صورة عامة - ما وراء الخبر 6/4/2012
ما وراء الخبر

الأبعاد الجيوسياسية للوضع المضطرب في مالي

تناقش الحلقة الأبعاد الجيوسياسية للوضع في مالي، ما خلفية الصراع الجاري في مالي والمتغيرات التي فجرت الأحداث الأخيرة؟ وما الأبعاد الجيوسياسية للمشهد المضطرب في مالي وتأثيراته على المنطقة؟ ما هي أهمية الحركة الوطنية لتحرير أزواد في خارطة القوى الموجودة في شمال مالي؟
ليلى الشايب
ليلى الشايب
الحسين ولد مدو
الحسين ولد مدو

ليلى الشايب: أثار إعلان متمردين في شمال مالي استقلال المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرتهم أثار ردود فعل في الدول الجوار القريب والبعيد، فبينما اعتبرت باريس إعلان الانفصال فاقداً لأي معنى ما لم تقره الدول الإفريقية، حذرت الجزائر من أي خطوة تمس بوحدة أراضي مالي أو أي تدخل أجنبي فيها. نتوقف مع هذا الخبر لنناقشه في عنوانين رئيسيين: ما خلفية الصراع الجاري في مالي والمتغيرات التي فجرت الأحداث الأخيرة؟ وما الأبعاد الجيوسياسية للمشهد المضطرب في مالي وتأثيراته على المنطقة؟ 

سريعاً تطورت الأوضاع في مالي واتخذت الأزمة في هذا البلد الإفريقي منعطفاً دراماتيكياً بعد إعلان الحركة الوطنية لتحرير أزواد عن تأسيس جمهورية أزواد في الأجزاء الشمالية من البلاد والتي تمثل نحو ثلث مساحتها الجغرافية، الأزمة في مالي أعقد وأخطر من أن تكون قضية محلية نظراً لتداخل مصالح عدد من الدول المجاورة ومصالح دول بعيدة نسبياً كفرنسا والولايات المتحدة، وفيما يبدو واضحاً أن خطوة الاستقلال هذه وجدت أصداء كبيرة لها في هذه الدول تستعد القيادات العسكرية لدول الساحل لعقد اجتماع في نواكشوط لبحث الوضع في هذه الدولة الإفريقية الفقيرة.

[تقرير مسجل]

نبيل الريحاني: مالي بين مطرقة الانفصال وسندان الانقلابات العسكرية، بلد من بين أفقر البلدان الإفريقية لا يملك سوى موقعه الإستراتيجي الهام حلقة للوصل بين شمال إفريقيا ووسطها ومجتمعاً متنوعاً عرقياً يمثل فيه الطوارق الأمازيغ ما يقارب العشرين في المئة متمركزين في الشمال خاصة في إقليمي آدغاغ وأزواد، طرح الطوارق منذ عقود مطالب سياسية على الحكومات المالية المتعاقبة، ففي سنة 1963 من القرن الماضي قاموا بتحركات لتحقيقها سرعان ما تعرضت للقمع، ما جعل الخلاف يتطور إلى صراع مسلح حاولت اتفاقية تمنراست سنة 1991 إيقافه برعاية جزائرية، لكن الطرفين أخلا به لاحقاً ليصنع التدهور الأمني المتقطع في المناطق الشمالية حركة نزوح قوامها عشرات الآلاف من المدنيين داخل مالي ومنها إلى الجزائر وليبيا وموريتانيا، كان لنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي تأثير في قادة الطوارق غير أن سقوطه وحالة الانفلات الأمني التي ما تزال تعيشها ليبيا إلى اليوم عززت الشكوك في وصول كميات وافرة من السلاح إلى شمال مالي وفي ازدياد نشاط القاعدة في مجال عد ملاذها الأخير تحت وطأة الحرب التي تشنها دول المنطقة بقيادة الجزائر على التنظيم، صراع يضع الحدث المالي في سياق أوسع فإذا كان حكام بوماكو العسكريون برروا انقلابهم على الحكومة بتراخيها في التصدي لمتمردي الشمال فإن المواقف الدولية من ذلك الانقلاب ومن الانفصال الذي أعقبه كشفت إلى حد ما عن وجه من أوجه التنافس الإقليمي والدولي على بسط النفوذ في المنطقة، ندد الجميع بالانقلاب غير أن سبل التعاطي مع الوضع الجديد على خطورته بوجهيه الانفصالي والانقلابي لم تتبين بعد، وسط أنباء عن طرح فكرة التدخل العسكري الإفريقي في البلاد واجتماع للأفريكوم في الجزائر لا يملك منطقياً أن يستبعد النقطة المالية الساخنة من جدول أعماله.

