسها ضد التحالف الصليبي الصهيوني، وفي الحقيقة أن الأمة الإسلامية هي القوة البشرية العظمى إن أقامت دين الإسلام حقاً، وهذا ما أثبته التاريخ خلال القرون الماضية وهي قادرة على قتال ومقاومة ما يسمى بالدول الكبرى، وقبل ذلك سأذكر حادثة ذات صلة بموضوع قتال القوى الكبرى، ذكر أهل السير أن المثنى الشيباني -رحمه الله- جاء إلى المدينة يطلب مدداً من الخليفة لقتال الفرس، فندب الخليفة عمر -رضي الله عنه- الناس ثلاثة أيام فلم يخرج أحد ففطن عمر -رضي الله عنه- لما في نفوس الناس من عقدة قتال القوى العظمى، فأمر المثنى أن يحدث الناس بما فتح الله عليه ضد فارس ليزيل ما بأنفسهم فقام المثنى فتكلم ونشَّط القوم، فكان مما قال: يا أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه فإنا قد تبجحنا فارس وغلبناهم على خير شقي السواد وشاطرناهم ونلنا منهم وأجترأ من قِبلنا عليهم، ولها إن شاء الله ما بعدها.

فتحمس الناس، فقام أبو عبيد الثقفي وعقد له الخليفة اللواء وتتابع القوم رضي الله عنهم، وأنا أقول متشبهاً بأولئك الكرام: يا أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه، لا يعظمنَّ عليكم وجه أميركا وجيشها، فقد ضربناهم والله مراراً وهزموا تكراراً وإنهم أجبن قوم عند اللقاء، وقد تبين لنا من مدافعتنا ومقاتلتنا للعدو الأميركي أنه يعتمد في قتاله بشكل رئيس على الحرب النفسية نظراً لما تمتلكه.. يمتلكه.. تمتلكه من آلة دعائية ضخمة وكذلك على القصف الجوي الكثيف إخفاءً لأبرز نقاط ضعفه وهو الخوف والجبن وغياب الروح القتالية عند الجندي الأميركي، ولولا ضيق المقام لحدثتكم عن ذلك، أشياء تكاد لا تصدق في قتالنا لهم في تورابورا و.. في أفغانستان، وأرجو الله أن ييسر وقتاً ونتحدث عن ذلك بالتفصيل.

وابتداءً أذكركم بهزيمة بعض القوى الكبرى على أيدي المجاهدين، فأذكركم بهزيمة الاتحاد السوفيتي سابقاً والذي أصبح أثراً بعد عشر سنين من القتال الضاري على أيدي أبناء الأفغان ومن ساعدهم من أبناء المسلمين بفضل الله، وكذلك هزيمة الروس في بلاد الشيشان وضرب المجاهدون أروع الأمثلة في التضحية والفداء، فحطم المجاهدون الشيشان مع إخوانهم العرب والأنصار كبرياء الروس فكبدوهم الخسائر تلو الخسائر فانسحبوا مدحورين بعد الحرب الأولى، ثم إن الروس رجعوا مرة أخرى بدعم أميركي ومازالت روسيا إلى الآن تتكبد الخسائر الفادحة من فئة قليلة مؤمنة نرجو الله أن يثبتهم وينصرهم.

كما أذكركم بهزيمة القوات الأميركية عام 1402 للهجرة عندما اجتاح بنو إسرائيل لبنان، فقدمت المقاومة اللبنانية شاحنة مملوءة بالمتفجرات إلى مركز القوات الأميركية (المارينز) في بيروت فقتل منهم أكثر من 240 قتيلاً فإلى جهنم وبئس المصير، ثم بعد حرب الخليج الثانية أدخلت أميركا جيوشها إلى الصومال وقتلوا 13 ألفاً من أبناء المسلمين هناك ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعندها وثب أُسْدُ الإسلام من العرب الأفغان فانبروا لهم مع إخوانهم في تلك الأرض فمرَّغوا كبرياءها في الطين فقتلوا منهم ودمروا من دباباتهم وأسقطوا من طائراتهم، ففرت أميركا وحلفاؤها في ليل مظلم لا يلوي أحدٌ على أحد، فلله الحمد والمنَّة، وفي تلك الفترة أعد شباب الجهاد عبوات ناسفة ضد الأميركيين في عدن، فانفجرت فما كان من الجبناء إلا أن فروا في أقل من 24 ساعة، ثم في عام 1415 للهجرة وقع انفجار في الرياض قتل بسببه أربعة من الأميركيين وكان رسالة واضحة تبين اعتراض أبناء المنطقة على السياسة الأميركية في دعم اليهود واحتلال بلاد الحرمين، ثم في العام الذي يليه وقع انفجار آخر في الخبر قتل بسببه 19 وجرح أكثر من 400، واضطر بعدها الأميركيون لنقل مراكزهم الكبرى من المدن إلى قواعد في الصحراء، ثم بعد ذلك أيضاً في عام 1418 للهجرة هدَّد المجاهدون أميركا على الملأ بضرورة الكف عن مساعدة اليهود والخروج من بلاد الحرمين فرفض العدو التحذير وتمكن المجاهدون بفضل الله من صفعه صفعتين عظيمتين في شرق إفريقيا، ثم حُذِّرت أميركا مرة أخرى ولم تستجب فوفق الله المجاهدين في عملية استشهادية عظيمة، فدمرت المدمرة الأميركية (كول) في عدن، فكانت صفعة مدوية في وجه العسكرية الأميركية، كما كشفت العملية عن عمالة الحكومة اليمنية كسائر دول المنطقة، ثم إن المجاهدين لما رأوا أن عصابة الإجرام الأسود في البيت الأبيض تصور الأمر على غير حقيقته، بل يزعم زعيمهم الأحمق المطاع أننا نحسدهم على طريقة حياتهم، وإنما الحقيقة التي يخفيها فرعون العصر أننا نضربهم بسبب ظلمهم لنا في العالم الإسلامي وخاصة في فلسطين والعراق واحتلالهم في بلاد الحرمين، ولما رأي المجاهدون ذلك قرروا أن يتخطوا التعتيم وينقلوا المعركة إلى وسط أرضه وفي عقر داره، وفي يوم الثلاثاء المبارك في الثالث والعشرين من جماد الثاني لعام 1422 للهجرة الموافق للحادي عشر من سبتمبر عام 2001 للميلاد، كان التحالف الصهيوأميركي يحصد أبناءنا وأهلنا في أرض الأقصى المبارك فضلاً، بطائرات ودبابات أميركية وأيدٍ يهودية، وأبناؤنا في العراق يقضون نحبهم نتيجة الحصار الظالم من أميركا وعملائها، وفي المقابل كان العالم الإسلامي يعيش في حالة من البعد الشديد عن إقامة الدين حقاً، وبينما الأمور على تلك الحال من الإحباط واليأس والتسويف عند المسلمين، إلا من رحم الله، ومن الظلم والغرور والعدوان عند التحالف الصهيوأميركي، فقد كانت بلاد العم سام في غيها سادرة، بطغيانها هادرة، مصعرة خدها للناس، تمشي في الأرض مرحاً لا تبالي بأحد، وتظن ألا سبيل إليها إذ رموا بثالثة الأسافي وما أدراك ما ثالثة الأسافي، عندما وثب شعث الرؤوس مغبرو الأقدام المطاردون في كل مكان، فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وربط على عقيدتهم وكتب الإيمان في قلوبهم فلم يخشوا في الله لومة لائم يبتغون ما عند الله تعالى، تأبى نفوسهم أن تنام على الضيم، يريقون ماء الحياة.. يريقون ماء الحياة ولا يريقون ماء المحيا، فأغاروا بطائرات العدو في عملية جريئة جميلة ما عرفت البشرية لها مثيلاً، فحطموا أصنام أميركا، فأصابوا وزارة الدفاع في صميم فؤادها، وأصابوا الاقتصاد الأميركي في سويداء قلبه، فأرغموا أنف أميركا في التراب ومرغوا كبرياءها في الطين فانهار برجا نيويورك وبذلك الانهيار انهار ما هو أعظم وأضخم فانهارت أسطورة أميركا العظمى وانهارت أسطورة الديمقراطية، وظهر للناس أن قيم أميركا في السافلين، وتحطمت أسطورة أرض الحرية وتحطمت أسطورة الأمن القومي الأميركي، وانهارت أسطورة الـ CIA ، فلله الحمد والمنة، وكان من أهم الآثار الإيجابية لغزوتي نيويورك وواشنطن أنها كشفت حقيقة الصراع بين الصليبيين والمسلمين، وأظهرت ضخامة العداء الذي يُكنُّه لنا الصليبيون عندما نزعت الغزوتان جلد الشاة عن الذئب الأميركي وظهر على حقيقته البشعة، واستيقظ العالم أجمع من الرقاد، وانتبه المسلمون إلى أهمية عقيدة الموالاة في الله والمعاداة في الله، وقويت روح الأخوَّة الإيمانية بين المسلمين مما يعتبر خطوة عظيمة نحو توحيد المسلمين تحت كلمة التوحيد لقيام الخلافة الراشدة بإذن الله، وبدا ظاهراً للناس أن أميركا هذه القوة الظالمة. يمكن أن تضرب، ويمكن أن تذل وتهان وتقهر، ولأول مرة تعي غالبية الشعب الأميركي حقيقة القضية الفلسطينية وأن ما أصابهم في مانهاتن كان بسبب سياسة حكومتهم الظالمة.

وخلاصة الأمر أن أميركا دولة عظمى ذات قوة عسكرية ضخمة وذات اقتصاد عريض، ولكن كل ذلك على قاعدة هشة، لذا فإنه بالإمكان استهداف تلك القاعدة الهشة والتركيز على أبرز نقاط الضعف فيها وإذا ما ضربت في عُشر معشار تلك النقاط، فإنها -بإذن الله- ستترنح وتنكمش وتتخلى عن قيادة العالم وظلمه، ولقد استطاع عدد يسير من فتية الإسلام رغم وقوف التحالف الدولي ضدهم أن يقيموا الحجة على الناس بوجود القدرة على مقاومة ومقاتلة ما يسمى بالقوى العظمى واستطاعوا أن يدافعوا عن دينهم وأن ينفعوا قضايا أمتهم أكثر مما فعلته حكومات وشعوب بضع وخمسين دولة في العالم الإسلامي، لأنهم اتخذوا الجهاد سبيلاً لنصرة الدين، وكما قال أبو هلالة:

وللنصر أسباب وللخُسر مثلها

وكل فريق يورث الخلد رابح

دروب العلا شتى وأقصرها التي

تريق الدما في جانبيها الزحازح

وأمثال هؤلاء الفتية الأبطال في الأمة كثير -بفضل الله- ولكنهم مقيدون، فينبغي علينا أن نتعاون جميعاً لفك قيودهم لينطلقوا مجاهدين في سبيل الله، لأن الجهاد هو سبيل عز هذه الأمة وأمنها.

