ما وراء الخبر / صورة عامة
ما وراء الخبر

دور القضاء في مكافحة الفساد

تتناول الحلقة مثول وزير المالية الأردني السابق عادل قضاة وثلاثة مسؤولين آخرين أمام محكمة أمن الدولة في تهم تتعلق بالفساد، دافعين ببراءتهم من تهم الرشوة واستثمار الوظيفة.

– حجم الفساد ودور وإمكانيات القضاء في محاربته
– الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لأضرار الفساد

 

 ليلى الشيخلي
 ليلى الشيخلي
ممدوح العبادي
ممدوح العبادي
 ممدوح الولي
 ممدوح الولي
 محمد المسكاوي
 محمد المسكاوي


ليلى الشيخلي: مثل وزير المالية الأردني السابق عادل قضاة وثلاثة مسؤولين آخرين أمام محكمة أمن الدولة في تهم تتعلق بالفساد فيما يعرف بقضية مصفاة البترول الأردنية دافعين ببراءتهم من تهم الرشوة واستثمار الوظيفة، ولكن المحكمة رفضت إخلاء سبيل المتهمين بكفالة وقررت تأجيل النظر في القضية إلى يوم الأربعاء المقبل. ونتوقف مع هذا الخبر لنناقشه في عنوانين رئيسيين، ما هو دور القضاء في مكافحة ظاهرة الفساد التي تنخر العديد من بلدان العالم العربي؟ وما هو حجم الأضرار التي يخلفها الفساد على اقتصادات البلدان العربية ونسيجها الاجتماعي والسياسي؟… فتحت قضية مصفاة البترول الأردنية جدلا بشأن قانونية نظر محكمة أمن الدولة في قضايا الفساد تحت عنوان الجريمة الاقتصادية، تتعلق القضية في اختلافات ورشى في إطار عطاء يعود للعام الماضي من أجل توسيع مصفاة البترول الأردنية وتحديثها في قيمة تقديرية تزيد عن المليار دولار، وسيواجه المتهمون الأربعة في حالة إدانتهم عقوبة السجن ثلاث سنوات، وقد انتقد مراقبون سرية الجلسات في قضية المصفاة ومنع الصحافة من متابعة جلسات المحاكمة. ملف الفساد لا يقتصر على بلد عربي بعينه بل يشمل معظم إن لم يكن كل البلدان العربية التي لم تنجح بعد في إلحاق الهزيمة بأخطبوط الفساد، فتقرير الشفافية الدولية لسنة 2009 أكد أن نجاحات الحكومة العربية على هذا الصعيد بقيت محدودة، إخفاق بدا نتيجة لانهماك تلك الحكومات في أمور أثرت بوضوح على نجاعة العملية التنموية وعلى قدرة أجهزة الدولة على محاصرة الفساد والمفسدين.

[تقرير مسجل]

نبيل الريحاني: هو الداء الذي تحت تأثيره تترنح جهود التنمية وتتحول المكتسبات إلى ما يشبه الهباء المنثور، إنه الفساد الذي تخصص له منظمة الشفافية الدولية تقريرا يرصد مظاهره ويقوم نجاح جهود مكافحته في أنحاء العالم بما فيها العالم العربي. وفي العالم العربي حكايات وملفات لآفة تمكنت من مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية فبدت أقرب إلى المؤسسة غير المعلنة صاحبة النفوذ في اغتنام الثروات وتقسيمها في دائرة ضيقة من المنتفعين، تقرير سنة 2009 أشار إلى أن منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باقية بنسب متفاوتة مرتعا للفساد بسب النزاعات وحالة عدم الاستقرار ذلك أن الدولة الغارقة في معارك الإرهاب والانقسامات الداخلية تستنزف جهودا جبارة كان يمكن أن توجه ضد الفاسدين ما جعل مؤسساتها أشد ضعفا أمامهم بعيدا عن المنشود من الحكم الرشيد الذي تتطلع إليه الشعوب العالمية، بالمرتبة 22 عالميا تصدرت قطر الدول العربية في مقدار الشفافية تليها الإمارات في المرتبة الثلاثين فسلطنة عمان 39 فالبحرين 46 ثم الأردن 49 والسعودية في المرتبة 63 فتونس في 65 ثم الكويت في 66. إذاً لا بلد عربي في المراتب العشرين الأولى فرغم إعلان كل الحكومات العربية الحرب على الفساد تبدو البلاد العربية على مسافة من توجيه ضربات قاصمة للفساد والمفسدين فالمغرب ومصر لبنان لا تزال تعاني تصاعد الظاهرة رغم التزام حكوماتها ضرب معاقل الفساد تدل على ذلك حوادث من قبيل كوارث النقل غير الآمن في مصر مثلا حيث احتمى الجناة بعلاقاتهم السياسية ونفوذهم المالي للإفلات من العقاب كليا أو جزئيا، وفي الجزائر جاءت قضية شركة النفط الوطنية سونتراك لتذكر بتركة الجزائر الثقيلة من قضايا الفساد وتؤشر من خلال ملفها الذي شمل مليارات الدولارات إلى ما قد يقود إليه فتحها من تحقيقات وصراعات بين الكبار في جهاز الدولة، وفي المغرب كشف تقرير حديث لديون المحاسبة استنادا إلى 130 زيارة رقابة في 2008 عن أمثلة للفساد والإهمال في التصرف في المال العام داعيا لتشديد الملاحقة القضائية على الفاسدين. ليبقى مع ذلك السؤال الذي يرحل من سنة إلى أخرى ويظهر من ثنايا كل تقرير جديد للشفافية الدولية كيف ومتى سيغادر العرب المقاعد المتأخرة في ترتيبه؟

