محمد مزالي - الحجم 390-310 لا يصلح للنشر و تم إنزاله لتمرير البرنامج فقط
شاهد على العصر

محمد مزالي.. الجمهورية التونيسية ج4

تواصل الحلقة الاستماع إلى شهادة رئيس وزراء تونس الأسبق محمد مزالي ليتحدث عن زيارة الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة إلى الأردن، وما هو فحوى تصريحاته في أريحا؟.

– نتائج جولة بورقيبة وموقفه من القضية الفلسطينية
– العمل في وزارتيْ الدفاع والتربية وملف التعريب

– محاولات الوحدة وأهداف بورقيبة منها

– شخصية الحبيب عاشور وعلاقاته بالمسؤولين

 

أحمد منصور
أحمد منصور
محمد مزالي
محمد مزالي

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج شاهد على العصر حيث نواصل الاستماع إلى شهادة السيد محمد مزالي رئيس الحكومة التونسية الأسبق. مرحبا سيد مزالي.


محمد مزالي: أهلا وسهلا.

نتائج جولة بورقيبة وموقفه من القضية الفلسطينية


أحمد منصور: في الحلقة الماضية توقفنا عند الجولة التاريخية التي قام بها الرئيس بورقيبة في عام 1965 إلى مصر والسعودية والأردن وألقى خطابه الشهير في 3 مارس في مدينة أريحا، تحدثنا عن زيارتكم إلى مصر وما وقع فيها وإلى المملكة العربية السعودية ونبدأ اليوم من وصولكم إلى الأردن واستقبال الملك حسين لكم وكنت ضمن الوفد المصاحب للرئيس بورقيبة.


محمد مزالي: كان استقبالا حارا أخويا، شخصيا كنت متأثرا جدا لأني أتيحت لي الفرصة أن أزور القدس وأصلي في المسجد الأقصى وأزور مقام سيدنا إبراهيم في الخليل وأزور الأردن لأول مرة في حياتي حينذاك. ووقعت مناقشات سياسية طبعا بين الرئيس بورقيبة وبين الملك حسين.


أحمد منصور: ما طبيعة وموضوعات هذه المناقشات؟


محمد مزالي: والله مناقشات سياسية حامت حول القضية الفلسطينية وتحدث الملك حسين رحمه الله طويلا عن الحدود الأردنية التي كانت شاسعة وتهديدات إسرائيل خاصة وأنه بعد عامين وقع الهجوم 1967، وشخصيا غادرت وزوجتي مع بعض المصريين الآخرين، غادرنا الأردن في اليوم الذي توجه فيه بورقيبة إلى أريحا.


أحمد منصور: لم تصاحبوه؟


محمد مزالي:لا.


أحمد منصور: عدتم إلى تونس؟


محمد مزالي: عدنا لأن زيارة بورقيبة كانت متواصلة كان يجب أن تتواصل إلى لبنان ثم سوريا والعراق وتركيا وإيران فكانت فرق من الوزراء تعود إلى تونس وفرق جديدة تلتحق بالرئيس بورقيبة ولكن لما وصلنا إلى تونس استمعنا إلى خطابه، استمعت إلى خطاب الرئيس وتبينت أن الجماهير الفلسطينية كانت تصفق وكانت متحمسة..


أحمد منصور (مقاطعا): لما أعلنه؟


محمد مزالي: طبعا.


أحمد منصور: رغم أنه في تلك الفترة طرح مثل هذا الكلام كان يعتبر ضد الموجة العربية العامة؟


محمد مزالي: طبعا، لكن قال لهم أنتم الآن لاجئون وأنتم في الخيام وليس بالخطب الرنانة ولا بالشعارات الفضفاضة يمكن أن تتحسن منزلتكم أو أن ترجعوا إلى أراضيكم بل بالعمل السياسي ومن هنا كان المدخل إلى الفكرة التي أتى بها وهي التمسك بالشرعية والكفاح داخل الحدود.


أحمد منصور: نفس الفكرة التي انتهجها بورقيبة في عملية استقلال تونس يريد أن يطبقها الآن فيما يتعلق بالفلسطينيين؟


محمد مزالي: يعني سياسة المراحل وافتكاك ما يمكن افتكاكه تمهيدا واستعدادا لمرحلة أخرى.


أحمد منصور: كان بورقيبة يدرك أن إعلانه هذا سوف يواجه برفض عربي كما حدث بالفعل ووصل الأمر إلى حرق السفارة التونسية في مصر؟


محمد مزالي: نعم، وبرفض عربي ورفض إسرائيلي، أن إسرائيل رفضت الخطة البورقيبية تفصيلا وجملة. وقعت يعني قضية أخرى تزامنت مع قضية تصريح بورقيبة في أريحا وهي قرار الرئيس عبد الناصر الله يرحمه قطع العلاقات مع ألمانيا الفيدرالية والاعتراف بألمانيا الشرقية، نظرا لملابسات سياسية أظن أن ألمانيا اعترفت بإسرائيل أو شيء كهذا يعني.


أحمد منصور: وبورقيبة خرج عن هذا الأمر.


محمد مزالي: بورقيبة هو الوحيد الذي قال لن أقطع علاقاتي الدبلوماسية مع ألمانيا الفيدرالية، فهذا أيضا معناها أغضب أكثر عبد الناصر وزعماء عرب آخرين.


محمد مزالي: ما معنى أن الرئيس عبد الناصر -كما ذكرت أنت وكما كنت شاهدا- وافق أن يقوم بورقيبة بطرح أفكاره فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وفي نفس الوقت يحدث بين الرجلين ما حدث بعد ذلك بل خرجت المظاهرات في مصر رافضة لما طرحه بورقيبة وحرقوا السفارة التونسية؟


محمد مزالي: وقطعت العلاقات الدبلوماسية مرة أخرى بين مصر وتونس. أعتقد أن موقف بورقيبة من قطع العلاقات مع ألمانيا الفيدرالية كان له دور كبير وأن عبد الناصر ساير الموجة موجة مقاطعة بورقيبة، أذكر أنه بعد يومين في محطة بورقيبة في لبنان كان الهجومات يعني الصحفية عنيفة وتشجع بورقيبة وواجه حوالي مائة صحفي لبناني وعربي في ندوة صحفية وتسجيل هذه الندوة دامت حوالي ساعة ونصف موجود في الإذاعة والتلفزة التونسية وفي إذاعات أخرى وكان بورقيبة يعني يجيب على أنواع الهجومات وأنواع الانتقادات بصورة عجيبة يعني.