[نهاية التقرير]

 الخلفية الإثنية والسياسية لأحداث مالي

ليلى الشايب: ولمناقشة هذا الموضوع معنا من نواكشوط الكاتب والمحلل السياسي الحسين ولد مدو، ومن الجزائر العاصمة الباحث والمحاضر بجامعة الجزائر الدكتور بشير مصيطفي، أهلاً بضيفي ونبدأ أولا بالتعريف ربما بالخلفية الإثنية والسياسية لأحداث مالي أبدأ معك سيد ولد مدو الحركة الوطنية لتحرير أزواد بدايةً ما هي أهميتها ومكانتها وموقعها في خارطة القوى الموجودة في شمال مالي؟ 

الحسين ولد مدو: شكراً جزيلاً، بالنسبة للحركة الوطنية لتحرير أزواد هي التي تمتلك شرف المبادرة بإقامة الصحوة الجديدة والدعوة إلى المزيد من تحرير إقليم أزواد هي إحدى مخرجات الحركة الشعبية لتحرير أزواد التي تمثل الحضن الدافئ لمختلف الحركات التي قامت في إقليم أزواد، باشرت على الأقل بتسارع كبير في الخطوات عقب مؤتمرها قبل سنة وأزيد وواصلت بعد توجيه عدة رسائل أيضاً إلى الجهات المختصة بمالي وإلى المجموعة الدولية وفي ظل غياب الحوار وعدم تطبيق المفاوضات التي تم الاتفاق عليها برعاية جزائرية سنة 1991 بدأت بالعمل المسلح ونجحت في انطلاقتها قبل أقل من سنة بتحقيق المزيد من الانتصارات على مستوى اللوجستي، ويبدو أن حجم المطالب أيضاً قد تم رفعه لإعلان جمهورية أزواد قبل أول أمس وهو ما يعتبر تطوراً جديداً في سياق هذه الحركة وتسارعاً أيضاً في انجازاتها على أننا سنلاحظ بكل تأكيد أن كل الأفعال التي تقوم الآن في جمهورية مالي الشقيقة سيتم بها تراجع الفعل المدني سواء في العاصمة بوماكو أو سواء في الجمهورية التي تم إعلانها مؤخراً نظراً أيضاً لوجود فاعل آخر أكبر فعلاً من الناحية العسكرية وأقل تجذراً بالبعد المدني وهو أنصار الدين المدعومين أساساً من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.    

ليلى الشايب: نعم، المناطق التي تسيطر عليها حركة تحرير أزواد وقدرة الحركة الفعلية على حماية هذه المناطق؟ 

