صحافة الجريمة + المراسل الحربي
كواليس

صحافة الجريمة بين ثقافة القانون وتجارة الإثارة

صحافة الجريمة في الغرب ولدى العرب بين ثقافة القانون وتجارة الإثارة، فجرائم تهز المجتمع، مجرمون يخطفون الأضواء في وسائل الإعلام من نجوم الفن والسياسة.

– الإعلام العالمي وتغطية أخبار الجريمة
– أخبار الجريمة وأثرها على الإقبال الجماهيري

– عمل المراسل الحربي والتغطية الميدانية

undefined

فيروز زياني: أهلا بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامج كواليس، الجريمة ظاهرة اجتماعية تلازم الإنسان منذ بدء الخليقة ولأنها لا تغيب عن مجتمع فإنها كغيرها من الظواهر تحولت إلى مادة مفضلة في وسائل الإعلام إلى أن أصبح لها صحافتها الخاصة، إنها صحافة الجريمة، فتغطية أخبار الجريمة في الصحافة المكتوبة بشكل عام ركن أساسي قلما يتم إسقاطه من الاعتبارات التحريرية وفي الجرائد الشعبية غربية كانت أم عربية كثيرا ما تفرد لأخبار الجريمة عناوين رئيسية في الصفحات الأولى كما تبرز بالصور والتعليقات المثيرة لاجتذاب القراء خاصة وأن حسابات التوزيع والربح تعتمد في أحيان كثيرة على قارئ الجريمة، لكن الجريمة أيضا لا تقتصر على المكتوب من الصحافة إذ وجدت في التليفزيون مسرحا مهما لاجتذاب الجمهور، الولايات المتحدة الأميركية تقدم نموذجا لتطور إعلام الجريمة خلال العقود الأخيرة خاصة وأن برامج تليفزيونية وحتى محطات بأكملها صارت قائمة على تغطية أخبار الجريمة ببعديها الاجتماعي والقانوني.

الإعلام العالمي وتغطية أخبار الجريمة

[تقرير مسجل]

ناصر الحسيني: الصورة لرجل غاضب جاء بمسدسه يحاول قتل أحد المحامين، الجمهور صُعق لواقعية الصورة فيها سبق صحفي يحقق مزيدا من المشاهدين ومزيد من دولارات المعلنين، ثم مأساة عائلة الشابة الأميركية ناتالي.. مثال للشابة الأميركية الجامعية الناجحة اختفت في أحد الليالي بمنتجع أروبا السياحي، في تغطية التليفزيون الأميركي دراما يومية كل ليلة تشابكت فيها خيوط شرطة التحقيقات بدموع العائلة، ثم المحاكمة التي هزت أميركا.. لاعب كرة القدم الشهير أو غي سمبسون أمام المحكمة بكاليفورنيا بتهمة قتل زوجته البيضاء وصديق لها، يوم الإعلان عن حكم البراءة تابعت أميركا النبأ كخبر وطني، تلك نماذج من الجرائم في أميركا يغطيها الإعلام التليفزيوني لحظة لحظة ولم تتخل حتى الآن أي قناة أميركية عن هذا النوع من التغطيات لأن الكل يريد المزيد المشاهدون والمعلنون في آن واحد تتخصص، قناة (Court TV) في تغطية أخبار المحاكم والجرائم في ذلك تستخدم القناة كباقي شبكات الأخبار الأخرى كافة الوسائل للإثارة مذيعون نجوم معلقون خبراء القانون وحتى عائلات الضحايا في موقع تليفزيون (Court TV) الأميركي يستعد اليوم فريد غراهام مسؤول برامج القناة بمكتب واشنطن والمذيع النجم للمشاركة في إحدى التغطيات الإخبارية للمحاكم، هذا عمله اليوم منذ خمسة عشر عاما منذ بدأت (Court TV) التي غطت حتى الآن تسعمائة محاكمة قضائية عملها، يؤكد فريد أن التغطية التليفزيونية الأميركية للمحاكم تفتح للمشاهد باب معرفة عن نظامه القضائي وتشبع فضوله ولا عيب يقول فريد في أن تسعى القنوات التليفزيونية للربح أيضا.