[نهاية التقرير المسجل]

حجم الفساد ودور وإمكانيات القضاء في محاربته


ليلى الشيخلي: معنا في هذه الحلقة من عمان ممدوح العبادي رئيس جمعية الشفافية الأردنية، من القاهرة معنا ممدوح الولي نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام للشؤون الاقتصادية ومن الرباط معنا محمد المسكاوي عضو الهيئة الوطنية لحماية المال العام. ربما ننطلق من القضية التي وقعت أخيرا في الأردن لنتحدث عن الفساد بشكل عام والمستشري في العالم العربي، وطبعا عندما نسأل عن دور القضاء نعرف أن القضاء في كثير من الأحيان يتهم ويشكك في نزاهته، ولذلك سأبدأ معك ممدوح العبادي وأسألك مجرد وجودنا اليوم لمناقشة هذا الموضوع هل يعني أن الأمور بدأت تتغير؟


ممدوح العبادي: يعني أنا بدي أشكركم على هذا التقرير الأول وهو حقيقة يثلج صدري كرئيس جمعية الشفافية الأردنية وعضو ارتكاز لمنظمة الشفافية الدولية على هذا التقرير الأول الذي وضحتم للمشاهد العربي أين نقع نحن في العالم العربي من مؤشر مدركات الفساد وخصوصا أننا نقع في الجزء الأخير من العالم، يعني في عدة دول أربع خمس دول فقط التي هي متقدمة في الخمسين الأوائل لكن معظم الدول العربية متأخر في هذا الموضوع. أنت تقولين عن القضاء، القضاء هو عنصر مهم وحاسم وأساسي في القضاء على الفساد لأنه حتى لو كان هناك قضاء نزيه وعادل وغير مسيطر عليه وهناك فصل بين السلطات التنفيذية والتشريعة والقضاء يراقب هاتين السلطتين، أنا بأعتقد أن هذه الخطوة الأساسية والأولى التي تعطينا قناعة بأن القضاء هو الذي يحسم في كثير من هذه الأمور ولكن لسوء الحظ في معظم الوطن العربي لا يوجد هناك فصل حقيقي للسلطات ولا يوجد هناك فصل حقيقي للسلطتين التنفيذية التي تهيمن على السلطة القضائية وسيادة القانون ضعيفة، أنا لا أقول معدومة ولكن نطمح لأن يكون عندنا القضاء النزيه والمستقل والعادل الذي يستطيع أن يثلج صدورنا في حكمه، لكن الضغوطات هي كثيرة عليه وخصوصا من قبل السلطة التنفيذية في كل الدول العربية، هذه الخطوة الأولى وأنت تعلمين بأن الفساد هو آفة حقيقية تنخر في المجتمعات وتضر في التنمية والانتماء للوطن وكل هذه الأمور الاقتصادية والاجتماعية تؤثر عليه ولذلك أنا أقول بأن التركيز على مثل هذه الأمور في كثير من الفضائيات العربية وعلى رأسها الجزيرة أنا بأعتقد أنه يثلج صدورنا ويشجعنا نحن الذي نحارب الفساد وندعم ثقافة المجتمع حتى يعمل ضد الفساد في كل مناحيه والسلطة التنفيذية أولا والتشريعية ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام على رأسه في محاربة الفساد.