أحمد منصور: هو كان من صفات شخصية بورقيبة حضور ذهنه وارتجاله للخطب السياسية..


محمد مزالي: وشجاعته أيضا.


أحمد منصور: وكان يرى كل موقف وما يناسبه ويستحوذ أو يسعى للاستحواذ على عقول الجمهور..


محمد مزالي: قام بشجاعة لمواجهة الرأي المخالف يعني.


أحمد منصور: لكن كانت آراؤه هذه مدروسة أم مجرد فرقعات هكذا؟


محمد مزالي: لا، عنده ثوابت إستراتيجية لكن في التكتيك اليومي عنده ردود فعل تبدو فجائية، في ندوة صحفية كان يقول مثلا، كان يمكن أن أبقى مجاهدا أكبر وأغسل يدي من قضية فلسطين وأضم صوتي لصوت الجماعة لكن أنا أعتبر مسؤوليتي تتمثل في النتيجة، وفي سبيل هذه النتيجة وهي رجوع الفلسطينيين إلى أرضهم وموطنهم أتحمل الصعاب والانتقادات، يعني الزعيم يحكم له أو عليه لا بالمبادئ والخطب بل بالنتائج.


أحمد منصور: الآن العرب وصلوا إلى أدنى كثيرا مما كان يطالب به بورقيبة في العام 1965 ولكنه في نفس الوقت يعتبر شكلا من أشكال الانهزام كما يرى الكثير من الذين يعارضون هذا الأمر.


محمد مزالي: في وقت من الأوقات.


أحمد منصور: هل كان بورقيبة ينادي بالانهزام المبكر في تلك المرحلة في 1965؟


محمد مزالي: بالعكس بورقيبة كان يعني شجاعا وكان ربما سباقا لأنه كان يرى السياسة التزام بالنتيجة لا تكرار للشعارات، كان يقول لنا أنا أقدمت على معارك كثيرة لأني أبغي النتيجة ولا السمعة وأتحمل النقد اللاذع والإساءة في سبيل النتيجة، وكما تفضلت أخ أحمد العرب الذين رفضوا خطط بورقيبة التكتيكية الآن راضون بحدود 1967 لا 1948 وإسرائيل ترفض هذا.


أحمد منصور: الآن تعتبر زيارة الرئيس بورقيبة إلى مصر فشلت.


محمد مزالي: كانت ناجحة بالأول ثم فشلت.


أحمد منصور: قطعت العلاقات وأحرقت السفارة.


محمد مزالي: حتى استقبال كبير يعني في الجامعة المصرية وفي مجلس النواب يعني الخطب وتبادل الخطب يعني كانت..


أحمد منصور: الآثار التي ترتبت على إعلان بورقيبة في أريحا عن موضوع قبول التقسيم في 1947 وما تلا ذلك من أحداث أدى إلى أن الأمور وصلت إلى مرحلة معقدة. طبيعة علاقة بورقيبة إيه بعد ذلك لا سيما هزيمة 1967 حينما وقعت؟


محمد مزالي: بورقيبة تأسف كثيرا أنا شفته أحيانا تنهمر الدموع من عينيه عندما يرى هذا الواقع المرير.


أحمد منصور: هل كان يعرف البكاء؟


محمد مزالي: يبكي كثيرا يبكي، يضحك كثيرا ويبكي.


أحمد منصور: أمامكم؟


محمد مزالي: أمامنا وأمام الجماهير في خطب شعبية في أحياء وفي أرياف كان أحيانا يبكي يتذكر أمه مثلا فيبكي يتذكر بعض الأحداث بعض الهجومات عليه بعض ما قاسى في السجون الفرنساوية، كان يقول بورقيبة إن السياسة العربية حينذاك..


أحمد منصور: 1967.


محمد مزالي: وقبلها وبعدها كانت تؤدي إلى طي ملف فلسطين، وفي 1967 كانت متألما كثيرا ولكن قال إن العرب لو استمعوا إلى بعض أفكاري لما وقع الهجوم الإسرائيلي على مصر..


أحمد منصور (مقاطعا): حتى لو استمع العرب إلى أفكاره وإسرائيل رفضت فأفكاره هي مجرد أفكار يعني.


محمد مزالي: لا، بورقيبة كان يعتبر والحق يقال إن عبد الناصر الله يرحمه وبعض الأنظمة الأخرى يعني خاطرت وتهورت -ومعذرة عن الكلمة- تهورت بحيث جعلت إسرائيل في موقع الهجوم بعنوان الدفاع، عندما نادى مثلا عبد الناصر وقرر سحب..


أحمد منصور (مقاطعا): إغلاق المضائق وطرد الأمم المتحدة.


محمد مزالي: طرد الأمم المتحدة من شرم الشيخ وغلق المضيق فاعتبرت هذا إسرائيل يعني إعلان الحرب واغتنمت الفرصة.. ثم دخول..


أحمد منصور (مقاطعا): يعني كان بورقيبة يحمل عبد الناصر وسياسات الدول المجاورة لإسرائيل مسؤولية الهزيمة؟


محمد مزالي: عبد الناصر وبعض زعماء آخرين، مثلا الدخول الأردني في حرب 67 كان يعني مجانا، خسرنا القدس الشرقية وخسرنا الضفة..


أحمد منصور (مقاطعا): ما حصلش أي معارك على جبهة الأردن.


محمد مزالي: ما هو هذه المشكلة لكن بما أن الأردن دخل الحرب في اليوم الثالث أو الرابع دخل في الحرب، كذلك الإخوان السوريون فاحتلت إسرائيل الجولان واحتلت الضفة والقدس الشريف.

العمل في وزارتيْ الدفاع والتربية وملف التعريب


أحمد منصور: في مارس 1968 عينت وزيرا للدفاع في تونس، ما معنى أن تأتي من مدير للإذاعة والتلفزيون وتعين وزيرا للدفاع وأنت ليس لديك أي خبرة دفاعية؟


محمد مزالي: طبعا كما لم يكن لدي أي خبرة في الإعلام وفي الإذاعة والتلفزيون أو ليس لي خبرة في الوزارة الأولى أو حتى أي وزارة يعني الوزارات كما نعتبرها نحن جيلنا نعتبرها مسؤولية وخدمة للوطن وكنا يعني نتدارك على الحكم ونحاول ونخطئ ونصيب، والدفاع بالنسبة لي كانت وزارة مريحة في الحقيقة.