وإن القيود والسدود التي تحول بين شباب الأمة وبين انطلاقها للجهاد كثيرة، إلا أننا سنتحدث عن أهمها، وبين يدي ذلك أذكر حديثاً من الصحيحين من اهتدى به سلك ومن ضل عنه هلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". فاعتبروا يا أولي الأبصار، فهذا من أسباب هلاكنا ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأذكر كذلك قصة إسلام خالد -رضي الله عنه- لتتحرر العقول من التبعية العمياء، فقد قيل له بعد أن أسلم متأخراً: أين كان عقلك يا خالد فلم تر نور النبوة بين ظهرانيكم منذ عشرين سنة؟ فقال: كان أمامنا رجال كنا نرى أحلامهم كالجبال. قال الإمام أحمد رحمه الله: من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال.

وأول هذه القيود والسدود في عصرنا الحاضر هم الحكام و شهداء الزور من علماء السوء ووزراء البلاط وأصحاب الأقلام المأجورة ومن شابههم، فأما الحكام فقد اتفق الناس على عجزهم وخيانتهم، وأما الذين يطالبون الناس بأن يضعوا أيديهم في أيدي هؤلاء الحكام برغم كل ذلك نقول لهم: متى نزعت الشعوب أيديها من أيدي الحكام حتى يُنصحوا بأن يعيدوا أيديهم مرة أخرى؟ فهذا لم يحدث، والنتيجة كما ترون، هيمنة الكفار علينا، وقد قيل:

ومن خانه التدبير والأمر طائع

فلن يحسن التدبير و الأمر جامح

فخلافنا مع الحكام ليس خلافاً فرعياً يمكن حله، وإنما نتحدث عن رأس الإسلام، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فهؤلاء الحكام قد نقضوها من أساسها بموالاتهم للكفار وبتشريعهم للقوانين الوضعية، وإقرارهم واحتكامهم لقوانين الأمم المتحدة الملحدة، فولايتهم قد سقطت شرعاً منذ زمن بعيد، فلا سبيل للبقاء تحتها، والمقام لا يتسع لوصف هذا الأمر هنا، ولكن قد ذكرنا أقوالاً لأهل العلم -رحمهم الله- في البيان السابع عشر الصادر عن هيئة النصيحة والإصلاح، وبعد ذلك نقول: هل يمكن لمسلم أن يقول للمسلمين: ضعوا أيديكم في يد كرزاي للتعاون في إقامة الإسلام ورفع الظلم وعدم تمكين أميركا من مخططاتها، فهذا لا يمكن ولا يعقل، لأن كرزاي عميل جاءت به أميركا، ومناصرته على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام العشرة، مخرج من الملة، وهنا لنا أن نتساءل: ما الفرق بين كرزاي العجم وكرزاي العرب؟ من الذي ثبت ونصب حكام دول الخليج؟ إنهم الصليبيون، فالذين نصبوا كرزاي كابولرزاي باكستان، هم الذين نصبوا كرزاي الكويت وكرزاي والبحرين كرزاي قطر و غيرها، ومن الذين نصبوا كرزاي الرياض وجاءوا به بعد أن كان لاجئاً في الكويت قبل قرن من الزمان ليقاتل معهم ضد الدولة العثمانية وواليها ابن الرشيد؟ أنهم الصليبيون ومازالوا يرعون هذه الأسر إلى اليوم، فلا فرق بين كرزاي الرياض وكرزاي كابول، (فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ)، قال تعالى (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلائِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ).

إن الحكام الذين يريدون حل قضايانا ومن أهمها القضية الفلسطينية عبر الأمم المتحدة أو عبر أوامر الولايات المتحدة، كما حصل بمبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز في بيروت ووافق عليها جميع العرب والتي باع فيها دماء الشهداء وباع فيها أرض فلسطين إرضاء ومناصرة لليهود وأميركا على المسلمين، هؤلاء الحكام قد خانوا الله ورسوله وخرجوا من الملة وخانوا الأمة، كما أقول أيضاً: إن الذين يريدون أن يحلوا قضايانا عبر هؤلاء الحكام العجزة الخونة قد خدعتهم أنفسهم وخادعوا أمتهم، وركنوا إلى الذين ظلموا وضلوا ضلالاً مبنياً، وأحسن أحوالهم أنهم عاجزون فاسقون، فينبغي على المسلمين أن ينصحوهم، فإن لم ينتصحوا فليحذروهم وليحذروا منهم، ويجب على المسلمين أن كذلك يتبرءوا من هؤلاء الطواغيت، ولا يخفى أن التبرؤ من الطاغوت ليس من نوافل الأعمال، وإنما هو أحد ركني التوحيد فلا يقوم إيمان بغيرهما، قال تعالى: (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

وأما علماء السوء ووزراء البلاط وأصحاب الأقلام المأجورة وأشباههم فكما قيل: لكل زمن دولة ورجال، فهؤلاء هم من رجال الدولة الذين يحرِّفون الحق ويشهدون بالزور حتى في البلد الحرام.. في البيت الحرام، في الشهر الحرام، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويزعمون أن الحكام الخائنين ولاة أمر لنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقولون ذلك من أجل تثبيت أركان الدولة، فهؤلاء قد ضلوا سواء السبيل فيجب هجرهم والتحذير منهم، وإنما تركز الدولة على علمائها وتظهرهم في برامج دينية للفتوى من أجل دقائق معدودة يحتاجهم فيها النظام كل مدة لإضفاء الشرعية عليه وعلى تصرفاته، فما حصل يوم أن أباح الملك بلاد الحرمين للأميركيين فأمر علماءه فأصدروا تلك الفتوى الطامة التي خالفت الدين واستخفت بعقول المسلمين والمؤيدة لفعله الخائن في تلك المصيبة العظيمة، و الأمة اليوم إنما تعاني ما تعانيه من مصائب وخوف وتهديد من جراء ذلك القرار المدمر وتلك الفتوى المداهنة، ومن قرأ سيرة الأئمة الصادقين في أيام المحن كسيرة الأمام أحمد بن حنبل وغيره -رحمهم الله- علم الفرق بين العلماء العاملين والعلماء المداهنين كما في سير أعلام النبلاء وغيرها، وقال الشاعر:

نرقع دنيانا بتمزيق ديننا

فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع

وأما السد الثاني: فهم العلماء والدعاة المحبون للحق الكارهون للباطل القاعدون عن الجهاد تأولوا تأولاً فصدوا الشباب عن الجهاد ولا حول ولا قوة إلا بالله، هؤلاء رأوا الباطل ينتشر ويزداد، فتداعوا للقيام بواجب نصرة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واهتدى وتفقه على أيديهم خلق كثير، وحسناً فعلوا، وجزاهم الله خيراً على ذلك، إلا أن الباطل يضيق صدره بالحق وأهله، فشرع في مضايقتهم وإخافتهم ومنعهم من الخطب والدروس وفصلهم من وظائفهم ثم سجن من أصر على مواصلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن هذه الضغوط الشديد أدت تدريجياً إلى انحراف المسار -إلا من رحم الله- وهذا أمر بدَهَي لأن الإنسان لا يستطيع أن يتخذ القرار الصحيح في ظل أوضاع غير صحيحة وخاصة من الناحية الأمنية، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان" هذا إذا كان غضبانا، فكيف إذا كان خائفاً؟ فالتخويف الذي تمارسه الدول العربية على الشعب قد دمر جميع مناحي الحياة بما فيها أمور الدين، إذ الدين النصيحة، ولا نصيحة بغير أمن، وقد قَسَّم الخوف الناس إلى أقسام، وسنتحدث عن بعضهم، فقسم انتكس والتحق بالدولة ووالاها ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقسم بدا له أنه لن يستطيع أن يستمر في الدعوة والتدريس ويؤمن معهده أو جمعيته أو جماعته، ويؤمن نفسه وجاهه وماله إن لم يمدح الطاغوت ويداهنه، فتأوَّل تأؤُّلاً فاسداً فضلَّ ضلالاً مبيناً وأضل خلقاً كثيراً، وقسم آخر حفظهم الله من مجاراة الحكام الخائنين ومداهنتهم، وحرصوا على البقاء تحت راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد كانت لهم جهود مشكورة في الدعوة إلى الله، إلا أن الضغوط التي سبق ذكرها كانت كبيرة جداً، ولم يهيئوا أنفسهم لتحملها ومن أهمها تكاليف الهجرة والجهاد وقد كانت الفرصة متاحة منذ أكثر من عقدين ولم يستفيدوا منها، مما أفقدهم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح -إلا من رحم الله- في مثل هذه الأيام العصيبة، ولذا نرى فريقاً منهم مازالوا إلى الآن لم يتخذوا قرار الجهاد والمقاومة، إن نصرة الدين وإقامته لها تكاليف عظام وصفات واضحة في كتاب الله وفي سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي سيرة الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فمن لم يتصف بهذه الصفات لا يستطيع أن يقوم بنصرة الدين هذه الصفات ذكرها الله -تعالى- في كتابه الكريم ومن ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) وفي الخبر الذي دار بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وورقة بن نوفل، قال ورقة: يا ليتني فيها جذعاً أكون حياً حين يخرجك قومك، فقال رسول الله عليه وسلم: أَوَ مخرجيَّ هم؟ فقال ورقة: نعم. لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُوديَ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. فحال من يريد أن يتحمل الدين بحق، هو العداء من أهل الباطل، لا التعايش -كما نرى ولا حول ولا قوة إلا بالله- مع أهل الباطل، وحال من أراد إقامة الدين هو السعي في نصرته بالنفس والنفيس، كما قال ورقة: إن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، وكذلك كان الحال يوم بيعة العقبة، فنصرة الدين ليست دروساً تعطى فقط والدين لا يقوم على فتات أوقاتنا وأموالنا، وإنما سلعة الله غالية، فشتان شتان بين الجلوس وتقديم الدروس وبين تقديم النفوس والرؤوس لنصرة الله، لذا فإن العباس بن عبد المطلب وقد كان على دين قومه، أراد أن يطمئن على ابن أخيه محمد -صلى الله عليه وسلم- عند الأنصار، فقال فكان مما قاله فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصيرة بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة فإنها سترميكم عن قوس واحدة. فأقول: هذه الصفات كانت مطلوبة لأهل الإيمان لحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مطلوبة اليوم أيضاً لحفظ دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد أن أنهى العباس كلامه، قال البراء بن معرور من الأنصار: قد سمعنا ما قلت، وإنا والله لو كان في أنفسنا غير ما ننطق به لقلناه ولكنا نريد الوفاء والصدق وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله. فأقول هكذا الدين، إنما يقوم بالوفاء والصدق وببذل المهج من أجل المنهج، ثم لما قاموا للمبايعة، قال أسعد بن زرارة: رويداً يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي، إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله، فقالوا: يا أسعد: أمِطْ عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها.

هكذا كانت صفات الذين يريدون أن يحموا ويقيموا دين الإسلام رضي الله عنهم. وكذلك اليوم يقول المجاهدون للعلماء والدعاة الذين يحبون الحق ولا يداهنون الباطل فأنتم قد رفعتم راية دين الإسلام، وتعلمون أنه دين رسول الله حقاً وإن حملكم له بحق يعني مفارقة حكومات العرب والعجم في الأرض كافة وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فحافظوا على الراية وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروا راية المدافعة والمقاتلة ولا تحولوا بين شباب الأمة والجهاد في سبيل الله، فهو أعذر لكم عند الله.