ليلى الشيخلي: طيب قبل أن نتكلم عن كل هؤلاء، ممدوح الولي نتحدث عن القضاء كخطوة أولى ولكن لا بد أن ينقل أو تنقل الصورة للقضاء، في غياب المراقبة أو المحاسبة سواء للمؤسسات الحكومية أو للشركات الخاصة كيف يمكن فعلا أن يتم ذلك، كيف يمكن أن نأخذ الخطوة الثانية إذاً؟


ممدوح الولي: بالفعل الأمر لا يقتصر على القضاء فقط، بالفعل هناك غياب لاستقلالية القضاء في معظم الدول العربية، ثم يلي ذلك سرعة التقاضي أمر هام أيضا، ثم بعد أن تصدر الأحكام هناك جهات تنفيذ الأحكام وتلك الجهات بالفعل هي يستشري فيها الفساد ويمكن أن تعطل تنفيذ الأحكام، ومن هنا فإن نفوذ الفاسدين يمكن أن يوقف تنفيذ الأحكام ويمكن أن يسهل هروب المتهمين بحيث أنه لا يتم عقاب المتهمين ويتم..


ليلى الشيخلي (مقاطعة): ولكنني سألتك عن الخطوة التي قبلها، سألتك عن الخطوة التي قبلها عن المحاسبة والرقابة، يعني لحد الآن يبدو أن هناك غيابا كاملا لهذا الأمر لهذه المرحلة إن شئت.


ممدوح الولي: في الحالة المصرية هناك 12 جهة رقابية لكن ليست لها فاعلية على الساحة العملية، لم يشهد المجتمع محاكمة لكبار الفاسدين المعروفين على الساحة سواء المتهمين بالاحتكار أو المعروفين بتلقي الرشاوي من أجل الوساطة في التعيينات وغيرها ومن هنا فإن ما يصل إلى القضاء هو أقل القليل مما يحدث وخاص بالصغار فقط والكبار لهم حماية معروفة.


ليلى الشيخلي: طيب وهذا أيضا ينطبق -محمد المسكاوي- ينطبق أيضا على القوانين وتفعيلها، مثلا القانون الشهير من أين لك هذا؟ قانون يبدو إلى حد ما يوظف لتصفية حسابات ويرفع في وجه ربما من يسقط من دائرة الرضا.


محمد المسكاوي: شكرا، لا بد من التأكيد أولا في أوطاننا العربية ومن بينها المغرب أنه بدون ديمقراطية ومؤسسات ديمقراطية وانتخابات نزيهة وشفافة لا يمكن أن نصل إلى جميع ما نطمح إليه من مؤسسات رقابية ومالية، عندما نتكلم عن القوانين فبطبيعة الحال القوانين في مجال حماية المال العام ومراقبة الثروات الوطنية في المغرب أو في جميع البلدان العربية هي مهمة ولكن الارتكاز في الموضوع يرجع إلى القضاء، حتى لو توفرنا على قوانين ممتازة جدا جدا ولو طبقنا القوانين الأوروبية فستتكسر أمام القضاء الغير نزيه والغير عادل، في المغرب مثلا كتجربة هناك مجموعة من القوانين التي قدمتها الحكومة أي الجهاز التنفيذي، هي قوانين رغم ذلك تبقى مبتورة وغير كاملة مثلا قانون التصريح بالممتلكات وهو ترجمة لقانون من أين لك هذا، لا يتضمن النشر أو إبراء للذمة والسقف المالي المقرر سقف مرتفع جدا يعني يمكن التلاعب به بشكل كبير جدا. لكن أعود وأكرر أنه بدون ديمقراطية فاعلة وانتخابات نزيهة لن تكون هناك أي محاسبة، فالقضاء سيكون تابعا للجهاز التنفيذي وهي معضلة العالم العربي جميع الأنظمة القضائية بالعالم العربي هي تابعة للسلطة التنفيذية وتتحرك بسياسة التعليمات والهواتف، عكس مثلا الدول الديمقراطية الأوروبية، فمثلا تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية أول ما سأل عليه بعد نهاية الحرب هو هل القضاء البريطاني ما زال بخير؟ فعندما أكدوا له أن القضاء البريطاني ما زال بخير اطمأن وقال يمكن أن نشق طريقنا بشكل جيد جدا، فالحكمة من هذه المقولة أن القضاء هو الضامن للاستمرار الضامن للأمن الاقتصادي للأمن المالي للأمن السياسي.