أحمد منصور: كيف مريحة وهذه مرحلة.. يعني أنت بقيت من مارس 1968 إلى أكتوبر 1969 وزيرا للدفاع، الرئيس كان.. مخصصات الدفاع كانت قليلة وكان يخشى من الجيش ويريد تحجيمه وأن يبقى دائما في الثكنات، فتلقي لنا الضوء على تلك المرحلة بصفتك كنت الرجل الأول في وزارة الدفاع.


محمد مزالي: لا أنا كنت مقتنعا من قبل ما أصبح وزيرا للدفاع وعندما أصبحت وزيرا للدفاع وبعد ذلك مقتنع بأن نسبة الميزانية الكبرى يجب أن تصرف وترصد لفائدة التعليم والتربية والصحة لأنني أعتبر ولا أزال إلى اليوم أعتبر أن خير سياسة دفاعية هي تكوين الإنسان حتى يصبح قادرا على الدفاع عن نفسه والذود عن وطنه، وأن التكوين وتكديس الخردة والحديد والعتاد الحربي وخاصة العتاد الذي تجاوزته المراحل الحديثة لأن الدول الكبرى لا تبيع للعرب والعالم الثالث إلا ما تجاوّز وانتهى أمره فخسارة يعني ونزيف، نزيف في الطاقات الاقتصادية والوطنية من غير أي نتيجة.


أحمد منصور: ما هي أهم الأشياء التي فعلتها حينما توليت وزارة الدفاع؟


محمد مزالي: يعني أعتذر إن قلت لأول مرة إنه حصل لي الشرف أن استقبلت في أواخر 1968 أو أوائل 1969 -نسيت يعني معذرة- وفد فلسطين يترأسه المرحوم أبو إياد ومن ضمنه واحد ما زال حيا وواحد قتل في بيروت. يعني واحد..


أحمد منصور (مقاطعا): أبو حسن سلامة؟


محمد مزالي: لا واحد ثاني.


أحمد منصور: كثيرون قتلوا في بيروت.


محمد مزالي: قتلهم باراك هذا يعني.


أحمد منصور: آه في مجموعة التي قتلت..


محمد مزالي: مجموعة في بيروت يعني لما تزيّا بزي امرأة، كانوا أربعة أظن، واحد منهم والثالث موجود حي حفظ الله أنفاسه في القاهرة الآن كان لمدة طويلة ممثلا لمنظمة القاهرة، كمال..


أحمد منصور: آه، سعيد كمال.


محمد مزالي: سعيد كمال.


أحمد منصور: الآن هو مساعد أمين عام للجامعة العربية.


محمد مزالي: أحييه من خلال هذه القناة يعني. الوحيد اللي يقدر يشهد هو الوحيد اللي حي، لأنه أنا استقبلتهم من غير أن أستشير بورقيبة ومن غير أن أعلمه.


أحمد منصور: وكنت وزيرا للدفاع.


محمد مزالي: وزيرا للدفاع. لأن هذا من حكم ضميري وطلبوا مني مدهم لا بالمال بل بالأسلحة، فمن غير أن أستشير لا بورقيبة ولا المرحوم الباهي الأدغم رئيس الحكومة كانت للدولة رئاسة كما كان يسمى بحكم يعني منطلقاتي الوطنية وأذنت لرئيس الأركان الله يرحمه الجنرال كافي ومساعده حينذاك الجنرال الطبيب بتوفير قدر من الأسلحة وطبعا الجيش حينذاك التونسي كان متواضعا في إمكانياته، وقال لي الجنرال إن الكثير من الأسلحة هدية من يوغسلافيا والبعض هدية من تركيا مكتوب عليها، قلت له معلش، وخصصنا قدرا كبيرا من الأسلحة..


أحمد منصور (مقاطعا): الأسلحة الخفيفة يعني رشاشات.


محمد مزالي: خفيفة يعني لكن بعض المدافع.


أحمد منصور: مدافع رشاشة أيضا.


محمد مزالي: لا ومدافع كبيرة أيضا. وبقي السلاح حوالي وكان أبو إياد متأثرا جدا وقال لي بالحرف الواحد -الأخ سعيد كمال لو سئل لأجاب- قال لي أنت الوحيد في العالم العربي الذي أعطاني السلاح مباشرة. وبقي السلاح مدة ثلاثة أو أربعة أشهر فناديت حكم بلعاوي، حكم بلعاوي كان ممثل المنظمة في تونس، قلت له يا أخ حكم ترى السلاح موجود كيف تحبون أن يمر عن طريق الجزائر ولا عن طريق ليبيا؟ فبعد مدة أجابني ووجهنا السلاح عن طريق ليبيا، فهذا أعتز به لأنه أعتبر أنه سر النجاح الفلسطيني هو في الكفاح الميداني من طرف الفلسطينيين عندما يقبل الشباب الفلسطيني أن يضحي بالنفس كما فعل في أيام الحرب ولا يزال البعض منه حتى الآن والحمد لله يعني يؤثر الاستشهاد على حياة الذل والمسكنة فهذا هو سر النجاح لكل الشعوب.


أحمد منصور: يعني أنت تؤيد استمرارية الكفاح الفلسطيني حتى الآن والعمليات التي تقوم بها حماس والجهاد وغيرها؟


محمد مزالي: بصفة عامة بصفة عامة أؤيد الكفاح السياسي والكفاح السياسي لا بد أن يدعمه الكفاح المسلح والكفاح المادي.


أحمد منصور: وهذا ما لم تقوموا به أنتم في فترة الاستقلال.


محمد مزالي: نحن قمنا به.


أحمد منصور: الرئيس بورقيبة قبل في 1955 طالب بوضع..


محمد مزالي:  كيف استطاع بورقيبة وكيف ركنت فرنسا وجنحت إلى التفاوض لو لم يضح عشرات ومئات التونسيين الشباب التونسي بالنفس والنفيس وبالنفس بالخصوص.