فريد غراهام – مذيع كورت تي في: كورت تي في تجارة أنها قناة تسعى للربح لقد وجدنا أن الناس يهتمون بالجريمة وعمل الشرطة وكيف تعمل المحاكم ووجدنا أن المشاهدين يهتمون كذلك بقناتنا لأننا نقدم برامج واقعية ونقدم الحقيقة، عندما بدأت كروت تي في قبل خمسة عشر عاما تسعة أميركيين من أصل عشرة لم يكونوا شاهدوا محاكمة واحدة في حياتهم أما اليوم فإن تسعة من أصل عشرة أميركيين شاهدوا المحاكمات ويعرفون كيف يعمل القضاء.

ناصر الحسيني: في نيويورك هذه المرة تقول فيليس كونتي المحامية والمنتجة التلفزيونية السابقة إن تغطية الجرائم والسعي وراء الربح عن طريق الإعلانات لا يؤثر على مصداقية التغطيات وكل هم منتجي التلفزيون أن يصلوا للجريمة المعبرة التي تسعى للاستحواذ على المشاعر.

فيليس كونتي – محامية دفاع: ليس هناك أدنى شكل أن وسائل الإعلام تبحث عن قصة تقدم للمشاهد أعمق المخاوف مثل قضية اختفاء الشابة ناتلي في جزيرة أروبا لا أحد يريد أن يسافر إلى هناك للعطلة ولا يعود.

ناصر الحسيني: في نقلها لوقائع الجرائم سواء من الموقع أو من داخل قاعات المحاكمة لكن أيضا من أجل المصداقية تستخدم التلفزيونات المتخصصة في الجريمة جيشا من الخبراء والمحللين والصحفيين.

فيليس كونتي: كلما زاد عدد الخبراء في الأستوديو كلما وسعت التغطية نطاق القضية.

فريد غراهام: نريد إعطاء المشاهد فهما لعملية جد معقدة بخصوص سير العدالة ونأتي بمحللين.. الأول مدعي عام سابق والثاني محامي دفاع ليشرح القضية من وجهة نظر المحامين ونتمنى أن يتمكن المشاهد من الوصول إلى الحقيقة ويتم ذلك من خلال ترافق الطرفين.

ناصر الحسيني: فريد غراهام وفيليس كونتي المحامية الشابة يتفقان كذلك حول عنصر الكاميرا داخل المحاكم التي صنعت نجوما من القضاة والمحامين ويقولان إن وجود الكاميرات أمام القاضي والمحامين والمتهمين لا يغير شيئا في الحقيقة ولكن الناقدين للأداء التلفزيوني الأميركي بخصوص الجريمة يرون العكس مثل جون بوير المشكك في فوائد التغطيات التلفزيونية المكثفة للجريمة في أميركا.

"
التلفزيون التجاري يحول المشاهد إلى مستهلك بدل أن يكون مواطنا يهتم بقضايا تطبيق العدالة والإنصاف في التعامل مع الناس بعيدا عن الإثارة
"
    جون بوير

جون بوير – مؤسسة ميديا من أجل أميركا: عندما تكون الكاميرا حاضرة داخل المحاكم فهي تغير العملية القضائية ومن الأفضل لو غابت تلك الكاميرات، التلفزيون التجاري يحول المشاهد إلى مستهلك بدل أن يكون مواطنا يهتم بقضايا تطبيق العدالة والإنصاف في التعامل مع الناس بعيدا عن الإثارة.

فريد غراهام: لا عيب أن نسعى للربح في نهاية المطاف ولكن السؤال هو هل ستنقل الحقيقة أثناء سعيك للربح؟

ناصر الحسيني: الآن تلفزيون الجريمة في الولايات المتحدة نجح بكافة المقاييس.. مقاييس المال يحقق دخلا عاليا من خلال الإعلانات وعددا كبيرا من المشاهدين، تلفزيون الجريمة في الولايات المتحدة بدأ الآن يفكر فيما بعد، ماذا لو نقلنا بالنقل الحي هذه المرة عبر الإنترنت وقائع المحاكمات، لكن ذلك موضوع آخر، ناصر الحسيني الجزيرة لبرنامج كواليس واشنطن.