الحسين ولد مدو: أكيد كما قلت بأن الحركة الوطنية لتحرير أزواد كانت المبادرة في إعلان هذه النضالات التحررية بالنسبة لها ولكنها مع الأسف كما لاحظنا قبل يومين أو ثلاثة ومع ظهور المظهر الفعلي في المدن الثلاث بدا وكأن أنصار الدين هم المسيطرون على أغلب هذه المناطق مع تداخل في حجم السيطرة من قبل وهو ما أسميه دائماً بتراجع المد المدني أو الحركات المدنية سواء في أزواد أو سواء في العاصمة بوماكو التي تشهد انقلاباً وكذلك الشأن بالنسبة لأزواد التي أعلنت فيها دولة يريد أصحابها أن تستقل، ولكن فجأة نلاحظ بأن التيار الذي يهدف إلى المزيد من العسكرة وإعمال السلاح وهو أنصار الدين وحلفاء تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بصفة عامة بدءوا يظهروا سواء في التطبيقات التي يدعون إليها على مستوى هذه المدن وخصوصاً تلك المدن التي كانت أكثر تحرراً في سلسلة المدن الطوارقية وسواءٌ أيضاً في طليعة الأنظمة التي يدعون إليها والتي ستشكل ملاذاً من شأنه إجهاض الدعوات إلى ظهور استقلال الدولة نظراً لأنهم بطريقة عامة يدعون إلى إقامة إقليم أممي بمفهوم معين أو تجربة طالبانية يتولى بها أحد الذين يشتهرون على المستوى المحلي وهو إياد أغ غالي إنابة محلية ويتكفل فيها تنظيم القاعدة بتجسيد البعد الأممي وهو ما ينافي الدعوة إلى استقلال الدولة نظراً لأن مفهوم القاعدة وأنصار الدين هو أن لا جغرافيا للدعوة التي يدعون إليها. 

ليلى الشايب: دكتور مصيطفي هل جميع المناطق التي تشكل تاريخياً إقليم أزواد خاضعة فعلياً لحركة تحرير أزواد؟ 

بشير مصيطفي: بسم الله الرحمن الرحيم، على كل حال حركة الأزواد أو مشكلة الأزواد جغرافياً هي ممتدة إلى السنغال والنيجر وجزء من موريتانيا والجزائر لأنها القضية متعلقة بقبائل معروفة تاريخياً وهي قبائل الطوارق، وتضم إضافة إلى الجنس الطارقي مجموعة عربية وبعض القبائل الإفريقية، تاريخياً المشكلة ليست جديدة أنها تعود إلى العام 1890 عندما تم الاتفاق على إنشاء دولة الصحراء الكبرى، 1960 بدأت الحركة بشكل سياسي بعد ترسيم الحدود بين السنغال ومالي وموريتانيا والنيجر وبالتالي القضية هي قضية تاريخية تعود إلى جذور تاريخية بمعنى أن القبائل تريد استقلال ذاتي كما فعلت السنغال، السنغال كانت ممتدة في الكونفدرالية المالية ولكن خروج فرنسا أعطت للسنغال فرصة للاستقلال فاستقلت وبالتالي الأزواد هم أيضاً يقولون بأن لديهم الحق أيضاً أن يستقلوا عن المالية. 

ليلى الشايب: سيد ولد مدو حركة تحرير أزواد نأت بنفسها عن شبهة العلاقة مع تنظيم القاعدة مع ما يسمى بحركة أنصار الدين ولكن هناك من يتساءل ما هي هذه الصدفة التي خدمت تحقيق حركة أزواد لحلمها الآن بدعم كما يبدو مسلح من القاعدة  ومن حركة أنصار الدين، هل من أرضية تلتقيان عليها القاعدة وحركة تحرير أزواد ولا يريد أي من الطرفين الاعتراف بها وإعلانها صراحةً؟ 