ليلى الشيخلي: طيب ربما أيضا ممدوح العبادي أثيرت نقطة أن.. يعني عادة يحاسب الصغار وإنما الكبار ينجون بفعلتهم لأنه في النهاية الفساد يحتاج إلى غطاء يحتاج إلى دعم ويحتاج إلى جهة نافذة تغطي عليه، هل القضية والمشكلة هي في الفصل بين الإمارة والتجارة هذا الإرث العربي القديم الذي ابتعدنا عنه؟


ممدوح العبادي: يعني نحن نعرف من ديننا القويم أن هناك يجب ألا يكون خلط بين التجارة والإمارة ولكن أنا أريد أن أعود إلى النقطة التي تكلمت عنها وقضية مصفاة البترول في الأردن، أنت تعلمين بأن هناك قبل ستة أشهر بدأ اللغط في الحكومة السابقة على هذا الموضوع ومجلس النواب جاء بالحكومة وحقق معها وأخذ قرارات لم تنفذها الحكومة السابقة ومن ثم جمعية الشفافية الأردنية جمعت كل أطراف القضية سواء كانوا مسؤولين أو غير مسؤولين في ندوة في الشهر 11 من العام الماضي، ومن ثم تطورت القضية وجاءت الحكومة الجديدة وذهبت أول ما ذهبت إلى هيئات مكافحة الفساد ثم حولت هذه القضية إلى المحكمة، الآن كل هذه الإجراءات حدثت في التمهيد من سلطة تشريعية لمجتمع مدني لحكومة، الآن الكرة في ملعب القضاء، نحن نتمنى أن يخرج علينا القضاء بقرار نزيه وعادل حتى تكتمل الصورة، هذه القضية يمكن أوائل القضايا التي تجري في الأردن خلال العشرين سنة الماضية لم تخرج علينا قضية كبرى زي ما تكلمت ستي أن القضايا الصغيرة الفساد الصغير رشوة موظف صغير كل هذه الأمور كانت تجري مظبوط ولكن الآن هذه قضية كبرى مئات الملايين من الدولارات، هذه القضية نتمنى أن يحكم فيها القضاء بشفافية وبنزاهة حتى نستطيع أن نقول إننا تقدمنا خطوة إلى الأمام في مكافحة الفساد.


ليلى الشيخلي: فعلا يعني هذه ظاهرة بدأت تنتشر، ممدوح الولي، بدأ يسلط ضوء بشكل أكبر على رؤوس كبيرة في وقت كنا في السابق فقط نسمع عن الرؤوس الصغيرة، هل السبب أن الإعلام أصبح لديه حرية أكبر؟ هل السبب أن وسائل التكنولوجيا الحديثة من كاميرات تسجيل وهواتف محمولة ممكن أن يسجل فيها المرء بأي لحظة، يعني تحول المواطن العادي إلى مخبر وفي الواقع لا يحتاج ولا ينتظر إلى جهة حكومية حتى تنشر الموضوع، الموضوع ينشر هكذا على الملأ ويتحول العالم كله إلى حكم من خلال twitter والـ facebook وما إلى ذلك، هل هذا ما لعب الدور الأكبر؟


ممدوح الولي: قد تكون بالفعل حرية الإعلام في بعض البلدان مثل لبنان ومصر تعطي انطباعا لدى المتابع للإعلام العربي أن هناك فسادا أكثر في تلك البلدان من غيرها إلا أن هذا مرتبط بحرية الإعلام فقط وليس بواقع الحال في تلك البلدان، الأمر الآخر أنه لم يحدث حتى الآن اللحاق ومساءلة الكبار، نحن نتحدث فقط عن مسؤولين سابقين، سواء في قضية الأردن الأخيرة أو التحقيق مع وزير الإسكان السابق في مصر أو مع مسؤولين سابقين في شركة سونتراك كلهم سابقون لا نتحدث عن مسؤولين حاليين رغم وقوع حالات تسبب أخطاء قاتلة من قبل من هم بالحكم في دول عربية كثيرة وإن كانت هناك بادرة سمعناها بما يتحقق في إقالة الوزير البحريني الذي هو كان في منصبه كبادرة أولى لم تحدث في دول الخليج من قبل.