فيروز زياني: ولمزيد من البحث في هذا الموضوع معنا من نيويورك المحامي الأميركي شان ماهر، سيد شون تخصيص برامج تلفزيونية وحتى قنوات بأكملها مثل كورت تي في للجريمة هل هو دليل برأيك على انتشار الجريمة في أميركا؟

شان ماهر – محامي أميركي: الجريمة فعلا منتشرة في أميركا ولكن ذلك لا يتعلق بمدى اهتمام الإعلام بها، إن وسائل الإعلام لا تركز على الجريمة التي تحصل يوميا بل تركز على الجرائم التي تتسم بالفضائح أو التي يشارك فيها أو فيها شخصيات معروفة مشهورة.

فيروز زياني: بتقديرك ما هو مقدار المصداقية القانونية لمثل هذه القنوات والبرامج المتخصصة في الجريمة؟

شان ماهر: أن المصداقية القانونية برأيي قليلة وضعيفة جدا فهي لا تركز هذه البرامج والقنوات على تطبيق القانون إذ أن معظمها يركز على زيادة نسبة المشاهدة لقنواتها أو برمجها وهذا أحيانا يكون يختلف تماما عن تغطية الجريمة من ناحية قانونية.

فيروز زياني: نشر أخبار الجرائم وبتفاصيلها الدقيقة ألا يخشى ربما أن يؤدي إلى زيادة انتشار الجريمة بدل مجرد الإعلام عن هذه الجرائم؟

شان ماهر: أنا أعتقد أنه عندما تكون لدينا حالة تشبع من التغطية الإعلامية للجرائم البشعة فإن ذلك يثير نوعا من الخوف لدى الجمهور وأحيانا كثيرة إن هذا الخوف لا يكون له أساس حقيقي في الواقع، قد يتصور الناس أن نسبة الجريمة أعلى مما هي عليه لأن هناك بعض الحالات البارزة التي فيها حقائق بشعة كثيرة تظهر على التلفاز ولكن بعض أسواق الإعلام كانت هناك نسب جريمة أعلى بكثير لكنها هذه الجرائم غير مغطاة في الصحافة والإعلام.

فيروز زياني: تغطية الجرائم في المحاكم باعتقادك سيد شان هل باستطاعته أن يخدم القضية على الأقل لدى الجمهور ويستطيع بالتالي فهم مجرياتها أكثر؟

شان ماهر: أنه أمر صعب جدا في كثير من الأحيان، أنا آتي من أفق محامي دفاع في معظم الأوقات ومعظم الوقت ما نتعامل معه هو حالة استخدام غير متوازن أو غير عادل من قبل الإعلام فكثير غالبا ما تستخدم الحكومة وسائل الإعلام لعرض رأي متعصب أو منحاز لشخص آخر، فإذا جرى توجيه التهم إلى شخص ما فإنه يُفترض بأنه مذنب أو وذلك علينا أن نعمل ضد هذا المفهوم وما يحصل إنه لسوء الحظ في الكثير من المرات بسبب التغطية الإعلامية للجريمة تجعل لجنة المحلفين ينظرون لها بشكل متحيز وبالتالي يكون من الصعب أن نجد لجنة محلفين لم يكونوا رأيا حول الجريمة بسبب ما شاهدهم في وسائل الإعلام.