أحمد منصور: يعني أنت بذلك موقفك من عمليات السلام التي تمت الآن أو التسوية القائمة الآن طالما أنك تؤيد الكفاح إلى اليوم واستمراريته.


محمد مزالي: لا، هذه قضية ثانية، يجب أن أصحح الوضع فأقول إن الكفاح المسلح هو تأييد للكفاح السياسي، ليس الكفاح المسلح غاية بحد ذاته، فإذا استطعنا بالسياسة نبلغ المقصود ولو بمراحل فيا حبذا أما إذا كان لا بد ليتحرك الخصم وليختار أخف الضررين من الكفاح المسلح والفداء وروح الفداء فهذا ضروري. حيث هذه بالنسبة للدفاع هذه من الأعمال التي قمت بها من غير أن أستشير ولا أن أعلم بورقيبة ولا السيد الباهي، وحدي.


أحمد منصور: وعلموا بعد ذلك؟


محمد مزالي: لا. على علمي أنا لا.


أحمد منصور: عينت بعدها وزيرا للتربية والشباب والرياضة في أكتوبر 1969..


محمد مزالي: سامحني، وفي الدفاع كذلك حرصت على تكوين الأطر تكوين الضباط تكوين ضباط الصف يعني على أساس الخدمة المدنية وعلى أساس حب الوطن وكنت دائما أحاضر وأنتقل من وحدة إلى وحدة ومن حامية إلى حامية أستاذا ومحاضرا ومربيا.


أحمد منصور: فترة وزارة التربية الأولى في المرة الأولى من أكتوبر 1969 إلى يونيو 1970.


محمد مزالي: نعم أربعة اشهر.


أحمد منصور: عدة أشهر، لماذا فترة قصيرة؟


محمد مزالي: لأني كنت ضحية اختياراتي ومبادراتي على رأس التربية القومية وخاصة مبادرتين أزعجتا السلطات الثقافية الفرنساوية وبعض أذناب الاستعمار الثقافي الأجنبي في تونس. حيث أولا وضعت خطة للتونسة يعني للاستعاضة عن الأساتذة والمعلمين الفرنساويين بأساتذة ومعلمين أكفاء تونسيين.


أحمد منصور: في كل المجالات؟


محمد مزالي: في كل المجالات التي فيها أساتذة ومعلمون تونسيون. وثانيا بدأت القيام بخطة لتجاوز ما فات و البدء في تعريب التعليم لأنه يجب أن أذكر أنه لما تولى المسعدي وزارة التربية فرنس التعليم لأن يعني..


أحمد منصور: في 1958؟


محمد مزالي: بدأ ذلك في 1958، لأنه إذا رجعت لما فعله وما قلناه إزاء الجامعة..


أحمد منصور (مقاطعا): فيما يتعلق بجامع الزيتونة.


محمد مزالي: جامع الزيتونة المعمور وضع خطة بعد الاستعانة بالخبراء الفرنسيين خطة تقضي بجعل اللغة الفرنساوية تدرس في التعليم الابتدائي بينما مدير التعليم الفرنساوي تحت تأثير الحزب الدستوري والنقابات حينذاك أخذ يعرب بالرغم عنه شيئا فشيئا حتى وصل بالتعريب الكامل يعني تعريب المواد العلمية والأشياء والحساب، تعليم العربية للسنة الرابعة السنة أولى ثانية ثالثة رابعة، بالمسعدي بخطته راجع بالفرنساوية للسنة الثالثة، يعني كان عامان لغة عربية نصف وقت فقط 15 ساعة وهذا ما يفسر انحطاط مستوى التعليم في حد ذاته ثم اللغة الفرنساوية، فأنا بدأت ثم فرنسة السنة الأولى والثانية. إذاً فأنا بدأت من البداية قلت نبدأ بتعريب التعليم شيئا فشيئا.


أحمد منصور: عملية الفرنسة وعملية التعريب وغيرها أين موقع بورقيبة باعتباره الرجل الأول من هذه المواضيع؟


محمد مزالي: بورقيبة في الأول كان من أنصار التعريب ومرجع كلامي هذا في خطابه الذي ألقاه في المدرسة الصادقية بمناسبة ختام السنة الدراسية في جوان 1957 حيث قال بالحرف الواحد -والوثائق موجودة- يجب تعريب التعليم في كل المواد، ثم تأثر ببعض الوزراء وتأثر بالمسعدي وربما بتأثيرات أخرى..


أحمد منصور (مقاطعا): كيف تأثر وهو رجل صاحب مشروع هو الذي يفرضه على الآخرين والآخرون موظفون رسميون يعني؟


محمد مزالي: هو ليس أساسيا في التربية..


أحمد منصور (مقاطعا): القضية هنا ليست قضية تربية وقضية تعليم وإنما قضية ثقافة وهوية.


محمد مزالي: أقنعوه بأن اللغة الفرنساوية هي المفتاح للتقدم والتكنولوجيا وأن العربية لغة التاريخ ولغة ماضي. هذا من سوء الحظ وليس هذا رأيي طبعا.


أحمد منصور: وأنت حينما سعيت لإقناعه بالتعريب.


محمد مزالي: أنا لم أطلبه أن أعرب، أنا بدأت التعريب.


أحمد منصور: بدون المرجعية لأحد؟


محمد مزالي: وللنكتة يعني وسي الباهي الآن توفي الله يرحمه، لكن قلت لسي الباهي إنه نعرب.. قال لي.. الرئيس كان يعالج في باريس عام 1970، قال لي الرئيس ما يوافقش ومشكل، قلت يا سيد الباهي خليني أعرب أنا عاما، خليني أعرب أنا.. قال لي طيب عرب عاما فقط تنشوف رد فعل بورقيبة، وبورقيبة أرسل لي عن طريق محمد المصمودي هذا كان سفيرا، قال لي بورقيبة زعلان كيف عربت والهادي نويرة الله يرحمه كلمني كان محافظ.. قال لي بورقيبة الرئيس زعلان، قلت أنا أتحمل مسؤوليتي، فلما رجعل بورقيبة في غرة جوان كان عازما على التخلص مني ويوم 12 جوان أبلغت أن مهمتي انتهت..


أحمد منصور: كوزير للتربية.


محمد مزالي: فقلت مع السلامة. أنا أستطيع أن أشتغل يعني أستاذ.