والآن نتحدث عن ما هو واجب المسلمين تجاه هذه الحرب الصليبية الصهيونية ضد أمة الإسلام، قال تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً) إن أوجب الواجبات بعد الإيمان اليوم هو دفع وقتال العدو الصائل، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وأما دفع العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا، لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط"، فالجهاد اليوم متعين على الأمة بأسرها وهي واقعة في الإثم إلى أن تخرج من أبنائها وأموالها وطاقاتها ما يكفي لقيام الجهاد الذي يدفع بأس الكفار عن جميع المسلمين في فلسطين وغيرها، فيجب على المؤمنين أن يجاهدوا لإحقاق الحق وإبطال الباطل، كلٌ بحسب طاقته، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم: "فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل"، وهذا الحديث العظيم يشمل جميع المؤمنين، فبما أننا مؤمنون إذن فنحن مجاهدون في سبيل الله لنصرة الدين، فالمؤمن الذي عجز.. عجز عن الجهاد بيده ولسانه يجب عليه أن يجاهد بقلبه، ومن ذلك أن يستمر في بغض أعداء الله ويدعو عليهم وأن يستمر في موالاة المؤمنين والمجاهدين ويدعو لهم ويستشعر الأخوَّة الإيمانية التي تربطه بالمسلمين في جميع مشارق الأرض ومغاربها، وينبغي أن يستشعر أن أهل الإيمان في فسطاط واحد وأن أهل الكفر في فسطاط واحد إلى أن يمن الله على الأمة بدولة تضم المسلمين تحت لوائها بإذن الله ، وينبغي أن يحدث نفسه بالجهاد في سبيل الله بيده ولسانه، وهذا أضعف الإيمان وينبغي عليه مقاطعة بضائع أميركا وحلفائها، وليحذر المؤمن كل الحذر من أن يؤيد الباطل، فإن مناصرة الكافرين على المسلمين -ولو بكلمة- كفر بواح كما قرر بذلك أهل العلم، وليحذر من أن يكون من الذين قال الله فيهم: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) أو من الذين قال الله فيهم (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ البَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً) فلا يجمع بين كبيرة القعود وكبيرة التخذيل.

والجهاد بالنفس اليوم وإن كان متعيناً على الأمة بأسرها إلا أنه في حق الشباب آكد مما هو في حق الكهول والشيوخ، وكذلك الجهاد بالمال المتعين اليوم هو في حق أصحاب الأموال آكد مما هو في حق غيرهم، ومن فضل الله على الأمة اليوم أن شرح الله صدور كثير من شبابها للجهاد في سبيله، والزود عن دينه وعباده، فيجب على الأمة أن تعينهم وتشجعهم وتيسر أمورهم ليدافعوا ويدفعوا عنها الظلم والخزي والإثم، ويجب على الأمة أيضاً أن تحافظ على الجهاد القائم اليوم، وأن تنصره بكل ما أوتيت من قوة، فهو عزيز جداً كما هو في فلسطين والشيشان وأفغانستان، وكشمير وإندونيسيا والفلبين وغيرها من بلاد الإسلام، فإن الجهاد في هذه الدول لم تبق رايته مرفوعة بعد فضل الله، رغم الهجمة الشرسة من الأعداء، إلا ببذل ما لا يوصف، إلا ببذل ما لا يوصف من العناء والدماء والأشلاء، نرجو الله أن يتقبلهم في الشهداء.

وأبشركم أن الجهاد في أفغانستان قائم اليوم بشكل جيد والحمد لله، والأمور تسير نحو الأحسن لصالح المجاهدين بفضل الله، وها نحن في السنة الثانية من القتال ولم تستطع أميركا أن تحقق أهدافها، وإنما تورطت في المستنقع الأفغاني وأما ما اعتبرته أميركا في الأشهر الأولى للحرب بأنه انتصار بعد أن استولت على المدن نتيجة إخلاء المجاهدين لها، فإنه لا يخفى على الخبراء العسكريين عامة والعارفين بأفغانستان خاصة أنه كان انسحاباً تكتيكياً يتماشى مع طبيعة دولة الطالبان ومع طبيعة الأفغان في تاريخهم الطويل مع حروب العصابات، فلم يكن هناك جيش نظامي لدولة الطالبان حتى يدافع عن المدن، لذا لجأ الأفغان -بعد الله- إلى قوتهم الكامنة في قدراتهم لشن حروب العصابات من عمق جبالهم الوعرة، وبنفس التكتيك الذي قهروا به -بفضل الله- جيش الاتحاد السوفيتي من قبل، فقد ثبت ذلك بعد أن بدأت حرب العصابات وارتفع معدل العمليات إلى عمليتين يومياً، فالأميركيون في ورطة حقيقية اليوم، فلا هم يستطيعون حماية قواتهم ولا قادرين على تشكيل دولة تحمي رئيسها فضلاً عن أن تحمي الآخرين، فقد تم -بفضل الله- التنسيق مع جميع المجاهدين خلال العام المنصرم، والجميع متحمسون للجهاد ويرونه واجباً عليهم، ولولا قلة الإمكانيات لتيسر رفع عدد العمليات يومياً إلى الحد الذي كانت عليه في الجهاد السابق ضد الروس، وهذا ما لا يحتمله الأميركيون، لذا فإنه من الواجب المتعين على الأمة اليوم، أن تدعم الجهاد عموماً بما في ذلك فلسطين وأفغانستان، وهذه المحاور من أهم المحاور التي ينبغي التركيز عليها، لاستنزاف اليهود حلفاء الأميركيين ولاستنزاف الأميركيين حلفاء اليهود، وإن هزيمة أميركا في أفغانستان -بإذن الله- تكون بداية النهاية لها، ولن تؤتوا بإذن الله من قِبَلنا، من قبلنا مع إخواننا المجاهدين الأفغان بإذن الله فنرجو ألا نؤتى من قبلكم.

والأمة اليوم.. والأمة اليوم بين يدي يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه العجز ولا البغي وينبغي أن تتجمع فيه زحوف المسلمين ضد زحوف الكافرين، وينبغي فيه التوبة من الذنوب والكبائر، كما ينبغي على الأمة بين يدي هذا الأمر العصيب الذي هو جِدٌ ليس بالهزل أن تهجر حياة اللهو واللعب والإسراف والترف، وأن تخشوشن وتتهيأ للحياة الحقة، حياة القتل والقتال والضرب والنزال، وإليكم ما قاله شيخ الإسلام -رحمه الله- في فتنة مشابهة لما نحن فيه الآن، فقال: واعلموا -أصلحكم الله- أن النبي قد ثبت عنه من وجوه كثيرة أنه قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة، فهذه الفتنة قد تفرق الناس فيها ثلاث فرق: الطائفة المنصورة وهم المجاهدون لهؤلاء القوم المفسدين، والطائفة المخالفة وهم هؤلاء القوم ومن تحيز إليهم من خبالة المنتسبين إلى الإسلام، والطائفة المخذلة وهم القاعدون عن جهادهم وإن كانوا صحيحي الإسلام، فلينظر الرجل أيكون من الطائفة المنصورة أم من الخاذلة أم من المخالفة، فما بقي قسم رابع، ويقول رحمه الله أيضاً: حتى والله لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم حاضرين في هذا الزمان لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين، ولا يفوت مثل هذه الغزاة إلا من خسرت تجارته وسفِه نفسه، وحُرم حظاً عظيماً من الدنيا والآخرة. انتهى كلامه.

ثم إني أوصي الشباب بالاجتهاد في الجهاد، فهم أول المعنيين بفرضيته اليوم كما أشار إلى ذلك الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات.

واعلموا أن استهداف الأميركيين واليهود بالقتل في طول الأرض وعرضها من أعظم الواجبات وأفضل القربات إلى الله تعالى، كما أوصيهم بالالتفاف حول العلماء الصادقين والدعاة المخلصين العاملين، وأوصيهم بالاستعانة على قضاء حوائجهم بالكتمان، ولا سيما في الأعمال العسكرية الجهادية.

وأبشركم عامة وإخواننا في فلسطين خاصة، أن أخوانكم المجاهدين ماضون في طريق الجهاد لاستهداف اليهود والأميركيين، وما عملية (ممباسا) إلا بداية الغيث بإذن الله سبحانه وتعالى، وإننا لن نخذلكم فامضوا وواصلوا القتال على بركة الله، ونحن معكم ماضون مقاتلون بإذن الله، وقبل الختام أحرض نفسي وإخواني المؤمنين على الجهاد في سبيل الله بقول القائل:

وإني لمقتادٌ جوادي وقاذف

به وبنفسي العام إحدى المقاذف

فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن

على شرجعٍ يعلى بخضر المطارف

ولكن قبري بطن نسر مقيله

بجو السماء في نسور عواكفِ

وأمسي شهيداً ثاوياً في عصابة

يصابون في فج من الأرض خائف

فوارس من شيبان ألَّف بينهم

تقى الله نزالون عند التزاحف

إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى

وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف

وفي الختام أوصي نفسي وإخواني المسلمين بتقوى الله في السر والعلن ، وكثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى بأن يقبل توبتنا ويفرج كربتنا.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، ونسأل الله – سبحانه وتعالى- أن يفك أسرانا من يد الأميركيين وعملائهم وعلى رأسهم الشيخان : عمر عبد الرحمن، وسعيد بن زعير وإخواننا في جوانتانامو، وأن يثبت المجاهدين في فلسطين وينصرهم وباقي بلاد الإسلام ، وأن ينصرنا على عدونا كما أوصي نفسي وإياكم بكثرة الذكر وقراءة القرآن وتدبره ففيه الموعظة والشفاء والهدى والرحمة ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

محمد كريشان : إذن مشاهدينا الكرام كان هذا ما وُصف بخطبة العيد التي ألقاها أسامة بن لادن (زعيم تنظيم القاعدة) مثلما لاحظنا كان الصوت نقيًّا في هذا التسجيل ، وهذا التسجيل أخذناه من الإنترنت، إذن كان هو كان متاحًا على شبكة الإنترنت، مما يوحي بأن ما وصف في فترة من الفترات بحرب المواقع وتدمير مواقع القاعدة ما زال مستمرًّا ولكنه لا يفلح باستمرار ، واضح أن الكلمة التي ألقاها أسامة بن لادن كانت مكتوبة، الذي أذعناه -مثلما ذكرنا في المقدمة- لم نكن نحن أول من بث هذه الكلمة، ولكنا بالتأكيد أول من بثها بشكل كامل دون أي انتقائية سياسية بغض النظر إن كنا نوافق أو لا نوافق على ما جاء في مضمون هذه الخطبة، هذا هو ثاني ظهور لأسامة بن لادن في فترة أقل من أسبوع مما يعتبر – إلى حد ما – رقم قياسي في وتيرة

ظهور أسامة بن لادن في وسائل الإعلام.