ليلى الشيخلي: وأيضا هناك في الكويت أمثلة على ذلك، على العموم هناك أسئلة كثيرة سنتابع الحديث عن الفساد وانعكاساته السلبية على اقتصادات البلدان العربية وعلى الحياة الاجتماعية والسياسية وكيف يتحول الفساد إلى مؤسسة وطبعا فيتامين واو الذي جربناه ربما بدون قصد كلنا، بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لأضرار الفساد


ليلى الشيخلي: أهلا بكم من جديد إلى هذه الحلقة التي نناقش فيها ظاهرة الفساد في العالم العربي ودور القضاء في مكافحتها. محمد المسكاوي، هل هناك مشكلة في أن الفساد في كثير من دولنا العربية يتحول إلى مؤسسة وربما مؤسسة تعمل بكفاءة لا مثيل لها في دوائر أخرى سواء حكومية أو خاصة، كيف يمكن إيقاف هذه الحلقات؟


محمد المسكاوي: اسمحي لي لا بد إضافة بسيطة بالنسبة للمحور الأول، أنا والضيفان عندما تكلمنا تكلمنا من منطلق المشاكل على المستوى المحلي أي على المنطقة العربية وأريد أن أشير إلى مسؤولية الدول الأوروبية في استشراء الفساد العربي، مثلا عندما كان مشكل الإرهاب الدولي بشكل عام قامت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية بسن قوانين صارمة لمراقبة طرق صرف أموال ما يسمى الإرهابيين، أما على مستوى الاختلاسات وتبيض الأموال فإن هناك حرية كبيرة جدا للمختلسين العرب في تلك المصارف الأوروبية، فمسؤولية الدول الأوروبية هنا ثابتة وكان من المفروض أيضا أن تقوم بنفس الأمر بما قامت به على مستوى الإرهاب، أن تراقب الأموال التي تحول إليها خارج النطاق الرسمي وأن تعالج إرهاب الجيوب بدل الإرهاب الآخر الذي..


ليلى الشيخلي (مقاطعة): في الواقع هناك قضايا كشفت بسبب هذه المحاولات في إطار الإرهاب ربما ولكن في معرض هذا البحث تم الكشف عن فاسدين كثر في العالم العربي من خلالها.


محمد المسكاوي: اسمحي لي، هل يمكن اليوم مثلا دولة كسويسرا أن تعطينا كشوفات للحسابات السرية التي توجد لدى المسؤولين الكبار العرب للأموال التي يودعونها في البنوك السويسرية؟ فمثلا يمكن أن تأتي البنوك السويسرية وأن تعطي كشوفات سنوية عن حجم المبالغ التي تحول إليها سنويا، المبالغ الشرعية والمبالغ غير الشرعية. اسمحي لي نقطة أخيرة في هذا الباب، نحن في الهيئة الوطنية مثلا لحماية المال العام، بصدد إعداد دراسة سترفع إلى المحكمة الجنائية الدولية  من أجل أن.. أو توصية من أجل أن توسع اختصاصاتها الجنائية لكي تشمل الجرائم الاقتصادية. بخصوص سؤالك لو سمحت ففعلا نحن في المغرب نعتبر وباقي بلدان دول العالم العربي أن قضية الرشوة والفساد أصبحت ظاهرة هيكلية وبنيوية، من أكبر صفقة إلى أصغر صفقة، من أكبر مسؤول إلى أصغر مسؤول فبالتالي بالنسبة للحل لهذه المعضلة وهي تكاد تكون عامة لا على مستوى التأثيرات والانعكاسات وعلى مستوى الحدود، الحل الوحيد في..