محاولات الوحدة وأهداف بورقيبة منها


أحمد منصور: وهذه الفترة التي بعدت فيها عن الوزارة إلى العام التالي. في 6 نوفمبر 1970 تم إقصاء الباهي الأدغم أثناء قيامه بمهمة المصالحة بين الأردنيين والفلسطينيين بعد أحداث أيلول الأسود.


محمد مزالي: ولعب الباهي الأدغم الله يرحمه دورا كبيرا ودورا خطيرا صحبة ومعه صاحب السمو الشيخ سعد عبد الله سالم الصباح الذي ساعد هو والشيخ سعد ساعد أبو عمار مع الباهي الأدغم على الهروب متخفيا ومتزييا بزي امرأة أظن للخروج من عمان والهروب بجلده.


أحمد منصور: نعم، عملية إقالة الباهي الأدغم أو إقصائه بعد 13 عاما من البقاء رئيسا للحكومة أو وزيرا أولا ماذا كانت تعني في تلك المرحلة وما هي الأسباب في تصورك؟ لا سيما الرجل كان بيقوم بمهمة كبيرة.


محمد مزالي: وقتها يعني ولكن بورقيبة كان يعتقد أن الباهي الأدغم قام برسالته خلاص وفترته كانت مقرونة بنضال الشعب، نضال الجميع بفترة التعاونيات والتعاضض، فبورقيبة كان زعل على التعاضض وزعل على بن صالح وألقى عليه القبض وحكم بن صالح من سوء الحظ يعني أنا ما كنتش موافقا على هذا لأن بن صالح أخطأ مثلنا جميعا وكان يجب أن يكتفي بورقيبة بإقالته من الحكم وقد استقام الأمر ولكنه كان متحمسا كثيرا..


أحمد منصور: يعني هو حمل بن صالح مسؤولية فشل الاشتراكية؟


محمد مزالي: حتى يتخلص هو من التعاضض معنا.


أحمد منصور: حتى لا يحمل هو مسؤولية الاشتراكية البورقيبية.


محمد مزالي: ولكن كان يعرف بورقيبة في خاطر نفسه أنه مسؤول ولهذا أصيب بانهيار عصبي لم يزل يتابعه طيلة عشرات السنين يعني لأن الصدمة كانت قوية.


أحمد منصور: يعني هو انهيار التعاونيات حدث في يوم وليلة؟ هي سياسة انتهجت من البداية وكانت خاطئة.


محمد مزالي: نعم، هي كانت خاطئة ولكن خطأ لم يظهر للعيان ولم يقتنع به بورقيبة بالخصوص إلا في عام 1969 فشال بن صالح واضطهده ولم يكن هناك لزوم لاضطهاده وإنما كان من حقه بورقيبة من حق بورقيبة أن يقيله وخلاص وحيث انتهت فترة الباهي الأدغم في هذه الظروف من سوء الحظ وهذا يعني لوم أتجرأ على توجيهه لبورقيبة لأنه لوم سياسي يعني لم يقل الباهي الأدغم فقط لأن الباهي الأدغم أنا أحترمه، رغم أنا أحترم كل من دخل السجن وكل من ضحى في سبيل تونس ولو أختلف معه في هذه النقطة أو في تلك، الباهي الأدغم مناضل قضى خمس سنوات سجن في الجزائر في وقت عز فيه المناضل وعزت فيه التضحية.


أحمد منصور: على يد الفرنسيين طبعا.


محمد مزالي: الفرنسيين طبعا. فلعب دورا بهذا فكان يجب أن يقيله عندما يرى إقالته ويبقى وزيرا أول سابقا محترما مهابا لما قدمه من خدمات أيام الكفاح وأيام بناء الدولة لكن بورقيبة كان دائما في خطبة من خطبه في مجلس النواب هاجم الباهي الأدغم هجوما عنيفا من غير لزوم وقال..


أحمد منصور (مقاطعا): يعني هل كان بورقيبة أيضا هو يحمل الآخرين مسؤولية أخطاءه هو؟


محمد مزالي: كان عنده عيب من عيوبه أنه كان دائما ينتقد من اشتغل معه حتى يبقى هو وحده فوق الانتقادات ومحل الاحترام والتقديس، هذا عيب من عيوبه لأنه مع الزمن كبرت شخصيته واعتبر نفسه تونس هو تونس.


أحمد منصور: وكان يعبر عن هذا في خطاباته وفي..


محمد مزالي: كان يقول في خطاباته وكان يقول لي شخصيا يقول لي يا سي محمد تونس ترى هي ماسكة وشادة نفسها في فترة بورقيبة.


أحمد منصور: ما تفسيرك لهذا يعني أن يصل الرجل إلى مرحلة من الغرور؟


محمد مزالي: علم النفس وليس هو الأول في التاريخ يعني كثير من الزعماء..


أحمد منصور (مقاطعا): وأنتم كتونسيين وكوزراء ومسؤولين حوله كنتم..


محمد مزالي: لا، والله كان في يعني محبة بورقيبة لا تنفي احترازات، طبعا.


أحمد منصور: حتى منكم أنتم.


محمد مزالي: طبعا، طبعا.


أحمد منصور: هل أبدى أحد منكم له نقدا أو توجيها وقبله؟


محمد مزالي: في عدة مسائل تناقشنا كثيرا.


أحمد منصور: اضرب لنا مثالا لو سمحت.


محمد مزالي: مثال، لما كنت وزيرا أول يعني أنا كنت مثلا ناديت بالوفاق بين تونس وليبيا فبورقيبة كان ضد هذا كان يحمل المسؤولية للأخ القذافي، حاولت مثلا لما أغارت طائرات أميركا على بنغازي وطرابلس في 17 أبريل 1986 أعددت أنا والأخ -وما زال حيا والحمد لله- الأخ محمود المستيري كان وكيل وزارة الخارجية أعددنا نص تضامن مع الشعب الليبي ورحنا إلى بورقيبة الساعة الخامسة بعد الزوال خلافا للعادة، بالعادة دائما يستقبلنا الساعة التاسعة صباحا، وقرأت عليه النص فزعل قال لا، قال لازم نحول النص ونحمل القذافي المسؤولية، فأنا وقفت موقفا كبيرا وفي الآخر كنت مرتاحا لأن بورقيبة تنازل عن النص للهجوم على القذافي.


