قضايا الساعة

الاستنساخ البشري

بعض التساؤلات العلمية المطروحة حول الاستنساخ البشري، قضايا الخلاف الديني والأخلاقي حول الاستنساخ البشري.

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيوف الحلقة:


د.حسام عبد الله: رئيس مركز ليستر للعقم في لندن-القاهرة
د.أحمد عمر هاشم: رئيس جامعة الأزهر
محمد حسين فضل الله: المرجع الشيعي الأعلى في لبنان
د.أحمد الطيبي: أستاذ الطب الوراثي في جامعة تورانتو بكندا

تاريخ الحلقة:

02/01/2003

– بعض التساؤلات العلمية المطروحة حول الاستنساخ البشري
– قضايا الخلاف الديني والأخلاقي حول الاستنساخ البشري


undefinedمحمد كريشان: الثورة البيولوجية والفتوحات الخارقة في علم الجينات أثارت من الانبهار ما أعمى بصائر البعض فاحتفوا واحتفلوا، وأرعبت آخرين فصُدموا وجفلوا، تساؤلات حول قضية الاستنساخ والإشكاليات التي تثيرها.

السلام عليكم، يوم الثالث من شهر أبريل الماضي عام 2002 أثار العالم الإيطالي الدكتور (سيفيرينو أنتينوري) ضجة عالمية عندما أعلن في مؤتمر علمي في أبو ظبي أنه نجح في زراعة جنين مستنسخ في رحم امرأة، وأنها حامل في أسبوعها الثامن، متوقعاً أن يكون وليده هذا آدم البشر المستنسخين، غير أن هناك من سبقه، فقد ادَّعت الفرنسية بريجيت بواسولييه (أخصائية الكيميا الحيوية مديرة شركة Clonaid الأميركية) أن تجربتها لتوليد طفل مستنسخ قد أثمرت بنتاً سُميت Eve أي حواء، وُلدت في السادس والعشرين من شهر ديسمبر الماضي، وهكذا تكون حواء المستنسخات -إن صدق الخبر بالطبع- قد سبقت آدم المستنسخين.

قضايا استنساخ البشر تثير كثيراً من التساؤلات العلمية والأخلاقية، وغالباً ما تثير الأجوبة تساؤلات أكثر، فالإنسان يبدو عاجزاً عن الملاحقة النفسية والأخلاقية والقانونية لمثل هذا التطور السريع والمثير. عبد السلام أبو مالك يعرض في التقرير التالي بعض الجوانب العلمية لعملية الاستنساخ.

بعض التساؤلات العلمية المطروحة حول الاستنساخ البشري

تقرير/عبد السلام أبو مالك: بقدر ما أثار إعلان مؤسسة Clonaid عن استنساخ أول طفلة في تاريخ البشرية الكثير من الجدل الديني والأخلاقي، كذلك أثار الكثير من التساؤلات عن حدود البحث العلمي وما يخبئه المستقبل من تطورات مفاجئة في مجال تقنية الاستنساخ.

وفيما تستمر الحرب الكلامية بين مشكك ومصدق، ومؤيد ومعارض تستمر رحى حرب أخرى في دهاليز المختبرات بين علماء متعطشين لتحقيق فتح علمي ملموس في مجال الاستنساخ البشري، ورغم أن Clonaid لم تقدم حتى الآن دليلاً على صحة ما تدعيه، فإن المؤكد أن التجارب ماضية على قدم وساق في هذا المجال، وأن ما كان درباً من الخيال العلمي بالأمس القريب قد يصبح في المستقبل المنظور حقيقة لا مراء فيها، وبينما يعكف العلماء على توظيف تقنية الاستنساخ لأغراض علاجية كإنتاج خلايا جزعية يمكن أن تنمو لتصبح أعضاءً كاملة، كالكبد، أو القلب، أو الكلية، ويمكن أن تزرع في جسم مريض مكان أعضاء تالفة أو مصابة بالقصور، يسعى آخرون سعياً حثيثاً لاستغلال هذه التقنية والتلاعب بها في أعمال بعيدة كل البعد عن المقاصد النبيلة.