فيروز زياني: وما رأيك السيد شان في مشاركة بعض القانونيين من محامين أو حتى قضاة في مثل هذه البرامج التلفزيونية؟

شان ماهر: أعتقد أن بالتأكيد هناك دور للقضاة والمحامين يقومون به في المناقشات العامة عن طريق الإعلام حول النظام القضائي وأحياناً الحديث عن بعض الحالات القضائية المعينة ولكن أعتقد ذلك يجب أن يكون بطريقة جيدة ومتساوية ومنصفة ولكن ما نشهده أحياناً وكثير من الأحيان أن الصحافة تفضل جانب على آخر وذلك للحصول على زيادة نسبة أعلى من المشاهدين وبالتالي لا يعطون حصص أوقات متناسبة للطرفين وذلك يؤثر على الجمهور وفهمه للقضية وذلك يؤثر على الناس الموجودين في المحكمة لأن لجنة المحلفين في المحكمة هي التي عليها أن تسمع جميع التفاصيل وليس فقد عناوين الأخبار لتعرف ما هي الحقيقة وكيف تطبق العدالة في هذه الحالة بالذات.

فيروز زياني: المحامي الأميركي شان ماهر من نيويورك شكراً جزيلاً لك، أخبار الجريمة غزت أيضاً الصحافة العربية ومنذ عقود لكنها شهدت في السنوات الأخيرة انسياقاً كبيراً نحو ما يعرف بصحافة الإثارة كما يرى كثيرون ورغم أن تجارب عديدة خاصة في مصر أسست لصحافة الجريمة إلا أن انصراف صحف عديدة إلى التركيز على ملفات الآداب والفضائح حول هذه الصحافة إلى ما يشبه التجارة وأبعدها عن دائرة الإعلام والمهنية، سنعود مشاهدينا لخوض في هذه الإشكالية لكن بعد فاصل قصير.

[فاصل إعلاني]

أخبار الجريمة وأثرها على الإقبال الجماهيري

فيروز زياني: أهلاً بكم من جديد، نواصل الخوض في صحافة الجريمة في عالمنا العربي.. هذه المرة في مصر إذ تشهد هذه الصحافة رواجاً كبيرة فتعددت العناوين العربية المتخصصة كما زادت المساحات التي تفرد لأخبار الحوادث والجرائم في معظم الصحف، لكن السؤال الذي يبقى معلقاً بين الإعلاميين والجمهور هو لماذا تبدو هذه الصحافة قبل كل شيء كصحافة إثارة؟

[تقرير مسجل]

محمد البلك: هذا هو النداء الشهير الذي كان يطلقه الباعة الجائلون للترويج للصحف حيث يُقبل الكثير من القراء على شراء الجريدة للإطلاع على الحادثة أو الجريمة وهو ما دفع مؤسسة قومية صحفية لإصدار جريدة متخصصة وذلك لأول مرة في عام 1992 ويبدو أن نجاح الجريدة المذهل وغير المتوقع أغرى الكثيرين للخوض في هذا المجال لكن مع تغيير الخلطة الصحفية بالتأكيد مع إضافة عناصر الإثارة والصور الفاضحة والتركيز على جرائم الآداب.

"
السوق مفتوح لجميع أنواع الصحف الحزبية والقومية والمستقلة وفي ظل هذا الزخم الإعلامي الكبير والمنافسة، لا بد من التميز
"
           جمال عقل

جمال عقل – رئيس قسم الحوادث بصحيفة الجمهورية: الإثارة هو الخبر نفسه هو اللي بيفرض الإثارة، جريمة قتل بشعة لازم أبرز لها العناوين بعناوين مثيرة عشان أقدر أبيع في ظل المنافسة القوية بين الصحافة، النهاردة السوق مفتوح لجميع أنواع الصحف الحزبية والقومية والخاصة اللي هي المستقلة ففي ظل هذه البوتقة الكبيرة جداً من أو الزخم الإعلامي لابد أن يكون لك صيغة عينة تقدر تتميز بها.. تقدر تبيع بها في ظل هذه المنافسة.

محمد البلك: الحادثة الأفوكاتو أسرار الجريمة كل هذه الأسماء وغيرها أسماء لنوعية من الجرائد بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة في مصر إلا أن بعض من هذه الصحف المتخصصة اعتبر ملفات الآداب هي التي تصنع صفحات الحوادث المثيرة وهم بهذا حولوا الأمر إلى تجارة لكسب المزيد من الأموال عن طريق جذب القراء من المراهقين.