أحمد منصور: طالما تحدثت عن تلك المرحلة كان هناك محاولات من..


محمد مزالي: نعطيك لو سمحت نعطيك مثالا آخر لأن الذاكرة أحيانا.. بعد حوادث الخبز ربما نجهلها.


أحمد منصور: في 1978 ولا في 1980؟


محمد مزالي: لا، في إذا سمحت لي في الأيام الأولى من يناير 1983.


أحمد منصور: كنت أنت رئيسا للوزراء.


محمد مزالي: وهي ربما نجهلها في تلك الفترة لأنه هي مؤامرة ليست ثورة ليس تمردا..


أحمد منصور (مقاطعا): سنعود لها بالتفصيل.


محمد مزالي: على كل حال في آخر ألقي القبض على بعض من اتهموا بأنهم رموا الحجارة ومات شخص أو اثنان وحكمت عليه المحكمة بالإعدام والتعقيب نفسه يعني محكمة الحل اللي عقدوا إبرام أيدت الحكم وجاء الأخ محمد شاكر وهو موجود حي يرزق والحمد لله يستطيع أن يشهد جاء إلى بورقيبة بنص، نص يعني فيه رأي لجنة العفو وفيه إما ينفذ الحكم أو على الشمال يحول إلى أبدي ويجب أن يكتب بورقيبة بخط اليد قرار تأييد الحكم حتى ينفذ فيه فبعد أن وقعت محاولات حتى زوجته نفسها تدخلت، بورقيبة كان دائما يقول لا، وثم وفود راحت إلى مدام مزالي كانت رئيسة الاتحاد النسائي حتى تتدخل ولكن بورقيبة صم أذنيه. فقبل أن يكتب قلت له سيدي الرئيس أنا شخصيا لست حقوقيا ولكن عندي رأي، قال لي تفضل، قلت له هؤلاء الشبان الاثنان أو الثلاثة صحيح رموا الحجارة ولكن رموا الحجارة وقتلوا لأن مدينة تونس كانت خالية من الأمن لأن وزير الداخلية السابق نزع السلاح من الأمن..


أحمد منصور: أندريه زقيقة؟


محمد مزالي: نعم زقيقة، وترك البلاد وشأنها، قلت يا سيدي الرئيس لو في باريس الآن يغيب الأمن ألا ترى أن الرعاع سوف يهجمون على المغازات وسوف يسرق؟ قال لي صحيح، قلت له أنا في اعتقادي من برضه الذوق السليم أن المسؤولية مشتركة بين الدولة وبين هؤلاء الأشخاص، قعد يفكر قال لي صحيح صحيح معك حق، قال لي إحنا مسؤولون إذاً، بعد تنهد وقال لي أول مرة في حياتي كرئيس لا أوافق على تنفيذ حكم إعدام، وكتب يحول الحكم إلى مؤبد. لما الإنسان يخاطبه مع التقدير المتبادل استطعت في نطاق يعني يمكن نقول.. ويمكن أن أذكر أمورا كثيرة طبعا تمعقل فيها كما يقال بالتونسي، تمعقل فيها بورقيبة وتراجع عن موقفه.


أحمد منصور: طالما تحدثت في ثنايا الكلام عن العلاقة مع ليبيا والبيان الذي سعيت لإصداره في 1986، في الفترة من بعد مجيء القذافي في 1969 وبداية السبعينيات جرت بعض المحاولات التي كان بورقيبة يسعى فيها إلى عمل وحدة مع ليبيا تارة مع الجزائر تارة وحدة مغاربية تارة أخرى، قضية قصة التجمعات الوحدوية هذه في المنطقة بإيجاز يعني.


محمد مزالي: يعني بصفة عامة بالنسبة لتونس وليبيا العقيد القذافي هو اللي سعى للوحدة في يناير 1974 بعد محاولات وخصومات وخاصة زيارة القذافي لتونس في 1972 وخطابه في قاعة استيما نداء بالوحدة وبورقيبة كان مريضا وخرج من قصره ولم يجد السيارة فأخذ سيارة البوليس ودخل إلى قاعة استيما وألقى خطابا أجاب فيه الأخ القذافي. لكن بعد..


أحمد منصور (مقاطعا): هذا الخطاب الشهير الذي القذافي أعطى فيه رؤية معينة وكان يسمعها بورقيبة وذهب إلى السينما.


محمد مزالي: ولم يصبر وراح، وكان القذافي يعني يملك أعصابه في الحقيقة. هيأ لاجتماع جربا في أسبوع كان فيه الهادي نويرة الله يرحمه في زيارة رسمية إلى إيران وكانت فيه وسيلة بورقيبة في زيارة إلى لبنان وسوريا، أنا كنت وزير التربية آنذاك بعيد عن السياسة المباشرة وراح بورقيبة هو وثلاثة أو أربعة وزراء منهم الحبيب الشطي كان مدير ديوان ومنهم الطاهر بالخوجة ومنهم محمد الصياح وأظن محمد الفتوري وبعد اجتماع ثنائي بورقيبة القذافي دام 35 دقيقة خرج من قاعة الاجتماع وابتديا بفاتحة الكتاب على نشوء الجمهورية العربية الإسلامية.


أحمد منصور: هل هكذا تقام الدول والوحدات؟


محمد مزالي: وهذا المشكل، وبعدين في نفس الدقائق الموالية تكونت الحكومة، حكومة الوحدة، رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة وهذا كان ربما يشفي..


أحمد منصور: طبعا زمام الحكم.


محمد مزالي: الأنانية وحب العظمة. وكان القذافي نائب رئيس أظن وزيرا للدفاع ومحمد المصمودي وزيرا للخارجية.


أحمد منصور: وهذا الذي جعل علاقة خاصة بين المصمودي والقذافي بعد ذلك حتى غضب عليه بورقيبة؟


محمد مزالي: علاقاته كانت وقتها علاقات مميزة، لا أدري الآن لكن وقتها كانت علاقات مميزة يعني كويسة في ذلك الوقت، ولم تكن مميزة مع المغرب مع الملك الراحل الحسن الثاني ولا حتى مع الجزائر لأن الرئيس بومدين الله يرحمه سعى الكثير على هذه الوحدة. وبورقيبة بعدما رجع في نفس اليوم إلى تونس بدأ يصرح ويقول الوحدة هذه تتطلب استفتاء حتى يوافق الشعب عليها والاستفتاء يقتضي تحوير الدستور بينما كانت الوحدة ستتحقق باستفتاء للأيام الموالية القليلة يعني.