ويُعتقد أن تقنية النقل النواتية التي تمت في معهد (روزلن) باسكتلندا عام 97 لاستنساخ النعجة دوللي هي نفسها التي طُبقت أو ستطبق لاستنساخ البشر.

وبشكل مبسط تقوم هذه التقنية على إزالة النواة من بويضة غير مخصبة، ثم وضع خلية أخرى في بيئة مخبرية قليلة التغذية، حيث يتم تجويعها لتكون قادرة على النمو بذاتها، ثم دمج الخلية بالبويضة التي أُزيلت منها النواة، وبعد ذلك استعمال الصعق الكهربائي للعمل على التحام الخليتين ببعضهما وتحفيز عملية الانقسام، وأخيراً نقل البويضة لتنمو داخل الرحم، وتتحول إلى جنين، ثم إلى وليد.

ويرى المعارضون للاستنساخ البشري أن تطبيق هذه التقنية على الإنسان سيؤدي بشكل شبه محتوم إلى ولادة أطفال يعانون من تشوه خلقي أو تخلف عقلي.

وقد أثار اللغط حول حقيقة الاستنساخ البشري وخطورته ضجة إضافية حول مدى قدرة أفراد أو جماعات على تحقيق أفكار يؤمنون بها بصرف النظر عن ردود الفعل المستنكرة أو الرافضة، ومن هذه الجماعات .. الرائيلية، التي يعتقد أتباعها أن الاستنساخ سيسمح للبشرية بالوصول يوماً ما إلى الخلود، ويقدر عدد أتباعها بنحو 50 ألف شخص في نحو 80 بلداً، ويدعي زعيمها (كلود فوريلون) النبوة، ويسمى نفسه بإلياس رائيل وهو يزعم أن الإنسان من صنع الإيلوهيم، وهم كائنات من كوكب آخر، وأنه مكلف بالإعداد لعودة الإيلوهيم إلى الأرض في القدس عام 2035.

ومنذ الإعلان عن استنساخ الطفلة Eve أو حواء، يبدو أن العالم قد دخل في متابعة مشوِّقة ومثيرة لأحداث مسلسل الاستنساخ البشري التي ستتواصل حلقاته على مدى السنوات أو العقود القادمة، ويصعب التكهن بنتائجه.

محمد كريشان: مسلسل الاستنساخ في بداياته، لكنه كما أتضح من التقرير السابق معقد بمثل ما هو مثير، وقد يحمل من المفاجآت فوق ما نستطيع التكهن به أو تقدير انعكاساته، لكن علينا في البداية أن نفهمه، لمناقشة بعض التساؤلات العلمية المطروحة معنا الدكتور حسام عبد الله (رئيس مركز ليستر للعقم في لندن) والموجود حالياً في زيارة للقاهرة.

دكتور، عندما نتحدث عن الاستنساخ البشري، هل نتحدث عن شيء واضح ومحدد، أم أن بعض التفصيل يطرح نفسه؟

د.حسام عبد الله: يعني هو هناك نوعين، النوع الأول: بيتم فيه نقل خلية.. نواة خلية من الجسم زي من الجلد أو من أي مكان آخر، وهذه النواة تُحقن مكان نواة البويضة، ثم بصعق كهربائي -كما بَيَّنتم- تبدأ في الانقسام، فهذا الجنين الذي يتكون هو صورة طبق الأصل من الخلية التي أُخذت، ففي الحالة دي الأم تحمل في نفسها، ولا يحدث أي خلط لحيوانات من الذكر أو أي شيء، طبعاً من الممكن أن تؤخذ هذه النواة من الزوج، وفي الحالة دي الطفل اللي هيجي يبقى ذكر، هذا نوع من الاستنساخ من أجل التكاثر.