لنا عودة بعد قليل لنناقش ما جاء في مضمون التسجيل الجديد لأسامة بن لادن، وسيكون معنا من لندن.. سيكون معنا من لندن (مدير معهد الفكر الإسلامي) عزام التميمي ، ويكون معه (رئيس تحرير صحيفة القدس العربي) عبد الباري عطوان، تابعا معنا الشريط وسيعطيان رأيهما في ما تضمنه، سيكون أيضا معنا من الكويت عايد المناع ( مستشار جمعية الصحفيين الكويتيين) سيد المناع أيضا كان معنا أيضا في الاستماع سنحاول بعد الموجز أن نركز حول القضايا الأساسية التي تناولها أسامة بن لادن بالطبع تقليديا أصبح لأسامة بن لادن طرح فكري وعقائدي معروف ولكن في الأفكار السياسية الأساسية لنا عودة بعد الموجز، مثلما ذكرنا ما تضمنه الشريط الأخير لأسامة بن لادن الوارد في مواقع الإنترنت، ضيوفنا هم: من لندن مدير معهد الفكر الإسلامي عزام التميمي، ومعه رئيس تحرير صحيفة القدس العربي عبدالباري عطوان، ومعنا أيضاً من الكويت عايد المناع ( مستشار جمعية الصحفيين الكويتيين) ومعنا كذكل الشيخ عبدالعزيز القاسم (الكاتب والداعية الإسلامي) من السعودية .

[موجز الأخبار]

محمد كريشان : سنحاول مع ضيوفنا أن نحصر النقاش قدر الإمكان في ثلاث أفكار أساسية: موضوع اتفاقية بلير وبوش كما سماها أسامة بن لادن وموضوع تقسيم المنطقة، الفكرة الثانية هي موضوع عجز الحكام وخيانتهم -حسب تعبير أسامة بن لادن- وإلى أي مدى هذا الكلام يمكن أن ينطبق على واقع الحال، والفكرة الثالثة والأخيرة ما يمكن أن يوصف بالمستنقع الأفغاني كما ذكر أسامة بن لادن، وبداية النهاية للولايات المتحدة، نبدأ بضيفينا في لندن، نبدأ بالسيد عزام التميمي، موضوع خطبة العيد هل هناك ما يؤكد فعلاً بأن هذا الشريط هو خطبة عيد؟

د. عزام التميمي : أظن الذي يستمع إلى هذا الشريط يشعر بأن أسامة بن لادن كان يقرأ من ورقة، كان يقرأ مرتاحاً ، لا يوجد في الخلفية ما يدل على وجود جموع، يصلح أن يكون خطبة عيد، لكن أظن أن الإلقاء والطريقة التي سمعناها ليس في جو صلاة عيد.

محمد كريشان: نعم، سيد عبد الباري عطوان، بالطبع ما يهم في هذا الموضوع سواء خطبة عيد أم غير خطبة عيد هي المحاور السياسية الأساسية التي سنحاول أن نركز عليها، ولكن من الناحية الشكلية -على الأقل- هل تراها فعلاً خطبة عيد؟

عبد الباري عطوان: لأ، هي ليست خطبة عيد فقط، يعني ما طرحه الشيخ أسامة بن لادن هو مشروع سياسي ديني متكامل موجَّه إلى الأمة وإلى الشباب على وجه الخصوص، يعني أراد أن يتناول فيه الأوضاع السياسية في المنطقة العربية، أصدر العديد من الفتاوى التي تنطوي على درجة كبيرة من الأهمية، يعني أصَّل لبعض الأشياء، مثلاً قال إنها ليست حرب ضد الإرهاب، وإنما هي حرب صليبية، حرب ضد الإسلام والمسلمين، ظهر في هذا الشريط ما.. على ثقة كبيرة على عكس جميع الأشرطة السابقة، يعني هذا هو أطول شريط يطلقه منذ قصف تورابورا يعني كان يريد تعبئة الأمة خلف الإسلام الجهادي الذي يتبناه، ويطالب هذه الأمة أن تقف خلفه أو تقف معه في هذا الجهاد، أيضاً لهذه المرة الأولى التي يعني يذكر الحكام بالاسم ، يعني فيه هناك محطات تليفزيونية أذاعت هذا الشريط، لكنها تجنبت ذكر جميع الحكام، يعني ذكر مثلاً لأول مرة ذكر حكام الخليج، حكام قطر، حكام البحرين، حكام الكويت، حكام المملكة العربية السعودية، حتى أنه أيضاً تطرق إلى مؤسس الدولة السعودية الملك عبد العزيز عندما قال..

محمد كريشان [مقاطعاً]: سيد عبد الباري، هذه الأفكار سنحاول أن نفككها بشكل متتابع، ولكن من الناحية الشكلية مثلما قلت، نسأل أيضاً السيد عايد المناع من الكويت فيما إذ كان يعتبر فعلاً هذه الخطبة هي خطبة عيد الأضحى، ثم ندخل في مضمون الخطبة تدريجياً.

د. عايد المناع: أنا أعتقد أنها يعني خطبة تصلح خطبة عيد، تصلح خطبة جمعة، تصلح درس تحريضي من الدروس التي عادة ما يلجأ إليها بعض الملل أو الدراويش في الأماكن الدينية تظل بالنهاية أنها يعني.. لا شك بأنها احتوت على بعض النقاط التي لا جديد فيها من حيث الشكل والمضمون على الإطلاق، وإنما هي يمكن مرتبة بطريقة أراد منها -الحقيقة- أن يعني يصل إلى أكبر عدد من الناس، ويعيد ما سبق له أن تحدث به من تحريض ضد الأنظمة العربية وضد الوضع السياسي العربي بشكل عام وأن الحقيقة يحشد أكبر عدد من الشباب ليحترقوا في محرقته حتى يتسنى للسيد بن لادن أن يتولى السلطة في يوم من الأيام في دولة الخلافة التي يتحدث عنها الآن، أنا أعتقد أن الرجل يعني..

محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم على كل.. من ناحية مضمون الخطاب سنحاول مثلما ذكرت أن نحاول أن نفكك أجزاءه بشكل مستند إلى الثلاث محاور الأساسية التي ذكرناها، نبقى أيضاً في المسائل الشكلية ربما التي قد تبدو سيد عزام التميمي في لندن، يعني هل من تأكيد بأن هذا الشريط هو فعلاً شريط حديث خاصة وهو أنه الثاني في غضون أسبوع مما يعتبر رقم قياسي بالنسبة لأسامة بن لادن؟

د. عزام التميمي: لا يوجد بالشريط ما يدل على أنه قديم، يعني هو يتكلم عن موسم الحج، كما يتكلم عن أحداث قريبة جداً، يتحدث عن الإعداد للحرب ضد العراق، أنا أتصور أنه ربما كان حديثاً جداً، ربما كان أعد يوم العيد أو قبل يوم العيد ليذاع يوم العيد أو ربما بعده بقليل يعني، يهيأ إليَّ أنه حديث.


رؤية بن لادن لاتفاقية بلير بوش

محمد كريشان: نعم، مثلما ذكرت سنحاول أن نركز نقاشنا حول ثلاث محاور أساسية، ما وصفه أسامة بن لادن باتفاقية بلير – بوش ، محور أول. محور ثان: ما اعتبره عجزاً للحكام وخيانة منهم. والمحور: الثالث والأخير بداية النهاية للولايات المتحدة -حسب أسامة بن لادن- من خلال المستنقع الأفغاني.

إذا بدأنا مع السيد عبد الباري عطوان فيما يتعلق بما وصفه بن لادن باتفاقية بلير – بوش، هل ترى بعض المبالغة فيما طرحه أسامة بن لادن من عرض تقسيم المنطقة بهذا الشكل الشامل والكامل بما يجعل دولة إسرائيل الكبرى -كما قال- تشمل فلسطين والأردن وسوريا وأجزاء كبيرة من العراق، وأجزاء كبيرة من السعودية بعد تقسيمها هل هو سيناريو كارثي ومبالغ فيه؟

عبد الباري عطوان : والله لا أعتقد أنه سيناريو كارثي ومبالغ فيه على الإطلاق يعني، كولن باول وزير الخارجية الأميركي قبل عشرة أيام أمام لجنة مجلس الشيوخ الأميركي قالها صراحة: نحن نهدف من احتلال العراق إعادة رسم خريطة المنطقة العربية بما يتناسب مع المصالح الأميركية في المنطقة، ما هي هذه المصالح الأميركية؟

أول هذه المصالح الأميركية أن تظل إسرائيل قوية مهيمنة تملك أسلحة دمار شامل، أسلحة كيماوية ، أسلحة بيولوجية، أسلحة نووية، وأن يستمر احتلالها وهيمنتها على المنطقة بأسرها.

الشق الآخر للسياسة الأميركية في المنطقة هو أن تستولي على منابع النفط، أن تتحكم بإمداداته أن تخفض أسعاره بما يؤدي إلى ازدهار الاقتصاد الأميركي والاقتصاد الأوروبي على وجه التحديد لأنه يواجه حالة من الركود.

ثم النقطة الثالثة هي استخدام ورقة النفط واحتياطات النفط الهائلة في المنطقة كورقة ضغط للتحكم في الاقتصاد العالمي في مراحل لاحقة.

نحن نعرف أن هناك مطامع إسرائيلية، هناك إسرائيل الكبرى، يعني ليس شرطاً أن تكون إسرائيل الكبرى أن تمتد جغرافياً يعني، ممكن أن تمتد إسرائيل كهيمنة اقتصادية، كهيمنة سياسية، كهيمنة عسكرية على المنطقة، يعني نحن نعرف الآن هي قوة عظمى استطاعت أن ترهب جميع الدول التي حولها وشاهدنا الدول العربية حتى الانتفاضة لم تعد تتحدث عنها،لم تعد تذكرها في بياناتها سواء بيانات وزراء الخارجية العرب أو وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي أو القمم العربية، على اعتبار هذه الانتفاضة باتت إرهاباً، فالهيمنة الإسرائيلية ليس شرطاً أن تكون حدود وتحريك قوات، ممكن أن تكون يعني هيمنة سياسية وهيمنة اقتصادية وهيمنة عسكرية، فهذا أمر موجود، أما بالنسبة لتقسيم المنطقة فيعني الحديث عن تقسيم المملكة العربية السعودية هذا موجود، صحيفة الـ(US news and world report) كتبت افتتاحية كاملة في هذا الإطار وقالت أن المملكة العربية السعودية يجب أن تقسم إلى ثلاثة أقسام، منطقة النفط اللي هي المنطقة الشرقية أو الحسا وتكون فيها يعني عدد سكان قليل وثروات نفطية هائلة بحيث تقوم دولة تعتمد بالكامل في حمايتها على الولايات المتحدة مثل قطر و.. مثلاً الإمارات والكويت وغيرها، أيضاً هناك حديث عن تقسيم العراق وقبل أربعة أو خمسة أيام جرى نشر العديد من الأخبار عن تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق إدارية بحيث تتولى كل دولة إدارة مثلاً أميركا تدير جزء، بريطانيا تدير جزء، وربما تركيا تدير جزءًا آخر، وهذا مثبت وجرى إعداد القوات البريطانية الذاهبة إلى العراق لكي تتولى هذا الأمر مثلما حدث في ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية عندما جزئت إلى ثلاث أجزاء: جزء إيطالي، جزء فرنسي، جزء بريطاني.. وجزء أميركي، ونحن نعرف هذا التاريخ جيداً، فأعتقد أن لا توجد هناك أي مبالغة، هناك نظرة استراتيجية تواجه النظرة الاستراتيجية التقسيمية الأميركية، وهذا ما تركز عليه الجزء الأول على الأقل من خطاب الشيخ أسامة بن لادن.