أحمد منصور: استفتاء ليه يعني إذا هو قبل ذلك أو في تلك المرحلة استطاع أن يقوم أو يجري تعديلات في الدستور على أن يكون رئيسا مدى الحياة، رئيسا للحزب مدى الحياة ثم رئيسا لتونس مدى الحياة؟


محمد مزالي: التعديل وقع بعيد الوحدة.


أحمد منصور: بعيد في تلك المرحلة يعني في 1974 بعد مؤتمر المونستير.


محمد مزالي: ويقال، أنا لم أحضر، يقال إن بورقيبة خاطب بومدين بالتلفون وقال له نحن انضم للجماعة نحن اثنين وأنتم ثلاثة، فبومدين قال له الجزائر ما تركبش في القطار عندما يتحرك، عبارة فرنساوية، نركب القطار من الأول مع الأولين، ومشى وزير أو اثنان من تونس لبومدين وقابلوا الأخ فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان وزيرا للخارجية ووجدوا، ووجدا من الإخوان الجزائريين يعني معارضة تامة بحيث فشلت الوحدة. الهادي نويرة كان ضدها من أول رجع بسرعة يعني عاد..


أحمد منصور (مقاطعا): كان رئيسا للوزراء في تلك المرحلة، بقي من 1970 إلى 1980 رئيس وزراء في تونس. وتوليت أنت عدة حقائب وزارية في الحكومة.


محمد مزالي: نعم، أنا كنت وزير صحة أيام الوحدة هذه.


أحمد منصور: 1974 نعم.


محمد مزالي:1974 وزيرا للصحة. حيث كانت لسوء الحظ محاولة فاشلة والتي من شأنها أن تضر بفكرة الوحدة التي هي فكرة كويسة الوحدة.


أحمد منصور: ما فيش تناقض هنا ما ببين انتقاده للوحدة بين مصر وسوريا حينما كان في مصر في 1965 أمام عبد الناصر وأمام بعض الجماهير وسعيه لوحدة ليتم الاتفاق عليها في نصف ساعة؟


محمد مزالي: لأن الوحدة هذه أرضت غروره لأنه سيصبح رئيس دولة معناها غنية بالبترول وغنية بمساحاتها الشاسعة بينما هو يعتبر نفسه رئيس جمهورية في دولة صغيرة ترابيا وليس فيها موارد طبيعية..


أحمد منصور: آه، بعض الناس اللي كانوا قريبين من بورقيبة يقولون إنه كان يعني يعتبر نفسه أكبر كثيرا من مجرد تونس يعني هو يجب أن يكون زعيما لمنطقة المغرب كلها ليس مجرد تونس يعني.


محمد مزالي: لأن شخصه يعني كان منتفخا لحد كبير وكان يعتبر نفسه مجاهدا يعني جاهد وكذا، هذا الغرور يعني من سوء الحظ يعني.


أحمد منصور: بعد مؤتمر المونستير في 1974 أصبح رئيسا للحزب مدى الحياة ثم أصبح رئيسا للدولة مدى الحياة، تقييمك إيه لكلا هذين الأمرين؟


محمد مزالي: خطأ كبير لأنه وجد بعض المناضلين إن صح التعبير تملقوا إليه وقالوا له إن تاريخه ومجده وكذا كله..


أحمد منصور (مقاطعا): متى؟ بعد 18 مارس 1975 ولا في مؤتمر 1974؟


محمد مزالي: في مؤتمر 1974.


أحمد منصور: هذه كرئيس حزب لمدى الحياة.


محمد مزالي: ومجلس النواب أقر اقتراح بعض النواب الدستوريين أقره في قراءة أولى وثانية في 1975.


أحمد منصور: اللي هي 18 مارس 1975 رئيسا للدولة مدى الحياة.


محمد مزالي: مدى الحياة ودي أكبر غلطة ولكن نحن نقول حتى يتذكر هذا الإخوان النظارة أن الدستور المحور والمنقح يقول هذا القرار يهم بورقيبة فقط بحيث بزوال بورقيبة تزول الرئاسة مدى الحياة.

شخصية الحبيب عاشور وعلاقاته بالمسؤولين


أحمد منصور: في 26 يناير 1978 وكنت وقتها عدت للمرة الثالثة إلى وزارة التربية.


محمد مزالي: والعود أحمد.


أحمد منصور: وقعت أحداث ما يسمى بأحداث يناير 1978 أو 26 يناير 1978 وتدخل الجيش وعزل الطاهر بالخوجة وكان وزيرا للداخلية، تلقي لنا الضوء بإيجاز على هذه الأحداث ومن المتسبب فيها؟


محمد مزالي: يعني حتى نفهم هذه الأحداث وما وقع قبلها وما سيقع بعدها أقول إن خطة وزير أول خطة ملعونة كلعنة الفراعنة، ليه؟


أحمد منصور: تقصد وظيفة؟


محمد مزالي: الوظيفة نفسها.


أحمد منصور: وظيفة الوزير الأول.


محمد مزالي: ليه؟ لأن الدستور كان ينص على أن الوزير الأول هو الذي يخلف رئيس الدولة في حالة الشغور بحيث كانت كل المناورات وكل الضربات وكل المؤامرات تتجه للقضاء على الوزير الأول والاستعاضة عنه بشخص آخر من بين المقربين من رئيس الدولة أو من زوجة رئيس الدولة بحيث إن الأخ الهادي نويرة كان  ضحية مؤامرة قامت بطانة في القصر من كانوا حول زوجة بورقيبة بالتعاون مع المرحوم الآن -يعني اذكروا موتاكم بخير- المرحوم الحبيب عاشور زعين النقابات حينذاك لتهييج الشارع بشد إضراب عام وقلاقل ودماء تسيل حتى يتخلص بورقيبة من الهادي نويرة ويعوضه وزير الداخلية حينذاك الطاهر بالخوجة أو الحبيب عاشور أو شخص آخر ترضى عنه الماجدة وسيلة بورقيبة رحمها الله. ثم وقع هذا بقضية الخبز التي سنرجع إليها بعد حين، يعني خطة الوزير الأول كانت مستهدفة كل المؤامرات.


