المشاء

جدل المغرب والمشرق

تناولت الحلقة الألم الثقافي المغاربي مما سماه البعض إجحافا مشرقيا في حق الإبداع المغربي. والتقى المشاء عددا من الفلاسفة والأدباء من المغرب العربي لمناقشة هذه القضية.

لا يزال الجدل قائما حول النظرة المتبادلة بين المشرق العربي والمغرب العربي حول الإبداع، ويثار من حين لآخر ألم ثقافي مغاربي مما يعتبره البعض إجحافا مشرقيا بحق المبدعين والإبداع المغاربي.

"المشّاء" تجول مع عدد من الأدباء والمفكرين والمبدعين المغاربة وناقش هذه القضية، كل يرويها ويراها من وجهة نظره. 

يرى المفكر والأديب بنسالم حميش أن العلاقة لم تكن سوية ولم تكن متساوية بين الجناحين المكونين للعالم العربي، وإذا رجعنا إلى التاريخ نجد أن الكثير من الأعلام مغاربة، مثل الشيخ الأكبر ابن عربي وابن خلدون وعبد الله كنون.

ويضيف أن هؤلاء كانوا يشتكون مما يلحقهم من طرف المشارقة الذين كانت لديهم نوع من عقدة التفوق وأنهم كانوا سباقين إلى أمور كثيرة، في حين أن هذا غير صحيح، فالمغاربة في مجال الفلسفة لديهم أهم الأسماء وأكبرها على أي حال، وكذلك في الشعر والنثر، وكانت لهم رؤية أشمل للكتابة باللغة العربية.

وبحسب حميش فإن خيرة الأعلام المغاربة كان يسوؤهم هذا الجحود بهم، وما جعل عبد الله كنون يكتب مؤلفه "النبوغ المغربي" هو أنه لاحظ هذا الإجحاف والجحود عندما قضى بعض الوقت في القاهرة، فكتب هذا للتعريف بالتراث المغربي في مجالات الشعر والنثر والحكايات وغيرها.

ويرى أن على المغاربة أن يظهروا بالفعل والإنتاج القوي "لنؤكد أننا ودعنا ذلك الزمان، وأن نعطي أعمالا إبداعية وبحثية قوية ونقول: هذه شهادتنا تدل علينا".

بدوره، يؤكد المؤرخ محمد مزين أن عددا من فقهاء المغرب لديهم مكانة عند الأندلسيين وعند المشارقة، وأيضا عند مدينة القيروان، هذه المكانة جاءت من مدينة فاس، ومن مختلف الهجرات التي استقبلتها المدينة التي كانت تشمل علماء وفقهاء.

ويضيف "عندما نصل إلى القرن الرابع عشر الميلادي نجد أن فاس أصبحت محجا لعدد من العلماء المشهورين كابن خلدون وابن الخطيب، وابن ميمون الذي جاء من قرطبة، فضلا عن عدد من العلماء المعروفين كابن الحجاج".

شجرة الإبداع
أما الروائي بهاء الدين الطود فيرى القضية من وجهة نظره قائلا: خلال الحياة الدراسية كنا متعطشين لمعرفة المشرق آنذاك، وكان الأصل هو المشرق، وكنا نقول إن هذا الاختلاف القُطري ما بين المغرب والمشرق كالأغصان في شجرة الإبداع العربي، ولا فرق بين الأقطار العربية، فالثقافة واحدة وأغصانها موجودة في العالم العربي.

ومن جهته، يقول الشاعر عبد الكريم الطبال إن العلاقة بين الشعر المغربي -وبالأخص في تطوان- مع الشعر المشرقي، كانت علاقة قوية وعميقة.

فالشعر المغربي كان متأثرا بالتيار الرومانسي الذي كان طاغيا في العالم العربي كله، وبالأخص في لبنان ومصر.

ومن ناحية الموسيقى يرى الموسيقي أحمد طنطاوي أن جذور الطرب الموسيقي الأولى تعود إلى المشرق، فالفاتحون الأوائل حملوا معهم ثقافتهم وخصوصا الغناء المشرقي الذي تكلل بقدوم زرياب إلى الأندلس.

لكن لم تبق الموسيقى العربية في الأندلس كما وردت من المشرق، وإنما تطورت بشكل محلي فنشأ عنها شكل جديد.

وفي الختام يقول الفاسي الفهري "لا أريد أن أميز بين المثقفين والمفكرين العرب، لكن أوجه سؤالا لأي مفكر ومثقف عربي يمكن أن يهتم بهذا الموضوع: لماذا تقدم الغرب؟ لماذا تقدم الآسيويون ولم يتقدم العرب؟

ويستطرد "طبعا هناك من أعطى أجوبة، ولكن قناعتي أن عدم التقدم يتجلى في كون اللغة في مجتمعنا تم إفسادها، وفقدت المعنى الذي يكون أساسيا حينما نتكلم، وفقدت ارتباطها بالفعل".

ويتساءل "هل من إصلاح للغة العربية وللغاتنا بصفة عامة في العالم العربي يمكن أن يربط ما نقول بما نفعل؟ وكيف يمكن ذلك؟".