عادل الملاح – صحفي بقسم الحوادث في جريدة الوفد: حرام أنا لما أوجه جريدتي في قضايا الدعارة لهذه الفئة لا أنا أوجهها في حاجة أحسن مش أوجه الجريدة بتاعتي كأني جرنان متخصص في صفحة الحوادث إني أجيب الجريدة كلها من الصفحة الأولى للصفحة الأخيرة عبارة عن قضايا دعارة، عبارة عن صور جنسية صور إباحية، ده غير معقول وغير منطقي أصلاً لا (Ok) في قضايا دعارة أو في قضايا آداب لو إحنا تكلمنا بهذا الشكل نتناولها بشكل محترم.

محمد البلك: ويرى البعض أن الفيصل الحقيقي لاستمرار هذه الصحف هي طريقة العرض لما تتناوله من موضوعات فقد تلجأ بعضها إلى نشر جرائم قديمة وحكايات لسفاحين اشتهروا خلال السنوات الماضية وقد تلجأ صحف أخرى إلى عرض القضايا بطريقة أدبية ونسج القصة بطريقة إنسانية كي تستدرج القارئ بلطف وتجعله يتعاطف أو لا يتعاطف مع المجرم، الجريمة لا تفيد.. هذا الشعار يجب أن يكون أكثر تحديداً في المستقبل فنشر أخبار الجريمة يرفع من مبيعات الصحف حتى وصفها البعض بنجم شباك الصحافة، فكل جريدة لا تخلو من صفحة للحوادث لجذب المزيد من القراء من هواة الأحداث المثيرة، محمد البلك الجزيرة لبرنامج كواليس القاهرة.

فيروز زياني: ومعنا من القاهرة الأستاذ محمود صلاح رئيس تحرير صحيفة أخبار الحوادث، سيد محمود صلاح هل يمكن القول أن الجريمة هي فعلاً نجم شباك الصحافة في مصر وبالتالي هل يختزل سبب وجود صحافة الجريمة في حسابات الربح والتوزيع فقط؟

محمود صلاح – رئيس تحرير صحيفة أخبار الحوادث: يعني أنا أعتقد أن هذه معادلة في ظاهرها قد تبدو يعني صحيحة، لكن في الحقيقة الأمر عكس ذلك تماماً، الحق أن الفضائيات في العالم كله وليس في العالم العربي تحولت إلى ما يشبه صحافة الحوادث فالخبر الأول والثانية والثالث في معظم نشرات الأخبار أصبحت أخبار حوادث، انفجارات اغتيالات تفجيرات، صحافة الحوادث أصبحت هي بطل الشباك ليس في الصحافة المكتوبة فقط ولكن في الإعلام كشكل عام، في مصر لم تكن هناك حتى فترات قريبة يعني سوى صحيفة واحدة كانت هي الأولى أو الوحيدة في الشرق الأوسط وهي صحيفة أخبار الحوادث إلى ما يقرب من عشر سنوات بلا منافس، ثم من حوالي فترة عامين تقريباً انتشرت ظاهرة صحف الحوادث على الأرصفة وفي المكتبات وهي لا تبيع الحوادث وإنما تبيع ما يسمى بالـ (Scandals) الفضائح.

فيروز زياني: نعم وهل فعلاً غيرت أخبار الجريمة نمط قراءة الصحيفة خاصة وأن كثيرين يقولون إن هذه الأخبار هي التي تحدد مدى إقبال الجمهور على الجريدة وحتى على أولويات قراءاته.

محمود صلاح: كانت صحيفة الحوادث.. يعني صفحة الحوادث أيضاً إلى سنوات قليلة هي الصفحة المقروءة رقم اثنين بعد الصفحة الأولى في معظم الصحف المصرية ولكن الآن قفزت الحوادث إلى الصفحة الأولى وانفتحت الأبواب لصحف الحوادث والجريمة المتخصصة والتي أصبح الناس يقبلون على قراءاتها لأنها يعني تضم ما ترويه حتى المسلسلات الدرامية في التليفزيونات، هي تقوم على قصص معظمها من حوادث واقعية في الحياة.