هناك نوع آخر وهو أن يتم تلقيح البويضة بالحيوان المنوي، ثم تبدأ في الانقسام وتؤخذ كل خلية من هذه الخلايا خارج الجنين، وثم تنمو هي مرة أخرى كجنين آخر، زي التوأم اللي بيحصل بشكل طبيعي، فيبقى عندنا ولدين أو بنتين جايين من الأب والأم، هذا طبعاً لم يستخدم…

محمد كريشان [مقاطعاً]: لحد الآن لا شيء يعني عفواً.. يعني عفواً لا شيء يؤكد الآن بأن التجربة التي تمت وأعلنت عنها تجربة ناجحة، هل تعتقد بأن الأمر فعلاً يحتاج إلى التأكيد؟

د.حسام عبد الله: هو طبعاً يحتاج إلى تأكيد، إنما أنا تصوري إنهم بيستخدموها للدعاية، لأن من الصعب جداً أن يكون هذا يتم بهذه السرعة، لكن في المستقبل القريب أو البعيد دا هيتم، المشكلة هل هو صحيح أن يتم أم لا؟

لكن التجارب بتدور وأنا في رأيي أنها بتدور بشكل غير مفيد، لأن الاستنساخ عظيم جداً إذا ما استخدم من أجل العلاج، لكن استخدامه على هذا النحو بيجعل فيه احتمال لرد فعل يجعل حتى استخدامه العلاجي محدود، وهو استخدام في منتهى الأهمية

محمد كريشان: نعم، إذا أخذنا الاستخدام.

د.حسام عبد الله: إحنا..

محمد كريشان: يعني عفواً إذا أخذنا الاستخدام غير العلاجي، الاستخدام للتكاثر كما يوصف هل يمكن أن نضمن بأن الإنسان المستنسخ سيحمل نفس المواهب ونفس المزاج ونفس القدرات الذهنية وغيرها، وفي هذه الحالة ما قيمة البيئة الإنسانية أصلاً؟

د.حسام عبد الله: طبعاً نحن لا نضمن هذا، لأنه حتى في حدوث الاستنساخ حضرتك لو أخذت اثنين توائم، واحد حطيته في أدهال [أدغال] إفريقيا، والآخر حطيته في مكان فيه تعليم وصحة وكده، واحد منهم سينمو بشكل مختلف عن الآخر، لو جيبنا (أينشتين) وخدنا خلاياه، وجه راح حطيناه في مكان ما فيهوش أي تعليم، مش هيبقى أينشتين، حتى لو كان شكله بالضبط زي أينشتين، فهنا تأثير البيئة تأثير ضخم، لكن أصلاً فكرة إن إحنا نحاول أن نخلق إنسان هو شبيه بإنسان آخر أو أن يحدث التكاثر دون وجود أب وأم في رأيي هذا شيء غير مقبول، ومش بس كده له مخاطر شديدة على نمو البشر وعلى طريقة التفكير العام.

محمد كريشان: نعم، أيضاً البعض يشير بأن حتى على افتراض نجاح التجربة، فإن لا شيء مؤكد فيما يتعلق بالمشاكل الصحية، بل حتى إن بعض المشاكل إذا بدت والجنين مازال غير مكتمل قد لا تتضح بالصورة العادية بالنسبة للإنسان العادي.

د.حسام عبد الله: ده مش بس كده، بالنسبة للحيوانات التي تم فعلاً بها الاستنساخ هناك عديد منهم مليء بأمراض مختلفة، أمراض في المفاصل، عدد ضخم منهم بيموت بدري، لأن أنت بتأخذ الخلايا من حد كبير في السن، زي ما تكون الخلايا دي أو الشخص اللي بيولد بتبقى خلاياه كأنها من عمر من أُخذت منه، ثم أن هناك أمراض عديدة تتم فيهم، فمن المؤكد حتى لو حد عايز يعمل استنساخ في البشر -وأنا ضده- فإن لازم ينعمل ده في الحيوانات وبشكل طويل جداً في الأول حتى نستطيع أن نرى مدى صحته.

محمد كريشان: يعني على ذكر الحيوانات البعض يتساءل..

د.حسام عبد الله: بالنسبة للذكر وبالنسبة للأنثى..