ليلى الشيخلي (مقاطعة): نعم، والمصيبة أيضا ربما أسألك ممدوح العبادي المصيبة أنها مقبولة اجتماعيا، أصبحنا كلنا يعني من لديه مثلا أطفال يريد أن يلحقهم بمدرسة يحتاج إلى واسطة معينة، يخرج شاب من الجامعة يتخرج يبحث عن وظيفة، يعني هذا شيء أصبح مقبولا جدا فيتامين واو في العضل لا مشكلة، يعني هذا شيء عادي، أليست هنا تكمن الخطورة؟


ممدوح العبادي: شكرا لك يعني أنا لي مقولة أقول نحن نشتم الفساد لكننا نحترم الفاسدين في مجتمعنا، وكثير من أبناء شعبنا يعرف أن هذا فاسد من أين له هذا ولكنه يحترمه لسوء الحظ. أنا بدي أقول بس شغلة أن قضية المصفاة التي حدثت في الأردن الذي أول من أشار إليها وأول من فتحها في هذا الموضوع، ثانيا ليس المتهمين ويعني أنا لا أتهم أحدا ولكن أقول المتهمون هم عاملون وليسوا مسؤولين سابقين، اثنان منهم من ثلاثة وواحد رجل أعمال طبعا، ولكن أنا بأقول إن الفساد كمؤسسة وخصوصا بين الفساد الكبير بين رجال السياسة والأعمال وموظفي الدولة الكبار هم الذين يعملون من هذه القضية مؤسسة صعب اختراقها وكلما حاولت مؤسسات المجتمع المدني والإعلام والخيرون في الوطن العربي أن يحاربوا وأنا مع زميلي المغربي الذي قال رئيس المعارضة الماليزية في إحدى المؤتمرات في أوروبا قال للأوروبيين أنتم تشاركون في الفساد أفصحوا عن الأموال التي في حوزتكم للفاسدين من دول العالم الثالث التي يذهبون فيها إلى سويسرا وغير سويسرا، ولذلك نحن نقول إن محاربة الفساد ليس على المستوى المحلي فقط بل محاربته يجب أن تكون على المستوى العالمي ابتداء من الفساد المحلي لتبييض الأموال وكل هذه الأمور هذه مهمة لمحاربة هذه الآفة العالمية.


ليلى الشيخلي: نعم والنتيجة أن الأغنياء يصبحون أكثر غنى والفقراء يصبحون أكثر فقرا لأن المتضرر الأكبر ربما الطبقة المتضررة أكثر شيء من الفساد هي الطبقة الفقيرة. ولكن أيضا اسمح لي ممدوح الولي أن نفتح موضوع الاقتصاد وتأثره أيضا، الاستثمار الخارجي الأجنبي باستشراء الفساد في دولة أكثر من غيرها.


ممدوح الولي: بالفعل هناك آثار اقتصادية متعددة للفساد، عندما تتم مسألة اتساع التهرب الضريبي والجمركي فإن إيرادات الموازنات تنخفض، عندما تزيد العمولات والرشاوي فإن تكاليف ومصروفات المشروعات المنفذة الحكومية تزيد ومن هنا تراجع في الإيرادات وزيادة في المصروفات مما يسبب عجزا في الموازنات الحكومية وما يترتب عليه من ضعف في النفقات المخصصة للاستثمارات المحلية، عندما تزيد حالة الفساد في إحدى الدول فإن الاستثمار الأجنبي المباشر سوف يبتعد نسبيا عن تلك الدول، حالة الأردن على سبيل المثال ومع زيادة عجز الموازنة إلى اثنين مليار دولار خلال العالم الماضي أدت إلى قيام الحكومة بخطة تقشف من ضمنها وقف التعيينات الجديدة مما يؤثر على فرص العمل، أيضا هناك تسرب للمعونات الخارجية التي تأتي للدول العربية من خلال الفساد ومن هنا فإن هناك العديد من الآثار السلبية الاقتصادية نتيجة الفساد.


ليلى الشيخلي: إذاً أينما نظرت للموضوع خارجيا داخليا اجتماعيا سياسيا الموضوع فعلا مؤلم ومخز ورحم الله عبد الرحمن الكواكبي عندما قال قبل أكثر من قرن من الزمن "الفساد أس الاستبداد" بهذا أختم الحلقة وأشكر ضيوفي من عمان ممدوح العبادي رئيس جمعية الشفافية الأردنية ومن القاهرة ممدوح الولي نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام للشؤون الاقتصادية، ومن الرباط محمد المسكاوي عضو الهيئة الوطنية لحماية المال العام، وأشكركم مشاهدينا الكرام على متابعة هذه الحلقة من ما وراء الخبر، بأمان الله.