فيروز زياني: صحافة الجريمة في الغرب وفي أميركا مثلا تولي اهتماما كبيرا بالجانب القانوني في تغطيتها، لماذا برأيك يتم إسقاط هذا الجانب في الصحافة المصرية؟

محمود صلاح: يعني هو ليست الصحافة المصرية فقط، أنا أعتقد أنه الصحافة في العالم العربي في الحق يعني تغفل هذا الجانب القانوني بشكل عام في تغطيتها الصحفية لكافة مناحي الحياة وليس الجريمة فقط، الصحف في العالم كلها هناك مستشارون قانونيون لهم الكلمة الأولى في نشر الموضوعات الصحفية، هي تعرض أولا معظم الموضوعات على المستشار القانوني للجريدة حتى يتم التأكد من أنها تمضى في صحيح القانون ولا تخالف يعني القوانين المرعية في البلاد ولا تخالف قوانين الصحافة بشكل عام وآدابها، أنا أرجع هذه الظاهرة وهي موجودة فعلا وكما قلت ليس في مصر فقط ولكن في تقريبا معظم أو كل البلاد العربية لعدم الكفاءة.

فيروز زياني: نعم، سيد صلاح نقطة أخرى التركيز على عنصر الإثارة والصور الفاضحة خاصة على جرائم الآداب، أليس هذا تشويها لصحافة الجريمة في مصر وفي العالم العربي إجمالا؟

محمود صلاح: يعني سيدتي معك كل الحق وهي ظاهرة مرفوضة وهناك أقلام صحفية شريفة نددت بهذه الظاهرة ونحن نطالب كل يوم بإحالة من يخرج عن ميثاق الشرف الصحفي في نشر الصحف.. نشر الصور الفاضحة أو القصص الفاضحة إحالته إلى نقابة الصحفيين وهذا هو دور نقابة الصحفيين أولا وأخيرا، أما بالنسبة لجريدة أخبار الحوادث فمثل هذه البضاعة نحن لا نبيعها قط ولا نقترب منها.

فيروز زياني: نعم، محمود صلاح رئيس تحرير صحيفة أخبار الحوادث من القاهرة شكرا جزيلا لك. الحروب التي نقرأ ونسمع عنها ونشاهد بعض تفاصيلها عبر وسائل الإعلام ثم نتبنى آراء بشأنها ونتخذ مواقف على أساسها يعود كثير من الفضل فيها إلى مراسلي الحروب، فمن هو المراسل الحربي؟ وما الذي يميزه عن بقية المراسلين؟ وما هي الخاصية الأساسية لتأدية عمله؟ وما هي الضغوط والمخاطر التي يتعرض لها؟ بعض الإجابات عن هذه الأسئلة في التقرير التالي.

[تقرير مسجل]

عمل المراسل الحربي والتغطية الميدانية

العياشي جابو: تاريخيا اقترن فهم طبيعة الحروب والاضطرابات التي تندلع في أنحاء عدة من العالم بمدى انتشار التغطية الإعلامية وامتدادها إلى جمهور واسع من القراء أو المستمعين أو المشاهدين وبصرف النظر عن التأثيرات والدوافع المختلفة لاشتعال هذه الحروب فإن المراسل الحربي يصبح جزء يؤثر ويتأثر بمسار الحروب، فل ريس صحفي بريطاني شارك في تغطية حروب وإعداد برامج وثائقية عن عدة نزاعات في الشرق الأوسط وأوروبا وأسيا وأميركا الوسطى، يقول أن مهنة المراسل الحربي تقتضي الشجاعة والمخاطرة في حالات كثيرة للتوصل إلى معرفة ما يجرى ونقل آراء جميع أطراف النزاع للقارئ أو المشاهد كي يبني حكمه عليها.