أحمد منصور: كوظيفة.


محمد مزالي: بحيث وهذا 26 جان حوالي مائة شهيد وخمسمئة جريح كلها داخلة في خطة لإرباك الهادي نويرة وحمل بورقيبة على التخلص منه.


أحمد منصور: احك لنا كوزير مسؤول في الحكومة آنذاك ما الذي وقع بشهادتك أنت، كيف تصعدت الأحداث، من الطرف الذي تحمله المسؤولية التاريخية؟


محمد مزالي: أنا شاهدت قبل الحوادث المأساوية الدامية في 26 جان شاهدت مدة عام أو عام ونصف توتر العلاقات بين الحبيب عاشور ومن كان معه من الموالين لوسيلة بورقيبة وبين الهادي نويرة ومن كان معه من الوزراء الموضوعيين يعني..


أحمد منصور (مقاطعا): أنت كانت علاقاتك متوترة مع الحبيب عاشور وسأعود لها فيما بعد.


محمد مزالي: في الواقع ما كانتش متوترة مع الحبيب عاشور، كانت متوترة نوعا ما مع وسيلة ولكن الحبيب عاشور كنت أحترمه باعتباره مناضلا فقط، التوتر فيما بعد، لكن كنت على خلاف في بعض النقاط كنت أحترم كثيرا الأخ الهادي نويرة رحمه الله وكنت من أنصاره ضد هذه المؤامرات..


أحمد منصور (مقاطعا): كانت له شخصية قوية وكان الرئيس يحترمه والعلاقات بينهما كانت جيدة.


محمد مزالي: والله كان الرئيس يحترمه لأنه كان مناضلا وكان هو بطبيعته لا يعبر عن غضبه ولا عن مشاعره بصورة واضحة، كان يخزن ويتألم.


أحمد منصور: حتى مرض بعد ذلك.


محمد مزالي: حتى مرض. أنا حضرت في اجتماعات كان الحبيب عاشور يعني يتهدده ويضحك عليه ويعجزه بطلبات ما بعث الله بها من سلطان.


أحمد منصور: لكن الحبيب عاشور في نفس الوقت والنقابات بشكل عام كانت بتعبر عن توجهات الشعب التونسي وكان الاتحاد التونسي العام للشغل يعتبر جهة المعارضة الرئيسية بالنسبة لحكومة ذات نظام أوحد وحزب واحد ونظام دكتاتوري.


محمد مزالي: هذه قراءة. لكن قراءتي أنا غير هذا لأن الحبيب عاشور في فترات كثيرة كان مع الهادي نويرة ومع بورقيبة عندما كانت مصالحه مع هذين المسؤولين، وعندما يرى الحبيب عاشور أن مصلحته مع وسيلة أو ضد الهادي نويرة يقلب ظهر المجن -ونحن ننافسه في النقابات أنا نقابي قديم- لما الجو يكون كويس ما بين بورقيبة والحبيب عاشور الحبيب عاشور طرد الشيوعيين وطرد المعارضين أعطيك أسماء بعض النقابيين الذين كانوا معارضين بحق، شيوعيون أو قوميون عرب وكذا طردهم، لما العلاقات تفسد مع بورقيبة يرجعهم، مثلا في 1972 وقعت مظاهرات كبيرة في الحرم الجامعي، الحبيب عاشور جاء بالعمال عمال الرصيف ذوي السواعد المفتولة وأرسلهم ليضربوا الطلبة وفي خطاب عمومي في قصر القبة فصر الرياضة هناك خطاب مسجل بالصوت للحبيب عاشور يقول "ثم ماويون وشيوعيون وستالينيون أنا مع البورقيبيين لازم نقضي عليهم قضاء مبرما" هذا في 1972.


أحمد منصور: كلكم كنتم بورقيبيين؟


محمد مزالي: لا، بورقيبيون بمنطق المصالح والمناورات ثم بورقيبيون باعتبار بورقيبة..


أحمد منصور (مقاطعا): في ظل النظام الدكتاتوري بالشكل الذي كان يحكم به بورقيبة تبقى المصالح هي التي تحرك معظم الناس.


محمد مزالي: عندما يجد بورقيبة في شخص الحبيب عاشور مؤيد هو والعامة له.


أحمد منصور: لم يكن بورقيبة في حاجة إلى الحبيب عاشور وغيره طالما كان يمسك بقضبة الحكم بهذه الطريقة.


محمد مزالي: لا، يحتاج للطبقة العاملة إلى ذوي السواعد المفتولة.


أحمد منصور: وكانت دائما طبقة متمردة.


محمد مزالي: البعض مش الكل. يعني أنا قلت في تاريخ الحبيب عاشور مثلا..


أحمد منصور: يعني بقي الاتحاد التونسي للشغل وبقيت اتحادات الطلاب الاتحادات الطلابية في تونس تمثل الجبهة المعارضة غير المعلنة والتوجهات السياسية المختلفة في البلاد مع إلغاء كل الأحزاب أليس كذلك؟


محمد مزالي: لا، اتحاد الطلاب من عام 1971 مما يسمى بمؤتمر مدينة قربة تحول وأصبح فعلا في الغالب الغالب يعني معارضا أما اتحاد الشغل فبقي يتأرجح بين المعارضة والتأييد حتى في فترتي أنا في مدة ثلاث سنوات كان الحبيب عاشور معي 1000% يخطب ويؤيدني ثم قلب ظهر المجن، فبالنسبة للهادي نويرة يعني وبالنسبة ليناير 26 يناير موضوع سؤالك..


أحمد منصور (مقاطعا): في الحلقة القادمة أتناولها معك بالتفصيل الأحداث التي وقعت في يناير 1978 ويناير 1980 أيضا والتي عصفت بالهادي نويرة وحكومته ثم توليت أنت رئاسة الحكومة وأصبحت الوزير الأول من 1980 إلى 1986.


محمد مزالي: في زمن العواصف واللي هي في زمن العواصف.


أحمد منصور: نعم. شكرا سعادة الوزير الأول التونسي السابق السيد محمد مزالي. كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم في الحلقة القادمة إن شاء الله نواصل الاستماع إلى شهادة السيد محمد مزالي رئيس الحكومة التونسية الأسبق، في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج وهذا أحمد منصور يحييكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.