محمد كريشان: عندما استعرض هذا الأمر أسامة بن لادن تساءل : ماذا أعد حكام المنطقة، أجاب: لا شيء سوى زيادة الولاء للصليبيين، دكتور عايد المناع، هل تعتبر مثل هذا التشخيص للوضع تشخيصاً سليمًا؟

د. عايد المناع: أبداً، أنا الحقيقة لا أرى في تشخيص الأخ بن لادن غير إنه الحقيقة يحاول -بقدر ما يستطيع- أن يستنهض مجموعات من الشباب وخاصة الحقيقة صغار السن الذين يعني لا تتجاوز أعمارهم الـ25 ليكونوا ضمن التيار الذي يمهد له الطريق ليحقق أحلامه هو، مسألة الحديث عن الهجمة الصليبية وعن المشروع الصهيوني وإلى آخره، هذه الحقيقة هي المبررات التي يستخدمها لاستثارة الأمة وتخويفها من المستقبل، وكأن الحين الأمة العربية تعيش في نعيم وتتمتع بكامل حريتها السياسية وحرة في كل ما تريد ولديها القدرة على أن تفعل ما تشاء، بن لادن أمانة يعني..

محمد كريشان [مقاطعاً]: ولكن عفواً دكتور.. عفواً يعني، ربما يكون لديه هذا الهدف ولكن أليست المعطيات الحالية وواقع الحال ربما يغذي مثل هذا التحليل؟

د. عايد المناع : المعطيات الحالية هذه منذ استقلال الدول العربية إلى اليوم، لم تتغير نحو الأسوأ وإن لم تتحسن بعض الشيء، إذا كان الحقيقة البعض رأى القوات الأميركية رؤيَ العين بعد احتلال نظام صدام حسين للكويت فهذا الحقيقة مصاب بعمى ألوان مع احترامي وتقديري، البريطانيين كانوا موجودين والفرنسيين كانوا موجودين في المنطقة العربية كلها خرجوا وحلوا الأميركان محلهم بشكل أو بآخر، وكان هذا الإحلال إحلال شكلي، لكن بعد احتلال صدام حسين للكويت أصبح الآن هناك وجود فعلي لردع هذا النظام وتحرير الشعب العراقي منه، أنا أعرف أن هذا الكلام لا يريح الكثيرين بما فيهم بعض ضيوفك الموجودين الآن، لكن هذه هي الحقيقة، نحن الآن أمام قوة عالمية تريد أن تنفذ القرارات الدولية، طبعاً راح يقولون لماذا لا تنفذها في فلسطين؟ هات قرارات دولية تنزع أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية وطالب الإسرائيليين يا أخي وعساك تحرر كل فلسطين، المسألة بالنسبة لبن لادن هو يريد أن يكون زعيم بأي ثمن.

محمد كريشان [مقاطعاً]: ولكن المشكلة التي أشار.. النقطة التي.. عفواً، النقطة التي أشار إليها أسامة بن لادن فيما يتعلق بتقسيم المملكة العربية السعودية، سيد التميمي في لندن، يعني إلى حد كبير عندما يتحدث حتى غلاة المتخيلين للسيناريوهات الأسوأ في المنطقة يعتبرون بأن دائماً المملكة العربية السعودية كانت خط أحمر نظراً لمكانتها الدينية، عندما يشير أسامة بن لادن لهذا المخطط التقسيمي ويدخل حتى أجزاء من المملكة فيما وصفه بإسرائيل الكبرى ألا يعتبر هذا يعني نوع من التخويف قد لا يكون في محله أم فعلاً القضية مطروحة بشكل جدي؟

د. عزام التميمي: فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية أظن أن أسامة بن لادن على دراية بالتوتر الذي كان قائما وأظنه ما يزال قائما ما بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، يعني الشتائم التي تبودلت في فترة من الفترات في الإعلام الآن حتى الآن أنا كنت مؤخراً في الولايات المتحدة الأميركية، الإعلام الأميركي يعامل المملكة العربية السعودية بما في ذلك العائلة الحاكمة بازدراء شديد بل ويتهمها بأنها تمول أسامة بن لادن، يتهمها بأنها تمول الإرهاب ولذلك تجد كل هذه الاقتراحات في وسائل الإعلام، وما ذكره الأستاذ عبد الباري نموذج من ذلك، ناس تقترح طب قسموهم طب اعملوا.. لأن الأميركان يعيشون في حالة من الكبرياء الأعمى، يعني يظنون أنه بإمكانهم أن يفعلوا ما يريدون فيأتي كلام بن لادن فيما يتعلق بهذه النقطة ضمن أمور جارية، لكن أظن فيما يتعلق بإسرائيل الكبرى لا أوافقه الرأي في تحليله لأن المشروع الصهيوني لم يعد قادراً منذ فترة على أن يتمدد جغرافياً، وإن كان -كما ذكر الأستاذ عبد الباري- يمكن أن يكون هذا التمدد عبر هيمنة سياسية واقتصادية، طبعاً الهيمنة السياسية للمشروع الصهيوني مازالت موجودة، معظم الأنظمة العربية للأسف تدور في الفلك الصهيوني وتمكِّن للصهاينة في المنطقة، اللي هيحصل حقيقة هو أن إسرائيل يمكن إذ ما تم ضرب العراق ستضمن إلى فترة أطول من الزمن أن تظل الدولة الإقليمية الوحيدة التي تتمتع بأسلحة نووية وأسلحة دمار شامل وقادرة على إرهاب الجميع في المنطقة.


تشخيص بن لادن لشرعية الحكام في المنطقة العربية

محمد كريشان: ولكن كيف يمكن أن نفصل، وهنا أتوجه إلى السيد عبد الباري عطوان، كيف يمكن أن نفصل بين المعارضة الشديدة لأسامة بن لادن لنظام الحكم في السعودية وبين هذا السيناريو الذي يعرضه؟ بمعنى آخر: عندما يضرب أسامة بن لادن شرعية الحكم في السعودية، ويشير حتى إلى انتقال الولاء من بريطانيا إلى الولايات المتحدة قبل 60 عاماً ويشير حتى إلى تأسيس المملكة العربية السعودية منذ البداية، ومشروعية هذا التأسيس، كيف يمكن أن نفصل بين هذا الاعتراض سواء كان فيه محقاً أو غير محق بطبيعة الحال، وبين السيناريو الذي يعرضه؟ هل هناك تداخل ونوع من تصفية حسابات إن صح التعبير؟

عبد الباري عطوان: لأ هو.. ليست مسألة تصفية حسابات، هذه هي المرة الأولى أولاً التي يتطرق فيها الشيخ أسامة بن لادن إلى نظام الحكم في المملكة العربية السعودية بهذه الصراحة وبهذا الوضوح، أولاً هو يرفض بأن يعترف بأن هناك مملكة، ويرفض أن يعترف أن هناك سعودية، بدليل أنه يستخدم تعبير أرض الحرمين ولم ينطق مطلقاً باسم اللي هي التسمية الرسمية للبلاد اللي هي المملكة العربية السعودية، هذه نقطة.

النقطة الثانية: هو كفر جميع حكام الخليج وليس فقط المملكة واعتبرهم مرتدين، يعني مثلاً قال إنه الخلاف مع هؤلاء الحكام ليس خلافاً فرعياً يمكن حله، هؤلاء الحكام والوا الكفار واختاروا الأمم المتحدة والولايات المتحدة وولايتهم سقطت شرعاً ولا سبيل للبقاء تحتها، وذهب إلى أبعد من ذلك، عندما قال: هل يمكن أن يقول مسلم لمسلم ضعوا يدكم في يد كرزاي لأنه عميل أميركا، وقال هناك كرزاي في الرياض وكرزاي في قطر وكرزاي في البحرين، وكرزاي في غيرها من.. والكويت، أيضاً قال أن الصليبيون هم الذين نصبوا حكام الخليج، يعني وسمَّى أيضاً جميع دول الخليج، فهذا دليل أن الهدنة السابقة أو العرف المكتوب بألا يتطرق لحكام المملكة العربية السعودية هذا قد سقط، والآن يبدو أنه في صدد إعلان معركة أن يكفر حاكم وأن يشكك في شرعيته وأن يعتبره موالي للصليبيين وموالي للكفار فهذا يعني أن ربما يؤدي إلى عمليات ربما حتى أو أعمال عنف ضد هؤلاء الحكام، وليس فقط السعودية ربما كل دول الخليج.

محمد كريشان: ولكن عفواً سيد عبد الباري.. عفواً سيد عبد الباري، هناك مسألة ربما أساسية: لماذا التركيز فقط على حكام منطقة الخليج وربما إعفاء البقية؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال، فريد، لو نستمع إلى المقتطف الثاني لأسامة بن لادن والذي أشار فيه لهذه المسألة بالذات بالتحديد لموضوع حكام الخليج وهذه المقارنات بين كرزاي أفغانستان ومجموعة كرزايات الخليج حسب تعبيره. تفضل.

أسامة بن لادن: أول هذه القيود والسدود في عصرنا الحاضر هم الحكام وشهداء الزور من علماء السوء ووزراء البلاط وأصحاب الأقلام المأجورة ومن شابههم، فأما الحكام فقد اتفق الناس على عجزهم وخيانتهم، وأما الذين يطالبون الناس بأن يضعوا أيديهم في أيدي هؤلاء الحكام، برغم كل ذلك نقول لهم: متى نزعت الشعوب أيديها من أيدي الحكام حتى ينصحوا بأن يعيدوا أيديهم مرة أخرى، فهذا لم يحدث، والنتيجة كما ترون هيمنة الكفار علينا وقد قيل:

ومن خانه التدبير والأمر طائع

فلن يُحسن التدبير والأمر جامح

فخلافنا مع الحكام ليس خلافاً فرعياً يمكن حله، وإنما نتحدث عن رأس الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهؤلاء الحكام قد نقضوها من أساسها بموالاتهم للكفار وبتشريعهم للقوانين الوضعية وإقرارهم واحتكامهم لقوانين الأمم المتحدة الملحدة، فولايتهم قد سقطت شرعاً منذ زمن بعيد، فلا سبيل للبقاء تحتها، والمقام لا يتسع لوصف هذا الأمر هنا، ولكن قد ذكرنا أقوالاً لأهل العلم -رحمهم الله- في البيان السابع عشر الصادر عن هيئة النصيحة والإصلاح، وبعد ذلك نقول: هل يمكن لمسلم أن يقول للمسلمين ضعوا أيديكم في يد كرزاي للتعاون لإقامة الإسلام ورفع الظلم وعدم تمكين أميركا من مخططاتها؟ فهذا لا يمكن ولا يُعقل، لأن كرزاي عميل جاءت به أميركا ومناصرته على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام العشرة، مخرج من الملة، وهنا لنا أن نتساءل: ما الفرق بين كرزاي العجم وكرزاي العرب؟ من الذي ثبت ونصب حكام دول الخليج؟ إنهم الصليبيون، فالذين نصبوا كرزاي كابول وثبتوا كرزاي باكستان هم الذين نصبوا كرزاي الكويت وكرزاي البحرين وكرزاي قطر وغيرها، ومن الذين نصبوا كرزاي الرياض وجاءوا به بعد أن كان لاجئاً في الكويت قبل قرن من الزمان ليقاتل معهم ضد الدولة العثمانية وواليها بن الرشيد، إنهم.. إنهم الصليبيون، ومازالوا يرعون هذه الأسر إلى اليوم، فلا فرق بين كرزاي الرياض وكرزاي كابول (فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ)، قال تعالى: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلائِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) إن الحكام الذين يريدون حل قضايانا ومن أهمها القضية الفلسطينية عبر الأمم المتحدة أو عبر أوامر الولايات المتحدة فما حصل بمبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز في بيروت ووافق عليها جميع العرب والتي باع فيها دماء الشهداء وباع فيها أرض فلسطين إرضاءً ومناصرة لليهود وأميركا على المسلمين، هؤلاء الحكام قد خانوا الله ورسوله وخرجوا من الملة وخانوا الأمة.

