شاهد على العصر

البكوش: بروز الإسلاميين تزامن مع ترسيخ العلمانية بتونس ج10

في الوقت الذي كان النظام التونسي في عهد الرئيس (الراحل) الحبيب بورقيبة يعمل على ترسيخ علمانية الدولة، برز التيار الإسلامي بتونس، وتعرضت قياداته للمحاكمات والسجن قبل الإفراج عنها في الثمانينيات.

بعد إصابة الهادي النويرة بجلطة دماغية في فبراير/شباط 1980، عين محمد مزالي في 24 أبريل/نيسان 1980 رئيسا للوزراء، وذلك بموافقة ومباركة من وسيلة بن عمار التي تدخلت لدى زوجها الرئيس (الراحل) الحبيب بورقيبة الذي كان راغبا في تعيين محمد الصيّاح، وكان مديرا للحزب الاشتراكي التونسي.

ومع تولي مزالي رئاسة الوزراء بدأ الحديث عن الديمقراطية والانفراج السياسي في تونس، لكن بورقيبة لم يكن مقتنعا بأن الوقت قد حان لذلك.

في ظل هذه الظروف -كما يكشف رئيس الوزراء التونسي الأسبق الهادي البكوش في الجزء العاشر من شهادته لبرنامج "شاهد على العصر"- نظمت مظاهرات عارمة في الجامعة وبالتحديد في مارس/آذار 1981 قامت بها حركة "الاتجاه الإسلامي" -التي تحولت لاحقا إلى حركة النهضة في تونس- وتم القبض على قيادات الحركة وصدرت أحكام بحقهم في سبتمبر/أيلول 1981.

وبحسب البكوش، فقد بدأت حركة "الاتجاه الإسلامي" نشاطها بالدعوة إلى الخير والتوعية الدينية والأخلاقية، لكنها تحولت إلى ظاهرة سياسية مع خطب بعض الدعاة مثل عبد الفتاح مورو، والتي استقطبت أعدادا كبيرة من الناس، كما برزت خطابات تهاجم أميركا وتم حرق العلم الأميركي، وتحول الأمر لمشكلة سياسية يتطلب التفكير في كيفية معالجتها.

وساعدت الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني عام 1979 على بروز التيار الإسلامي في تونس كقوة سياسية، خاصة في الأوساط الطلابية وفي الأحياء الفقيرة، وكان هذا البروز في الوقت الذي كان النظام التونسي يعمل على ترسيخ علمانية الدولة التونسية، مثلما يؤكد البكوش الذي قال أيضا إن السلطات التونسية في ذلك الوقت تعاملت مع عناصر التيار الإسلامي "كخمينيين" وليس كإسلاميين.

عودة بن علي
كما تطرق ضيف "شاهد على العصر" إلى مسألة استمرار الصراع على السلطة في تونس، واعتبر أن المظاهرات التي نظمت عام 1983 احتجاجا على زيادة أسعار الخبز وسقط فيها عشرات القتلى والجرحى، كانت خطة سياسية لإبعاد مزالي عن الحكم، حيث إن وسيلة التي تعاونت مع مزالي في الفترة الأولى قررت إزاحته في ما بعد، من خلال استغلالها الغضب الشعبي والمظاهرات لإقناع بورقيبة بأن مزالي ليس مؤهلا للبقاء في منصب الوزير الأول.

ويشهد البكوش أن مزالي سعى لإحلال الديمقراطية في تونس وسعى للتصالح والتعايش مع الحركة الإسلامية، ونجح في إقناع بورقيبة بالإفراج عن قياداتها المعتقلة وبينهم راشد الغنوشي، الرئيس الحالي لحركة حزب النهضة.

في يناير/كانون الثاني 1984، عاد زين العابدين بن علي (أصبح رئيسا لتونس لاحقا) مجددا للساحة السياسية بتعيينه مديرا للأمن، وفي أبريل/نيسان 1986 عين وزيرا للداخلية، لتبدأ مرحلة الترتيب للانقلاب على بورقيبة، وهي المرحلة التي سيكشف البكوش تفاصيلها في الحلقة القادمة من "شاهد على العصر".

تجدر الإشارة إلى أن البكوش تطرق في شهادته العاشرة أيضا إلى أحداث شهدتها تونس في تلك الفترة، منها أن قوى خارجية وداخلية ساعدت على قدوم الفلسطينيين إلى تونس بعد خروجهم من لبنان عام 1982، وأن الأميركيين أسهموا في الاختراق الإسرائيلي لتونس عام 1985.

كما تحدث البكوش عن فترة عمله سفيرا لبلاده في الجزائر (1982-1985) في الوقت الذي كانت فيه العلاقات بين البلدين متوترة جدا على خلفية أحداث قفصة عام 1980، والتي كان البكوش نفسه أكد في الحلقة التاسعة من شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" أنها -أي الأحداث- جاءت بترتيب جزائري ليبي.