الحسين ولد مدو: كثير من الصحافة الصادرة في بوماكو تبدي تخوفها وتوجسها مما تسميه إمكانية التحالف ذئاب الصحراء فيما بينهم بمعنى أن تتحالف ذوي المرجعيات المختلفة من أجل تحقيق حلمهم، ولكني أعتقد بالمقابل أن طبيعة المرجعية الفكرية ستجعل أكبر صراعات التي ستشهدها منطقة أزواد لاحقاً هي صراعات أساساً بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد وبين حركة أنصار الدين، نظراً لما قلت بأن أحدهم وهو الحركة الوطنية لتحرير أزواد تسعى إلى ضمان استدامة استقلال إقليم اللي هو حدوده الجغرافية التي تطالب بالاعتراف بها وتؤمن دول الجوار أيضاً على الاعتراف بها، وآخر لا يؤمن بالجغرافيا كمقياس وإنما يقوم على أساس مرجعية دينية سلفية قتالية وجهادية لذلك لا تريد أن تحد نفسها ولا أن تحد طموحها وآمالها بإقليم معين لذلك فسيتم استغلال نقطة الخلاف هذه من طرف الفاعلين الدوليين لاحقاً من أجل مزيدٍ من صب الزيت على النار داخل التنظيمات الفاعلة بحركة أزواد، بمعنى إياد أغ غالي كما تعلمون تحدث المتحدث العسكري قبل قليل في إشارة إلى أنه لا يريد مطلقاً استقلالاً لأزواد وإنما غايته وهمه الأكبر هو توفير فضاءٍ لإقامة حدود الله وشعائر الشريعة الإسلامية ليس فقط  في أزواد وإنما في غيرها بينما الحركة الوطنية لتحرير أزواد هي حركة وطنية تؤمن بضرورة إقامة دولة للأزواديين بصفة عامة وبالمقابل أعتقد بأن اختلافات المرجعية الثقافية والمرجعية حركة لائكيه بالنسبة لحركة تحرير أزواد وحركة إسلامية سلفية بالنسبة لأنصار الدين أعتقد أنها ستمثل فرصة بالنسبة للفاعلين المحليين أو حتى الدوليين بما فيهم فرنسا للمزيد من الصراعات ووصولاً إلى تحقيق البعد الدستوري في مالي والتفرغ لاحقاً لمقاومة التيارات السلفية الجهادية في إقليم أزواد. 

ليلى الشايب: دكتور مصيطفي هل يمكن الحديث عن مصلحة مؤقتة جمعت حركة تحرير أزواد والقاعدة في تلك المنطقة؟ 

بشير مصيطفي: لا أعتقد أن هناك مصلحة مشتركة بين الطرفين لأن حركة الأزواد هي حركة علمانية بينما الحركة الدينية تحت مسمى حركة الجهاد والوحدة أو حركة أنصار الإسلام هذه حركة تابعة للقاعدة وبالتالي الآن الصراع هو على هوية الأزواد هل الأزواد يمشوا إلى القاعدة وبالتالي سيكون موقفهم حرجاً مع فرنسا ومع الولايات المتحدة الأميركية؟ أم أن موقفهم سيكون منافي للقاعدة أو مع هذه القاعدة؟ وفي هذه الحالة سوف يلقون الدعم اللازم والدعم المطلوب والدعم الكافي والدعم الكامل من باريس وواشنطن ولكن إلى حد هذه الساعة الهوية غير واضحة بالنسبة لأزواد هل أنهم سوف يملكون القوة الكافية لأن يكونوا بديلاً عن القاعدة أم أنهم سيذهبون للقاعدة تحت ضغط القوة؟ وأعتقد أنه ما حدث قبل ساعات من الآن من احتلال القنصلية الجزائرية في شمال مالي هذه رسالة من القاعدة على أنها تملك القوة في المنطقة وأنها يمكن أن تكون لاعباً قوياً فالساعات القادمة سوف تثبت هل أن بالفعل القاعدة قوية وبالتالي الأزواد قد تخضع إلى هذا الجناح؟ أم أن الأزواد أقوى من القاعدة وبالتالي يمكن لها أن تشكل ورقة مستقلة وفي هذه الحالة سوف يضبط الموقف الدولي على هذه النتيجة؟ 

ليلى الشايب: على كل الأبعاد الجيوسياسية، المشهد المضطرب في مالي وتأثيراته على المنطقة، والجيران القريبين والبعيدين نناقشها بعد فاصل قصير أرجو أن تبقوا معنا. 