محمد كريشان: عادة يوصف تعبير كرزاي للحكام الذين ستأتي بهم واشنطن بدل الحكام الحاليين، هذه المرة أسامة بن لادن يتحدث عن الحكام الحاليين ككرزاي.. كرزاي في الكويت، في البحرين، في قطر، في الرياض، دكتور عايد المناع كيف تنظر إلى مثل هذا التقييم للحكام الحاليين وليس الحكام القادمين أصلاً.

د. عايد مناع: والله أنا بأعتقد يعني إن يعني تصنيف السيد بن لادن تصنيف كيفي وأعتقد أن الرجل بالفعل يعني يعيش في أزمة نفسية ويحاول قدر الإمكان أن يتغلب على.. على هذه الأزمة بتبني خط متشدد يدعو إلى الجهاد ويدعو إلى الحرب، لكن إذا سمحت لي يا أخ محمد، أنا الحقيقة فقط أقول: إنه الرجل يعني لم يكتف بوصفهم بكرزايات، مع أنه حقيقة هم استمدوا شرعيتهم من شعوبهم ومنذ قرون من الزمن قبل أن يولد بن لادن وقبل أن يفكر لنا بنظريته التي لم يفكر بها غيره، هناك الحقيقة يعني أحاديث نبوية وآيات قرآنية تحث حقيقة على طاعة ولي الأمر وبن لادن بهذا الاتجاه إذا كان فعلاً يتحدث بلغة الإسلام هو خالف ذلك، الله -سبحانه وتعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) وأيضاً في الحديث..

محمد كريشان[مقاطعاً]: ربما هذه.. هذه ربما.. هذه النقطة تحديداً.

د. عايد مناع: اسمح لي بس.

محمد كريشان: التي سنحاول أن.. أن نسأل فيها الشيخ عبد العزيز القاسم وهو (كاتب وداعية إسلامي سعودي) التحق بنا الآن، دكتور ما ذكره أسامة بن لادن في الشريط يعتبر نوع من طلاق بائن -إن صح التعبير- ونفض اليد بالكامل من أي إمكانية إصلاح للأنظمة القائمة حالياً في المنطقة بشكل عام، في دول الخليج، في السعودية تحديداً، أنتم من بين الذين يسعون إلى الإصلاح، ومن بين الذين يعتقدون بإمكانيته الحقيقية، كيف تنظر إلى هذا المنطق التيئيسي من عمليات الإصلاح في الخليج؟

عبد العزيز القاسم: شكراً أستاذ محمد، أعتقد هذه القضية فعلاً هي قضية الساعة بالنسبة للداخل الخليجي بشكل عام فأسامة بن لادن يستمع إليه تيار مهم في منطقة الخليج وهذه اللغة الحادة لغة الأبيض والأسود، لغة القطيعة مع كل شيء، لغة القطيعة مع أي شكل من أشكال التواصل مع المحيط السياسي المحلي أو الدولي، لغة أصبحت الآن تلقى رواج كبير نتيجة لتراكم اليأس، نتيجة لتراكم الإحباط، وأيضاً نتيجة لإحباطات مشروعات التنمية الموجودة ونتيجة لإهمال بناء الإنسان في الفترة الماضية التي تبعت ثورة النفط أو الثروات العائدة من النفط، كل هذا يفرض على المنطقة.. يفرض على النخب الإسلامية أن تحدد أو أن تجدد في خطابها بحيث يظهر خطاب إصلاحي واضح يستطيع أن يتبنى إصلاحية سياسية سلمية وأيضاً على الحكومات في منطقة الخليج بشكل عام وفي المنطقة.. خاصة وفي المنطقة العربية أن تفتح المجال لانطلاق خطاب إسلامي معتدل يتعاطى في المجال العام، يتحدث في الإصلاح السياسي، في الاقتصادي، في الإصلاح التنموي، بحيث يمكن أن نحقق توازن في.. في المنطقة وبغير هذا سيؤدي الصمت القائم حالياً.. ستؤدي القيود المفروضة على الحديث.. على الحركة، على التنظيم الاجتماعي ستؤدي إلى انجراف كبير للشباب، انجراف كبير للجمهور باتجاه مثل هذا الخطاب.

محمد كريشان: يعني.. يعني شيخ برأيك يعني كلما استطاع حكام المنطقة أن يتقدموا خطوات إصلاحية سريعة كلما انحسر هذا المنطق العدمي الأبيض والأسود مثلما ذكرت؟

عبد العزيز القاسم: بدون شك، هذه.. هذا هو الرهان المستقبلي وهذا هو الرهان المستقبلي ليس فقط على مستوى السياسيين، بل حتى على مستوى النخب المثقفة، إذا لم يظهر خطاب إصلاحي تجديدي يستطيع أن يوائم بين الشريعة وبين متطلبات ومنجزات الإنسان في العصر الحديث، النتيجة الطبيعية هي هذا الإحباط والانجراف وراء هذا الخطاب الذي نعرف نتائجه، الشيخ أسامة تحدث طبعاً عن انتصارات، عن مدمرة كول وعن غيرها، لكن لم يتحدث عن مجازر الجزائر ولم يتحدث عن الدعم الأميركي وحلفائه في أفغانستان ولم يتحدث عن الإخفاقات في.. أيضاً في أوروبا الشرقية في الشيشان أو غيرها، إظهار اللون الأبيض للجهاد وإخفاء مآسيه نوع من.. من تتويه الشباب، نوع من رسم صورة مغرية لحمل السلاح، لن.. لن تقاوم هذه الصورة إلا من خلال انطلاق آمال جديدة، من خلال عمل مدني سلمي يحقق الشرعية من ناحية ويحقق مصالح الناس من ناحية أخرى.

محمد كريشان: نعم، السؤال الذي سألناه قبل قليل للسيد عبد الباري عطوان في لندن، أسامة بن لادن ركَّز هذه المرة بشكل غير مسبوق -مثلما ذكرت- على السعودية وعلى حكام المنطقة في الخليج، وكأن البقية معفية تماماً من أي لوم يمكن أن يوجه إليها، ألا يعتبر هذا أيضاً نوع من التحيز على أساس إرجاع كل مصائب الأمة الآن إلى مجموعة محددة من الحكام العرب دون غيرهم؟

عبد العزيز القاسم: أعتقد ربما كان التركيز له يعني جانبان الجانب الأول أن.. أنه يشهد تيار متنامي في الخليج فهو يخاطب هذا التيار في الخليج، هذه نقطة، النقطة الأخرى أن المعركة أو الأزمة الآن تمس الخليج بدرجة أساسية.

محمد كريشان: يعني هو.. هو السؤال على كل كان موجَّه للسيد عبد الباري أنت تطوعت بالرد عليه، شكراً، سيد عبد الباري من لندن.

عبد الباري عطوان: يا سيدي أولاً هو يعني تحدث عن حكام الخليج على وجه التحديد لعدة أمور، الأمر الأول أنه أسامة بن لادن هو مواطن خليجي بالدرجة الأولى، ثانياً أن القواعد الأميركية موجودة حالياً في منطقة الخليج، لا توجد قواعد أميركية مثلاً في ليبيا، لا توجد قواعد أميركية في سوريا، لا توجد قواعد أميركية في العراق، لا توجد قاعدة أميركية في مصر، نحن نعرف أن ثلثي الكويت الآن منطقة عسكرية مغلقة وفيها أكثر من 115 ألف جندي وفق الإحصاءات الرسمية، ولا نعلم كم ألف دبابة وطائرة، نحن نعرف أن هناك قواعد، قاعدة الخافجي في السعودية، هناك قاعدة العُديد في قطر، هناك أيضاً قواعد جوية في الإمارات و.. وقواعد بحرية في البحرين، فهو يتحدث إلى هذه المنطقة التي توجد فيها قوات أميركية، أو قوات صليبية حسب تعبيره، لكنه أيضاً أشار إلى اليمن وأشار إلى نظام الحكم في اليمن واعتبره مرتد ومتعاون مع الأميركيين، يعني هو يتحدث عن الذين يتعاونوا، لكن خصَّ دول الخليج وحكام الخليج على وجه التحديد وقال أن الصليبيين هم الذين نَصَّبوهم، لأنه يعني يعتقد أن هذه الدول الآن هي التي يعني تلعب الدور الأكبر أو ستكون المنطلق لغزو العراق وتدميره، وهو يعني ميزة الشيخ أسامة بن لادن أنه يختار التوقيت بشكل جيد، يعرف كيف يختار التوقيت لتوجيه رسائله إلى الشباب المسلم أو إلى العالمين العربي والإسلامي، وأعتقد أنه في هذه اللحظة يدرك جيداً بأن حالة الكُره للولايات المتحدة الأميركية في قمتها، حالة العجز الرسمي العربي في قمتها، فالمواطن العربي والمسلم يكره حكامه ربما أكثر مما يكره الولايات المتحدة الأميركية لأن العالم كله يتظاهر حالياً 15 مليون شخص تظاهروا في كل أنحاء العالم بما في ذلك في الدول الأساسية التي تشارك أميركا عدوانها زي مثلاً بريطانيا، زي إسبانيا، بينما هذه الشعوب العربية نائمة مخدرة، لا تقول شيئاً، فهو يختار التوقيت بشكل جيد وربما اختياره لبث هذا الشريط من خلال الإنترنت يعني كان يقصد الوصول إلى الجماهير العربية والإسلامية وتحريكها، فاختياره حكام الخليج نعم، يعني لماذا نكذب على أنفسنا، طيب ما هو يعني هناك يعني مذكرة الرؤى التي تقدم بها الدكتور عبد العزيز القاسم و104 آخرين في السعودية كانت تتحدث عن فساد، كانت تتحدث عن هدر المال العام، كانت تتحدث عن دَيْن عام متضخم، كانت تتحدث عن عدم المساواة في الوظائف، كانت تتحدث عن الفقر، كانت تتحدث عن احتقان داخلي، تطالب بانتخاب مجلس الشورى بفاعليات، تطالب بحوار.. مؤتمر حوار وطني، طيب هذا موجود، يعني إذا كان هؤلاء الشجعان وهذه المجموعة المؤمنة أو المؤمنة بإصلاح بلدها وإنقاذه من التقسيم تقدَّمت بهذه الإصلاحات هذا دليل على أن الشيخ أسامة بن لادن على تماس بالأوضاع في.. في منطقة الخليج وعلى تماس بيعني وقادر على قراءة الشارع الخليجي على وجه التحديد والشارع العربي أيضاً، ولهذا اختار هذا التوقيت لكي يتقدم بهذه الرسالة أو بهذا الخطاب الكامل الشامل الذي يعكس رؤية استراتيجية ورؤية سياسية ورؤية تحليلية للمنطقة وما هي مقدمة عليه من أخطار.

