المشاء

الفاسي الفهري.. رباط اللسان

يتجول “المشاء” مرة أخرى في الرباط، فأبوابها تورط المشَّائين، حيث كل زاوية من زواياها تحيلك إلى الإبداع وتمد في إقامتك فيه، وفي هذه المرة مع عالم اللسانيات الفاسي الفهري.

عجيب ما يقوله عالم اللسانيات المغربي الفاسي الفهري، يذهب من اللغة إلى الحضارة لينتقل إلى الاقتصاد وغيره، يقنعنا منذ قرون بأن مشكلة إفلاسنا تكمن في لغتنا.

في حلقة الخميس (17/7/2014) يتجول "المشاء" في الرباط مرة أخرى، فأبوابها تورط المشَّائين، فهي لا تصلح كثيرا للخروج، حيث كل زاوية من زواياها تحيلك إلى الإبداع وتمد في إقامتك فيه.

يحاول المشَّاء في الرباط أن يلهث ابتغاء الفهم وراء علاَّمة بلغ العالمية حينما بلَّغ للعالم أسرار لغته، وصاغ النحو على غير النحو الذي نعلم.. عبد القادر الفاسي الفهري عالم اللسانيات العربي المغربي، مطلوب في معظم عواصم العالم العلمية، لكنه لا يؤوب إلا إلى الرباط.

يعد الفهري من أبرز رموز البحث العلمي في المغرب المعاصر، يرجع إليه الفضل الكثير في إدخال اللسانيات إلى الجامعة المغربية بصفة علمية دقيقة، وفي تطوير اللسانيات العربية، ومساره العلمي والتكويني يكشف الطينة التي ينتمي إليها هذا الباحث الفذ.

أرسى الفهري تحليل ومعالجة القضايا اللسانية اللغوية بالمناهج المتقدمة عالميا، وخاض في بحر القضايا التي تشغل بال المجتمع في مجالات أخرى مرتبطة بالتربية والتعليم والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والاقتصاد والتنمية والتخلف والهوية.

مشروع متفرد وجاد ومتكامل يجمع بين المواصفات العلمية والأخلاقية والانخراط الدؤوب في أسئلة المجتمع وقضاياه.

يسلط الفهري الضوء على المكاسب التي يمكن للدول العربية أن تحققها من اللغة العربية، اقتصاديا وتجاريا، قائلا "إذا كنت تدرس باللغة العربية فهذا يخلق عملا للأساتذة العرب، والعكس صحيح، إذن هناك ارتباط بين اللغة والعمل".

وفي تأليف الكتب أيضا، حينما تؤلف كتابا، إذا كنت كويتيا وكتبت رواية باللغة العربية سيقرؤها العرب، ومداخيلك من الرواية ستستفيد من ذلك، إذن فهي وسيلة لبيع المنتج العربي.

ويضيف أن هناك أشياء كثيرة قدمتها اللسانيات للبشرية في كل مكان واختصاص، حيث المعرفة الأعمق للغات، والمقارنة الأعمق للغات ولأصل اللغة نفسه.

وعن المفارقة بين النص في الدساتير العربية على العناية والاهتمام باللغة، ثم الاعتداء عليها في الحياة اليومية، يؤكد الفهري ضرورة وجود تخطيط تشريعي ينقل المبادئ العامة الموجودة في الدستور إلى ممارسات أساسية في ميدان اللغة، لأن اللغة إذا لم تمارس في الحياة اليومية بالمدارس والبحث العلمي وكل المجالات فإن المبادئ الدستورية لا تكفي.

ويضيف "اليوم لا يمكن أن نكتفي بلغة واحدة، حتى الولايات المتحدة تشجع أبناءها على تعلم لغة أخرى لتحسين فرصهم الاقتصادية، ومن بين هذه اللغات اللغة العربية. لا بد من تخطيط محكم للحفاظ على اللغة العربية، فهي لغة الهوية، ولغة الفرص والتموقع الحضاري للعرب".

البداية والنشأة
وعن بداياته، يعود الفهري إلى طفولته في مدينة فاس، قائلا "والدي رحمة الله عليه كان رجل مبادئ وتربية، وأمي متحضرة تتقن كل ما تفعل.. نشأت في أسرة مكونة من 16 من الأبناء والبنات وأم ثانية طيبة رحمها الله".

ويتابع "في هذه الأسرة فُطرنا على اللغة العربية وآداب الإسلام.. وكان الوالد رحمة الله عليه رجل فن وذوق وكان يعزف على العود والكمان والبيانو وغيرها.. حيث تطبعنا منذ البداية بهذه التنشئة الوطنية والفنية والمنفتحة على اللغة، وبعد ذلك تميزتُ في الفرنسية والحساب".

في عام 1968 انتقل الفاسي الفهري إلى الرباط، حيث درس في المدرسة الثانوية، وفي نفس الوقت حاول أن يعمل في تخصص الفلسفة، لكن الدروس كانت عقيمة، ثم كانت محاولة لولوج الاقتصاد، ثم تلا ذلك التوجه إلى فقه اللغة.

سيرة ذاتية غنية بالأدب والفلسفة والاقتصاد واللغة، فضلا عن تنشئة عائلية تربى فيها على الفن، ولعلها ما تجعل ما يقوله متنوعا بين كل هذه المجالات.