محمد كريشان: يعني البعض لماذا يتساءل لماذا أخذت فقط النعجة دوللي، لماذا لم تجرِ عمليات مثلاً على القطط أو الكلاب أو القردة؟ هل هناك تفسير معين لهذه الظاهرة؟

د.حسام عبد الله: لا.. لا.. لا حدث، لأ، حدث.. حدث استنساخ في القرود، حدث استنساخ في الفئران، وهي أصعب الحيوانات حتى دي في (هونولولو) حديثاً ثم استنساخ للفئران، ومش بس كده الفئران التي استنسخت خلفت فئران بعد هذا، فده حدث في عدد كبير من الحيوانات، ولكنهم أغلبهم به أمراض ونسبة النجاح قليلة للغاية فيهم جميعاً..

محمد كريشان: أشرت إلى موضوع العمر، يعني هذه النقطة لم يقع التغلب عليها بمعنى أن من يلد.. من يولد من عملية استنساخ لا يكون كمن وُلد بشكل طبيعي، بمعنى أنه انطلق من عمر يساوي صفر.. إذا صح التعبير.

د.حسام عبد الله: والله دا اللي باين في المرحلة الآنية هو بيثير الطمع بيبقى طفل صغير لكن لأن مكونات الخلايا بها بعض المحتويات التي صار فيها من القدم والعمر، فإن دا ممكن إنه يؤثر على الجنين، على الرغم من هذا، هذا حدث في بعض الحيوانات، النعجة دوللي عندها دلوقتي 5 سنين كان مفروض تبقى بتموت دلوقتي لغاية دلوقتي ما ماتتش، ولازالت مستمرة، كل هذه القضايا موضع للبحث، لكن المؤكد أن من الخطر الشديد أن يتم مثل هذا الأمر في البشر، أنا رأيي من الخطأ، ولكنه أهم من هذا وفي هذه المرحلة من الخطر الشديد أن يتم مثل هذه التجارب على الإنسان بهذا الشكل وبهذا المحتوى.

محمد كريشان: نعم. في النهاية دكتور، يعني ما هو المزاج العام بين الأطباء فيما يتعلق بهذا الموضوع، هل هناك رأي سائد إجمالاً؟

د.حسام عبد الله: بالقطع في أغلب أماكن، مثلاً أماكن أطفال الأنابيب والعلاج و.. كذا هي بصفة عامة ضدها.. في بريطاينا الهيئة العليا التي تشرف على كل أنواع أطفال الأنابيب والعلاج والجينات بشكل قاطع ضد هذا الكلام، وهناك عملية عالمية لمحاولة منع الاستنساخ في البشر، ومنعه علاجياً، وحتى الأمم المتحدة بتسعى لأن هذا يتم، وفي الأوساط العلمية هناك رفض شبه كامل، طبعاً مش مطلق، وإلا ما كانتش هذه الأعمال تتم، موجودة في أغلب الوحدات المختلفة التي تمارس مثل هذه.. العلاج للعقم.. وهذا بصفة عامة.

محمد كريشان: دكتور حسام عبد الله (رئيس مركز ليستر للعقم في لندن) شكراً جزيلاً لك.

أسئلة الاستنساخ العلمية التقنية تبدو بالغة البساطة، مقارنة بالارتباك الذي تثيره أبعادها الإنسانية.

بعد الفاصل: نظرة في القضايا الخلافية الأخلاقية والدينية التي يثيرها موضوع الاستنساخ البشري.

[فاصل إعلاني]

قضايا الخلاف الديني والأخلاقي حول الاستنساخ البشري

محمد كريشان: منذ مولد دوللي التي أصبحت أشهر نعجة في التاريخ اتسم الموقف الأخلاقي بشكل عام بمرونة، لم تمانع من الاستفادة من تقنيات الاستنساخ فيما يتعلق بالحيوان والنبات، لكن انطلاق جني الاستنساخ من القمقم، وامتداد تجاربه لتشمل البشر فجَّر نقاشاً تبارى أطرافه في تلمس المصالح والمحاذير، وثار جدل بين دعاة الاستنساخ البشري ورافضيه، يمكن إجماله في نقاطٍ عدة.