[فاصل إعلاني]

ليلى الشايب: أهلاً بكم من جديد مشاهدينا في حلقتنا التي تتناول الأبعاد الجيوسياسية للوضع المضطرب في مالي بعد إعلان انفصال المناطق الشمالية سيد ولد مدو نواكشوط وأنت تحدثنا من نواكشوط يفترض وأنها تستقبل اجتماع القيادة العسكرية لهيئة جيوش دول الساحل والذي أعلنت عنه الجزائر بماذا يمكن أن يخرج مثل هذا الاجتماع؟ 

الحسين ولد مدو: أعتقد لو كان الأمر يرتبط فقط بمواجهة الوضع في أزواد لسهل اتخاذ إجراءات عملية من طرف هذه المنظومة بصفة عامة، أما وأن قبل هذا التدخل ثمة إشكال دستوري في مالي بعد وقوع الانقلاب فإن أغلب المقاربات تسعى أولاً إلى محاولة معالجة الوضع المالي من أجل إيجاد آلية وورقة كافية على المستوى المحلي لتعظيم الجهود الدولية التي ستقوم بها المنظومة الدولية ومواجهة الفصائل المسلحة لأزواد خصوصاً أنصار الدين والقاعدة لبلاد المغرب الإسلامي لذلك أعتقد بأن الاجتماع القادم سيركز بالأساس على تجديد المنظومة الدولية ومحاربتها ومناهضتها لقيام وأفغنة منطقة أزواد بصفة عامة وعلى ضرورة تجميع كل القوى لمواجهة بعد وجود الحركات المسلحة داخل هذه المنطقة وتحويلها إلى أفغان جديدة وإلى كيانات جديدة مستقلة زيادة على التأكيد على البعد السيادي لدول المنطقة وبما يمكن أن يحمل العدوى إلى باقي البلدان المجاورة من حيث انفجار الطموحات لدى الأقليات داخل هذه المجموعات..

ليلى الشايب: نعم.. 

الحسين ولد مدو: في استغلال البعد الذي حدث في الأزواد لذلك أعتقد بأن الأولوية ستكون تأكيد على الأدبيات المعروفة ولكن حاولت معالجة الوضع المالي الذي عاش انقلاباً في الفترة الأخيرة وكانت مبرراته تخاذل نظام توري عن مواجهة الانفصاليين في الشمال بيد أن الانفصاليين يعلنون استقلالهم في مؤازرة من تنظيم القاعدة أيضاً حتى لا تبدو في الواجهة وتتدخل المجموعة الدولية. 

مخاوف من انتقال عدوى التمرد إلى دول مجاورة

ليلى الشايب: دكتور مصيطفي يعني هذه ردود الأفعال السريعة والرافضة هل لأن القاعدة في الموضوع؟ أم لأن أطوار الموجودين في النيجر والجزائر وليبيا وموريتانيا وبوركينا فاسو ويشبهون بأكراد المنطقة وبالتالي ربما يخشى من حركات مماثلة في هذه الدول لذلك يجب لململة الموضوع قبل أن يتطور في هذه البلدان؟    

