الصندوق الأسود

من سلّم مفتاح صنعاء للحوثيين؟

كشف فيلم “الطريق إلى صنعاء” أسرار ما جرى من تواطؤ مسؤولين يمنيين لتسليم محافظة عمران الواقعة شمال العاصمة اليمنية تمهيدا للسيطرة على صنعاء.

لم يعد سقوط العاصمة اليمنية صنعاء يوم 21 سبتمبر/أيلول 2014 بيد جماعة الحوثي لغزا كبيرا، ولم يعد توالي سقوط المحافظات والمدن كأحجار الدومينو يثير أسئلة من طراز "هل ثمة تحالف بين الحوثي والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح؟".

ولم يعد هناك من يسأل: كيف لجماعة مسلحة لا تمثل أكثر من ٢٠% من السكان أن تسيطر على كامل مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية، وأن تسقط العاصمة بأيديها بعد معارك لم تستغرق أكثر من أيام؟

ما بات واضحا هو طموح الرئيس المخلوع للعودة إلى الحلبة السياسية والانتقام من ربيع ساحات التغيير بأي ثمن، حتى لو كان ذلك الثمن يطيح بخارطة البلاد ويخلط دماء اليمنيين بحبر الاتفاقيات الذي لم يجف بعد.

ما قبل صنعاء
وما قبل صنعاء هو ما قررت أن تذهب إليه سلسلة "الصندوق الأسود" الاستقصائية التي تنتجها الجزيرة، وحمل فيلمها الذي بثته مساء الخميس (21/5/2015) عنوان "الطريق إلى صنعاء"، لأن ما قبل العاصمة وتحديدا على بعد خمسين كيلومترا شمالها، وأكثر تحديدا في محافظة عمران، هناك بدأ يتبلور مشروع إزاحة الدولة عن طريق اليمنيين.

فتح الفيلم ملفات سرية ظهرت للعلن لأول مرة، وقدم سبعة من كبار الضباط تفاصيل المعركة في عمران والمجريات الميدانية وأسرار ما جرى على الأرض من دور بعض كبار المسؤولين وتواطؤ البعض الآخر منهم لتسليم المدينة تمهيدا لسقوط العاصمة من بعدها.

أفرد الفيلم مساحته لعرض قصة اللواء 310 مدرع -أحد أهم التشكيلات المقاتلة في الجيش اليمني- وقائده حميد القشيبي الذي شكل العقبة العسكرية الأخيرة في وجه الزحف الحوثي. كما كشف الطريقة التي حوصر فيها الرجل هو وقواته ومن ثم التخلص منه، والدور المريب لأطراف رسمية يمنية في مساعدة الحوثيين لتضييق الخناق على اللواء المدافع عن عمران.

يسجل الفيلم دخول الاعتصامات والمظاهرات الحوثية في عمران شكلا من أشكال الصراع التي يختلط فيها المطلبي بالسياسي والديني والقبلي، كما سيتكرر بعد ذلك في العاصمة صنعاء.

طالبت المظاهرات بإقالة محافظ عمران المحسوب على حزب الإصلاح، ولكن الغريب هو المطالبة بإقالة القشيبي.

القشيبي المطلوب
القشيبي ابن مدينة عمران وأحد أبرز قادة الجيش اليمني على الإطلاق، وقاد معارك ميدانية ضد الحوثيين خلال الحروب الست التي شنها نظام صالح، مما وضع الرجل في قلب المواجهة مع الحوثيين.

كانت هذه هي المطرقة، فالقشيبي مطلوب للثأر الحوثي، أما السندان فيمكن التعرف عليه مع صوت الرجل في ثورة التغيير 2011 الذي ينادي "نحن مع ثورة الشباب السلمية ومع أبناء الشعب اليمني ونحن انضممنا إلى هذه الثورة السلمية"، الأمر الذي اعتبره الرئيس المخلوع صالح انشقاقا عنه.

في معركة عمران ترك القشيبي وحيدا هو وجنوده حتى الإرهاق، دون أي عون لا من الرئاسة ولا من الجيش. وما أضعف معنويات الجنود أن وزير الدفاع زار الحوثيين في عمران واعتذر عن زيارة جنود الجيش في المحافظة نفسها.

أما ما يسميه أحد كبار الضباط بيوم النكبة فهو يوم 7 يوليو/تموز، فبعد التزام القشيبي بوقف إطلاق النار وتسليم أسلحته للشرطة العسكرية، زحف الحوثيون ليلا وسيطروا على كل الأسلحة وقتلوه هو ومرافقيه.

إيرانيون مقابل الجثة
احتجزت جثة القشيبي 12 يوما واشترط الحوثيون مقابل الإفراج عنها أن تطلق الدولة سراح معتقلين إيرانيين في سجون الأمن القومي.

ولم يعرض الفيلم بالكامل الصور الحصرية والمريعة لجثة القشيبي، لكنه كشف عن تقرير الطب الشرعي الذي جاء فيه أن جسد الرجل تعرض لـ84 طلقة.

كما في عمران دخل الحوثيون إلى صنعاء وطالبوا بحقهم في التظاهر مع أسلحتهم، في مظاهرات رفعت فيها أيضا أعلام المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح، وليبدأ مع سقوط العاصمة المسلسل الذي وصل عدن ثم أوقف هناك مع بدء عاصفة الحزم التي غيرت شروط اللعبة كلها.