عبد السلام أبو مالك: المصالح التي يحققها الاستنساخ تتلخص بشكلٍ أساسي في إمكانية الإفادة منه في بعض حالات العقم عندما لا يستطيع الرجل الإنجاب بالطريق المعتاد، أو لا يستطيع جسد المرأة إنتاج بويضات بالقدر الكافي.

إمكان علاج بعض الحالات المرضية المستعصية التي تحتاج إلى استبدال أعضاء بشرية، مثل الكلية أو القرنية بأخذها من شخص مستنسخ من دون أن يرفض الجسم هذا العضو.

إمكانية استنساخ ذوي المواهب والقدرات الفائقة في العلم والفن والأدب والرياضة، مما يوفر إمكانيات بشرية مميزة.

إمكانية حصول الأسرة التي حرمت من الإناث أو الذكور على طفلٍ من النوع المطلوب بالاستنساخ من الأم أو الأب.

أما المحاذير التي يشهرها راصدو الفكرة فيتوقع بعض علماء النفس أضراراً نفسية لدى الشخص المستنسخ، عندما يعي أن أحد أهداف المجيء به إلى الدنيا أن يكون مستودع قطع غيار بشرية لإنسان آخر.

التأثير السلبي على مؤسسة الأسرة التي أثبتت صلاحيتها منذ عهد آدم وحواء، مادام تخليق الطفل لا يشترط تزاوج الذكر والأنثى.

التكاثر الاستنساخي لا ينطوي على الارتقاء بجنس البشر، مثل التكاثر التزاوجي الذي يقوم على سنة انتخاب النسل القوي الأوفر حظاً من الصحة والقدرات العقلية.

احتمال تعرض الطفل المستنسخ أثناء العملية لتشوهات وعاهات وأمراضٍ غريبة، وإمكانية استخدام ذلك عن قصد لاحقاً في غيبة الروادع الأخلاقية لتنفيذ مآرب عدائية.

وجود نسخ متطابقة من نفس الشخص يستحيل معه تحديد الحقوق والالتزامات البشرية، مثل فقدان البصمة لقيمتها، كوسيلة لتحديد شخصية الإنسان عندما يوجد أكثر من شخص لهم نفس البصمة، فما بالنا بملامح الوجه والجسم أيضاً.

الاستنساخ يخلق مشكلات في النسب، وما ينشأ عنه من حقوق كالنفقات والميراث والحضانة، إلى غير ذلك.

محمد كريشان: هكذا إذن يدور الجدل بين المعارضين والمؤيدين في فلك هذه المحاور والنقاط التي تناقش الموضوع حسب التصور المصلحي، بغض النظر عن الأحكام الشرعية للمرجعيات الدينية.

وسواءٌ صدق إعلان مؤسسة (Clonaid) عن استنساخ الطفلة (إيف) أم كذب فإنه استفز المرجعيتين الإسلامية والمسيحية لتجديد موقفيهما الرافض لاستنساخ البشر، حيث اعتبره مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر حراماً ويجب التصدي له.

الدكتور أحمد عمر هاشم (رئيس جامعة الأزهر) يشرح (لقضايا الساعة) حيثيات هذا الموقف.

د.أحمد عمر هاشم (رئيس جامعة الأزهر): لأن الله -سبحانه وتعالى- قدَّر وهو الخالق والمقدر والمدبر أن يكون وجود هذا الخلق ووجود هذا الإنسان أن يكون مكرماً (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ) إنه خلق الإنسان مكرماً، وكوَّنه في أحسن صورة، حتى إن مجيئه إلى الحياة لم يأتِ إلا بطريق التناسل والزواج الشرعي من زوج وزوجة، من أبٍ وأم، بطريقة خلقه من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين ثم خلق النطفة علقة، (فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ).