بشير مصيطفي: نعم أظن أن الموضوع متصل مباشرةً بميزان القوى، إلى حد الآن ميزان القوى متوزع بشكل متوازن بين الجانبين: جانب حركة تحرير أزواد والقاعدة، قطع السلاح المتأتية من ليبيا متوزعة على الجانبين والمبادرات أيضاً متوزعة على الجانبين، هناك إعلان تحرير الأزواد من جهة وهناك احتلال للقنصلية الجزائرية من جهة ثانية في نفس الإقليم وفي نفس المنطقة بمعنى آخر الآن الصورة غير واضحة من حيث ميزان القوى ولهذا هناك الآن تذبذب في المواقف في الأول باريس كانت مؤيدة لحركة الأزواد ثم بعد ذلك ربطت تأييدها بموافقة الاتحاد الإفريقي وبمدى قوة حركة الأزواد على التحكم في المنطقة، واشنطن أيضاً هي في الأول كانت مدعمة للانقلابيين في بوماكو ثم بعد ذلك تراجعت وقالت: نحن ضد الإرهاب، فإذا كان الانقلابيون لا يستطيعون أن يواجهوا الإرهاب فلا طائل من وراء دعمهم فالهم الأميركي الإرهاب، وهم فرنسا مصالحها في مصانع اليورانيوم ومعامل اليورانيوم والأمن كذلك الأمن الإقليم الفرنسي عن طريق جنوب الصحراء دول الجوار: موريتانيا والجزائر وليبيا همهم أمن الحدود، إذن الصورة غير واضحة لأن ميزان القوى إلى حد الساعة ليس هناك أي اختبار لميزان قوى الأوراق الداخلة في العملية، حركة تحرير أزواد، القاعدة بجناحيها، أنصار الدين أو أنصار الإسلام وحركة الوحدة والجهاد، ولهذا لا يمكن أن أعطي حالياً إلا بعد بروز عناصر جديدة في المشهد. 

سيناريوهات التحرك الدولي

ليلى الشايب: مجلس الأمن سيد ولد مدو يجتمع بطلب عاجل من فرنسا ما هي خيارات التحرك أمام الدول الرافضة لاستقلال أزواد والرافضة أيضاً لوجود فعلي للقاعدة تحت أي خلفية أو واجهة ما هي سيناريوهات التحرك في هذه المنطقة برأيك؟ 

الحسين ولد مدو: هي عادة حسب العلاقات التاريخية هذه المنطقة موكلة عملياً إلى الخيارات الفرنسية، بمعنى أن فرنسا مفرطة الحساسية حيال التدخل الأميركي ولو كان تحت غطاء المجموعة الدولية لهذا كثيرا ما يوكل إليها على بعد رفع صوت المجتمع الدولي داخل هذه المنطقة وهو ما مجال صراعات كبيرة بين فرنسا وأميركا، ففرنسا أعربت على لسان وزير خارجيتها وعلى لسان الناطق باسم وزارة الخارجية بأن ما يهمها الآن أنها ترفض استقلال أزواد وأنها تجري الحركة الوطنية لتحرير أزواد إلى الدخول بمباشرة حوار سياسي بناء على مقتضيات السيادة المالية وفي ظل الوحدة الترابية مع الحكومة المالية التي سيتم إطلاقها لاحقاً بعد تدخل مجموعات.. 

ليلى الشايب: إذا لم يتحقق عن طريق عملية سياسية وحوار كما تقول؟ 

الحسين ولد مدو: إذا لم يتحقق هو كان من سوء حظ الماليين أنه كل الأحداث التي جرت بمنطقتهم سواءٌ فيما يتعلق بالانقلاب أو في انفصال أزواد كانت في مرحلة غفلة للمجموعات الدولية وكان لكل من الدول المعنية بالملف المالي ما يشغله الانتخابات في فرنسا، الأوضاع في السنغال بعدما أدركتها العناية الإلهية وكانت مقبلة على مرحلة جديدة من الربيع الإفريقي، الأوضاع في موريتانيا التي أيضاً استضافت العديد من عشرات الآلاف، التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة بعدما حدث في ليبيا أيضاً وارتكازاته على المنطقة كلها والمجاعة التي تهدد حتى المنطقة الإفريقية كل هذه العوامل مؤثرة خصوصاً في السنوات الانتخابية في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا أثرت كثيراً في مغافلة وتراجع الدور الدولي والعين البصيرة على هذه المنطقة حتى استخدمت القاعدة إستراتيجيتها لإظهار الحركة الوطنية لتحرير أزواد في الواجهة وكأنها هي التي تباشر العمليات العسكرية وفجأة تطلق كل قواتها من أجل الظهور بمظهر المحيط شبه الكامل على مختلف هذه المنطقة لذلك أعتقد أن المجموعة الدولية ليس أمامها الآن إلا البدء في الخطوة الأولى التي أظهرتها فرنسا وهي ضرورة حل القضية الدستورية في مالي ومباشرة في خطوة ثانية للتعاطي مع الملف الأزوادي، هذا مع الإعراب عن استعدادها لتقديم الدعم اللوجستي في حال إذا ما تقدمت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا بمقترح عملي دون أن تتدخل مباشرة نظراً لطبيعة العلائق الخاصة التي تجعل فرنسا مفرطة الحساسية إزاء التدخل الأميركي، والجزائر مفرطة الحساسية إزاء التدخل الفرنسي في هذه المنطقة. 