محمد كريشان: على ذكر الإصلاح طالما أن أسامة بن لادن -وهنا أتوجه للدكتور تميمي- طالما أن أسامة بن لادن استشهد بالنبي شعيب وأشار إلى الإصلاح ما استطعت أن يعجل بالحسم النهائي والقاطع مع حكام المنطقة بما يعنيه ذلك بكفر بأية إمكانية للإصلاح، إلى أي مدى يربك الإصلاحيين في منطقة الخليج ويجعلهم في وضع صعب؟

د. عزام التميمي: لاشك أن ذلك يربك كل من يريد الإصلاح بطريقة سلمية، وطبعاً خطورة خطاب بن لادن هو في أنه يتلقى قبولاً كبيراً لدى قطاع واسع من الشباب، فلو جاء إصلاحي يقول مثلاً: يا جماعة خلينا نطالب بالديمقراطية ونطالب باحترام حقوق الإنسان، وإحنا شايفين لا فيه ديمقراطية ولا فيه احترام حقوق إنسان، يأتي الشباب فيقول: ما هذا الكلام الذي تقولون لا قيمة له، الجهاد هو الوسيلة الوحيدة، وخاصة حينما تُمعِن الولايات المتحدة الأميركية ومعها الحكومة البريطانية هنا في إعداد العدة للانقضاض على العراق رغم براءة العراق من كل ما يتهمونه، فهذا يعزز الخطاب الذي ينطلق به أسامة بن لادن، ويرى الشباب له مصداقية وفاعلية بينما نحن الذين نقول حبذا.. خطوة خطوة، حبة حبة يا الله ننتقل من الوضع الأسوأ إلى الأقل سوءاً، نهمش، لأن كلامنا لا قيمة له ولأن الأنظمة القائمة لا تريد لا ديمقراطية ولا تريد احتراماً لحقوق الإنسان، والحقيقة هنا لابد من التوقف عن الضحك على الذقون وإطلاق وصف ولي الأمر على هؤلاء الحكام، يعني ولي الأمر كان يُطلق على أبي بكر، رضي الله عنه، على عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على هؤلاء.. على عمر بن عبد العزيز الذين كانت أموال الأمة للأمة وكانوا يقضون ليلهم ونهارهم ويصلونه في خدمة حتى المواشي والدواب والشجر في الأمة وليس فقط البشر، أما حكامنا اليوم الذين فتحوا البلاد كلها أمام القوات الأميركية، فكيف تقنع شاباً في المملكة العربية السعودية أو في أي دولة من دول الخليج أو حتى هنا في أوروبا بأن أسامة بن لادن متطرف أو يقول كلام غير صحيح، لأن ما يراه على أرض الواقع يؤكد كلامه ولا يكذبه.

محمد كريشان: نعم، بذلك نكون استوفينا إلى حدٍ ما المحور الأول، وكذلك الثاني، الخاص باتفاقية بلير – بوش، والمحور الثاني الخاص بتشخيص أسامة بن لادن لشرعية الحكام في المنطقة، سنحاول أن ندخل الآن في المحور الثالث الخاص بما اعتبره أسامة بن لادن بداية النهاية للولايات المتحدة من خلال المستنقع الأفغاني، بين قوسين، والتعبير أيضاً لأسامة بن لادن، سنتناول هذا المحور بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

بداية النهاية لأميركا من خلال المستنقع الأفغاني

محمد كريشان: المحور الثالث الذي سنتناوله أشار إليه أسامة بن لادن باعتباره نهاية العصر الأميركي أو قوة الولايات المتحدة من خلال مؤشرات سردها في الوضع الأفغاني الآن، نحاول أن نتابعها مرةً أخرى ثم نعود إلى ضيوفنا.

أسامة بن لادن: أبشركم أن الجهاد في أفغانستان قائم اليوم بشكلٍ جيد والحمد لله، والأمور تسير نحو الأحسن لصالح المجاهدين -بفضل الله- وها نحن في السنة الثانية من القتال ولم تستطع أميركا أن تحقق أهدافها، وإنما تورطت في المستنقع الأفغاني، وأما ما اعتبرته أميركا في الأشهر الأولى للحرب بأنه انتصار بعد أن استولت على المدن نتيجة إخلاء المجاهدين لها، فإنه لا يخفى على الخبراء العسكريين عامة والعارفين بأفغانستان خاصة أنه كان انسحاباً تكتيكياً يتماشى مع طبيعة دولة الطالبان ومع طبيعة الأفغان في تاريخهم الطويل مع حروب العصابات، فلم يكن هناك جيشٌ نظاميٌ لدولة الطالبان حتى يدافع عن المدن، لذا لجأ الأفغان -بعد الله- إلى قوتهم الكامنة في قدراتهم لشن حروب العصابات من عمق جبالهم الوعرة، وبنفس التكتيك الذي قهروا به -بفضل الله- جيش الاتحاد السوفيتي من قبل، وقد ثبت ذلك بعد أن بدأت حرب العصابات وارتفع معدل العمليات إلى عمليتين يومياً، فالأميركيون في ورطةٍ حقيقيةٍ اليوم، فلا هم يستطيعون حماية قواتهم ولا هم قادرين على تشكيل دولةٍ تحمي رئيسها، فضلاً عن أن تحمي الآخرين، وقد تم -بفضل الله- التنسيق مع جميع المجاهدين خلال العام المنصرم، والجميع متحمسون للجهاد ويرونه واجباً عليهم، ولولا قلة الإمكانيات لتيسر رفع عدد العمليات اليومية إلى الحد الذي كانت عليه في الجهاد السابق ضد الروس، وهذا ما لا يحتمله الأميركيون، لذا فإنه من الواجب المتعيِّن على الأمة اليوم أن تدعم الجهاد عموماً بما في ذلك فلسطين وأفغانستان، وهذه المحاور من أهم المحاور التي ينبغي التركيز عليها لاستنزاف اليهود حلفاء الأميركيين ولاستنزاف الأميركيين حلفاء اليهود، وإن هزيمة أميركا في أفغانستان -بإذن الله- تكون بداية النهاية لها، ولن تُؤتوا -بإذن الله- من قِبلنا مع أن.. من قِبلنا مع إخواننا المجاهدين الأفغان بإذن الله، فنرجو أن لا نُؤتى من قِبلكم.

محمد كريشان: إذن هل الولايات المتحدة فعلاً الآن في أفغانستان في ورطة حقيقية؟ وأن ذلك هو بداية النهاية مما يُعتبر نوع من رفع معنويات الجمهور المسلم في هذه المرحلة؟ نسأل الشيخ عبد العزيز القاسم من الرياض.

عبد العزيز القاسم: شكراً أستاذ محمد، بداية النهاية قضية كبيرة و.. ويصعب الحديث عنها في مثل هذا الوقت، لكن الحديث عن حرب تحرير أفغانية ضد الأميركان هذا أمر وارد وقد حدث في مرات عديدة، لكن المهم أن.. حين يوجه هذا الحديث إلى المستمع العربي فنحن نتحدث عن.. فهو يتحدث عن نوع من رفع الهمة للمواجهة الشاملة، وهنا تأتي قضية المشكلة الأساسية في خطاب الجهاد، وهي افتراض أن الإصلاح يتم من خلال العمل المسلح ضد الولايات المتحدة بمجمل العالم، هذه القضية هي التي تحتاج إلى إثبات، هذه القضية هي التي نقرأ الآن تداعياتها الكارثية، فإذا كان ضرب مانهاتن أدى إلى احتلال أفغانستان وقد يؤدي إلى احتلال العراق فنحن أمام نتائج غير متناسبة بأي شكل من الأشكال مع المكاسب إذا افتُرضت.. إذا افتُرض وجودها، ومن هنا.. يعني يمكن أن نشاهد بوضوح قضية بداية النهاية.

محمد كريشان: نعم، دكتور المناع في الكويت، هل تعتبر هذه الإشارة أيضاً من أسامة بن لادن في سياق منطق التغرير بالشباب الذي تتبناه؟

د. عايد مناع: والله أنا أعتقد -وبكل أسف- إنه لا يبعد عن ذلك كثيراً، هو بنفس الوقت الرجل يعني جاهد بأفغانستان قبل طالبان وبعد طالبان، وبالتالي هو يمكن يُسجل له سبق الجهاد في السابق، لكن الحقيقة أنا فقط أريد أن أسأل الذين يفكرون بعقولهم -مع الاحترام للذين يفكرون بعواطفهم- أنه الحرب التي شنها المجاهدون على حكومة كابول بعد أن قيل أنها سقطت بأيدي جماعة يسارية برئاسة (تراقي) ثم الذين تلوه فيما بعد ماذا جرَّت غير دمار شامل لأفغانستان؟ وبعد إسقاط حكومة نجيب الله ماذا جرَّت هذه العمليات الجهادية غير حرب ما بين المجاهدين أنفسهم؟ أدت في نهاية الأمر إلى بروز حركة طالبان، فهل سادت الوضع؟ جرَّت إلى حروبٍ أخرى مع المجاهدين السابقين والذين بعضهم الآن يمكن مثل حكمتيار انضموا إلى طالبان، وبالتالي..

محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم، ولكن يعني ربما هو ما.. ما يلفت الانتباه إشارة بن لادن إلى أن ما يجري الآن في أفغانستان هو بمعدل عمليتين في اليوم، وبأنه لو دُعم هؤلاء لكانت النتيجة ربما أثقل بالنسبة للولايات المتحدة. سيد عبد الباري عطوان، هل يمكن أن نشاطر تحليل أسامة بن لادن بأن واشنطن تعيش الآن حرب استنزاف حقيقية في أفغانستان؟

عبد الباري عطوان: والله يا أستاذ محمد بس أود أشير إلى نقطة مهمة، يعني عندما انهار الاتحاد السوفيتي يعني كان انهياره بسبب تورطه في حروب خارجية وخاصة أفغانستان، يعني بداية انهيار الكتلة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي على وجه التحديد بدأ من أفغانستان وبدأ من هذه القلة المؤمنة التي هاجمت السوفيت في.. في أفغانستان، ونجحت في إلحاق أكبر هزيمة فيه، ومن.. من بعد الانسحاب في أفغانستان بدأت الانهيارات في الكتلة الشرقية.