الاستنساخ بالنسبة لإيجاد أنواعٍ من البشر طامة كبرى على البشرية جمعاء، لماذا؟ لأنه سيترتب عليه بعد ذلك أنه من الممكن أن يخلَّق أوادم حسب الطلب والعرض، يمكن أن يصنَّع أوادم بعد ذلك عصابات ومجرمين، لا ينتمون إلى أسر، ولا إلى حياة، ولا إلى قيم، ولا إلى مبادئ، ولا إلى أخلاق..

ثم إنه انهدار وانحدار لكرامة الإنسان الذي كرَّمه الله سبحانه وتعالى، وضياع لهذه القيمة الإنسانية العظيمة.

ونحن نهيب بالأنظمة العالمية والحكومات والدوائر العلمية والجامعات في كل الأرض أن يقفوا حراساً حتى لا يدهم البشرية هذا الخطر الهادر الظالم، الذي سيمسخ خلقة الإنسان، وحين يقال إن العلم سما وأصبح في مكانة سامقة بحيث أنتج لنا هذه المخترعات الحديثة سينحدر إلى الهوة السحيقة، حين يتدخل في صناعة بشرٍ من جديد.

محمد كريشان: في خندق الرفض أيضاً يقف الفاتيكان، المرجعية الكاثوليكية التي يتبعها نحو ثلثي مسيحي العالم، فالبابا يرفض الاستنساخ بشكل تقليدي، سواءٌ لأغراضٍ علاجية، أو بهدف التكاثر، غير أن من علماء المسلمين من لا يرى في الاستنساخ شراً محضاً، ويدعو إلى عدم التعجل والانفعال في استنباط أحكام نهائية حول الاستنساخ البشري.

العلامة الشيخ محمد حسين فضل الله، الذي يعد أعلى مرجع شيعي في لبنان انفرد بموقفٍ مميز، شرحه في رده على تساؤلات ميا بيضون مراسلة (الجزيرة) في بيروت.

محمد حسين فضل الله (المرجع الشيعي الأعلى في لبنان): رأيي في الاستنساخ أنه ليس عملية خلقٍ لينافي العقيدة، بل هو استهداءٌ لقانون الخلق. أما مسألة حركية الاستنساخ في الواقع، فلابد أن تدرس دراسة موضوعية واقعية من خلال دراسة النتائج السلبية والإيجابية على المستوى الأخلاقي والعاطفي، وعلى المستوى القانوني والعلاقات الأسرية، وما إلى ذلك.

أما الحديث عن أنه ينافي كرامة الإنسان فإنني أتحفظ في ذلك، لأن هذه المسألة تمثل تجربة إنسانية للإنسان بالطريقة التي.. بالطريقة التي يتحرك فيها قانون نشوء الخلق.. نشوء التناسل.. نشوء الكائن الحي، ولذلك ربما تكون فيها إيجابية تماماً كمسألة زرع الأعضاء وتبديل الأعضاء فإن من الممكن على أساس هذا المنطق أن يُقال إن الإنسان.. إن كرامة الإنسان تأبى أن يتحول الإنسان إلى قطع غيار، القيمة ليست شيئاً معلقاً بالهواء، بل القيمة هي شيء يتحرك في مصلحة الإنسان، فما كان مصلحة للإنسان فهو القيمة الإيجابية وما كان مضرة للإنسان فهو القيمة السلبية.

لذلك قلنا العلم خير، ولكن علينا أن ندرس كيف نوجه العلم في الواقع في اتجاه الخير، أجد أن.. أنه لا دليل على الحرمة، لأن قضية أن نحكم بتحريم أي عمل من الأعمال وأية تجربة لابد من نص شرعي على ذلك، قد يطرح بعض الناس قوله تعالى في الحديث عن الشيطان في إضلاله (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) ولكننا نعرف أن العالم كله هو حركة في تغيير خلق الله، لأن خلق الله لا ينحصر بالإنسان أو بالحيوان، ولذلك فإن الحديث المأثور يقول: بأن المراد من تغيير خلق الله تغيير الفطرة التوحيدية، بدليل قوله تعالى (فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ).