ليلى الشايب: دكتور مصيطفي أخيراً هل سيستقر الأمر أمام ردود الفعل الرافضة هذه برأيك على استقلال فعلي؟ أم ربما حكم ذاتي؟ أم أن يصبح الطوارق لاحقاً شركاء سياسيين في الحكم عبر عملية سياسية حوار وما إلى ذلك؟ 

بشير مصيطفي: لدينا الآن مشهدان متشابهان، مشهد كردستان أو الأكراد في الشرق الأوسط ومشهد الصحراء الغربية أظن أن المشهد المالي لا يخرج عن هذين المثالين، فقط أن الوضع في مالي الآن هو وضع غير دستوري هناك حالة انقلاب، هناك حالة انعدام الدولة، هناك حالة فوضى ولكن عندما يستقر الأمر في الحكومة المركزية أكيد بتدخل أطراف خارجية فإن مجال الحوار يكون مواتياً، ولكن المشكلة أنه حركة تحرير الأزواد إلى حد الآن ترفض أي حوار مع الحكومة المركزية إلا على قاعدة الاستقلال وقاعدة تقرير المصير وهذا سيجرنا إلى المشهد الصحراوي بين المغرب والجزائر وموريتانيا، وبالتالي المستقبل القريب لا يمكن أن نحسم فيه إلا بتدخل جيد من طرف دول الميدان ودول الميدان الآن.. 

ليلى الشايب: لو تسمح تعيد جملتك الأخيرة دكتور مصيطفي لأنه انقطع الصوت قليلاً تدخل من أي نوع تقول؟ 

بشير مصيطفي: نعم قلت تدخل دول الميدان لا بد وأن يتطور خطابها أو اقترانها من مشكلة مكافحة الإرهاب إلى موضوع إرساء حوار جدي بين حركة الأزواد والحكومة المركزية في مالي للوصول إلى استكمال حقوق الأزواد، لأنه الأزواد الآن يشتكون انه أكثر من 50 سنة وهم في مفاوضات مع الحكومة المركزية بتدخل أطراف خارجية وخاصة للجزائر وليبيا ولكن على الأرض ليس هناك أي نتيجة لصالح حقوقهم، فالورقة الآن هي بين الحكومة المركزية في الاتجاه بين الحقوق المشروعة للشعب الأزوادي للعيش الكريم ضمن مالي والأطراف الخارجية المجاورة خاصةً الجزائر ودول الميدان موريتانيا والنيجر تطوير خطابهم من مكافحة الإرهاب إلى إرساء حوار مبني على حقوق الحياة الكريمة للشعب الأزوادي. 

ليلى الشايب: شكراً جزيلاً لك دكتور بشير مصيطفي الباحث والمحاضر في جامعة الجزائر وأشكر أيضاً الحسين ولد مدو الكاتب والمحلل السياسي كنت معنا من العاصمة الموريتانية نواكشوط، وبهذا تنتهي مشاهدينا هذه الحلقة من برنامج ما وراء الخبر نلتقي بإذن الله في قراءة جديدة فيما وراء خبر جديد تحية لكم أينما كنتم.