أنا أعتقد يعني كمان أيضاً النازية لو نظرنا إلى أيام هتلر، بدأت سقوط النازية عندما يعني هذه توسعت في الاتحاد السوفيتي وفي بولندا، وبدأ بعد ذلك الهزائم والانكسارات، أيضاً الحملة الفرنسية يعني تحطمت على أسوار عكا وعكا يعني كانت اللي هو أحمد باشا الجزار لم يكن قوة عظمى في ذلك الوقت، لكن بدأت الحملة الفرنسية وحتى إمبراطورية نابليون تنهار بداية من عكا، واستمر الانهيار، ففي.. لو نظرنا إلى أفغانستان حالياً نعم، الولايات المتحدة الأميركية تواجه حرب استنزاف ضخمة، ومجلة "التايم" الأميركية -وهي ليست مجلة عربية ولا مجلة تصدر عن دولة متطرفة في العالم الإسلامي- قالت بأن الولايات المتحدة الأميركية تخفي خسائرها في أفغانستان، ونحن نعرف أن كرزاي فعلاً الذي يقوم على حماية كرزاي هم يعني من الـ CIA والـ FBI بعد أن يعني لم يعد يثق بالحراس الأفغان بعد أن جرى اغتيال نائبه، وتعرض وزير دفاعه لمحاولة اغتيال أيضاً، وأيضاً هو نفسه كرزاي تعرَّض لمحاولتي اغتيال، والوضع نحن نعرف في أفغانستان في حالة فوضى كاملة والولايات المتحدة الأميركية أو قواتها متحكمة في قواعد جوية مثل باغرام وغيرها، ولا يستطيعون الخروج من هذه القواعد، وشاهدنا أيضاً حتى في تورا بورا في الشريط الذي أذاعته (الجزيرة) يوم العيد للشيخ أسامة بن لادن أن كل خسائر المجاهدين العرب في أفغانستان كانت 6%، ولم يزد عددهم عن 300 شخص، يعني 18 مجاهداً يعني قُتلوا أو استشهدوا في هذا القصف، فهذا يعني بأن الحملة الأميركية لم تحقق أهدافها، بدليل أن الشيخ أسامة بن لادن يصدر أشرطة وأشرطة مطوَّلة، وفي حالة استرخاء كامل وفي حالة راحة كاملة، إذا.. إذا نظرنا إلى المستقبل القريب، إذا تم العدوان الأميركي على العراق، وصمد الشعب العراقي في مواجهة هذا العدوان، وطالت أمد الحرب، يعني سنرى ما هي.. كيف ستبدأ انهيار الإمبراطورية الأميركية، يعني إذا كانت هذه المظاهرات التي عمَّت العالم 15 مليون متظاهر في أوروبا فقط، يعني 15 مليون والحرب لم تبدأ بعد، فتخيلوا لو بدأت الحرب، وبدأنا نشاهد هؤلاء الأبرياء من أشقائنا في العراق يذبحون بالطائرات الأميركية وبالقنابل الأميركية، كيف سيكون حال العالم، وكيف سيكون حال الولايات المتحدة الأميركية؟ حتى لو إدارة بوش تراجعت عن الحرب، فهي هزيمة وربما تكون بداية الانهيار لها، أميركا في مأزق حقيقي وحكام العرب الذين يتحالفون معها في مأزق، وربما يأتي الخير من باطن هذا الشر الأميركي.

محمد كريشان: ومع ذلك كونداليزا رايس (مستشارة الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي) اعتبرت بأن هذه المظاهرات لن تثني الإدارة الأميركية عن محاولات الإطاحة بالرئيس العراقي.

سيد عزام التميمي، قد.. قد يكون الوضع سيئ في أفغانستان، ولكن أن ننتقل من هذا التشخيص إلى اعتبار أنها بداية النهاية لقوة عظمى مثل الولايات المتحدة، إلى أي مدى يمكن أن نميز بين التحليل وبين التفكير بالعواطف -مثلما أشار الدكتور منَّاع- أو التفكير بالتمني عند البعض الآخر؟

د. عزام التميمي: شوف هاي توصيف الناس بأنهم يفكرون بالعواطف أو يفكرون بالعقل، يعني هاي من أنواع الجدل المقصود فيه التقليل من قيمة المقابل أو الرأي المقابل، هناك تكتيم أميركي على ما يحدث في أفغانستان، وأنا أظن أنه لولا أن الولايات المتحدة الأميركية في ورطة حقيقية لما أعدت العدة للانقضاض على العراق، هي الحرب ضد العراق المقصود منها إخراج أميركا من المأزق التي أوجدت نفسها فيه أو وجدت نفسها فيه بسبب احتلالها لأفغانستان، بسبب إهمال القضايا المحلية داخل الولايات المتحدة الأميركية، بسبب عدم إمكانية حل الإشكال الاقتصادي في أميركا، لأن وضعوا إيدهم على بترول العراق والمنطقة بأسرها يمكن أن يحل هذا الإشكال لهم.

فيما يتعلق بالنهاية وبداية النهاية، المؤشرات كثيرة وواضحة جداً للعيان، من ناحية إيمانية أقول لك: إن من يدعي أنه رب العالم الأعلى يوشك أن يغرق كما أُغرِق فرعون في البحر، فرعون قال: أنا ربكم الأعلى، فغرق، والآن (جورج بوش) يقول: أنا ربكم الأعلى، وسوف يغرق ويغرق معه بلاده، ولذلك نحن هنا في.. في بريطانيا ومن خلال تواصلنا مع الشعب الأميركي نقول للشعب الأميركي: يجب أن تنهضوا من سباتكم، يجب ألا تسمحوا لهذه الفئة المتسلطة عليكم بقيادة جورج بوش والتيار اليميني المتصهين المحيط به إلى أن يغرقوا أميركا، ويزيلوا وجودها كقوة عظمى كما زال وجود الاتحاد السوفيتي، أميركا في مأزق حقيقي، والذين لا يزالون يخافون من أميركا، ويركعون أمام هذا الصنم الأميركي هم الذين يريدون أن يوهموننا بأن أميركا متماسكة، وأن أميركا تستطيع أن تضع أقدامها على هامة أي واحد منا يقول (لا) لأميركا.

محمد كريشان: نعم، دكتور المنَّاع في الكويت، إلى أي مدى ربما يكون الخليجيون عموماً هم الأكثر معنيين بهذا الكلام، هل مازال حكام المنطقة هم الوحيدين الساجدين أمام هذا الصنم الأميركي مثلما قال الدكتور عزَّام؟

د. عايد مناع: والله يا أخي أنا ما أني شايف أحد ساجد لصنم سواء كان ملكي أو غير ملكي، مع احترامي وتقديري يعني ضيوفك ثوريين باتجاه الخمسينيات من هذا القرن، وهذا طبعاً حقهم بأن يكونوا كذلك، إنه أميركا نفسها في ورطة.

محمد كريشان: ولكن عفواً.. عفواً دكتور يعني.. يعني الحديث عن الاستكبار الأميركي والغطرسة هذا حديث ليس.. ليس فقط حديث ضيفانا في لندن ولا حديث العرب، حديث حتى الأوروبيين، حديث الآسيويين، حديث الصينيين، يعني تحليل الغطرسة الأميركية -بين قوسين- أصبح حديثاً مشاعاً على الصعيد الدولي؟

د. عايد مناع: تسألني عن إنه فيه أصنام، وفيه ناس تسجد للأصنام، ليس هناك أصنام.

محمد كريشان: تعبير مجازي يعني.

د. عايد مناع: لا.. ليس هناك أصنام لا مجازي ولا فعلي، هناك علاقات دول قائمة، هناك حالة تولَّدت بعد سنة 1990، هذه موجودة ودول الخليج ملتزمة مثل ما هي ملتزمة دول أخرى باتفاقياتها مع الدول الأوروبية والأميركية، الولايات المتحدة -أخي محمد، حتى ما نوهم أنفسنا أكثر من اللازم- دولة عظمى وتستثمر قوتها الآن لتحقيق أهدافها سواء الأهداف اللي تتعلق بمجلس الأمن أو الأهداف التي تتعلق بالولايات المتحدة الأميركية، وستحقق أهدافها بالقوة العسكرية، وإذا كان هذا لا يرضينا كلنا، وأنا من الناس الذين لا يرضيهم ذلك إلا أنه هناك واقع علينا أن نتعامل معه لا أن الحقيقة نتعالى عليه، ونعتقد إنه إحنا بعمليات عصابات يقوم بها بن لادن في أقاصي أفغانستان أو ضرب جندي أميركي في الكويت أو ما شابه ذلك سنقض مضاجع الولايات المتحدة، إذا كان بن لادن، اسمح لي..

محمد كريشان: نعم.. نعم، يعني عفواً شيخ عبد العزيز القاسم، في نهاية الحلقة، مثلما أشار الدكتور عزام في لندن، حتى من الناحية الإيمانية البحتة، هل هذا الشعور سائد عند العرب فيما يتعلق بنهاية الولايات المتحدة بمنطق الاستكبار الذي يراه البعض قد فاق الحدود؟

عبد العزيز القاسم: أعتقد هناك يقين طبعاً بانتصار الحق والعدل في النهاية و.. ولاشك أن مجازفة الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة بالعدوان و.. والاستبداد والانفراد بتوجيه العالم نحو الحروب والمعارك ما فيه شك هذا السلوك لا يمكن أن يستمر ولا يمكن أن.. أن يدوم إلى الأبد، فأقرب حلفاء أميركا سيخالفها وينفضُّ عنها، ولكن أريد أن أعلِّق على القضية التي قيلت عن الخليج، أعتقد إن دول الخليج من الدول التي قاومت وتقاوم الاتجاه الأميركي نحو الحرب، ومن هنا يكون من الظلم أن نتحدث عن أصنام والسجود أمام الأصنام، هناك توازنات يجب أن ننظر إلى العلاقات الدولية في ميزانها المصلحي الذي يراعي فيه كل طرف مصالحه، نعم هناك أخطاء في دول الخليج، هناك فساد، هناك مشاكل، لكن لا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نظلم إلى النهاية هذا الشكل من التفكير الأبيض والأسود لن يقود أبداً إلى إصلاح ولن يقود أبداً إلى تواصل يمكن أن يحقق أرضية صلبة يقف أمامها.. يقف عليها الحاكم والمحكوم تجاه هذه الأخطار التي تحيق بنا. وشكراً.

محمد كريشان: شيخ عبد العزيز القاسم من الرياض شكراً جزيلاً لك، أيضاً نشكر ضيفنا في الكويت الدكتور عايد المناع، كما نشكر أيضاً.. أيضاً الدكتور عايد المناع، نشكر أيضاً ضيفينا في لندن السيد عبد الباري عطوان (رئيس تحرير القدس العربي الصادرة في لندن)، والدكتور عزام التميمي، ضيوفنا الأربعة تابعوا معنا آخر شريط صدر عن أسامة بن لادن ووصف بأنه خطبة لعيد الأضحى، لم نكن -كما ذكرنا- أول مَنْ بث هذا الشريط، وإنما فقط نحن.. نحن نبثه كاملاً دون انتقائية.

إذن هذه كانت حلقة خاصة من (قضايا الساعة) استمعنا فيها إلى الشريط، وحاولنا أن نفكك بعض القضايا السياسية التي وردت فيه وتركنا بالطبع القضايا الفقهية والدينية رغم هذا التداخل الكبير بين المسائل نشكر جميع فريق البرنامج والمخرج فريد الجابري، دمتم في رعاية الله، وإلى اللقاء.