إننا لا نطلق الحرمة بالمطلق كما لا نطلق الإباحة بالمطلق، بل لابد لنا أن ندرس مفاعيل هذا الحدث العلمي على مستوى الواقع، فإذا كان ضرراً يغلب على النفع فهو حرام، وإذا كان نفعاً يغلب على الضرر فهو حلال، وإذا تساويا فهو حلال.

محمد كريشان: بعد استجلاء المواقف الدينية المختلفة يبقى معنا موقف أهل العلم أنفسهم وهم أول المعنيين بموضوع الاستنساخ.

لمناقشة هذا الموقف معنا الدكتور أحمد الطيبي (أستاذ الطب الوراثي في جامعة تورنتو بكندا ورئيس قسم الوراثة السريرية والتشوهات في مستشفى الأطفال المرضي الشهير في كندا).

دكتور أحمد الطيبي، من زاوية الأخلاق الطبية هل هناك إشكال في موضوع الاستنساخ؟

د.أحمد الطيبي: بسم الله الرحمن الرحيم أولاً: هل نحن.. يعني بالاستنساخ هل نحن يعني بصدد العلم للعلم أو العلم لخدمة الإنسان؟ فإذا كان العلم للعلم فأعتقد إنه هنالك كثير من المخلوقات التي قد تكون بدائية يمكن أن تجرى عليها تجارب، ونحن نعلم الآن أن كثير من التجارب التي تجرى على الفئران، فهي لا.. يعني يستفيد منها الإنسان كثيرا، ولكن إذا كان لخدمة الإنسان فأعتقد أن الاستنساخ إذا كان مثلاً للتكاثر -فرضاً- فأعتقد أنه لا يخدم الإنسان بالشكل اللي إحنا يعني نبغيه، ونظراً لكثير من المشاكل التي تصاحبه، يعني مثلاً فرضنا إذا كان الاستنساخ لأجل مثلاً يعني خلق أعضاء، الأعضاء إذا كانت استنساخ الأعضاء فقط، فقد يكون لا بأس به، أما إذا كان استنساخ إنسان لوضعه في أقفاص حتى مثلاً يمكن يستفيد منه الإنسان لأخذ الأعضاء فهذا غير مقبول إطلاقاً.

محمد كريشان: نعم، هناك الآن بعض التوجه لدى دول لسن قوانين ضد الاستنساخ البشري، أنت كطبيب وكعالم هل ترى هذا مناسباً أم من الأفضل الانتظار؟

د.أحمد الطيبي: أعتقد إن هذا يجب أن يكون أو يحدث وهذا ما.. ما يقوم به الآن كثير من الهيئات في الولايات المتحدة الأميركية وفي كندا حتى يدرءوا الخطر الذي قد يكون.. يعني حقيقة مُحدق بهذا المجال، أعتقد الوقاية خير من العلاج دائماً.

محمد كريشان: ولكن هل يمكن أن نواكب ما يجري من عمليات الاستنساخ ومحاولة دفعها في اتجاه إيجابي؟ هل ممكن هذا؟

د.أحمد الطيبي: هذا قد طُرح كثيراً ورأى كثير من العلماء أنه لا بأس به إذا كانت مثلاً يعني لخدمة.. فرضنا مثلاً الاستنساخ الحيوانات مثلاً، إذا كان فعلاً يخدم الإنسان، نحن نعلم إنه الاستنساخ -بحد ذاته- مكلف كثيراً، ويعني باهظ التكاليف، ويكون له مخاطر كثيرة، حتى يعني مثلاً لو فرضنا استنسخنا الحيوانات لخدمة الإنسان، مثلاً استنساخ الحيوانات لخلق.. لإيجاد أعضاء قد يكون لا بأس به، استنساخ الأعضاء نفسها قد يكون لا بأس به، وهذا مطروح، مطروح الآن لتحديد الاستنساخ في هذه المجالات فقط وليس لاستنساخ الإنسان كقيمة، يعني الإنسان كوجود و.. بما.. بما يعني نعيه يعني.