فل ريس: أنا والأشخاص الذين أعرفهم الذين قاموا بتغطية النزاعات نشعر بكره للحروب ولكن من جهة ثانية هناك جاذبية فالتاريخ يتشكل بالعنف ومع أعنيه هو عندما نعود إلى عام 1998 مثلا عندما كنت في ساحة فايننمان وفي انهيار حائط برلين هذه لم تكن حروبا ولكنها أحداث عنيفة شكلت تاريخنا.

العياشي جابو: ريس يعتبر أنه من الضروري أن يخضع المراسل الحربي لبعض التدريبات الأساسية لتحمل مشاق الحرب ومخاطرها توفرها المؤسسات الإعلامية الغربية عادة لمراسليها غير أن ذلك لا يكفي لوحده فالمراسل يتأثر كثيرا بما يشاهد من مآسي ولكنه يضطر من خلال الممارسة إلى تكوين ستار أو حائل نفسي يحميه من الانهيار مما يجرى حوله من مشاهد مأساوية.

فل ريس: أعتقد أنه مثل الممثل تماما، على المراسل الحربي أن يضع حاجزا يعزله حتى يتمكن من تأدية عمله.

العياشي جابو: تغطية الحروب بأكبر موضوعية ممكنة هي الغاية المفترضة للمراسل الحربي في نظر ريس، لكن ذلك يتعارض في غالب الأحيان مع القوة المهيمنة في النزاعات، فأميركا التي انتقدت كثيرا في حرب فيتنام لجئت إلى أسلوب رقابة جديدة في حروبها في الخليج بتوفير حماية للمراسلين الحربيين توفر لهم المادة التي تتناسب مع مصلحتها وتحذرهم من عواقب التجول في مناطق عدوها والصحفيون الذين يجازفون لمعرفة وتغطية الرأي الآخر يواجهون خطر الموت.

فل ريس: أنه أمر خطير أيضا لأن العديد من الإسلاميين الآن يعتبرون أن الصحفيين جزء من المؤسسة الحربية الغربية وليسوا أشخاص يراقبون ما يجرى ونتيجة لذلك أعتقد أن الحرب في العراق لم يتم تغطيتها بشكل جيد.

العياشي جابو: في الدول الغربية توجد عادة بعض النوادي الخاصة كنادي الخطوط الأمامية هذا في لندن الذي أسسه المصور الحربي فوغن سميث بعد إصابته في حرب كوسوفو وفقده لثمانية من زملائه، الهدف منه التخفيف من معاناة المراسلين وربطهم بأخبار زملائهم وتقديم المساعدات المعنوية لهم.

فوغن سميث: هناك فرق بين أن تكون جنديا يحمل بندقية أو مصور يحمل كاميرا، فالمصور معرض أكثر للمخاطر النفسية ونحن في هذا النادي نقدم الدعم الذي يساهم في التخفيف من تلك الآثار حيث يستطيع الأشخاص المعنيون تبادل الأحاديث والتجارب وهو ما يساعدهم على استعادة قوتهم.

العياشي جابو: بعض النزاعات في دول العالم الثالث تمضى منسية، تُقترف بها جرائم ولا يصل المراسلون الحربيون حيث تغفلها مؤسسات الإعلام التي كثيرا ما تحركها مصالح شتى سواء كانت سياسية أو استراتيجية أو اقتصادية، إسهامات المراسلين الحربيين في الكشف عن الحقائق يتم حجبها أحيانا في وسائل الإعلام الغربية بدعوى أنها مؤلمة للمشاهد، غير أن المسألة تتغير عندما يتعلق الأمر بالأسلحة ذاتها فالكثير منها يُعرض في متاحف حربية مثل المتحف البريطاني إما مفخرة أو بشكل حيادي ومجرد من كل أسباب الدمار والفتك بالأبرياء والعزل في مناطق كثيرة من العالم، العياشي جابو لبرنامج كواليس، لندن.

فيروز زياني: إلى هنا مشاهدينا الكرام نأتي إلى ختام حلقة هذا الأسبوع من برنامج كواليس، إلى أن نلتقي الأسبوع القادم بإمكانكم التواصل معنا عبر بريدنا الإلكتروني kawalees@aljazeera.net، السلام عليكم.