محمد كريشان: نعم، ولكن قد لا يمنع هذا من مواصلة الأبحاث وكثير من البحوث العلمية إذا ما نظرنا إليها قبل قرن أو قرنين حُوربت بشكل كبير، هل هو نفس الحال الآن؟

د.أحمد الطيبي: هو استمرار الأبحاث هذه لا ضير به، يعني خصوصاً إذا كان.. نحن مثل ما قلت قبل قليل، إنه يعني ممكن تُجرى كثير من الأبحاث على الحيوانات، وهذا يعني مقبول تماماً، لماذا الإنسان الآن؟ لماذا لم نُجرِ تجارب على الإنسان؟ الإنسان نحن نعلم مشاعر و.. و.. وأحاسيس ومشاكل، يعني ما.. فرضنا مثلاً امرأة يعني أجهضت، لا تعلم يعني كم من المشاكل النفسية التي تتعرض لها هذه المرأة، هنالك دراسات يعني ظهرت كثيراً في هذا المجال، فرضنا مثلاً استنساخ وأجهضت المرأة، فرضنا صار الاستنساخ وظهر الطفل مشوه، فيما بعد الاستنساخ ماذا يحدث، إذن خلينا إحنا محصورين في الحيوانات في الوقت الحاضر بحيث إنه ما يكون خطر على.. حتى كمان يعني.. يعني نفسية الإنسان وعلاقات الإنسان، الناس بينها وبين بعضها، حتى كمان يعني الأشياء اللي هي تصاحب كل هذه يعني المشاعر.

محمد كريشان: نعم، دكتور، مَنْ.. مَنْ الذي سيحسم مثل هذا الجدل؟ هل الأطباء أنفسهم أم الرأي العام ومؤسسات المجتمع بشكل عام؟

د.أحمد الطيبي: والله الجميع، يعني أنا أعتقد الرأي العام في الغالب يعني لأنه هم الناس.. يعني.. أولاً لماذا نعمل الاستنساخ؟ هو لخدمة.. قد يكون لخدمة ناس قليلين، فإذن الغالبية العظمى من الناس هم لا يعني لا يقبلوا الاستنساخ بما يعلموا خصوصاً إذا علموا ما يصاحبه من مشاكل، فإذن هو الناس هم أو المجتمع أو.. يعني.. بالإضافة للأطباء، يعني الأطباء.. قليل من الأطباء، قلة نادرة جداً هم من يقبلون بوجود مثل هذه التحارب الآن.

محمد كريشان: نعم، دكتور طيبي، في النهاية: هل هناك بعض الأبعاد التجارية لهذه القضية؟ مثلاً مؤسسة (Clonaid) يُقال بأنها مستعدة لإنتاج -بين قوسين- أطفال بـ200 ألف دولار الواحد؟

د.أحمد الطيبي: والله هو فيه أبعاد تجارية بالتأكيد، يعني إحنا لا نتكلم بس عن هذا، لكن أنا أعتقد حتى كمان في الوقت الحاضر 200 ألف دولار قد تكون قيمة قليلة، لأنه يعني.. وهذا ما يدعوني إلى أنه لا أصدق حقيقة ما.. يعني ما يدَّعونه، لأنه ممكن مثلاً يعني الآن نعلم إنه حتى الإنجاب أو العقم يُعالج بكثير من.. يعني الطرق، فحتى كمان يعني أكاد لا أصدق إنه هذا يمكن يعمل بـ200 ألف دولار في الوقت الحاضر التكلفة أكثر بكثير من ذلك، فطبعاً إله يعني أبعاد تجارية وأعتقد الأبعاد التجارية ستكون في مجال الأعضاء.

محمد كريشان: نعم، دكتور أحمد الطيبي، شكراً جزيلاً لك.

وبهذا نصل إلى نهاية هذه الحلقة التي خصصناها للاستنساخ وبالطبع فإن هذا الموضوع مازال مستمراً في البحث وفي الجدل. في أمان الله.